سورة الشعراء | للقراءة من المصحف بخط كبير واضح
استماع mp3 | الجلالين&الميسر | تفسير الشوكاني |
إعراب الصفحة | تفسير ابن كثير | تفسير القرطبي |
التفسير المختصر | تفسير الطبري | تفسير السعدي |
تفسير الشوكاني تفسير الصفحة 370 من المصحف
61- " فلما تراء الجمعان " قرأ الجمهور " تراء " بتخفيف الهمزة، وقرأ ابن وثاب والأعمش من غير همز، والمعنى: تقابلا بحيث يرى كل فريق صاحبه، وهو تفاعل من الرؤية، وقرئ تراءت الفئتان "قال أصحاب موسى إنا لمدركون" أي سيدركنا جمع فرعون ولا طاقة لنا بهم. قرأ الجمهور "إنا لمدركون" اسم مفعول من أدرك، ومنه "حتى إذا أدركه الغرق" وقرأ الأعرج وعبيد بن عمير بفتح الدال مشددة وكسر الراء. قال الفراء: هما بمعنى واحد. قال النحاس: ليس كذلك يقول النحويون الحذاق، إنما يقولون مدركون بالتخفيف ملحقون وبالتشديد مجتهدون في لحاقهم. قال: وهذا معنى قول سيبويه. وقال الزمخشري: إن معنى هذه القراءة إنا لمتتابعون في الهلاك على أيديهم حتى لا يبقى منا أحد.
62- "قال كلا إن معي ربي سيهدين" قال موسى هذه المقالة زجراً لهم وردعاً، والمعنى: أنهم لا يدركونكم، وذكرهم وعد الله بالهداية والظفر، والمعنى: إن معي ربي بالنصر والهداية سيهدين: أي يدلني على طريق النجاة، فلما عظم البلاء على بني إسرائيل ورأوا من الجيوش ما لا طاقة لهم به، وأمر الله سبحانه موسى أن يضرب البحر بعصاه.
وذلك قوله: 63- "فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر" لما قال موسى: "إن معي ربي سيهدين" بين الله سبحانه له طريق الهداية فأمره بضرب البحر، وبه نجا بنو إسرائيل وهلك عدوهم، والفاء في "فانفلق" فصيحة: أي فضرب فانفلق فصار اثنى عشر فلقاً بعدد الأسباط، وقام الماء عن يمين الطريق وعن يساره كالجبل العظيم، وهو معنى قوله: "فكان كل فرق كالطود العظيم" والفرق القطعة من البحر، وقرئ فلق بلام بدل الراء، والطود الجبل قال امرؤ القيس: فبينا المرء في الأحياء طود رماه الناس عن كثب فمالا وقال الأسود بن يعفر: حلوا بأنقرة يسيل عليهم ماء الفرات يجيء من أطواد
64- "وأزلفنا ثم الآخرين" أي قربناهم إلى البحر: يعني فرعون وقومه. قال الشاعر: وكل يوم مضى أو ليلة سلفت فيها النفوس إلى الآجال تزدلف قال أبو عبيدة: أزلفنا جمعنا، ومنه قيل لليلة المزدلفة ليلة جمع، وثم ظرف مكان للبعيد. وقيل إن المعنى: وأزلفنا قربنا من النجاة، والمراد بالآخرين موسى وأصحابه، والأول أولى، وقرأ الحسن وأبو حيوة وزلفنا ثلاثياً، وقرأ أبي وابن عباس وعبد الله بن الحارث وأزلقنا بالقاف: أي أزللنا وأهلكنا من قولهم: أزلقت الفرس إذا ألقت ولدها.
65- "وأنجينا موسى ومن معه أجمعين" بمرورهم في البحر بعد أن جعله الله طرقاً يمشون فيها.
66- "ثم أغرقنا الآخرين" يعني فرعون وقومه أغرقهم الله بإطباق البحر عليهم بعد أن دخلوا فيه متبعين موسى وقومه.
