تفسير الشوكاني تفسير الصفحة 571 من المصحف



فتح القدير - صفحة القرآن رقم 571

570

11- "يرسل السماء عليكم مدراراً" أي يرسل ماء السماء عليكم، ففيه إضمار، وقيل المراد بالسماء المطر، كما في قول الشاعر: إذا نزل السماء بأرض قوم رعيناه وإن كانوا غضابا والمدرار: الدرور، وهو التحلب بالمطر، وانتصابه إما على الحال من السماء، ولم يؤنث لأن مفعالاً لا يؤنث، تقول امرأة مئناث ومذكار، أو على أنه نعت لمصدر محذوف: أي إرسالاً مدراراً، وقد تقدم الكلام عليه في سورة الأنعام، وجزم يرسل لكونه جواب الأمر.
وفي هذه الآية دليل على أن الاستغفار من أعظم أسباب المطر وحصول أنواع الأرزاق، ولهذا قال: 12- "ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات" يعني بساتين "ويجعل لكم أنهاراً" جارية. قال عطاء: المعنى يكثر أموالكم وأولادكم. أعلمهم نوح عليه السلام أن إيمانهم بالله يجمع لهم مع الحظ الوافر في الآخرة الخصب والغنى في الدنيا.
13- "ما لكم لا ترجون لله وقاراً" أي أي عذر لكم في ترك الرجاء، والرجاء هنا بمعنى الخوف: أي مال لكم لا تخافون الله، والوقار العظمة من التوقير وهو التعظيم، والمعنى لا تخافون حق عظمته فتوحدونه وتطيعونه، و"لا ترجون" في محل نصب على الحال من ضمير المخاطبين، والعامل فيه معنى الاستقرار في لكم، ومن إطلاق الرجاء على الخوف قول الهذلي: إذا لسعته النحل لم يرج لسعها وقال سعيد بن جبير وأبو العالية وعطاء بن أبي رباح ما لكم لا ترجون لله ثواباً ولا تخافون منه عقابا. وقال مجاهد والضحاك: ما لكم لا تبالون لله عظمة. قال قطرب: هذه لغة حجازية. وهذيل وخزاعة ومضر يقولون: لم أرج لم أبل. وقال قتادة: ما لكم لا ترجون لله عاقبة الإيمان. وقال ابن كيسان: ما لكم لا ترجون في عبادة الله وطاعته أن يثيبكم على توقيركم خيراً. وقال ابن زيد: ما لكم لا تؤدون لله طاعة. وقال الحسن: ما لكم لا تعرفون لله حقاً ولا تشكرون له نعمة.
وجملة 14- "وقد خلقكم أطواراً" في محل نصب على الحال: أي والحال أنه سبحانه قد خلقكم على أطوار مختلفة: نطفة، ثم مضغة، ثم علقة إلى تمام الخلق كما تقدم بيانه في سورة المؤمنين، والطور في اللغة المرة، وقال ابن الأنباري: الطور الحال وجمعه أطوار، وقيل أطواراً صبياناً ثم شباناً ثم شيوخاً، وقيل الأطوال اختلافهم في الأفعال والأوقال والأخلاق، والمعنى: كيف تقصرون في توقير من خلقكم على هذه الأطوار البديعة.
15- " ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا " الخطاب لمن يصلح له، والمراد الاستدلال بخلق السموات على كمال قدرته وبديع صنعه، وأنه الحقيق بالعبادة: والطباق المتطابقة بعضها فوق بعض كل سماء مطبقة على الأخرى كالقباب. قال الحسن: خلق الله سبع سموات على سبع أرضين بين كل سماء وسماء وأرض وأرض خلق وأمر، وقد تقدم تحقيق هذا في قوله: "ومن الأرض مثلهن" وانتصاب طباقاً على المصدرية، تقول طباقه مطابقة وطباقاً، أو حال بمعنى ذات طباق، فحذفت ذات وأقام طباقاً مقامه، وأجاز الفراء في غير القرآن جر طباقاً على النعت.
