تفسير الطبري تفسير الصفحة 402 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 402
403
401
 الآية : 46
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلاَ تُجَادِلُوَاْ أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاّ بِالّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاّ الّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ وَقُولُوَاْ آمَنّا بِالّذِيَ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَـَهُنَا وَإِلَـَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: وَلا تُـجادِلُوا أيها الـمؤمنون بـالله وبرسوله الـيهود والنصارى, وهم أهْلَ الكِتابِ إلاّ بـالّتِـي هِيَ أحْسَنُ يقول: إلاّ بـالـجميـل من القول, وهو الدعاء إلـى الله بآياته, والتنبـيه علـى حُججه.
وقوله: إلاّ الّذِينَ ظَلَـمُوا مِنْهُمْ اختلف أهل التأويـل فـي تأويـله فقال بعضهم: معناه: إلاّ الذين أبوا أن يقرّوا لكم بإعطاء الـجزية, ونصبوا دون ذلك لكم حربـا, فإنهم ظلـمة, فأولئك جادلوهم بـالسيف حتـى يسلـموا أو يعطوا الـجزية. ذكر من قال ذلك:
21175ـ حدثنـي علـيّ بن سهل, قال: حدثنا يزيد, عن سفـيان, عن خصيف, عن مـجاهد, فـي قوله: وَلا تُـجادِلُوا أهْلَ الكِتابِ إلاّ بـالّتِـي هِيَ أحْسَنُ إلاّ الّذِينَ ظَلَـمُوا منهمْ قال: من قاتل ولـم يُعط الـجزية.
حدثنا ابن وكيع, قال: ثنـي أبـي, عن سفـيان, عن خصيف, عن مـجاهد, بنـحوه. إلاّ أنه قال: من قاتلك ولـم يعطك الـجزية.
21176ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد وَلا تُـجادِلُوا أهْلَ الكِتابِ إلاّ بـالّتِـي هِيَ أحْسَنُ قال: إن قالوا شرّا, فقولوا خيرا, إلاّ الّذِينَ ظَلَـمُوا مِنهُمْ فـانتصروا منهم.
21177ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله إلاّ الّذِينَ ظَلَـمُوا مِنْهُمْ قال: قالوا مع الله إله, أو له ولد, أو له شريك, أو يد الله مَغْلولة, أو الله فقـير, أو آذَوْا مـحمدا صلى الله عليه وسلم, قال: هم أهل الكتاب.
21178ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا يحيى بن آدم, عن شريك, عن سالـم, عن سعيد وَلا تُـجادِلُوا أهْلَ الكِتابِ إلاّ بـالّتِـي هِيَ أحْسَنُ, إلاّ الّذِينَ ظَلَـمُوا مِنْهُمْ قال: أهل الـحرب, مَنْ لا عهد له, جادِلْه بـالسيف.
وقال آخرون: معنى ذلك: وَلا تُـجادِلُوا أهْلَ الكِتابِ الذين قد آمنوا به, واتبعوا رسوله فـيـما أخبروكم عنه مـما فـي كتبهم إلاّ بـالتـي هِيَ أحْسَنُ, إلاّ الّذِينَ ظَلَـمُوا مِنْهُمْ. فأقاموا علـى كفرهم, وقالوا: هذه الاَية مُـحْكَمة, ولـيست بـمنسوخة. ذكر من قال ذلك:
21179ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وَلا تُـجادِلُوا أهْلَ الكِتابِ إلاّ بـالّتِـي هِيَ أحْسَنُ قال: لـيست بـمنسوخة, لا ينبغي أن تـجادل من آمن منهم, لعلهم يحسنون شيئا فـي كتاب الله, لا تعلـمه أنت, فلا تـجادله, ولا ينبغي أن تـجادل إلاّ الذين ظلـموا, الـمقـيـمَ منهم علـى دينه. فقال: هو الذي يُجادَلُ, ويُقال له بـالسيف. قال: وهؤلاء يهود. قال: ولـم يكن بدار الهجرة من النصارى أحد, إنـما كانوا يهودا هم الذي كلّـموا وحالفوا رسول الله صلى الله عليه وسلم, وغدرت النضير يوم أُحُد, وغدرت قُريظة يوم الأحزاب.
