تفسير الطبري تفسير الصفحة 115 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 115
116
114
 الآية : 42
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {سَمّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكّالُونَ لِلسّحْتِ فَإِن جَآءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنّ اللّهَ يُحِبّ الْمُقْسِطِينَ }..
يقول تعالـى ذكره: هؤلاء الـيهود الذين وصفت لك يا مـحمد كاذب, لـيس بنبـيّ, وقِـيـل بعضهم: إن حكم الزانـي الـمـحصَن فـي التوراة الـجلد والتـحميـم, وغير ذلك من الأبـاطيـل والإفك, ويقبلون الرشا, فـيأكلونها علـى كذبهم علـى الله وفريتهم علـيه. كما:
9417ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا مسلـم بن إبراهيـم, قال: حدثنا أبو عقـيـل, قال: سمعت الـحسن يقول فـي قوله: سَمّاعُونَ للكَذِبِ أكّالُونَ للسّحْتِ قال: تلك الـحكام سمعوا كِذْبةً, وأكلوا رِشْوَةً.
9418ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد بن زريع, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: سَمّاعُونَ للكَذِبِ أكّالُونَ للسّحْتِ قال: كان هذا فـي حكام الـيهود بـين أيديكم, كانوا يسمعون الكذب ويقبلون الرشا.
9419ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي قول الله: أكّالُونَ للسّحْتِ قال: الرشوة فـي الـحكم وهم يهود.
9420ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا وكيع, وحدثنا سفـيان بن وكيع, قال: حدثنا أبـي وإسحاق الأزرق, وحدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, عن سفـيان, عن عاصم, عن زرّ, عن عبد الله: أكّالُونَ للسّحْتِ قال: السحت: الرشوة.
9421ـ حدثنا سفـيان بن وكيع وواصل بن عبد الأعلـى, قالا: حدثنا ابن فضيـل, عن الأعمش, عن سلـمة بن كهيـل, عن سالـم بن أبـي الـجعد, قال: قـيـل لعبد الله: ما السحت؟ قال: الرشوة. قالوا: فـي الـحكم؟ قال: ذاك الكفر.
حدثنا سفـيان, قال: حدثنا غندر ووهب بن جرير, عن شعبة, عن منصور, عن سالـم بن أبـي الـجعد, عن مسروق, عن عبد الله, قال: السحت: الرشوة.
حدثنا هناد, قال: حدثنا وكيع, وحدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن حريث, عن عامر, عن مسروق, قال: قلنا لعبد الله: ما كنا نرى السحت إلا الرشوة فـي الـحكم قال عبد الله: ذاك الكفر.
حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن عمار الدهنـي, عن سالـم بن أبـي الـجعد عن مسروق, قال: سألت عبد الله عن السحت, فقال: الرجل يطلب الـحاجة فـيقضيها, فـيهدي إلـيه فـيقبلها.
حدثنا سوار, قال: حدثنا بشر بن الـمفضل, قال: حدثنا شعبة, عن منصور وسلـيـمان الأعمش, عن سالـم بن أبـي الـجعد, عن مسروق, عن عبد الله أنه قال: السحت: الرشا.
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا الـمـحاربـيّ, عن سفـيان, عن عاصم, عن زِرّ, عن عبد الله: السّحْت, قال: الرشوة فـي الدين.
9422ـ حدثنـي أبو السائب, قال: حدثنا أبو معاوية, عن الأعمش, عن خيثمة, قال: قال عمر: ما كان من السحت: الرشا, ومهر الزانـية.
9423ـ حدثنـي سفـيان, قال: حدثنا أبـي, عن سفـيان, عن منصور, عن إبراهيـم, قال: السحت: الرشوة.
9424ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة, قوله: أكّالُونَ للسّحْتِ قال: الرشا.
9425ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا وكيع, وحدثنا ابن وكيع, قال: ثنـي أبـي, عن طلـحة, عن أبـي هريرة, قال: مهر البغيّ سُحت, وعَسْبُ الفحل سُحْت, وكسب الـحَجّام سُحْت, وثمن الكلب سُحْت.
9426ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبو خالد الأحمر, عن جويبر, عن الضحاك, قال: السحت: الرشوة فـي الـحكم.
