سورة العنكبوت | للقراءة من المصحف بخط كبير واضح
استماع mp3 | الجلالين&الميسر | تفسير الشوكاني |
إعراب الصفحة | تفسير ابن كثير | تفسير القرطبي |
التفسير المختصر | تفسير الطبري | تفسير السعدي |
تفسير الشوكاني تفسير الصفحة 402 من المصحف
46- "ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن" أي إلا بالخصلة التي هي أحسن، وذلك على سبيل الدعاء لهم إلى الله عز وجل والتنبيه لهم على حججه وبراهينه رجاء إجابتهم إلى الإسلام، لا على طريق الإغلاظ والمخاشنة "إلا الذين ظلموا منهم" بأن أفرطوا في المجادلة ولم يتأدبوا مع المسلمين فلا بأس بالإغلاظ عليهم والتخشين في مجادلتهم، هكذا فسر الآية أكثر المفسرين بأن المراد بأهل الكتاب اليهود والنصارى. وقيل معنى الآية: لا تجادلوا من آمن بمحمد من أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وسائر من آمن منهم إلا بالتي هي أحسن: يعني بالموافقة فيما حدثوكم به من أخبار أهل الكتاب، ويكون المراد بالذين ظلموا على هذا القول هم الباقون على كفرهم. وقيل هذه الآية منسوخة بآيات القتال، وبذلك قال قتادة ومقاتل. قال النحاس: من قال هي منسوخة احتج بأن الآية مكية ولم يكن في ذلك الوقت قتال مفروض ولا طلب جزية ولا غير ذلك. قال سعيد بن جبير ومجاهد: إن المراد بالذين ظلموا منهم الذين نصبوا القتال للمسلمين فجدالهم بالسيف حتى يسلموا أو يعطوا الجزية "وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا" من القرآن "وأنزل إليكم" من التوراة والإنجيل: أي آمنا بأنهما منزلان من عند الله وأنهما شريعة ثابتة إلى قيام الشريعة الإسلامية والبعثة المحمدية، ولا يدخل في ذلك ما حرفوه وبدلوه "وإلهنا وإلهكم واحد" لا شريك له ولا ضد ولا ند "ونحن له مسلمون" أي ونحن معاشر أمة محمد مطيعون له خاصة، لم نقل عزير ابن الله ولا المسيح ابن الله، ولا اخذنا أحبارنا ورهباننا أرباباً من دون الله، ويحتمل أن يراد ونحن جميعاً منقادون له، ولا يقدح في هذا الوجه كون انقياد المسلمين أتم من انقياد أهل الكتاب وطاعتهم أبلغ من طاعتهم. وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: "مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء" الآية قال: ذاك مثل ضربه الله لمن عبد غيره أن مثله كمثل بيت العنكبوت. وأخرج أبو داود في مراسيله عن يزيد بن مرثد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "العنكبوت شيطان مسخها الله فمن وجدها فليقتلها". وأخرج ابن أبي حاتم عن مزيد بن ميسرة قال: العنكبوت شيطان. وأخرج الخطيب عن علي قالك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دخلت أنا وأبو بكر الغار فاجتمعت العنكبوت فنسجت بالباب فلا تقتلوهن". وروى القرطبي في تفسيره عن علي أيضاً أنه قال: طهروا بيوتكم من نسج العنكبوت فإن تركه في البيت يورث الفقر. وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء الخراساني قال: نسجت العنكبوت مرتين مرة على داود، والثانية على النبي صلى الله عليه وسلم. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر" قال: في الصلاة منتهى ومزدجر عن المعاصي. وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن عمران بن حصين قال سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن قول الله "إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر" فقال: "من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له". وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد بها من الله إلا بعداً". وأخرج عبد بن حميد وابن جرير والبيهقي في الشعب عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له". وفي لفظ "لم يزد بها من الله إلا بعداً". وأخرج الخطيب عن ابن عمر مرفوعاً نحوه. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن مردويه عن ابن مسعود مرفوعاً نحوه. قال السيوطي: وسنده ضعيف. وأخرج سعيد بن منصور وأحمد في الزهد وابن جرير وابن المنذر والطبراني في الشعب عنه نحوه موقوفاً. قال ابن كثير في تفسيره: والأصح في هذا كله الموقوفات عن ابن مسعود وابن عباس والحسن وقتادة والأعمش وغيرهم. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "ولذكر الله أكبر" يقول: ولذكر الله لعباده إذا ذكروه أكبر من ذكرهم إياه. وأخرج الفريابي وسعد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن عبد الله بن ربيعة قال: سألني ابن عباس عن قول الله "ولذكر الله أكبر" فقلت: ذكر الله بالتسبيح والتهليل والتكبير قال: لذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه، ثم قال: اذكروني أذكركم. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وابن جرير عن ابن مسعود "ولذكر الله أكبر" قال: ذكر الله العبد أكبر من ذكر العبد لله. وأخرج ابن السني وابن مردويه والديلمي عن ابن عمر نحوه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال: لها وجهان: ذكر الله أكبر مما سواه. وفي لفظ: ذكر الله عند ما حرمه وذكر الله إياكم أعظم من ذكركم إياه. وأخرج أحمد في الزهد وابن المنذر عن معاذ بن جبل قال: ما عمل آدمي عملاً أنجى له من عذاب الله من ذكر الله، قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا أن يضرب بسيفه حتى يتقطع، لأن الله يقول في كتابه العزيز "ولذكر الله أكبر". وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر والحاكم في الكنى والبيهقي في الشعب عن عنترة قال: قلت لابن عباس أي العمل أفضل؟ قال: ذكر الله. وأخرج ابن أبي حاتم عنه في قوله: "ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن" قال: بلا إله إلا الله. وأخرج البخاري والنسائي وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن أبي هريرة قال: كان أهل الكتاب يقرأون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم، وقولوا آمنا بالذي أنزل ألينا وأنزل إليكم، وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون". وأخرج البيهقي في الشعب والديلمي وأبو نصر السجزي في الإبانة عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا، إما أن تصدقوا بباطل، أو تكذبوا بحق، والله لو كان موسى حياً بين أظهركم ما حل له إلا أن يتبعني". وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن ابن مسعود قال: لا تسألوا أهل الكتاب، وذكر نحو حديث جابر، ثم قال: فإن كنتم سائليهم لا محالة فانظروا ما وطأ كتاب الله فخذوه، وما خالف كتاب الله فدعوه.
قوله: 47- "وكذلك أنزلنا إليك الكتاب" هذا خطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والإشارة إلى مصدر الفعل كما بيناه في مواضع كثيرة. أي ومثل ذلك الإنزال البديع أنزلنا إليك الكتاب، وهو القرآن، وقيل المعنى: كما أنزلنا الكتاب عليهم أنزلنا عليك القرآن "فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به" يعني مؤمني أهل الكتاب كعبد الله بن سلام، وخصهم بإيتائهم الكتاب لكونهم العاملين به وكأن غيرهم لم يؤتوه لعدم عملهم بما فيه وجحدهم لصفات رسول الله صلى الله عليه وسلم المذكورة فيه "ومن هؤلاء من يؤمن به" الإشارة إلى أهل مكة، والمراد أن منهم، وهو من قد أسلم من يؤمن به: أي بالقرآن، وقيل الإشارة إلى جميع العرب "وما يجحد بآياتنا" أي آيات القرآن "إلا الكافرون" المصممون على كفرهم من المشركين وأهل الكتاب "وما يجحد بآياتنا" أي آيات القرآن "إلا الكافرون" المصممون على كفرهم من المشركين وأهل الكتاب.