وقال آخرون: بل نزلت هذه الاَية قبل أن يؤمر النبـيّ صلى الله عليه وسلم بـالقتال, وقالوا: هي منسوخة نسخها قوله: قاتِلُوا الّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بـاللّهِ وَلا بـالـيَوْمِ الاَخِرِ. ذكر من قال ذلك:
21180ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة, قوله وَلا تُـجادِلُوا أهْلَ الكِتابِ إلاّ بـالّتِـي هِيَ أحْسَنُ ثم نسخ بعد ذلك, فأمر بقتالهم فـي سورة براءة, ولا مـجادلة أشدّ من السيف أن يقاتلوا حتـى يشهدوا أن لا إله إلاّ الله, وأن مـحمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم, أو يقرّوا بـالـخَراج.
وأولـى هذه الأقوال بـالصواب, قول من قال: عنى بقوله إلاّ الّذِينَ ظَلـمُوا مِنْهُمْ: إلاّ الذين امتنعوا من أداء الـجزية, ونصبوا دونها الـحرب.
فإن قال قائل: أو غير ظالـم من أهل الكتاب, إلاّ من لـم يؤدّ الـجزية؟ قـيـل: إن جميعهم وإن كانوا لأنفسهم بكفرهم بـالله, وتكذيبهم رسوله مـحمدا صلى الله عليه وسلم, ظَلَـمة, فإنه لـم يعن بقوله إلاّ الّذِينَ ظَلَـمُوا مِنْهُمْ ظُلْـمَ أنفسهم. وإنـما عنى به: إلاّ الذين ظلـموا منهم أهل الإيـمان بـالله ورسوله مـحمد صلى الله عليه وسلم, فإن أولئك جادلوهم بـالقتال.
وإنـما قلنا: ذلك أولـى الأقوال فـيه بـالصواب, لأن الله تعالـى ذكره أذِن للـمؤمنـين بجدال ظلـمة أهل الكتاب بغير الذي هو أحسن, بقوله إلاّ الّذِينَ ظَلـمُوا مِنْهُمْ فمعلوم إذ كان قد أذن لهم فـي جدالهم, أن الذين لـم يؤذن لهم فـي جدالهم إلاّ بـالتـي هي أحسن, غير الذين أذن لهم بذلك فـيهم, وأنهم غير الـمؤمن, لأن الـمؤمن منهم غير جائز جداله إلاّ فـي غير الـحقّ, لأنه إذا جاء بغير الـحقّ, فقد صار فـي معنى الظلـمة فـي الذي خالف فـيه الـحقّ. فإذ كان ذلك كذلك, تبـين أن لا معنى لقول من قال: عنى بقوله وَلا تُـجادِلُوا أهلَ الكِتابِ أهل الإيـمان منهم, وكذلك لا معنى لقول من قال: نزلت هذه الاَية قبل الأمر بـالقتال, وزعم أنها منسوخة, لأنه لا خبر بذلك يقطع العذر, ولا دلالة علـى صحته من فطرة عقل.
وقد بـيّنا فـي غير موضع من كتابنا, أنه لا يجوز أن يحكم علـى حكم الله فـي كتابه بأنه منسوخ إلاّ بحجة يجب التسلـيـم لها من خبر أو عقل.
وقوله: وَقُولُوا آمَنّا بـالّذِي أُنْزِلَ إلَـيْنا وأُنْزِلَ إلَـيْكُمْ, وَإلَهُنا وإلهُكُمْ وَاحِدٌ, ونَـحنُ لَهُ مُسْلِـمُونَ يقول تعالـى ذكره للـمؤمنـين به وبرسوله, الذين نهاهم أن يجادلوا أهل الكتاب إلاّ بـالتـي هي أحسن: إذا حدثكم أهل الكتاب أيها القوم عن كتبهم, وأخبروكم عنها بـما يـمكن ويجوز أن يكونوا فـيه صادقـين, وأن يكونوا فـيه كاذبـين, ولـم تعلـموا أمرهم وحالهم فـي ذلك فقولوا لهم آمّنّا بِـالّذِي أُنْزِلَ إلَـينا وأنْزِلَ إلَـيْكُمْ مـما فـي التوراة والإنـجيـل وَإلَهُنا وإلهُكُمْ وَاحِدٌ يقول: ومعبودنا ومعبودكم واحد ونَـحْنُ لَهُ مُسْلِـمُونَ يقول: ونـحن له خاضعون متذللون بـالطاعة فـيـما أمرنا ونهانا. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك, جاء الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ذكر الرواية بذلك:
21181ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا عثمان بن عمر, قال: أخبرنا علـيّ, عن يحيى بن أبـي كثـير, عن أبـي سلـمة عن أبـي هريرة, قال: كان أهل الكتاب يقرءون التوراة بـالعبرانـية, فـيفسرونها بـالعربـية لأهل الإسلام, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تُصَدّقُوا أهْلَ الكِتابِ وَلا تُكَذّبُوهُمْ, وَقُولُوا آمَنّا بـالّذِي أُنْزِلَ إلَـيْنا وأُنْزِلَ إلَـيْكُمْ, وَإلهُنا وإلهُكُمْ وَاحِدٌ, ونَـحْنُ لَهُ مُسْلِـمُونَ».