والإشارة بقوله: 67- "إن في ذلك لآية" إلى ما تقدم ذكره مما صدر بين موسى وفرعون إلى هذه الغاية، ففي ذلك آية عظيمة وقدرة باهرة من أدل العلامات على قدرة الله سبحانه وعظيم سلطانه "وما كان أكثرهم مؤمنين" أي ما كان أكثر هؤلاء الذين مع فرعون مؤمنين، فإنه لم يؤمن منهم فيما بعد إلا القليل كحزقيل وابنته، وآسية امرأة فرعون، والعجوز التي دلت على قبر يوسف، وليس المراد أكثر من كان مع فرعون عند لحاقه بموسى فإنهم هلكوا في البحر جميعاً بل المراد من كان معه من الأصل ومن كان متابعاً له ومنتسباً إليه، هذا غاية ما يمكن أن يقال. وقال سيبويه وغيره: إن كان زائدة، وأن المراد الإخبار عن المشركين بعد ما سمعوا الموعظة.
68- "وإن ربك لهو العزيز الرحيم" أي المنتقم من أعدائه الرحيم بأوليائه. وقد أخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن ابي حاتم عن ابن مسعود في قوله: "إن هؤلاء لشرذمة قليلون" قال: ستمائة ألف وسبعون ألفاً. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: كانوا ستمائة ألف. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كان أصحاب موسى الذين جازوا البحر اثني عشر سبطاً، فكان في كل طريق إثنا عشر ألفاً كلهم ولد يعقوب". وأخرج ابن مردويه عنه أيضاً بسند. قال السيوطي: واه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كان فرعون عدو الله حيث أغرقه الله هو وأصحابه في سبعين قائداً مع كل قائد سبعون ألفاً، وكان موسى مع سبعين ألفاً حيث عبروا البحر". وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً قال: كان طلائع فرعون الذين بعثهم في أثرهم ستمائة ألف ليس فيها أحد إلا على بهيم. وأقول: هذه الروايات المضطربة قد روي عن كثير من السلف ما يماثلها في الاضطراب والاختلاف، ولا يصح منها شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس "ومقام كريم" قال: المنابر. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه في قوله: "كالطود" قال: كالجبل. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن ابن مسعود مثله. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس "وأزلفنا" قال: قربنا. وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن أبي موسى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن موسى لما أراد أن يسير ببني إسرائيل أضل الطريق فقال لبني إسرائيل: ما هذا؟ فقال له علماء بني إسرائيل: إن يوسف لما حضره الموت أخذ علينا موثقاً أن لا نخرج من مصر حتى ننقل تابوته معنا، فقال لهم موسى: أيكم يدري أين قبره؟ فقالوا: ما يعلم أحد مكان قبره إلا عجوز لبني إسرائيل، فأرسل إليها موسى فقال: دلينا على قبر يوسف؟ فقالت: لا والله حتى تعطيني حكمي، قال: وما حكمك؟ قالت: أن أكون معك في الجنة، فكأنه ثقل عليه ذلك، فقيل له أعطها حكمها، فأعطاها حكمها، فانطلقت بهم إلى بحيرة مستنقعة ماء، فقالت لهم: انضبوا عنها الماء ففعلوا، قالت: احفروا فحفروا، فاستخرجوا قبر يوسف، فلما احتملوه إذا الطريق مثل ضوء النهار".
قوله: 69- "واتل عليهم" معطوف على العامل في قوله: "وإذ نادى ربك موسى" وقد تقدم، والمراد بنبأ إبراهيم خبره: أي أقصص عليهم يا محمد خبر إبراهيم وحديثه.
و 70- "وإذ قال" منصوب بنبأ إبراهيم: أي وقت قوله: "لأبيه وقومه ما تعبدون" وقيل إذ بدل من نبأ بد اشتمال، فيكون العامل فيه اتل، والأول أولى. ومعنى ما تعبدون: أي شيء تعبدون؟ وهو يعلم أنهم يعبدون الأصنام، ولكنه أراد إلزامهم الحجة.
71- " قالوا نعبد أصناما فنظل لها عاكفين " أي فنقيم على عبادتها مستمراً لا في وقت معين، يقال ظل يفعل كذا: إذا فعله نهاراً، وبات يفعل ليلاً، فظاهره أنهم يستمرون على عبادتها نهاراً لا ليلاً، والمراد من العكوف لها الإقامة على عبادتها، وإنما قال لها لإفادة أن ذلك العكوف لأجلها، فلما قالوا هذه المقالة قال إبراهيم منبهاً على فساد مذهبهم.
