تفسير الشوكاني تفسير الصفحة 25 من المصحف



فتح القدير - صفحة القرآن رقم 25

024

وقد تقدم تفسير 163- "الرحمن الرحيم". وقوله: "وإلهكم إله واحد" فيه الإرشاد إلى التوحيد وقطع علائق الشرك، والإشارة إلى أن أول ما يجب بيانه ويحرم كتمانه هو أمر التوحيد. وقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: سأل معاذ بن جبل أخو بني سلمة وسعد بن معاذ أخو بني الأشهل وخارجة بن زيد أخو بني الحارث بن الخزرج نفراً من أحبار اليهود عن بعض ما في التوراة، فكتموهم إياه وأبوا أن يخبروهم، فأنزل الله فيهم: "إن الذين يكتمون ما أنزلنا" الآية. وقد روي عن جماعة من السلف أن الآية نزلت في أهل الكتاب لكتمهم نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم. وأخرج ابن ماجه وابن المنذر وابن أبي حاتم عن البراء بن عازب قال: " كنا في جنازة مع النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إن الكافر يضرب ضربة بين عينيه فتسمعه كل دابة الثقلين، فتلعنه كل دابة سمعت صوته، فذلك قول الله تعالى: "ويلعنهم اللاعنون" " يعني دواب الأرض. وأخرج عبد بن حميد عن عطاء قال: الجن والإنس وكل دابة. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في شعب الإيمان قال في تفسير الآية: إن دواب الأرض والعقارب والخنافس يقولون: إنما منعنا القطر بذنوبهم فيلعنونهم. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عكرمة نحوه. وأخرج عبد بن حميد عن أبي جعفر قال: يلعنهم كل شيء حتى الخنفساء. وقد وردت أحاديث كثيرة في النهي عن كتم العلم والوعيد لفاعله. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله: "إلا الذين تابوا وأصلحوا" قال: أصلحوا ما بينهم وبين الله، وبينوا الذي جاءهم من الله ولم يكتموه ولم يجحدوه. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: "أتوب عليهم" يعني أتجاوز عنهم. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية قال: إن الكافر يوقف يوم القيامة فيلعنه الله، ثم تلعنه الملائكة، ثم يلعنه الناس أجمعون. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال: يعني بالناس أجمعين المؤمنين. وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله: "خالدين فيها" يقول: خالدين في جهنم في اللعنة. وقال في قوله: "ولا هم ينظرون" يقول: ألا ينظرون فيعتذرون. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "ولا هم ينظرون" قال: لا يؤخرون. وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والدارمي والترمذي وصححه وابن ماجه عن أسماء بنت يزيد بن السكن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين "وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم"، و" الم * الله لا إله إلا هو الحي القيوم "". وأخرج الديلمي عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس شيء أشد على مردة الجن من هؤلاء الآيات التي في سورة البقرة "وإلهكم إله واحد" الآيتين".
لما ذكر سبحانه التوحيد بقوله: "وإلهكم إله واحد" عقب ذلك بالدليل الدال عليه، وهو هذه الأمور التي هي من أعظم صنعة الصانع الحكيم، مع علم كل عاقل بأنه لا يتهيأ من أحد من الآلهة التي أثبتها الكفار أن يأبى بشيء منها، أو يقتدر عليه أو على بعضه، وهي خلق السموات، وخلق الأرض، وتعاقب الليل والنهار، وجري الفلك في البحر، وإنزال المطر من السماء، وإحياء الأرض به، وبث الدواب منها بسببه، وتصريف الرياح، فإن من أمعن نظره وأعمل فكره في واحد منها انبهر له، وضاق ذهنه عن تصور حقيقته. وتحتم عليه التصديق بأن صانعه هو الله سبحانه، وإنما جمع السموات لأنها أجناس مختلفة، كل سماء من جنس غير جنس الأخرى، ووحد الأرض لأنها كلها من جنس واحد وهو التراب. والمراد باختلاف الليل والنهار تعاقبهما بإقبال أحدهما وإدبار الآخر، وإضاءة أحدهما وإظلام الآخر. والنهار: ما بين طلوع الفجر إلى غروب الشمس. وقال النضر بن شميل: أول النهار طلوع الشمس، ولا يعد ما قبل