تفسير الشوكاني تفسير الصفحة 516 من المصحف



فتح القدير - صفحة القرآن رقم 516

515

5- "ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيراً لهم" أي لو انتظروا خروجك ولم يعجلوا بالمناداة لكان أصلح لهم في دينهم ودنياهم، لما في ذلك من رعاية حسن الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورعاية جانبه الشريف والعمل بما يستحقه من التعظيم والتجليل. وقيل إنهم جاءوا شفعاء في أسارى، فأعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم نصفهم وفادى نصفهم، ولو صبروا لأعتق الجميع، ذكر معناه مقاتل "والله غفور رحيم" كثير المغفرة والرحمة بليغهما لا يؤاخذ مثل هؤلاء فيما فرط منهم من إساءة الأدب.
6- " يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا " قرأ الجمهور "فتبينوا" من التبين، وقرأ حمزة والكسائي " فتبينوا " من التثبت، والمراد من التبين التعرف والتفحص، ومن التثبت الأناة وعدم العجلة، والتبصر في الأمر الواقع والخبر الوارد حتى يتضح ويظهر. قال المفسرون: إن هذه الآية نزلت في الويد بن عقبة بن أبي معيط كما سيأتي بيانه إن شاء الله. وقوله: "أن تصيبوا قوماً بجهالة" مفعول له: أي كراهة أن تصيبوا، أو لئلا تصيبوا، أو لئلا تصيبوا لأن الخطأ ممن لم يتبين الأمر ولم يثبت فيه هو الغالب وهو جهالة، لأنه لم يصدر عن علم، والمعنى: ملتبسين بجهالة بحالهم "فتصبحوا على ما فعلتم" بهم من إصابتهم بالخطأ "نادمين" على ذلك مغتمين له مهتمين به.
ثم وعظهم الله سبحانه فقال: 7- "واعلموا أن فيكم رسول الله" فلا تقولوا قولاً باطلاً ولا تتسرعوا عند وصول الخبر إليكم من غير تبين، وأن وما في حيزها سادة مسد مفعولي اعلموا، وجملة "لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم" في محل نصب على الحال من ضمير فيكم أو مستأنفة، والمعنى: لو يطيعكم في كثير مما تخبرونه به من الأخبار الباطلة، وتشيرون به عليه من الآراء التي ليست بصواب لوقعتم في العنت، وهو التعب والجهد. والإثم والهلاك، ولكنه لا يطيعكم في غالب ما تريدون قبل وضوح وجهه له، ولا يسارع إلى العمل بما يبلغه قبل النظر فيه "ولكن الله حبب إليكم الإيمان" أي جعله أحب الأشياء إليكم، أو محبوباً لديكم فلا يقع منكم إلا ما يوافقه ويقتضيه من الأمور الصالحة وترك التسرع في الأخبار وعدم التثبت فيها، قيل والمراد بهؤلاء من عدا الأولين لبيان براءتهم عن أوصاف الأولين، والظاهر أنه تذكير للكل بما يقتضيه الإيمان وتوجبه محبته التي جعلها الله في قلوبهم " وزينه في قلوبكم " أي حسنه بتوفيقه حتى جروا على ما يقتضيه في الأقوال والأفعال "وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان" أي جعل كل ما هو من جنس الفسوق ومن جنس العصيان مكروهاً عندكم. وأصل الفسق الخروج عن الطاعة، والعصيان جنس ما يعصى الله به، وقيل أراد بذلك الكذب خاصة، والأول أولى "أولئك هم الراشدون" أي الموصوفون بما ذكرهم الراشدون. والرشد: الاستقامة على طريق الحق مع تصلب، مع الرشادة: وهي الصخرة.