48- " وما كنت تتلو من قبله من كتاب " الضمير في قبله راجع إلى القرآن لأنه المراد بقوله أنزلنا إليك الكتاب: أي ما كنت يا محمد تقرأ قبل القرآن كتاباً ولا تقدر على ذلك لأنك أمي لا تقرأ ولا تكتب "ولا تخطه بيمينك" أي ولا تكتبه لأنك لا تقدر على الكتابة. قال مجاهد كان أهل الكتاب يجدون في كتبهم أن محمداً صلى الله عليه وسلم لا يخط ولا يقرأ فنزلت هذه الآية. قال النحاس: وذلك دليل على نبوته لأنه لا يكتب ولا يخالط أهل الكتاب ولم يكن بمكة أهل كتاب فجاءهم بأخبار الأنبياء والأمم "إذاً لارتاب المبطلون" أي لو كنت ممن يقدر على التلاوة والخط لقالوا لعله وجد ما يتلوه علينا من كتب الله السابقة أو من الكتب المدونة في أخبار الأمم، فلما كنت أمياً لا تقرأ ولا تكتب لم يكن هناك موضع للريبة ولا محل للشك أبداً، بل إنكار من أنكر وكفر مجرد عناد وجحود بلا شبهة، وسماهم مبطلين لأن ارتيابهم على تقدير أنه صلى الله عليه وسلم يقرأ ويكتب ظلم منهم لظهور نزاهته ووضوح معجزاته.
49- "بل هو آيات بينات" يعني القرآن "في صدور الذين أوتوا العلم" يعني المؤمنين الذين حفظوا القرآن على عهده صلى الله عليه وسلم وحفظوه بعده، وقال قتادة وومقاتل: إن الضمير يرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم: أي بل محمد آيات بينات: أي ذو آيات. وقرأ ابن مسعود بل هي آيات بينات قال الفراء معنى هذه القراءة: بل آيات القرآن آيات بينات..واختار ابن جرير ما قاله قتادة ومقاتل، وقد استدل لما قالاه بقراءة ابن السميفع بل هذا آيات بينات ولا دليل في هذه القراءة على ذلك، لأن الإشارة يجوز أن تكون إلى القرآن كما جاز أن تكون إلى النبي صلى الله عليه وسلم، بل رجوعها إلى القرآن أظهر لعدم احتياج ذلك إلى التأويل، والتقدير "وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون" أي المجاوزون للحد في الظلم.
50- "وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربه" أي قال المشركون هذا القول، والمعنى: هلا أنزلت عليه آيات كآيات الأنبياء، وذلك كآيات موسى وناقة صالح وإحياء المسيح للموتى، ثم أمره الله سبحانه أن يجيب عليهم فقال: "قل إنما الآيات عند الله" ينزلها على من يشاء من عباده ولا قدرة لأحد على ذلك "وإنما أنا نذير مبين" أنذركم كما أمرت وأبين لكم كما ينبغي، ليس في قدرتي غير ذلك. قرأ ابن كثير وأبو بكر وحمزة والكسائي "لولا أنزل عليه آية" بالإفراد. وقرأ الباقون بالجمع، واختار هذه القراءة أبو عبيد لقوله "قل إنما الآيات" .
51- " أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم " هذه الجملة مستأنفة للرد على اقتراحهم وبيان بطلانه: أي أو لم يكف المشركين من الآيات التي اقترحوها هذا الكتاب المعجز الذي قد تحديتهم بأن يأتوا بمثله أو بسورة منه فعجزوا، ولو أتيتهم بآيات موسى وآيات غيره من الأنبياء لما آمنوا، كما لم يؤمنوا بالقرآن الذي يتلى عليهم في كل زمان ومكان "إن في ذلك" الإشارة إلى الكتاب الموصوف بما ذكر "لرحمة" عظيمة في الدنيا والآخرة "وذكرى" في الدنيا يتذكرون بها وترشدهم إلى الحق "لقوم يؤمنون" أي لقوم يصدقون بما جئت به من عند الله فإنهم هم الذين ينتفعون بذلك.
52- "قل كفى بالله بيني وبينكم شهيداً" أي قل للمكذبين كفى الله شهيداً بما وقع بيني وبينكم "يعلم ما في السموات والأرض" لا تخفى عليه من ذلك خافية، ومن جملته ما صدر بينكم وبين رسوله " والذين آمنوا بالباطل وكفروا بالله أولئك هم الخاسرون " أي أمنوا بما يعبدونه من دون الله وكفروا بالحق وهو الله سبحانه، أولئك هم الجامعون بين خسران الدنيا والآخرة .