21182ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا سفـيان, عن سعد بن إبراهيـم, عن عطاء بن يسار, قال: كان ناس من الـيهود يحدثون ناسا من أصحاب النبـيّ صلى الله عليه وسلم, فقال: «لا تُصَدّقُوهُمْ وَلا تُكَذّبُوهُمْ, وَقُولُوا آمَنّا بـالّذِي أُنْزِلَ إلَـيْنا وأُنْزِلَ إلَـيْكُمْ».
21183ـ قال: ثنا أبو عامر, قال: حدثنا سفـيان, عن سلـيـمان, عن عمارة بن عمير, عن حريث بن ظهير, عن عبد الله, قال: لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء, فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا, إما أن تكذبوا بحقّ أو تصدّقوا ببـاطل, فإنه لـيس أحد من أهل الكتاب إلاّ وفـي قلبه تالـية تدعوه إلـى دينه كتالـية الـمال. وكان مـجاهد يقول فـي ذلك ما:
21184ـ حدثنـي به مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: إلاّ الّذِينَ ظَلَـمُوا مِنْهُمْ قال: قالوا مع الله إله, أو له ولد, أو له شريك, أو يد الله مغلولة, أو الله فقـير, أو آذوا مـحمدا, وقُولُوا آمَنّا بـالّذِي أُنْزِل إلَـيْنا وأُنْزِلَ إلَـيْكُمْ لـمن لـم يقل هذا من أهل الكتاب.
الآية : 47
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَـَؤُلآءِ مَن يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَآ إِلاّ الْكَافِرونَ }.
يقول تعالـى ذكره: كما أنزلنا الكتب علـى مَن قبلك يا مـحمد من الرسل كَذلكَ أنْزَلْنا إلَـيْكَ هذا الكِتابَ, فـالّذِينَ آتَـيْناهُمُ الكِتابَ من قبلك من بنـي إسرائيـل يُؤْمِنُونَ بِهِ, وَمِنْ هَؤُلاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ يقول: ومن هؤلاء الذين هم بـين ظهرانـيك الـيوم من يؤمن به كعبد الله بن سلام, ومن آمن برسوله من بنـي إسرائيـل.
وقوله: وَما يَجْحَدُ بآياتِنا إلاّ الكافِرُونَ يقول تعالـى ذكره: وما يجحد بأدلتنا وحججنا إلاّ الذي يجحد نعمنا علـيه, وينكر توحيدنا وربوبـيتنا علـى علـم منه عنادا لنا. كما:
21185ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة وَما يَجْحَدُ بآياتِنا إلاّ الكافِرُونَ قال: إنـما يكون الـجحود بعد الـمعرفة.
الآية : 48
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلاَ تَخُطّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لاّرْتَابَ الْمُبْطِلُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: وَما كُنْتَ يا مـحمد تَتْلُوا يعنـي تقرأ مِنْ قَبْلِهِ يعنـي من قبل هذا الكتاب الذي أنزلته إلـيك مِنْ كِتَابٍ وَلا تَـخُطّهُ بِـيَـمِينِكَ يقول: ولـم تكن تكتب بـيـمينك, ولكنك كنت أمّيّا إذا لارْتابَ الـمُبْطِلُونَ يقول: ولو كنت من قبل أن يُوحَى إلـيك تقرأ الكتاب, أو تـخطه بـيـمينك, إذن لارتاب: يقول: إذن لشكّ بسبب ذلك فـي أمرك, وما جئتهم به من عند ربك من هذا الكتاب الذي تتلوه علـيهم الـمبطلون القائلون إنه سجع وكهانة, وإنه أساطير الأوّلـين. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
21186ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله وَما كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ, وَلا تَـخُطّهُ بِـيَـمِينِكَ إذا لارْتابَ الـمُبْطِلُونَ قال: كان نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم أمّيا لا يقرأ شيئا ولا يكتب.
