تفسير الطبري تفسير الصفحة 370 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 370
371
369
 الآية : 61 - 63
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَلَمّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىَ إِنّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلاّ إِنّ مَعِيَ رَبّي سَيَهْدِينِ * فَأَوْحَيْنَآ إِلَىَ مُوسَىَ أَنِ اضْرِب بّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلّ فِرْقٍ كَالطّوْدِ الْعَظِيمِ }.
يقول تعالـى ذكره: فلـما تناظر الـجمعان: جمع موسى وهم بنو إسرائيـل, وجمع فرعون وهم القبط قالَ أصْحابُ مُوسَى إنّا لَـمُدْرَكُونَ أي إنا لـملـحقون, الاَن يـلـحقنا فرعون وجنوده فـيقتلوننا, وذُكر أنهم قالوا ذلك لـموسى, تشاؤما بـموسى. ذكر من قال ذلك:
20238ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى, قال: حدثنا الـمعتـمر بن سلـيـمان, عن أبـيه, قال: قلت لعبد الرحمن فَلَـمّا تَرَاءَى الـجَمْعانِ قالَ أصْحابُ مُوسَى إنّا لَـمُدْرَكُونَ قال: تشاءموا بـموسى, وقالوا: أوذينا من قبل أن تأتـينا, ومن بعد ما جئتنا.
20239ـ حدثنا موسى, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ فَلَـمّا تَرَاءَى الـجَمْعانِ فنظرت بنو إسرائيـل إلـى فرعون قد رمقهم قالوا إنّا لَـمُدْرَكُونَ. قَالُوا يا موسى أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أنْ تأتِـيَنَا, وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا الـيوم يدركنا فرعون فـيقتلنا, إنا لـمدركون البحر بـين أيدينا, وفرعون من خـلفنا.
20240ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن أبـي بكر, عن شهر بن حوشب, عن ابن عبـاس, قال: لـما انتهى موسى إلـى البحر, وهاجت الريح العاصف, فنظر أصحاب موسى خـلفهم إلـى الريح, وإلـى البحر أمامهم قالَ أصْحابُ مُوسَى إنّا لَـمُدْرَكُونَ قالَ كَلاّ إنّ مَعِيَ رَبّـي سَيَهْدِينِ.
واختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك, فقرأته عامة قرّاء الأمصار سوى الأعرج إنّا لَـمُدْرَكُونَ, وقرأه الأعرج: «إنّا لَـمُدّرَكُونَ» كما يقال نزلت, وأنزلت. والقراءة عندنا التـي علـيها قرّاء الأمصار, لإجماع الـحجة من القرّاء علـيها.
وقوله: كَلاّ إن مَعِيَ رَبّـي سَيَهْدِينِ قال موسى لقومه: لـيس الأمر كما ذكرتـم, كلا لن تدركوا إن معي ربـي سيهدين, يقول: سيهدين لطريق أنـجو فـيه من فرعون وقومه. كما:
20241ـ حدثنـي ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, عن مـحمد بن كعب القرظي, عن عبد الله بن شداد بن الهاد, قال: لقد ذُكر لـي أنه خرج فرعون فـي طلب موسى علـى سبعين ألفـا من دُهم الـخيـل, سوى ما فـي جنده من شِيَة الـخيـل, وخرج موسى حتـى إذا قابله البحر, ولـم يكن عنه منصرف, طلع فرعون فـي جنده من خـلفهم فَلَـمّا تَرَاءَى الـجَمْعانِ قالَ أصْحابُ مُوسَى إنّا لَـمُدْرَكُونَ قالَ كَلا إنّ مَعِيَ رَبّـي سَيَهْدِينِ أي للنـجاة, وقد وعدنـي ذلك, ولا خُـلف لـموعوده.
20242ـ حدثنا موسى, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ قالَ كَلاّ إنّ مَعِيَ رَبّـي سَيَهْدِينِ يقول: سيكفـينـي, وقال: عَسَى رَبكُمْ أنْ يُهْلِكَ عَدُوّكُمْ وَيَسْتَـخْـلِفَكُمْ فِـي الأرْضِ فَـيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ, وقوله فَأَوْحَيْنا إلـى مُوسَى أنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ البَحْرَ فـانْفَلَقَ ذكر أن الله كان قد أمر البحر أن لا ينفلق حتـى يضربه موسى بعصاه.)
20243ـ حدثنا موسى, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, قال: فتقدّم هارون فضرب البحر, فأبى ينفتـح, وقال: من هذا الـجبـار الذي يضربنـي, حتـى أتاه موسى فكناه أبـا خالد, وضربه فـانفلق.