16- "وجعل القمر فيهن نوراً" أي منوراً لوجه الأرض، وجعل القمر في السموات مع كونها في سماء الدنيا، لأنها إذا كانت في إحداهن، فهي فيهن، كذا قال ابن كيسان. قال الأخفش: كما تقول أتاني بنو تميم، والمراد بعضهم. وقال قطرب فيهن بمعنى معهن: أي خلق القمر والشمس مع خلق السموات والأرض، كما في قول امرئ القيس: وهل ينعمن من كان آخر عهده ثلاثين شهراً في ثلاثة أحوال أي مع ثلاثة أحوال "وجعل الشمس سراجاً" أي كالمصباح لأهل الأرض ليتواصلوا بذلك إلى التصرف فيما يحتاجون إليه من المعاش.
17- "والله أنبتكم من الأرض نباتاً" يعني آدم خلقه الله من أديم الأرض، والمعنى: أنشأكم منها إنشاء، فاستعير الإنبات للإنشاء لكونه أدل على الحدوث والتكوين، ونباتاً إما مصدر لأنبت على حذف الزوائد أو مصدر لفعل محذوف: أي أنبتكم من الأرض فنبتم نباتاً. وقال الخليل والزجاج: هو مصدر لفعل محذوف: أي أنبتكم من الأرض فنبتم نباتاً. وقال الخليل والزجاج: هو مصدر محمول على المعنى، لأن معنى أنبتكم: جعلكم تنبتون نباتاً. وقيل المعنى: والله أنبت لكم من الأرض النبات فنباتاً على هذا مفعول به. قال ابن بحر: أنبتهم في الأرض بالكبر بعد الصغر وبالطول بعد القصر.
18- "ثم يعيدكم فيها" أي في الأرض "ويخرجكم إخراجا" يعني يخرجكم منها بالبعث يوم القيامة.
19- "والله جعل لكم الأرض بساطا" أي فرشها وبسطها لكم تتقلبون عليها تقلبكم على بسطكم في بيوتكم.
20- "لتسلكوا منها سبلاً فجاجا" أي طرقاً واسعة، والفجاج جمع فج وهو الطريق الواسع، كذا قال الفراء وغيره، وقيل الفج: المسلك بين الجبلين، وقد مضى تحقيق هذا في سورة الأنبياء وفي سورة الحج مستوفى. وقد أخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله: " جعلوا أصابعهم في آذانهم " قال: لئلا يسمعوا ما يقول "واستغشوا ثيابهم" قال: ليتنكروا فلا يعرفهم " واستكبروا استكبارا " قال: تركوا التوبة. وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عنه "واستغشوا ثيابهم" قال: غطوا وجوههم لئلا يروا نوحاً ولا يسمعوا كلامه. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد والبيهقي في الشعب عنه أيضاً في قوله: "ما لكم لا ترجون لله وقاراً" قال: لا تعلمون لله عظمة. وأخرج ابن جرير والبيهقي عنه أيضاً "وقاراً" قال عظمة. وفي قوله: "وقد خلقكم أطواراً" قال: نطفة ثم علقة ثم مضغة. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً قال: لا تخشون له عقاباً ولا ترجون له ثواباً. وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن علي بن أبي طالب "أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ناساً يغتسلون عراة ليس عليهم أزر، فوقف فنادى بأعلى صوته "ما لكم لا ترجون لله وقاراً"". وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وأبو الشيخ في العظمة عن عبد الله بن عمرو قال: الشمس والقمر وجوههما قبل السماء وأقفيتهما قبل الأرض، وأنا أقرأ بذلك عليكم أن من كتاب الله "وجعل القمر فيهن نوراً وجعل الشمس سراجاً". وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وأبو الشيخ في العظمة عن عبد الله بن عمر قال: تضيء لأهل السموات كما تضيء لأهل الأرض. وأخرج عبد بن حميد عن شهر بن حوشب قال: احتمع عبد الله بن عمرو بن العاص وكعب الأحبار وقد كان بينهما بعض العتب فتعاتبا فذهب ذلك، فقال عبد الله بن عمرو لكعب: سلني عما شئت فلا تسألني عن شيء إلا أخبرتك بتصديق قولي من القرآن، فقال له: أرأيت ضوء الشمس والقمر أهو في السموات السبع كما هو في الأرض؟ قال نعم: ألم تروا إلى قول الله: " خلق الله سبع سماوات طباقا * وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا ". وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ في العظمة والحاكم وصححه عن ابن عباس "وجعل القمر فيهن نوراً" قال: وجهه في السماء إلى العرش وقفاه إلى الأرض. وأخرج عبد بن حميد من طريق الكلبي عن أبي صالح عنه "وجعل القمر فيهن نوراً" قال: خلق حين خلقهن ضياءً لأهل الأرض، وليس في السماء من ضوئه شيء. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه أيضاً "سبلاً فجاجاً" قال: طرقاً مختلفة.
