سورة المائدة | للقراءة من المصحف بخط كبير واضح
استماع mp3 | الجلالين&الميسر | تفسير الشوكاني |
إعراب الصفحة | تفسير ابن كثير | تفسير القرطبي |
التفسير المختصر | تفسير الطبري | تفسير السعدي |
تفسير الطبري تفسير الصفحة 107 من المصحف
تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 107
108
106
الآية : 3
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {حُرّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَآ أُهِلّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدّيَةُ وَالنّطِيحَةُ وَمَآ أَكَلَ السّبُعُ إِلاّ مَا ذَكّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُواْ بِالأزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الأِسْلاَمَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنّ اللّهَ غَفُورٌ رّحِيمٌ }..
يعنـي بذلك جلّ ثناؤه: حرّم الله علـيكم أيها الـمؤمنون الـميتة, والـميتة: كلّ ما له نَفْس سائلة من دوابّ البرّ وطيره, مـما أبـاح الله أكلها, وأهلـيها ووحشيّها, فـارقتها روحها بغير تذكية. وقد قال بعضهم: الـميتة: هو كلّ ما فـارقته الـحياة من دوابّ البرّ وطيره بغير تذكية مـما أحلّ الله أكله. وقد بـينا العلة الـموجبة صحة القول بـما قلنا فـي ذلك فـي كتابنا: كتاب «لطيف القول فـي الأحكام». وأما الدم, فإن الدم الـمسفوح دون ما كان منه غير مسفوح, لأن الله جلّ ثناؤه قال: قُلْ لا أجِدُ فـيـما أُوحِيَ إلـيّ مُـحَرّما علـى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إلاّ أنْ يَكُونَ مَيْتَةً أوْ دَما مَسْفُوحا أوْ لَـحْمَ خِنْزِيرٍ: فأما ما كان قد صار فـي معنى اللـحم كالكبد والطّحال, وما كان فـي اللـحم غير منسفح, فإن ذلك غير حرام, لإجماع الـجميع علـى ذلك.
وأما قوله: ولَـحْمُ الـخِنْزِيرِ فإنه يعنـي: وحرّم علـيكم لـحم الـخنزير, أهلـيه وبرّيه. فـالـميتة والدم مخرجهما فـي الظاهر مخرج عموم, والـمراد منهما الـخصوص وأما لـحم الـخنزير, فإن ظاهره كبـاطنه وبـاطنه كظاهره, حرام جميعه لـم يخصص منه شيء.
وأما قوله ومَا أهِلّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ فإنه يعنـي: وما ذكر علـيه غير اسم الله. وأصله من استهلال الصبـيّ وذلك إذا صاح حين يسقط من بطن أمه, ومنه إهلال الـمـحرّم بـالـحجّ إذا لَبّى به, ومنه قول ابن أحمر:
يُهلّ بـالفَرْقَدِ رُكْبـانُهاكمَا يُهِلّ الرّاكِبُ الـمُعْتَـمِرْ
وإنـما عنى بقوله: وَما أُهِلّ لغيرِ اللّهِ بِهِ: وما ذُبح للاَلهة وللأوثان يسمّى علـيه غير اسم الله. وبـالذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل, وقد ذكرنا الرواية عمن قال ذلك فـيـما مضى فكرهنا إعادته.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَالـمُنْـخَنِقَةُ.
اختلفت أهل التأويـل فـي صفة الانـخناق الذي عَنَى الله جلّ ثناؤه بقوله وَالـمُنْـخَنِقَةُ. فقال بعضهم بـما:
8733ـ حدثنا مـحمد بن الـجسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: وَالـمُنْـخَنِقَةُ قال: التـي تُدخِـل رأسَها بـين شعبتـين من شجرة, فتـختنق فتـموت.
8734ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبو خالد الأحمر, عن جويبر, عن الضحاك, فـي الـمنـخنقة, قال: التـي تـختنق فتـموت.
8735ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: حدثنا معمر, عن قتادة فـي قوله: وَالـمُنْـخَنِقَةُ التـي تـموت فـي خِنَاقها.
وقال آخرون: هي التـي تُوْثَق فـيقتلها بـالـخناق وثاقها. ذكر من قال ذلك:
8736ـ حُدثت عن الـحسن, قال: سمعا أبـا معاذ, يقول: أخبرنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: وَالـمُنْـخَنِقَةُ قال: الشاة توثق, فـيقتلها خناقها, فهي حرام.
وقال آخرون: بل هي البهيـمة من النّعمَ, كان الـمشركون يخنقونها حتـى تـموت, فحرّم الله أكلها. ذكر من قال ذلك:
8737ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس: وَالـمُنْـخَنِقَةُ: التـي تُـخنق فتـموت.
8738ـ حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: وَالـمُنْـخَنِقَةُ: كان أهل الـجاهلـية يخنقون الشاة, حتـى إذا ماتت أكلوها.
وأولـى هذه الأقوال بـالصواب, قول من قال: هي التـي تـختنق, إما فـي وِثاقها, وإما بإدخال رأسها فـي الـموضع الذي لا تقدر علـى التـخـلص منه فتـختنق حتـى تـموت.
وإنـما قلنا ذلك أولـى بـالصواب فـي تأويـل ذلك من غيره, لأن الـمنـخنقة: هي الـموصوفة بـالانـخناق دون خنق عيرها لها, ولو كان معنـيا بذلك أنها مفعول بها لقـيـل: والـمخنوقة, حتـى يكون معنى الكلام ما قالوا.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَالـمَوْقُوذَةُ:
يعنـي جلّ ثناؤه بقوله وَالـمَوْقُوذَةُ: والـميتة وقـيذا, يقال منه: وَقَذَه يَقِذُهِ وَقْذا: إذا ضربه حتـى أشرف علـى الهلاك, ومنه قول الفرزدق:
شَغّارَةً تقِذُ الفَصِيـلَ برِجْلهافَطّارَةً لِقَوَادِمِ الأبْكارِ
وبنـحو ما قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
8739ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس: وَالـمَوْقُوذَةُ قال: الـموقوذة التـي تضرب بـالـخشب حتـى يقذها فتـموت.
8740ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال حدثنا سعيد, عن قتادة: وَالـمَوْقُوذَةُ كان أهل الـجاهلـية يضربونها بـالعصا, حتـى إذا ماتت أكلوها.
حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا روح, قال: حدثنا شعبة, عن قتادة فـي قوله: وَالـمَوْقُوذَةُ قال: كانوا يضربونها حتـى يقذوها, ثم يأكلوها.
حدثنا الـحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة فـي قوله: وَالـمَوْقُوذَةُ التـي توقذَ فتـموت.
8741ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبو خالد الأحمر, عن جويبر, عن الضحاك, قال: الـمَوْقُوذَةُ: التـي تضرب حتـى تـموت.
8742ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن مفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: وَالـمَوْقُوذَةُ قال: هي التـي تضرب فتـموت.
8743ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد بن سلـمان, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: وَالـمَوْقُوذَةُ: كانت الشاة أو غيرها من الأنعام تضرب بـالـخشب لاَلهتهم حتـى يقتلوها فـيأكلوها.
حدثنا العبـاس بن الولـيد, قال: أخبرنـي عقبة بن علقمة, ثنـي إبراهيـم بن أبـي عبلة, قال: ثنء نعيـم بن سلامة, عن أبـي عبد الله الصنابحي, قال: لـيست الـموقوذة إلاّ فـي مالك, ولـيس فـي الصيد وقـيذ.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: والـمُتَرَدّيَةُ.
يعنـي بذلك جلّ ثناؤه: وحرّمت علـيكم الـميتة تردّيا من جبل, أو فـي بئر, أو غير ذلك. وتردّيها: رميُها بنفسها من مكان عالٍ مشرف إلـى سفله.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
8744ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية بن صالـح, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس: والـمُتَرَدّيَةُ قال: التـي تتردّى من الـجبل.
8745ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: والـمُتَرَدّيَةُ: كانت تتردّى فـي البئر فتـموت فـيأكلونها.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا روح, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: والـمُتَرَدّيَةُ قال: التـي تردّت فِـي البئر.
8746ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ فـي قوله: والـمُتَرَدّيَةُ قال: هي التـي تَرَدّى من الـجبل أو فـي البئر, فتـموت.
8747ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبو خالد الأحمر, عن جويبر, عن الضحاك: والـمُتَرَدّيَةُ: التـي تَرَدّى من الـجبل فتـموت.
8748ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج, قال: سمعت أبـا معاذ, يقول: حدثنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: والـمُتَرَدّيَةُ قال: التـي تـخرّ فـي ركيّ أو من رأس جبل فتـموت.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَالنّطِيحَةُ.
يعنـي بقوله النّطِيحَةُ: الشاة التـي تنطحها أخرى فتـموت من النطاح بغير تذكية, فحرم الله جلّ ثناؤه ذلك علـى الـمؤمنـين إن لـم يدركوا ذكاته قبل موته. وأصل النطيحة: الـمنطوحة, صرفت من مفعولة إلـى فعيـلة.
فإن قال قائل: وكيف أثبتت الهاء هاء التأنـيث فـيها, وأنت تعلـم أن العرب لا تكاد تثبت الهاء فـي نظائرها إذا صرفوها صرف النطيحة من مفعول إلـى فعيـل, إنـما تقول: لـحية دهين, وعين كحيـل, وكفّ خضيب, ولا يقولون كفّ خضيبة ولا عين كحيـلة؟ قـيـل: قد اختلفت أهل العربـية فـي ذلك, فقال بعض نـحويـي البصرة: أثبتت فـيها الهاء, أعنـي فـي النطيحة, لأنها جعلت كالاسم مثل الطويـلة والطريقة فكأن قائل هذا القول وجه النطيحة إلـى معنى الناطحة. فتأويـل الكلام علـى مذهبه: وحرمت علـيكم الـميتة نطاحا, كأنه عنى: وحرّمت علـيكم الناطحة التـي تـموت من نطاحها. وقال بعض نـحويـي الكوفة: إنـما تـحذف العرب الهاء من الفعيـلة الـمصروفة عن الـمفعول إذا جعلتها صفة لاسم, قد تقدّمها, فتقول: رأينا كفـا خضيبـا وعينا كحيلاً. فأما إذا حذفت الكفّ والعين والاسم الذي يكون فعيـل نعتا لها واجتزءوا بفعيـل منها, أثبتوا فـيه هاء التأنـيث, لـيعلـم بثبوتها فـيه أنها صفة للـمؤنث دون الـمذكر, فتقول: رأينا كحيـلة وخضيبة وأكيـلة السبع, قالوا: ولذلك أدخـلت الهاء فـي النطيحة, لأنها صفة الـمؤنث, ولو أسقطت منها لـم يُدْر أهي صفة مؤنث أو مذكر. وهذا القول هو أولـى القولـين فـي ذلك بـالصواب الشائع من أقوال أهل التأويـل, بأن معنى النطيحة: الـمنطوحة. ذكر من قال ذلك:
8749ـ حدثنـي الـمثنى, قال حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابـي عبـاس, قوله: وَالنّطيحَة قال: الشاة تَنْطح الشاة.
8750ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبو أحمد الزّبـيري, عن قـيس, عن أبـي إسحاق, عن أبـي ميسرة, قال: كان يقرأ: «والـمنطوحة».
8751ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبو خالد الأحمر, عن جويبر, عن الضحاك: وَالنّطِيحَةُ: الشاتان تنتطحان فتـموتان.
8752ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: وَالنّطِيحَة: هي التـي تنطحها الغنـم والبقر فتـموت. يقول: هذا حرام, لأن ناسا من العرب كانوا يأكلونه.
8753ـ حدثنا بشر, قال حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: والنّطِيحَةُ كان الكبشان ينتطحان, فـيـموت أحدهما, فـيأكلونه.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا روح, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: والنّطِيحَة الكبشان ينتطحان فـيقتل أحدهما الاَخر, فـيأكلونه.
حُدثت عن الـحسين بن الفرج, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد,, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: والنّطِيحَةُ قال: الشاة تنطح الشاة فتـموت.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَما أكَلَ السّبُعُ.
يعنـي جلّ ثناؤه بقوله: وَما أكَلَ السّبُعُ: وحرّم علـيكم ما أكل السبع غير الـمعلّـم من الصوائد. وكذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
8754ـ حدثنـي الـمثنى, قال حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس: وَما أكَلَ السّبُعُ يقول: ما أخذ السبع.
8755ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبو خالد الأحمر, عن جويبر, عن الضحاك: وَما أكَلَ السّبُعُ يقول: ما أخذ السبع.
8756ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: وَما أكَلَ السّبُعُ قال: كان أهل الـجاهلـية إذا قتل السبع شيئا من هذا أو أكل منه, أكلوا ما بقـي.
8757ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبو أحمد الزبـيري, عن قـيس, عن عطاء بن السائب, عن أبـي الربـيع, عن ابن عبـاس أنه قرأ: وأكيـلُ السّبُعِ.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: إلاّ ما ذَكّيْتُـمْ.
يعنـي جلّ ثناؤه بقوله: إلاّ ما ذَكّيْتُـمْ: إلاّ ما طهرتـموه بـالذبح الذي جعله الله طهورا.
ثم اختلفت أهل التأويـل فـيـما استثنى الله بقوله: إلاّ ما ذَكّيْتُـمْ فقال بعضهم: استثنى من جميع ما سمى الله تـحريـمه, من قوله وَما أُهِلّ لغَيْرِ اللّهِ بِهِ والـمُنْـخَنِقَةُ وَالـمَوقُوذَةُ والـمُتَرَدّيَةُ والنّطِيحَةُ وَما أكَلَ السّبُعُ. ذكر من قال ذلك:
8758ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس: إلاّ ما ذَكّيْتُـمْ يقول: ما أدركت ذكاته من هذا كله, يتـحرّك له ذنب أو تطرف له عين, فـاذبح واذكر اسم الله علـيه فهو حلال.
8759ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا ابن فضيـل, عن أشعث, عن الـحسن: حُرّمَتْ عَلَـيْكُمُ الـمَيْتَةُ والدّمُ ولَـحْمُ الـخِنْزِيرِ وَما أُهلّ لغيرِ اللّهِ بِهِ والـمُنْـخَنِقَةُ وَالـمَوقُوذَةُ والـمُتَرَدّيَةُ والنّطيحَة وَما أكَلَ السّبُعُ إلاّ ما ذَكّيْتُـمْ قال الـحسن: أيّ هذا أدركت ذكاته فذكه وكُلْ. فقلت: يا أبـا سعيد كيف أعرف؟ قال: إذا طَرَفت بعينها أو ضربت بذَنَبها.
8760ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: إلاّ ما ذَكّيْتُـمْ قال: فكلّ هذا الذي سماه الله عزّ وجلّ ههنا ما خلا لـحم الـخنزير إذا أدركت منه عينا تطرف أو ذنبـا يتـحرّك أو قائمة تركُض, فذكيتَه, فقد أحلّ الله لك ذلك.
حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة: إلاّ ما ذَكّيْتُـمْ من هذا كله, فإذا وجدتها تطرف عينها, أو تـحرك أذنها من هذا كله, فهي لك حلال.
8761ـ حدثنا حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي هشيـم وعبـاد, قالا: أخبرنا حجاج, عن حصين, عن الشعبـي, عن الـحارث, عن علـيّ, قال: إذا أدركت ذكاة الـموقوذة والـمتردية والنطيحة وهي تـحرّك يدا أو رجلاً فكُلْها.
8762ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا معمر, عن إبراهيـم, قال: إذا أكل السبع من الصيد أو الوقـيذة, أو النطيحة أو الـمتردية فأدركت ذكاته, فكُلْ.
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا مصعب بن سلام التـميـمي, قال: حدثنا جعفر بن مـحمد, عن أبـيه, عن علـيّ بن أبـي طالب, قال: إذا ركضت برجلها أو طَرَفت بعينها أو حرّكت ذنبها, فقد أجزأ.
8763ـ حدثنا ابن الـمثنى وابن بشار, قالا: حدثنا أبو عاصم, قال: أخبرنا ابن جريج, قال: أخبرنـي ابن طاوس, عن أبـيه, قال: إذا ذبحتَ فمصعتْ بذنبها أو تـحرّكت فقدحلت لك. أو قال: فحَسْبه.
8764ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا الـحجاج بن الـمنهال, قال: حدثنا حماد, عن حميد, عن الـحسن, قال: إذا كانت الـموقوذة تطرف ببصرها, أو تركض برجلها, أو تـمصع بذنبها, فـاذبح وكل.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا الـحجاج, قال: حدثنا حماد, عن قتادة, بـمثله.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا سويد, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, عن ابن جريج, عن أبـي الزبـير, أنه سمع عبـيد بن عمير, يقول: إذا طرفت بعينها, أو مصعت بذنبها, أو تـحرّكت, فقد حلت لك.
8765ـ حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد بن سلـمان, قال: سمعت الضحاك يقول: كان أهل الـجاهلـية يأكلون هذا, فحرّم الله فـي الإسلام إلا ما ذكي منه, فما أدرك فتـحرّك منه رجل أو ذنب أو طرف فذكي, فهو حلال.
8766ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: حُرّمَتْ عَلَـيْكُمُ الـمَيْتَةُ وَالدّمُ وَلـحْمُ الـخَنْزِيرِ وقوله: وَالـمُنْـخَنِقَةُ وَالـمَوْقُوذَةُ وَالـمُتَرَدّيَةُ والنّطِيحَةُ... الاَية, وَما أكَلَ السّبُعُ إلاّ ما ذكيّتْـمْ هذا كله مـحرّم, إلا ما ذكي من هذا.
فتأويـل الاَية علـى قول هؤلاء: حرّمت الـموقوذة والـمتردية إن ماتت التردّي والوقذ والنطح وفَرْس السبع, إلا أن تدركوا ذكاتها, فتدركوها قبل موتها, فتكون حنـيئذٍ حلالاً أكلها.
وقال آخرون: هو استثناء من التـحريـم, ولـيس بـاستثناء من الـمـحرّمات التـي ذكرها الله تعالـى فـي قوله: حُرّمَتْ عَلَـيْكُمُ الـمَيْتَةُ لأن الـميتة لا ذكاة لها ولا للـخنزير. قالوا: وإنـما معنى الاَية: حرّمت علـيكم الـمتـية والدم, وسائر ما سمينا مع ذلك, إلا ما ذكيّتـم مـما أحله الله لكم بـالتذكية, فإنه لكم حلال. ومـمن قال ذلك جماعة من أهل الـمدينة. ذكر بعض من قال ذلك:
8767ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال مالك: وسئل عن الشاة التـي يخرق جوفها السبع حتـى تـخرج أمعاوها, فقال مالك: لا أرى أن تذكّي ولا يؤكل أيّ شيء يذكّي منها.
8768ـ حدثنـي يونس, عن أشهب, قال: سئل مالك, عن السّبُع يعدو علـى الكبش, فـيدقّ ظهره, أترى ن يذكّي قبل أن يـموت فـيؤكل؟ إن كان بلغ السّحْر, فلا أرى أن يؤكل, وإن كان إنـما أصاب أطرافه, فلا أرى بذلك بأسا. قـيـل له: وثب علـيه فدقّ ظهره؟ قال: لا يعجبنـي أن يؤكل, هذا لا يعيش منه. قـيـل له: فـالذئب يعدو علـى الشاة فـيشقّ بطنها ولا يشقّ الأمعاء؟ قال: إذا شقّ بطنها فلا أرى أن تؤكل.
وعلـى هذا القول يجب أن يكون قوله: إلاّ ما ذَكّيْتُـمْ استثناء منقطعا, فـيكون تأويـل الاَية: حرّمت علـيكم الـميتة والدم, وسائر ما ذكرنا, ولكن ما ذكّيتـم من الـحيوانات التـي أحللتها لكم بـالتذكية حلال.
وأولـى القولـين فـي ذلك عندنا بـالصواب القول الأوّل, وهو أن قوله: إلاّ ما ذكيّتـم اسثناء من قوله: وَما أهِلّ لغيرِ الله بِهِ والـمُنْـخَنِقَةُ وَالـمَوقُوذَةُ وَالـمُترَدّيَةُ والنّطِيحَةُ وَما أكَلَ السّبُعُ لأن كلّ ذلك مستـحقّ الصفة التـي هو بها قبل حال موته, فـيقال: لـما قرّب الـمشركون لاَلهتهم فسموه لهم: هو ما أهِلّ لغيرِ اللّهِ بِهِ بـمعنى: سمى قربـانا لغير الله. وكذلك الـمنـخنقة: إذا انـخنقت, وإن لـم تـمت فهي منـخنقة, وكذلك سائر ما حرّمه الله جلّ وعزّ بعد قوله: وَما أُهِلّ لغيرِ اللّهِ بِهِ إلا بـالتذكية فإنه يوصف بـالصفة التـي هو بها قبل موته, فحرّمه الله علـى عبـاده إلا بـالتذكية الـمـحللة دون الـموت بـالسبب الذي كان به موصوفـا. فإذ كان ذلك كذلك, فتأويـل الاَية: وحرّم علـيكم ما أهل لغير الله به, والـمنـخنقة, وكذا وكذا وكذا, إلا ما ذكيّتـم من ذلك ف«ما» إذ كان ذلك تأويـله فـي موضع نصب بـالاستثناء مـما قبلها, وقد يجوز فـيه الرفع. وإذ كان الأمر علـى ما وصفنا, فكلّ ما أدركت ذكاته من طائر أو بهيـمة قبل خروج نفسه ومفـارقة روحه جسده, فحلال أكله إذا كان مـما أحله الله لعبـاده.
فإن قال لنا قائل: فإذ كان ذلك معناه عندك, فما وجه تكريره ما كرّر بقوله: وما أُهِلّ لغيرِ اللّهِ بِهِ وَالـمُنْـخَنِقَةُ والـمَوْقُوذَةُ وَالـمُرَدّيَةُ وسائر ما عدّد تـحريـمه فـي هذه الاَية, وقد افتتـح الاَية بقوله: حُرّمَتْ عَلَـيْكُمُ الـمَيْتَةُ؟ وقد علـمت أن قوله: حُرّمَتْ عَلَـيْكُمُ الـمَيْتَةُ شامل كل ميتة كان موته حتف أنفه, من علة به من غير جنابة أحد علـيه, أو كان موته من ضرب ضارب إياه, أو انـخناق منه أو انتطاح أو فرس سبع؟ وهلاّ كان قوله إن كان الأمر علـى ما وصفت فـي ذلك من أنه معنىّ بـالتـحريـم فـي كلّ ذلك الـميتة بـالانـخناق والنطاح والوقذ وأكل السبع أو غير ذلك, دون أن يكون معنـيا به تـحريـمه إذا تردّى أو انـخنق, أو فَرَسه السبع, فبلغ ذلك منه ما يعلـم أنه لا يعيش مـما أصابه منه إلا بـالـيسير من الـحياة حُرّمَتْ عَلَـيْكُمُ الـمَيْتَةُ مغنـيا من تكرير ما كرّر بقوله وَما أهِلّ لغيرِ اللّهِ بِهِ والـمُنْـخَنِقَةُ وسائر ما ذكر مع ذلك وتعداده ما عدد؟ وجه تكراره ذلك وإن كان تـحريـم ذلك إذا مات من الأسبـاب التـي هو بها موصوف, وقد تقدم بقوله حُرّمَتْ عَلَـيْكُمْ الـمَيْتَةُ أن الذين خوطبوا بهذه الاَية لا يعدّون الـميتة من الـحيوان, إلا ما مات من علة عارضة به, غير الانـخناق والتردّي والانتطاح, وفرّس السبع, علة مرض أو أذى كان بها قبل هلاكها, ولكن العلة فـي ذلك أنها لـم يذبحها من أجل ذبـيحته بـالـمعنى الذي أحلها به. كالذي:
8769ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ فـي قوله: وَالـمُنْـخَنِقَةُ والـمَوْقُوذَةُ وَالـمُتَرَدْيَةُ والنّطِيحَةُ وَما أكَلَ السّبُعُ إلاّ ما ذكّيْتُـمُ يقول: هذا حرام, لأن ناسا من العرب كانوا يأكلونه ولا يَعُدّونه ميتا, إنـما يعدّون الـميت الذي يـموت من الوجع, فحرّمه الله علـيهم, إلا ما ذكروا اسم الله علـيه وأدركوا ذكاته وفـيه الروح.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَمَا ذُبِحَ علـى النّصُبِ.
يعنـي بقوله جلّ ثناؤه: وَما ذُبِحَ علـى النّصُبِ: وحرّم علـيكم أيضا الذي ذبح علـى النصب. ف«ما» فـي قوله وَما ذُبِحَ رفع عطفـا علـى «ما» التـي فـي قوله: وَما أكَلَ السّبُعُ. والنّصُب: الأوثان من الـحجارة جماعة أنصاب كانت تـجمع فـي الـموضع من الأرض, فكان الـمشركون يقربون لها, ولـيست بأصنام. وكان ابن جريج يقول فـي صفته ما:
8770ـ حدثنا القاسم: قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, قال: قال ابن جريج: النّصُب: لـيست بأصنام, الصنـم يصوّر ويُنقس, وهذه حجارة تنصب ثلثمائة وستون حجرا, منهم من يقول: ثلثمائة منها لـخزاعة. فكانوا إذا ذبحوا, نضحوا الدم علـى ما أقبل من البـيت, وشرّحوا اللـحم وجعلوه علـى الـحجارة, فقال الـمسلـمون: يا رسول الله, كان أهل الـجاهلـية يعظمون البـيت بـالدم, فنـحن أحقّ أن نعظمه فكان النبـيّ صلى الله عليه وسلم لـم يكره ذلك, فأنزل الله: لَنْ يَنالَ اللّهَ لُـحُومُها وَلا دِماؤها. ومـما يحق قول ابن جريج فـي أن الأنصاب غير الأصنام ما:
8771ـ حدثنا به ابن وكيع, قال: حدثنا ابن عيـينة, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: وَما ذُبِحَ علـى النّصُبِ قال: حجارة كان يذبح علـيها أهل الـجاهلـية.
حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي قول الله: النّصُبُ قال: حجارة حول الكعبة, يذبح علـيها أهل الـجاهلـية, ويبدّلونها إن شاءوا بحجارة أعجب إلـيهم منها.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أب نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
8772ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: وَما ذُبِحَ علـى النّصُبِ والنصب: حجارة كان أهل الـجاهلـية يعبدونها, ويذبحون لها, فنهى الله عن ذلك.
حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة فـي قوله: وَما ذَبِحَ علـى النّصُبِ يعنـي: أنصاب الـجاهلـية.
8773ـ حدثنا الـمثنى, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس: وَما ذُبِحَ علـى النّصُبِ والنصب: أنصاب كانوا يذبحون ويهلون علـيها.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, عن عنبسة, عن مـحمد بن عبد الرحمن, عن القاسم بن أبـي بزة, عن مـجاهد, قوله: وَما ذُبِحَ علـى النّصُبِ قال: كان حول الكعبة حجارة كان يذبح علـيها أهل الـجاهلـية ويبدّلونها إذا شاءوا بحجر هو أحبّ إلـيهم منها.
8774ـ حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد, قال:سمعت الضحاك بن مزاحم يقول: الأنصاب حجارة كانوا يهلّون لها, ويذبحون علـيها.
8775ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا بن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: وَما ذُبِحَ علـى النّصُبِ قال: ما ذبح علـى النصب, وما أهل لغير الله به, وهو واحد.
القول فـي تأويـل قوله: وأنْ تَسْتَقْسمُوا بـالأزْلام.
يعنـي بقوله: وأنْ تَسْتَقْسِمُو بـالأزْلامِ: وأن تطلبوا علـم ما قسم لكم أو لـم يقسم, بـالأزلام. وهو استفعلت من القسم: قسم الرزق والـحاجات. وذلك أن أهل الـجاهلـية كان أحدهم إذا أراد سفرا أو عزوًا أو نـحو ذلك, أجال القِداح, وهي الأزلام, وكانت قداحا مكتوبـا علـى بعضها: نهانـي ربـي, وعلـى بعضها: أمرنـي ربـي, فإن خرج القِدح الذي هو مكتوب علـيه: أمرنـي ربـي, مضى لـما أراد من سفر أو غزو أو تزويج وغير ذلك وإن خرج الذي علـيه مكتوب: نهانـي ربـي, كفّ عن الـمضيّ لذلك وأمسك فقـيـل: وأنْ تَسْتَقْسِمُوا بـالأزلامِ لأنهم بفعلهم ذلك كانوا كأنهم يسألون أزلامهم أن يقسمن لهم. ومنه قول الشاعر مفتـخرا بترك الاستقسام بها:
ولَـمْ أَقْسِمْ فتَرْبُتَنـي القُسُومُ
وأما الأزلام, فإن واحدها زَلـم, ويقال زُلَـم, وهي القِداح التـي وصفنا أمرها.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
8776ـ حدثنا مـحمد بن بشار وابن وكيع, قالا: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي, عن سفـيان, عن أبـي حصين, عن سعيد بن جبـير: وأنْ تَسْتَقْسِمُوا بـالأزلام قال: القداح, كانوا إذا أرادوا أن يخرجوا فـي سفر, جعلوا قداحا للـجلوس والـخروج, فإن وقع الـخروج خرجوا, وإن وقع الـجلوس جلسوا.
8777ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن شريك, عن أبـي حصين, عن سعيد بن جبـير: وأنُ تَسْتَقْسِمُوا بـالأزلامِ قال: حصى بـيض كانوا يضربون بها.
قال أبو جعفر: قال لنا سفـيان بن وكيع: هو الشطرنـج.
8778ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا عبـاد بن راشد البزار, عن الـحسن فـي قوله: وأنْ تَسْتَقْسِمُوا بـالأزْلامِ قال: كانوا إذا أرادوا أمرا أو سفرا, يعمدون إلـى قداح ثلاثة علـى واحد منها مكتوب: أُؤمرنـي, وعلـى الاَخر: انهنـي, ويتركون الاَخر مـحللاً بـينهما لـيس علـيه شيء. ثم يجيـلونها, فإن خرج الذي علـيه «أُؤمرنـي», مضوا لأمرهم, وإن خرج الذي علـيه «انهنى» كفّوا, وإن خرج الذي لـيس علـيه شيء أعادوها.
8779ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا ابن عيـينة, ن ابن بـي نـجيح, عن مـجاهد: وأنْ تَسْتَقْسِمُوا بـالأزْلامِ حجارة كانوا يكتبون علـيها يسمونها القداح.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
8780ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا يحيى بن آدم. عن زهير, عن إبراهيـم بن مهاجر, عن مـجاهد: وأنْ تَسْتَقْسِمُوا بـالأزْلامِ قال: كِعاب فـارس التـي يَقْمُرون بها, وسهام العرب.
حدثنـي أحمد بن حازم الغفـاري, قال: حدثنا أبو نعيـم, قال: حدثنا زهير, عن إبراهيـم بن مهاجر, عن مـجاهد: وأنْ تَسْتَقْسِمُوا بـالأزْلامِ قال: سهام العرب وكعاب فـارس والروم كانوا يتقامرون بها.
8781ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة فـي قوله: وأنْ تَسْتَقْسِمُوا بـالأزْلامِ قال: كان الرجل إذا أراد أن يخرج مسافرا, كتب فـي قداح: هذا يأمرنـي بـالـمكث, وهذا يأمرنـي بـالـخروج, وجعل معها منـيحا, شيء لـم يكتب فـيه شيئا, ثم استقسم بها حين يريد أن يخرج, فإن خرج الذي يأمر بـالـمكث مكث, وإن خرج الذي يأمر بـالـخروج خرج, وإن خرج الاَخر أجالها ثانـية حتـى يخرج أحد القِدحين.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: وأنْ تَسْتَقْسِمُوا بـالأزْلامِ وكان أهل الـجاهلـية إذا أراد أحدهم خروجا, أخذ قِدْحا فقال: هذا يأمر بـالـخروج, فإن خرج فهو مصيب فـي سفره خيرا ويأخذ قدحا آخر فـيقول: هذا يأمر بـالـمكوث, فلـيس يصيب فـي سفره خيرا والـمنـيح بـينهما. فنهى الله عن ذلك, وقدّم فـيه.
8782ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: وأنْ تَسْتَقْسِمُوا بـالأزْلامِ قال: كانوا يستقسمون بها فـي الأمور.
8783ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال:قال ابن زيد: الأزْلامُ قِداح لهم كان أحدهم إذا أراد شيئا من تلك الأمور كتب فـي تلك القداح ما أراد, فـيضرب بها, فأيّ قدح خرج وإن كان أبغض تلك, ارتكبه وعمل به.
8784ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: وأنْ تَسْتَقْسِمُوا بـالأزْلامِ قال: الأزلام: قِداح كانت فـي الـجاهلـية عند الكهنة, فإذا أراد الرجل أن يسافر أو يتزوّج أو يحدِث أمرا, أتـى الكاهن, فأعطاه شيئا, فضرب له بها, فإن خرج منها شيء يعجبه أمره ففعل, وإن خرج منها شيء يكرهه نهاه فـانتهى, كما ضرب عبد الـمطلب علـى زمزم وعلـى عبد الله والإبل.
8785ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن عبد الله بن كثـير, قال: سمعنا أن أهل الـجاهلـية كانوا يضربون بـالقداح فـي الظّعن والإقامة أو الشيء يريدونه, فـيخرج سهم الظعن فـيظعنون, والإقامة فـيقـيـمون. وقال ابن إسحاق فـي الأزلام ما:
8786ـ حدثنـي به ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, قال: كانت هُبَل أعظم أصنام قريش بـمكة, وكانت علـى بئر فـي جوف الكعبة, وكانت تلك البئر هي التـي يجمع فـيها ما يُهدى للكعبة, وكانت عند هُبَل سبعة أقداح, كل قدح منها فـيه كتاب: قدح فـيه «العقل» إذا اختلفوا فـي العقل من يحمله منهم ضربوا بـالقداح السبعة (فإن خرج العقل فعل من خرج حَمْلُه) وقدح فـيه: «نَعَم» للأمر إذا أرادوا يُضرب به, فإن خرج قِدح «نَعَم» عملوا به وقدح فـيه لا, فإذا أرادوا أمرا ضربوا به فـي القداح, فإذا خرج ذلك القدح لـم يفعلوا ذلك الأمر. وقدح فـيه: «منكم». وقدح فـيه: «مُلْصق». وقدح فـيه: «من غيركم». وقدح فـيه: الـمياه, إذا أرادوا أن يحفروا للـماء ضربوا بـالقداح وفـيها ذلك القِدْح, فحيثما خرج عملوا به. وكانوا إذا أرادوا أن يجتبوا غلاما, أو أن ينكحوا مَنْكحا, أو أن يدفنوا ميتا, و يشكوّا فـي نسب واحد منهم, ذهبوا به إلـى هُبَل, وبـمائة درهم وبجُزور, فأعطوها صاحب القداح الذي يضربها, ثم قرّبوا صاحبهم الذي يريدون به ما يريدون, ثم قالوا: يا إلهنا, هذا فلان ابن فلان, قد أردنا به كذا وكذا, فأخرج الـحقّ فـيه ثم يقولون لصاحب القداح: اضرب, فـيضرب, فإن (خرج علـيه «منكم» كان وسيطا, وإن) خرج علـيه: «من غيركم», كان حلـيفـا, وإن خرج: «مُلْصَق», كان علـى منزلته منهم, لا نسب له ولا حِلف وإن خرج فـيه شيء سوى هذا مـما يعملون به «نعم» عملوا به وإن خرج: «لا», أخرّوه عامَهم ذلك, حتـى يأتوا به مرة أخرى ينتهون فـي أمورهم إلـى ذلك مـما خرجت به القِداح.
8787ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: وأنْ تَسْتَقْسِمُوا بـالأزْلامِ يعنـي: القدح, كانوا يستقسمون بها فـي الأمور.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: ذَلِكُمْ فِسْق.
يعنـي جلّ ثناؤه بقوله: ذَلِكُمْ: هذه الأمور التـي ذكرها, وذلك أكل الـميتة والدم ولـحم الـخنزير وسائر ما ذكر فـي هذه الاَية مـما حرّم أكله. والاستقسام بـالأزلام. فِسْقٌ يعنـي: خروج عن أمر الله وطاعته إلـى ما نهى عنه وزجر, وإلـى معصيته. كما:
8788ـ حدثنـي الـمثنى: قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس: ذَلِكُمْ فِسْقٌ يعنـي: من أكل من ذلك كله, فهو فسق.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: الـيَوْمَ يَئِسَ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ.
يعنـي بقوله جلّ ثناؤه: الـيَوْمَ يَئِسَ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ: الاَن انقطع طمع الأحزاب وأهل الكفر والـجحود أيها الـمؤمنون من دينكم, يقول: من دينِكم أن تتركوه, فترتدّوا عنه راجعين إلـى الشرك. كما:
8789ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, ن علـيّ, عن ابن عبـاس: قوله: الـيَوْمَ يَئِسَ الّذِينَ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ يعنـي: أن ترجعوا إلـى دينهم أبدا.