20244ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, قال: ثنـي مـحمد بن إسحاق, قال: أوحى الله فـيـما ذكر إلـى البحر: إذا ضربك موسى بعصاه فـانفلق له, قال: فبـات البحر يضرب بعضه بعضا فرقا من الله, وانتظار أمره, وأوحى الله إلـى موسى أن أضرب بعصاك البحر, فضربه بها وفـيها سلطان الله الذي أعطاه, فـانفلق.
20245ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا سفـيان, ظن سلـيـمان التـيـمي, عن أبـي السلـيـل, قال: لـما ضرب موسى بعصاه البحر, قال: إيها أبـا خالد, فأخذه أَفْكَلٌ.
20246ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا حجاج, عن ابن جرَيج, وحجاج عن أبـي بكر بن عبد الله وغيره, قالوا: لـما انتهى موسى إلـى البحر وهاجت الريح والبحر يرمي بثـيّاره, ويـموج مثل الـجبـال, وقد أوحى الله إلـى البحر أن لا ينفلق حتـى يضربه موسى بـالعصا, فقال له يوشع: يا كلـيـم الله أين أمرت؟ قال: ههنا, قال: فجاز البحر ما يواري حافره الـماء, فذهب القوم يصنعون مثل ذلك, فلـم يقدروا, وقال له الذي يكتـم إيـمانه: يا كلـيـم الله أين أمرت؟ قال: ههنا, فكبح فرسه بلـجامه حتـى طار الزبد من شدقـيه, ثم قحمه البحر فأرسب فـي الـماء, فأوحى الله إلـى موسى أن اضرب بعصاك البحر, فضرب بعصاه موسى البحر فـانفلق, فإذا الرجل واقـف علـى فرسه لـم يبتلّ سرجه ولا لبده.
وقوله: فَكان كُلّ فِرْقٍ كالطّوْدِ العَظِيـمِ يقول تعالـى ذكره: فكان كل طائفة من البحر لـما ضربه موسى كالـجبل العظيـم. وذُكر أنه انفلق اثنتـي عشرة فلقة علـى عدد الأسبـاط, لكل سبط منهم فرق. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
20247ـ حدثنا موسى, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ فـانْفَلَقَ فَكانَ كُلّ فِرْقٍ كالطّوْدِ العَظِيـمِ يقول: كالـجبل العظيـم, فدخـلت بنو إسرائيـل, وكان فـي البحر اثنا عشر طريقا, فـي كل طريق سبط, وكان الطريق كما إذا انفلقت الـجدران, فقال: كل سبط قد قتل أصحابنا فلـما رأى ذلك موسى دعا الله فجعلها قناطر كهيئة الطيقان, فنظر آخرهم إلـى أوّلهم حتـى خرجوا جميعا.
20248ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, وحجاج, عن أبـي بكر بن عبد الله وغيره قالوا: انفلق البحر, فكان كل فرق كالطود العظيـم, اثنا عشر طريقا فـي كل طريق سبط, وكان بنو إسرائيـل اثنـي عشر سبطا, وكانت الطرق بجدران, فقال كل سبط: قد قتل أصحابنا فلـما رأى ذلك موسى, دعا الله فجعلها لهم بقناطر كهيئة الطيقان, ينظر بعضهم إلـى بعض, وعلـى أرض يابسة كأن الـماء لـم يصبها قطّ حتـى عبر.
20249ـ قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, قال: لـما انفلق البحر لهم صار فـيه كوى ينظر بعضهم إلـى بعض.
20250ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, قال: ثنـي مـحمد بن إسحاق فَكان كُلّ فِرْقٍ كالطّوْدِ العَظِيـمِ أي كالـجبل علـى نشَز من الأرض.
20251ـ حدثنـي علـيّ, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله فَكان كُلّ فِرْقٍ كالطّوْدِ العَظِيـمِ يقول: كالـجبل.
20252ـ حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك يقول, فـي قوله كالطّوْدِ العَظِيـمِ قال: كالـجبل العظيـم ومنه قول الأسود بن يعفر:
حَلّوا بأنْقِرَةٍ يَسيـلُ عَلَـيْهِمُ ماء الفُرَاتِ يَجيءُ مِنْ أطْوَادِ
يعنـي بـالأطواد: جمع طود, وهو الـجبل.

الآية : 64 - 78
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَأَزْلَفْنَا ثَمّ الاَخَرِينَ * وَأَنجَيْنَا مُوسَىَ وَمَن مّعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمّ أَغْرَقْنَا الاَخَرِينَ * إِنّ فِي ذَلِكَ لاَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مّؤْمِنِينَ * وَإِنّ رَبّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرّحِيمُ }.