21187ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة, قوله وَما كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ, وَلا تَـخُطّهُ بِـيَـمِينِكَ قال: كان نبـيّ الله لا يقرأ كتابـا قبله, ولا يخطه بـيـمينه قال: كان أُمّيا, والأميّ: الذي لا يكتب.
21188ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبو أسامة, عن إدريس الأودي, عن الـحكم, عن مـجاهد وَما كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ, وَلا تَـخُطّهُ بِـيَـمِينِكَ قال: كان أهل الكتاب يجدون فـي كتبهم أن النبـيّ صلى الله عليه وسلم لا يخطّ بـيـمينه, ولا يقرأ كتابـا, فنزلت هذه الاَية.
وبنـحو الذي قلنا أيضا فـي قوله إذا لارْتابَ الـمُبْطِلُونَ قالوا. ذكر من قال ذلك:
21189ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة إذا لارْتابَ الـمُبْطِلُونَ إذن لقالوا: إنـما هذا شيء تعلّـمه مـحمد صلى الله عليه وسلم وكتبه.
21190ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قول الله إذا لارْتابَ الـمُبْطِلُون قال قريش.
الآية : 49
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيّنَاتٌ فِي صُدُورِ الّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَآ إِلاّ الظّالِمُونَ }.
اختلف أهل التأويـل فـي الـمعنـيّ بقوله: بَلْ هُوَ آياتٌ بَـيّناتٌ فِـي صُدُورِ الّذِينَ أُوتُوا العِلْـمَ فقال بعضهم: عنى به نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم, وقالوا: معنى الكلام: بل وجود أهل الكتاب فـي كتبهم أن مـحمدا صلى الله عليه وسلم لا يكتب ولا يقرأ, وأنه أميّ, آيات بـينات فـي صدورهم. ذكر من قال ذلك:
21191ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله بَلْ هُوَ آياتٌ بَـيّناتٌ فِـي صُدُورِ الّذِينَ أُوتُوا العِلْـمَ قال: كان الله تعالـى أنزل شأن مـحمد صلى الله عليه وسلم فـي التوراة والإنـجيـل لأهل العلـم وعلـمه لهم, وجعله لهم آية, فقال لهم: إن آية نبوّته أن يخرج حين يخرج لا يعلـم كتابـا, ولا يخطه بـيـمينه, وهي الاَيات البـينات.
21192ـ حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله وَما كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ قال: كان نبـيّ الله لا يكتب ولا يقرأ, وكذلك جعل الله نعته فـي التوراة والإنـجيـل, أنه نبـيّ أميّ لا يقرأ ولا يكتب, وهي الاَية البـينة فـي صدور الذين أوتوا العلـم.
21193ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة بَلْ هُوَ آياتٌ بَـيّناتٌ فِـي صُدُورِ الّذِينَ أُوتُوا العِلْـمَ من أهل الكتاب صدّقوا بـمـحمد ونعته ونبوّته.
21194ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, بَلْ هُوَ آياتٌ بَـيّناتٌ قال: أنزل الله شأن مـحمد فـي التوراة والإنـجيـل لأهل العلـم, بل هو آية بـينة فـي صدور الذين أوتوا العلـم, يقول: النبـيّ صلى الله عليه وسلم.
وقال آخرون: عنى بذلك القرآن, وقالوا: معنى الكلام: بل هذا القرآن آيات بـيّنات فـي صدور الذين أوتوا العلـم من الـمؤمنـين بـمـحمد صلى الله عليه وسلم. ذكر من قال ذلك:
21195ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا أبو سفـيان, عن معمر, قال: قال الـحسن, فـي قوله: بَلْ هُوَ آياتٌ بَـيّناتٌ فِـي صُدُورِ الّذِينَ أُوتُوا العِلْـمَ القرآن آيات بـينات فـي صدور الذين أوتوا العلـم, يعنـي الـمؤمنـين.
وأولـى القولـين فـي ذلك بـالصواب قول من قال: عنى بذلك: بل العلـم بأنك ما كنت تتلو من قبل هذا الكتاب كتابـا, ولا تـخطه بـيـمينك, آيات بـينات فـي صدور الذين أوتوا العلـم من أهل الكتاب.
وإنـما قلت ذلك أولـى التأويـلـين بـالاَية, لأن قوله: بَلْ هُوَ آياتٌ بَـيّناتٌ فِـي صُدُورِ الّذِينَ أُوتُوا العِلْـمَ بـين خبرين من أخبـار الله عن رسوله مـحمد صلى الله عليه وسلم, فهو بأن يكون خبرا عنه أولـى من أن يكون خبرا عن الكتاب الذي قد انقضى الـخبر عنه قبل.