8790ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, قوله: الـيَوْمَ يَئِسَ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ قال: أظنّ يئسوا أن ترجعوا عن دينكم.
فإن قال قائل: وأيّ يوم هذا الـيوم الذي أخبر الله أن الذين كفروا يئسوا فـيه من دين الـمؤمنـين؟ قـيـل: ذُكر أن ذلك كان يوم عرفة, عام حجّ النبـيّ صلى الله عليه وسلم حجة الوداع, وذلك بعد دخول العرب فـي الإسلام. ذكر من قال ذلك:
8791ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قال مـجاهد: الـيَوْمَ يَئسَ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ الـيوم أكملت لكم دينكم هذا حين فعلت. قال ابن جريج: وقال آخرون: ذلك يوم عرفة فـي يوم جمعة لـما نظر النبـيّ صلى الله عليه وسلم, فلـم ير إلا موحّدا ولـم ير مشركا حمد الله, فنزل علـيه جبريـل علـيه السلام: الـيَوْمَ يَئِسَ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ أن يعودوا كما كانوا.
8792ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: الـيَوْمَ يَئِسَ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ قال: هذا يوم عرفة.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: فَلاَ تَـخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ.
يعنـي بذلك: فلا تـخشوا أيها الـمؤمنون هؤلاء الذين قد يئسوا من دينكم أن ترجعوا عنه من الكفـار, ولا تـخافوهم أن يظهروا علـيكم فـيقهروكم ويردّوكم عن دينكم, واخْشَوْنِ يقول: ولكن خافون إن أنتـم خالفتـم أمري واجرأتـم علـى معصيتـي وتعديتـم حدودي, أن أحلّ بكم عقابـي وأنزل بكم عذابـي. كما:
8793ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج: فَلا تَـخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ: فلا تـخشوهم أن يظهروا علـيكم.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: الـيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ.
اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك, فقال بعضهم: يعنـي جلّ ثناؤه بقوله: الـيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ: الـيوم أكملت لكم أيها الـمؤمنون فرائضي علـيكم وحدودي, وأمري إياكم ونهيـي, وحلالـي وحرمي, وتنزيـلـي من ذلك ما أنزلت منه فـي كتابـي, وتبـيانـي ما بـينت لكم منه بوحيـي علـى لسان رسولـي, والأدلة التـي نصبتها لكم علـى جميع ما بكم الـحاجة إلـيه من أمر دينكم, فأتـمـمت لكم جميع ذلك, فلا زيادة فـيه بعد هذا الـيوم. قالوا: وكان ذلك فـي يوم عرفة, عام حجّ النبـيّ صلى الله عليه وسلم حجة الوداع. وقالوا: لـم ينزل علـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم بعد هذه الاَية شيء من الفرائض ولا تـحلـيـل شيء ولا تـحريـمه, وإن النبـيّ صلى الله عليه وسلم لـم يعش بعد نزول هذه الاَية إلا إحدى وثمانـين لـيـلة. ذكر من قال ذلك:
8794ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: الـيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وهو الإسلام, قال: أخبر الله نبـيه صلى الله عليه وسلم والـمؤمنـين أنه قد أكمل لهم الإيـمان فلا يحتاجون إلـى زيادة أبدا, وقد أتـمه الله عزّ ذكره فلا ينقصه أبدا, وقد رضيه الله فلا يسخَطُه أبدا.
8795ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, قوله: الـيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ هذا نزل يوم عرفة, فلـم ينزل بعدها حلال ولا حرام, ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمات, فقالت أسماء بنت عميس: حججت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الـحجة, فبـينـما نـحن نسير إذ تـجلّـى له جبريـل صلى الله عليه وسلم علـى الراحلة, فلـم تطق الراحلة من ثقل ما علـيها من القرآن, فبركت, فأتـيته فسجيّت علـيه برداء كان علـيّ.
8796ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قال: مكث النبـيّ صلى الله عليه وسلم بعد ما نزلت هذه الاَية إحدى وثمانـين لـيـلة, قوله: الـيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ.
8797ـ حدثنا سفـيان, قال: حدثنا ابن فضيـل, عن هارون بن عنترة, عن أبـيه, قال: لـمّا نزلت: الـيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وذلك يوم الـحجّ الأكبر, بكى عمر, فقال له النبـيّ صلى الله عليه وسلم: «ما يُبْكِيكَ»؟ قال أبكانـي أنا كنا فـي زيادة من ديننا, فأما إذ كمَل فإنه لـم يكمل شيء إلا نقص, فقال: «صَدَقْتَ».
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أحمد بن بشير, عن هارون بن أبـي وكيع, عن أبـيه, فذكر نـحو ذلك.
وقال آخرون: معنى ذلك: الـيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكمْ دِينَكُمْ: حجكم, فأفردتـم بـالبلد الـحرام تـحجونه أنتـم أيها الـمؤمنون دون الـمشركين لا يخالطكم فـي حجكم مشرك. ذكر من قال ذلك:
8798ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا يحيى بن أبـي عبة, عن أبـيه, عن الـحكم: الـيَوْم أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ قال: أكمل لهم دينهم أن حجوا ولـم يحجّ معهم مشرك.
8799ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة: الـيَوْمَ أكمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ قال: أخـلص الله لهم دينهم, ونفـى الـمشركين عن البـيت.
8800ـ حدثنا أحمد بن حازم, قال: حدثنا أبو نعيـم, قال: حدثنا قـيس, عن أبـي حصين, عن سعيد بن جبـير: الـيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ قال: تـمام الـحجّ, ونفـي الـمشركين عن البـيت.
وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب أن يقال: إن الله عزّ وجلّ أخبر نبـيه صلى الله عليه وسلم والـمؤمنـين به, أنه أكمل لهم يوم أنزل هذه الاَية علـى نبـيه دينهم, بإفرادهم بـالبلد الـحرام, وإجلائه عنه الـمشركين, حتـى حجه الـمسلـمون دونهم, لا يخالطونهم الـمشركون. فأما الفرائض والأحكام, فإنه قد اختلف فـيها, هل كانت أكملت ذلك الـيوم أم لا؟ فرُوي عن ابن عبـاس والسديّ ما ذكرنا عنهما قبل. ورُوِي عن البراء بن عازب أن آخر آية نزلت من القرآن: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِـيكُمْ فـي الكَلالَةِ. ولا يدفع ذو علـم أن الوحي لـم ينقطع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلـى أن قبض, بل كان الوحي قبل وفـاته أكثر ما كان تتابعا. فإذ كان ذلك كذلك, وكان قوله: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِـيكُمْ فِـي الكَلالَةِ آخرها نزولاً وكان ذلك من الأحكام والفرائض, كان معلوما أن معنى قوله: الـيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ علـى خلاف الوجه الذي تأوّله مَن تأوّله, أعنـي: كمال العبـادات والأحكام والفرائض.
فإن قال قائل: فما جعل قول من قال: قد نزل بعد ذلك فرض أولـى من قول من قال: لـم ينزل؟ قـيـل لأن الذي قال لـم ينزل, مخبر أنه لا يعلـم نزول فرض, والنفـي لا يكون شهادة, والشهادة قول من قال: نزل, وغير جائز دفع خبر الصادق فـيـما أمكن أن يكون فـيه صادقا.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وأتْـمَـمْتُ عَلَـيْكُمْ نِعْمَتِـي.
يعنـي جلّ ثناؤه بذلك: وأتـمـمت نعمتـي أيها الـمؤمنون بإظهاركم علـى عدوّي وعدوّكم من الـمشركين, ونفـيـي إياهم عن بلادكم, وقطعي طمعهم من رجوعكم, وعودكم إلـى ما كنتـم علـيه من الشرك.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قال: كان الـمشركون والـمسلـمون يحجون جميعا, فلـما نزلت براءة, فنَنَفـي الـمشركين عن البـيت, وحجّ الـمسلـمون لا يشاركهم فـي البـيت الـحرام أحد من الـمشركين, فكأنّ ذلك من تـمام النعمة: وأتْـمَـمْتُ عَلَـيْكُمْ نِعْمَتِـي.
8801ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: الـيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وأتْـمَـمْتُ عَلَـيْكُمْ نِعْمَتِـي... الاَية, ذُكِر لنا أن هذه الاَية نزلت علـى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرفة يوم جمعة, حين نفـي الله الـمشركين عن الـمسجد الـحرام, وأخـلص للـمسلـمين حجهم.
8802ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن إدريس, قال: حدثنا داود, عن الشعبـيّ, قال: نزلت هذه الاَية بعرفـات, حيث هدم منار الـجاهلـية, واضمـحلّ الشرك, ولـم يحُجّ معهم فـي ذلك العام مشرك.
حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا عبد الأعلـى, قال: حدثنا داود, عن عامر فـي هذه الاَية: الـيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وأتْـمَـمْتُ عَلَـيْكُمْ نِعْمَتِـي قال: نزلت علـى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو واقـف بعرفـات, وقد أطاف به الناس, وتهدّمت منار الـجاهلـية ومناسكهم, واضمـحلّ الشرك, ولـم يطُف حول البـيت عُرْيان, فأنزل الله: الـيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ.
حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا ابن عُلَـية, عن داود, عن الشعي, بنـحوه.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَرَضيتُ لَكُمْ الإسْلامَ دِينا.
يعنـي بذلك جلّ ثناؤه: ورضيت لكم الاستسلام لأمري والانقـياد لطاعتـي, علـى ما شرعت لكم من حدوده وفرائضه ومعالـمه دِينا يعنـي بذلك: طاعة منكم لـي.
فإن قال قائل: أَوَ ما كان الله راضيا الإسلام لعبـاده, إلا يوم أنزل هذه الاَية؟ قـيـل: لـم يزل الله راضيا لـخـلقه الإسلام دينا, ولكنه جلّ ثناؤه لـم يزل يصرّف نبـيه مـحمدا صلى الله عليه وسلم وأصحابه فـي درجات ومراتبه درجة بعد درجة ومرتبة بعد مرتبة وحالاً بعد حال, حتـى أكمل لهم شرائعه ومعالـمه وبلغ بهم أقصى درجاته ومراتبه, ثم قال حين أنزل علـيهم هذه الاَية: وَرَضِيْتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينا بـالصفة التـي هو بها الـيوم, والـحال التـي أنتـم علـيها الـيوم منه دِينا فـالزموه ولا تفـارقوه. وكان قتادة يقول فـي ذلك ما:
8803ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قال: ذكر لنا أنه يـمثّل لأهل كل دين دينهم يوم القـيامة, فأما الإيـمان فـيبشر أصحابه وأهله, ويعدهم فـي الـخير حتـى يجيء الإسلام. فـيقول: ربّ أنت السلام وأنا الإسلام, فـيقول: إياك الـيوم أقبل, وبك الـيوم أجزي.
وأحسب أن قتادة وجّه معنى الإيـمان بهذا الـخبر إلـى معنى التصديق والإقرار بـاللسان, لأن ذلك معنى الإيـمان عند العرب, ووجه معنى الإسلام إلـى استسلام القلب وخضوعه لله بـالتوحيد, وانقـياد الـجسد له بـالطاعة فـيـما أمر ونهى, فلذلك قـيـل للإسلام: إياك الـيوم أقبل, وبك الـيوم أجزي.
ذكر من قال: نزلت هذه الاَية بعرفة فـي حجة الوداع علـى رسول الله صلى الله عليه وسلم:
8804ـ حدثنا مـحمد بن بشار وابن وكيع, قالا: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن قـيس بن مسلـم, عن طارق بن شهاب, قال: قالت الـيهود لعمر: إنكم تقرءون آية لو أنزلت فـينا لاتـخذناها عيدا. فقال عمر: إنـي لأعلـم حين أنزلت, وأين نزلت, وأين رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزلت أنزلت يوم عرفة ورسول الله صلى الله عليه وسلم واقـف بعرفة قال سفـيان: وأشكّ, كان يوم الـجمعة أم لا الـيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وأتـمَـمْتُ عَلَـيْكُمْ نَعْمَتِـي وَرَضِيْتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينا.
حدثنا أبو كريب وابن وكيع, قالا: حدثنا ابن إدريس, قال: سمعت أبـي, عن قـيس بن مسلـم, عن طارق بن شهاب, قال: قال يهودّي لعمر: لو علـمنا معشر الـيهود حين نزلت هذه الاَية: الـيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكمْ دِينَكُمْ وأتْـمَـمْتُ عَلَـيْكُمْ نِعْمَتِـي وَرَضِيْتُ لَكُمُ الإسْلام دِينا لو نعلـم ذلك الـيوم اتـخذنا ذلك الـيوم عيدا. فقال عمر: قد علـمت الـيوم الذي نزلت فـيه والساعة, وأين رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نزلت نزلت لـيـلة الـجمعة ونـحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفـات. لفظ الـحديث لأبـي كريب, وحديث ابن وكيع نـحوه.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا جعفر بن عون, عن أبـي العُمَيس, عن قـيس بن مسلـم, عن طارق, عن عمر, نـحوه.
8805ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن حماد بن سلـمة, عن عمار مولـى بنـي هاشم, قال: قرأ ابن عبـاس: الـيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وعنده رجل من أهل الكتاب, فقال: لو علـمنا أيّ يوم نزلت هذه الاَية لاتـخذناه عيدا, فقال ابن عبـاس: فإنها نزلت يوم عرفة يوم جمعة.
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا قبـيصة, قال: حدثنا حماد بن سلـمة, عن عمار: أن ابن عبـاس قرأ: الـيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وأتْـمَـمْتُ عَلَـيْكُمْ نِعْمتِـي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينا فقال يهودي: لو نزلت هذه الاَية علـينا لاتـخذنا يومها عيدا, فقال ابن عبـاس: فإنها نزلت فـي يوم عيدين اثنـين: يوم عيد, ويوم جمعة.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا الـحجاج بن الـمنهال, قال: حدثنا حماد, عن عمار بن أبـي عمار, عن ابن عبـاس نـحوه.
حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا ابن علـية, قال: حدثنا رجاء بن أبـي سلـمة, قال: أخبرنا عبـادة ابن نسيّ, قال: حدثنا أميرنا إسحاق, قال أبو جعفر إسحاق هو ابن خَرَشة عن قبـيصة قال: قال كعب: لو أن غير هذه الأمة نزلت علـيهم هذه الاَية لنظروا الـيوم الذي أنزلت فـيه علـيهم فـاتـخذوه عيدا يجتـمعون فـيه, فقال عمر: أيّ آية يا كعب؟ فقال: الـيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ فقال عمر: قد علـمت الـيوم الذي أنزلت فـيه, والـمكان الذي أنزلت فـيه, يوم جمعة, ويوم عرفة, وكلاهما بحمد الله لنا عيد.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, عن عنبسة, عن عيسى بن حارثة الأنصاريّ, قال: كنا جلوسا فـي الديوان, فقال لنا نصرانـي: يا أهل الإسلام: لقد نزلت علـيكم آية لو نزلت علـينا لاتـخذنا ذلك الـيوم وتلك الساعة عيدا ما بقـي منا اثنان: «الـيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ». فلـم يجبه أحد منا, فلقـيت مـحمد ابن كعب القرظيّ, فسألته عن ذلك, فقال: ألا رددتـم علـيه؟ فقال: قال عمر بن الـخطاب:أنزلت علـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم وهو واقـف علـى الـجبل يوم عرفة, فلا يزال ذلك الـيوم عيدا للـمسلـمين ما بقـي منهم أحد.
8806ـ حدثنا حميد بن مسعدة, قال: حدثنا بشر بن الـمفضل, قال حدثنا داود, عن عامر, قال: أنزلت علـى رسول الله صلى الله عليه وسلم: الـيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وأتْـمَـمْتُ عَلَـيْكُمْ نِعْمَتِـي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإسْلامَ دِينا عشية عرفة وهو فـي الـموقـف.
8807ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا عبد الوهاب, قال: حدثنا داود, قال: قلت لعامر: إن الـيهود تقول: كيف لـم تـحفظ العرب هذا الـيوم الذي أكمل الله لها دينها فـيه؟ فقال عامر: أو ما حفظته؟ قلت له: فأيّ يوم؟ قال: يوم عرفة, أنزل الله فـي يوم عرفة.
8808ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة, قال: بلغنا أنها نزلت يوم عرفة, ووافق يوم الـجمعة.
8809ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن حبـيب, عن ابن أبـي نـجيح, عن عكرمة: أن عمر بن الـخطاب, قال: نزلت سورة الـمائدة يوم عرفة, ووافق يوم الـجمعة.
8810ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا ابن عيـينة, عن لـيث, عن شهر ابن حوشب, قال: نزلت سورة الـمائدة علـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم وهو واقـف بعرفة علـى راحلته, فَتَنَوّخَتْ لأن يُدق ذراعها.
8811ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن لـيث, عن شهر بن حوشب, عن أسماء بنت يزيد, قالت: نزلت سورة الـمائدة جميعا وأنا آخذة بزمام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم العضبـاء قالت: فكادت من ثقلها أن يدقّ عضُدُ الناقة.
8812ـ حدثنـي أبو عامر إسماعيـل بن عمرو السّكونـي, قال: حدثنا هشام بن عمار, قال: حدثنا ابن عياش, قال: حدثنا عمرو بن قـيس السكونـي أنه سمعت معاوية بن أبـي سفـيان علـى الـمنبر ينتزع بهذه الاَية: الـيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ حتـى ختـمها, فقال: نزلت فـي يوم عرفة, فـي يوم جمعة.
وقال آخرون: بل نزلت هذه الاَية, أعنـي قوله: الـيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ يوم الاثنـين, وقالوا: أنزلت سورة الـمائدة بـالـمدينة. ذكر من قال ذلك:
8813ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: أخبرنا مـحمد بن حرب, قال: حدثنا ابن لهيعة, عن خالد بن أبـي عمران, عن حَنَش, عن ابن عبـاس: ولد نبـيكم صلى الله عليه وسلم يوم الاثنـين, وخرج من مكة يوم الاثنـين, ودخـل الـمدينة يوم الاثنـين, وأنزلت سورة الـمائدة يوم الاثنـين الـيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ورفع الذكر يوم الاثنـين.
8814ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا الـحجاج بن الـمنهال, قال: حدثنا همام, عن قتادة, قال: الـمائدة مدنـية.
وقال آخرون: نزلت علـى رسول الله صلى الله عليه وسلم فـي مسيره فـي حجة الوداع. ذكر من قال ذلك:
8815ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله بن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع بن أنس, قال: نزلت سورة الـمائدة علـى رسول الله صلى الله عليه وسلم فـي الـمسير فـي حجة الوداع, وهو راكب راحلته, فبركت به راحلته من ثقلها.
وقال آخرون: لـيس ذلك بـيوم معلوم عند الناس, وإنـما معناه الـيوم الذي أعلـمه أنا دون خـلقـي, أكملت لكم دينكم. ذكر من قال ذلك:
8816ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس: الـيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ يقول: لـيس بـيوم معلوم يعلـمه الناس.
وأولـى الأقوال فـي وقت نزول الاَية, القول الذي رُوي عن عمر بن الـخطاب أنها نزلت يوم عرفة يوم جمعة, لصحة سنده ووَهْي أسانـيد غيره.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: فَمَنِ اضْطُرّ فِـي مَخْمَصَةٍ.
يعنـي تعالـى ذكره بقول: فَمَنِ اضْطُرّ: فمن أصابه ضرّ فـي مخمصة, يعنـي فـي مـجاعة, وهي مفعلة مثل الـمَـجْبنة والـمَبْخـلة والـمَنْـجبة, من خَمَصِ البَطْنِ, وهو اضطماره, وأظنه هو فـي هذا الـموضع معنـيّ به اضطماره من الـجوع وشدة السغب, وقد يكون فـي غير هذا الـموضع اضطمارا من غير الـجوع والسغب, ولكن من خِـلْقة, كما قال نابغة بنـي ذبـيان فـي صفة امرأة بخَمَصِ البطن:
والبَطْنُ ذو عُكَنٍ خَميصٌ لَـيّنٌوالنّـحرُ تَنْفُجُه بثَدْيٍ مُقْعَدِ
فمعلوم أنه لـم يرد صفتها بقوله خميص بـالهزال الضرّ من الـجوع, ولكنه أراد وصفها بلطافة طيّ ما علـى الأوراكَ والأفخاذ من جسدها, لأن ذلك مـما يحمد من النساء. ولكن الذي فـي معنى الوصف بـالاضطمار والهزال من الضرّ, من ذلك, قول أعشى بن ثعلبة.
تَبـيتُونَ فِـي الـمَشْيَتـى مِلاءً بطونُكُمْوجارَاتُكمْ غَرْثَـي يَبِتْنَ خَمائِصَا
يعنـي بذلك: يبتن مضطمرات البطون من الـجوع والسّغَب والضرّ, فمن هذا الـمعنى قوله: فـي مخمصة. وكان بعض نـحويـي البصرة يقول: الـمخمصة: الـمصدر من خَمَصَهُ الـجوع. وكان غيره من أهل العربـية يري أنها اسم للـمصدر ولـيست بـمصدر ولذلك تقع الـمفعلة اسما فـي الـمصادر للتأنـيث والتذكير.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
8817ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس: فَمَنِ اضْطُرّ فِـي مَخْمَصَةٍ يعنـي فـي مـجاعة.
8818ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: فَمَنِ اضْطُرّ فِـي مَخْمَصَةٍ أي فـي مـجاعة.
حدثنا الـحسن بن يحيى, (قال: أخبرنا عبد الرزاق) قال: أخبرنا معمر, عن قتادة, مثله.
8819ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: فَمَنه اضْطُرّ فِـي مَخْمَصَةٍ قال: ذكر الـميتة وما فـيها وأحلها فـي الاضطرار. فِـي مَخْمَصَةٍ يقول: فـي مـجاعة.
8820ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: سمعت ابن زيد يقول فـي قوله: فَمَنِ اضْطُرّ فِـي مَخْمَصَةٍ قال: الـمخمصة: الـجوع.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: غيرَ مُتَـجانِفٍ لإِثْمٍ.
يعنـي بذلك جلّ ثناؤه: فَمَنه اضْطُرّ فِـي مَخْمَصَةٍ إلـى أكل ما حرمت علـيه منكم أيها الـمؤمنون من الـميتة والدم ولـحم الـخنزير وسائر ما حرّمت علـيه بهذه الاَية. غيرَ متَـجانِفٍ لإِثْمٍ يقول: لا متـجانفـا لإثم, فلذلك نصب «غيرَ» لـخروجها من الاسم الذي فـي قوله: فَمَنِ اضْطُرّ وبـمعنى لا, فنصب بـالـمعنى الذي كان به منصوبـا الـمتـجانف لو جاء الكلام: لا متـجانفـا. وأما الـمتـجانف للإثم, فإنه الـمتـمايـل له, الـمنـحرف إلـيه, وهو فـي هذا الـموضع مراد به الـمتعَمّدله القاصد إلـيه, من جَنَف القوم علـيّ إذا مالوا, وكلّ أعوج فهو أّنف عند العرب وقد بـينا معنى الـجنف بشواهده فـي قوله: فَمَنْ خافَ منْ مُوصٍ جَنَفـا بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع. وأما تـجانف آكل الـميتة فـي أكلها وفـي غيرها مـما حرّم الله أكله علـى الـمؤمنـين بهذه الاَية للإثم فـي حال أكله, فهو تعمّده الأكل لغير دفع الضرورة النازلة به, ولكن لـمعصية الله وخلاف أمره فـيـما أمره به من ترك أكل ذلك.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
8821ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: فَمَنِ اضْطُر فِـي مَخْمَصَةٍ غيرَ مُتَـجانِفٍ لإثْمٍ يعنـي: إلـى ما حُرّم مـما سمى فـي صدر هذه الاَية: غيرَ مُتـجانِفٍ لإِثْمٍ يقول: غير متعمّد لإثم.
8822ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: غيرَ مُتَـجانِفٍ لإِثْمٍ: غير متعمد لإثم, قال: إلـى حِرْم الله ما حَرّم, رخص للـمضطّر إذا كان غير متعمد لإثم أن يأكله من جهد فمن بغى أو عدا أو خرج فـي معصية الله, فإنه مـحرّم علـيه أن يأكله.
8823ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: غيرَ مُتَـجانِفٍ لإِثْمٍ: أي غير معترّض لـمعصية.
حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة: غيرَ مُتَـجانِفٍ لإِثْمٍ: غير متعمد لإثم, غير متعرّض.
8824ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: غيرَ مُتَـجانِفٍ لإِثْمٍ يقول: غير متعرّض لإثم: أي يبتغي فـيه شهوة, أو يعتدي فـي أكله.
8825ـ حدثنا يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: غيرَ مُتَـجانِفٍ لإِثْمٍ: لا يأكل ذلك ابتغاء الإثم, ولا جراءة علـيه.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: فإنّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيـمٌ.
وفـي هذا الكلام متروك اكتفـي بدلالة ما ذكر علـيه منه, وذلك أن معنى الكلام: فمن اضطرّ فـي مخصمة إلـى ما حرّمت علـيه مـما ذكرت فـي هذه الاَية, غيرَ مُتَـجانِفٍ لإِثْمٍ فأكله, فإن الله غَفُور رَحِيـمٌ, فترك ذكر: «فأكله». وذكر: «له», لدلالة سائر ما ذكر من الكلام علـيهما.
وأما قوله: فإنّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيـمٌ فإن معناه: فإن الله لـمن أكل ما حرّمت علـيه بهذه الاَية أكله فـي مخمصة, غير متـجانف لإثم, غفور رحيـم, يقول: يستر له عن أكله ما أكل من ذلك بعفوه عن مؤاخذته إياه, وصفحه عنه, وعن عقوبته علـيه رَحِيـمٌ يقول: وهو به رفـيق, من رحمته ورفقه به, أبـاح له أكل ما أبـاح له أكله من الـميتة وسائر ما ذكر معها فـي هذه الاَية, فـي حال خوفه علـى نفسه, من كَلَب الـجوع وضُرّ الـحاجة العارضة ببدنه.
فإن قال قائل: وما الأكل وعد الله الـمضطرّ إلـى الـميتة وسائر الـمـحرّمات معها بهذه الاَية غفرانَه إذا أكل منها؟ قـيـل: ما:
8826ـ حدثنـي عبد الأعلـى بن واصل الأسديّ, قال: حدثنا مـحمد بن القاسم الأسديّ, عن الأوزاعي, عن حسان بن عطية, عن أبـي واقد اللـيثـي, قال: قلنا يا رسول الله إنا بأرض تصيبنا فـيها مخمصة, فما يصلـح لنا من الـميتة؟ قال: «إذا لَـمْ تَصْطَبِحُوا, أوْ تَغْتَبِقُوا, أوْ تَـحْتَفِئُوا بَقْلاً, فَشأنْكُمْ بِها».
8827ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا هشيـم, عن الـخصيب بن زيد التـميـم, قال: حدثنا الـحسن: أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال: إلـى متـى يحلّ لـي الـحرام؟ قال: فقال: «إلـى أنْ يُرْوَى أهْلُكَ مِنَ اللّبَنِ, أوْ تَـجِيءَ مِيرَتُهُمْ».
8828ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا خصيب بن زيد التـميـميّ, قال: حدثنا الـحسن: أن رجلاً سأل النبـيّ صلى الله عليه وسلم, فذكر مثله, إلا أنه قال: «أوْ تَـحيْا مِيرَتُهُمْ».
8829ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, قال: ثنـي عمر بن عبد الله بن عروة عن جده عروة بن الزبـير, عمن حدثه: أن رجلاً من الأعراب أتـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم يستفتـيه فـي الذي حرم الله علـيه والذي أحلّ له, فقال له النبـيّ صلى الله عليه وسلم: «يَحِلّ لَكَ الطّيّبـاتُ, وَيحْرُمُ عَلَـيْكَ الـخَبـائِثُ, إلاّ أنْ تَفْتَقِرَ إلـى طَعامٍ لَكَ فَتأكُلَ مِنْهُ حتـى تَسْتَغْنِـيَ عَنْهُ», فقال الرجل: وما فقري الذي يُحِلّ لِـي, وما غناي الذي يغنـينـي عن ذلك؟ فقال النبـيّ صلى الله عليه وسلم: «إذَا كُنْتَ تَرْجو نِتاجا فَتَبَلّغَ بلُـحُوم ماشِيَتِكَ إلـى نِتاجِكَ, أوْ كُنْتَ تَرْجُو غِنًى تَطْلُبُهُ فَتَبَلّغ مِنْ ذَلِكَ شَيْئا, فأطْعِمْ أهْلَكَ مَا بَدَا لَكَ حتـى تَسْتَغْنِـيَ عَنْهُ» فقال الأَعرابـيّ: ما غناي الذي أدعه إذا وجدته؟ فقال النبـيّ صلى الله عليه وسلم: «إذَا أرْوَيْتَ أهْلَكَ غَبُوقا مِنَ اللّـيْـلِ فـاجْتَنِبْ ما حَرّمَ اللّهُ عَلَـيْكَ مِنْ طَعامِ مالِكَ, فإنّه ميْسُورٌ كُلّهُ, لَـيْسَ فِـيهِ حَرامٌ».
8830ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا ابن علـية, عن ابن عون, قال: وجدت عند الـحسن كتاب سَمُرة, فقرأته علـيه, وكان فـيه: ويجزي من الاضطرار غَبوق أو صَبوح.
حدثنا هناد وأبو هشام الرفـاعيّ, قالا: حدثنا يحيى بن أبـي زائدة, عن ابن عون, قال: قرأت فـي كتاب سَمُرة بن جُنْدَب: يكفـي من الاضطرار أو من الضرورة غَبوق أو صَبوح.
8831ـ حدثنـي علـي بن سعيد الكندي وأبو كريب, قالا: حدثنا عبد الله بن إدريس, عن هشام بن حسان, عن الـحسن, قال: إذا اضطْر الرجل إلـى الـميتة أكل منها قوته يعنـي: مُسْكَته.
حدثنا هناد بن السريّ, قال: حدثنا ابن مبـارك, عن الأوزاعي, عن حسان بن عطية, قال: قال رجل: يا رسول الله إنا بأرض مخمصة, فما يحِل لنا من الـميتة؟ ومتـى تـحلّ لنا الـميتة؟ قال: «إذَا لَـمْ تَصْطَبِحُوا أوْ تَغْتَبِقُوا ولَـمْ تَـحْتَفِئُوا بَقْلاً فَشأْنُكمْ بِها».
حدثنا هناد بن السريّ, قال: حدثنا عيسى بن يونس, عن الأوزاعي, عن حسان بن عطية, عن رجل قد سمي لنا, أن رجلاً للنبـيّ صلى الله عليه وسلم: إنا نكون بأرض مخمصة, فمتـى تـحلّ لنا الـميتة؟ قال: «إذَا لَـمْ تَغْتَبِقُوا ولَـمْ تَصْطَبِحُوا ولَـمْ تَـحْتَفِئُوا بَقْلاً فَشأنُكُمْ بِها».
قال أبو جعفر: يروى هذا علـى أربعة أوجه: «تـحتفئوا» بـالهمزة, «وتـحتفـيوا» بتـخفـيف الـياء والـحاء, و«تـحتفّوا» بتشديد الفـاء, و«تَـجْتَفوا» بـالـحاء والتـخفـيف, ويحتـمل الهمز.
الآية : 4
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَآ أُحِلّ لَهُمْ قُلْ أُحِلّ لَكُمُ الطّيّبَاتُ وَمَا عَلّمْتُمْ مّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلّبِينَ تُعَلّمُونَهُنّ مِمّا عَلّمَكُمُ اللّهُ فَكُلُواْ مِمّآ أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُواْ اسْمَ اللّهِ عَلَيْهِ وَاتّقُواْ اللّهَ إِنّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ }..
يعنـي بذلك جلّ ثناؤه: يسألك يا مـحمد أصحابك ما الذي أُحلّ لهم أكله من الـمطاعم والـمآكل, فقل لهم: أحلّ منها الطيبـات, وهي الـحلال الذي أذن لكم ربكم فـي أكله من الذبـائح, وأحلّ لكم أيضا مع ذلك صيد ما علـمتـم من الـجوارح, وهن الكواسب من سبـاع البهائم والطير, سميت جوارح لـجرحها لأربـابها وكسبها إياهم أقواتهم من الصيد, يقال منه: جرح فلان لأهله خيرا: إذا أكسبهم خيرا, وفلان جارحة أهله: يعنـي بذلك: كاسبهم, ولا جارحة لفلانة إذا لـم يكن لها كاسب, ومنه قول أعشى بنـي ثعلبة:
ذَاتَ خَدّ مُنْضِجٍ مِيسَمُهُيُذْكِرُ الـجارحَ ما كانَ اجْتَرَحْ
يعنـي: اكتسب. وترك من قوله: وَما عَلّـمْتُـمْ: «وصيد» ما علـمتـم من الـجوارح اكتفـاء بدلالة ما ذكر من الكلام علـى ما ترك ذكره. وذلك أن القوم فـيـما بلغنا كانوا سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أمرهم بقتل الكلاب عما يحلّ لهم اتـخاذه منها وصيده, فأنزل الله عزّ ذكره فـيـما سألوا عنه من ذلك هذه الاَية فـاستثنى مـما كان حرم اتـخاذه منها, وأمر بقُنـية كلاب الصيد وكلاب الـماشية وكلاب الـحرث, وأذن لهم بـاتـخاذ ذلك. ذكر الـخير بذلك:
8832ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا زيد بن حبـاب العكلـي, قال: حدثنا موسى بن عبـيدة, قال: أخبرنا صالـح عن القعقاع بن حكيـم, عن سلـمى أم رافع, عن أبـي رافع, قال: جاء جبريـل إلـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم يستأذن علـيه, فأذن له, فقال: «قد أذنّا لَكَ يا رَسُولَ اللّه», قال: أجل, ولكنا لا ندخـل بـيتا فـيه كلب. قال أبو رافع: فأمرنـي أن أقتل كل كلب بـالـمدينة, فقتلت حتـى انتهيت إلـى امرأة عندها كلب ينبح علـيها, فتركته رحمة لها, ثم جئت إلـى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فأخبرته, فأمرنـي, فرجعت إلـى الكلب فقتلته, فجاءوا فقالوا: يا رسول الله, ما يحلّ لنا من هذه الأمة التـي أمرتَ بقتلها؟ قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم, فأنزل الله: يَسْئَلُونَكَ ماذَا أُحِلّ لَهُمْ قُلْ أُحِلّ لَكُمُ الطّيّبَـاتُ وَما عَلّـمْتُـمْ مِنَ الـجَوَارِحِ مُكَلّبِـينَ.
8833ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن عكرمة: أن النبـيّ صلى الله عليه وسلم بعث أبـا رافع فـي قتل الكلاب, فقتل حتـى بلغ العوالـي, فدخـل عاصم بن عديّ وسعد بن خيثمة وعويـم بن ساعدة, فقالوا: ماذا أُحلّ لنا يا رسول الله؟ فنزلت: يَسْئَلُونَكَ ماذَا أُحِلّ لَهُمْ قُلْ أُحِلّ لَكُمُ الطّيّبـاتُ وَما عَلّـمْتُـمْ مِنَ الـجَوَارِحِ مكَلّبِـينَ.
8834ـ حدثنـي الـمثنى, حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله بن الزبـير, قال: حدثونا عن مـحمد بن كعب القرظيّ, قال: لـما أمر النبـيّ صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب, قالوا: يا رسول الله, فماذا يحلّ لنا من هذه الأمة؟ فنزلت: يَسْئَلُونَكَ ماذَا أُحِلّ لَهُمْ... الاَية.
ثم اختلف أهل التأويـل فـي الـجوارح التـي عنى الله بقوله: وَما عَلّـمْتُـمْ مِنَ الـجَوَارِحِ فقال بعضهم هو كلّ ما علّـم الصيد فتعلـمه من بهيـمة أو طائر. ذكر من قال ذلك:
8835ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا ابن الـمبـارك, عن إسماعيـل بن مسلـم, عن الـحسن فـي قوله: وَما عَلّـمْتُـمْ مِنَ الـجَوَارِحِ مُكَلّبِـينَ قال: كل ما عُلّـم فصاد: من كلب, أو صقر, أو فَهِد, أو غيره.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا ابن فضيـل, عن إسماعيـل بن مسلـم, عن الـحسن: مُكَلّبِـينَ قال: كلّ ما علـم فصاد من كلب أو فهد أو غيره.
8836ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا ابن الـمبـارك, عن معمر, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي صيد الفهد, قال: هو من الـجوارح.
8837ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, عن عنبسة, عن مـحمد بن عبد الرحمن, عن القاسم بن أبـي بزّة, عن مـجاهد فـي قوله: وَما عَلّـمْتُـمْ مِنَ الـجَوَارِحِ مُكَلّبِـينَ قال: الطير, والكلاب.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبو خالد الأحمر, عن الـحجاج, عن عطاء, عن القاسم بن أبـي بزّة, عن مـجاهد, مثله.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا ابن عيـينة, عن حميد, عن مـجاهد: مُكَلّبِـينَ قال: من الكلاب والطير.