72- "هل يسمعونكم إذ تدعون" قال الأخفش: فيه حذف، والمعنى: هل يسمعون منكم، أو هل يسمعون دعاءكم. وقرأ قتادة هل يسمعونكم بضم الياء أي هل يسمعونكم أصواتهم وقت دعائكم لهم.
73- "أو ينفعونكم" بوجه من وجوه النفع "أو يضرون" أي يضرونكم إذا تركتم عبادتهم، وهذا الاستفهام للتقرير، فإنها إذا كانت لا تسمع ولا تنفع ولا تضر فلا وجه لعبادتها، فإذا قالوا نعم هي كذلك أقروا بأن عبادتهم لها من باب اللعب والعبث، وعند ذلك تقوم الحجة عليهم، فلما أورد عليهم الخليل هذه الحجة الباهرة لم يجدوا لها جواباً إلا رجوعهم إلى التقليد البحت وهو أنهم وجدوا آباءهم كذلك يفعلون: أي يفعلون لهذه العبادة لهذه الأصنام مع كونها بهذه الصفة التي هي سلب السمع والنفع والضر عنها، وهذا الجواب هو العصا التي يتوكأ عليها كل عاجز، ويمشي بها كل أعرج ويغتر بها كل مغرور، وينخدع لها كل مخدوع، فإنك لو سألت الآن هذه المقلدة للرجال التي طبقت الأرض بطولها والعرض، وقلت لهم: ما الحجة لهم على تقليد فرد من أفراد العلماء والأخذ بكل ما يقوله في الدين ويبتدعه من الرأي المخالف للدليل لم يجدوا غير هذا الجواب ولا فاهوا بسواه، وأخذوا يعددون عليك من سبقهم إلى تقليد هذا من سلفهم واقتداء بأقواله وأفعاله وهم قد ملأوا صدورهم هيبة، وضاقت أذهانهم عن تصورهم، وظنوا أنهم خير أهل الأرض وأعلمهم وأروعهم، فلم يسمعوا لناصح نصحاً ولا لداع إلى الحق دعاء، ولو فظنوا لوجدوا أنفسهم في غرور عظيم وجهل شنيع وإنهم كالبهيمة العمياء، وأولئك الأسلاف كالعمي الذين يقودون البهائم العمين كما قال الشاعر: كبهيمة عمياء قاد زمامها أعمى على عوج الطريق الحائر فعليك أيها العامل بالكتاب والسنة المبرأ من التعصب والتعسف أن تورد عليهم حجج الله، وتقيم عليهم براهينه، فإنه ربما انقاد لك منهم من لم يستحكم داء التقليد في قلبه، وأما من قد استحكم في قلبه هذا الداءن فلو أوردت عليه كل حجة وأقمت عليه كل برهان لما أعارك إلا أذناً صماء وعيناً عمياء، ولكنك قد قمت بواجب البيان الذي أوجبه عليك القرآن، والهداية بيد الخلاق العليم "إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء" ولما قال هؤلاء المقلدة هذه المقالة.
74- " قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون ".
75- "قال" الخليل "أفرأيتم ما كنتم تعبدون".
76- "أنتم وآباؤكم الأقدمون" أي فهل أبصرتم وتفكرتم ما كنتم تعبدون من هذه الأصنام التي لا تسمع ولا تنفع ولا تضر حتى تعلموا أنكم على ضلالة وجهالة، ثم أخبرهم بالبراءة من هذه الأصنام التي يعبدونها.