ذلك من النهار. وكذا قال ثعلب، واستشهد بقول أمية بن أبي الصلت: والشمس تطلع كل آخر ليلة حمراء يصبح لونها يتورد وكذا قال الزجاج. وقسم ابن الأنباري الزمان إلى ثلاثة أقسام: قسماً جعله ليلاً محضاً، وهو من غروب الشمس إلى طلوع الفجر. وقسماً جعله نهاراً محضاً، وهو من طلوع الشمس إلى غروبها. وقسماً جعله مشتركاً بين النهار والليل، وهو ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس لبقايا ظلمة الليل ومبادئ ضوء النهار. هذا باعتبار مصطلح أهل اللغة. وأما في الشرع فالكلام في ذلك معروف. والفلك: السفن، وإفراده وجمعه بلفظ واحد، وهو هذا ويذكر ويؤنث. قال الله تعالى: "في الفلك المشحون"، 164- "والفلك التي تجري في البحر" وقال: "حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم" وقيل: واحده فلك بالتحريك، مثل أسد وأسد. وقوله: "بما ينفع الناس" يحتمل أن تكون ما موصولة أي بالذي ينفعهم، أو مصدرية: أي بنفعهم، والمراد بما أنزل من السماء المطر الذي به حياة العالم وإخراج النبات والأرزاق. والبث: النشر، والظاهر أن قوله: "بث" معطوف على قوله: "فأحيا" لأنهما أمران متسببان عن إنزال المطر. وقال في الكشاف: إن الظاهر عطفه على أنزل. والمراد بتصريف الرياح: إرسالها عقيماً، وملقحة وصراً ونصراً، وهلاكاً وحارةً وباردةً، ولينةً عاصفةً، وقيل تصريفها: إرسالها جنوباً وشمالاً ودبوراً، وصباً ونكباً وهي التي تأتي بين مهبي ريحين، وقيل تصريفها: أن تأتي السفن الكبار بقدر ما تحملها والصغار كذلك، ولا مانع من حمل التصريف على جميع ما ذكر. والسحاب سمي سحاباً لانسحابه في الهواء، وسحبت ذيلي سحباً وتسحب فلان على فلان: اجترأ. والمسخر: المذلل، وسخره: بعثه من مكان إلى آخر، وقيل تسخيره: ثبوته بين السماء والأرض من غير عمد ولا علائق. والأول أظهر. والآيات الدلالات على وحدانيته سبحانه لمن ينظر ببصره ويتفكر بعقله. وقد أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال: قالت قريش للنبي صلى الله عليه وسلم: ادع الله أن يجعل لنا الصفا ذهباً نتقوى به على عدونا، فأوحى الله إليه: إني معطيهم فأجعل لهم الصفا ذهباً، ولكن إن كفروا بعد ذلك عذبتهم عذاباً لا أعذبه أحداً من العالمين، فقال: "رب دعني وقومي فأدعوهم يوماً بيوم"، فأنزل الله هذه الآية. وأخرج نحوه عبد بن حميد وابن جرير عن سعيد بن جبير. وأخرج وكيع والفريابي وآدم بن أبي إياس وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي الضحى قال: لما نزلت "وإلهكم إله واحد" عجب المشركون وقالوا: إن محمداً يقول: "وإلهكم إله واحد" فليأتنا بآية إن كان من الصادقين، فأنزل الله "إن في خلق السموات والأرض" الآية. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عطاء نحوه. وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن سليمان قال: الليل موكل به ملك يقال له شراهيل، فإذا حان وقت الليل أخذ خرزة سوداء فدلاها من قبل المغرب، فإذا نظرت إليها الشمس وجبت في أسرع من طرفة عين، وقد أمرت الشمس أن لا تغرب حتى ترى الخرزة، فإذا غربت جاء الليل، فلا تزال الخرزة معلقة حتى يجيء ملك آخر يقال له هراهيل بخرزة بيضاء فيعلقها من قبل المطلع، فإذا رآها شراهيل مد إليه خرزته، وترى الشمس الخرزة البيضاء، فتطلع، وقد أمرت أن لا تطلع حتى تراها، فإذا طلعت جاء النهار. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله: "والفلك" قال: السفينة. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال: "بث" خلق، وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: "وتصريف الرياح" قال: إذا شاء جعلها رحمة لواقح للسحاب، وبشراً بين يدي رحمته، وإذا شاء جعلها عذاباً ريحاً عقيماً لا تلقح. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي بن كعب قال: كل شيء في القرآن من الرياح فهي رحمة، وكل شيء في القرآن من الريح فهي عذاب. وقد ورد في النهي عن سب الريح وأوصافها أحاديث كثيرة لا تعلق لها بالآية.