حدثنا مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي قول الله: مِنَ الـجَوَارِحِ مُكَلّبِـينَ قال: من الطير والكلاب.
حدثنا الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
8838ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا ابن علـية, قال: حدثنا شعبة (ح) وثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن شعبة, عن الهيثم, عن طلـحة بن مصرف, قال: خيثمة بن عبد الرحمن: هذا ما قد بـينت لك أن الصقر والبـازي من الـجوارح.
حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, قال: سمعت الهيثم يحدّث عن طلـحة الإيامي, عن خيثمة, قال: أنبئت أن الصقر, والبـاز, والكلب: من الـجوارح.
8839ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا عبد الله بن عمر, عن نافع, عن علـيّ بن حسين, قال: البـاز الصقر من الـجوارح.
8840ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا يحيى بن يـمان, عن شريك, عن جابر, عن أبـي جعفر, قال: البـاز والصقر من الـجوراح الـمكلّبـين.
8841ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: وَما عَلّـمْتُـمْ مِنَ الـجَوَارِحِ مُكَلّبِـينَ يعنـي بـالـجوارح: الكلاب الضواري والفهود والصقور وأشبـاهها.
8842ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن ابن طاوس, عن أبـيه: وَما عَلّـمْتُـمْ مِنَ الـجَوَارِح مُكَلّبِـينَ قال: من الكلاب وغيرها, من الصقور والبِـيزان وأشبـاه ذلك مـما يعلّـم.
حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: وَما عَلّـمْتُـمْ مِنَ الـجَوَارِحِ مُكَلّبِـينَ الـجوارح: الكلاب والصقور الـمعلـمة.
8843ـ حدثنـي سعيد بن الربـيع الرازي, قال: حدثنا سفـيان, عن عمرو بن دينار سمع عبـيد بن عمير يقول فـي قوله: مِنَ الـجَوَارِحِ مُكَلّبِـينَ قال: الكلاب والطير.
وقال آخرون: إنـما عنى الله جلّ ثناؤه بقوله: وَما عَلّـمْتُـمْ مِنَ الـجَوَارِحِ مُكَلّبِـينَ الكلاب دون غيرها من السبـاع. ذكر من قال ذلك:
8844ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا أبو تـميـلة, قال: حدثنا عبـيد, عن الضحاك: وَما عَلّـمْتُـمْ مِنَ الـجَوَارِحِ مُكَلّبِـينَ قال: هي الكلاب.
8845ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن مفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, قوله: وَما عَلّـمْتُـمْ مِنَ الـجَوَارِحِ مُكَلّبِـينَ يقول: أحلّ لكم صيد الكلاب التـي علـمتـموهن.
8846ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا ابن أبـي زائدة, قال: أخبرنا ابن جريج, عن نافع, عن ابن عمر, قال: أما ما صاد من الطير والبُزاة من الطير, فما أدركت فهو لك, وإلا فلا تطعَمه.
وأولـى القولـين بتأويـل الاَية, قول من قال: كلّ ما صاد من الطير والسبـاع فمن الـجوارح, وإن صيد جميع ذلك حلال إذا صاد بعد التعلـيـم, لأن الله جلّ ثناؤه عمّ بقوله: وَما عَلّـمْتُـمْ مِنَ الـجَوَارِحِ مُكَلّبِـينَ: كلّ جارحة, ولـم يخصص منها شيئا, فكل جارحة كانت بـالصفة التـي وصف الله من كل طائر وسبع فحلال أكل صيدها. وقد روِيَ عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم, بنـحو ما قلنا فـي ذلك خبر, مع ما فـي الاَية من الدلالة التـي ذكرنا علـى صحة ما قلنا فـي ذلك, وهو ما:
8847ـ حدثنا به هناد, قال: حدثنا عيسى بن يونس, عن مـجالد, عن الشعبـيّ عن عديّ بن حاتـم, قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيد البـازيّ, فـاقل: «ما أَمْسَكَ عَلَـيْكَ فَكُلْ».
فأبـاح صلى الله عليه وسلم صيد البـازي وجعله من الـجوارح, ففـي ذلك دلالة بـينة علـى فساد قول من قال: عنى الله بقوله: وَما عَلّـمْتُـمْ مِنَ الـجَوَارِحِ: ما علـمنا من الكلاب خاصة دون غيرها من سائر الـجوارح.
فإن ظنّ ظانّ أن فـي قوله مُكَلّبِـينَ دلالة علـى أن الـجوارح التـي ذكرت فـي قوله: وَما عَلّـمْتُـمْ مِنَ الـجَوَارِحِ: هي الكلاب خاصة, فقد ظنّ غير الصواب, وذلك أن معنى الاَية: قل أحلّ لكم أيها الناس فـي حال مصيركم أصحاب كلاب الطيبـات وصيد ما علّـمتـموه الصيد من كواسب السبـاع والطير. فقوله: مُكَلّبِـينَ صفة للقانص, وإن صاد بغير الكلاب فـي بعض أحيانه, وهو نظير قول القائل يخاطب قوما: أحلّ لكم الطيبـات, وما علـمتـم من الـجوارح مكلبـين مؤمنـين فمعلوم أنه إنـما عنى قائل ذلك إخبـار القوم أن الله جلّ ذكره أحلّ لهم فـي حال كونهم أهل إيـمان الطيبـات, وصيد الـجوارح التـي أعلـمهم أنه لا يحلّ لهم منه إلا ما صادوه بها, فكذلك قوله: أُحِلّ لَكُمُ الطّيّبـاتُ وَما عَلّـمْتُـمْ مِنَ الـجَوَارِحِ مكَلّبِـينَ لذلك نظيره فـي أن التكلـيب للقانص بـالكلاب كان صيده أو بغيرها, لا أنه إعلام من الله عزّ ذكره أنه لا يحلّ من الصيد إلا ما صادته الكلاب.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: تُعَلّـمُونَهُنّ مِـمّا عَلّـمَكُمُ اللّهُ.
يعنـي جلّ ثناؤه بقوله: تُعَلّـمُونَهُنّ: تؤدّبون الـجوارح, فتعلـمونهنّ طلب الصيد لكم مـما علـمكم الله, يعنـي بذلك: من التأديب الذي أدبكم الله والعلـم الذي علـمكم.
وقد قال بعض أهل التأويـل: معنى قوله: مِـمّا عَلّـمَكُمُ اللّهُ: كما علـمكم الله. ذكر من قال ذلك:
8848ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: تُعَلّـمُونَهُنّ مِـمّا عَلّـمَكُمُ اللّهُ يقول: تعلـمونهنّ من الطلب كما علـمكم الله.
ولسنا نعرف فـي كلام العرب «من» بـمعنى الكاف, لأن «من» تدخـل فـي كلامهم بـمعنى التبعيض, والكاف بـمعنى التشبـيه. وإنـما يوضع الـحرف مكان آخر غيره إذا تقارب معنـياهما, فأما إذا اختلفت معانـيهما فغير موجود فـي كلامهم وضع أحدهما عقـيب الاَخر, وكتاب الله وتنزيـله أحرى الكلام أن يجنب ما خرج عن الـمفهوم والغاية فـي الفصاحة من كلام من نزل بلسانه.
8849ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا إسماعيـل بن صبـيح, قال: حدثنا أبو هانىء, عن أبـي بشر, قال: حدثنا عامر, أن عديّ بن حاتـم الطائي, قال: أتـى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله عن صيد الكلاب, فلـم يدر ما يقول له, حتـى نزلت هذه الاَية: تُعَلّـمُونَهُنّ مِـمّا عَلّـمَكُمُ اللّهُ.
قـيـل: اختلف أهل التأويـل فـي ذلك, فقال بعضهم: هو أن يُسْتَشْلَـى لطلب الصيد إذا أرسله صاحبه, ويـمسك علـيه إذا أخذه فلا يأكل منه, ويستـجيب له إذا دعاه, ولا يفرّ منه إذا أراده, فإذا تتابع ذلك منه مرارا كان معلّـما. وهذا قول جماعة من أهل الـحجاز وبعض أهل العراق. ذكر من قال ذلك:
8850ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا أبو عصام, قال: أخبرنا ابن جرج, قال: قال عطاء: كل شيء قتله صائدك قبل أن يعلّـم ويـمسك ويصيد فهو ميَتة, ولا يكون قتله إياه ذكاة حتـى يعلّـم ويُـمسك ويصيد, فإن كان ذلك ثم قَتَل فهو ذكاته.
8851ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قال: الـمعلّـم من الكلاب أن يـمسك صيده فلا يأكل منه حتـى يأتـيه صاحبه, فإن أكل من صيده قبل أن يأتـيه صاحبه فـيدرك ذكاته, فلا يأكل من صيده.
8852ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن عيـينة, عن عمرو, عن طاوس, عن ابن عبـاس, قال: إذا أكل الكلب فلا تأكل, فإنـما أمسك علـى نفسه.
8853ـ حدثنا أبو كريب ويعقوب بن إبراهيـم, قالا: حدثنا إسماعيـل بن إبراهيـم, قال: حدثنا أبو الـمعلـى, عن سعيد بن جبـير, قال: قال ابن عبـاس: إذا أرسل الرجل الكلب فأكل من صيده فقد أفسده, وإن كان ذكر اسم الله حين أرسله فزعم أنه إنـما أمسك علـى نفسه والله يقول مِنَ الـجَوَارِحِ مُكَلّبِـينَ تُعَلـمُوَنهنّ مِـمّا عَلّـمَكُمُ اللّهُ. فزعم أنه إذا أكل من صيده قبل أن يأتـيه صاحبه أنه لـيس بـمعلـم, وأنه ينبغي أن يضرب ويعلـم حتـى يترك ذلك الـخـلق.
8854ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا معمر الرقـي, عن حجاج, عن عطاء, عن ابن عبـاس, قال: إذا أخذ الكلب فقتل فأكل, فهو سبع.
حدثنا ابن الـمثنى, قال: ثنـي عبد الأعلـى, قال: حدثنا داود, عن عامر, عن ابن عبـاس, قال: لا يأكل منه, فإنه لو كان معلـما لـم يأكل منه ولـم يتعلـم ما علـمته, إنـما أمسك علـى نفسه ولـم يـمسك علـيك.
حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا يزيد بن هارون, قال: أخبرنا داود, عن الشعبـيّ, عن ابن عبـاس, بنـحوه.
حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن حماد, عن إبراهيـم, عن ابن عبـاس, قال: إذا أكلت الكلاب فلا تأكل.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن أبـي إسحاق, عن الشعبـي, عن ابن عبـاس, بـمثله.
8855ـ حدثنا حميد بن مسعدة, قال: حدثنا بشر بن الـمفضل, قال: حدثنا ابن عون, قال: فعلت لعامر الشعبـيّ: الرجل يرسل كلبه فـيأكل منه, أنأكل منه؟ لا, لـم يتعلـم الذي علـمته.
8856ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن إدريس, عن لـيث, عن مـجاهد, عن ابن عمر, قال: إذا أكل الكلب من صيد فـاضربه, فإنه لـيس بـمعلّـم.
8857ـ حدثنا سوّار بن عبد الله, قال: حدثنا يحيى بن سعيد, عن ابن جريج, عن ابن طاوس, عن أبـيه, قال: إذا أكل الكلب فهو ميتة, فلا تأكله.
8858ـ حدثنا الـحسن بن عرفة, قال: حدثنا هشيـم, عن أبـي بشر, عن سعيد بن جبـير وسيار, عن الشعبـيّ ومغيرة, عن إبراهيـم أنهم قالوا فـي الكلب: إذا أكل من صيده فلا تأكل, فإنـما أمسك علـى نفسه.
8859ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: أخبرنا ابن جريج, قال: قال عطاء: إن وجدت الكلب قد أكل من الصيد, فما وجدته ميتا فدعه, فإنه مـما لـم يـمسك علـيك صيدا, إنـما هو سبع أمسك علـى نفسه ولـم يـمسك علـيك, وإن كان قد علـم.
8860ـ حدثنا مـحمد بن الـحسن, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: بنـحوه.
وقال آخرون نـحو هذه الـمقالة, غير أنهم حدّوا لـمعرفة الكَلاّب بأن كلبه قد قبل التعلـيـم, وصار من الـجوارح الـحلال صيدها أن يفعل ذلك كلبه مرّات ثلاثا, وهذا قول مـحكيّ عن أبـي يوسف ومـحمد بن الـحسن.
وقال آخرون مـمن قال هذه الـمقالة: لا حدّ لعلـم الكلاّب بذلك من كلبه أكثر من أن يفعل كلبه ما وصفنا أنه له تعلـيـم قالوا: فإذا فعل ذلك فقد صار معلّـما حلالاً صيده. وهذا قول بعض الـمتأخرين.
وفرّق بعض قائلـي هذه الـمقالة بـين تعلـيـم البـازي وسائر الطيور الـجارحة, وتعلـيـم الكلب وضاري السبـاع الـجارحة, فقال: جائز أكل ما أكل منه البـازي من الصيد. قالوا: وإنـما تعلـيـم البـازي أن يطير إذا استُشْلـي, ويجب إذا دُعي, ولا ينفر من صاحبه إذا أراد أخذه. قالوا: ولـيس من شروط تعلـيـمه أن لا يأكل من الصيد. ذكر من قال ذلك:
8861ـ حدثنا هناد بن السريّ, قال: حدثنا هشيـم, عن مغيرة, عن إبراهيـم وحجاج, عن عطاء, قال: لا بأس بصيد البـازي وإن أكل منه.
8862ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا أسبـاط, قال: حدثنا أبو إسحاق, الشبـيانـيّ, عن حماد, عن إبراهيـم, عن ابن عبـاس أنه قال فـي الطير: إذا أرسلته فقتل فكل, فإن الكلب إذا ضربته لـم يعُد وإن تعلـيـم الطير: أن يرجع إلـى صاحبه, ولـيس يضرب فإذا أكل من الصيد ونتف من الريش فكُلْ.
8863ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يحيى بن واضح, قال: حدثنا أبو حمزة, عن جابر, عن الشعبـي, قال: لـيس البـازي والصقر كالكلب, فإذا أرسلتهما فأمسكا فأكلا فدعوتهما فأتـياك, فكُلْ منه.
8864ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا أبو زبـيد, عن مطرّف, عن حماد, قال إبراهيـم: كُل صيد البـازي وإن أكل منه.
8865ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا وكيع, عن سفـيان, عن حماد, عن إبراهيـم, وجابر عن الشعبـيّ, قالا: كل من صيد البـازي وإن أكل.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن مغيرة, عن حماد, عن إبراهيـم: إذا أكل البـازي والصقر من الصيد, فكل, فإنه لا يعُلّـم.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن حماد, عن إبراهيـم, قال: لا بأس بـما أكل منه البـازي.
8866ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن حماد, أنه قال فـي البـازي: إذا أكل منه فكُلْ.
وقال آخرون منهم: سواء تعلـيـم الطير والبهائم والسبـاع, لا يكون نوع من ذلك معلّـما إلا بـما يكون به سائر الأنواع معلـما. وقالوا: لا يحلّ أكل شيء من الصيد الذي صادته جارحة فأكلت منه, كائنة ما كانت تلك الـجارحة بهيـمة أو طائرا. قالوا: لأن من شروط تعلـيـمها. الذي يحلّ به صيدها, أن تـمسك ما صادت علـى صاحبها فلا تأكل منه. ذكر من قال ذلك:
8867ـ حدثنا هناد وأبو كريب, قالا: حدثنا ابن أبـي زائدة, قال: حدثنا مـحمد بن سالـم, عن عامر, قال: قال علـيّ: إذا أكل البـازي من صيده فلا تأكل.
8868ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا ابن جعفر, عن شعبة, عن مـجاهد بن سعيد, عن الشعبـي, قال: إذا أكل البـازي منه فلا تأكل.
8869ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا وكيع, عن سفـيان, عن سالـم, عن سعيد بن جبـير, قال: إذا أكل البـازي فلا تأكل.
8870ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا وكيع عن عمرو بن الولـيد السهميّ, قال: سمعت عكرمة, قال: إذا أكل البـازي فلا تأكل.
8871ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: أخبرنا ابن جريج, قال: قال عطاء: الكلب والبـازي كلّه واحد, لا تأكل ما أكل منه من الصيد إلا أن تدرك ذكاته فتذكيه. قال: قلت لعطاء: البـازي ينتف الريش؟ قال: فما أدركته ولـم يأكل, فكُلْ. قال ذلك غير مرّة.
وقال آخرون: تعلـيـم كل جارحة من البهائم والطير واحد, قالوا: وتعلـيـمه الذي يحلّ به صيده أن يُشْلَـى علـى الصيد فـيَسْتَشْلِـي ويأخذ الصيد, ويدعوه صاحبه فـيجيب, أو لا يفرّ منه إذا أخذه. قالوا: فإذا فعل الـجارح ذلك كان معلـما داخلاً فـي الـمعنى الذي قال الله: وَما عَلّـمْتُـمْ مِنَ الـجَوَارِحِ مُكَلّبِـينَ تُعْلّـمونهُنّ مِـمّا عَلّـمَكُمُ اللّهُ فَكُلُوا مِـمّا أمْسَكْنَ عَلَـيْكُمْ قالوا: ولـيس من شرط تعلـيـم ذلك أن لا يأكل من الصيد, قالوا: وكيف يجوز أن يكون ذلك من شرطه وهو يؤدّب بأكله؟ ذكر من قال ذلك:
8872ـ حدثنا ابن أبـي الشوارب, قال: حدثنا يزيد بن زريع, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, عن سعيد أو سعد, عن سلـمان, قال: إذا أرسلت كلبك علـى صيد, وذكرت اسم الله فأكل ثلثـيه وبقـي ثلثه, فكل ما بقـي.
حدثنا حميد بن مسعدة, قال: حدثنا بشر بن الـمفضل, قال: حدثنا حميد, قال: ثنـي القاسم بن ربـيعة, عمن حدّثه, عن سلـمان وبكر بن عبد الله, عمن حدثه, عن سلـمان: أن الكلب يأخذ الصيد فـيأكل منه, قال: كُلْ وإن أكل ثلثـيه إذا أرسلته وذكرت اسم الله وكان معلّـما.
حدثنا ابن بشار وابن الـمثنى, قالا: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, قال: سمعت قتادة يحدّث عن سعيد بن الـمسيب, قال: قال سلـمان: كل وإن أكل ثلثـيه يعنـي: الصيد إذا أكل ثلثـيه يعنـي: الصيد إذا أكل منه الكلب.
حدثنا هناد, قال: حدثنا وكيع, عن شعبة, عن قتادة, عن سعيد بن الـمسيب, عن سلـمان, نـحوه.
حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا ابن أبـي عديّ وعبد العزيز بن عبد الصمد, عن شعبة (ح) وحدثنا هناد قال: حدثنا عبدة جميعا, عن سعيد, عن قتادة, عن سعيد بن الـمسيب, قال: قال سلـمان: إذا أرسلت كلبك الـمعلـم وذكرت اسم الله فأكل ثلثه فكُلْ.
حدثنا هناد, قال: حدثنا عبدة, عن سعيد, عن قتادة, عن سعيد, عن سلـمان, نـحوه.
حدثنا مـجاهد بن موسى, قال: حدثنا يزيد, عن بكر بن عبد الله الـمزنـي والقاسم, أن سلـمان قال: إذا أكل الكلب فكل, وإن أكل ثلثـيه.
حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا ابن علـية, عن داود بن أبـي الفرات, عن مـحمد بن زيد, عن سعيد بن الـمسيب, قال: قال سلـمان: إذا أرسلت كلبك الـمعلـم أو بـازك, فسمتَ, فأكَل نصفه أو ثلثـيه, فكل بقـيته.
8873ـ حدثنـي يونس بن عبد الأعلـى, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرنـي مخرمة بن بكير, عن أبـيه, عن حميد بن مالك بن خثـيـم الدؤلـي, أنه سأل سعد بن أبـي وقاص عن الصيد يأكل منه الكلب, فقال: كُلْ وإن لـم يبق منه إلا حذْية, يعنـي بَضْعة.
8874ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: ثنى عبد الصمد, قال: حدثنا شعبة, عن عبد ربه بن سعيد, قال: سمعت بكير بن الأشج يحدّث عن سعد, قال: كل وإن أكل ثلثـيه.
8875ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا سعيد بن الربـيع, قال: حدثنا شعبة, عن عبد ربه بن سعيد, قال: سمعت بكير بن الأشجّ, عن سعيد بن الـمسيب قال شعبة, قلت: سمعت من سعيد؟ قال: لا قال: كل وإن أكل ثلثـيه. قال: ثم إن شعبة قال فـي حديثه عن سعد, قال: كل وإن أكل نصفه.
8876ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: ثنى عبد الأعلـى, قال: حدثنا داود, عن عامر, عن أبـي هريرة, قال: إذا أرسلت كلبك فأكل منه, فإن أكل ثلثـيه وبقـي ثلثه فكُلْ.
حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا يزيد بن هارون, قال: أخبرنا داود بن أبـي هند, عن الشعبـيّ, عن إبـي هريرة, بنـحوه.
حدثنا هناد, قال: حدثنا أبو معاوية, عن داود بن أبـي هند, عن الشعبـيّ, عن أبـي هريرة, نـحوه.
حدثنا ابن الـمثنى, قال: ثنـي سالـم بن نوح العطار, عن عمر, يعنـي ابن عامر, عن قتادة, عن سعيد بن الـمسيب, عن سلـمان, قال: إذا أرسلت كلبك الـمعلـم فأخذ فقلت, فكُلْ وإن أكل ثلثـيه.
8877ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا الـمعتـمر, قال: سمعت عبد الله (ح) وحدثنا هناد, قال: حدثنا عبدة, عن عبـيد الله بن عمر, عن نافع, عن عبد الله بن عمر, قال: إذا أرسلت كلبك الـمعلـم وذكرت اسم الله فكُلْ ما أمسك علـيك, أكل أو لـم يأكل.
حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا عبد الوهاب, قال: حدثنا عبـيد الله, عن نافع, عن ابن عمر, بنـحوه.
8878ـ حدثنا يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرنـي ابن أبـي ذئب أن نافعا حدثهم: أن عبد الله بن عمر كان لا يرَى بأكل الصيد بأسا, إذا قتله الكلب أكل منه.
حدثنـي يونس به مرة أخرى, فقال: أخبرنا ابن وهب, قال: ثنـي عبـيد الله بن عمر وابن أبـي ذئب وغير واحد, أن نافعا حدثهم عن عبد الله بن عمر, فذكر نـحوه.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يحيى بن واضح, قال: حدثنا مـحمد بن أبـي ذئب, عن نافع, عن ابن عمر: أنه كان لا يرى بأسا بـما أكل الكلب الضاري.
حدثنا هناد, قال: حدثنا وكيع, عن ابن أبـي ذئب, عن بكير بن عبد الله بن الأشج, عن حميد بن عبد الله, عن سعد, قال: قلت: لنا كلاب ضوار يأكلن ويبقـين؟ قال: كل وإن لـم يبق إلا بَضْعة.
حدثنا هناد, قال: حدثنا قبـيصة, عن سفـيان, عن ابن أبـي ذئب, عن يعقوب بن عبد الله بن الأشجّ, عن حميد, قال: سألت سعدا, فذكر نـحوه.
وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب عندنا فـي تأويـل قوله: تُعَلّـمُونَهُنّ مِـمّا عَلّـمَكُمُ اللّهُ أن التعلـيـم الذي ذكره الله فـي هذه الاَية للـجوارح, إنـما هو أن يعلـم الرجل جارحه الاستشلاء إذا أُشلـي علـى الصيد, وطلبه إياه أغري, أو إمساكه علـيه إذا أَخذ من غير أن يأكل منه شيئا, وألا يفرّ منه إذا أراده, وأن يجيبه إذا دعاه, فذلك هو تعلـيـم جميع الـجوارح طيرها وبهائمها. وإن أكل من الصيد جارحة صائد, فجارحه حينئذٍ غير معلـم. فإن أدرك صاحبه حيّا فذكّاه حلّ له أكله, وإن أدركه ميتا لـم يحلّ له, لأنه مـما أكله السبع الذي حرّمه الله تعالـى بقوله: وَما أكَلَ السّبُع ولـم يدرك ذكاته.
وإنـما قلنا ذلك أولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب لتظاهر الأخبـار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, بـما:
8879ـ حدثنا به ابن حميد, قال: حدثنا ابن الـمبـارك, عن عاصم بن سلـيـمان الأحول, عن الشعبـيّ, عن عديّ بن حاتـم, أنه سأل النبـيّ صلى الله عليه وسلم عن الصيد, فقال: «إذا أرْسَلْتَ كَلْبَكَ فـاذْكُرِ اسْمَ اللّه عَلَـيْهِ, فإنْ أدْرَكْتَهُ وقد قَتَلَ وأَكَلَ مِنْهُ, فلا تَأْكُلْ مِنْهُ شَيْئا, فإنّـما أمْسَكَ علـى نَفْسِهِ».
حدثنا أبو كريب, وأبو هشام الرفـاعي, قالا: حدثنا مـحمد بن فضيـل, عن بـيان بن بشر, عن عامر, عن عديّ بن حاتـم, قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقلت: إنا قوم نتصيد بهذه الكلاب؟ فقال: «إذَا أرْسَلْتَ كِلابَكَ الـمُعَلّـمَةَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللّهِ عَلَـيْها, فَكُلْ ما أمْسَكْنَ عَلَـيْكَ وَإنْ قَتَلْنَ, إلاّ أنْ يَأْكُلَ الكَلْبُ, فإنْ أكَلَ تَأْكُلْ, فإنّـي أخافُ أنْ يَكُونَ إنّـمَا حَبَسَهُ علـى نَفْسِهِ».
فإن قال قائل: فما أنت قائل فـيـما:
8880ـ حدثك به عمران بن بكار الكلاعي, قال: حدثنا عبد العزيز بن موسى, قال: حدثنا مـحمد بن دينار, عن أبـي إياس, عن سعيد بن الـمسيب, عن سلـمان الفـارسي, عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم, قال: «إذَا أرْسَلَ الرّجُلُ كَلْبَهُ علـى الصّيْدِ فَأدْرَكَهُ وَقَدْ أكَلَ مِنْهُ, فَلـيْأكُلْ ما بَقِـيَ».
قـيـل: هذا خبر فـي إسناده نظر, فإن سعيدا غير معلوم له سماع من سلـمان, والثقات من أهل الاَثار يقـفون هذا الكلام علـى سلـمان ويروونه عنه من قِبَله غير مرفوع إلـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم. والـحفـاظ الثقات إذا تتابعوا علـى نقل شيء بصفة فخالفهم واحد منفرد لـيس له حفظهم, كانت الـجماعة الأثبـات أحقّ بصحة ما نقلوا من الفرد الذي لـيس له حفظهم. وإذا كان الأمر فـي الكلب علـى ما ذكرت من أنه إذا أكل من الصيد فغير معلّـم, فكذلك حكم كلّ جارحة فـي أن ما أكل منها من الصيد فغير معلّـم, لا يحلّ له أكل صيده إلا أن يدرك ذكاته.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: فَكُلُوا مِـمّا أمْسَكْنَ عَلَـيْكُمْ.
يعنـي بقوله: فَكُلُوا مِـما أمْسَكْنَ عَلَـيْكُمْ: فكلوا أيها الناس مـما أمسكتْ علـيكم جوارحكم.
واختلف أهل التأويـل فـي معنى ذلك, فقال بعضهم: ذلك علـى الظاهر والعموم كما عمـمه الله حلال أكل كل ما أمسكت علـينا الكلاب والـجوارح الـمعلـمة من الصيد الـحلال أكله, أكل منه الـجارح والكلاب أو لـم يأكل منه, أدركت ذكاته فذُكي أو لـم تدرك ذكاته حتـى قتلته الـجوارح, بجرحها إياه أو بغير جرح. وهذا قول الذين قالوا: تعلـيـم الـجوارح الذي يحلّ به صيدها أن تعلّـم الاستشلاء علـى الصيد وطلبه إذا أُشلـيت علـيه وأخذَه, وترك الهرب من صاحبها دون ترك الأكل من صيدها إذا صادته. وقد ذكرنا قول قائلـي هذه الـمقالة والرواية عنهم بأسانـيدها الواردة آنفـا.
وقال آخرون: بل ذلك علـى الـخصوص دون العموم, قالوا: ومعناه: فكلوا مـما أمسكن علـيكم من الصيد جميعه دون بعضه. قالوا: فإن أكلت الـجوارح منه بعضا وأمسكت بعضا, فـالذي أمسكت منه غير جائز أكله وقد أكلت بعضه لأنها إنـما أمسكت ما أمسكت من ذلك الصيد بعد الذي أكلت منه علـى أنفسها لا علـينا, والله تعالـى ذكره إنـما أبـاح لنا كل ما أمسكته جوارحنا الـمعلّـمة علـيه بقوله: فَكُلُوا مِـمّا أمْسَكْنَ عَلَـيْكُمْ دون ما أمسكته علـى أنفسها, وهذا قول من قال: تعلـيـم الـجوارح الذي يحلّ به صيدها, أن تَسْتَشْلـي للصيد إذا أُشلـيت فتطلبه وتأخذه, فتـمسكه علـى صاحبها فلا تأكل منه شيئا, ولا تفرّ من صاحبها وقد ذكرنا مـمن قال ذلك فـيـما مضى منهم جماعة كثـيرة, ونذكر منهم جماعة آخرين فـي هذا الـموضع.
8881ـ حدثنا الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: فَكُلُوا مِـمّا أمْسَكْنَ عَلَـيْكُمْ يقول: كلوا مـما قلتن. قال علـيّ: وكان ابن عبـاس يقول: إن قتل وأكل فلا تأكل, وإن أمسك فأدركته حيّا فذَكّه.
8882ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس قال: إن أكل الـمعلـم من الكلاب من صيده قبل أن يأتـيه صاحبه فـيدرك ذكاته, فلا يأكل من صيده.
8883ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: فَكُلوا مِـمّا أمْسَكْنَ عَلَـيْكُمْ إذا صاد الكلب فأمسكه وقد قتله ولـم يأكل منه, فهو حلّ, فإن أكل منه, فـيقال: إنـما أمسك علـى نفسه, فلا تأكل منه شيئا, إنه لـيس بـمعلّـم.
8884ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: يَسْئَلُونَكَ ماذَا أُحلّ لَهُمْ إلـى قوله: فَكُلُوا مِـمّا أمْسَكْنَ عَلَـيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ عَلَـيْهِ قال: إذا أرسلت كلبك الـمعلـم أو طيرك أو سهمك, فذكرت اسم الله, فأخذ أو قتل, فكل.
8885ـ حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ, يقول: أخبرنا عبـيد بن سلـمان, قال: سمعت الضحاك يقول: إذا أرسلت كلبك الـمعلّـم فذكرت اسم الله حين ترسله فأمسك أو قتل فهو حلال, فإذا أكل منه فلا تأكله, فإنـما أمسكه علـى نفسه.
8886ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا أبو معاوية, عن عاصم, عن الشعبـيّ, عن عديّ, قوله: فَكُلُوا مِـمّا أمْسَكْنَ عَلَـيْكُمْ قال: قلت يا رسول الله إن أرضى أرض صيد؟ قال: «إذا أرْسَلْتَ كَلْبَكَ وَسَمّيْتَ فكُلْ مـما أَمْسَكَ عَلَـيْكَ كَلْبَكَ, وإنْ قَتَلَ, فإنْ أَكَلَ فلا تَأْكُلْ فإنّه إنّـما أمْسَكَ علـى نَفْسِهِ».
وقد بـينا أولـى القولـين فـي ذلك بـالصواب قبل, فأغنى ذلك عن إعادته وتكراره.
فإن قال قائل: وما وجه دخول «مِن» فـي قوله: فَكُلُوا مِـمّا أمْسَكْنَ عَلَـيْكُمْ, وقد أحلّ الله لنا صيد جوارحنا الـحلال, «ومن» إنـما تدخـل فـي الكلال مبعضة لـما دخـلت فـيه؟ قـيـل: قد اختلف فـي معنى دخولها فـي هذا الـموضع أهل العربـية, فقال بعض نـحويـي البصرة حين دخـلت «من» فـي هذا الـموضع لغير معنى, كما تدخـله العرب فـي قولهم: كان من مطر, وكان من حديث. قال: ومن ذلك قوله: وَيُكفَرْ عَنْكُمْ مِنْ سَيّئاتِكُمْ, وقوله: ويُنزّلُ مِنَ السّماء مِنَ جِبـالٍ فِـيها مِنْ بَرَدٍ. قال: وهو فـيـما فسر: وينزل من السماء جبـالاً فـيها برد. قال: وقال بعضهم: وُينزّل مِنَ السّماء مِنْ جِبـالٍ فـيها مِنْ بَرَدٍ أي من السماء من برد, بجعل الـجبـال من برد فـي السماء, وبجعل الإنزال منها. وكان غيره من أهل العربـية يُنكر ذلك ويقول: لـم تدخـل «من» إلا لـمعنى مفهوم لا يجوز الكلام ولا يصلـح إلا به, وذلك أنها دالة علـى التبعيض. وكان يقول: معنى قولهم: «قد كان من مطر, وكان من حديث»: هل كان من مَطَرٍ مَطَر عندكم, وهل من حَدِيثٍ حُدّث عندكم. ويقول: معنى وَيُكَفّرْ عَنْكُمْ مِنْ سَيّئاتِكُمْ أي ويكفر عنكم من سيئاتكم ما يشار ويريد, وفـي قوله: ويُنَزّلُ مِنَ السّماءِ مِنْ جِبـالٍ فِـيها مِنْ بَرَدٍ فـيجيز حذف «مِنْ» من مِنْ بَرَدٍ ولا يجز حذفها من «الـجبـال», ويتأوّل معنى ذلك: وينزّل من السماء أمثال جبـال بردَ, ثم أدخـلت «من» فـي البرَد, لأن البرَد مفسر عنده عن الأمثال: أعنـي: أمثال الـجبـال, وقد أقـيـمت الـجبـال مقام الأمثال, والـجبـال وهي جبـال برَد, فلا يجيز حذف «من» من الـجبـال, لأنها دالة علـى أن الذي فـي السماء الذي أنزل منه البرد أمثال جبـال برد, وأجاز حذف «مِنْ» من «البرد», لأن «البرد» مفسر عن الأمثال, كما تقول: عندي رطلان زيتا, وعندي رطلان من زيت, ولـيس عندك الرطل وإنـما عندك الـمقدار, ف«مِنْ» تدخـل فـي الـمفسر وتـخرج منه. وكذلك عند قائل هذا القول: من السماء, من أمثال جبـال, ولـيس بجبـال. وقال: وإن كان أنزل من جبـال فـي السماء من برد جبـالاً, ثم حذف «الـجبـال» الثانـية و«الـجبـال» الأوّل فـي السماء جاز, تقول: أكلت من الطعام, تريد: أكلت من الطعام طعاما, ثم تـحذف الطعام ولا تسقط «من».
والصواب من القول فـي ذلك, أن «مِنْ» لا تدخـل فـي الكلام إلا لـمعنى مفهوم, وقد يجوز حذفها فـي بعض الكلام وبـالكلام إلـيها حاجة لدلالة ما يظهر من الكلام علـيها, فأما أن تكون فـي الكلام لغير معنى أفـادته بدخولها, فذلك قد بـينا فـيـما مضى أنه غير جائز أن يكون فـيـما صحّ من الكلام. ومعنى دخولها فـي قوله: فَكُلُوا مـمّا أمْسَكْنَ عَلَـيْكُمْ للتبعيض إذ كانت الـجوارح تـمسك علـى أصحابها ما أحلّ الله لهم لـحومه وحرم علـيهم فرثه ودمه, فقال جلّ ثناؤه: فَكُلُوا مِـمّا أمْسَكْنَ عَلَـيْكُمْ جوارحكم الطيبـات التـي أحللت لكم من لـحومها دون ما حرّمت علـيكم من خبـائثه من الفَرْث والدم وما أشبه ذلك مـما لـم أطيبه لكم, فذلك معنى دخول «من» فـي ذلك.
وأما قوله: وَيُكَفّرْ عَنْكُمْ مِنْ سَيّئاتِكُمْ فقد بـينا وجه دخولها فـيه فـيـما مضى بـما أغنى عن إعادته. وأما دخولها فـي قوله: ويُنزّلُ مِنَ السّماءِ مِنْ جِبـالٍ فسنبـينه إذا أتـينا علـيه إن شاء الله تعالـى:
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَاذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ عَلَـيْهِ.
يعنـي جلّ ثناؤه بقوله: واذْكُرُوا اسْمَ الله علـى ما أمسكت علـيكم جوارحكم من الصيد. كما:
8887ـ حدثنا الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـي, عن ابن عبـاس, قوله: واذكُرُوا اسْمَ الله عَلَـيْهِ يقول: إذا أرسلت جارحك فقل: بسم الله, وإن نسيت فلاحرج.