8- "فضلاً من الله ونعمة" أي لأجل فضله وإنعامه، والمعنى: أنه حبب إليكم ما حبب وكره ماكره لأجل فضله وإنعامه، أو جعلكم راشدين لأجل ذلك، وقيل النصب بتقدير فعل: أي تبتغون فضلاً ونعمة "والله عليم" بكل معلوم "حكيم" في كل ما يقضي به بين عباده ويقدر لهم. وقد أخرج البخاري وغيره عن عبد الله بن الزبير قال: "قدم ركب من بني تميم على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال أبو بكر: أمر القعقاع بن معبد، وقال عمر: بل أمر الأقرع بن حابس، فقل أبو بكر ما أردت إلا خلافي، فقال عمر: ما أردت خلافك، فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما، فأنزل الله: "يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله" حتى انقضت الآية". وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: "لا تقدموا بين يدي الله ورسوله" قال: نهوا أن يتكلموا بين يدي كلامه. وأخرج ابن مردويه عن عائشة في الآية قالت: لا تصوموا قبل أن يصوم نبيكم. وأخرج البخاري في تاريخه عنها قالت: كان أناس يتقدمون بين يدي رمضان بصيام: يعني يوماً أو يومين، فأنزل الله: "يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله". وأخرج الطبراني وابن مردويه عنها أيضاً أن ناساً كانوا يتقدمون الشهر فيصومون قبل النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله: "يا أيها الذين آمنوا" الآية. وأخرج البزار وابن عدي والحاكم وابن مردويه عن أبي بكر الصديق قال: أنزلت هذه الآية. "يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي" قلت: يا رسول الله: والله لا أكلمك إلا كأخي السرار، وفي إسناده حصين بن عمر، وهو ضعيف، ولكنه يؤيده ما أخرجه عبد بن حميد والحاكم وصححه من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة قال: لما نزلت "إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله" قال أبو بكر: والذي أنزل عليك الكتاب يا رسول الله لا أكلمك إلا كأخي السرار حتى ألقى الله. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أنس قال: "لما نزلت "يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي" إلى قوله: "وأنتم لا تشعرون" وكان ثابت بن قيس بن شماس رفيع الصوت فقال: أنا الذي كنت أرفع صوتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، حبط عملي، أنا من أهل النار وجلس في بيته حزيناً، ففقده رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلق بعض القوم إليه فقالوا: فقدك رسول الله صلى الله عليه وسلم، مالك؟ قال: أنا الذي أرفع صوتي فوق صوت النبي وأجهر له بالقول، حبط عملي، أنا من أهل النار، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه بذلك، فقال: لا، بل هو من أهل الجنة، فلما كان يوم اليمامة قتل". وفي الباب أحاديث بمعناه. وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود في قوله: "لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي" الآية: قال: نزلت في ثابت بن قيس بن شماس: وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة في قوله: "أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى" قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: منهم ثابت بن قيس بن شماس. وأخرج أحمد وابن جرير وأبو القاسم والغوي والطبراني وابن مردويه قال السيوطي: بسند صحيح من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن عن الأقرع بن حابس "أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد اخرج إلينا، فلم يجبه، فقال: يا محمد إن حمدي زين وإن ذمي شين، فقال ذاك الله، فأنزل الله: "إن الذين ينادونك من وراء الحجرات"". قال ابن منيع: لا أعلم روى الأقرع مسنداً غير هذا. وأخرج الترمذي وحسنه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن البراء بن عازب في قوله: "إن الذين ينادونك من وراء الحجرات" قال: جاء رجل فقال: يا محمد إن حمدي زين وإن ذمي شين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ذاك الله. وأخرج ابن راهويه ومسدد وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه قال السيوطي: بإسناد حسن عن زيد بن أرقم قال: اجتمع ناس من العرب فقالوا: انطلقوا إلى هذا الرجل فإن يك نبياً فنحن أسعد الناس به، وإن يك ملكاً نعش بجناحه، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته بما قالوا، فجاءوا إلى حجرته فجعلوا ينادونه يا محمد يا محمد فأنزل الله: "إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون" فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بأذني وجعل يقول: لقد صدق الله قولك يا زيد، لقد صدق الله قولك يا زيد. وفي الباب أحاديث. وأخرج أحمد وابن أبي حاتم والطبراني وابن منده وابن مردويه قال السيوطي بسند جيد عن الحارث بن ضرار الخزاعي قال: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاني إلى الإسلام، فدخلت فيه وأقررت به، ودعاني إلى الزكاة فأقررت بها، وقلت: يا رسول الله أرجع إلى قومي فأدعوهم إلى الإسلام وأداء الزكاة، فمن استجاب لي جمعت زكاته وترسل إلي يا رسول الله رسولاً لإبان كذا وكذا ليأتيك ما جمعت من الزكاة، فلما جمع الحارث الزكاة ممن استجاب له وبلغ الإبان الذي أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبعث إليه احتبس الرسول فلم يأت، فظن الحارث أن قد حدث فيه سخطة من الله ورسوله، فدعا سروات قومه فقال لهم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان وقت لي وقتاً يرسل إلي رسوله إلى من سخطة، فانطلقوا فنأتي رسول الله، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الوليد بن عقبة إلى الحارث ليقبض ما كان عنده مما جمع من الزكاة، فلما أن سار الوليد حتى بلغ بعض الطريق فرق فرجع، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن الحارث منعني الزكاة وأراد قتلي، فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم البعث إلى الحارث، فأقبل الحارث بأصحابه حتى إذا استقل البعث وفصل عن المدينة لقيهم الحارث، فقالوا هذا الحارث؟ فلما غشيهم قال لهم: إلى من بعثتم؟ قالوا إليك. قال ولم؟ قالوا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إليك الوليد بن عقبة، فزعم أنك منعته الزكاة وأردت قتله، قال: لا والذي بعث محمداً بالحق ما رأيته بتة ولا أتاني، فلما دخل الحارث على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: منعت الزكاة وأردت قتل رسولي؟ قال: لا والذي بعثك بالحق ما رأيته ولا رآني، وما أقبلت إلا حين احتبس علي رسزل رسول الله صلى الله عليه وسلم خشيت أن تكون كانت سخطة من الله ورسوله، فنزل: " يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ " إلى قومه: "حكيم" قال ابن كثير: هذا من أحسن ما روي في سبب نزول الآية. وقد رويت روايات كثيرة متفقة على أنه سبب نزول الآية، وأنه المراد بها وإن اختلفت القصص.