وقوله: وَما يَجْحَدُ بآياتِنا إلاّ الظّالِـمُونَ يقول تعالـى ذكره: ما يجحد نبوّة مـحمد صلى الله عليه وسلم وأدلته, ويُنكر العلـم الذي يعلـم من كتب الله التـي أنزلها علـى أنبـيائه, ببعث مـحمد صلى الله عليه وسلم ونبوّته ومبعثه إلاّ الظالـمون, يعنـي الذين ظلـموا أنفسهم بكفرهم بـالله عزّ وجلّ.
الآية : 50
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَقَالُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مّن رّبّهِ قُلْ إِنّمَا الاَيَاتُ عِندَ اللّهِ وَإِنّمَآ أَنَاْ نَذِيرٌ مّبِينٌ }.
يقول تعالـى ذكره: وقالت الـمشركون من قريش: هلا أنزل علـى مـحمد آية من ربه تكون حجة لله علـينا كما جعلت الناقة لصالـح, والـمائدة آية لعيسى, قل يا مـحمد, إنـما الاَيات عند الله لا يقدر علـى الإتـيان بها غيره وَإنـمَا أنَا نَذِيرٌ مُبِـينٌ وإنـما أنا نذير لكم أنذركم بأس الله وعقابه علـى كفركم برسوله. وما جاءكم به من عند ربكم مبـين يقول: قد أبـان لكم إنذاره.
الآية : 51
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَىَ عَلَيْهِمْ إِنّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَىَ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: أو لـم يكف هؤلاء الـمشركين يا مـحمد, القائلـين: لولا أنزل علـى مـحمد صلى الله عليه وسلم آية من ربه, من الاَيات والـحجج أنّا أنْزَلْنا عَلَـيْكَ هذا الكِتابَ يُتْلَـى عَلَـيْهِمْ يقول: يُقرأ علـيهم إنّ فِـي ذلكَ لَرَحْمَةً يقول: إن فـي هذا الكتاب الذي أنزلنا علـيهم لرحمة للـمؤمنـين به وذكرى يتذكرون بـما فـيه من عبرة وعظة.
وذُكر أن هذه الاَية نزلت من أجل أن قوما من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم انتسخوا شيئا من بعض كتب أهل الكتاب. ذكر من قال ذلك:
21196ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن عمرو بن دينار, عن يحيى بن جعدة أن ناسا من الـمسلـمين أتوا نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم بكتب قد كتبوا فـيها بعض ما يقول الـيهود, فلـما أن نظر فـيها ألقاها, ثم قال: «كفـى بها حماقة قوم, أو ضلالة قوم, أن يرغبوا عما جاءهم به نبـيهم, إلـى ما جاء به غير نبـيهم إلـى قوم غيرهم», فنزلت: أوَ لَـمْ يَكْفِهِمْ أنّا أنْزَلْنا عَلَـيْكَ الكِتابَ يُتْلَـى عَلَـيْهِمْ إنّ فِـي ذلكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْم يُؤْمِنُونَ.
الآية : 52
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قُلْ كَفَىَ بِاللّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً يَعْلَمُ مَا فِي السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَالّذِينَ آمَنُواْ بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُواْ بِاللّهِ أُوْلَـَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ }.
يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: قل يا مـحمد للقائلـين لك: لولا أنزل علـيك آية من ربك, الـجاحدين بآياتنا من قومك: كفـى الله يا هؤلاء بـينـي وبـينكم شاهدا لـي وعلـيّ, لأنه يعلـم الـمـحقّ منا من الـمبطل, ويعلـم ما فـي السموات وما فـي الأرض, لا يخفـى علـيه شيء فـيهما, وهو الـمـجازي كل فريق منا بـما هو أهله, الـمـحقّ علـى ثبـاته علـى الـحقّ, والـمبطل علـى بـاطله, بـما هو أهله وَالّذِينَ آمَنُوا بـالبـاطِلِ يقول: صدّقوا بـالشرك, فأقرّوا به وكفروا به. يقول: وجحدوا الله أُولَئِكَ هُمُ الـخاسِرُونَ يقول: هم الـمغبونون فـي صفقتهم. وبنـحو الذي قلنا فـي قوله والّذِينَ آمَنُوا بـالبـاطِلِ قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
21197ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة وَالّذِينَ آمَنُوا بـالبـاطِل: الشرك