8888ـ حدثنا مـحمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, قوله: وَاذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ عَلَـيْهِ قال: إذا أرسلته فسمّ علـيه حين ترسله علـى الصيد.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَاتّقُوا اللّهَ إنّ اللّهَ سَرِيعُ الـحِسابِ.
يعنـي جلّ ثناؤه: واتقوا الله أيها الناس فـيـما أمركم به وفـيـما نهاكم عنه, فـاحذروه فـي ذلك أن تقدموا علـى خلافه, وأن تأكلوا من صيد الـجوارح غير الـمعلّـمة أو مـما لـم تـمسك علـيكم من صيدها وأمسكته علـى أنفسها, أو تَطعَموا ما لـم يسمّ الله علـيه من الصيد والذبـائح مـما صاده أهل الأوثان وعبدة الأصنام ومن لـم يوحد الله من خـلقه, أو ذبحوه, فإن الله قد حرّم ذلك علـيكم فـاجتنبوه. ثم خوّفهم إن هم فعلوا ما نهاهم عنه من ذلك ومن غيره فقال: اعلـموا أن الله سريع حسابه لـمن حاسبه علـى نعمته علـيه منكم وشكر الشاكر منكم ربه, علـى ما أنعم به علـيه بطاعته إياه فـيـما أمر ونهى, لأنه حافظ لـجميع ذلك فـيكم فـيحيط به, لا يخفـى علـيه منه شيء, فـيجازي الـمطيع منك بطاعته والعاصي بـمعصيته, وقد بـين لكم جزاء الفريقـين.
الآية : 5
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {الْيَوْمَ أُحِلّ لَكُمُ الطّيّبَاتُ وَطَعَامُ الّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلّ لّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلّ لّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَآ آتَيْتُمُوهُنّ أُجُورَهُنّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتّخِذِيَ أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الاَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ }..
يعنـي جلّ ثناؤه بقوله: الـيَوْمَ أُحِلّ لَكُمُ الطّيّبـاتُ: الـيوم أحلّ لكم أيها الـمؤمنون الـحلال من الذبـائح والـمطاعم, دون الـخبـائث منها. قوله: وَطَعامُ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ حِلّ لَكُمْ وذبـائح أهل الكتاب من الـيهود والنصارى, وهم الذين أوتوا التوراة والإنـجيـل, وأنزل علـيهم, فدانوا بهما أو بأحدهما حِلّ لَكُمْ يقول: حلال لكم أكله دون ذبـائح سائر أهل الشرك الذين لا كتاب لهم من مشركي العرب وعبدة الأوثان والأصنام, فإن من لـم يكن منهم مـمن أقرّ بتوحيد الله عزّ ذكره ودان دين أهل الكتاب, فحرام علـيكم ذبـائحهم.
ثم اختلف فـيـمن عنى الله عزّ ذكره بقوله: وَطَعامُ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابِ من أهل الكتاب, فقال بعضهم: عنى الله بذلك ذبـيحة كلّ مـمن أنزل علـيه التوراة والإنـجيـل, أو مـمن دخـل فـي ملتهم فدان دينهم وحرّم ما حرّموا وحلل ما حللوا منهم ومن غيرهم من سائر أجناس الأمـم. ذكر من قال ذلك:
8889ـ حدثنا مـحمد بن عبد الـملك بن أبـي الشوارب, قال: حدثنا عبد الواحد, قال: خَصيف, قال: حدثنا عكرمة, قال: سئل ابن عبـاس عن ذبـائح نصارى بنـي تغلب, فقرأ هذه الاَية: يا أيها الّذِينَ آمَنُوا لا تَتّـخِذُوا الـيَهُودَ... إلـى قوله: وَمَنْ يَتَوَلّهُمْ مِنْكُمْ فإنّهُ مِنْهُمْ... الاَية.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا ابن عثمة, قال: حدثنا سعيد بن بشر, عن قتادة, عن الـحسن وعكرمة: أنهما كانا لا يريان بأسا بذبـائح نصارى بنـي تغلب وبتزوّج نسائْهم, ويتلوان: وَمَنْ يَتَوَلّهُمْ مِنْكُمْ فإنّهُ مِنْهُمْ.
8890ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا ابن أبـي عديّ, عن سعيد, عن قتادة, عن الـحسن وسعيد بن الـمسيب: أنهما كانا لا يريان بأسا بذبـيحة نصارى بنـي تغلب.
8891ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن أبـي حصين, عن الشعبـيّ: أنه كان لا يرى بأسا بذبـائح نصارى بنـي تغلب, وقرأ: وَما كانَ رَبكَ نَسِيّا.
8892ـ حدثنـي ابن بشار وابن الـمثنى, قالا: حدثنا أبو عاصم, قال: أخبرنا ابن جريج, قال: ثنـي ابن شهاب عن ذبـيحة نصارى العرب, قال: تؤكل من أجل أنهم فـي الدين أهل كتاب, ويذكرون اسم الله.
8893ـ حدثنا ابن بشار وابن الـمثنى, قالا: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا ابن جريج: قال: قال عطاء: إنـما يقرءون ذلك الكتاب.
8894ـ حدثنا يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا ابن علـية, قال: حدثنا شعبة, قال: سألت الـحكم وحمادا وقتادة عن ذبـائح نصارى بنـي تغلب, فقالوا: لا بأس بها. قال: وقرأ الـحكم: وَمِنْهُمْ أُمّيّونَ لا يَعْلَـمُونَ الكِتابَ إلاّ أمانِـيّ.
8895ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا الـحجاج, قال: حدثنا حماد, عن عطاء بن السائب, عن عكرمة, عن ابن عبـاس, قال: كلوا من ذبـائح بنـي تغلب, وتزوّجوا من نسائهم, فإن الله قال فـي كتابه: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَتّـخِذُوا الـيَهُودَ وَالنّصَارَى أوْلِـياءَ بَعْضُهُمْ أوْلِـياءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلّهُمْ مِنْكُمْ فإنّهُ مِنْهُمْ فلو لـم يكونوا منهم إلا بـالولاية لكانوا منهم.
8896ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا ابن علـية, عن ابن أبـي عروبة, عن قتادة: أن الـحسن كان لا يرى بأسا بذبـائح نصارى بنـي تغلب, وكان يقول: انتـحلوا دينا فذاك دينهم.
وقال آخرون: إنـما عَنَى بـالذين أوتوا الكتاب فـي هذه الاَية, الذين أنزل علـيهم التوراة والإنـجيـل, من بنـي إسرائيـل وأبنائهم, فأما من كان دخيلاً فـيهم من سائر الأمـم مـمن دان بدينهم وهم من غير بنـي إسرائيـل, فلـم يُعْنَ بهذه الاَية ولـيس هو مـمن يحلّ أكل ذبـائحه لأنه لـيس مـمن أوتـى الكتاب من قَبْل الـمسلـمين. وهذا قول كان مـحمد بن إدريس الشافعيّ يقوله حدثنا بذلك عنه الربـيعّ ويتأوّل فـي ذلك قول من كره ذبـائح نصارى العرب من الصحابة والتابعين. ذكر من حرّم ذبـائح نصارى العرب:
8897ـ حدثنا يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا ابن علـية, عن أيوب, عن مـحمد, عن عبـيدة قال: قال علـيّ رضوان الله علـيه: لا تأكلوا ذبـائح نصارى بنـي تغلب, فإنهم إنـما يتـمسكون من النصرانـية بشرب الـخمر.
حدثنا يعقوب, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا هشام, عن ابن سيرين, عن عبـيدة, عن علـيّ, قال: لا تأكلوا ذبـائح نصارى بنـي تغلب, فإنهم لـم يتـمسكوا بشيء من النصرانـية إلا بشرب الـخمر.
حدثنا الـحسن بن عرفة, قال: حدثنا عبد الله بن بكر, قال: حدثنا هشام, عن مـحمد بن سيرين, عن عبـيدة, قال: سألت علـيّا عن ذبـائح نصارى العرب, فقال: لا تؤكل ذبـائحهم, فإنهم لـم يتعلقوا من دينهم إلا بشرب الـخمر.
8898ـ حدثنـي علـي بن سعيد الكندي, قال: حدثنا علـيّ بن عابس, عن عطاء بن السائب, عن أبـي البختري, قال: نهانا علـيّ عن ذبـائح نصارى العرب.
8899ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن أبـي حمزة القصاب, قال: سمعت مـحمد بن علـيّ يحدثّ عن علـيّ: أنه كان يكره ذبـائح نصارى بنـي تغلب.
8900ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن لـيث, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس, قال: لا تأكلوا ذبـائح نصارى العرب وذبـائح نصارى أرمينـية.
وهذه الأخبـار عن علـيّ رضوان الله علـيه, إنـما تدلّ علـى أنه كان ينهي عن ذبـائح نصارى بنـي تغلب من أجل أنهم لـيسوا علـى النصرانـية, لتركهم تـحلـيـل ما تـحلل النصارى وتـحريـم ما تـحرّم غير الـخمر. ومن كان منتـحلاً ملة هو غير متـمسك منها بشيء, فهو إلـى البراءة منها أقرب إلـى اللـحاق بها وبأهلها, فلذلك نهى علـيّ عن أكل ذبـائح نصارى بنـي تغلب, لا من أجل أنهم لـيسوا من بنـي إسرائيـل. فإذا كان ذلك كذلك, وكان إجماعا من الـحجة إحلال ذبـيحة كلّ نصرانـيّ ويهوديّ, إن انتـحل دين النصاري أو الـيهود, فأحلّ ما أحلوا, وحرّم ما حرّموا من بنـي إسرائيـل كان أو من غيرهم, فبّـين خطأ من قال الشافعي فـي ذلك وتأويـله الذي تأوّله فـي قوله: وَطَعامُ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ حِلّ لَكُمْ: أنه ذبـائح الذين أوتوا الكتاب التوراة والإنـجيـل من بنـي إسرائيـل, وصواب ما خالف تأويـله ذلك, وقول من قال: إن كل يهوديّ ونصرانـيّ فحلال ذبـيحته من أيّ أجناس بنـي آدم كان.
وأما الطعام الذي قال الله: وَطَعامُ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ فإنه الذبـائح. وبـمثل ما قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
8901ـ حدثنا أبو كريب وابن وكيع, قالا: حدثنا ابن إدريس, عن لـيث, عن مـجاهد: وَطَعامُ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ حِلّ لَكُمْ قال: الذبـائح.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, عن عنبسة, عن مـحمد بن عبد الرحمن, عن القاسم بن أبـي بزة, عن مـجاهد فـي قوله: وَطَعامُ الّذِينَ أُتُوا الكِتابَ حِلّ لَكُمْ قال: ذبـائحهم.
حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن لـيث, عن مـجاهد, مثله.
حدثنا الـمثنى, قال: حدثنا أبو نعيـم وقبـيصة, قالا: حدثنا سفـيان, عن لـيث, عن مـجاهد, مثله.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا إسحاق بن سلـيـمان الرازي, عن أبـي سنان, عن لـيث, عن مـجاهد, مثله.
حدثنا مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: وَطَعامُ الّذينَ أُوتُوا الكِتابَ حِلّ لَكُمْ قال: ذبـيحة أهل الكتاب.
8902ـ حدثنا يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا هشيـم, عن مغيرة, عن إبراهيـم فـي قوله: وَطَعامُ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ حِلّ لَكُمْ قال: ذبـائحهم.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان عن الـمغيرة, عن إبراهيـم, بـمثله.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن سفـيان, عن مغيرة, عن إبراهيـم, مثله.
حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا الثوري, عن مغيرة, عن إبراهيـم, مثله.
حدثنا الـمثنى, قال: حدثنا أبو نعيـم وقبـيصة, قالا: حدثنا سفـيان, عن مغيرة, عن إبراهيـم مثله.
8903ـ حدثنا الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس: وَطَعامُ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ حِلّ لَكُمْ قال: ذبـائحهم.
8904ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا الـمعلـى بن أسد, قال: حدثنا خالد, عن يونس, عن الـحسن, مثله.
8905ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَطَعامُ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ حِلّ لَكُمْ: أي ذبـائحهم.
8906ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: وَطَعامُ الّذِينَ أُوتُوا الكِتاب حِلّ لَكُمْ أما طعامهم فهو الذبـائح.
8907ـ حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: حدثنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: وَطَعامُ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ حِلّ لَكُمْ قال: أحلّ الله لنا طعامهم ونساءهم.
8908ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس أما قوله: وَطَعَامُ الّذِينَ أُوتُوا الكِتاب حِلّ لَكُمْ فإنه أحلّ لنا طعامهم ونساءهم.
8909ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: سألته يعنـي ابن يزيد عما ذُبح للكنائس وسُمي علـيها فقال: أحلّ الله لنا طعام أهل الكتاب, ولـم يستثن منه شيئا.
8910ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: ثنـي معاوية, عن أبـي الزاهرية حدير بن كريب, عن أبـي الأسود, عن عمير بن الأسود: أنه سأل أبـا الدرداء عن كبش ذبح لكنـيسة يقال لها جرجس أهدوه لها, أنأكل منه؟ فقال أبو الدرداء: اللهمّ عفوا إنهم هم أهل كتاب, طعامهم حلّ لنا وطعامنا حلّ لهم. وأمره بأكله.
وأما قوله وَطَعامُكُمْ حِلّ لَهُمْ فإنه يعنـي: ذبـائحكم أيها الـمؤمنون حلْ لأهل الكتاب.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: والـمُـحْصَناتُ مِنَ الـمُؤْمِنات والـمُـحْصَناتُ مِنَ الّذِينَ أُتُوا الكِتَابَ أُوتُوا مِنْ قَبْلِكُمْ إذا آتَـيْتُـمُوهُنّ أُجُورَهُنّ.
يعنـي جلّ ثناؤه بقوله: والـمُـحْصَنَاتُ مِنَ الـمُؤْمِناتِ أحلّ لكم أيها الـمؤمنون الـمـحصنات من الـمؤمنات وهنّ الـحرائر منهنّ أن تنكحوهنّ. والـمُـحْصَنَاتُ مِنَ الّذِين أُوتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ يعنـي: والـحرائر من الذين أعطوا الكتاب, وهم الـيهود والنصارى الذين دانوا بـما فـي التوراة والإنـجيـل من قبلكم أيها الـمؤمنون بـمـحمد صلى الله عليه وسلم من العرب وسائر الناس, أن تنكحوهنّ أيضا إذا آتَـيْتُـمُوهُنّ أجُورَهُنّ يعنـي: إذا أعطيتـم من نكحتـم من مـحصناتكم ومـحصناتهم أجورهنّ, وهي مهورهن.
واختلف أهل التأويـل فـي الـمـحصنات اللاتـي عناهنّ الله عزّ ذكره بقوله: والـمُـحْصَناتُ مِنَ الـمُؤمِناتِ والـمُـحْصَناتُ مِنَ الّذِين أُوتُوا الكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ فقال بعضهم: عنـي بذلك الـحرائر خاصة, فـاجرة كانت أو عفـيفة. وأجاز قائلوا هذه الـمقالة نكاح الـحرّة مؤمنة كانت أو كتابـية من الـيهود والنصارى من أيّ أجناس كانت, بعد أن تكونَ كتابـية فـاجرة كانت أو عفـيفة, وحرّموا إماء أهل الكتاب أن نتزوّجهنّ بكل حال لأن الله جلّ ثناؤه شرط من نكاح الإماء الإيـمان بقوله: وَمَنْ لَـمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أنْ يَنْكِحَ الـمُـحْصَناتِ الـمُؤْمِناتِ فَمِـمّا مَلَكَتْ أيـمَانُكُمْ مِنْ فَتَـياتِكُمُ الـمُؤْمِناتِ ذكر من قال ذلك:
8911ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبو داود, عن سفـيان, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: وَالـمُـحْصَنات مِنَ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ قال: من الـحرائر.
حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: والـمُـحْصَنات مِنَ الّذِينَ أُتُوا الكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ قال: من الـحرائر.
8912ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن قـيس بن مسلـم, عن طارق بن شهاب: إن رجلاً طلق امرأته وخطبت إلـيه أخته, وكانت قد أحدثت, فأتـى عمر فذكر ذلك له منها, فقال عمر: ما رأيتَ منها؟ قال: ما رأيت منها إلاّ خيرا فقال: زوّجها ولا تُـخْبر.
8913ـ حدثنا ابن أبـي الشوارب, قال: حدثنا عبد الواحد, قال: حدثنا سلـيـمان الشيبـانـيّ, قال: حدثنا عامر, قال: زَنَت امرأة من هَمْدان, قال: فجلدها مصدّق رسول الله صلى الله عليه وسلم الـحدّ, ثم تابت. فأتَوا عمر, فقالوا: نزوّجها وبئس ما كان من أمرها قال عمر: لئن بلغنـي أنكم ذكرتـم شيئا من ذلك لأعاقبنكم عقوبة شديدة.
8914ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن قـيس بن مسلـم, عن طارق بن شهاب: أن رجلاً أراد أن يزوّج أخته, فقالت: إنـي أَخْشَى أن أفضح أبـي, فقد بغيت. فأتـى عمر فقال: ألـيس قد تابت؟ قال: بلـى. قال: فزوّجها.
8915ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا أبو داود, قال: حدثنا شعبة, عن إسماعيـل بن أبـي خالد, عن الشعبـي: أن نبـيشة امرأة من همدان بغت, فأردات أن تذبح نفسها, قال: فأدركوها فداووها فبرئت, فذكروا ذلك لعمر, فقال: أنكحوها نكاح العفـيفة الـمسلـمة.
8916ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا عبد الوهاب, قال: حدثنا داود, عن عامر: أن رجلاً من أهل الـيـمن أصابت أخته فـاحشة, فأمرت الشفرة علـى أوداجها, فأدركت, فدُووي جرحها حتـى برئت. ثم إن عمها انتقل بأهله حتـى قدم الـمدينة, فقرأت القرآن ونسكت, حتـى كانت من أنسك نسائهم. فخطبت إلـى عمها, وكان يكره أن يدلّسها, ويكره أن يفشي علـى ابنة أخيه, فأتـى عمر, فذكر ذلك له, فقال عمر: لو أفشيت علـيها لعاقبتك, إذ أتاك رجل صالـح ترضاه فزوّجها إياه.
حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا عبد الأعلـى, قال: حدثنا داود, عن عامر: أن جارية بـالـيـمن يقال لها نبـيشة, أصابت فـاحشة, فذكر نـحوه.
8917ـ حدثنا تـميـم بنننن الـمنتصر, قال: أخبرنا يزيد, قال: أخبرنا إسماعيـل عن عامر, قال: أتـى رجل عمر فقال: إن ابنة لـي كانت وُئدت فـي الـجاهلـية, فـاستـخرجتها قبل أن تـموت, فأدركت الإسلام, فلـما أسلـمت أصابت حدّا من حدود الله, فعمدت إلـى الشفرة لتذبح بها نفسها, فأدركتها وقد قطعت بعض أوداجها, فداويتها حتـى برئت, ثم إنها أقبلت بتوبة حسنة, فهي تـخطب إلـيّ يا أمير الـمؤمنـين, فأُخبر من شأنها بـالذي كان؟ فقال عمر: أتـخبر بشأتها؟ تعمد إلـى ما ستره الله فتبدينه والله لئن أخبرت بشأنها أحدا من الناس, لأجعلنك نكالاً لأهل الأمصار بل أنكحها بنكاح العفـيفة الـمسلـمة.
حدثنا أحمد بن منـيع, قال: حدثنا مروان, عن إسماعيـل, عن الشعبـيّ, قال: جاء رجل إلـى عمر. فذكر نـحوه.
8918ـ حدثنا مـجاهد, قال: حدثنا يزيد, قال: أخبرنا يحيى بن سعيد, عن أبـي الزبـير: أن رجلاً خطب من رجل أخته, فأخبره أنها قد أحدثت. فبلغ ذلك عمر بن الـخطاب, فضرب الرجل, وقال: مالك والـخبر؟ أنكح واسكت
8919ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا سلـيـمان بن حرب, قال: حدثنا أبو هلال, عن قتادة, عن الـحسن, قال: قال عمر بن الـخطاب: لقد همـمت أن أدع أحدا أصاب فـاحشة فـي الإسلام أن يتزوّج مـحصنة. فقال له أبـيّ بن كعب: يا أمير الـمؤمنـين, الشرك أعظم من ذلك, وقد يقبل منه إذا تاب
وقال آخرون: إنـما عنى الله بقوله: والـمُـحْصَناتُ مِنَ الـمُؤْمِنَاتِ والـمُـحْصَناتُ مِنَ الّذِينَ أُتُوا الكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ: العفـائف من الفريقـين, إماءكنّ أو حرائر. فأجاز قائلو هذه الـمقالة نكاح إماء أهل الكتاب الدائنات دينهم بهذه الاَية, وحرّموا البغايا من الـمؤمنات وأهل الكتاب. ذكر من قال ذلك:
8920ـ حدثنا أبو كريب, قال حدثنا ابن إدريس, عن لـيث, عن مـجاهد فـي قوله: والـمُـحْصَناتُ مِنَ الّذِينَ أُتُوا الكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ قال: العفـائف.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا جرير, عن لـيث, عن مـجاهد, مثله.
8921ـ حدثنا ابن حميد, وابن وكيع, قالا: حدثنا جرير عن مطرف, عن عامر: والـمُـحْصَناتُ مِنَ الّذِينَ أوتوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ قال: إحصان الـيهودية والنصرانـية: أن لا تزنـي وأن تغتسل من الـجنابة.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا ابن فضيـل, عن مطرف, عن عامر: والـمُـحْصَناتُ مَنَ الّذِينَ أُتُوا الكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ قال: إحصان الـيهودية والنصرانـية: أن تغتسل من الـجنابة, وأن تـحصن فرجها.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, عن عنبسة, عن مطرف, عن رجل, عن الشعبـيّ فـي قوله: والـمُـحْصَناتُ مِنَ الّذِينَ أُتُوا الكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ قال: إحصان الـيهودية والنصرانـية: أن لا تزنـي, وأن تغتسل من الـجنابة.
حدثنا الـمثنى قال: حدثنا عمرو بن عون, قال: أخبرنا هشيـم, عن مطرّف, عن الشعبـي فـي قوله: والـمـحصَناتُ مِنَ الّذِينَ أُتُوا الكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ قال: إحصانها أن تغتسل من الـجنابة, وأن تـحصن فرجها من الزنا.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا معلـى بن أسد, قال: حدثنا خالد, قال: أخبرنا مطرف عن عامر, بنـحوه.
8922ـ حدثنا الـمثنى, قال: حدثنا سويد, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, قال: سمعت سفـيان يقول فـي قوله: والـمُـحْصَناتُ مِنَ الّذِينَ أُتُوا الكِتابَ قال: العفـائف.
8923ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن مفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي: والـمُـحْصَناتُ مِنَ الـمُؤْمِناتِ والـمُـحْصَناتُ مِنَ الّذِينَ أُتُوا الكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ قال: أما الـمـحصنات: فهنّ العفـائف.
8924ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا عبد الأعلـى, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: أن امرأة اتـخذت مـملوكها وقالت: تأوّلت كتاب الله: وما ملكت أيـمانكم. قال: فَأُتِـيَ بها عمر بن الـخطاب, فقال له ناس من أصحاب النبـيّ صلى الله عليه وسلم: تأوّلت آية من كتاب الله علـى غير وجهها. قال: فقرب العبد وجزّ رأسه, وقال: أنت بعده حرام علـى كلّ مسلـم.
8925ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن منصور, عن إبراهيـم: أنه قال فـي التـي تسرى قبل أن يُدخـل بها, قال: لـيس لها صداق ويفرّق بـينهما.
8926ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن إدريس, قال: حدثنا أشعث, عن الشعبـيّ فـي البكر تهجر, قال: تضرب مائة سوط, وتنفـي سنة, وتردّ علـى زوجها ما أخذت منه.
8927ـ حدثنا حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن إدريس, قال: حدثنا أشعث, عن أبـي الزبـير, عن جابر, مثل ذلك.
8928ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن إدريس, قال: أخبرنا أشعث, عن الـحسن, مثل ذلك.
8929ـ حدثنا يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا ابن علـية, عن يونس أن الـحسن كان يقول: إذا رأى الرجل من امرأته فـاحشة فـاستـيقن فإنه لا يـمسكها.
8930ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن مغيرة, عن أبـي ميسرة, قال: مـملوكات أهل الكتاب بـمنزلة حرائرهم.
ثم اختلف أهل التأويـل فـي حكم قوله عزّ ذكره: والـمُـحْصَنات مِنَ الّذِينَ أُتُوا الكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ أعامّ أم خاصّ؟ فقال بعضهم: هو عامّ فـي العفـائف منهنّ, لأن الـمـحصنات العفـائف, وللـمسلـم أن يتزوّج كلّ حرّة وأمة كتابـية حربـية كانت أو ذمية. واعتلوا فـي ذلك بظاهر قوله تعالـى: والـمُـحْصَناتُ مِنَ الّذِينَ أُتُوا الكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وأن الـمعنـيّ بهنّ العفـائف كائنة من كانت منهن. وهذا قول من قال: عنـي بـالـمـحصنات فـي هذا الـموضع: العفـائف.
وقال آخرون: بل اللواتـي عنى بقوله جلّ ثناؤه: والـمُـحْصَناتُ مِنَ الّذِينَ أُتُوا الكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ: الـحرائر منهنّ, والاَية عامة فـي جميعهنّ, فنكاح جميع الـحرائر الـيهود والنصارى جائز, حربـيات كنّ أو ذميات, من أيّ أجناس الـيهود والنصارى كنّ وهذا قول جماعة من الـمتقدمين والـمتأخرين. ذكر من قال ذلك:
8931ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا ابن أبـي عديّ, عن سعيد, عن قتادة, عن سعيد بن الـمسيب والـحسن: أنهما كانا لا يريان بأسا بنكاح نساء الـيهود والنصارى, وقالا: أحله الله علـى علـم.
وقال آخرون منهم: بل عنـي بذلك: نكاح بنـي إسرائيـل الكتابـيات منهنّ خاصة دون سائر أجناس الأمـم الذين دانوا بـالـيهودية والنصرانـية. وذلك قول الشافعي ومن قال بقوله.
وقال آخرون: بل ذلك معنىّ به نساء أهل الكتاب الذين لهم من الـمسلـمين ذمة وعهد, فأما أهل الـحرب فإن نساءهم حرام علـى الـمسلـمين. ذكر من قال ذلك:
8932ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا مـحمد بن عقبة, قال: حدثنا الفزاري, عن سفـيان بن حسين, عن الـحكم, عن مقسم, عن ابن عبـاس, قال: من نساء أهل الكتاب من يحلّ لنا, ومنهم من لا يحل لنا. ثم قرأ: قاتِلُوا الّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بـاللّهِ وَلا بـالـيَوْمِ الاَخِرِ ولا يُحَرّمُونَ ما حَرّم اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُون دِينَ الـحَقّ مِنْ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ حتّـى يُعْطُوا الـجِزْيَةَ فمن أعطي الـجزية حلّ لنا نساؤه, ومن لـم يعط الـجزية لـم يحل لنا نساؤه. قال الـحكم: فذكرت ذلك لإبراهيـم فأعجبه.
وأولـى الأقوال فـي ذلك عندنا بـالصواب قول من قال: عنـي بقوله: والـمُـحْصَناتُ مِنَ الـمُؤْمِناتِ والـمُـحْصَناتُ مِنَ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ حرائر الـمؤمنـين وأهل الكتاب, لأن الله جلّ ثناؤه لـم يأذن بنكاح الإماء الأحرار فـي الـحال التـي أبـاحهنّ لهم إلاّ أن يكنّ مؤمنات, فقال عزّ ذكره: وَمَنْ لَـمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أن يَنْكحَ الـمُـحْصَناتِ الـمُؤمِناتِ فَمِـمّا مَلَكَتْ أيـمَانُكُمْ مِنْ فَتَـياتِكُمُ الـمُؤمِناتِ فلـم يبح منهنّ إلاّ الـمؤمنات, فلو كان مرادا بقوله: والـمُـحْصَناتُ مِنَ الـمُؤْمِناتِ والـمُـحْصَناتُ مِنَ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ: العفـائف, لدخـل العفـائف من إمائهم فـي الإبـاحة, وخرج منها غير العفـائف من حرائرهم وحرائر أهل الإيـمان. وقد أحل الله لنا حرائر الـمؤمنات, وإن كنّ قد أتـين بفـاحشة بقوله: وأنْكحُوا الأيامَى مِنْكُمْ وَالصّالِـحِينَ مِنْ عِبـادِكُمْ وإمائكم, وقد دللنا علـى فساد قول من قال: لا يحلّ نكاح من أتـى الفـاحشة من نساء الـمؤمنـين وأهل الكتاب للـمؤمنـين فـي موضع غير هذا بـما أغنـي عن إعادته فـي هذا الـموضع, فنكاح حرائر الـمسلـمين وأهل الكتاب حلال للـمؤمنـين, كنّ قد أتـين بفـاحشة أو لـم يأتـين بفـاحشة, ذمية كانت أو حربـية, بعد أن تكون بـموضع لا يخاف الناكح فـيه علـى ولده أن يجبر علـى الكفر, بظاهر قول الله جلّ وعزّ: والـمُـحْصَنَاتُ مِنَ الـمُؤْمِناتِ والـمُـحْصَناتُ مِنَ الذِينَ أُوتُوا الكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ. فأما قول الذي قال: عنى بذلك نساء بنـي إسرائيـل الكتابـيات منهن خاصة, فقول لا يوجب التشاغل بـالبـيان عنه لشذوذه والـخروح عما علـيه علـماء الأمة من تـحلـيـل نساء جميع الـيهود والنصارى. وقد دللنا علـى فساد قول قائل هذه الـمقالة من جهة القـياس فـي غير هذا الـموضع بـما فـيه الكفـاية فكرهنا إعادته.
وأما قوله: إذَا آتَـيْتُـمُوهُنّ أُجُورَهُنّ فإن الأجر: العوض الذي يبذله الزوج للـمرأة للاستـمتاع بها, وهو الـمهر. كما:
8933ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس فـي قوله: آتَـيْتُـمُوهُنّ أُجُورَهُنّ يعنـي مهورهنّ.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: مُـحْصِنِـينَ غيرَ مُسافِحِينَ وَلا مُتّـخِذِي أخْدَانٍ. يعنـي بذلك جلّ ثناؤه: أحلّ لكم الـمـحصنات من الـمؤمنات,والـمـحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم, وأنتـم مـحصنون غير مسافحين ولا متـخذي أخدان. ويعنـي بقوله جلّ ثناؤه: مُـحْصِنِـين: أعفـاء غيرَ مُسافِحِينَ يعنـي: لا معالنـين بـالسفـاح بكل فـاجرة وهو الفجور وَلا مُتـخِذِي أخْدَانٍ يقول: ولا منفردين ببغية واحدة قد خادنها وخادنته واتـخذها لنفسه صديقة يفجر بها. وقد بـينا معنى الإحصان ووجوهه ومعنى السفـاح والـخدن فـي غير هذا الـموضع بـما أغنـي عن إعادته فـي هذا الـموضع وهو كما:
8934ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: مُـحْصِنِـينَ غيرَ مُسافِحِينَ يعنـي: ينكحوهن بـالـمهر والبـينة, غَيْر مُسَافِحِينَ متعالنـين بـالزنا, وَلا مُتّـخِذِي أخْدَانٍ يعنـي: يُسِرّون بـالزنا.
8935ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قال: أحلّ الله لنا مـحصنتـين: مـحصنة مؤمنة, ومـحصنة من أهل الكتاب وَلا مُتّـخِذِي أخْدَانٍ ذات الـخدن: ذات الـخـلـيـل الواحد.
8936ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا سويد, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, عن سلـيـمان بن الـمغيرة, عن الـحسن, قال: سأله رجل: أيتزوّج الرجل الـمرأة من أهل الكتاب؟ قال: ما له ولأهل الكتاب وقد أكثر الله الـمسلـمات؟ فإن كان لا بد فـاعلاً, فلـيعمد إلـيها حصانا غير مسافحة. قال الرجل: وما الـمسافحة؟ قال: هي التـي إذا لـمـح الرجل إلـيها بعينه اتبعته.
القول فـي تأويـل قوله عزّ ذكره: وَمَنْ يَكْفُرْ بـالإيـمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عمَلُهُ وَهُوَ فِـي الاَخِرَةِ مِنَ الـخاسِرِينَ.
يعنـي بقوله جلّ ثناؤه: وَمَنْ يَكْفُرْ بـالإيـمَانِ ومن يجحد ما أمر الله بـالتصديق به من توحيد الله ونبوّة مـحمد صلى الله عليه وسلم, وما جاء به من عند الله, وهو الإيـمان الذي قال الله جلّ ثناؤه: وَمَنْ يَكْفُرْ بـالإِيـمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ يقول: فقد بطل ثواب عمله الذي كان يعمله فـي الدنـيا, يرجو أن يدرك به منزلة عند الله. وَهُوَ فِـي الاَخِرَةِ مِنَ الـخاسرِينَ يقول: وهو فـي الاَخرة من الهالكين الذين غبنوا أنفسهم حظوظها من ثواب الله بكفرهم بـمـحمد وعملهم بغير طاعة الله. وقد ذكر أن قوله: وَمَنْ يَكْفُرْ بـالإيـمَانِ عُنـي به أهل الكتاب, وأنه أنزل علـى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل قوم تـحرجّوا نكاح نساء أهل الكتاب لـما قـيـل لهم: أُحِلَ لَكُمُ الطّيّبـاتُ وطَعَامُ الذّين أُوتُوا الكِتَابَ حِلٌ لَكُمْ وطَعَامُكُمْ حِلٌ لَهُمْ والـمُـحْصَنَاتُ مِنَ الـمُؤْمِنَاتِ والـمُـحصَنَاتُ مِنَ الّذين أُوتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ. ذكر من قال ذلك.
8937ـ حدثنا بشر, حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قال: ذكر بنا أن ناسا من الـمسلـمين قالوا: كيف نتزوّج نساءهم يعنـي نساء أهل الكتاب وهم علـى غير ديننا؟ فأنزل الله عزّ ذكره: وَمَنْ يَكْفُرْ بـالإيـمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِـي الاَخِرَةِ مِنَ الـخاسِرِينَ فأحلّ الله تزويجهنّ علـى علـم.
وبنـحو الذي قلنا فـي تأويـل الإيـمان قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك.
8938ـ حدثنا مـحمد ابن بشار, قال: حدثنا مؤمل, قال: حدثنا سفـيان, عن ابن جريج, عن عطاء: وَمَنْ يَكْفُرْ بـالإيـمَانِ, فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ قال: بـالإيـمان بـالله.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا يحيى بن يـمان, عن واصل, عن عطاء: وَمَنْ يَكْفُرْ بـالإيـمَانِ قال: الإيـمان: التوحيد.
8939ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن سفـيان, عن ابن جريج, عن مـجاهد: وَمَنْ يَكْفُرْ بـالإيـمَانِ قال: بـالله.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا يحيى, عن سفـيان, عن ابن جريج, عن مـجاهد, مثله.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, عن عنبسة, عن مـحمد بن عبد الرحمن, عن القاسم بن أبـي بزّة, عن مـجاهد فـي قوله: وَمَنْ يَكْفُرْ بـالإيـمَانِ, فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ قال: من يكفر بـالله.
حدثنا مـحمد, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي قوله: وَمَنْ يَكْفُرْ بـالإيـمَانِ قال: من يكفر بـالله.
حدثنا مـحمد, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي قوله: وَمَنْ يَكْفُرْ بـالإيـمَانِ قال: الكفر بـالله.
حدثنا الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
8940ـ حدثنـي حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: وَمَنْ يَكْفُرْ بـالإيـمَانِ, فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ قال: أخبر الله سبحانه أن الإيـمان هو العروة الوثقـى, وأنه لا يقبل عملاً إلاّ به, ولا يحرّم الـجنة إلاّ علـى من تركه.
فإن قال لنا قائل: وما وجّه تأويـل من وجّه قوله: وَمَنْ يَكْفُرْ بـالإيـمَانِ إلـى معنى: ومن يكفر بـالله؟ قـيـل وجه تأويـله ذلك كذلك أن الإيـمان هو التصديق بـالله وبرسله وما ابتعثهم به من دينه والكفر: جحود ذلك. قالوا: فمعنى الكفر بـالإيـمان, هو جحود الله وجحود توحيده. ففسروا معنى الكلـمة بـما أريد بها, وأعرضوا عن تفسير الكلـمة علـى حقـيقة ألفـاظها وظاهرها فـي التلاوة.