فقال: 77- "فإنهم عدو لي" ومعنى كونهم عدواً له مع كونهم جماداً أنه إن عبدهم كانوا له عدواً يوم القيامة. قال الفراء: هذا من المقلوب: أي فإني عدو لهم لأن من عاديته عاداك، والعدو كالصديق يطلق على الواحد والمثنى والجماعة والمذكر والمؤنث، كذا قال الفراء. قال علي بن سليمان: من قال عدوه الله فأثبت الهاء، قال هي بمعنى المعادية، ومن قال عدو للمؤنث والجمع جعله بمعنى النسب. وقيل المراد بقوله: "فإنهم عدو لي" آباؤهم الأقدمون لأجل عبادتهم الأصنام، ورد بأن الكلام مسوق فيما عبدوه لا في العابدين، والاستثناء في قوله: "إلا رب العالمين" منقطع: أي لكن رب العالمين ليس كذلك، بل هو وليي في الدنيا والآخرة. قال الزجاج: قال النحويون: هو استثناء ليس من الأول، وأجاز الزجاج أيضاً أن يكون من الأول على أنهم كانوا يعبدون الله عز وجل ويعبدون معه الأصنام، فأعلمهم أنه تبرأ مما يعبدون إلا الله. قال الجرجاني: تقديره أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم الأقدمون إلا رب العالمين فإنهم عدو لي، فجعله من باب التقديم والتأخير، وجعل إلا بمعنى دون وسوى كقوله: "لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى" أي دون الموتة الأولى. وقال الحسن بن الفضل: إن المعنى إلا من عبد رب العالمين.
ثم وصف رب العالمين بقوله: 79- "الذي خلقني فهو يهدين" أي فهو يرشدني إلى مصالح الدين والدنيا. وقيل إن الموصل مبتدأ وما بعده خبره، والأول أولى. ويجوز أن يكون الموصول بدلاً من رب، وأن يكون عطف بيان له، وأن يكون منصوباً على المدح بتقدير أعني أو أمدح، وقد وصف الخليل ربه بما يستحق العبادة لأجله.
فإن الخلق والهداية والرزق يدل عليه قوله: 80- "والذي هو يطعمني ويسقين" ودفع ضر المرضن وجلب نفع الشفاء، والإماتة والإحياء، والمغفرة للذنب، كلها نعم يجب على المنعم عليه ببعضها فضلاً عن كلها أن يشكر المنعم بجميع أنواع الشكر التي أعلاها وأولاها العبادة، ودخول هذه الضمائر في صدور هذه الجمل للدلالة على أنه الفاعل لذلك دون غيره، وأسند المرض إلى نفسه دون غيره من هذه الأفعال المذكورة رعاية للأدب مع الرب، وإلا فالمرض وغيره من الله سبحانه.
80- "وإذا مرضت فهو يشفين".
ومراده بقوله: 81- "ثم يحيين" البعث، وحذف الياء من هذه الأفعال لكونها رؤوس الآي. وقرأ ابن أبي إسحاق هذه الأفعال كلها بإثبات الياء.
وإنما قال عليه الصلاة والسلام 82- "والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين" هضماً لنفسه، وقيل إن الطمع هنا مبعنى اليقين في حقه، وبمعنى الرجاء في حق سواه. وقرأ الحسن وابن أبي إسحاق خطاياي قالا: ليست خطيئته واحدة. قال النحاس: خطيئة بمعنى خطايا في كلام العرب. قال مجاهد: يعني بخطيئته قوله: "بل فعله كبيرهم هذا"، وقوله: "إني سقيم"، وقوله: إن سارة أخته، زاد الحسن: وقوله للكوكب: "هذا ربي" وحكى الواحدي عن المفسرين أنهم فسروا الخطايا بما فسرها به مجاهد. قال الزجاج: الأنبياء بشر، ويجوز أن تقع عليهم الخطيئة إلا أنهم لا تكون منهم الكبيرة لأنهم معصومون، والمراد بيوم الدين يوم الجزاء للعباد بأعمالهم، ولا يخفى أن تفسير الخطايا بما ذكره مجاهد ومن معه ضعيف، فإن تلك معاريض، وهي أيضاً إنما صدرت عنه بعد هذه المقاولة الجارية بينه وبين قومه. ثم لما فرغ الخليل من الثناء على ربه والاعتراف بنعمه عقبه بالدعاء ليقتدي به غيره في ذلك.
فقال: 83- "رب هب لي حكماً" والمراد بالحكم العلم والفهم، وقيل النبوة والرسالة، وقيل المعرفة بحدود الله وأحكامه إلى آخره "وألحقني بالصالحين" يعني بالنبيين من قبلي، وقيل بأهل الجنة.