يعنـي بقول تعالـى ذكره: وأزْلَفْنا ثَمّ الاَخَرِينَ: وقرّبنا هنالك آل فرعون من البحر, وقدمناهم إلـيه, ومنه قوله: وأُزْلفَتِ الـجَنّةُ للْـمُتّقِـينَ بـمعنى: قربت وأُدنـيت ومنه قول العجاج:
طَيّ اللّـيالـي زُلَفـا فَزُلَفـاسَماوَةَ الهِلالِ حتـى احْقَوْقَـفَـا
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
20253ـ حدثنـي القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن عطاء الـخراسانـي, عن ابن عبـاس, قوله وأزْلَفْنا ثَمّ الاَخَرِينَ قال: قرّبنا.
20254ـ حدثنا الـحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قَتادة, فـي قوله وأزْلَفْنا ثَمّ الاَخَرِينَ قال: هم قوم فرعون قرّبهم الله حتـى أغرقهم فـي البحر.
20255ـ حدثنا موسى, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, قال: دنا فرعون وأصحابه بعد ما قطع موسى ببنـي إسرائيـل البحر من البحر فلـما نظر فرعون إلـى البحر منفلقا, قال: ألا ترون البحر فرِق منـي, قد تفتـح لـي حتـى أدرك أعدائي فأقتلهم, فذلك قول الله وأزْلَفْنا ثَمّ الاَخَرِينَ يقول: قرّبنا ثم الاَخرين هم آل فرعون فلـما قام فرعون علـى الطرق, وأبت خيـله أن تتقحم, فنزل جبرائيـل صلى الله عليه وسلم علـى ماذيانة, فتشامّتْ الـحُصُن ريح الـماذيانة فـاقتـحمت فـي أثرها حتـى إذا همّ أوّلهم أن يخرج ودخـل آخرهم, أمر البحر أن يأخذهم, فـالتطم علـيهم, وتفرّد جبرائيـل بـمقلة من مقل البحر, فجعل يدسها فـي فـيه.
20256ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن أبـي بكر بن عبد الله, قال: أقبل فرعون فلـما أشرف علـى الـماء, قال أصحاب موسى: يا مكلـم الله إن القوم يتبعوننا فـي الطريق, فـاضرب بعصاك البحر فـاخـلطه, فأراد موسى أن يفعل, فأوحى الله إلـيه: أن اترك البحر رَهْوا: يقول: أمره علـى سكناته إنّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ إنـما أمكر بهم, فإذا سلكوا طريقكم غرقتهم فلـما نظر فرعون إلـى البحر قال: ألا ترون البحر فِرق منـي حتـى تفتـح لـي, حتـى أدرك أعدائي فأقتلهم فلـما وقـف علـى أفواه الطرق وهو علـى حصان, فرأى الـحصان البحر فـيه أمثال الـجبـال هاب وخاف, وقال فرعون: أنا راجع, فمكر به جبرائيـل علـيه السلام, فأقبل علـى فرس أنثى, فأدناها من حصان فرعون, فطفق فرسه لا يقرّ, وجعل جبرائيـل يقول: تقدم, ويقول: لـيس أحد أحقّ بـالطريق منك, فتشامّت الـحُصُن الـماذيانة, فما ملك فرعون فرسه أن ولـج علـى أثره فلـما انتهى فرعون إلـى وسط البحر, أوحى الله إلـى البحر: خذ عبدي الظّالـم وعبـادي الظلـمة, سلطانـي فـيك, فإنـي قد سلطتك علـيهم, قال: فتغطغطت تلك الفرق من الأمواج كأنها الـجبـال, وضرب بعضها بعضا فلـما أدركه الغرق قالَ آمَنْتُ أنّه لا إلَهَ إلاّ الّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إسرَائيـلَ وأنا مِنَ الـمُسْلِـمِينَ وكان جبرائيـل صلى الله عليه وسلم شديد الأسف علـيه لـما ردّ من آيات الله, ولطول علاج موسى إياه, فدخـل فـي أسفل البحر, فأخرج طينا, فحشاه فـي فم فرعون لكيلا يقولها الثانـية, فتدركه الرحمة, قال: فبعث الله إلـيه ميكائيـل يعبره: آلاَنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وكُنْتَ مِنَ الـمُفْسِدِينَ وقال جبرائيـل: يا مـحمد ما أبغضت أحدا من خـلق الله ما أبغضت اثنـين أحدهما من الـجنّ وهو إبلـيس, والاَخر فرعون قالَ أنَا رَبّكُمُ الأَعْلـى ولقد رأيتنـي يا مـحمد, وأنا أحشو فـي فـيه مخافة أن يقول كلـمة يرحمه الله