قوله: 9- "وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا" قرأ الجمهور اقتتلوا باعتبار كل فرد من أفراد الطائفتين كقوله "هذان خصمان اختصموا" والضمير في قوله بينهما عائد إلى الطائفتين باعتبار اللفظ. وقرأ ابن أبي عبلة اقتتلتا اعتباراً بلفظ طائفتان، وقرأ زيد بن علي وعبيد بن عمير [اقتتلا] وتذكير الفعل في هذه القراءة باعتبار الفريقين أو الرهطين. والبغي: التعدي بغير حق والامتناع من الصلح الموافق للصواب، والفيء: الرجوع والمعنى: أنه إذا تقاتل فريقان من المسلمين فعلى المسلمين أن يسعوا بالصلح بينهم ويدعوهم إلى حكم الله، فإن حصل بعد ذلك التعدي من إحدى الطائفتين على الأخرى ولم تقبل الصلح ولا دخلت فيه كان على المسلمين أن يقاتلوا هذه الطائفة الباغية حتى ترجع إلى أمر الله وحكمه، فإن رجعت تلك الطائفة الباغية عن بغيها وأجابت الدعوة إلى كتاب الله وحكمه، فعلى المسلمين أن يعدلوا بين الطائفتين في الحكم ويتحروا الصواب المطابق لحكم الله ويأخذوا على يد الطائفة [الظالمة] حتى تخرج من الظلم وتؤدي ما يجب عليها للأخرى. ثم أمر الله سبحانه المسلمين أن يعدلوا في كل أمورهم بعد أمرهم بهذا العدل الخاص بالطائفتين المقتتلتين فقال: "وأقسطوا إن الله يحب المقسطين" أي واعدلوا إن الله يحب العادلين، ومحبته لهم تستلزم مجازاتهم بأحسن الجزاء. قال الحسن وقتادة والسدي "فأصلحوا بينهم" بالدعاء إلى حكم كتاب الله والرضى بما فيه لهما وعليهما "فإن بغت إحداهما" وطلبت ما ليس لها ولم ترجع إلى الصلح "فقاتلوا التي تبغي" حتى ترجع إلى طاعة الله والصلح الذي أمر الله به.
وجملة 10- "إنما المؤمنون إخوة" مستأنفة مقررة لما قبلها من الأمر بالإصلاح، والمعنى: أنهم راجعون إلى أصل واحد وهو الإيمان. قال الزجاج: الدين يجمعهم، فهم إخوة إذا كانوا متفقين في دينهم فرجعوا بالاتفاق في الدين إلى أصل النسب لأنهم لآدم وحواء "فأصلحوا بين أخويكم" يعنى كل مسلمين تخاصما وتقاتلا، وتخصيص الاثنين بالذكر لإثبات وجوب الإصلاح فيما فوقهما بطريق الأولى. قرأ الجمهور "بين أخويكم" على التثنية، وقرأ زيد بن ثابت وعبد الله بن مسعود والحسن وحماد بن سلمة وابن سيرين إخوانكم بالجمع، وروي عن أبي عمر ونصر بن عاصم وأبي العالية والجحدري ويعقوب أنهم قرءوا " بيوت أخواتكم " بالفوقية على الجمع أيضاً. قال أبو علي الفارسي في توجيه قراءة الجمهور: أراد بالأخوين الطائفتين، لأن لفظ التثنية قد يرد ويراد به الكثرة. وقال أبو عبيدة: أي أصلحوا بين كل أخوين "واتقوا الله" في كل أموركم "لعلكم ترحمون" بسبب التقوى، والترجي باعتبار المخاطبين: أي راجين أن ترحموا، وفي هذه الآية دليل على قتال الفئة الباغية إذا تقرر بغيها على الإمام، أو على أحد من المسلمين، وعلى فساد قول من فال بعدم الجواز مستدلاً بقوله صلى الله عليه وسلم: "قتال المسلم كفر" فإن المراد بهذا الحديث وما ورد في معناه قتال المسلم الذي لم يبغ. قال ابن جرير: لو كان الواجب في كل اختلاف يكون بين فريقين من المسلمين الهرب منه ولزوم المنازل لما أقيم حق، ولا أبطل باطل ولوجد أهل النفاق والفجور سبباً إلى استحلال كل ما حرم الله عليهم من أموال المسلمين وسبي نسائهم وسفك دمائهم بأن يتحزبزا عليهم، ولكف المسلمين أيديهم عنهم، وذلك مخالف لقوله صلى الله عليه وسلم: "خذوا على أيدي سفهائكم". قال ابن العربي: هذه الآية أصل في قتال المسلمين، وعمدة في حرب المتأولين، وعليها عول الصحابة، وإليها لجأ الأعيان من أهل الملة، وإياها عنى النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "تقتل عماراً الفئة الباغية"، وقوله صلى الله عليه وسلم في شأن الخوارج: "يخرجون على حين فرقة من الناس تقتلهم أولى الطائفتين بالحق".