قوله: 21- "قال نوح رب إنهم عصوني" أي استمروا على عصياني ولم يجيبوا دعوتي، شكاهم إلى الله عز وجل، وأخره بأنهم عصوه ولم يتبعوه وهو أعلم بذلك "واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خساراً" أي اتبع الأصاغر رؤساءهم، وأهل الثروة منهم الذين لم يزدهم كثرة المال والولد إلا ضلالاً في الدنيا وعقوبة في الآخرة. قول أهل المدينة والشام وعاصم "وولده" بفتح الواو واللام. وقرأ الباقون بسكون اللام، وهي لغة في الولد، ويجوز أن يكون جمعاً، وقد تقدم تحقيقه، ومعنى واتبعوا: أنهم استمروا على اتباعهم لا أنهم أحدثوا الاتباع.
22- "ومكروا مكراً كباراً" أي مكراً كبيراً عظيماً، يقال: كبير وكبار وكبار مثل عجيب وعجاب وعجاب، وجميل وجمال وجمال. قال المبرد: كباراً بالتشديد للمبالغة، ومثل كباراً قراء لكثير القراءة، وأنشد ابن السكيت: بيضاء تصطاد القلوب وتستبي بالحسن قلب المسلم القراء قرأ الجمهور "كباراً" بالتشديد. وقرأ ابن محيصن وحميد ومجاهد بالتخفيف. قال أبو بكر: هو جمع كبير كأنه جعل مكراً مكان ذنوب أو أفاعيل، فلذلك وصفه بالجمع. وقال عيسى بن عمر: هي لغة يمانية. واختلف في مكرهم هذا ما هو؟ فقيل هو تحريشهم سفلتهم على قتل نوح، وقيل هو تغريرهم على الناس بما أوتوا من المال والولد حتى قال الضعفة: لولا على الحق لما أوتوا هذه النعم. وقال الكلبي: هو ما جعلوه لله من الصاحبة والولد. وقال مقاتل: هو قول كبرائهم لأتباعهم لا تذرن آلهتكم، وقيل مكرهم كفرهم.