فإن قال قائل: فما تأويـلها علـى ظاهرها وحقـيقة ألفـاظها؟ قـيـل: تأويـلها: ومن يأب الإيـمان بـالله ويـمتنع من توحيده والطاعة له فـيـما أمره به ونهاه عنه, فقد حبط عمله وذلك أن الكفر هو الـجحود فـي كلام العرب, والإيـمان: التصديق والإقرار, ومن أبى التصديق بتوحيد الله والإقرار به فهو من الكافرين, فذلك تأويـل الكلام علـى وجهه
108
106
الآية : 3
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {حُرّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَآ أُهِلّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدّيَةُ وَالنّطِيحَةُ وَمَآ أَكَلَ السّبُعُ إِلاّ مَا ذَكّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُواْ بِالأزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الأِسْلاَمَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنّ اللّهَ غَفُورٌ رّحِيمٌ }..
يعنـي بذلك جلّ ثناؤه: حرّم الله علـيكم أيها الـمؤمنون الـميتة, والـميتة: كلّ ما له نَفْس سائلة من دوابّ البرّ وطيره, مـما أبـاح الله أكلها, وأهلـيها ووحشيّها, فـارقتها روحها بغير تذكية. وقد قال بعضهم: الـميتة: هو كلّ ما فـارقته الـحياة من دوابّ البرّ وطيره بغير تذكية مـما أحلّ الله أكله. وقد بـينا العلة الـموجبة صحة القول بـما قلنا فـي ذلك فـي كتابنا: كتاب «لطيف القول فـي الأحكام». وأما الدم, فإن الدم الـمسفوح دون ما كان منه غير مسفوح, لأن الله جلّ ثناؤه قال: قُلْ لا أجِدُ فـيـما أُوحِيَ إلـيّ مُـحَرّما علـى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إلاّ أنْ يَكُونَ مَيْتَةً أوْ دَما مَسْفُوحا أوْ لَـحْمَ خِنْزِيرٍ: فأما ما كان قد صار فـي معنى اللـحم كالكبد والطّحال, وما كان فـي اللـحم غير منسفح, فإن ذلك غير حرام, لإجماع الـجميع علـى ذلك.
وأما قوله: ولَـحْمُ الـخِنْزِيرِ فإنه يعنـي: وحرّم علـيكم لـحم الـخنزير, أهلـيه وبرّيه. فـالـميتة والدم مخرجهما فـي الظاهر مخرج عموم, والـمراد منهما الـخصوص وأما لـحم الـخنزير, فإن ظاهره كبـاطنه وبـاطنه كظاهره, حرام جميعه لـم يخصص منه شيء.
وأما قوله ومَا أهِلّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ فإنه يعنـي: وما ذكر علـيه غير اسم الله. وأصله من استهلال الصبـيّ وذلك إذا صاح حين يسقط من بطن أمه, ومنه إهلال الـمـحرّم بـالـحجّ إذا لَبّى به, ومنه قول ابن أحمر:
يُهلّ بـالفَرْقَدِ رُكْبـانُهاكمَا يُهِلّ الرّاكِبُ الـمُعْتَـمِرْ
وإنـما عنى بقوله: وَما أُهِلّ لغيرِ اللّهِ بِهِ: وما ذُبح للاَلهة وللأوثان يسمّى علـيه غير اسم الله. وبـالذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل, وقد ذكرنا الرواية عمن قال ذلك فـيـما مضى فكرهنا إعادته.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَالـمُنْـخَنِقَةُ.
اختلفت أهل التأويـل فـي صفة الانـخناق الذي عَنَى الله جلّ ثناؤه بقوله وَالـمُنْـخَنِقَةُ. فقال بعضهم بـما:
8733ـ حدثنا مـحمد بن الـجسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: وَالـمُنْـخَنِقَةُ قال: التـي تُدخِـل رأسَها بـين شعبتـين من شجرة, فتـختنق فتـموت.
8734ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبو خالد الأحمر, عن جويبر, عن الضحاك, فـي الـمنـخنقة, قال: التـي تـختنق فتـموت.
8735ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: حدثنا معمر, عن قتادة فـي قوله: وَالـمُنْـخَنِقَةُ التـي تـموت فـي خِنَاقها.
وقال آخرون: هي التـي تُوْثَق فـيقتلها بـالـخناق وثاقها. ذكر من قال ذلك:
8736ـ حُدثت عن الـحسن, قال: سمعا أبـا معاذ, يقول: أخبرنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: وَالـمُنْـخَنِقَةُ قال: الشاة توثق, فـيقتلها خناقها, فهي حرام.
وقال آخرون: بل هي البهيـمة من النّعمَ, كان الـمشركون يخنقونها حتـى تـموت, فحرّم الله أكلها. ذكر من قال ذلك:
8737ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس: وَالـمُنْـخَنِقَةُ: التـي تُـخنق فتـموت.
8738ـ حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: وَالـمُنْـخَنِقَةُ: كان أهل الـجاهلـية يخنقون الشاة, حتـى إذا ماتت أكلوها.
وأولـى هذه الأقوال بـالصواب, قول من قال: هي التـي تـختنق, إما فـي وِثاقها, وإما بإدخال رأسها فـي الـموضع الذي لا تقدر علـى التـخـلص منه فتـختنق حتـى تـموت.
وإنـما قلنا ذلك أولـى بـالصواب فـي تأويـل ذلك من غيره, لأن الـمنـخنقة: هي الـموصوفة بـالانـخناق دون خنق عيرها لها, ولو كان معنـيا بذلك أنها مفعول بها لقـيـل: والـمخنوقة, حتـى يكون معنى الكلام ما قالوا.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَالـمَوْقُوذَةُ:
يعنـي جلّ ثناؤه بقوله وَالـمَوْقُوذَةُ: والـميتة وقـيذا, يقال منه: وَقَذَه يَقِذُهِ وَقْذا: إذا ضربه حتـى أشرف علـى الهلاك, ومنه قول الفرزدق:
شَغّارَةً تقِذُ الفَصِيـلَ برِجْلهافَطّارَةً لِقَوَادِمِ الأبْكارِ
وبنـحو ما قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
8739ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس: وَالـمَوْقُوذَةُ قال: الـموقوذة التـي تضرب بـالـخشب حتـى يقذها فتـموت.
8740ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال حدثنا سعيد, عن قتادة: وَالـمَوْقُوذَةُ كان أهل الـجاهلـية يضربونها بـالعصا, حتـى إذا ماتت أكلوها.
حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا روح, قال: حدثنا شعبة, عن قتادة فـي قوله: وَالـمَوْقُوذَةُ قال: كانوا يضربونها حتـى يقذوها, ثم يأكلوها.
حدثنا الـحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة فـي قوله: وَالـمَوْقُوذَةُ التـي توقذَ فتـموت.
8741ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبو خالد الأحمر, عن جويبر, عن الضحاك, قال: الـمَوْقُوذَةُ: التـي تضرب حتـى تـموت.
8742ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن مفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: وَالـمَوْقُوذَةُ قال: هي التـي تضرب فتـموت.
8743ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد بن سلـمان, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: وَالـمَوْقُوذَةُ: كانت الشاة أو غيرها من الأنعام تضرب بـالـخشب لاَلهتهم حتـى يقتلوها فـيأكلوها.
حدثنا العبـاس بن الولـيد, قال: أخبرنـي عقبة بن علقمة, ثنـي إبراهيـم بن أبـي عبلة, قال: ثنء نعيـم بن سلامة, عن أبـي عبد الله الصنابحي, قال: لـيست الـموقوذة إلاّ فـي مالك, ولـيس فـي الصيد وقـيذ.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: والـمُتَرَدّيَةُ.
يعنـي بذلك جلّ ثناؤه: وحرّمت علـيكم الـميتة تردّيا من جبل, أو فـي بئر, أو غير ذلك. وتردّيها: رميُها بنفسها من مكان عالٍ مشرف إلـى سفله.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
8744ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية بن صالـح, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس: والـمُتَرَدّيَةُ قال: التـي تتردّى من الـجبل.
8745ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: والـمُتَرَدّيَةُ: كانت تتردّى فـي البئر فتـموت فـيأكلونها.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا روح, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: والـمُتَرَدّيَةُ قال: التـي تردّت فِـي البئر.
8746ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ فـي قوله: والـمُتَرَدّيَةُ قال: هي التـي تَرَدّى من الـجبل أو فـي البئر, فتـموت.
8747ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبو خالد الأحمر, عن جويبر, عن الضحاك: والـمُتَرَدّيَةُ: التـي تَرَدّى من الـجبل فتـموت.
8748ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج, قال: سمعت أبـا معاذ, يقول: حدثنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: والـمُتَرَدّيَةُ قال: التـي تـخرّ فـي ركيّ أو من رأس جبل فتـموت.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَالنّطِيحَةُ.
يعنـي بقوله النّطِيحَةُ: الشاة التـي تنطحها أخرى فتـموت من النطاح بغير تذكية, فحرم الله جلّ ثناؤه ذلك علـى الـمؤمنـين إن لـم يدركوا ذكاته قبل موته. وأصل النطيحة: الـمنطوحة, صرفت من مفعولة إلـى فعيـلة.
فإن قال قائل: وكيف أثبتت الهاء هاء التأنـيث فـيها, وأنت تعلـم أن العرب لا تكاد تثبت الهاء فـي نظائرها إذا صرفوها صرف النطيحة من مفعول إلـى فعيـل, إنـما تقول: لـحية دهين, وعين كحيـل, وكفّ خضيب, ولا يقولون كفّ خضيبة ولا عين كحيـلة؟ قـيـل: قد اختلفت أهل العربـية فـي ذلك, فقال بعض نـحويـي البصرة: أثبتت فـيها الهاء, أعنـي فـي النطيحة, لأنها جعلت كالاسم مثل الطويـلة والطريقة فكأن قائل هذا القول وجه النطيحة إلـى معنى الناطحة. فتأويـل الكلام علـى مذهبه: وحرمت علـيكم الـميتة نطاحا, كأنه عنى: وحرّمت علـيكم الناطحة التـي تـموت من نطاحها. وقال بعض نـحويـي الكوفة: إنـما تـحذف العرب الهاء من الفعيـلة الـمصروفة عن الـمفعول إذا جعلتها صفة لاسم, قد تقدّمها, فتقول: رأينا كفـا خضيبـا وعينا كحيلاً. فأما إذا حذفت الكفّ والعين والاسم الذي يكون فعيـل نعتا لها واجتزءوا بفعيـل منها, أثبتوا فـيه هاء التأنـيث, لـيعلـم بثبوتها فـيه أنها صفة للـمؤنث دون الـمذكر, فتقول: رأينا كحيـلة وخضيبة وأكيـلة السبع, قالوا: ولذلك أدخـلت الهاء فـي النطيحة, لأنها صفة الـمؤنث, ولو أسقطت منها لـم يُدْر أهي صفة مؤنث أو مذكر. وهذا القول هو أولـى القولـين فـي ذلك بـالصواب الشائع من أقوال أهل التأويـل, بأن معنى النطيحة: الـمنطوحة. ذكر من قال ذلك:
8749ـ حدثنـي الـمثنى, قال حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابـي عبـاس, قوله: وَالنّطيحَة قال: الشاة تَنْطح الشاة.
8750ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبو أحمد الزّبـيري, عن قـيس, عن أبـي إسحاق, عن أبـي ميسرة, قال: كان يقرأ: «والـمنطوحة».
8751ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبو خالد الأحمر, عن جويبر, عن الضحاك: وَالنّطِيحَةُ: الشاتان تنتطحان فتـموتان.
8752ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: وَالنّطِيحَة: هي التـي تنطحها الغنـم والبقر فتـموت. يقول: هذا حرام, لأن ناسا من العرب كانوا يأكلونه.
8753ـ حدثنا بشر, قال حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: والنّطِيحَةُ كان الكبشان ينتطحان, فـيـموت أحدهما, فـيأكلونه.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا روح, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: والنّطِيحَة الكبشان ينتطحان فـيقتل أحدهما الاَخر, فـيأكلونه.
حُدثت عن الـحسين بن الفرج, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد,, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: والنّطِيحَةُ قال: الشاة تنطح الشاة فتـموت.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَما أكَلَ السّبُعُ.
يعنـي جلّ ثناؤه بقوله: وَما أكَلَ السّبُعُ: وحرّم علـيكم ما أكل السبع غير الـمعلّـم من الصوائد. وكذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
8754ـ حدثنـي الـمثنى, قال حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس: وَما أكَلَ السّبُعُ يقول: ما أخذ السبع.
8755ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبو خالد الأحمر, عن جويبر, عن الضحاك: وَما أكَلَ السّبُعُ يقول: ما أخذ السبع.
8756ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: وَما أكَلَ السّبُعُ قال: كان أهل الـجاهلـية إذا قتل السبع شيئا من هذا أو أكل منه, أكلوا ما بقـي.
8757ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبو أحمد الزبـيري, عن قـيس, عن عطاء بن السائب, عن أبـي الربـيع, عن ابن عبـاس أنه قرأ: وأكيـلُ السّبُعِ.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: إلاّ ما ذَكّيْتُـمْ.
يعنـي جلّ ثناؤه بقوله: إلاّ ما ذَكّيْتُـمْ: إلاّ ما طهرتـموه بـالذبح الذي جعله الله طهورا.
ثم اختلفت أهل التأويـل فـيـما استثنى الله بقوله: إلاّ ما ذَكّيْتُـمْ فقال بعضهم: استثنى من جميع ما سمى الله تـحريـمه, من قوله وَما أُهِلّ لغَيْرِ اللّهِ بِهِ والـمُنْـخَنِقَةُ وَالـمَوقُوذَةُ والـمُتَرَدّيَةُ والنّطِيحَةُ وَما أكَلَ السّبُعُ. ذكر من قال ذلك:
8758ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس: إلاّ ما ذَكّيْتُـمْ يقول: ما أدركت ذكاته من هذا كله, يتـحرّك له ذنب أو تطرف له عين, فـاذبح واذكر اسم الله علـيه فهو حلال.
8759ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا ابن فضيـل, عن أشعث, عن الـحسن: حُرّمَتْ عَلَـيْكُمُ الـمَيْتَةُ والدّمُ ولَـحْمُ الـخِنْزِيرِ وَما أُهلّ لغيرِ اللّهِ بِهِ والـمُنْـخَنِقَةُ وَالـمَوقُوذَةُ والـمُتَرَدّيَةُ والنّطيحَة وَما أكَلَ السّبُعُ إلاّ ما ذَكّيْتُـمْ قال الـحسن: أيّ هذا أدركت ذكاته فذكه وكُلْ. فقلت: يا أبـا سعيد كيف أعرف؟ قال: إذا طَرَفت بعينها أو ضربت بذَنَبها.
8760ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: إلاّ ما ذَكّيْتُـمْ قال: فكلّ هذا الذي سماه الله عزّ وجلّ ههنا ما خلا لـحم الـخنزير إذا أدركت منه عينا تطرف أو ذنبـا يتـحرّك أو قائمة تركُض, فذكيتَه, فقد أحلّ الله لك ذلك.
حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة: إلاّ ما ذَكّيْتُـمْ من هذا كله, فإذا وجدتها تطرف عينها, أو تـحرك أذنها من هذا كله, فهي لك حلال.
8761ـ حدثنا حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي هشيـم وعبـاد, قالا: أخبرنا حجاج, عن حصين, عن الشعبـي, عن الـحارث, عن علـيّ, قال: إذا أدركت ذكاة الـموقوذة والـمتردية والنطيحة وهي تـحرّك يدا أو رجلاً فكُلْها.
8762ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا معمر, عن إبراهيـم, قال: إذا أكل السبع من الصيد أو الوقـيذة, أو النطيحة أو الـمتردية فأدركت ذكاته, فكُلْ.
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا مصعب بن سلام التـميـمي, قال: حدثنا جعفر بن مـحمد, عن أبـيه, عن علـيّ بن أبـي طالب, قال: إذا ركضت برجلها أو طَرَفت بعينها أو حرّكت ذنبها, فقد أجزأ.
8763ـ حدثنا ابن الـمثنى وابن بشار, قالا: حدثنا أبو عاصم, قال: أخبرنا ابن جريج, قال: أخبرنـي ابن طاوس, عن أبـيه, قال: إذا ذبحتَ فمصعتْ بذنبها أو تـحرّكت فقدحلت لك. أو قال: فحَسْبه.
8764ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا الـحجاج بن الـمنهال, قال: حدثنا حماد, عن حميد, عن الـحسن, قال: إذا كانت الـموقوذة تطرف ببصرها, أو تركض برجلها, أو تـمصع بذنبها, فـاذبح وكل.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا الـحجاج, قال: حدثنا حماد, عن قتادة, بـمثله.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا سويد, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, عن ابن جريج, عن أبـي الزبـير, أنه سمع عبـيد بن عمير, يقول: إذا طرفت بعينها, أو مصعت بذنبها, أو تـحرّكت, فقد حلت لك.
8765ـ حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد بن سلـمان, قال: سمعت الضحاك يقول: كان أهل الـجاهلـية يأكلون هذا, فحرّم الله فـي الإسلام إلا ما ذكي منه, فما أدرك فتـحرّك منه رجل أو ذنب أو طرف فذكي, فهو حلال.
8766ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: حُرّمَتْ عَلَـيْكُمُ الـمَيْتَةُ وَالدّمُ وَلـحْمُ الـخَنْزِيرِ وقوله: وَالـمُنْـخَنِقَةُ وَالـمَوْقُوذَةُ وَالـمُتَرَدّيَةُ والنّطِيحَةُ... الاَية, وَما أكَلَ السّبُعُ إلاّ ما ذكيّتْـمْ هذا كله مـحرّم, إلا ما ذكي من هذا.
فتأويـل الاَية علـى قول هؤلاء: حرّمت الـموقوذة والـمتردية إن ماتت التردّي والوقذ والنطح وفَرْس السبع, إلا أن تدركوا ذكاتها, فتدركوها قبل موتها, فتكون حنـيئذٍ حلالاً أكلها.
وقال آخرون: هو استثناء من التـحريـم, ولـيس بـاستثناء من الـمـحرّمات التـي ذكرها الله تعالـى فـي قوله: حُرّمَتْ عَلَـيْكُمُ الـمَيْتَةُ لأن الـميتة لا ذكاة لها ولا للـخنزير. قالوا: وإنـما معنى الاَية: حرّمت علـيكم الـمتـية والدم, وسائر ما سمينا مع ذلك, إلا ما ذكيّتـم مـما أحله الله لكم بـالتذكية, فإنه لكم حلال. ومـمن قال ذلك جماعة من أهل الـمدينة. ذكر بعض من قال ذلك:
8767ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال مالك: وسئل عن الشاة التـي يخرق جوفها السبع حتـى تـخرج أمعاوها, فقال مالك: لا أرى أن تذكّي ولا يؤكل أيّ شيء يذكّي منها.
8768ـ حدثنـي يونس, عن أشهب, قال: سئل مالك, عن السّبُع يعدو علـى الكبش, فـيدقّ ظهره, أترى ن يذكّي قبل أن يـموت فـيؤكل؟ إن كان بلغ السّحْر, فلا أرى أن يؤكل, وإن كان إنـما أصاب أطرافه, فلا أرى بذلك بأسا. قـيـل له: وثب علـيه فدقّ ظهره؟ قال: لا يعجبنـي أن يؤكل, هذا لا يعيش منه. قـيـل له: فـالذئب يعدو علـى الشاة فـيشقّ بطنها ولا يشقّ الأمعاء؟ قال: إذا شقّ بطنها فلا أرى أن تؤكل.
وعلـى هذا القول يجب أن يكون قوله: إلاّ ما ذَكّيْتُـمْ استثناء منقطعا, فـيكون تأويـل الاَية: حرّمت علـيكم الـميتة والدم, وسائر ما ذكرنا, ولكن ما ذكّيتـم من الـحيوانات التـي أحللتها لكم بـالتذكية حلال.
وأولـى القولـين فـي ذلك عندنا بـالصواب القول الأوّل, وهو أن قوله: إلاّ ما ذكيّتـم اسثناء من قوله: وَما أهِلّ لغيرِ الله بِهِ والـمُنْـخَنِقَةُ وَالـمَوقُوذَةُ وَالـمُترَدّيَةُ والنّطِيحَةُ وَما أكَلَ السّبُعُ لأن كلّ ذلك مستـحقّ الصفة التـي هو بها قبل حال موته, فـيقال: لـما قرّب الـمشركون لاَلهتهم فسموه لهم: هو ما أهِلّ لغيرِ اللّهِ بِهِ بـمعنى: سمى قربـانا لغير الله. وكذلك الـمنـخنقة: إذا انـخنقت, وإن لـم تـمت فهي منـخنقة, وكذلك سائر ما حرّمه الله جلّ وعزّ بعد قوله: وَما أُهِلّ لغيرِ اللّهِ بِهِ إلا بـالتذكية فإنه يوصف بـالصفة التـي هو بها قبل موته, فحرّمه الله علـى عبـاده إلا بـالتذكية الـمـحللة دون الـموت بـالسبب الذي كان به موصوفـا. فإذ كان ذلك كذلك, فتأويـل الاَية: وحرّم علـيكم ما أهل لغير الله به, والـمنـخنقة, وكذا وكذا وكذا, إلا ما ذكيّتـم من ذلك ف«ما» إذ كان ذلك تأويـله فـي موضع نصب بـالاستثناء مـما قبلها, وقد يجوز فـيه الرفع. وإذ كان الأمر علـى ما وصفنا, فكلّ ما أدركت ذكاته من طائر أو بهيـمة قبل خروج نفسه ومفـارقة روحه جسده, فحلال أكله إذا كان مـما أحله الله لعبـاده.
فإن قال لنا قائل: فإذ كان ذلك معناه عندك, فما وجه تكريره ما كرّر بقوله: وما أُهِلّ لغيرِ اللّهِ بِهِ وَالـمُنْـخَنِقَةُ والـمَوْقُوذَةُ وَالـمُرَدّيَةُ وسائر ما عدّد تـحريـمه فـي هذه الاَية, وقد افتتـح الاَية بقوله: حُرّمَتْ عَلَـيْكُمُ الـمَيْتَةُ؟ وقد علـمت أن قوله: حُرّمَتْ عَلَـيْكُمُ الـمَيْتَةُ شامل كل ميتة كان موته حتف أنفه, من علة به من غير جنابة أحد علـيه, أو كان موته من ضرب ضارب إياه, أو انـخناق منه أو انتطاح أو فرس سبع؟ وهلاّ كان قوله إن كان الأمر علـى ما وصفت فـي ذلك من أنه معنىّ بـالتـحريـم فـي كلّ ذلك الـميتة بـالانـخناق والنطاح والوقذ وأكل السبع أو غير ذلك, دون أن يكون معنـيا به تـحريـمه إذا تردّى أو انـخنق, أو فَرَسه السبع, فبلغ ذلك منه ما يعلـم أنه لا يعيش مـما أصابه منه إلا بـالـيسير من الـحياة حُرّمَتْ عَلَـيْكُمُ الـمَيْتَةُ مغنـيا من تكرير ما كرّر بقوله وَما أهِلّ لغيرِ اللّهِ بِهِ والـمُنْـخَنِقَةُ وسائر ما ذكر مع ذلك وتعداده ما عدد؟ وجه تكراره ذلك وإن كان تـحريـم ذلك إذا مات من الأسبـاب التـي هو بها موصوف, وقد تقدم بقوله حُرّمَتْ عَلَـيْكُمْ الـمَيْتَةُ أن الذين خوطبوا بهذه الاَية لا يعدّون الـميتة من الـحيوان, إلا ما مات من علة عارضة به, غير الانـخناق والتردّي والانتطاح, وفرّس السبع, علة مرض أو أذى كان بها قبل هلاكها, ولكن العلة فـي ذلك أنها لـم يذبحها من أجل ذبـيحته بـالـمعنى الذي أحلها به. كالذي:
8769ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ فـي قوله: وَالـمُنْـخَنِقَةُ والـمَوْقُوذَةُ وَالـمُتَرَدْيَةُ والنّطِيحَةُ وَما أكَلَ السّبُعُ إلاّ ما ذكّيْتُـمُ يقول: هذا حرام, لأن ناسا من العرب كانوا يأكلونه ولا يَعُدّونه ميتا, إنـما يعدّون الـميت الذي يـموت من الوجع, فحرّمه الله علـيهم, إلا ما ذكروا اسم الله علـيه وأدركوا ذكاته وفـيه الروح.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَمَا ذُبِحَ علـى النّصُبِ.
يعنـي بقوله جلّ ثناؤه: وَما ذُبِحَ علـى النّصُبِ: وحرّم علـيكم أيضا الذي ذبح علـى النصب. ف«ما» فـي قوله وَما ذُبِحَ رفع عطفـا علـى «ما» التـي فـي قوله: وَما أكَلَ السّبُعُ. والنّصُب: الأوثان من الـحجارة جماعة أنصاب كانت تـجمع فـي الـموضع من الأرض, فكان الـمشركون يقربون لها, ولـيست بأصنام. وكان ابن جريج يقول فـي صفته ما:
8770ـ حدثنا القاسم: قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, قال: قال ابن جريج: النّصُب: لـيست بأصنام, الصنـم يصوّر ويُنقس, وهذه حجارة تنصب ثلثمائة وستون حجرا, منهم من يقول: ثلثمائة منها لـخزاعة. فكانوا إذا ذبحوا, نضحوا الدم علـى ما أقبل من البـيت, وشرّحوا اللـحم وجعلوه علـى الـحجارة, فقال الـمسلـمون: يا رسول الله, كان أهل الـجاهلـية يعظمون البـيت بـالدم, فنـحن أحقّ أن نعظمه فكان النبـيّ صلى الله عليه وسلم لـم يكره ذلك, فأنزل الله: لَنْ يَنالَ اللّهَ لُـحُومُها وَلا دِماؤها. ومـما يحق قول ابن جريج فـي أن الأنصاب غير الأصنام ما:
8771ـ حدثنا به ابن وكيع, قال: حدثنا ابن عيـينة, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: وَما ذُبِحَ علـى النّصُبِ قال: حجارة كان يذبح علـيها أهل الـجاهلـية.
حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي قول الله: النّصُبُ قال: حجارة حول الكعبة, يذبح علـيها أهل الـجاهلـية, ويبدّلونها إن شاءوا بحجارة أعجب إلـيهم منها.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أب نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
8772ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: وَما ذُبِحَ علـى النّصُبِ والنصب: حجارة كان أهل الـجاهلـية يعبدونها, ويذبحون لها, فنهى الله عن ذلك.
حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة فـي قوله: وَما ذَبِحَ علـى النّصُبِ يعنـي: أنصاب الـجاهلـية.
8773ـ حدثنا الـمثنى, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس: وَما ذُبِحَ علـى النّصُبِ والنصب: أنصاب كانوا يذبحون ويهلون علـيها.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, عن عنبسة, عن مـحمد بن عبد الرحمن, عن القاسم بن أبـي بزة, عن مـجاهد, قوله: وَما ذُبِحَ علـى النّصُبِ قال: كان حول الكعبة حجارة كان يذبح علـيها أهل الـجاهلـية ويبدّلونها إذا شاءوا بحجر هو أحبّ إلـيهم منها.
8774ـ حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد, قال:سمعت الضحاك بن مزاحم يقول: الأنصاب حجارة كانوا يهلّون لها, ويذبحون علـيها.
8775ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا بن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: وَما ذُبِحَ علـى النّصُبِ قال: ما ذبح علـى النصب, وما أهل لغير الله به, وهو واحد.
القول فـي تأويـل قوله: وأنْ تَسْتَقْسمُوا بـالأزْلام.
يعنـي بقوله: وأنْ تَسْتَقْسِمُو بـالأزْلامِ: وأن تطلبوا علـم ما قسم لكم أو لـم يقسم, بـالأزلام. وهو استفعلت من القسم: قسم الرزق والـحاجات. وذلك أن أهل الـجاهلـية كان أحدهم إذا أراد سفرا أو عزوًا أو نـحو ذلك, أجال القِداح, وهي الأزلام, وكانت قداحا مكتوبـا علـى بعضها: نهانـي ربـي, وعلـى بعضها: أمرنـي ربـي, فإن خرج القِدح الذي هو مكتوب علـيه: أمرنـي ربـي, مضى لـما أراد من سفر أو غزو أو تزويج وغير ذلك وإن خرج الذي علـيه مكتوب: نهانـي ربـي, كفّ عن الـمضيّ لذلك وأمسك فقـيـل: وأنْ تَسْتَقْسِمُوا بـالأزلامِ لأنهم بفعلهم ذلك كانوا كأنهم يسألون أزلامهم أن يقسمن لهم. ومنه قول الشاعر مفتـخرا بترك الاستقسام بها:
ولَـمْ أَقْسِمْ فتَرْبُتَنـي القُسُومُ
وأما الأزلام, فإن واحدها زَلـم, ويقال زُلَـم, وهي القِداح التـي وصفنا أمرها.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
8776ـ حدثنا مـحمد بن بشار وابن وكيع, قالا: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي, عن سفـيان, عن أبـي حصين, عن سعيد بن جبـير: وأنْ تَسْتَقْسِمُوا بـالأزلام قال: القداح, كانوا إذا أرادوا أن يخرجوا فـي سفر, جعلوا قداحا للـجلوس والـخروج, فإن وقع الـخروج خرجوا, وإن وقع الـجلوس جلسوا.
8777ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن شريك, عن أبـي حصين, عن سعيد بن جبـير: وأنُ تَسْتَقْسِمُوا بـالأزلامِ قال: حصى بـيض كانوا يضربون بها.
قال أبو جعفر: قال لنا سفـيان بن وكيع: هو الشطرنـج.
8778ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا عبـاد بن راشد البزار, عن الـحسن فـي قوله: وأنْ تَسْتَقْسِمُوا بـالأزْلامِ قال: كانوا إذا أرادوا أمرا أو سفرا, يعمدون إلـى قداح ثلاثة علـى واحد منها مكتوب: أُؤمرنـي, وعلـى الاَخر: انهنـي, ويتركون الاَخر مـحللاً بـينهما لـيس علـيه شيء. ثم يجيـلونها, فإن خرج الذي علـيه «أُؤمرنـي», مضوا لأمرهم, وإن خرج الذي علـيه «انهنى» كفّوا, وإن خرج الذي لـيس علـيه شيء أعادوها.
8779ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا ابن عيـينة, ن ابن بـي نـجيح, عن مـجاهد: وأنْ تَسْتَقْسِمُوا بـالأزْلامِ حجارة كانوا يكتبون علـيها يسمونها القداح.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
8780ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا يحيى بن آدم. عن زهير, عن إبراهيـم بن مهاجر, عن مـجاهد: وأنْ تَسْتَقْسِمُوا بـالأزْلامِ قال: كِعاب فـارس التـي يَقْمُرون بها, وسهام العرب.
حدثنـي أحمد بن حازم الغفـاري, قال: حدثنا أبو نعيـم, قال: حدثنا زهير, عن إبراهيـم بن مهاجر, عن مـجاهد: وأنْ تَسْتَقْسِمُوا بـالأزْلامِ قال: سهام العرب وكعاب فـارس والروم كانوا يتقامرون بها.
8781ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة فـي قوله: وأنْ تَسْتَقْسِمُوا بـالأزْلامِ قال: كان الرجل إذا أراد أن يخرج مسافرا, كتب فـي قداح: هذا يأمرنـي بـالـمكث, وهذا يأمرنـي بـالـخروج, وجعل معها منـيحا, شيء لـم يكتب فـيه شيئا, ثم استقسم بها حين يريد أن يخرج, فإن خرج الذي يأمر بـالـمكث مكث, وإن خرج الذي يأمر بـالـخروج خرج, وإن خرج الاَخر أجالها ثانـية حتـى يخرج أحد القِدحين.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: وأنْ تَسْتَقْسِمُوا بـالأزْلامِ وكان أهل الـجاهلـية إذا أراد أحدهم خروجا, أخذ قِدْحا فقال: هذا يأمر بـالـخروج, فإن خرج فهو مصيب فـي سفره خيرا ويأخذ قدحا آخر فـيقول: هذا يأمر بـالـمكوث, فلـيس يصيب فـي سفره خيرا والـمنـيح بـينهما. فنهى الله عن ذلك, وقدّم فـيه.
8782ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: وأنْ تَسْتَقْسِمُوا بـالأزْلامِ قال: كانوا يستقسمون بها فـي الأمور.
8783ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال:قال ابن زيد: الأزْلامُ قِداح لهم كان أحدهم إذا أراد شيئا من تلك الأمور كتب فـي تلك القداح ما أراد, فـيضرب بها, فأيّ قدح خرج وإن كان أبغض تلك, ارتكبه وعمل به.
8784ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: وأنْ تَسْتَقْسِمُوا بـالأزْلامِ قال: الأزلام: قِداح كانت فـي الـجاهلـية عند الكهنة, فإذا أراد الرجل أن يسافر أو يتزوّج أو يحدِث أمرا, أتـى الكاهن, فأعطاه شيئا, فضرب له بها, فإن خرج منها شيء يعجبه أمره ففعل, وإن خرج منها شيء يكرهه نهاه فـانتهى, كما ضرب عبد الـمطلب علـى زمزم وعلـى عبد الله والإبل.
8785ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن عبد الله بن كثـير, قال: سمعنا أن أهل الـجاهلـية كانوا يضربون بـالقداح فـي الظّعن والإقامة أو الشيء يريدونه, فـيخرج سهم الظعن فـيظعنون, والإقامة فـيقـيـمون. وقال ابن إسحاق فـي الأزلام ما:
8786ـ حدثنـي به ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, قال: كانت هُبَل أعظم أصنام قريش بـمكة, وكانت علـى بئر فـي جوف الكعبة, وكانت تلك البئر هي التـي يجمع فـيها ما يُهدى للكعبة, وكانت عند هُبَل سبعة أقداح, كل قدح منها فـيه كتاب: قدح فـيه «العقل» إذا اختلفوا فـي العقل من يحمله منهم ضربوا بـالقداح السبعة (فإن خرج العقل فعل من خرج حَمْلُه) وقدح فـيه: «نَعَم» للأمر إذا أرادوا يُضرب به, فإن خرج قِدح «نَعَم» عملوا به وقدح فـيه لا, فإذا أرادوا أمرا ضربوا به فـي القداح, فإذا خرج ذلك القدح لـم يفعلوا ذلك الأمر. وقدح فـيه: «منكم». وقدح فـيه: «مُلْصق». وقدح فـيه: «من غيركم». وقدح فـيه: الـمياه, إذا أرادوا أن يحفروا للـماء ضربوا بـالقداح وفـيها ذلك القِدْح, فحيثما خرج عملوا به. وكانوا إذا أرادوا أن يجتبوا غلاما, أو أن ينكحوا مَنْكحا, أو أن يدفنوا ميتا, و يشكوّا فـي نسب واحد منهم, ذهبوا به إلـى هُبَل, وبـمائة درهم وبجُزور, فأعطوها صاحب القداح الذي يضربها, ثم قرّبوا صاحبهم الذي يريدون به ما يريدون, ثم قالوا: يا إلهنا, هذا فلان ابن فلان, قد أردنا به كذا وكذا, فأخرج الـحقّ فـيه ثم يقولون لصاحب القداح: اضرب, فـيضرب, فإن (خرج علـيه «منكم» كان وسيطا, وإن) خرج علـيه: «من غيركم», كان حلـيفـا, وإن خرج: «مُلْصَق», كان علـى منزلته منهم, لا نسب له ولا حِلف وإن خرج فـيه شيء سوى هذا مـما يعملون به «نعم» عملوا به وإن خرج: «لا», أخرّوه عامَهم ذلك, حتـى يأتوا به مرة أخرى ينتهون فـي أمورهم إلـى ذلك مـما خرجت به القِداح.
8787ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: وأنْ تَسْتَقْسِمُوا بـالأزْلامِ يعنـي: القدح, كانوا يستقسمون بها فـي الأمور.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: ذَلِكُمْ فِسْق.
يعنـي جلّ ثناؤه بقوله: ذَلِكُمْ: هذه الأمور التـي ذكرها, وذلك أكل الـميتة والدم ولـحم الـخنزير وسائر ما ذكر فـي هذه الاَية مـما حرّم أكله. والاستقسام بـالأزلام. فِسْقٌ يعنـي: خروج عن أمر الله وطاعته إلـى ما نهى عنه وزجر, وإلـى معصيته. كما:
8788ـ حدثنـي الـمثنى: قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس: ذَلِكُمْ فِسْقٌ يعنـي: من أكل من ذلك كله, فهو فسق.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: الـيَوْمَ يَئِسَ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ.
يعنـي بقوله جلّ ثناؤه: الـيَوْمَ يَئِسَ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ: الاَن انقطع طمع الأحزاب وأهل الكفر والـجحود أيها الـمؤمنون من دينكم, يقول: من دينِكم أن تتركوه, فترتدّوا عنه راجعين إلـى الشرك. كما:
8789ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, ن علـيّ, عن ابن عبـاس: قوله: الـيَوْمَ يَئِسَ الّذِينَ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ يعنـي: أن ترجعوا إلـى دينهم أبدا.
8790ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, قوله: الـيَوْمَ يَئِسَ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ قال: أظنّ يئسوا أن ترجعوا عن دينكم.