فتح القدير - صفحة القرآن رقم 370
36961- " فلما تراء الجمعان " قرأ الجمهور " تراء " بتخفيف الهمزة، وقرأ ابن وثاب والأعمش من غير همز، والمعنى: تقابلا بحيث يرى كل فريق صاحبه، وهو تفاعل من الرؤية، وقرئ تراءت الفئتان "قال أصحاب موسى إنا لمدركون" أي سيدركنا جمع فرعون ولا طاقة لنا بهم. قرأ الجمهور "إنا لمدركون" اسم مفعول من أدرك، ومنه "حتى إذا أدركه الغرق" وقرأ الأعرج وعبيد بن عمير بفتح الدال مشددة وكسر الراء. قال الفراء: هما بمعنى واحد. قال النحاس: ليس كذلك يقول النحويون الحذاق، إنما يقولون مدركون بالتخفيف ملحقون وبالتشديد مجتهدون في لحاقهم. قال: وهذا معنى قول سيبويه. وقال الزمخشري: إن معنى هذه القراءة إنا لمتتابعون في الهلاك على أيديهم حتى لا يبقى منا أحد.
62- "قال كلا إن معي ربي سيهدين" قال موسى هذه المقالة زجراً لهم وردعاً، والمعنى: أنهم لا يدركونكم، وذكرهم وعد الله بالهداية والظفر، والمعنى: إن معي ربي بالنصر والهداية سيهدين: أي يدلني على طريق النجاة، فلما عظم البلاء على بني إسرائيل ورأوا من الجيوش ما لا طاقة لهم به، وأمر الله سبحانه موسى أن يضرب البحر بعصاه.
وذلك قوله: 63- "فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر" لما قال موسى: "إن معي ربي سيهدين" بين الله سبحانه له طريق الهداية فأمره بضرب البحر، وبه نجا بنو إسرائيل وهلك عدوهم، والفاء في "فانفلق" فصيحة: أي فضرب فانفلق فصار اثنى عشر فلقاً بعدد الأسباط، وقام الماء عن يمين الطريق وعن يساره كالجبل العظيم، وهو معنى قوله: "فكان كل فرق كالطود العظيم" والفرق القطعة من البحر، وقرئ فلق بلام بدل الراء، والطود الجبل قال امرؤ القيس: فبينا المرء في الأحياء طود رماه الناس عن كثب فمالا وقال الأسود بن يعفر: حلوا بأنقرة يسيل عليهم ماء الفرات يجيء من أطواد
64- "وأزلفنا ثم الآخرين" أي قربناهم إلى البحر: يعني فرعون وقومه. قال الشاعر: وكل يوم مضى أو ليلة سلفت فيها النفوس إلى الآجال تزدلف قال أبو عبيدة: أزلفنا جمعنا، ومنه قيل لليلة المزدلفة ليلة جمع، وثم ظرف مكان للبعيد. وقيل إن المعنى: وأزلفنا قربنا من النجاة، والمراد بالآخرين موسى وأصحابه، والأول أولى، وقرأ الحسن وأبو حيوة وزلفنا ثلاثياً، وقرأ أبي وابن عباس وعبد الله بن الحارث وأزلقنا بالقاف: أي أزللنا وأهلكنا من قولهم: أزلقت الفرس إذا ألقت ولدها.
65- "وأنجينا موسى ومن معه أجمعين" بمرورهم في البحر بعد أن جعله الله طرقاً يمشون فيها.
66- "ثم أغرقنا الآخرين" يعني فرعون وقومه أغرقهم الله بإطباق البحر عليهم بعد أن دخلوا فيه متبعين موسى وقومه.