فتح القدير - صفحة القرآن رقم 402
40146- "ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن" أي إلا بالخصلة التي هي أحسن، وذلك على سبيل الدعاء لهم إلى الله عز وجل والتنبيه لهم على حججه وبراهينه رجاء إجابتهم إلى الإسلام، لا على طريق الإغلاظ والمخاشنة "إلا الذين ظلموا منهم" بأن أفرطوا في المجادلة ولم يتأدبوا مع المسلمين فلا بأس بالإغلاظ عليهم والتخشين في مجادلتهم، هكذا فسر الآية أكثر المفسرين بأن المراد بأهل الكتاب اليهود والنصارى. وقيل معنى الآية: لا تجادلوا من آمن بمحمد من أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وسائر من آمن منهم إلا بالتي هي أحسن: يعني بالموافقة فيما حدثوكم به من أخبار أهل الكتاب، ويكون المراد بالذين ظلموا على هذا القول هم الباقون على كفرهم. وقيل هذه الآية منسوخة بآيات القتال، وبذلك قال قتادة ومقاتل. قال النحاس: من قال هي منسوخة احتج بأن الآية مكية ولم يكن في ذلك الوقت قتال مفروض ولا طلب جزية ولا غير ذلك. قال سعيد بن جبير ومجاهد: إن المراد بالذين ظلموا منهم الذين نصبوا القتال للمسلمين فجدالهم بالسيف حتى يسلموا أو يعطوا الجزية "وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا" من القرآن "وأنزل إليكم" من التوراة والإنجيل: أي آمنا بأنهما منزلان من عند الله وأنهما شريعة ثابتة إلى قيام الشريعة الإسلامية والبعثة المحمدية، ولا يدخل في ذلك ما حرفوه وبدلوه "وإلهنا وإلهكم واحد" لا شريك له ولا ضد ولا ند "ونحن له مسلمون" أي ونحن معاشر أمة محمد مطيعون له خاصة، لم نقل عزير ابن الله ولا المسيح ابن الله، ولا اخذنا أحبارنا ورهباننا أرباباً من دون الله، ويحتمل أن يراد ونحن جميعاً منقادون له، ولا يقدح في هذا الوجه كون انقياد المسلمين أتم من انقياد أهل الكتاب وطاعتهم أبلغ من طاعتهم. وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: "مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء" الآية قال: ذاك مثل ضربه الله لمن عبد غيره أن مثله كمثل بيت العنكبوت. وأخرج أبو داود في مراسيله عن يزيد بن مرثد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "العنكبوت شيطان مسخها الله فمن وجدها فليقتلها". وأخرج ابن أبي حاتم عن مزيد بن ميسرة قال: العنكبوت شيطان. وأخرج الخطيب عن علي قالك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دخلت أنا وأبو بكر الغار فاجتمعت العنكبوت فنسجت بالباب فلا تقتلوهن". وروى القرطبي في تفسيره عن علي أيضاً أنه قال: طهروا بيوتكم من نسج العنكبوت فإن تركه في البيت يورث الفقر. وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء الخراساني قال: نسجت العنكبوت مرتين مرة على داود، والثانية على النبي صلى الله عليه وسلم. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر" قال: في الصلاة منتهى ومزدجر عن المعاصي. وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن عمران بن حصين قال سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن قول الله "إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر" فقال: "من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له". وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد بها من الله إلا بعداً". وأخرج عبد بن حميد وابن جرير والبيهقي في الشعب عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له". وفي لفظ "لم يزد بها من الله إلا بعداً". وأخرج الخطيب عن ابن عمر مرفوعاً نحوه. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن مردويه عن ابن مسعود مرفوعاً نحوه. قال السيوطي: وسنده ضعيف. وأخرج سعيد بن منصور وأحمد في الزهد وابن جرير وابن المنذر والطبراني في الشعب عنه نحوه موقوفاً. قال ابن كثير في تفسيره: والأصح في هذا كله الموقوفات عن ابن مسعود وابن عباس والحسن وقتادة والأعمش وغيرهم. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "ولذكر الله أكبر" يقول: ولذكر الله لعباده إذا ذكروه أكبر من ذكرهم إياه. وأخرج الفريابي وسعد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن عبد الله بن ربيعة قال: سألني ابن عباس عن قول الله "ولذكر الله أكبر" فقلت: ذكر الله بالتسبيح والتهليل والتكبير قال: لذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه، ثم قال: اذكروني أذكركم. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وابن جرير عن ابن مسعود "ولذكر الله أكبر" قال: ذكر الله العبد أكبر من ذكر العبد لله. وأخرج ابن السني وابن مردويه والديلمي عن ابن عمر نحوه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال: لها وجهان: ذكر الله أكبر مما سواه. وفي لفظ: ذكر الله عند ما حرمه وذكر الله إياكم أعظم من ذكركم إياه. وأخرج أحمد في الزهد وابن المنذر عن معاذ بن جبل قال: ما عمل آدمي عملاً أنجى له من عذاب الله من ذكر الله، قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا أن يضرب بسيفه حتى يتقطع، لأن الله يقول في كتابه العزيز "ولذكر الله أكبر". وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر والحاكم في الكنى والبيهقي في الشعب عن عنترة قال: قلت لابن عباس أي العمل أفضل؟ قال: ذكر الله. وأخرج ابن أبي حاتم عنه في قوله: "ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن" قال: بلا إله إلا الله. وأخرج البخاري والنسائي وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن أبي هريرة قال: كان أهل الكتاب يقرأون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم، وقولوا آمنا بالذي أنزل ألينا وأنزل إليكم، وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون". وأخرج البيهقي في الشعب والديلمي وأبو نصر السجزي في الإبانة عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا، إما أن تصدقوا بباطل، أو تكذبوا بحق، والله لو كان موسى حياً بين أظهركم ما حل له إلا أن يتبعني". وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن ابن مسعود قال: لا تسألوا أهل الكتاب، وذكر نحو حديث جابر، ثم قال: فإن كنتم سائليهم لا محالة فانظروا ما وطأ كتاب الله فخذوه، وما خالف كتاب الله فدعوه.
قوله: 47- "وكذلك أنزلنا إليك الكتاب" هذا خطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والإشارة إلى مصدر الفعل كما بيناه في مواضع كثيرة. أي ومثل ذلك الإنزال البديع أنزلنا إليك الكتاب، وهو القرآن، وقيل المعنى: كما أنزلنا الكتاب عليهم أنزلنا عليك القرآن "فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به" يعني مؤمني أهل الكتاب كعبد الله بن سلام، وخصهم بإيتائهم الكتاب لكونهم العاملين به وكأن غيرهم لم يؤتوه لعدم عملهم بما فيه وجحدهم لصفات رسول الله صلى الله عليه وسلم المذكورة فيه "ومن هؤلاء من يؤمن به" الإشارة إلى أهل مكة، والمراد أن منهم، وهو من قد أسلم من يؤمن به: أي بالقرآن، وقيل الإشارة إلى جميع العرب "وما يجحد بآياتنا" أي آيات القرآن "إلا الكافرون" المصممون على كفرهم من المشركين وأهل الكتاب "وما يجحد بآياتنا" أي آيات القرآن "إلا الكافرون" المصممون على كفرهم من المشركين وأهل الكتاب.