بها. وقد زعم بعضهم أن معنى قوله: وأزْلَفْنا ثَمّ الاَخَرِينَ وجمعنا, قال: ومنه لـيـلة الـمزدلفة, قال: ومعنى ذلك: أنها لـيـلة جمع. وقال بعضهم: وأزلفنا ثم وأهلكنا. وقوله: وأنـجَيْنا مُوسَى وَمَنْ مَعَه أجَمعِينَ يقول تعالـى ذكره: وأنـجينا موسى مـما أتبعنا به فرعون وقومه من الغرق فـي البحر ومن مع موسى من بنـي إسرائيـل أجمعين, وقوله: ثُمّ أغْرَقْنا الاَخَرِينَ يقول: ثم أغرقنا فرعون وقومه من القبط فـي البحر بعد أن أنـجينا موسى منه ومن معه, وقوله: إنّ فِـي ذلكَ لاَيَةً يقول تعالـى ذكره: إن فـيـما فعلت بفرعون ومن معه تغريقـي إياهم فـي البحر إذ كذّبوا رسولـي موسى, وخالفوا أمري بعد الإعذار إلـيهم, والإنذار لدلالة بـينة يا مـحمد لقومك من قريش علـى أن ذلك سنتـي فـيـمن سلك سبـيـلهم من تكذيب رسلـي, وعظة لهم وعبرة أن ادّكروا واعتبروا أن يفعلوا مثل فعلهم من تكذيبك مع البرهان والاَيات التـي قد أتـيتهم, فـيحلّ بهم من العقوبة نظير ما حلّ بهم, ولك آية فـي فعلـي بـموسى, وتنـجيتـي إياه بعد طول علاجه فرعون وقومه منه, وإظهاري إياه وتوريثه وقومه دورهم وأرضهم وأموالهم, علـى أنـي سالك فـيك سبـيـله, إن أنت صبرت صبره, وقمت من تبلـيغ الرسالة إلـى من أرسلتك إلـيه قـيامه, ومظهرك علـى مكذّبـيك, ومعلـيك علـيهم, وما كان أكثرهم مؤمنـين يقول: وما كان أكثر قومك يا مـحمد مؤمنـين بـما أتاك الله من الـحقّ الـمبـين, فسابق فـي علـمي أنهم لا يؤمنون وَإنّ رَبّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ فـي انتقامه مـمن كفر به وكذب رسله من أعدائه, الرّحِيـمُ بـمن أنـجى من رسله, وأتبـاعهم من الغرق والعذاب الذي عذّب به الكفرة.

الآية : 69 - 71
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ * إِذْ قَالَ لأبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ * قَالُواْ نَعْبُدُ أَصْنَاماً فَنَظَلّ لَهَا عَاكِفِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: واقصص علـى قومك من الـمشركين يا مـحمد خبر إبراهيـم حين قال لأبـيه وقومه: أيّ شيء تعبدون؟ قَالوا له: نَعْبُدُ أصْنَاما فَنَظَلّ لَهَا عَاكِفِـين يقول: فنظلّ لها خدما مقـيـمين علـى عبـادتها وخدمتها. وقد بـيّنا معنى العكوف بشواهده فـيـما مضى قبل, بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع. وكان ابن عبـاس فـيـما روي عنه يقول فـي معنى ذلك ما.
20257ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, قال: قال ابن عبـاس, قوله: قالُوا نَعْبُدُ أصْناما فَنَظَلّ لَهَا عاكِفِـينَ قال: الصلاة لأصنامهم.

الآية : 72-74
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ * إِذْ قَالَ لأبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ * قَالُواْ نَعْبُدُ أَصْنَاماً فَنَظَلّ لَهَا عَاكِفِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: واقصص علـى قومك من الـمشركين يا مـحمد خبر إبراهيـم حين قال لأبـيه وقومه: أيّ شيء تعبدون؟ قَالوا له: نَعْبُدُ أصْنَاما فَنَظَلّ لَهَا عَاكِفِـين يقول: فنظلّ لها خدما مقـيـمين علـى عبـادتها وخدمتها. وقد بـيّنا معنى العكوف بشواهده فـيـما مضى قبل, بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع. وكان ابن عبـاس فـيـما روي عنه يقول فـي معنى ذلك ما.
20257ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, قال: قال ابن عبـاس, قوله: قالُوا نَعْبُدُ أصْناما فَنَظَلّ لَهَا عاكِفِـينَ قال: الصلاة لأصنامهم.