فإن قال قائل: وأيّ يوم هذا الـيوم الذي أخبر الله أن الذين كفروا يئسوا فـيه من دين الـمؤمنـين؟ قـيـل: ذُكر أن ذلك كان يوم عرفة, عام حجّ النبـيّ صلى الله عليه وسلم حجة الوداع, وذلك بعد دخول العرب فـي الإسلام. ذكر من قال ذلك:
8791ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قال مـجاهد: الـيَوْمَ يَئسَ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ الـيوم أكملت لكم دينكم هذا حين فعلت. قال ابن جريج: وقال آخرون: ذلك يوم عرفة فـي يوم جمعة لـما نظر النبـيّ صلى الله عليه وسلم, فلـم ير إلا موحّدا ولـم ير مشركا حمد الله, فنزل علـيه جبريـل علـيه السلام: الـيَوْمَ يَئِسَ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ أن يعودوا كما كانوا.
8792ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: الـيَوْمَ يَئِسَ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ قال: هذا يوم عرفة.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: فَلاَ تَـخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ.
يعنـي بذلك: فلا تـخشوا أيها الـمؤمنون هؤلاء الذين قد يئسوا من دينكم أن ترجعوا عنه من الكفـار, ولا تـخافوهم أن يظهروا علـيكم فـيقهروكم ويردّوكم عن دينكم, واخْشَوْنِ يقول: ولكن خافون إن أنتـم خالفتـم أمري واجرأتـم علـى معصيتـي وتعديتـم حدودي, أن أحلّ بكم عقابـي وأنزل بكم عذابـي. كما:
8793ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج: فَلا تَـخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ: فلا تـخشوهم أن يظهروا علـيكم.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: الـيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ.
اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك, فقال بعضهم: يعنـي جلّ ثناؤه بقوله: الـيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ: الـيوم أكملت لكم أيها الـمؤمنون فرائضي علـيكم وحدودي, وأمري إياكم ونهيـي, وحلالـي وحرمي, وتنزيـلـي من ذلك ما أنزلت منه فـي كتابـي, وتبـيانـي ما بـينت لكم منه بوحيـي علـى لسان رسولـي, والأدلة التـي نصبتها لكم علـى جميع ما بكم الـحاجة إلـيه من أمر دينكم, فأتـمـمت لكم جميع ذلك, فلا زيادة فـيه بعد هذا الـيوم. قالوا: وكان ذلك فـي يوم عرفة, عام حجّ النبـيّ صلى الله عليه وسلم حجة الوداع. وقالوا: لـم ينزل علـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم بعد هذه الاَية شيء من الفرائض ولا تـحلـيـل شيء ولا تـحريـمه, وإن النبـيّ صلى الله عليه وسلم لـم يعش بعد نزول هذه الاَية إلا إحدى وثمانـين لـيـلة. ذكر من قال ذلك:
8794ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: الـيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وهو الإسلام, قال: أخبر الله نبـيه صلى الله عليه وسلم والـمؤمنـين أنه قد أكمل لهم الإيـمان فلا يحتاجون إلـى زيادة أبدا, وقد أتـمه الله عزّ ذكره فلا ينقصه أبدا, وقد رضيه الله فلا يسخَطُه أبدا.
8795ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, قوله: الـيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ هذا نزل يوم عرفة, فلـم ينزل بعدها حلال ولا حرام, ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمات, فقالت أسماء بنت عميس: حججت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الـحجة, فبـينـما نـحن نسير إذ تـجلّـى له جبريـل صلى الله عليه وسلم علـى الراحلة, فلـم تطق الراحلة من ثقل ما علـيها من القرآن, فبركت, فأتـيته فسجيّت علـيه برداء كان علـيّ.
8796ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قال: مكث النبـيّ صلى الله عليه وسلم بعد ما نزلت هذه الاَية إحدى وثمانـين لـيـلة, قوله: الـيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ.
8797ـ حدثنا سفـيان, قال: حدثنا ابن فضيـل, عن هارون بن عنترة, عن أبـيه, قال: لـمّا نزلت: الـيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وذلك يوم الـحجّ الأكبر, بكى عمر, فقال له النبـيّ صلى الله عليه وسلم: «ما يُبْكِيكَ»؟ قال أبكانـي أنا كنا فـي زيادة من ديننا, فأما إذ كمَل فإنه لـم يكمل شيء إلا نقص, فقال: «صَدَقْتَ».
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أحمد بن بشير, عن هارون بن أبـي وكيع, عن أبـيه, فذكر نـحو ذلك.
وقال آخرون: معنى ذلك: الـيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكمْ دِينَكُمْ: حجكم, فأفردتـم بـالبلد الـحرام تـحجونه أنتـم أيها الـمؤمنون دون الـمشركين لا يخالطكم فـي حجكم مشرك. ذكر من قال ذلك:
8798ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا يحيى بن أبـي عبة, عن أبـيه, عن الـحكم: الـيَوْم أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ قال: أكمل لهم دينهم أن حجوا ولـم يحجّ معهم مشرك.
8799ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة: الـيَوْمَ أكمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ قال: أخـلص الله لهم دينهم, ونفـى الـمشركين عن البـيت.
8800ـ حدثنا أحمد بن حازم, قال: حدثنا أبو نعيـم, قال: حدثنا قـيس, عن أبـي حصين, عن سعيد بن جبـير: الـيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ قال: تـمام الـحجّ, ونفـي الـمشركين عن البـيت.
وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب أن يقال: إن الله عزّ وجلّ أخبر نبـيه صلى الله عليه وسلم والـمؤمنـين به, أنه أكمل لهم يوم أنزل هذه الاَية علـى نبـيه دينهم, بإفرادهم بـالبلد الـحرام, وإجلائه عنه الـمشركين, حتـى حجه الـمسلـمون دونهم, لا يخالطونهم الـمشركون. فأما الفرائض والأحكام, فإنه قد اختلف فـيها, هل كانت أكملت ذلك الـيوم أم لا؟ فرُوي عن ابن عبـاس والسديّ ما ذكرنا عنهما قبل. ورُوِي عن البراء بن عازب أن آخر آية نزلت من القرآن: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِـيكُمْ فـي الكَلالَةِ. ولا يدفع ذو علـم أن الوحي لـم ينقطع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلـى أن قبض, بل كان الوحي قبل وفـاته أكثر ما كان تتابعا. فإذ كان ذلك كذلك, وكان قوله: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِـيكُمْ فِـي الكَلالَةِ آخرها نزولاً وكان ذلك من الأحكام والفرائض, كان معلوما أن معنى قوله: الـيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ علـى خلاف الوجه الذي تأوّله مَن تأوّله, أعنـي: كمال العبـادات والأحكام والفرائض.
فإن قال قائل: فما جعل قول من قال: قد نزل بعد ذلك فرض أولـى من قول من قال: لـم ينزل؟ قـيـل لأن الذي قال لـم ينزل, مخبر أنه لا يعلـم نزول فرض, والنفـي لا يكون شهادة, والشهادة قول من قال: نزل, وغير جائز دفع خبر الصادق فـيـما أمكن أن يكون فـيه صادقا.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وأتْـمَـمْتُ عَلَـيْكُمْ نِعْمَتِـي.
يعنـي جلّ ثناؤه بذلك: وأتـمـمت نعمتـي أيها الـمؤمنون بإظهاركم علـى عدوّي وعدوّكم من الـمشركين, ونفـيـي إياهم عن بلادكم, وقطعي طمعهم من رجوعكم, وعودكم إلـى ما كنتـم علـيه من الشرك.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قال: كان الـمشركون والـمسلـمون يحجون جميعا, فلـما نزلت براءة, فنَنَفـي الـمشركين عن البـيت, وحجّ الـمسلـمون لا يشاركهم فـي البـيت الـحرام أحد من الـمشركين, فكأنّ ذلك من تـمام النعمة: وأتْـمَـمْتُ عَلَـيْكُمْ نِعْمَتِـي.
8801ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: الـيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وأتْـمَـمْتُ عَلَـيْكُمْ نِعْمَتِـي... الاَية, ذُكِر لنا أن هذه الاَية نزلت علـى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرفة يوم جمعة, حين نفـي الله الـمشركين عن الـمسجد الـحرام, وأخـلص للـمسلـمين حجهم.
8802ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن إدريس, قال: حدثنا داود, عن الشعبـيّ, قال: نزلت هذه الاَية بعرفـات, حيث هدم منار الـجاهلـية, واضمـحلّ الشرك, ولـم يحُجّ معهم فـي ذلك العام مشرك.
حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا عبد الأعلـى, قال: حدثنا داود, عن عامر فـي هذه الاَية: الـيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وأتْـمَـمْتُ عَلَـيْكُمْ نِعْمَتِـي قال: نزلت علـى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو واقـف بعرفـات, وقد أطاف به الناس, وتهدّمت منار الـجاهلـية ومناسكهم, واضمـحلّ الشرك, ولـم يطُف حول البـيت عُرْيان, فأنزل الله: الـيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ.
حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا ابن عُلَـية, عن داود, عن الشعي, بنـحوه.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَرَضيتُ لَكُمْ الإسْلامَ دِينا.
يعنـي بذلك جلّ ثناؤه: ورضيت لكم الاستسلام لأمري والانقـياد لطاعتـي, علـى ما شرعت لكم من حدوده وفرائضه ومعالـمه دِينا يعنـي بذلك: طاعة منكم لـي.
فإن قال قائل: أَوَ ما كان الله راضيا الإسلام لعبـاده, إلا يوم أنزل هذه الاَية؟ قـيـل: لـم يزل الله راضيا لـخـلقه الإسلام دينا, ولكنه جلّ ثناؤه لـم يزل يصرّف نبـيه مـحمدا صلى الله عليه وسلم وأصحابه فـي درجات ومراتبه درجة بعد درجة ومرتبة بعد مرتبة وحالاً بعد حال, حتـى أكمل لهم شرائعه ومعالـمه وبلغ بهم أقصى درجاته ومراتبه, ثم قال حين أنزل علـيهم هذه الاَية: وَرَضِيْتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينا بـالصفة التـي هو بها الـيوم, والـحال التـي أنتـم علـيها الـيوم منه دِينا فـالزموه ولا تفـارقوه. وكان قتادة يقول فـي ذلك ما:
8803ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قال: ذكر لنا أنه يـمثّل لأهل كل دين دينهم يوم القـيامة, فأما الإيـمان فـيبشر أصحابه وأهله, ويعدهم فـي الـخير حتـى يجيء الإسلام. فـيقول: ربّ أنت السلام وأنا الإسلام, فـيقول: إياك الـيوم أقبل, وبك الـيوم أجزي.
وأحسب أن قتادة وجّه معنى الإيـمان بهذا الـخبر إلـى معنى التصديق والإقرار بـاللسان, لأن ذلك معنى الإيـمان عند العرب, ووجه معنى الإسلام إلـى استسلام القلب وخضوعه لله بـالتوحيد, وانقـياد الـجسد له بـالطاعة فـيـما أمر ونهى, فلذلك قـيـل للإسلام: إياك الـيوم أقبل, وبك الـيوم أجزي.
ذكر من قال: نزلت هذه الاَية بعرفة فـي حجة الوداع علـى رسول الله صلى الله عليه وسلم:
8804ـ حدثنا مـحمد بن بشار وابن وكيع, قالا: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن قـيس بن مسلـم, عن طارق بن شهاب, قال: قالت الـيهود لعمر: إنكم تقرءون آية لو أنزلت فـينا لاتـخذناها عيدا. فقال عمر: إنـي لأعلـم حين أنزلت, وأين نزلت, وأين رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزلت أنزلت يوم عرفة ورسول الله صلى الله عليه وسلم واقـف بعرفة قال سفـيان: وأشكّ, كان يوم الـجمعة أم لا الـيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وأتـمَـمْتُ عَلَـيْكُمْ نَعْمَتِـي وَرَضِيْتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينا.
حدثنا أبو كريب وابن وكيع, قالا: حدثنا ابن إدريس, قال: سمعت أبـي, عن قـيس بن مسلـم, عن طارق بن شهاب, قال: قال يهودّي لعمر: لو علـمنا معشر الـيهود حين نزلت هذه الاَية: الـيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكمْ دِينَكُمْ وأتْـمَـمْتُ عَلَـيْكُمْ نِعْمَتِـي وَرَضِيْتُ لَكُمُ الإسْلام دِينا لو نعلـم ذلك الـيوم اتـخذنا ذلك الـيوم عيدا. فقال عمر: قد علـمت الـيوم الذي نزلت فـيه والساعة, وأين رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نزلت نزلت لـيـلة الـجمعة ونـحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفـات. لفظ الـحديث لأبـي كريب, وحديث ابن وكيع نـحوه.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا جعفر بن عون, عن أبـي العُمَيس, عن قـيس بن مسلـم, عن طارق, عن عمر, نـحوه.
8805ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن حماد بن سلـمة, عن عمار مولـى بنـي هاشم, قال: قرأ ابن عبـاس: الـيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وعنده رجل من أهل الكتاب, فقال: لو علـمنا أيّ يوم نزلت هذه الاَية لاتـخذناه عيدا, فقال ابن عبـاس: فإنها نزلت يوم عرفة يوم جمعة.
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا قبـيصة, قال: حدثنا حماد بن سلـمة, عن عمار: أن ابن عبـاس قرأ: الـيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وأتْـمَـمْتُ عَلَـيْكُمْ نِعْمتِـي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينا فقال يهودي: لو نزلت هذه الاَية علـينا لاتـخذنا يومها عيدا, فقال ابن عبـاس: فإنها نزلت فـي يوم عيدين اثنـين: يوم عيد, ويوم جمعة.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا الـحجاج بن الـمنهال, قال: حدثنا حماد, عن عمار بن أبـي عمار, عن ابن عبـاس نـحوه.
حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا ابن علـية, قال: حدثنا رجاء بن أبـي سلـمة, قال: أخبرنا عبـادة ابن نسيّ, قال: حدثنا أميرنا إسحاق, قال أبو جعفر إسحاق هو ابن خَرَشة عن قبـيصة قال: قال كعب: لو أن غير هذه الأمة نزلت علـيهم هذه الاَية لنظروا الـيوم الذي أنزلت فـيه علـيهم فـاتـخذوه عيدا يجتـمعون فـيه, فقال عمر: أيّ آية يا كعب؟ فقال: الـيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ فقال عمر: قد علـمت الـيوم الذي أنزلت فـيه, والـمكان الذي أنزلت فـيه, يوم جمعة, ويوم عرفة, وكلاهما بحمد الله لنا عيد.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, عن عنبسة, عن عيسى بن حارثة الأنصاريّ, قال: كنا جلوسا فـي الديوان, فقال لنا نصرانـي: يا أهل الإسلام: لقد نزلت علـيكم آية لو نزلت علـينا لاتـخذنا ذلك الـيوم وتلك الساعة عيدا ما بقـي منا اثنان: «الـيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ». فلـم يجبه أحد منا, فلقـيت مـحمد ابن كعب القرظيّ, فسألته عن ذلك, فقال: ألا رددتـم علـيه؟ فقال: قال عمر بن الـخطاب:أنزلت علـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم وهو واقـف علـى الـجبل يوم عرفة, فلا يزال ذلك الـيوم عيدا للـمسلـمين ما بقـي منهم أحد.
8806ـ حدثنا حميد بن مسعدة, قال: حدثنا بشر بن الـمفضل, قال حدثنا داود, عن عامر, قال: أنزلت علـى رسول الله صلى الله عليه وسلم: الـيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وأتْـمَـمْتُ عَلَـيْكُمْ نِعْمَتِـي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإسْلامَ دِينا عشية عرفة وهو فـي الـموقـف.
8807ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا عبد الوهاب, قال: حدثنا داود, قال: قلت لعامر: إن الـيهود تقول: كيف لـم تـحفظ العرب هذا الـيوم الذي أكمل الله لها دينها فـيه؟ فقال عامر: أو ما حفظته؟ قلت له: فأيّ يوم؟ قال: يوم عرفة, أنزل الله فـي يوم عرفة.
8808ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة, قال: بلغنا أنها نزلت يوم عرفة, ووافق يوم الـجمعة.
8809ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن حبـيب, عن ابن أبـي نـجيح, عن عكرمة: أن عمر بن الـخطاب, قال: نزلت سورة الـمائدة يوم عرفة, ووافق يوم الـجمعة.
8810ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا ابن عيـينة, عن لـيث, عن شهر ابن حوشب, قال: نزلت سورة الـمائدة علـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم وهو واقـف بعرفة علـى راحلته, فَتَنَوّخَتْ لأن يُدق ذراعها.
8811ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن لـيث, عن شهر بن حوشب, عن أسماء بنت يزيد, قالت: نزلت سورة الـمائدة جميعا وأنا آخذة بزمام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم العضبـاء قالت: فكادت من ثقلها أن يدقّ عضُدُ الناقة.
8812ـ حدثنـي أبو عامر إسماعيـل بن عمرو السّكونـي, قال: حدثنا هشام بن عمار, قال: حدثنا ابن عياش, قال: حدثنا عمرو بن قـيس السكونـي أنه سمعت معاوية بن أبـي سفـيان علـى الـمنبر ينتزع بهذه الاَية: الـيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ حتـى ختـمها, فقال: نزلت فـي يوم عرفة, فـي يوم جمعة.
وقال آخرون: بل نزلت هذه الاَية, أعنـي قوله: الـيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ يوم الاثنـين, وقالوا: أنزلت سورة الـمائدة بـالـمدينة. ذكر من قال ذلك:
8813ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: أخبرنا مـحمد بن حرب, قال: حدثنا ابن لهيعة, عن خالد بن أبـي عمران, عن حَنَش, عن ابن عبـاس: ولد نبـيكم صلى الله عليه وسلم يوم الاثنـين, وخرج من مكة يوم الاثنـين, ودخـل الـمدينة يوم الاثنـين, وأنزلت سورة الـمائدة يوم الاثنـين الـيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ورفع الذكر يوم الاثنـين.
8814ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا الـحجاج بن الـمنهال, قال: حدثنا همام, عن قتادة, قال: الـمائدة مدنـية.
وقال آخرون: نزلت علـى رسول الله صلى الله عليه وسلم فـي مسيره فـي حجة الوداع. ذكر من قال ذلك:
8815ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله بن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع بن أنس, قال: نزلت سورة الـمائدة علـى رسول الله صلى الله عليه وسلم فـي الـمسير فـي حجة الوداع, وهو راكب راحلته, فبركت به راحلته من ثقلها.
وقال آخرون: لـيس ذلك بـيوم معلوم عند الناس, وإنـما معناه الـيوم الذي أعلـمه أنا دون خـلقـي, أكملت لكم دينكم. ذكر من قال ذلك:
8816ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس: الـيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ يقول: لـيس بـيوم معلوم يعلـمه الناس.
وأولـى الأقوال فـي وقت نزول الاَية, القول الذي رُوي عن عمر بن الـخطاب أنها نزلت يوم عرفة يوم جمعة, لصحة سنده ووَهْي أسانـيد غيره.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: فَمَنِ اضْطُرّ فِـي مَخْمَصَةٍ.
يعنـي تعالـى ذكره بقول: فَمَنِ اضْطُرّ: فمن أصابه ضرّ فـي مخمصة, يعنـي فـي مـجاعة, وهي مفعلة مثل الـمَـجْبنة والـمَبْخـلة والـمَنْـجبة, من خَمَصِ البَطْنِ, وهو اضطماره, وأظنه هو فـي هذا الـموضع معنـيّ به اضطماره من الـجوع وشدة السغب, وقد يكون فـي غير هذا الـموضع اضطمارا من غير الـجوع والسغب, ولكن من خِـلْقة, كما قال نابغة بنـي ذبـيان فـي صفة امرأة بخَمَصِ البطن:
والبَطْنُ ذو عُكَنٍ خَميصٌ لَـيّنٌوالنّـحرُ تَنْفُجُه بثَدْيٍ مُقْعَدِ
فمعلوم أنه لـم يرد صفتها بقوله خميص بـالهزال الضرّ من الـجوع, ولكنه أراد وصفها بلطافة طيّ ما علـى الأوراكَ والأفخاذ من جسدها, لأن ذلك مـما يحمد من النساء. ولكن الذي فـي معنى الوصف بـالاضطمار والهزال من الضرّ, من ذلك, قول أعشى بن ثعلبة.
تَبـيتُونَ فِـي الـمَشْيَتـى مِلاءً بطونُكُمْوجارَاتُكمْ غَرْثَـي يَبِتْنَ خَمائِصَا
يعنـي بذلك: يبتن مضطمرات البطون من الـجوع والسّغَب والضرّ, فمن هذا الـمعنى قوله: فـي مخمصة. وكان بعض نـحويـي البصرة يقول: الـمخمصة: الـمصدر من خَمَصَهُ الـجوع. وكان غيره من أهل العربـية يري أنها اسم للـمصدر ولـيست بـمصدر ولذلك تقع الـمفعلة اسما فـي الـمصادر للتأنـيث والتذكير.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
8817ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس: فَمَنِ اضْطُرّ فِـي مَخْمَصَةٍ يعنـي فـي مـجاعة.
8818ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: فَمَنِ اضْطُرّ فِـي مَخْمَصَةٍ أي فـي مـجاعة.
حدثنا الـحسن بن يحيى, (قال: أخبرنا عبد الرزاق) قال: أخبرنا معمر, عن قتادة, مثله.
8819ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: فَمَنه اضْطُرّ فِـي مَخْمَصَةٍ قال: ذكر الـميتة وما فـيها وأحلها فـي الاضطرار. فِـي مَخْمَصَةٍ يقول: فـي مـجاعة.
8820ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: سمعت ابن زيد يقول فـي قوله: فَمَنِ اضْطُرّ فِـي مَخْمَصَةٍ قال: الـمخمصة: الـجوع.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: غيرَ مُتَـجانِفٍ لإِثْمٍ.
يعنـي بذلك جلّ ثناؤه: فَمَنه اضْطُرّ فِـي مَخْمَصَةٍ إلـى أكل ما حرمت علـيه منكم أيها الـمؤمنون من الـميتة والدم ولـحم الـخنزير وسائر ما حرّمت علـيه بهذه الاَية. غيرَ متَـجانِفٍ لإِثْمٍ يقول: لا متـجانفـا لإثم, فلذلك نصب «غيرَ» لـخروجها من الاسم الذي فـي قوله: فَمَنِ اضْطُرّ وبـمعنى لا, فنصب بـالـمعنى الذي كان به منصوبـا الـمتـجانف لو جاء الكلام: لا متـجانفـا. وأما الـمتـجانف للإثم, فإنه الـمتـمايـل له, الـمنـحرف إلـيه, وهو فـي هذا الـموضع مراد به الـمتعَمّدله القاصد إلـيه, من جَنَف القوم علـيّ إذا مالوا, وكلّ أعوج فهو أّنف عند العرب وقد بـينا معنى الـجنف بشواهده فـي قوله: فَمَنْ خافَ منْ مُوصٍ جَنَفـا بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع. وأما تـجانف آكل الـميتة فـي أكلها وفـي غيرها مـما حرّم الله أكله علـى الـمؤمنـين بهذه الاَية للإثم فـي حال أكله, فهو تعمّده الأكل لغير دفع الضرورة النازلة به, ولكن لـمعصية الله وخلاف أمره فـيـما أمره به من ترك أكل ذلك.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
8821ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: فَمَنِ اضْطُر فِـي مَخْمَصَةٍ غيرَ مُتَـجانِفٍ لإثْمٍ يعنـي: إلـى ما حُرّم مـما سمى فـي صدر هذه الاَية: غيرَ مُتـجانِفٍ لإِثْمٍ يقول: غير متعمّد لإثم.
8822ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: غيرَ مُتَـجانِفٍ لإِثْمٍ: غير متعمد لإثم, قال: إلـى حِرْم الله ما حَرّم, رخص للـمضطّر إذا كان غير متعمد لإثم أن يأكله من جهد فمن بغى أو عدا أو خرج فـي معصية الله, فإنه مـحرّم علـيه أن يأكله.
8823ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: غيرَ مُتَـجانِفٍ لإِثْمٍ: أي غير معترّض لـمعصية.
حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة: غيرَ مُتَـجانِفٍ لإِثْمٍ: غير متعمد لإثم, غير متعرّض.
8824ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: غيرَ مُتَـجانِفٍ لإِثْمٍ يقول: غير متعرّض لإثم: أي يبتغي فـيه شهوة, أو يعتدي فـي أكله.
8825ـ حدثنا يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: غيرَ مُتَـجانِفٍ لإِثْمٍ: لا يأكل ذلك ابتغاء الإثم, ولا جراءة علـيه.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: فإنّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيـمٌ.
وفـي هذا الكلام متروك اكتفـي بدلالة ما ذكر علـيه منه, وذلك أن معنى الكلام: فمن اضطرّ فـي مخصمة إلـى ما حرّمت علـيه مـما ذكرت فـي هذه الاَية, غيرَ مُتَـجانِفٍ لإِثْمٍ فأكله, فإن الله غَفُور رَحِيـمٌ, فترك ذكر: «فأكله». وذكر: «له», لدلالة سائر ما ذكر من الكلام علـيهما.
وأما قوله: فإنّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيـمٌ فإن معناه: فإن الله لـمن أكل ما حرّمت علـيه بهذه الاَية أكله فـي مخمصة, غير متـجانف لإثم, غفور رحيـم, يقول: يستر له عن أكله ما أكل من ذلك بعفوه عن مؤاخذته إياه, وصفحه عنه, وعن عقوبته علـيه رَحِيـمٌ يقول: وهو به رفـيق, من رحمته ورفقه به, أبـاح له أكل ما أبـاح له أكله من الـميتة وسائر ما ذكر معها فـي هذه الاَية, فـي حال خوفه علـى نفسه, من كَلَب الـجوع وضُرّ الـحاجة العارضة ببدنه.
فإن قال قائل: وما الأكل وعد الله الـمضطرّ إلـى الـميتة وسائر الـمـحرّمات معها بهذه الاَية غفرانَه إذا أكل منها؟ قـيـل: ما:
8826ـ حدثنـي عبد الأعلـى بن واصل الأسديّ, قال: حدثنا مـحمد بن القاسم الأسديّ, عن الأوزاعي, عن حسان بن عطية, عن أبـي واقد اللـيثـي, قال: قلنا يا رسول الله إنا بأرض تصيبنا فـيها مخمصة, فما يصلـح لنا من الـميتة؟ قال: «إذا لَـمْ تَصْطَبِحُوا, أوْ تَغْتَبِقُوا, أوْ تَـحْتَفِئُوا بَقْلاً, فَشأنْكُمْ بِها».
8827ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا هشيـم, عن الـخصيب بن زيد التـميـم, قال: حدثنا الـحسن: أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال: إلـى متـى يحلّ لـي الـحرام؟ قال: فقال: «إلـى أنْ يُرْوَى أهْلُكَ مِنَ اللّبَنِ, أوْ تَـجِيءَ مِيرَتُهُمْ».
8828ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا خصيب بن زيد التـميـميّ, قال: حدثنا الـحسن: أن رجلاً سأل النبـيّ صلى الله عليه وسلم, فذكر مثله, إلا أنه قال: «أوْ تَـحيْا مِيرَتُهُمْ».
8829ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, قال: ثنـي عمر بن عبد الله بن عروة عن جده عروة بن الزبـير, عمن حدثه: أن رجلاً من الأعراب أتـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم يستفتـيه فـي الذي حرم الله علـيه والذي أحلّ له, فقال له النبـيّ صلى الله عليه وسلم: «يَحِلّ لَكَ الطّيّبـاتُ, وَيحْرُمُ عَلَـيْكَ الـخَبـائِثُ, إلاّ أنْ تَفْتَقِرَ إلـى طَعامٍ لَكَ فَتأكُلَ مِنْهُ حتـى تَسْتَغْنِـيَ عَنْهُ», فقال الرجل: وما فقري الذي يُحِلّ لِـي, وما غناي الذي يغنـينـي عن ذلك؟ فقال النبـيّ صلى الله عليه وسلم: «إذَا كُنْتَ تَرْجو نِتاجا فَتَبَلّغَ بلُـحُوم ماشِيَتِكَ إلـى نِتاجِكَ, أوْ كُنْتَ تَرْجُو غِنًى تَطْلُبُهُ فَتَبَلّغ مِنْ ذَلِكَ شَيْئا, فأطْعِمْ أهْلَكَ مَا بَدَا لَكَ حتـى تَسْتَغْنِـيَ عَنْهُ» فقال الأَعرابـيّ: ما غناي الذي أدعه إذا وجدته؟ فقال النبـيّ صلى الله عليه وسلم: «إذَا أرْوَيْتَ أهْلَكَ غَبُوقا مِنَ اللّـيْـلِ فـاجْتَنِبْ ما حَرّمَ اللّهُ عَلَـيْكَ مِنْ طَعامِ مالِكَ, فإنّه ميْسُورٌ كُلّهُ, لَـيْسَ فِـيهِ حَرامٌ».
8830ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا ابن علـية, عن ابن عون, قال: وجدت عند الـحسن كتاب سَمُرة, فقرأته علـيه, وكان فـيه: ويجزي من الاضطرار غَبوق أو صَبوح.
حدثنا هناد وأبو هشام الرفـاعيّ, قالا: حدثنا يحيى بن أبـي زائدة, عن ابن عون, قال: قرأت فـي كتاب سَمُرة بن جُنْدَب: يكفـي من الاضطرار أو من الضرورة غَبوق أو صَبوح.
8831ـ حدثنـي علـي بن سعيد الكندي وأبو كريب, قالا: حدثنا عبد الله بن إدريس, عن هشام بن حسان, عن الـحسن, قال: إذا اضطْر الرجل إلـى الـميتة أكل منها قوته يعنـي: مُسْكَته.
حدثنا هناد بن السريّ, قال: حدثنا ابن مبـارك, عن الأوزاعي, عن حسان بن عطية, قال: قال رجل: يا رسول الله إنا بأرض مخمصة, فما يحِل لنا من الـميتة؟ ومتـى تـحلّ لنا الـميتة؟ قال: «إذَا لَـمْ تَصْطَبِحُوا أوْ تَغْتَبِقُوا ولَـمْ تَـحْتَفِئُوا بَقْلاً فَشأْنُكمْ بِها».
حدثنا هناد بن السريّ, قال: حدثنا عيسى بن يونس, عن الأوزاعي, عن حسان بن عطية, عن رجل قد سمي لنا, أن رجلاً للنبـيّ صلى الله عليه وسلم: إنا نكون بأرض مخمصة, فمتـى تـحلّ لنا الـميتة؟ قال: «إذَا لَـمْ تَغْتَبِقُوا ولَـمْ تَصْطَبِحُوا ولَـمْ تَـحْتَفِئُوا بَقْلاً فَشأنُكُمْ بِها».
قال أبو جعفر: يروى هذا علـى أربعة أوجه: «تـحتفئوا» بـالهمزة, «وتـحتفـيوا» بتـخفـيف الـياء والـحاء, و«تـحتفّوا» بتشديد الفـاء, و«تَـجْتَفوا» بـالـحاء والتـخفـيف, ويحتـمل الهمز.
الآية : 4
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَآ أُحِلّ لَهُمْ قُلْ أُحِلّ لَكُمُ الطّيّبَاتُ وَمَا عَلّمْتُمْ مّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلّبِينَ تُعَلّمُونَهُنّ مِمّا عَلّمَكُمُ اللّهُ فَكُلُواْ مِمّآ أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُواْ اسْمَ اللّهِ عَلَيْهِ وَاتّقُواْ اللّهَ إِنّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ }..
يعنـي بذلك جلّ ثناؤه: يسألك يا مـحمد أصحابك ما الذي أُحلّ لهم أكله من الـمطاعم والـمآكل, فقل لهم: أحلّ منها الطيبـات, وهي الـحلال الذي أذن لكم ربكم فـي أكله من الذبـائح, وأحلّ لكم أيضا مع ذلك صيد ما علـمتـم من الـجوارح, وهن الكواسب من سبـاع البهائم والطير, سميت جوارح لـجرحها لأربـابها وكسبها إياهم أقواتهم من الصيد, يقال منه: جرح فلان لأهله خيرا: إذا أكسبهم خيرا, وفلان جارحة أهله: يعنـي بذلك: كاسبهم, ولا جارحة لفلانة إذا لـم يكن لها كاسب, ومنه قول أعشى بنـي ثعلبة:
ذَاتَ خَدّ مُنْضِجٍ مِيسَمُهُيُذْكِرُ الـجارحَ ما كانَ اجْتَرَحْ
يعنـي: اكتسب. وترك من قوله: وَما عَلّـمْتُـمْ: «وصيد» ما علـمتـم من الـجوارح اكتفـاء بدلالة ما ذكر من الكلام علـى ما ترك ذكره. وذلك أن القوم فـيـما بلغنا كانوا سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أمرهم بقتل الكلاب عما يحلّ لهم اتـخاذه منها وصيده, فأنزل الله عزّ ذكره فـيـما سألوا عنه من ذلك هذه الاَية فـاستثنى مـما كان حرم اتـخاذه منها, وأمر بقُنـية كلاب الصيد وكلاب الـماشية وكلاب الـحرث, وأذن لهم بـاتـخاذ ذلك. ذكر الـخير بذلك:
8832ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا زيد بن حبـاب العكلـي, قال: حدثنا موسى بن عبـيدة, قال: أخبرنا صالـح عن القعقاع بن حكيـم, عن سلـمى أم رافع, عن أبـي رافع, قال: جاء جبريـل إلـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم يستأذن علـيه, فأذن له, فقال: «قد أذنّا لَكَ يا رَسُولَ اللّه», قال: أجل, ولكنا لا ندخـل بـيتا فـيه كلب. قال أبو رافع: فأمرنـي أن أقتل كل كلب بـالـمدينة, فقتلت حتـى انتهيت إلـى امرأة عندها كلب ينبح علـيها, فتركته رحمة لها, ثم جئت إلـى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فأخبرته, فأمرنـي, فرجعت إلـى الكلب فقتلته, فجاءوا فقالوا: يا رسول الله, ما يحلّ لنا من هذه الأمة التـي أمرتَ بقتلها؟ قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم, فأنزل الله: يَسْئَلُونَكَ ماذَا أُحِلّ لَهُمْ قُلْ أُحِلّ لَكُمُ الطّيّبَـاتُ وَما عَلّـمْتُـمْ مِنَ الـجَوَارِحِ مُكَلّبِـينَ.
8833ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن عكرمة: أن النبـيّ صلى الله عليه وسلم بعث أبـا رافع فـي قتل الكلاب, فقتل حتـى بلغ العوالـي, فدخـل عاصم بن عديّ وسعد بن خيثمة وعويـم بن ساعدة, فقالوا: ماذا أُحلّ لنا يا رسول الله؟ فنزلت: يَسْئَلُونَكَ ماذَا أُحِلّ لَهُمْ قُلْ أُحِلّ لَكُمُ الطّيّبـاتُ وَما عَلّـمْتُـمْ مِنَ الـجَوَارِحِ مكَلّبِـينَ.
8834ـ حدثنـي الـمثنى, حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله بن الزبـير, قال: حدثونا عن مـحمد بن كعب القرظيّ, قال: لـما أمر النبـيّ صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب, قالوا: يا رسول الله, فماذا يحلّ لنا من هذه الأمة؟ فنزلت: يَسْئَلُونَكَ ماذَا أُحِلّ لَهُمْ... الاَية.
ثم اختلف أهل التأويـل فـي الـجوارح التـي عنى الله بقوله: وَما عَلّـمْتُـمْ مِنَ الـجَوَارِحِ فقال بعضهم هو كلّ ما علّـم الصيد فتعلـمه من بهيـمة أو طائر. ذكر من قال ذلك:
8835ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا ابن الـمبـارك, عن إسماعيـل بن مسلـم, عن الـحسن فـي قوله: وَما عَلّـمْتُـمْ مِنَ الـجَوَارِحِ مُكَلّبِـينَ قال: كل ما عُلّـم فصاد: من كلب, أو صقر, أو فَهِد, أو غيره.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا ابن فضيـل, عن إسماعيـل بن مسلـم, عن الـحسن: مُكَلّبِـينَ قال: كلّ ما علـم فصاد من كلب أو فهد أو غيره.
8836ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا ابن الـمبـارك, عن معمر, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي صيد الفهد, قال: هو من الـجوارح.
8837ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, عن عنبسة, عن مـحمد بن عبد الرحمن, عن القاسم بن أبـي بزّة, عن مـجاهد فـي قوله: وَما عَلّـمْتُـمْ مِنَ الـجَوَارِحِ مُكَلّبِـينَ قال: الطير, والكلاب.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبو خالد الأحمر, عن الـحجاج, عن عطاء, عن القاسم بن أبـي بزّة, عن مـجاهد, مثله.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا ابن عيـينة, عن حميد, عن مـجاهد: مُكَلّبِـينَ قال: من الكلاب والطير.
حدثنا مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي قول الله: مِنَ الـجَوَارِحِ مُكَلّبِـينَ قال: من الطير والكلاب.