لما فرغ سبحانه من الدليل على وحدانيته، أخبر أن مع هذا الدليل الظاهر المفيد لعظيم سلطانه، وجليل قدرته وتفرده بالخلق، قد وجد في الناس من يتخذ معه سبحانه نداً يعبده من الأصنام. وقد تقدم تفسير الأنداد، مع أن هؤلاء الكفار لم يقتصروا على مجرد عبادة الأنداد، بل أحبوها حباً عظيماً وأفرطوا في ذلك إفراطاً بالغاً، حتى صار حبهم لهذه الأوثان ونحوها متمكناً في صدورهم كتمكن حب المؤمنين لله سبحانه، فالمصدر في قوله: 165- "كحب الله" مضاف إلى المفعول، والفاعل محذوف وهو المؤمنون. ويجوز أن يكون المراد كحبهم لله: أي عبدة الأوثان قاله ابن كيسان والزجاج. ويجوز أن يكون هذا المصدر من المبني للمجهول: أي كما يحب الله. والأول أولى لقوله: "والذين آمنوا أشد حباً لله" فإنه استدراك لما يفيده التشبيه من التساوي: أي أن حب المؤمنين لله أشد من حب الكفار للأنداد، لأن المؤمنين يخصون الله سبحانه بالعبادة والدعاء، والكفار لا يخصون أصنامهم بذلك، بل يشركون الله معهم، ويعترفون بأنهم إنما يعبدون أصنامهم ليقربوهم إلى الله، ويمكن أن يجعل هذا: أعني قوله: "والذين آمنوا أشد حباً لله" دليلاً على الثاني، لأن المؤمنين كانوا أشد حباً لله لم يكن حب الكفار للأنداد كحب المؤمنين لله، وقيل: المراد بالأنداد هنا الرؤساء: أي يطيعونهم في معاصي الله، ويقوي هذا الضمير في قولهم: "يحبونهم" فإن لمن يعقل، ويقويه أيضاً قوله سبحانه عقب ذلك: "إذ تبرأ الذين اتبعوا" الآية. قوله: " ولو يرى الذين ظلموا " قراءة أهل مكة والكوفة وأبو عمرو بالياء التحتية، وهو اختيار أبي عبيد. وقراءة أهل المدينة وأهل الشام بالفوقية، والمعنى على القراءة الأولى: لو يرى الذين ظلموا في الدنيا عذاب الآخرة لعلموا حين يرونه أن القوة لله جميعاً قاله أبو عبيد. قال النحاس: وهذا القول هو الذي عليه أهل التفسير انتهى. وعلى هذا فالرؤية هي البصرية لا القلبية. وروي عن محمد بن يزيد المبرد أنه قال: هذا التفسير الذي جاء به أبو عبيد بعيد، وليست عبارته فيه بالجيدة، لأنه يقدر: ولو يرى الذين ظلموا العذاب، فكأنه يجعله مشكوكاً فيه. وقد أوجبه الله تعالى، ولكن التقدير وهو الأحسن: ولو يرى الذين ظلموا أن القوة لله- ويرى بمعنى يعلم: أي لو يعلمون حقيقة قوة الله وشدة عذابه. قال: وجواب لو محذوف: أي ليتبينوا ضرر اتخاذهم الآلهة كما حذف في قوله: "ولو ترى إذ وقفوا على النار" "ولو ترى إذ وقفوا على ربهم" ومن قرأ بالفوقية فالتقدير: ولو ترى يا محمد الذين ظلموا في حال رؤيتهم العذاب وفزعهم منه لعلمت أن القوة لله جميعاً. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم علم ذلك ولكن خوطب بهذا الخطاب، والمراد به أمته، وقيل: "أن" في موضع نصب مفعول لأجله: أي لأن القوة لله، كما قال الشاعر: وأغفر عوراء الكريم ادخاره وأعرض عن شتم اللئيم تكرما أي لادخاره، والمعنى: ولو ترى يا محمد الذين ظلموا في حال رؤيتهم للعذاب، لأن القوة لله لعلمت مبلغهم من النكال، ودخلت "إذ" وهي لما مضى في إثبات هذه المستقبلات تقريباً للأمر وتصحيحاً لوقوعه. وقرأ ابن عامر "إذ يرون" بضم الياء، والباقون بفتحها. وقرأ الحسن ويعقوب وأبو جعفر " أن القوة " و"إن الله" بكسر الهمزة فيهما على الاستئناف، وعلى تقدير القول.