والإشارة بقوله: 67- "إن في ذلك لآية" إلى ما تقدم ذكره مما صدر بين موسى وفرعون إلى هذه الغاية، ففي ذلك آية عظيمة وقدرة باهرة من أدل العلامات على قدرة الله سبحانه وعظيم سلطانه "وما كان أكثرهم مؤمنين" أي ما كان أكثر هؤلاء الذين مع فرعون مؤمنين، فإنه لم يؤمن منهم فيما بعد إلا القليل كحزقيل وابنته، وآسية امرأة فرعون، والعجوز التي دلت على قبر يوسف، وليس المراد أكثر من كان مع فرعون عند لحاقه بموسى فإنهم هلكوا في البحر جميعاً بل المراد من كان معه من الأصل ومن كان متابعاً له ومنتسباً إليه، هذا غاية ما يمكن أن يقال. وقال سيبويه وغيره: إن كان زائدة، وأن المراد الإخبار عن المشركين بعد ما سمعوا الموعظة.
68- "وإن ربك لهو العزيز الرحيم" أي المنتقم من أعدائه الرحيم بأوليائه. وقد أخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن ابي حاتم عن ابن مسعود في قوله: "إن هؤلاء لشرذمة قليلون" قال: ستمائة ألف وسبعون ألفاً. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: كانوا ستمائة ألف. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كان أصحاب موسى الذين جازوا البحر اثني عشر سبطاً، فكان في كل طريق إثنا عشر ألفاً كلهم ولد يعقوب". وأخرج ابن مردويه عنه أيضاً بسند. قال السيوطي: واه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كان فرعون عدو الله حيث أغرقه الله هو وأصحابه في سبعين قائداً مع كل قائد سبعون ألفاً، وكان موسى مع سبعين ألفاً حيث عبروا البحر". وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً قال: كان طلائع فرعون الذين بعثهم في أثرهم ستمائة ألف ليس فيها أحد إلا على بهيم. وأقول: هذه الروايات المضطربة قد روي عن كثير من السلف ما يماثلها في الاضطراب والاختلاف، ولا يصح منها شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس "ومقام كريم" قال: المنابر. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه في قوله: "كالطود" قال: كالجبل. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن ابن مسعود مثله. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس "وأزلفنا" قال: قربنا. وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن أبي موسى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن موسى لما أراد أن يسير ببني إسرائيل أضل الطريق فقال لبني إسرائيل: ما هذا؟ فقال له علماء بني إسرائيل: إن يوسف لما حضره الموت أخذ علينا موثقاً أن لا نخرج من مصر حتى ننقل تابوته معنا، فقال لهم موسى: أيكم يدري أين قبره؟ فقالوا: ما يعلم أحد مكان قبره إلا عجوز لبني إسرائيل، فأرسل إليها موسى فقال: دلينا على قبر يوسف؟ فقالت: لا والله حتى تعطيني حكمي، قال: وما حكمك؟ قالت: أن أكون معك في الجنة، فكأنه ثقل عليه ذلك، فقيل له أعطها حكمها، فأعطاها حكمها، فانطلقت بهم إلى بحيرة مستنقعة ماء، فقالت لهم: انضبوا عنها الماء ففعلوا، قالت: احفروا فحفروا، فاستخرجوا قبر يوسف، فلما احتملوه إذا الطريق مثل ضوء النهار".
قوله: 69- "واتل عليهم" معطوف على العامل في قوله: "وإذ نادى ربك موسى" وقد تقدم، والمراد بنبأ إبراهيم خبره: أي أقصص عليهم يا محمد خبر إبراهيم وحديثه.
و 70- "وإذ قال" منصوب بنبأ إبراهيم: أي وقت قوله: "لأبيه وقومه ما تعبدون" وقيل إذ بدل من نبأ بد اشتمال، فيكون العامل فيه اتل، والأول أولى. ومعنى ما تعبدون: أي شيء تعبدون؟ وهو يعلم أنهم يعبدون الأصنام، ولكنه أراد إلزامهم الحجة.
71- " قالوا نعبد أصناما فنظل لها عاكفين " أي فنقيم على عبادتها مستمراً لا في وقت معين، يقال ظل يفعل كذا: إذا فعله نهاراً، وبات يفعل ليلاً، فظاهره أنهم يستمرون على عبادتها نهاراً لا ليلاً، والمراد من العكوف لها الإقامة على عبادتها، وإنما قال لها لإفادة أن ذلك العكوف لأجلها، فلما قالوا هذه المقالة قال إبراهيم منبهاً على فساد مذهبهم.