حدثنا الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
8838ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا ابن علـية, قال: حدثنا شعبة (ح) وثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن شعبة, عن الهيثم, عن طلـحة بن مصرف, قال: خيثمة بن عبد الرحمن: هذا ما قد بـينت لك أن الصقر والبـازي من الـجوارح.
حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, قال: سمعت الهيثم يحدّث عن طلـحة الإيامي, عن خيثمة, قال: أنبئت أن الصقر, والبـاز, والكلب: من الـجوارح.
8839ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا عبد الله بن عمر, عن نافع, عن علـيّ بن حسين, قال: البـاز الصقر من الـجوارح.
8840ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا يحيى بن يـمان, عن شريك, عن جابر, عن أبـي جعفر, قال: البـاز والصقر من الـجوراح الـمكلّبـين.
8841ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: وَما عَلّـمْتُـمْ مِنَ الـجَوَارِحِ مُكَلّبِـينَ يعنـي بـالـجوارح: الكلاب الضواري والفهود والصقور وأشبـاهها.
8842ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن ابن طاوس, عن أبـيه: وَما عَلّـمْتُـمْ مِنَ الـجَوَارِح مُكَلّبِـينَ قال: من الكلاب وغيرها, من الصقور والبِـيزان وأشبـاه ذلك مـما يعلّـم.
حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: وَما عَلّـمْتُـمْ مِنَ الـجَوَارِحِ مُكَلّبِـينَ الـجوارح: الكلاب والصقور الـمعلـمة.
8843ـ حدثنـي سعيد بن الربـيع الرازي, قال: حدثنا سفـيان, عن عمرو بن دينار سمع عبـيد بن عمير يقول فـي قوله: مِنَ الـجَوَارِحِ مُكَلّبِـينَ قال: الكلاب والطير.
وقال آخرون: إنـما عنى الله جلّ ثناؤه بقوله: وَما عَلّـمْتُـمْ مِنَ الـجَوَارِحِ مُكَلّبِـينَ الكلاب دون غيرها من السبـاع. ذكر من قال ذلك:
8844ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا أبو تـميـلة, قال: حدثنا عبـيد, عن الضحاك: وَما عَلّـمْتُـمْ مِنَ الـجَوَارِحِ مُكَلّبِـينَ قال: هي الكلاب.
8845ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن مفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, قوله: وَما عَلّـمْتُـمْ مِنَ الـجَوَارِحِ مُكَلّبِـينَ يقول: أحلّ لكم صيد الكلاب التـي علـمتـموهن.
8846ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا ابن أبـي زائدة, قال: أخبرنا ابن جريج, عن نافع, عن ابن عمر, قال: أما ما صاد من الطير والبُزاة من الطير, فما أدركت فهو لك, وإلا فلا تطعَمه.
وأولـى القولـين بتأويـل الاَية, قول من قال: كلّ ما صاد من الطير والسبـاع فمن الـجوارح, وإن صيد جميع ذلك حلال إذا صاد بعد التعلـيـم, لأن الله جلّ ثناؤه عمّ بقوله: وَما عَلّـمْتُـمْ مِنَ الـجَوَارِحِ مُكَلّبِـينَ: كلّ جارحة, ولـم يخصص منها شيئا, فكل جارحة كانت بـالصفة التـي وصف الله من كل طائر وسبع فحلال أكل صيدها. وقد روِيَ عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم, بنـحو ما قلنا فـي ذلك خبر, مع ما فـي الاَية من الدلالة التـي ذكرنا علـى صحة ما قلنا فـي ذلك, وهو ما:
8847ـ حدثنا به هناد, قال: حدثنا عيسى بن يونس, عن مـجالد, عن الشعبـيّ عن عديّ بن حاتـم, قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيد البـازيّ, فـاقل: «ما أَمْسَكَ عَلَـيْكَ فَكُلْ».
فأبـاح صلى الله عليه وسلم صيد البـازي وجعله من الـجوارح, ففـي ذلك دلالة بـينة علـى فساد قول من قال: عنى الله بقوله: وَما عَلّـمْتُـمْ مِنَ الـجَوَارِحِ: ما علـمنا من الكلاب خاصة دون غيرها من سائر الـجوارح.
فإن ظنّ ظانّ أن فـي قوله مُكَلّبِـينَ دلالة علـى أن الـجوارح التـي ذكرت فـي قوله: وَما عَلّـمْتُـمْ مِنَ الـجَوَارِحِ: هي الكلاب خاصة, فقد ظنّ غير الصواب, وذلك أن معنى الاَية: قل أحلّ لكم أيها الناس فـي حال مصيركم أصحاب كلاب الطيبـات وصيد ما علّـمتـموه الصيد من كواسب السبـاع والطير. فقوله: مُكَلّبِـينَ صفة للقانص, وإن صاد بغير الكلاب فـي بعض أحيانه, وهو نظير قول القائل يخاطب قوما: أحلّ لكم الطيبـات, وما علـمتـم من الـجوارح مكلبـين مؤمنـين فمعلوم أنه إنـما عنى قائل ذلك إخبـار القوم أن الله جلّ ذكره أحلّ لهم فـي حال كونهم أهل إيـمان الطيبـات, وصيد الـجوارح التـي أعلـمهم أنه لا يحلّ لهم منه إلا ما صادوه بها, فكذلك قوله: أُحِلّ لَكُمُ الطّيّبـاتُ وَما عَلّـمْتُـمْ مِنَ الـجَوَارِحِ مكَلّبِـينَ لذلك نظيره فـي أن التكلـيب للقانص بـالكلاب كان صيده أو بغيرها, لا أنه إعلام من الله عزّ ذكره أنه لا يحلّ من الصيد إلا ما صادته الكلاب.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: تُعَلّـمُونَهُنّ مِـمّا عَلّـمَكُمُ اللّهُ.
يعنـي جلّ ثناؤه بقوله: تُعَلّـمُونَهُنّ: تؤدّبون الـجوارح, فتعلـمونهنّ طلب الصيد لكم مـما علـمكم الله, يعنـي بذلك: من التأديب الذي أدبكم الله والعلـم الذي علـمكم.
وقد قال بعض أهل التأويـل: معنى قوله: مِـمّا عَلّـمَكُمُ اللّهُ: كما علـمكم الله. ذكر من قال ذلك:
8848ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: تُعَلّـمُونَهُنّ مِـمّا عَلّـمَكُمُ اللّهُ يقول: تعلـمونهنّ من الطلب كما علـمكم الله.
ولسنا نعرف فـي كلام العرب «من» بـمعنى الكاف, لأن «من» تدخـل فـي كلامهم بـمعنى التبعيض, والكاف بـمعنى التشبـيه. وإنـما يوضع الـحرف مكان آخر غيره إذا تقارب معنـياهما, فأما إذا اختلفت معانـيهما فغير موجود فـي كلامهم وضع أحدهما عقـيب الاَخر, وكتاب الله وتنزيـله أحرى الكلام أن يجنب ما خرج عن الـمفهوم والغاية فـي الفصاحة من كلام من نزل بلسانه.
8849ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا إسماعيـل بن صبـيح, قال: حدثنا أبو هانىء, عن أبـي بشر, قال: حدثنا عامر, أن عديّ بن حاتـم الطائي, قال: أتـى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله عن صيد الكلاب, فلـم يدر ما يقول له, حتـى نزلت هذه الاَية: تُعَلّـمُونَهُنّ مِـمّا عَلّـمَكُمُ اللّهُ.
قـيـل: اختلف أهل التأويـل فـي ذلك, فقال بعضهم: هو أن يُسْتَشْلَـى لطلب الصيد إذا أرسله صاحبه, ويـمسك علـيه إذا أخذه فلا يأكل منه, ويستـجيب له إذا دعاه, ولا يفرّ منه إذا أراده, فإذا تتابع ذلك منه مرارا كان معلّـما. وهذا قول جماعة من أهل الـحجاز وبعض أهل العراق. ذكر من قال ذلك:
8850ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا أبو عصام, قال: أخبرنا ابن جرج, قال: قال عطاء: كل شيء قتله صائدك قبل أن يعلّـم ويـمسك ويصيد فهو ميَتة, ولا يكون قتله إياه ذكاة حتـى يعلّـم ويُـمسك ويصيد, فإن كان ذلك ثم قَتَل فهو ذكاته.
8851ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قال: الـمعلّـم من الكلاب أن يـمسك صيده فلا يأكل منه حتـى يأتـيه صاحبه, فإن أكل من صيده قبل أن يأتـيه صاحبه فـيدرك ذكاته, فلا يأكل من صيده.
8852ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن عيـينة, عن عمرو, عن طاوس, عن ابن عبـاس, قال: إذا أكل الكلب فلا تأكل, فإنـما أمسك علـى نفسه.
8853ـ حدثنا أبو كريب ويعقوب بن إبراهيـم, قالا: حدثنا إسماعيـل بن إبراهيـم, قال: حدثنا أبو الـمعلـى, عن سعيد بن جبـير, قال: قال ابن عبـاس: إذا أرسل الرجل الكلب فأكل من صيده فقد أفسده, وإن كان ذكر اسم الله حين أرسله فزعم أنه إنـما أمسك علـى نفسه والله يقول مِنَ الـجَوَارِحِ مُكَلّبِـينَ تُعَلـمُوَنهنّ مِـمّا عَلّـمَكُمُ اللّهُ. فزعم أنه إذا أكل من صيده قبل أن يأتـيه صاحبه أنه لـيس بـمعلـم, وأنه ينبغي أن يضرب ويعلـم حتـى يترك ذلك الـخـلق.
8854ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا معمر الرقـي, عن حجاج, عن عطاء, عن ابن عبـاس, قال: إذا أخذ الكلب فقتل فأكل, فهو سبع.
حدثنا ابن الـمثنى, قال: ثنـي عبد الأعلـى, قال: حدثنا داود, عن عامر, عن ابن عبـاس, قال: لا يأكل منه, فإنه لو كان معلـما لـم يأكل منه ولـم يتعلـم ما علـمته, إنـما أمسك علـى نفسه ولـم يـمسك علـيك.
حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا يزيد بن هارون, قال: أخبرنا داود, عن الشعبـيّ, عن ابن عبـاس, بنـحوه.
حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن حماد, عن إبراهيـم, عن ابن عبـاس, قال: إذا أكلت الكلاب فلا تأكل.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن أبـي إسحاق, عن الشعبـي, عن ابن عبـاس, بـمثله.
8855ـ حدثنا حميد بن مسعدة, قال: حدثنا بشر بن الـمفضل, قال: حدثنا ابن عون, قال: فعلت لعامر الشعبـيّ: الرجل يرسل كلبه فـيأكل منه, أنأكل منه؟ لا, لـم يتعلـم الذي علـمته.
8856ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن إدريس, عن لـيث, عن مـجاهد, عن ابن عمر, قال: إذا أكل الكلب من صيد فـاضربه, فإنه لـيس بـمعلّـم.
8857ـ حدثنا سوّار بن عبد الله, قال: حدثنا يحيى بن سعيد, عن ابن جريج, عن ابن طاوس, عن أبـيه, قال: إذا أكل الكلب فهو ميتة, فلا تأكله.
8858ـ حدثنا الـحسن بن عرفة, قال: حدثنا هشيـم, عن أبـي بشر, عن سعيد بن جبـير وسيار, عن الشعبـيّ ومغيرة, عن إبراهيـم أنهم قالوا فـي الكلب: إذا أكل من صيده فلا تأكل, فإنـما أمسك علـى نفسه.
8859ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: أخبرنا ابن جريج, قال: قال عطاء: إن وجدت الكلب قد أكل من الصيد, فما وجدته ميتا فدعه, فإنه مـما لـم يـمسك علـيك صيدا, إنـما هو سبع أمسك علـى نفسه ولـم يـمسك علـيك, وإن كان قد علـم.
8860ـ حدثنا مـحمد بن الـحسن, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: بنـحوه.
وقال آخرون نـحو هذه الـمقالة, غير أنهم حدّوا لـمعرفة الكَلاّب بأن كلبه قد قبل التعلـيـم, وصار من الـجوارح الـحلال صيدها أن يفعل ذلك كلبه مرّات ثلاثا, وهذا قول مـحكيّ عن أبـي يوسف ومـحمد بن الـحسن.
وقال آخرون مـمن قال هذه الـمقالة: لا حدّ لعلـم الكلاّب بذلك من كلبه أكثر من أن يفعل كلبه ما وصفنا أنه له تعلـيـم قالوا: فإذا فعل ذلك فقد صار معلّـما حلالاً صيده. وهذا قول بعض الـمتأخرين.
وفرّق بعض قائلـي هذه الـمقالة بـين تعلـيـم البـازي وسائر الطيور الـجارحة, وتعلـيـم الكلب وضاري السبـاع الـجارحة, فقال: جائز أكل ما أكل منه البـازي من الصيد. قالوا: وإنـما تعلـيـم البـازي أن يطير إذا استُشْلـي, ويجب إذا دُعي, ولا ينفر من صاحبه إذا أراد أخذه. قالوا: ولـيس من شروط تعلـيـمه أن لا يأكل من الصيد. ذكر من قال ذلك:
8861ـ حدثنا هناد بن السريّ, قال: حدثنا هشيـم, عن مغيرة, عن إبراهيـم وحجاج, عن عطاء, قال: لا بأس بصيد البـازي وإن أكل منه.
8862ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا أسبـاط, قال: حدثنا أبو إسحاق, الشبـيانـيّ, عن حماد, عن إبراهيـم, عن ابن عبـاس أنه قال فـي الطير: إذا أرسلته فقتل فكل, فإن الكلب إذا ضربته لـم يعُد وإن تعلـيـم الطير: أن يرجع إلـى صاحبه, ولـيس يضرب فإذا أكل من الصيد ونتف من الريش فكُلْ.
8863ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يحيى بن واضح, قال: حدثنا أبو حمزة, عن جابر, عن الشعبـي, قال: لـيس البـازي والصقر كالكلب, فإذا أرسلتهما فأمسكا فأكلا فدعوتهما فأتـياك, فكُلْ منه.
8864ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا أبو زبـيد, عن مطرّف, عن حماد, قال إبراهيـم: كُل صيد البـازي وإن أكل منه.
8865ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا وكيع, عن سفـيان, عن حماد, عن إبراهيـم, وجابر عن الشعبـيّ, قالا: كل من صيد البـازي وإن أكل.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن مغيرة, عن حماد, عن إبراهيـم: إذا أكل البـازي والصقر من الصيد, فكل, فإنه لا يعُلّـم.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن حماد, عن إبراهيـم, قال: لا بأس بـما أكل منه البـازي.
8866ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن حماد, أنه قال فـي البـازي: إذا أكل منه فكُلْ.
وقال آخرون منهم: سواء تعلـيـم الطير والبهائم والسبـاع, لا يكون نوع من ذلك معلّـما إلا بـما يكون به سائر الأنواع معلـما. وقالوا: لا يحلّ أكل شيء من الصيد الذي صادته جارحة فأكلت منه, كائنة ما كانت تلك الـجارحة بهيـمة أو طائرا. قالوا: لأن من شروط تعلـيـمها. الذي يحلّ به صيدها, أن تـمسك ما صادت علـى صاحبها فلا تأكل منه. ذكر من قال ذلك:
8867ـ حدثنا هناد وأبو كريب, قالا: حدثنا ابن أبـي زائدة, قال: حدثنا مـحمد بن سالـم, عن عامر, قال: قال علـيّ: إذا أكل البـازي من صيده فلا تأكل.
8868ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا ابن جعفر, عن شعبة, عن مـجاهد بن سعيد, عن الشعبـي, قال: إذا أكل البـازي منه فلا تأكل.
8869ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا وكيع, عن سفـيان, عن سالـم, عن سعيد بن جبـير, قال: إذا أكل البـازي فلا تأكل.
8870ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا وكيع عن عمرو بن الولـيد السهميّ, قال: سمعت عكرمة, قال: إذا أكل البـازي فلا تأكل.
8871ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: أخبرنا ابن جريج, قال: قال عطاء: الكلب والبـازي كلّه واحد, لا تأكل ما أكل منه من الصيد إلا أن تدرك ذكاته فتذكيه. قال: قلت لعطاء: البـازي ينتف الريش؟ قال: فما أدركته ولـم يأكل, فكُلْ. قال ذلك غير مرّة.
وقال آخرون: تعلـيـم كل جارحة من البهائم والطير واحد, قالوا: وتعلـيـمه الذي يحلّ به صيده أن يُشْلَـى علـى الصيد فـيَسْتَشْلِـي ويأخذ الصيد, ويدعوه صاحبه فـيجيب, أو لا يفرّ منه إذا أخذه. قالوا: فإذا فعل الـجارح ذلك كان معلـما داخلاً فـي الـمعنى الذي قال الله: وَما عَلّـمْتُـمْ مِنَ الـجَوَارِحِ مُكَلّبِـينَ تُعْلّـمونهُنّ مِـمّا عَلّـمَكُمُ اللّهُ فَكُلُوا مِـمّا أمْسَكْنَ عَلَـيْكُمْ قالوا: ولـيس من شرط تعلـيـم ذلك أن لا يأكل من الصيد, قالوا: وكيف يجوز أن يكون ذلك من شرطه وهو يؤدّب بأكله؟ ذكر من قال ذلك:
8872ـ حدثنا ابن أبـي الشوارب, قال: حدثنا يزيد بن زريع, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, عن سعيد أو سعد, عن سلـمان, قال: إذا أرسلت كلبك علـى صيد, وذكرت اسم الله فأكل ثلثـيه وبقـي ثلثه, فكل ما بقـي.
حدثنا حميد بن مسعدة, قال: حدثنا بشر بن الـمفضل, قال: حدثنا حميد, قال: ثنـي القاسم بن ربـيعة, عمن حدّثه, عن سلـمان وبكر بن عبد الله, عمن حدثه, عن سلـمان: أن الكلب يأخذ الصيد فـيأكل منه, قال: كُلْ وإن أكل ثلثـيه إذا أرسلته وذكرت اسم الله وكان معلّـما.
حدثنا ابن بشار وابن الـمثنى, قالا: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, قال: سمعت قتادة يحدّث عن سعيد بن الـمسيب, قال: قال سلـمان: كل وإن أكل ثلثـيه يعنـي: الصيد إذا أكل ثلثـيه يعنـي: الصيد إذا أكل منه الكلب.
حدثنا هناد, قال: حدثنا وكيع, عن شعبة, عن قتادة, عن سعيد بن الـمسيب, عن سلـمان, نـحوه.
حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا ابن أبـي عديّ وعبد العزيز بن عبد الصمد, عن شعبة (ح) وحدثنا هناد قال: حدثنا عبدة جميعا, عن سعيد, عن قتادة, عن سعيد بن الـمسيب, قال: قال سلـمان: إذا أرسلت كلبك الـمعلـم وذكرت اسم الله فأكل ثلثه فكُلْ.
حدثنا هناد, قال: حدثنا عبدة, عن سعيد, عن قتادة, عن سعيد, عن سلـمان, نـحوه.
حدثنا مـجاهد بن موسى, قال: حدثنا يزيد, عن بكر بن عبد الله الـمزنـي والقاسم, أن سلـمان قال: إذا أكل الكلب فكل, وإن أكل ثلثـيه.
حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا ابن علـية, عن داود بن أبـي الفرات, عن مـحمد بن زيد, عن سعيد بن الـمسيب, قال: قال سلـمان: إذا أرسلت كلبك الـمعلـم أو بـازك, فسمتَ, فأكَل نصفه أو ثلثـيه, فكل بقـيته.
8873ـ حدثنـي يونس بن عبد الأعلـى, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرنـي مخرمة بن بكير, عن أبـيه, عن حميد بن مالك بن خثـيـم الدؤلـي, أنه سأل سعد بن أبـي وقاص عن الصيد يأكل منه الكلب, فقال: كُلْ وإن لـم يبق منه إلا حذْية, يعنـي بَضْعة.
8874ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: ثنى عبد الصمد, قال: حدثنا شعبة, عن عبد ربه بن سعيد, قال: سمعت بكير بن الأشج يحدّث عن سعد, قال: كل وإن أكل ثلثـيه.
8875ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا سعيد بن الربـيع, قال: حدثنا شعبة, عن عبد ربه بن سعيد, قال: سمعت بكير بن الأشجّ, عن سعيد بن الـمسيب قال شعبة, قلت: سمعت من سعيد؟ قال: لا قال: كل وإن أكل ثلثـيه. قال: ثم إن شعبة قال فـي حديثه عن سعد, قال: كل وإن أكل نصفه.
8876ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: ثنى عبد الأعلـى, قال: حدثنا داود, عن عامر, عن أبـي هريرة, قال: إذا أرسلت كلبك فأكل منه, فإن أكل ثلثـيه وبقـي ثلثه فكُلْ.
حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا يزيد بن هارون, قال: أخبرنا داود بن أبـي هند, عن الشعبـيّ, عن إبـي هريرة, بنـحوه.
حدثنا هناد, قال: حدثنا أبو معاوية, عن داود بن أبـي هند, عن الشعبـيّ, عن أبـي هريرة, نـحوه.
حدثنا ابن الـمثنى, قال: ثنـي سالـم بن نوح العطار, عن عمر, يعنـي ابن عامر, عن قتادة, عن سعيد بن الـمسيب, عن سلـمان, قال: إذا أرسلت كلبك الـمعلـم فأخذ فقلت, فكُلْ وإن أكل ثلثـيه.
8877ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا الـمعتـمر, قال: سمعت عبد الله (ح) وحدثنا هناد, قال: حدثنا عبدة, عن عبـيد الله بن عمر, عن نافع, عن عبد الله بن عمر, قال: إذا أرسلت كلبك الـمعلـم وذكرت اسم الله فكُلْ ما أمسك علـيك, أكل أو لـم يأكل.
حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا عبد الوهاب, قال: حدثنا عبـيد الله, عن نافع, عن ابن عمر, بنـحوه.
8878ـ حدثنا يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرنـي ابن أبـي ذئب أن نافعا حدثهم: أن عبد الله بن عمر كان لا يرَى بأكل الصيد بأسا, إذا قتله الكلب أكل منه.
حدثنـي يونس به مرة أخرى, فقال: أخبرنا ابن وهب, قال: ثنـي عبـيد الله بن عمر وابن أبـي ذئب وغير واحد, أن نافعا حدثهم عن عبد الله بن عمر, فذكر نـحوه.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يحيى بن واضح, قال: حدثنا مـحمد بن أبـي ذئب, عن نافع, عن ابن عمر: أنه كان لا يرى بأسا بـما أكل الكلب الضاري.
حدثنا هناد, قال: حدثنا وكيع, عن ابن أبـي ذئب, عن بكير بن عبد الله بن الأشج, عن حميد بن عبد الله, عن سعد, قال: قلت: لنا كلاب ضوار يأكلن ويبقـين؟ قال: كل وإن لـم يبق إلا بَضْعة.
حدثنا هناد, قال: حدثنا قبـيصة, عن سفـيان, عن ابن أبـي ذئب, عن يعقوب بن عبد الله بن الأشجّ, عن حميد, قال: سألت سعدا, فذكر نـحوه.
وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب عندنا فـي تأويـل قوله: تُعَلّـمُونَهُنّ مِـمّا عَلّـمَكُمُ اللّهُ أن التعلـيـم الذي ذكره الله فـي هذه الاَية للـجوارح, إنـما هو أن يعلـم الرجل جارحه الاستشلاء إذا أُشلـي علـى الصيد, وطلبه إياه أغري, أو إمساكه علـيه إذا أَخذ من غير أن يأكل منه شيئا, وألا يفرّ منه إذا أراده, وأن يجيبه إذا دعاه, فذلك هو تعلـيـم جميع الـجوارح طيرها وبهائمها. وإن أكل من الصيد جارحة صائد, فجارحه حينئذٍ غير معلـم. فإن أدرك صاحبه حيّا فذكّاه حلّ له أكله, وإن أدركه ميتا لـم يحلّ له, لأنه مـما أكله السبع الذي حرّمه الله تعالـى بقوله: وَما أكَلَ السّبُع ولـم يدرك ذكاته.
وإنـما قلنا ذلك أولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب لتظاهر الأخبـار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, بـما:
8879ـ حدثنا به ابن حميد, قال: حدثنا ابن الـمبـارك, عن عاصم بن سلـيـمان الأحول, عن الشعبـيّ, عن عديّ بن حاتـم, أنه سأل النبـيّ صلى الله عليه وسلم عن الصيد, فقال: «إذا أرْسَلْتَ كَلْبَكَ فـاذْكُرِ اسْمَ اللّه عَلَـيْهِ, فإنْ أدْرَكْتَهُ وقد قَتَلَ وأَكَلَ مِنْهُ, فلا تَأْكُلْ مِنْهُ شَيْئا, فإنّـما أمْسَكَ علـى نَفْسِهِ».
حدثنا أبو كريب, وأبو هشام الرفـاعي, قالا: حدثنا مـحمد بن فضيـل, عن بـيان بن بشر, عن عامر, عن عديّ بن حاتـم, قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقلت: إنا قوم نتصيد بهذه الكلاب؟ فقال: «إذَا أرْسَلْتَ كِلابَكَ الـمُعَلّـمَةَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللّهِ عَلَـيْها, فَكُلْ ما أمْسَكْنَ عَلَـيْكَ وَإنْ قَتَلْنَ, إلاّ أنْ يَأْكُلَ الكَلْبُ, فإنْ أكَلَ تَأْكُلْ, فإنّـي أخافُ أنْ يَكُونَ إنّـمَا حَبَسَهُ علـى نَفْسِهِ».
فإن قال قائل: فما أنت قائل فـيـما:
8880ـ حدثك به عمران بن بكار الكلاعي, قال: حدثنا عبد العزيز بن موسى, قال: حدثنا مـحمد بن دينار, عن أبـي إياس, عن سعيد بن الـمسيب, عن سلـمان الفـارسي, عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم, قال: «إذَا أرْسَلَ الرّجُلُ كَلْبَهُ علـى الصّيْدِ فَأدْرَكَهُ وَقَدْ أكَلَ مِنْهُ, فَلـيْأكُلْ ما بَقِـيَ».
قـيـل: هذا خبر فـي إسناده نظر, فإن سعيدا غير معلوم له سماع من سلـمان, والثقات من أهل الاَثار يقـفون هذا الكلام علـى سلـمان ويروونه عنه من قِبَله غير مرفوع إلـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم. والـحفـاظ الثقات إذا تتابعوا علـى نقل شيء بصفة فخالفهم واحد منفرد لـيس له حفظهم, كانت الـجماعة الأثبـات أحقّ بصحة ما نقلوا من الفرد الذي لـيس له حفظهم. وإذا كان الأمر فـي الكلب علـى ما ذكرت من أنه إذا أكل من الصيد فغير معلّـم, فكذلك حكم كلّ جارحة فـي أن ما أكل منها من الصيد فغير معلّـم, لا يحلّ له أكل صيده إلا أن يدرك ذكاته.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: فَكُلُوا مِـمّا أمْسَكْنَ عَلَـيْكُمْ.
يعنـي بقوله: فَكُلُوا مِـما أمْسَكْنَ عَلَـيْكُمْ: فكلوا أيها الناس مـما أمسكتْ علـيكم جوارحكم.
واختلف أهل التأويـل فـي معنى ذلك, فقال بعضهم: ذلك علـى الظاهر والعموم كما عمـمه الله حلال أكل كل ما أمسكت علـينا الكلاب والـجوارح الـمعلـمة من الصيد الـحلال أكله, أكل منه الـجارح والكلاب أو لـم يأكل منه, أدركت ذكاته فذُكي أو لـم تدرك ذكاته حتـى قتلته الـجوارح, بجرحها إياه أو بغير جرح. وهذا قول الذين قالوا: تعلـيـم الـجوارح الذي يحلّ به صيدها أن تعلّـم الاستشلاء علـى الصيد وطلبه إذا أُشلـيت علـيه وأخذَه, وترك الهرب من صاحبها دون ترك الأكل من صيدها إذا صادته. وقد ذكرنا قول قائلـي هذه الـمقالة والرواية عنهم بأسانـيدها الواردة آنفـا.
وقال آخرون: بل ذلك علـى الـخصوص دون العموم, قالوا: ومعناه: فكلوا مـما أمسكن علـيكم من الصيد جميعه دون بعضه. قالوا: فإن أكلت الـجوارح منه بعضا وأمسكت بعضا, فـالذي أمسكت منه غير جائز أكله وقد أكلت بعضه لأنها إنـما أمسكت ما أمسكت من ذلك الصيد بعد الذي أكلت منه علـى أنفسها لا علـينا, والله تعالـى ذكره إنـما أبـاح لنا كل ما أمسكته جوارحنا الـمعلّـمة علـيه بقوله: فَكُلُوا مِـمّا أمْسَكْنَ عَلَـيْكُمْ دون ما أمسكته علـى أنفسها, وهذا قول من قال: تعلـيـم الـجوارح الذي يحلّ به صيدها, أن تَسْتَشْلـي للصيد إذا أُشلـيت فتطلبه وتأخذه, فتـمسكه علـى صاحبها فلا تأكل منه شيئا, ولا تفرّ من صاحبها وقد ذكرنا مـمن قال ذلك فـيـما مضى منهم جماعة كثـيرة, ونذكر منهم جماعة آخرين فـي هذا الـموضع.
8881ـ حدثنا الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: فَكُلُوا مِـمّا أمْسَكْنَ عَلَـيْكُمْ يقول: كلوا مـما قلتن. قال علـيّ: وكان ابن عبـاس يقول: إن قتل وأكل فلا تأكل, وإن أمسك فأدركته حيّا فذَكّه.
8882ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس قال: إن أكل الـمعلـم من الكلاب من صيده قبل أن يأتـيه صاحبه فـيدرك ذكاته, فلا يأكل من صيده.
8883ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: فَكُلوا مِـمّا أمْسَكْنَ عَلَـيْكُمْ إذا صاد الكلب فأمسكه وقد قتله ولـم يأكل منه, فهو حلّ, فإن أكل منه, فـيقال: إنـما أمسك علـى نفسه, فلا تأكل منه شيئا, إنه لـيس بـمعلّـم.
8884ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: يَسْئَلُونَكَ ماذَا أُحلّ لَهُمْ إلـى قوله: فَكُلُوا مِـمّا أمْسَكْنَ عَلَـيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ عَلَـيْهِ قال: إذا أرسلت كلبك الـمعلـم أو طيرك أو سهمك, فذكرت اسم الله, فأخذ أو قتل, فكل.
8885ـ حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ, يقول: أخبرنا عبـيد بن سلـمان, قال: سمعت الضحاك يقول: إذا أرسلت كلبك الـمعلّـم فذكرت اسم الله حين ترسله فأمسك أو قتل فهو حلال, فإذا أكل منه فلا تأكله, فإنـما أمسكه علـى نفسه.
8886ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا أبو معاوية, عن عاصم, عن الشعبـيّ, عن عديّ, قوله: فَكُلُوا مِـمّا أمْسَكْنَ عَلَـيْكُمْ قال: قلت يا رسول الله إن أرضى أرض صيد؟ قال: «إذا أرْسَلْتَ كَلْبَكَ وَسَمّيْتَ فكُلْ مـما أَمْسَكَ عَلَـيْكَ كَلْبَكَ, وإنْ قَتَلَ, فإنْ أَكَلَ فلا تَأْكُلْ فإنّه إنّـما أمْسَكَ علـى نَفْسِهِ».
وقد بـينا أولـى القولـين فـي ذلك بـالصواب قبل, فأغنى ذلك عن إعادته وتكراره.
فإن قال قائل: وما وجه دخول «مِن» فـي قوله: فَكُلُوا مِـمّا أمْسَكْنَ عَلَـيْكُمْ, وقد أحلّ الله لنا صيد جوارحنا الـحلال, «ومن» إنـما تدخـل فـي الكلال مبعضة لـما دخـلت فـيه؟ قـيـل: قد اختلف فـي معنى دخولها فـي هذا الـموضع أهل العربـية, فقال بعض نـحويـي البصرة حين دخـلت «من» فـي هذا الـموضع لغير معنى, كما تدخـله العرب فـي قولهم: كان من مطر, وكان من حديث. قال: ومن ذلك قوله: وَيُكفَرْ عَنْكُمْ مِنْ سَيّئاتِكُمْ, وقوله: ويُنزّلُ مِنَ السّماء مِنَ جِبـالٍ فِـيها مِنْ بَرَدٍ. قال: وهو فـيـما فسر: وينزل من السماء جبـالاً فـيها برد. قال: وقال بعضهم: وُينزّل مِنَ السّماء مِنْ جِبـالٍ فـيها مِنْ بَرَدٍ أي من السماء من برد, بجعل الـجبـال من برد فـي السماء, وبجعل الإنزال منها. وكان غيره من أهل العربـية يُنكر ذلك ويقول: لـم تدخـل «من» إلا لـمعنى مفهوم لا يجوز الكلام ولا يصلـح إلا به, وذلك أنها دالة علـى التبعيض. وكان يقول: معنى قولهم: «قد كان من مطر, وكان من حديث»: هل كان من مَطَرٍ مَطَر عندكم, وهل من حَدِيثٍ حُدّث عندكم. ويقول: معنى وَيُكَفّرْ عَنْكُمْ مِنْ سَيّئاتِكُمْ أي ويكفر عنكم من سيئاتكم ما يشار ويريد, وفـي قوله: ويُنَزّلُ مِنَ السّماءِ مِنْ جِبـالٍ فِـيها مِنْ بَرَدٍ فـيجيز حذف «مِنْ» من مِنْ بَرَدٍ ولا يجز حذفها من «الـجبـال», ويتأوّل معنى ذلك: وينزّل من السماء أمثال جبـال بردَ, ثم أدخـلت «من» فـي البرَد, لأن البرَد مفسر عنده عن الأمثال: أعنـي: أمثال الـجبـال, وقد أقـيـمت الـجبـال مقام الأمثال, والـجبـال وهي جبـال برَد, فلا يجيز حذف «من» من الـجبـال, لأنها دالة علـى أن الذي فـي السماء الذي أنزل منه البرد أمثال جبـال برد, وأجاز حذف «مِنْ» من «البرد», لأن «البرد» مفسر عن الأمثال, كما تقول: عندي رطلان زيتا, وعندي رطلان من زيت, ولـيس عندك الرطل وإنـما عندك الـمقدار, ف«مِنْ» تدخـل فـي الـمفسر وتـخرج منه. وكذلك عند قائل هذا القول: من السماء, من أمثال جبـال, ولـيس بجبـال. وقال: وإن كان أنزل من جبـال فـي السماء من برد جبـالاً, ثم حذف «الـجبـال» الثانـية و«الـجبـال» الأوّل فـي السماء جاز, تقول: أكلت من الطعام, تريد: أكلت من الطعام طعاما, ثم تـحذف الطعام ولا تسقط «من».
والصواب من القول فـي ذلك, أن «مِنْ» لا تدخـل فـي الكلام إلا لـمعنى مفهوم, وقد يجوز حذفها فـي بعض الكلام وبـالكلام إلـيها حاجة لدلالة ما يظهر من الكلام علـيها, فأما أن تكون فـي الكلام لغير معنى أفـادته بدخولها, فذلك قد بـينا فـيـما مضى أنه غير جائز أن يكون فـيـما صحّ من الكلام. ومعنى دخولها فـي قوله: فَكُلُوا مـمّا أمْسَكْنَ عَلَـيْكُمْ للتبعيض إذ كانت الـجوارح تـمسك علـى أصحابها ما أحلّ الله لهم لـحومه وحرم علـيهم فرثه ودمه, فقال جلّ ثناؤه: فَكُلُوا مِـمّا أمْسَكْنَ عَلَـيْكُمْ جوارحكم الطيبـات التـي أحللت لكم من لـحومها دون ما حرّمت علـيكم من خبـائثه من الفَرْث والدم وما أشبه ذلك مـما لـم أطيبه لكم, فذلك معنى دخول «من» فـي ذلك.
وأما قوله: وَيُكَفّرْ عَنْكُمْ مِنْ سَيّئاتِكُمْ فقد بـينا وجه دخولها فـيه فـيـما مضى بـما أغنى عن إعادته. وأما دخولها فـي قوله: ويُنزّلُ مِنَ السّماءِ مِنْ جِبـالٍ فسنبـينه إذا أتـينا علـيه إن شاء الله تعالـى:
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَاذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ عَلَـيْهِ.
يعنـي جلّ ثناؤه بقوله: واذْكُرُوا اسْمَ الله علـى ما أمسكت علـيكم جوارحكم من الصيد. كما:
8887ـ حدثنا الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـي, عن ابن عبـاس, قوله: واذكُرُوا اسْمَ الله عَلَـيْهِ يقول: إذا أرسلت جارحك فقل: بسم الله, وإن نسيت فلاحرج.
8888ـ حدثنا مـحمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, قوله: وَاذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ عَلَـيْهِ قال: إذا أرسلته فسمّ علـيه حين ترسله علـى الصيد.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَاتّقُوا اللّهَ إنّ اللّهَ سَرِيعُ الـحِسابِ.