الآية : 75 - 77
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مّا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمُ الأقْدَمُونَ * فَإِنّهُمْ عَدُوّ لِيَ إِلاّ رَبّ الْعَالَمِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: قال إبراهيـم لقومه: أفرأيتـم أيها القوم ما كنتـم تعبدون من هذه الأصنام أنتـم وآبـاؤكم الأقدمون, يعنـي بـالأقدمين: الأقدمين من الذين كان إبراهيـم يخاطبهم, وهم الأوّلون قبلهم مـمن كان علـى مثل ما كان علـيه الذين كلـمهم إبراهيـم من عبـادة الأصنام, فإنهم عدوّ لـي إلا ربّ العالـمين. يقول قائل: وكيف يوصف الـخشب والـحديد والنـحاس بعداوة ابن آدم؟ فإن معنى ذلك: فإنهم عدوّ لـي لو عبدتهم يوم القـيامة, كما قال جلّ ثناؤه واتّـخَذُوا مِنْ دُونِ اللّهِ آلِهَةً لِـيَكُونُوا لَهُمْ عِزّا, كَلاّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبـادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَـيْهِمْ ضِدّا. وقوله: إلاّ رَبّ العالَـمينَ نصبـا علـى الاستثناء, والعدوّ بـمعنى الـجمع, ووحد لأنه أخرج مخرج الـمصدر, مثل القعود والـجلوس. ومعنى الكلام: أفرأيتـم كلّ معبود لكم ولاَبـائكم, فإنـي منه بريء لا أعبده, إلا ربّ العالـمين.

الآية : 78 - 80
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {الّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ }.
يقول: فإنهم عدوّ لـي إلا ربّ العالـمين الّذي خَـلَقَنِـي فَهُو يَهْدِينِ للصواب من القول والعمل, ويسدّدنـي للرشاد وَالّذِي هُوَ يُطْعِمُنِـي وَيَسْقِـينِ يقول: والذي يغدونـي بـالطعام والشراب, ويرزقنـي الأرزاق وَإذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِـينِ يقول: وإذا سقم جسمي واعتلّ, فهو يبرئه ويعافـيه.

الآية : 81 - 82
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَالّذِي يُمِيتُنِي ثُمّ يُحْيِينِ * وَالّذِيَ أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدّينِ }.
يقول: والذي يـميتنـي إذا شاء ثم يحيـينـي إذا أراد بعد مـماتـي وَالّذِي أطْمَعُ أنْ يَغْفِرَ لـي خَطِيئَتِـي يَوْمَ الدّينِ فرّبى هذا الذي بـيده نفعي وضرّي, وله القدرة والسلطان, وله الدنـيا والاَخرة, لا الذي لا يسمع إذا دُعي, ولا ينفع ولا يضرّ. وإنـما كان هذا الكلام من إبراهيـم احتـجاجا علـى قومه, فـي أنه لا تصلـح الألوهة, ولا ينبغي أن تكون العبودة إلا لـمن يفعل هذه الأفعال, لا لـمن لا يطيق نفعا ولا ضرّا. وقـيـل: إن إبراهيـم صلوات الله علـيه, عنـي بقوله: وَالّذِي أطْمَعُ أنْ يَغْفِرَ لـي خَطِيئَتِـي يَوْمَ الدّينِ: والذي أرجو أن يغفر لـي قولـي: إنّـي سَقِـيـمٌ, وقولـي: بَلْ فَعَلَهُ كَبِـيرُهُمْ هَذَا, وقولـي لسارة إنها أختـي. ذكر من قال ذلك:
20258ـ حدثنا مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي قول الله: أنْ يَغْفِرَ لـي خَطِيئَتِـي يَوْمَ الدّينِ قال: إنّـي سَقِـيـمٌ, وقوله فَعَلَهُ كَبِـيرُهُمْ هَذَا, وقوله لسارَة: إنها أختـي, حين أراد فرعون من الفراعنة أن يأخذها.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد, قوله وَالّذِي أطْمَعُ أنْ يَغْفِرَ لـي خَطِيئَتِـي يَوْمَ الدّينِ قال: قوله إنّـي سَقِـيـمٌ, وقوله بَلْ فَعَلَهُ كَبِـيرُهُمْ هَذَا, وقوله لسارَة: إنها أختـي.
قال: ثنا الـحسين, قال: حدثنا أبو تُـمَيـلة, عن أبـي حمزة, عن جابر, عن عكرمة ومـجاهد نـحوه. ويعنـي بقوله يَوْمَ الدّينِ يوم الـحساب, يوم الـمـجازاة, وقد بـيّنا ذلك بشواهده فـيـما مضى