23- " وقالوا لا تذرن آلهتكم " أي لا تتركوا عبادة آلهتكم، وهي الأصنام والصور التي كانت لهم، ثم عبدتها العرب من بعدهم، وبهذا قال الجمهور "ولا تذرن وداً ولا سواعاً ولا يغوث ويعوق ونسراً" أي لا تتركوا عبادة هذه. قال محمد بن كعب: هذه أسماء قوم صالحين كانوا بين آدم ونوح، فنشأ بعدهم قوم يقتدون بهم في العبادة، فقال لهم إبليس: لو صورتم صورهم كان أنشط لكم وأسوق إلى العبادة، ففعلوا، ثم نشأ قوم من بعدهم فقال لهم إبليس: إن الذين من قبلكم كانوا يعبدونهم فاعبدوهم، فابتداء عبادة الأوثان كان من ذلك الوقت، وسميت هذه الصور بهذه الأسماء لأنهم صوروها على صورة أولئك القوم. وقال عروة بن الزبير وغيره: إن هذه كانت أسماء لأولاد آدم، وكان ود أكبرهم. قال الماوردي: فأما ود فهو أو صنم معبود، سمي وداً لودهم له، وكان بعد قوم نوح لكلب بدومة الجندل في قول ابن عباس وعطاء ومقاتل، وفيه يقول شاعرهم: حياك ود فإن لا يحل لنا لهو النساء وإن الدين قد غربا وأما سواع فكان لهذيل بساحل البحر. وأما يغوث فكان لغطيف من مراد بالجرف من سبأ في قول قتادة. وقال المهدوي: لمراد ثم لغطفان، وأما يعوق فكان لهمدان في قول قتادة وعكرمة وعطاء. وقال الثعلبي: كان لكهلان بن سبأ، ثم توارثه حتى صار في همدان، وفيه يقول مالك بن نمد الهمداني: يريش الله في الدنيا ويبري ولا يبري يعوق ولا يريش وأما نسر فكان لدي الكلاع من حمير في قول قتادة ومقاتل. قرأ الجمهور "ودا" بفتح الواو. وقرأ نافع بضمها. قال الليث: ود بضم الواو صنم لقريش، وبفتحها صنم كان لقوم نوح، وبه سمي عمرو بن ود. قال في الصحاح، والود بالفتح: الوتد في لغة أهل نجد كأنهم سكنوا التاء وأدغموها في الدال. وقرأ الجمهور ولا يغوث و[يعقوق] بغير تنوين، فإن كانا عربيين فالمنع من الصرف للعملية ووزن الفعل، وإن كانا عجميين فللعجمة والعلمية. وقرأ الأعمش ولا يغوثا ويعوقا بالصرف. قال ابن عطية: وذلك وهم. ووجه تخصيص هذه الأصنام بالذكر مع دخولها تحت الآلهة، لأنها كانت أكبر أصنامهم وأعظمها.
24- "وقد أضلوا كثيراً" أي أضل كبراؤهم ورؤساؤهم كثيراً من الناس، وقيل الضمير راجع إلى الأصنام: أي ضل بسببها كثير من الناس كقول إبراهيم: "رب إنهن أضللن كثيراً من الناس" وأجري عليهم ضمير من يعقل لاعتقاد الكفار الذين يعبدونها أنها تعقل "ولا تزد الظالمين إلا ضلالاً" معطوف على "رب إنهم عصوني" ووضع الظاهر موضع المضمر تسجيلاً عليهم بالظلم. وقال أبو حيان: إنه معطوف على قد أضلوا، ومعنى الإضلالا: إلا عذاباً: كذا قال ابن بحر، واستدل على ذلك بقوله: "إن المجرمين في ضلال وسعر"، وقيل إلا خسراناً، وقيل إلا فتنة بالمال والولد، وقيل الضياع، وقيل ضلالاً في مكرهم.
25- "مما خطيئاتهم أغرقوا" ما مزيدة للتأكيد، والمعنى: من خطيئاتهم: أي من أجلها وبسببها أغرقوا بالطوفان "فأدخلوا ناراً" عقب ذلك، وهي نار الآخرة، وقيل عذاب القبر. قرأ الجمهور "خطيئاتهم" على جمع السلامة، وقرأ أبو عمرو "خطاياهم" على جمع التكسير، وقرأ الجحدري وعمرو بن عبيد والأعمش وأبو حيوة وأشهب العقيلي خطيئتهم على الإفراد. قال الضحاك عذبوا بالنار في الدنيا مع الغرق في حالة واحدة كانوا يغرقون في جانت ويحترقون في جانب. قرأ الجمهور "أغرقوا" من أغرق، وقرأ زيد بن علي غرقوا بالتشديد "فلم يجدوا لهم من دون الله أنصاراً" أي لم يجدوا أحداً يمنعهم من عذاب الله ويدفعه عنهم.