48- " وما كنت تتلو من قبله من كتاب " الضمير في قبله راجع إلى القرآن لأنه المراد بقوله أنزلنا إليك الكتاب: أي ما كنت يا محمد تقرأ قبل القرآن كتاباً ولا تقدر على ذلك لأنك أمي لا تقرأ ولا تكتب "ولا تخطه بيمينك" أي ولا تكتبه لأنك لا تقدر على الكتابة. قال مجاهد كان أهل الكتاب يجدون في كتبهم أن محمداً صلى الله عليه وسلم لا يخط ولا يقرأ فنزلت هذه الآية. قال النحاس: وذلك دليل على نبوته لأنه لا يكتب ولا يخالط أهل الكتاب ولم يكن بمكة أهل كتاب فجاءهم بأخبار الأنبياء والأمم "إذاً لارتاب المبطلون" أي لو كنت ممن يقدر على التلاوة والخط لقالوا لعله وجد ما يتلوه علينا من كتب الله السابقة أو من الكتب المدونة في أخبار الأمم، فلما كنت أمياً لا تقرأ ولا تكتب لم يكن هناك موضع للريبة ولا محل للشك أبداً، بل إنكار من أنكر وكفر مجرد عناد وجحود بلا شبهة، وسماهم مبطلين لأن ارتيابهم على تقدير أنه صلى الله عليه وسلم يقرأ ويكتب ظلم منهم لظهور نزاهته ووضوح معجزاته.
49- "بل هو آيات بينات" يعني القرآن "في صدور الذين أوتوا العلم" يعني المؤمنين الذين حفظوا القرآن على عهده صلى الله عليه وسلم وحفظوه بعده، وقال قتادة وومقاتل: إن الضمير يرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم: أي بل محمد آيات بينات: أي ذو آيات. وقرأ ابن مسعود بل هي آيات بينات قال الفراء معنى هذه القراءة: بل آيات القرآن آيات بينات..واختار ابن جرير ما قاله قتادة ومقاتل، وقد استدل لما قالاه بقراءة ابن السميفع بل هذا آيات بينات ولا دليل في هذه القراءة على ذلك، لأن الإشارة يجوز أن تكون إلى القرآن كما جاز أن تكون إلى النبي صلى الله عليه وسلم، بل رجوعها إلى القرآن أظهر لعدم احتياج ذلك إلى التأويل، والتقدير "وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون" أي المجاوزون للحد في الظلم.
50- "وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربه" أي قال المشركون هذا القول، والمعنى: هلا أنزلت عليه آيات كآيات الأنبياء، وذلك كآيات موسى وناقة صالح وإحياء المسيح للموتى، ثم أمره الله سبحانه أن يجيب عليهم فقال: "قل إنما الآيات عند الله" ينزلها على من يشاء من عباده ولا قدرة لأحد على ذلك "وإنما أنا نذير مبين" أنذركم كما أمرت وأبين لكم كما ينبغي، ليس في قدرتي غير ذلك. قرأ ابن كثير وأبو بكر وحمزة والكسائي "لولا أنزل عليه آية" بالإفراد. وقرأ الباقون بالجمع، واختار هذه القراءة أبو عبيد لقوله "قل إنما الآيات" .
51- " أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم " هذه الجملة مستأنفة للرد على اقتراحهم وبيان بطلانه: أي أو لم يكف المشركين من الآيات التي اقترحوها هذا الكتاب المعجز الذي قد تحديتهم بأن يأتوا بمثله أو بسورة منه فعجزوا، ولو أتيتهم بآيات موسى وآيات غيره من الأنبياء لما آمنوا، كما لم يؤمنوا بالقرآن الذي يتلى عليهم في كل زمان ومكان "إن في ذلك" الإشارة إلى الكتاب الموصوف بما ذكر "لرحمة" عظيمة في الدنيا والآخرة "وذكرى" في الدنيا يتذكرون بها وترشدهم إلى الحق "لقوم يؤمنون" أي لقوم يصدقون بما جئت به من عند الله فإنهم هم الذين ينتفعون بذلك.
52- "قل كفى بالله بيني وبينكم شهيداً" أي قل للمكذبين كفى الله شهيداً بما وقع بيني وبينكم "يعلم ما في السموات والأرض" لا تخفى عليه من ذلك خافية، ومن جملته ما صدر بينكم وبين رسوله " والذين آمنوا بالباطل وكفروا بالله أولئك هم الخاسرون " أي أمنوا بما يعبدونه من دون الله وكفروا بالحق وهو الله سبحانه، أولئك هم الجامعون بين خسران الدنيا والآخرة .
الصفحة رقم 402 من المصحف تحميل و استماع mp3