72- "هل يسمعونكم إذ تدعون" قال الأخفش: فيه حذف، والمعنى: هل يسمعون منكم، أو هل يسمعون دعاءكم. وقرأ قتادة هل يسمعونكم بضم الياء أي هل يسمعونكم أصواتهم وقت دعائكم لهم.
73- "أو ينفعونكم" بوجه من وجوه النفع "أو يضرون" أي يضرونكم إذا تركتم عبادتهم، وهذا الاستفهام للتقرير، فإنها إذا كانت لا تسمع ولا تنفع ولا تضر فلا وجه لعبادتها، فإذا قالوا نعم هي كذلك أقروا بأن عبادتهم لها من باب اللعب والعبث، وعند ذلك تقوم الحجة عليهم، فلما أورد عليهم الخليل هذه الحجة الباهرة لم يجدوا لها جواباً إلا رجوعهم إلى التقليد البحت وهو أنهم وجدوا آباءهم كذلك يفعلون: أي يفعلون لهذه العبادة لهذه الأصنام مع كونها بهذه الصفة التي هي سلب السمع والنفع والضر عنها، وهذا الجواب هو العصا التي يتوكأ عليها كل عاجز، ويمشي بها كل أعرج ويغتر بها كل مغرور، وينخدع لها كل مخدوع، فإنك لو سألت الآن هذه المقلدة للرجال التي طبقت الأرض بطولها والعرض، وقلت لهم: ما الحجة لهم على تقليد فرد من أفراد العلماء والأخذ بكل ما يقوله في الدين ويبتدعه من الرأي المخالف للدليل لم يجدوا غير هذا الجواب ولا فاهوا بسواه، وأخذوا يعددون عليك من سبقهم إلى تقليد هذا من سلفهم واقتداء بأقواله وأفعاله وهم قد ملأوا صدورهم هيبة، وضاقت أذهانهم عن تصورهم، وظنوا أنهم خير أهل الأرض وأعلمهم وأروعهم، فلم يسمعوا لناصح نصحاً ولا لداع إلى الحق دعاء، ولو فظنوا لوجدوا أنفسهم في غرور عظيم وجهل شنيع وإنهم كالبهيمة العمياء، وأولئك الأسلاف كالعمي الذين يقودون البهائم العمين كما قال الشاعر: كبهيمة عمياء قاد زمامها أعمى على عوج الطريق الحائر فعليك أيها العامل بالكتاب والسنة المبرأ من التعصب والتعسف أن تورد عليهم حجج الله، وتقيم عليهم براهينه، فإنه ربما انقاد لك منهم من لم يستحكم داء التقليد في قلبه، وأما من قد استحكم في قلبه هذا الداءن فلو أوردت عليه كل حجة وأقمت عليه كل برهان لما أعارك إلا أذناً صماء وعيناً عمياء، ولكنك قد قمت بواجب البيان الذي أوجبه عليك القرآن، والهداية بيد الخلاق العليم "إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء" ولما قال هؤلاء المقلدة هذه المقالة.
74- " قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون ".
75- "قال" الخليل "أفرأيتم ما كنتم تعبدون".
76- "أنتم وآباؤكم الأقدمون" أي فهل أبصرتم وتفكرتم ما كنتم تعبدون من هذه الأصنام التي لا تسمع ولا تنفع ولا تضر حتى تعلموا أنكم على ضلالة وجهالة، ثم أخبرهم بالبراءة من هذه الأصنام التي يعبدونها.