26- "وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً" معطوف على "قال نوح رب إنهم عصوني" لما أيس نوح عليه السلام من إيمانهم وإقلاعهم عن الكفر دعا عليهم بالهلاك. قال قتادة: دعا عليهم بعد أن أوحى إليه " أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن " فأجاب الله دعوته فأجاب الله دعوته وأغرقهم. وقال محمد بن كعب ومقاتل والربيع بن أنس وابن زيد وعطية: إنما قال هذا حين أخرج الله كل مؤمن من أصلابهم وأرحام نسائهم، وأعقم أرحام النساء وأصلاب الآباء قبل العذاب بسبعين سنة، وقيل بأربعين. قال قتادة: لم يكن فيهم صبي وقت العذاب. وقال الحسن وأبو العالي: لو أهلك الله أطفالهم معهم كان عذاباً من الله لهم وعدلاً فيهم ولكن أهلك ذريتهم وأطفالهم بغير عذاب ثم أهلكهم بالعذاب، ومعنى دياراً: من يسكن الديار، وأصله ديوار على فيعال، من دار يدور، فقلبت الواو ياء وأدغمت إحداهما في الأخرى، مثل القيام أصله قيوام، وقال القتيبي: أصله من الدار: أي نازل بالدار، يقال ما بالدار ديار: أي أحد، وقيل الديار: صاحب الديار، والمعنى: لا تدع أحداً منهم إلا أهلكته.
27- "إنك إن تذرهم يضلوا عبادك" أي إن تتركهم على الأرض يضلوا عبادك عن طريق الحق "ولا يلدوا إلا فاجراً كفاراً" أي إلا فاجراً بترك طاعتك كفاراً لنعمتك: أي كثير الكفران لها، والمعنى: إلا من سيفجر ويكفر.
ثم لما دعا على الكافرين أتبعه بالدعاء لنفسه ووالديه والمؤمنين، فقال: 28- "رب اغفر لي ولوالدي" وكانا مؤمنين، وأبوه لامك بن متوشلخ كما تقدم، وأمه سمحاء بنت أنوش، وقيل أراد آدم وحواء. وقال سعيد بن جبير: أراد بوالديه أباه وجده. وقرأ سعيد بن جبير ولوالدي بكسر الدال على الأفراد. "ولمن دخل بيتي" قال الضحاك والكلبي: يعني مسجده، وقيل منزله الذي هو ساكن فيه، وقيل سفينته، وقيل لمن دخل في دينه، وانتصاب "مؤمناً" على الحال: أي لمن دخل بيتي متصفاً بصفة الإيمان فيخرج من دخله غير متصف بهذه الصفة كامرأته وولده الذي قال: "سآوي إلى جبل يعصمني من الماء" ثم عمم الدعوة، فقال: "وللمؤمنين والمؤمنات" أي واغفر لكل متصف بالإيمان من الذكور والإناث. ثم عاد إلى الدعاء على الكافرين، فقال: " ولا تزد الظالمين إلا تبارا " أي لا تزد المتصفين بالظلم إلا هلاكاً وخسراناً ودماراً، وقد شمل دعاؤه هذا كل ظالم إلى يوم القيامة كما شمل دعاؤه للمؤمنين والمؤمنات كل مؤمن ومؤمنة إلى يوم القيامة. وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله: "ولا تذرن ودا ولا سواعاً ولا يغوث ويعوق ونسراً" قال: هذه الأصنام كانت تعبد في زمن نوح. وأخرج البخاري وابن المنذر وابن مردويه عنه قال: صارت الأوثان التي كانت تعبد في قوم نوح في العرب. أما ود فكانت لكلب بدومة الجندل، وأما سواع فكانت لهذيل، وأما يغوث فكانت لمراد ثم لبني غطيف، وأما يعوق فكانت لهمدان، وأما نسر فكانت لحمير لآل ذي الكلاع، أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجلسهم الذي كانوا يجلسون فيه أنصاباً وسموها بأسمائهم ففعلوا، فلم تعبد حتى هلك أولئك ونسخ العلم فعبدت.