قوله: 166- "إذ تبرأ الذين اتبعوا" بدل من قوله: "إذ يرون العذاب" ومعناه: أن السادة والرؤساء تبرأوا ممن اتبعهم على الكفر. وقوله: "ورأوا العذاب" في محل نصب على الحال: يعني التابعين والمتبوعين، قيل: عند المعاينة في الدنيا، وقيل: عند العرض والمساءلة في الآخرة. ويمكن أن يقال فيهما جميعاً إذ لا مانع من ذلك. قوله: "وتقطعت بهم الأسباب" هي جمع سبب، وأصله في اللغة: الحبل الذي يشد به الشيء ويجذب به، ثم جعل كل ما جر شيئاً سبباً، والمراد بها: الوصل التي كانوا يتواصلون بها في الدنيا من الرحم وغيره، وقيل: هي الأعمال.
والكرة: الرجعة والعودة إلى حال قد كانت، ولو هنا في معنى التمني كأنه قيل: ليت لنا كرة، ولهذا وقعت الفاء في الجواب. والمعنى: أن الأتباع قالوا: لو رددنا إلى الدنيا حتى نعمل صالحاً ونتبرأ منهم كما تبرأوا منا. والكاف في قوله: 167- " كما تبرؤوا منا " في محل نصب على النعت لمصدر محذوف، وقيل: في محل نصب على الحال، ولا أراه صحيحاً. وقوله: "كذلك يريهم الله" في موضع رفع: أي الأمر كذلك: أي كما أراهم الله العذاب يريهم أعمالهم، وهذه الرؤية إن كانت بصرية فقوله: "حسرات" منتصب على الحال، وإن كانت القبيلة فهو المفعول الثالث، والمعنى: أن أعمالهم الفاسدة يريهم الله إياها فتكون عليهم حسرات، أو يريهم الأعمال الصالحة التي أوجبها عليهم فتركوها فيكون ذلك حسرة عليهم. وقوله: "وما هم بخارجين من النار" فيه دليل على خلود الكفار في النار، وظاهر هذا التركيب يفيد الاختصاص، وجعله الزمخشري للتقوية لغرض له يرجع إلى المذهب، والبحث في هذا يطول. وقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله: "ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً" قال: مباهاة ومضاررة للحق بالأنداد "والذين آمنوا أشد حباً لله" قال: من الكفار لآلهتهم. وأخرج ابن جرير عن أبي زيد في هذه الآية قال: هؤلاء المشركون أندادهم آلهتهم التي عبدوا مع الله يحبونهم كما يحب الذين آمنوا الله "والذين آمنوا أشد حباً لله" من حبهم لآلهتهم. وأخرج ابن جرير عن السدي في الآية قال: الأنداد من الرجال يطيعونهم كما يطيعون الله إذا أمروهم أطاعوهم وعصوا الله. وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة نحو ما قال ابن زيد. وأخرج ابن جرير عن الزبيري في قوله: " ولو يرى الذين ظلموا " قال: ولو ترى يا محمد الذين ظلموا أنفسهم فاتخذوا من دوني أنداداً يحبونهم كحبكم إياي حين يعاينون عذابي يوم القيامة الذي أعددت لهم، لعلمتم أن القوة كلها لي دون الأنداد، والآلهة لا تغني عنهم هنالك شيئاً ولا تدفع عنهم عذاباً أحللت بهم، وأيقنتهم أني شديد عذابي لمن كفر بي وادعى معي إلها غيري. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله: "إذ تبرأ الذين اتبعوا" قال: هم الجبابرة والقادة والرؤوس في الشرك "من الذين اتبعوا" قال: هم الشياطين تبرأوا من الإنس. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله: " وتقطعت بهم الأسباب " قال: المودة. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه قال: هي المنازل. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه قال: هي الأرحام. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو نعيم في الحلية عن مجاهد قال: هي الأوصال التي كانت بينهم في الدنيا والمودة. وأخرج عبد بن حميد عن أبي صالح قال: هي الأعمال. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الربيع قال: هي المنازل. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله: "لو أن لنا كرة" قال: رجعة إلى الدنيا. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله: "حسرات" قال: صارت أعمالهم الخبيثة حسرة عليهم يوم القيامة. وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله: "وما هم بخارجين من النار" قال: أولئك أهلها الذين هم أهلها. وأخرج ابن أبي حاتم عن ثابت بن معبد قال: ما زال أهل النار يأملون الخروج منها حتى نزلت "وما هم بخارجين من النار".