يعنـي جلّ ثناؤه: واتقوا الله أيها الناس فـيـما أمركم به وفـيـما نهاكم عنه, فـاحذروه فـي ذلك أن تقدموا علـى خلافه, وأن تأكلوا من صيد الـجوارح غير الـمعلّـمة أو مـما لـم تـمسك علـيكم من صيدها وأمسكته علـى أنفسها, أو تَطعَموا ما لـم يسمّ الله علـيه من الصيد والذبـائح مـما صاده أهل الأوثان وعبدة الأصنام ومن لـم يوحد الله من خـلقه, أو ذبحوه, فإن الله قد حرّم ذلك علـيكم فـاجتنبوه. ثم خوّفهم إن هم فعلوا ما نهاهم عنه من ذلك ومن غيره فقال: اعلـموا أن الله سريع حسابه لـمن حاسبه علـى نعمته علـيه منكم وشكر الشاكر منكم ربه, علـى ما أنعم به علـيه بطاعته إياه فـيـما أمر ونهى, لأنه حافظ لـجميع ذلك فـيكم فـيحيط به, لا يخفـى علـيه منه شيء, فـيجازي الـمطيع منك بطاعته والعاصي بـمعصيته, وقد بـين لكم جزاء الفريقـين.
الآية : 5
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {الْيَوْمَ أُحِلّ لَكُمُ الطّيّبَاتُ وَطَعَامُ الّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلّ لّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلّ لّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَآ آتَيْتُمُوهُنّ أُجُورَهُنّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتّخِذِيَ أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الاَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ }..
يعنـي جلّ ثناؤه بقوله: الـيَوْمَ أُحِلّ لَكُمُ الطّيّبـاتُ: الـيوم أحلّ لكم أيها الـمؤمنون الـحلال من الذبـائح والـمطاعم, دون الـخبـائث منها. قوله: وَطَعامُ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ حِلّ لَكُمْ وذبـائح أهل الكتاب من الـيهود والنصارى, وهم الذين أوتوا التوراة والإنـجيـل, وأنزل علـيهم, فدانوا بهما أو بأحدهما حِلّ لَكُمْ يقول: حلال لكم أكله دون ذبـائح سائر أهل الشرك الذين لا كتاب لهم من مشركي العرب وعبدة الأوثان والأصنام, فإن من لـم يكن منهم مـمن أقرّ بتوحيد الله عزّ ذكره ودان دين أهل الكتاب, فحرام علـيكم ذبـائحهم.
ثم اختلف فـيـمن عنى الله عزّ ذكره بقوله: وَطَعامُ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابِ من أهل الكتاب, فقال بعضهم: عنى الله بذلك ذبـيحة كلّ مـمن أنزل علـيه التوراة والإنـجيـل, أو مـمن دخـل فـي ملتهم فدان دينهم وحرّم ما حرّموا وحلل ما حللوا منهم ومن غيرهم من سائر أجناس الأمـم. ذكر من قال ذلك:
8889ـ حدثنا مـحمد بن عبد الـملك بن أبـي الشوارب, قال: حدثنا عبد الواحد, قال: خَصيف, قال: حدثنا عكرمة, قال: سئل ابن عبـاس عن ذبـائح نصارى بنـي تغلب, فقرأ هذه الاَية: يا أيها الّذِينَ آمَنُوا لا تَتّـخِذُوا الـيَهُودَ... إلـى قوله: وَمَنْ يَتَوَلّهُمْ مِنْكُمْ فإنّهُ مِنْهُمْ... الاَية.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا ابن عثمة, قال: حدثنا سعيد بن بشر, عن قتادة, عن الـحسن وعكرمة: أنهما كانا لا يريان بأسا بذبـائح نصارى بنـي تغلب وبتزوّج نسائْهم, ويتلوان: وَمَنْ يَتَوَلّهُمْ مِنْكُمْ فإنّهُ مِنْهُمْ.
8890ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا ابن أبـي عديّ, عن سعيد, عن قتادة, عن الـحسن وسعيد بن الـمسيب: أنهما كانا لا يريان بأسا بذبـيحة نصارى بنـي تغلب.
8891ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن أبـي حصين, عن الشعبـيّ: أنه كان لا يرى بأسا بذبـائح نصارى بنـي تغلب, وقرأ: وَما كانَ رَبكَ نَسِيّا.
8892ـ حدثنـي ابن بشار وابن الـمثنى, قالا: حدثنا أبو عاصم, قال: أخبرنا ابن جريج, قال: ثنـي ابن شهاب عن ذبـيحة نصارى العرب, قال: تؤكل من أجل أنهم فـي الدين أهل كتاب, ويذكرون اسم الله.
8893ـ حدثنا ابن بشار وابن الـمثنى, قالا: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا ابن جريج: قال: قال عطاء: إنـما يقرءون ذلك الكتاب.
8894ـ حدثنا يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا ابن علـية, قال: حدثنا شعبة, قال: سألت الـحكم وحمادا وقتادة عن ذبـائح نصارى بنـي تغلب, فقالوا: لا بأس بها. قال: وقرأ الـحكم: وَمِنْهُمْ أُمّيّونَ لا يَعْلَـمُونَ الكِتابَ إلاّ أمانِـيّ.
8895ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا الـحجاج, قال: حدثنا حماد, عن عطاء بن السائب, عن عكرمة, عن ابن عبـاس, قال: كلوا من ذبـائح بنـي تغلب, وتزوّجوا من نسائهم, فإن الله قال فـي كتابه: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَتّـخِذُوا الـيَهُودَ وَالنّصَارَى أوْلِـياءَ بَعْضُهُمْ أوْلِـياءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلّهُمْ مِنْكُمْ فإنّهُ مِنْهُمْ فلو لـم يكونوا منهم إلا بـالولاية لكانوا منهم.
8896ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا ابن علـية, عن ابن أبـي عروبة, عن قتادة: أن الـحسن كان لا يرى بأسا بذبـائح نصارى بنـي تغلب, وكان يقول: انتـحلوا دينا فذاك دينهم.
وقال آخرون: إنـما عَنَى بـالذين أوتوا الكتاب فـي هذه الاَية, الذين أنزل علـيهم التوراة والإنـجيـل, من بنـي إسرائيـل وأبنائهم, فأما من كان دخيلاً فـيهم من سائر الأمـم مـمن دان بدينهم وهم من غير بنـي إسرائيـل, فلـم يُعْنَ بهذه الاَية ولـيس هو مـمن يحلّ أكل ذبـائحه لأنه لـيس مـمن أوتـى الكتاب من قَبْل الـمسلـمين. وهذا قول كان مـحمد بن إدريس الشافعيّ يقوله حدثنا بذلك عنه الربـيعّ ويتأوّل فـي ذلك قول من كره ذبـائح نصارى العرب من الصحابة والتابعين. ذكر من حرّم ذبـائح نصارى العرب:
8897ـ حدثنا يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا ابن علـية, عن أيوب, عن مـحمد, عن عبـيدة قال: قال علـيّ رضوان الله علـيه: لا تأكلوا ذبـائح نصارى بنـي تغلب, فإنهم إنـما يتـمسكون من النصرانـية بشرب الـخمر.
حدثنا يعقوب, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا هشام, عن ابن سيرين, عن عبـيدة, عن علـيّ, قال: لا تأكلوا ذبـائح نصارى بنـي تغلب, فإنهم لـم يتـمسكوا بشيء من النصرانـية إلا بشرب الـخمر.
حدثنا الـحسن بن عرفة, قال: حدثنا عبد الله بن بكر, قال: حدثنا هشام, عن مـحمد بن سيرين, عن عبـيدة, قال: سألت علـيّا عن ذبـائح نصارى العرب, فقال: لا تؤكل ذبـائحهم, فإنهم لـم يتعلقوا من دينهم إلا بشرب الـخمر.
8898ـ حدثنـي علـي بن سعيد الكندي, قال: حدثنا علـيّ بن عابس, عن عطاء بن السائب, عن أبـي البختري, قال: نهانا علـيّ عن ذبـائح نصارى العرب.
8899ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن أبـي حمزة القصاب, قال: سمعت مـحمد بن علـيّ يحدثّ عن علـيّ: أنه كان يكره ذبـائح نصارى بنـي تغلب.
8900ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن لـيث, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس, قال: لا تأكلوا ذبـائح نصارى العرب وذبـائح نصارى أرمينـية.
وهذه الأخبـار عن علـيّ رضوان الله علـيه, إنـما تدلّ علـى أنه كان ينهي عن ذبـائح نصارى بنـي تغلب من أجل أنهم لـيسوا علـى النصرانـية, لتركهم تـحلـيـل ما تـحلل النصارى وتـحريـم ما تـحرّم غير الـخمر. ومن كان منتـحلاً ملة هو غير متـمسك منها بشيء, فهو إلـى البراءة منها أقرب إلـى اللـحاق بها وبأهلها, فلذلك نهى علـيّ عن أكل ذبـائح نصارى بنـي تغلب, لا من أجل أنهم لـيسوا من بنـي إسرائيـل. فإذا كان ذلك كذلك, وكان إجماعا من الـحجة إحلال ذبـيحة كلّ نصرانـيّ ويهوديّ, إن انتـحل دين النصاري أو الـيهود, فأحلّ ما أحلوا, وحرّم ما حرّموا من بنـي إسرائيـل كان أو من غيرهم, فبّـين خطأ من قال الشافعي فـي ذلك وتأويـله الذي تأوّله فـي قوله: وَطَعامُ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ حِلّ لَكُمْ: أنه ذبـائح الذين أوتوا الكتاب التوراة والإنـجيـل من بنـي إسرائيـل, وصواب ما خالف تأويـله ذلك, وقول من قال: إن كل يهوديّ ونصرانـيّ فحلال ذبـيحته من أيّ أجناس بنـي آدم كان.
وأما الطعام الذي قال الله: وَطَعامُ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ فإنه الذبـائح. وبـمثل ما قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
8901ـ حدثنا أبو كريب وابن وكيع, قالا: حدثنا ابن إدريس, عن لـيث, عن مـجاهد: وَطَعامُ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ حِلّ لَكُمْ قال: الذبـائح.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, عن عنبسة, عن مـحمد بن عبد الرحمن, عن القاسم بن أبـي بزة, عن مـجاهد فـي قوله: وَطَعامُ الّذِينَ أُتُوا الكِتابَ حِلّ لَكُمْ قال: ذبـائحهم.
حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن لـيث, عن مـجاهد, مثله.
حدثنا الـمثنى, قال: حدثنا أبو نعيـم وقبـيصة, قالا: حدثنا سفـيان, عن لـيث, عن مـجاهد, مثله.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا إسحاق بن سلـيـمان الرازي, عن أبـي سنان, عن لـيث, عن مـجاهد, مثله.
حدثنا مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: وَطَعامُ الّذينَ أُوتُوا الكِتابَ حِلّ لَكُمْ قال: ذبـيحة أهل الكتاب.
8902ـ حدثنا يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا هشيـم, عن مغيرة, عن إبراهيـم فـي قوله: وَطَعامُ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ حِلّ لَكُمْ قال: ذبـائحهم.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان عن الـمغيرة, عن إبراهيـم, بـمثله.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن سفـيان, عن مغيرة, عن إبراهيـم, مثله.
حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا الثوري, عن مغيرة, عن إبراهيـم, مثله.
حدثنا الـمثنى, قال: حدثنا أبو نعيـم وقبـيصة, قالا: حدثنا سفـيان, عن مغيرة, عن إبراهيـم مثله.
8903ـ حدثنا الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس: وَطَعامُ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ حِلّ لَكُمْ قال: ذبـائحهم.
8904ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا الـمعلـى بن أسد, قال: حدثنا خالد, عن يونس, عن الـحسن, مثله.
8905ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَطَعامُ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ حِلّ لَكُمْ: أي ذبـائحهم.
8906ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: وَطَعامُ الّذِينَ أُوتُوا الكِتاب حِلّ لَكُمْ أما طعامهم فهو الذبـائح.
8907ـ حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: حدثنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: وَطَعامُ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ حِلّ لَكُمْ قال: أحلّ الله لنا طعامهم ونساءهم.
8908ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس أما قوله: وَطَعَامُ الّذِينَ أُوتُوا الكِتاب حِلّ لَكُمْ فإنه أحلّ لنا طعامهم ونساءهم.
8909ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: سألته يعنـي ابن يزيد عما ذُبح للكنائس وسُمي علـيها فقال: أحلّ الله لنا طعام أهل الكتاب, ولـم يستثن منه شيئا.
8910ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: ثنـي معاوية, عن أبـي الزاهرية حدير بن كريب, عن أبـي الأسود, عن عمير بن الأسود: أنه سأل أبـا الدرداء عن كبش ذبح لكنـيسة يقال لها جرجس أهدوه لها, أنأكل منه؟ فقال أبو الدرداء: اللهمّ عفوا إنهم هم أهل كتاب, طعامهم حلّ لنا وطعامنا حلّ لهم. وأمره بأكله.
وأما قوله وَطَعامُكُمْ حِلّ لَهُمْ فإنه يعنـي: ذبـائحكم أيها الـمؤمنون حلْ لأهل الكتاب.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: والـمُـحْصَناتُ مِنَ الـمُؤْمِنات والـمُـحْصَناتُ مِنَ الّذِينَ أُتُوا الكِتَابَ أُوتُوا مِنْ قَبْلِكُمْ إذا آتَـيْتُـمُوهُنّ أُجُورَهُنّ.
يعنـي جلّ ثناؤه بقوله: والـمُـحْصَنَاتُ مِنَ الـمُؤْمِناتِ أحلّ لكم أيها الـمؤمنون الـمـحصنات من الـمؤمنات وهنّ الـحرائر منهنّ أن تنكحوهنّ. والـمُـحْصَنَاتُ مِنَ الّذِين أُوتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ يعنـي: والـحرائر من الذين أعطوا الكتاب, وهم الـيهود والنصارى الذين دانوا بـما فـي التوراة والإنـجيـل من قبلكم أيها الـمؤمنون بـمـحمد صلى الله عليه وسلم من العرب وسائر الناس, أن تنكحوهنّ أيضا إذا آتَـيْتُـمُوهُنّ أجُورَهُنّ يعنـي: إذا أعطيتـم من نكحتـم من مـحصناتكم ومـحصناتهم أجورهنّ, وهي مهورهن.
واختلف أهل التأويـل فـي الـمـحصنات اللاتـي عناهنّ الله عزّ ذكره بقوله: والـمُـحْصَناتُ مِنَ الـمُؤمِناتِ والـمُـحْصَناتُ مِنَ الّذِين أُوتُوا الكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ فقال بعضهم: عنـي بذلك الـحرائر خاصة, فـاجرة كانت أو عفـيفة. وأجاز قائلوا هذه الـمقالة نكاح الـحرّة مؤمنة كانت أو كتابـية من الـيهود والنصارى من أيّ أجناس كانت, بعد أن تكونَ كتابـية فـاجرة كانت أو عفـيفة, وحرّموا إماء أهل الكتاب أن نتزوّجهنّ بكل حال لأن الله جلّ ثناؤه شرط من نكاح الإماء الإيـمان بقوله: وَمَنْ لَـمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أنْ يَنْكِحَ الـمُـحْصَناتِ الـمُؤْمِناتِ فَمِـمّا مَلَكَتْ أيـمَانُكُمْ مِنْ فَتَـياتِكُمُ الـمُؤْمِناتِ ذكر من قال ذلك:
8911ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبو داود, عن سفـيان, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: وَالـمُـحْصَنات مِنَ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ قال: من الـحرائر.
حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: والـمُـحْصَنات مِنَ الّذِينَ أُتُوا الكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ قال: من الـحرائر.
8912ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن قـيس بن مسلـم, عن طارق بن شهاب: إن رجلاً طلق امرأته وخطبت إلـيه أخته, وكانت قد أحدثت, فأتـى عمر فذكر ذلك له منها, فقال عمر: ما رأيتَ منها؟ قال: ما رأيت منها إلاّ خيرا فقال: زوّجها ولا تُـخْبر.
8913ـ حدثنا ابن أبـي الشوارب, قال: حدثنا عبد الواحد, قال: حدثنا سلـيـمان الشيبـانـيّ, قال: حدثنا عامر, قال: زَنَت امرأة من هَمْدان, قال: فجلدها مصدّق رسول الله صلى الله عليه وسلم الـحدّ, ثم تابت. فأتَوا عمر, فقالوا: نزوّجها وبئس ما كان من أمرها قال عمر: لئن بلغنـي أنكم ذكرتـم شيئا من ذلك لأعاقبنكم عقوبة شديدة.
8914ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن قـيس بن مسلـم, عن طارق بن شهاب: أن رجلاً أراد أن يزوّج أخته, فقالت: إنـي أَخْشَى أن أفضح أبـي, فقد بغيت. فأتـى عمر فقال: ألـيس قد تابت؟ قال: بلـى. قال: فزوّجها.
8915ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا أبو داود, قال: حدثنا شعبة, عن إسماعيـل بن أبـي خالد, عن الشعبـي: أن نبـيشة امرأة من همدان بغت, فأردات أن تذبح نفسها, قال: فأدركوها فداووها فبرئت, فذكروا ذلك لعمر, فقال: أنكحوها نكاح العفـيفة الـمسلـمة.
8916ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا عبد الوهاب, قال: حدثنا داود, عن عامر: أن رجلاً من أهل الـيـمن أصابت أخته فـاحشة, فأمرت الشفرة علـى أوداجها, فأدركت, فدُووي جرحها حتـى برئت. ثم إن عمها انتقل بأهله حتـى قدم الـمدينة, فقرأت القرآن ونسكت, حتـى كانت من أنسك نسائهم. فخطبت إلـى عمها, وكان يكره أن يدلّسها, ويكره أن يفشي علـى ابنة أخيه, فأتـى عمر, فذكر ذلك له, فقال عمر: لو أفشيت علـيها لعاقبتك, إذ أتاك رجل صالـح ترضاه فزوّجها إياه.
حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا عبد الأعلـى, قال: حدثنا داود, عن عامر: أن جارية بـالـيـمن يقال لها نبـيشة, أصابت فـاحشة, فذكر نـحوه.
8917ـ حدثنا تـميـم بنننن الـمنتصر, قال: أخبرنا يزيد, قال: أخبرنا إسماعيـل عن عامر, قال: أتـى رجل عمر فقال: إن ابنة لـي كانت وُئدت فـي الـجاهلـية, فـاستـخرجتها قبل أن تـموت, فأدركت الإسلام, فلـما أسلـمت أصابت حدّا من حدود الله, فعمدت إلـى الشفرة لتذبح بها نفسها, فأدركتها وقد قطعت بعض أوداجها, فداويتها حتـى برئت, ثم إنها أقبلت بتوبة حسنة, فهي تـخطب إلـيّ يا أمير الـمؤمنـين, فأُخبر من شأنها بـالذي كان؟ فقال عمر: أتـخبر بشأتها؟ تعمد إلـى ما ستره الله فتبدينه والله لئن أخبرت بشأنها أحدا من الناس, لأجعلنك نكالاً لأهل الأمصار بل أنكحها بنكاح العفـيفة الـمسلـمة.
حدثنا أحمد بن منـيع, قال: حدثنا مروان, عن إسماعيـل, عن الشعبـيّ, قال: جاء رجل إلـى عمر. فذكر نـحوه.
8918ـ حدثنا مـجاهد, قال: حدثنا يزيد, قال: أخبرنا يحيى بن سعيد, عن أبـي الزبـير: أن رجلاً خطب من رجل أخته, فأخبره أنها قد أحدثت. فبلغ ذلك عمر بن الـخطاب, فضرب الرجل, وقال: مالك والـخبر؟ أنكح واسكت
8919ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا سلـيـمان بن حرب, قال: حدثنا أبو هلال, عن قتادة, عن الـحسن, قال: قال عمر بن الـخطاب: لقد همـمت أن أدع أحدا أصاب فـاحشة فـي الإسلام أن يتزوّج مـحصنة. فقال له أبـيّ بن كعب: يا أمير الـمؤمنـين, الشرك أعظم من ذلك, وقد يقبل منه إذا تاب
وقال آخرون: إنـما عنى الله بقوله: والـمُـحْصَناتُ مِنَ الـمُؤْمِنَاتِ والـمُـحْصَناتُ مِنَ الّذِينَ أُتُوا الكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ: العفـائف من الفريقـين, إماءكنّ أو حرائر. فأجاز قائلو هذه الـمقالة نكاح إماء أهل الكتاب الدائنات دينهم بهذه الاَية, وحرّموا البغايا من الـمؤمنات وأهل الكتاب. ذكر من قال ذلك:
8920ـ حدثنا أبو كريب, قال حدثنا ابن إدريس, عن لـيث, عن مـجاهد فـي قوله: والـمُـحْصَناتُ مِنَ الّذِينَ أُتُوا الكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ قال: العفـائف.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا جرير, عن لـيث, عن مـجاهد, مثله.
8921ـ حدثنا ابن حميد, وابن وكيع, قالا: حدثنا جرير عن مطرف, عن عامر: والـمُـحْصَناتُ مِنَ الّذِينَ أوتوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ قال: إحصان الـيهودية والنصرانـية: أن لا تزنـي وأن تغتسل من الـجنابة.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا ابن فضيـل, عن مطرف, عن عامر: والـمُـحْصَناتُ مَنَ الّذِينَ أُتُوا الكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ قال: إحصان الـيهودية والنصرانـية: أن تغتسل من الـجنابة, وأن تـحصن فرجها.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, عن عنبسة, عن مطرف, عن رجل, عن الشعبـيّ فـي قوله: والـمُـحْصَناتُ مِنَ الّذِينَ أُتُوا الكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ قال: إحصان الـيهودية والنصرانـية: أن لا تزنـي, وأن تغتسل من الـجنابة.
حدثنا الـمثنى قال: حدثنا عمرو بن عون, قال: أخبرنا هشيـم, عن مطرّف, عن الشعبـي فـي قوله: والـمـحصَناتُ مِنَ الّذِينَ أُتُوا الكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ قال: إحصانها أن تغتسل من الـجنابة, وأن تـحصن فرجها من الزنا.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا معلـى بن أسد, قال: حدثنا خالد, قال: أخبرنا مطرف عن عامر, بنـحوه.
8922ـ حدثنا الـمثنى, قال: حدثنا سويد, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, قال: سمعت سفـيان يقول فـي قوله: والـمُـحْصَناتُ مِنَ الّذِينَ أُتُوا الكِتابَ قال: العفـائف.
8923ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن مفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي: والـمُـحْصَناتُ مِنَ الـمُؤْمِناتِ والـمُـحْصَناتُ مِنَ الّذِينَ أُتُوا الكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ قال: أما الـمـحصنات: فهنّ العفـائف.
8924ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا عبد الأعلـى, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: أن امرأة اتـخذت مـملوكها وقالت: تأوّلت كتاب الله: وما ملكت أيـمانكم. قال: فَأُتِـيَ بها عمر بن الـخطاب, فقال له ناس من أصحاب النبـيّ صلى الله عليه وسلم: تأوّلت آية من كتاب الله علـى غير وجهها. قال: فقرب العبد وجزّ رأسه, وقال: أنت بعده حرام علـى كلّ مسلـم.
8925ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن منصور, عن إبراهيـم: أنه قال فـي التـي تسرى قبل أن يُدخـل بها, قال: لـيس لها صداق ويفرّق بـينهما.
8926ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن إدريس, قال: حدثنا أشعث, عن الشعبـيّ فـي البكر تهجر, قال: تضرب مائة سوط, وتنفـي سنة, وتردّ علـى زوجها ما أخذت منه.
8927ـ حدثنا حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن إدريس, قال: حدثنا أشعث, عن أبـي الزبـير, عن جابر, مثل ذلك.
8928ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن إدريس, قال: أخبرنا أشعث, عن الـحسن, مثل ذلك.
8929ـ حدثنا يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا ابن علـية, عن يونس أن الـحسن كان يقول: إذا رأى الرجل من امرأته فـاحشة فـاستـيقن فإنه لا يـمسكها.
8930ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن مغيرة, عن أبـي ميسرة, قال: مـملوكات أهل الكتاب بـمنزلة حرائرهم.
ثم اختلف أهل التأويـل فـي حكم قوله عزّ ذكره: والـمُـحْصَنات مِنَ الّذِينَ أُتُوا الكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ أعامّ أم خاصّ؟ فقال بعضهم: هو عامّ فـي العفـائف منهنّ, لأن الـمـحصنات العفـائف, وللـمسلـم أن يتزوّج كلّ حرّة وأمة كتابـية حربـية كانت أو ذمية. واعتلوا فـي ذلك بظاهر قوله تعالـى: والـمُـحْصَناتُ مِنَ الّذِينَ أُتُوا الكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وأن الـمعنـيّ بهنّ العفـائف كائنة من كانت منهن. وهذا قول من قال: عنـي بـالـمـحصنات فـي هذا الـموضع: العفـائف.
وقال آخرون: بل اللواتـي عنى بقوله جلّ ثناؤه: والـمُـحْصَناتُ مِنَ الّذِينَ أُتُوا الكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ: الـحرائر منهنّ, والاَية عامة فـي جميعهنّ, فنكاح جميع الـحرائر الـيهود والنصارى جائز, حربـيات كنّ أو ذميات, من أيّ أجناس الـيهود والنصارى كنّ وهذا قول جماعة من الـمتقدمين والـمتأخرين. ذكر من قال ذلك:
8931ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا ابن أبـي عديّ, عن سعيد, عن قتادة, عن سعيد بن الـمسيب والـحسن: أنهما كانا لا يريان بأسا بنكاح نساء الـيهود والنصارى, وقالا: أحله الله علـى علـم.
وقال آخرون منهم: بل عنـي بذلك: نكاح بنـي إسرائيـل الكتابـيات منهنّ خاصة دون سائر أجناس الأمـم الذين دانوا بـالـيهودية والنصرانـية. وذلك قول الشافعي ومن قال بقوله.
وقال آخرون: بل ذلك معنىّ به نساء أهل الكتاب الذين لهم من الـمسلـمين ذمة وعهد, فأما أهل الـحرب فإن نساءهم حرام علـى الـمسلـمين. ذكر من قال ذلك:
8932ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا مـحمد بن عقبة, قال: حدثنا الفزاري, عن سفـيان بن حسين, عن الـحكم, عن مقسم, عن ابن عبـاس, قال: من نساء أهل الكتاب من يحلّ لنا, ومنهم من لا يحل لنا. ثم قرأ: قاتِلُوا الّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بـاللّهِ وَلا بـالـيَوْمِ الاَخِرِ ولا يُحَرّمُونَ ما حَرّم اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُون دِينَ الـحَقّ مِنْ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ حتّـى يُعْطُوا الـجِزْيَةَ فمن أعطي الـجزية حلّ لنا نساؤه, ومن لـم يعط الـجزية لـم يحل لنا نساؤه. قال الـحكم: فذكرت ذلك لإبراهيـم فأعجبه.
وأولـى الأقوال فـي ذلك عندنا بـالصواب قول من قال: عنـي بقوله: والـمُـحْصَناتُ مِنَ الـمُؤْمِناتِ والـمُـحْصَناتُ مِنَ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ حرائر الـمؤمنـين وأهل الكتاب, لأن الله جلّ ثناؤه لـم يأذن بنكاح الإماء الأحرار فـي الـحال التـي أبـاحهنّ لهم إلاّ أن يكنّ مؤمنات, فقال عزّ ذكره: وَمَنْ لَـمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أن يَنْكحَ الـمُـحْصَناتِ الـمُؤمِناتِ فَمِـمّا مَلَكَتْ أيـمَانُكُمْ مِنْ فَتَـياتِكُمُ الـمُؤمِناتِ فلـم يبح منهنّ إلاّ الـمؤمنات, فلو كان مرادا بقوله: والـمُـحْصَناتُ مِنَ الـمُؤْمِناتِ والـمُـحْصَناتُ مِنَ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ: العفـائف, لدخـل العفـائف من إمائهم فـي الإبـاحة, وخرج منها غير العفـائف من حرائرهم وحرائر أهل الإيـمان. وقد أحل الله لنا حرائر الـمؤمنات, وإن كنّ قد أتـين بفـاحشة بقوله: وأنْكحُوا الأيامَى مِنْكُمْ وَالصّالِـحِينَ مِنْ عِبـادِكُمْ وإمائكم, وقد دللنا علـى فساد قول من قال: لا يحلّ نكاح من أتـى الفـاحشة من نساء الـمؤمنـين وأهل الكتاب للـمؤمنـين فـي موضع غير هذا بـما أغنـي عن إعادته فـي هذا الـموضع, فنكاح حرائر الـمسلـمين وأهل الكتاب حلال للـمؤمنـين, كنّ قد أتـين بفـاحشة أو لـم يأتـين بفـاحشة, ذمية كانت أو حربـية, بعد أن تكون بـموضع لا يخاف الناكح فـيه علـى ولده أن يجبر علـى الكفر, بظاهر قول الله جلّ وعزّ: والـمُـحْصَنَاتُ مِنَ الـمُؤْمِناتِ والـمُـحْصَناتُ مِنَ الذِينَ أُوتُوا الكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ. فأما قول الذي قال: عنى بذلك نساء بنـي إسرائيـل الكتابـيات منهن خاصة, فقول لا يوجب التشاغل بـالبـيان عنه لشذوذه والـخروح عما علـيه علـماء الأمة من تـحلـيـل نساء جميع الـيهود والنصارى. وقد دللنا علـى فساد قول قائل هذه الـمقالة من جهة القـياس فـي غير هذا الـموضع بـما فـيه الكفـاية فكرهنا إعادته.
وأما قوله: إذَا آتَـيْتُـمُوهُنّ أُجُورَهُنّ فإن الأجر: العوض الذي يبذله الزوج للـمرأة للاستـمتاع بها, وهو الـمهر. كما:
8933ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس فـي قوله: آتَـيْتُـمُوهُنّ أُجُورَهُنّ يعنـي مهورهنّ.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: مُـحْصِنِـينَ غيرَ مُسافِحِينَ وَلا مُتّـخِذِي أخْدَانٍ. يعنـي بذلك جلّ ثناؤه: أحلّ لكم الـمـحصنات من الـمؤمنات,والـمـحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم, وأنتـم مـحصنون غير مسافحين ولا متـخذي أخدان. ويعنـي بقوله جلّ ثناؤه: مُـحْصِنِـين: أعفـاء غيرَ مُسافِحِينَ يعنـي: لا معالنـين بـالسفـاح بكل فـاجرة وهو الفجور وَلا مُتـخِذِي أخْدَانٍ يقول: ولا منفردين ببغية واحدة قد خادنها وخادنته واتـخذها لنفسه صديقة يفجر بها. وقد بـينا معنى الإحصان ووجوهه ومعنى السفـاح والـخدن فـي غير هذا الـموضع بـما أغنـي عن إعادته فـي هذا الـموضع وهو كما:
8934ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: مُـحْصِنِـينَ غيرَ مُسافِحِينَ يعنـي: ينكحوهن بـالـمهر والبـينة, غَيْر مُسَافِحِينَ متعالنـين بـالزنا, وَلا مُتّـخِذِي أخْدَانٍ يعنـي: يُسِرّون بـالزنا.
8935ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قال: أحلّ الله لنا مـحصنتـين: مـحصنة مؤمنة, ومـحصنة من أهل الكتاب وَلا مُتّـخِذِي أخْدَانٍ ذات الـخدن: ذات الـخـلـيـل الواحد.
8936ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا سويد, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, عن سلـيـمان بن الـمغيرة, عن الـحسن, قال: سأله رجل: أيتزوّج الرجل الـمرأة من أهل الكتاب؟ قال: ما له ولأهل الكتاب وقد أكثر الله الـمسلـمات؟ فإن كان لا بد فـاعلاً, فلـيعمد إلـيها حصانا غير مسافحة. قال الرجل: وما الـمسافحة؟ قال: هي التـي إذا لـمـح الرجل إلـيها بعينه اتبعته.
القول فـي تأويـل قوله عزّ ذكره: وَمَنْ يَكْفُرْ بـالإيـمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عمَلُهُ وَهُوَ فِـي الاَخِرَةِ مِنَ الـخاسِرِينَ.
يعنـي بقوله جلّ ثناؤه: وَمَنْ يَكْفُرْ بـالإيـمَانِ ومن يجحد ما أمر الله بـالتصديق به من توحيد الله ونبوّة مـحمد صلى الله عليه وسلم, وما جاء به من عند الله, وهو الإيـمان الذي قال الله جلّ ثناؤه: وَمَنْ يَكْفُرْ بـالإِيـمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ يقول: فقد بطل ثواب عمله الذي كان يعمله فـي الدنـيا, يرجو أن يدرك به منزلة عند الله. وَهُوَ فِـي الاَخِرَةِ مِنَ الـخاسرِينَ يقول: وهو فـي الاَخرة من الهالكين الذين غبنوا أنفسهم حظوظها من ثواب الله بكفرهم بـمـحمد وعملهم بغير طاعة الله. وقد ذكر أن قوله: وَمَنْ يَكْفُرْ بـالإيـمَانِ عُنـي به أهل الكتاب, وأنه أنزل علـى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل قوم تـحرجّوا نكاح نساء أهل الكتاب لـما قـيـل لهم: أُحِلَ لَكُمُ الطّيّبـاتُ وطَعَامُ الذّين أُوتُوا الكِتَابَ حِلٌ لَكُمْ وطَعَامُكُمْ حِلٌ لَهُمْ والـمُـحْصَنَاتُ مِنَ الـمُؤْمِنَاتِ والـمُـحصَنَاتُ مِنَ الّذين أُوتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ. ذكر من قال ذلك.
8937ـ حدثنا بشر, حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قال: ذكر بنا أن ناسا من الـمسلـمين قالوا: كيف نتزوّج نساءهم يعنـي نساء أهل الكتاب وهم علـى غير ديننا؟ فأنزل الله عزّ ذكره: وَمَنْ يَكْفُرْ بـالإيـمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِـي الاَخِرَةِ مِنَ الـخاسِرِينَ فأحلّ الله تزويجهنّ علـى علـم.
وبنـحو الذي قلنا فـي تأويـل الإيـمان قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك.
8938ـ حدثنا مـحمد ابن بشار, قال: حدثنا مؤمل, قال: حدثنا سفـيان, عن ابن جريج, عن عطاء: وَمَنْ يَكْفُرْ بـالإيـمَانِ, فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ قال: بـالإيـمان بـالله.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا يحيى بن يـمان, عن واصل, عن عطاء: وَمَنْ يَكْفُرْ بـالإيـمَانِ قال: الإيـمان: التوحيد.
8939ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن سفـيان, عن ابن جريج, عن مـجاهد: وَمَنْ يَكْفُرْ بـالإيـمَانِ قال: بـالله.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا يحيى, عن سفـيان, عن ابن جريج, عن مـجاهد, مثله.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, عن عنبسة, عن مـحمد بن عبد الرحمن, عن القاسم بن أبـي بزّة, عن مـجاهد فـي قوله: وَمَنْ يَكْفُرْ بـالإيـمَانِ, فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ قال: من يكفر بـالله.
حدثنا مـحمد, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي قوله: وَمَنْ يَكْفُرْ بـالإيـمَانِ قال: من يكفر بـالله.
حدثنا مـحمد, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي قوله: وَمَنْ يَكْفُرْ بـالإيـمَانِ قال: الكفر بـالله.
حدثنا الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
8940ـ حدثنـي حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: وَمَنْ يَكْفُرْ بـالإيـمَانِ, فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ قال: أخبر الله سبحانه أن الإيـمان هو العروة الوثقـى, وأنه لا يقبل عملاً إلاّ به, ولا يحرّم الـجنة إلاّ علـى من تركه.
فإن قال لنا قائل: وما وجّه تأويـل من وجّه قوله: وَمَنْ يَكْفُرْ بـالإيـمَانِ إلـى معنى: ومن يكفر بـالله؟ قـيـل وجه تأويـله ذلك كذلك أن الإيـمان هو التصديق بـالله وبرسله وما ابتعثهم به من دينه والكفر: جحود ذلك. قالوا: فمعنى الكفر بـالإيـمان, هو جحود الله وجحود توحيده. ففسروا معنى الكلـمة بـما أريد بها, وأعرضوا عن تفسير الكلـمة علـى حقـيقة ألفـاظها وظاهرها فـي التلاوة.
فإن قال قائل: فما تأويـلها علـى ظاهرها وحقـيقة ألفـاظها؟ قـيـل: تأويـلها: ومن يأب الإيـمان بـالله ويـمتنع من توحيده والطاعة له فـيـما أمره به ونهاه عنه, فقد حبط عمله وذلك أن الكفر هو الـجحود فـي كلام العرب, والإيـمان: التصديق والإقرار, ومن أبى التصديق بتوحيد الله والإقرار به فهو من الكافرين, فذلك تأويـل الكلام علـى وجهه
الصفحة رقم 107 من المصحف تحميل و استماع mp3