فقال: 77- "فإنهم عدو لي" ومعنى كونهم عدواً له مع كونهم جماداً أنه إن عبدهم كانوا له عدواً يوم القيامة. قال الفراء: هذا من المقلوب: أي فإني عدو لهم لأن من عاديته عاداك، والعدو كالصديق يطلق على الواحد والمثنى والجماعة والمذكر والمؤنث، كذا قال الفراء. قال علي بن سليمان: من قال عدوه الله فأثبت الهاء، قال هي بمعنى المعادية، ومن قال عدو للمؤنث والجمع جعله بمعنى النسب. وقيل المراد بقوله: "فإنهم عدو لي" آباؤهم الأقدمون لأجل عبادتهم الأصنام، ورد بأن الكلام مسوق فيما عبدوه لا في العابدين، والاستثناء في قوله: "إلا رب العالمين" منقطع: أي لكن رب العالمين ليس كذلك، بل هو وليي في الدنيا والآخرة. قال الزجاج: قال النحويون: هو استثناء ليس من الأول، وأجاز الزجاج أيضاً أن يكون من الأول على أنهم كانوا يعبدون الله عز وجل ويعبدون معه الأصنام، فأعلمهم أنه تبرأ مما يعبدون إلا الله. قال الجرجاني: تقديره أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم الأقدمون إلا رب العالمين فإنهم عدو لي، فجعله من باب التقديم والتأخير، وجعل إلا بمعنى دون وسوى كقوله: "لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى" أي دون الموتة الأولى. وقال الحسن بن الفضل: إن المعنى إلا من عبد رب العالمين.
ثم وصف رب العالمين بقوله: 79- "الذي خلقني فهو يهدين" أي فهو يرشدني إلى مصالح الدين والدنيا. وقيل إن الموصل مبتدأ وما بعده خبره، والأول أولى. ويجوز أن يكون الموصول بدلاً من رب، وأن يكون عطف بيان له، وأن يكون منصوباً على المدح بتقدير أعني أو أمدح، وقد وصف الخليل ربه بما يستحق العبادة لأجله.
فإن الخلق والهداية والرزق يدل عليه قوله: 80- "والذي هو يطعمني ويسقين" ودفع ضر المرضن وجلب نفع الشفاء، والإماتة والإحياء، والمغفرة للذنب، كلها نعم يجب على المنعم عليه ببعضها فضلاً عن كلها أن يشكر المنعم بجميع أنواع الشكر التي أعلاها وأولاها العبادة، ودخول هذه الضمائر في صدور هذه الجمل للدلالة على أنه الفاعل لذلك دون غيره، وأسند المرض إلى نفسه دون غيره من هذه الأفعال المذكورة رعاية للأدب مع الرب، وإلا فالمرض وغيره من الله سبحانه.
80- "وإذا مرضت فهو يشفين".
ومراده بقوله: 81- "ثم يحيين" البعث، وحذف الياء من هذه الأفعال لكونها رؤوس الآي. وقرأ ابن أبي إسحاق هذه الأفعال كلها بإثبات الياء.
وإنما قال عليه الصلاة والسلام 82- "والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين" هضماً لنفسه، وقيل إن الطمع هنا مبعنى اليقين في حقه، وبمعنى الرجاء في حق سواه. وقرأ الحسن وابن أبي إسحاق خطاياي قالا: ليست خطيئته واحدة. قال النحاس: خطيئة بمعنى خطايا في كلام العرب. قال مجاهد: يعني بخطيئته قوله: "بل فعله كبيرهم هذا"، وقوله: "إني سقيم"، وقوله: إن سارة أخته، زاد الحسن: وقوله للكوكب: "هذا ربي" وحكى الواحدي عن المفسرين أنهم فسروا الخطايا بما فسرها به مجاهد. قال الزجاج: الأنبياء بشر، ويجوز أن تقع عليهم الخطيئة إلا أنهم لا تكون منهم الكبيرة لأنهم معصومون، والمراد بيوم الدين يوم الجزاء للعباد بأعمالهم، ولا يخفى أن تفسير الخطايا بما ذكره مجاهد ومن معه ضعيف، فإن تلك معاريض، وهي أيضاً إنما صدرت عنه بعد هذه المقاولة الجارية بينه وبين قومه. ثم لما فرغ الخليل من الثناء على ربه والاعتراف بنعمه عقبه بالدعاء ليقتدي به غيره في ذلك.
فقال: 83- "رب هب لي حكماً" والمراد بالحكم العلم والفهم، وقيل النبوة والرسالة، وقيل المعرفة بحدود الله وأحكامه إلى آخره "وألحقني بالصالحين" يعني بالنبيين من قبلي، وقيل بأهل الجنة.
الصفحة رقم 370 من المصحف تحميل و استماع mp3