11- "يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم" السخرية: الاستهزاء: وحكى أبو زيد: سخرت به وضحكت به وهزأت به. وقال الأخفش: سخرت منه وسخرت به، وضحكت منه وضحكت به، وهزأت منه وهزأت به، كل ذلك يقال، والاسم السخرية والسخرى، وقرئ بهما في "ليتخذ بعضهم بعضاً سخرياً"، ومعنى الآية: النهي للمؤمنين عن أن يستهزئ بعضهم ببعض، وعلل هذا النهي بقوله: "عسى أن يكونوا خيراً منهم" أي أن يكون المسخور بهم عند الله خيراً من الساخرين بهم، ولما كان لفظ قوم مختصاً بالرجال، لأنهم القوم على النساء أفرد النساء بالذكر فقال: "ولا نساء من نساء" أي ولا يسخر نساء من نساء "عسى أن يكن" المسخور بهن "خيراً منهن" يعني خيراً من الساخرات منهن، وقيل أفرد النساء بالذكر لأن السخرية منهن أكثر "ولا تلمزوا أنفسكم" اللمز العيب، وقد مضى تحقيقه في سورة براءة عند قوله: "ومنهم من يلمزك في الصدقات" قال ابن جرير: اللمز باليد والعين واللسان والإشارة، والهمز لا يكون إلا باللسان، ومعنى "لا تلمزوا أنفسكم" لا يلمز بعضكم بعضاً كما في قوله: "ولا تقتلوا أنفسكم" وقوله : " فسلموا على أنفسكم " قال مجاهد وقتادة وسعيد بن جبير : لا يطعن بعضكم على بعض . وقال الضحاك : لا يلعن بعضكم بعضا " ولا تنابزوا بالألقاب " التنابز: التفاعل من النبز بالتسكين وهو المصدر، والنبز بالتحريك اللقب، والجمع أنباز، والألقاب جمع لقب، وهو اسم غير الذي سمي به الإنسان، والمراد هنا لقب السوء، والتنابز بالألقاب أن يلقب بعضهم بعضاً. قال الواحدي: قال المفسرون: هو أن يقول لأخيه المسلم يا فاسق يا منافق، أو يقول لمن أسلم يا يهودي يا نصراني، قال عطاء: هو كل شيء أخرجت به أخاك من الإسلام، كقولك يا كلب يا حمار يا خنزير. قال الحسن ومجاهد: كان الرجل يعير بكفره، فيقال له يا يهودي يا نصراني فنزلت، وبه قال قتادة وأبو العالية وعكرمة "بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان" أي بئس الاسم الذي يذكروا بالفسق بعد دخولهم في الإيمان، والاسم هنا بمعنى الذكر. قال ابن زيد: أي بئس أن يسمى الرجل كافراً أو زانياً بعد إسلامه وتوبته. وقيل المعنى: أن من فعل ما نهي عنه من السخرية واللمز والنبذ فهو فاسق. قال القرطبي: إنه يستثنى من هذا من غلب عليه الاستعمال كالأعرج والأحدب ولم يكن له سبب يجد في نفسه منه عليه، فجوزته الأئمة واتفق على قوله أهل اللغة اهـ، "ومن لم يتب" عما نهى الله عنه " فأولئك هم الظالمون " لارتكابهم ما نهى الله عنه وامتناعهم من التوبة، فظلموا من لقبوه، وظلمهم أنفسهم بما لزمهم من الإثم.