قوله: 168- "يا أيها الناس" قيل: إنها نزلت في ثقيف وخزاعة وبني مدلج فيما حرموه على أنفسهم من الأنعام. حكاه القرطبي في تفسيره، ولكن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. وقوله: "حلالاً" مفعول أو حال، وسمي الحلال حلالاً لانحلال عقدة الحظر عنه. والطيب هنا هو المستلذ كما قاله الشافعي وغيره. وقال مالك وغيره: هو الحلال فيكون تأكيداً لقوله: "حلالاً". ومن في قوله: "مما في الأرض" للتبعيض للقطع بأن في الأرض ما هو حرام " خطوات " جمع خطوة بالفتح والضم، وهي بالفتح للمرة، وبالضم لما بين القدمين. وقرأ القراء خطؤات بفتح الخاء، وقرأ أبو سماك بفتح الخاء والطاء، وقرأ علي وقتادة والأعرج وعمرو بن ميمون والأعمش خطؤات بضم الخاء والطاء والهمز على الواو. قال الأخفش: وذهبوا بهذه القراءة إلى أنها جمع خطية من الخطأ لا من الخطو. قال الجوهري: والخطوة بالفتح: المرة الواحدة، والجمع خطوات وخطا انتهى. والمعنى على قراءة الجمهور: لا تقفوا أثر الشيطان وعمله، وكل ما لم يرد به الشرع فهو منسوب إلى الشيطان، وقيل: هي النذور والمعاصي، والأولى التعميم، وعدم التخصيص بفرد أو نوع. وقوله: "إنه لكم عدو مبين" أي ظاهر العداوة، ومثله قوله تعالى: " إنه عدو مضل مبين " وقوله: "إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدواً".
وقوله: 169- "بالسوء" سمي السوء سوءاً لأنه يسوء صاحبه بسوء عاقبته، وهو مصدر ساءه يسوؤه سوءاً ومساءة إذا أحزنه. "والفحشاء" أصله سوء المنظر، ومنه قول الشاعر: وجيد كجيد الرئم ليس بفاحش ثم استعمل فيما يقبح من المعاني، وقيل: السوء: القبيح، والفحشاء: التجاوز للحد في القبح، وقيل السوء: ما لا حد فيه، والفحشاء: ما فيه الحد، وقيل الفحشاء: الزنا، وقيل: إن كل ما نهت عنه الشريعة فهو من الفحشاء. وقوله: "وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون" قال ابن جرير الطبري: يريد ما حرموه من البحيرة والسائبة ونحوهما مما جعلوه شرعاً، وقيل: هو قولهم هذا حلال وهذا حرام بغير علم. والظاهر أنه يصدق على كل ما قبل في الشرع بغير علم. وفي هذه الآية دليل على أن كل ما لم يرد فيه نص أو ظاهر من الأعيان الموجودة في الأرض فأصله الحل حتى يرد دليل يقتضي تحريمه، وأوضح دلالة على ذلك من هذه الآية قوله تعالى: "هو الذي خلق لكم ما في الأرض".