حدثنا الـمثنى, قال: حدثنا أبو غسان, قال: حدثنا إسرائيـل, عن حكيـم بن جبـير, عن سالـم بن أبـي الـجعد, عن مسروق, قال: سألت ابن مسعود عن السحت, قال: الرشا, فقلت: فـي الـحكم؟ قال: ذاك الكفر.
9427ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: أكّالُونَ للسّحْتِ يقول: للرشا.
9428ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا هشم, قال: أخبرنا عبد الـملك بن أبـي سلـيـمان, عن سلـمة بن كهيـل, عن مسروق, عن علقمة: أنهما سألا ابن مسعود عن الرشوة, فقال: هي السحت, قالا فـي الـحكم؟ قال: ذاك الكفر, ثم تلا هذه الاَية: وَمَنْ لَـمْ يَحْكُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ.
9429ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن الـمسعودي, عن بكير بن أبـي بكير, عن مسلـم بن صبـيح, قال: شفع مسروق لرجل فـي حاجة, فأهدى له جارية, فغضب غضبـا شديدا وقال: لو علـمت أنك تفعل هذا ما كلـمت فـي حاجتك ولا أكلـم فـيـما بقـي من حاجتك, سمعت ابن مسعود يقول: من شفع شفـاعة لـيردّ بها حقا أو يرفع بها ظلـما, فأُهدي له فقبل, فهو سُحْتٌ, فقـيـل له: يا أبـا عبد الرحمن ما كنا نرى ذلك إلا الأخذ علـى الـحكم قال: الأخذ علـى الـحكم كفر.
9430ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـيأبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس: سَمّاعُونَ للكَذِبِ أكّالُونَ للسّحْتِ وذلك أنهم أخذوا الرشوة فـي الـحكم وقضوا بـالكذب.
9431ـ حدثنا هناد,قال: حدثنا عبـيدة, عن عمار, عن مسلـم بن صبـيح, عن مسروق, قال: سألت ابن مسعود عن السحت, أهو الرشا فـي الـحكم؟ فقال: لا, من لـم يَحْكم بـما أنزل الله فهو كافر, ومن لـم يحكم بـما أنزل الله فهو ظالـم, ومن لـم يحكم بـما أنزل الله فهو فـاسق, ولكن السحت يستعينك الرجل علـى الـمَظْلِـمة فتعينه علـيها, فَـيُهدي لك الهدية فتقبلها.
9432ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا ابن فضيـل, عن يحيى بن سعيد, عن عبد الله بن هبـيرة السبئي, قال: من السحت ثلاثة: مهر البغيّ, والرشوة فـي الـحكم, وما كان يُعْطَى الكهان فـي الـجاهلـية.
9433ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا ابن مطيع, عن حماد بن سلـمة, عن عطاء الـخراسانـي, عن ضَمْرة, عن علـيّ بن أبـي طالب, أنه قال فـي كسب الـحجام, ومهر البغيّ, وثمن الكلب, والاستـجعال فـي القضية, وحلوان الكاهن, وعَسْب الفحل, والرشوة فـي الـحكم, وثمن الـخمر, وثمن الـمتـية: من السّحْت.
9434ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: أكّالُونَ للسّحْتِ قال: الرشوة فـي الـحكم.
9435ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرنـي عبد الرحمن بن أبـي الـموالـى, عن عمر بن حمزة بن عبد الله بن عمر, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال: «كُلّ لْـحَمٍ أَنْبَتَهُ السّحْتُ فـالنّارُ أوْلَـى بِهِ». قـيـل: يا رسول الله, وما السحت؟ قال: «الرّشْوَةُ فِـي الـحُكْمِ».
9436ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرنـي عبد الـجبـار بن عمر, عن الـحكم بن عبد الله, قال: قال لـي أنس بن مالك, إذا انقلبتْ إلـى أبـيك فقل له: إياك والرّشوة فإنها سحت وكان أبوه علـى شُرَطَ الـمدينة.
9437ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن منصور, عن سالـم, عن مسروق, عن عبد الله, قال: الرشوة سحت. قال مسروق: فقلنا لعبد الله: أفـي الـحكم؟ قال: لا, ثم قرأ: وَمَنْ لَـمْ يَحْكُمْ بِـمَا أنْزَل اللّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ وَمَنْ لَـمْ يَحْكُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظّالِـمُونَ وَمَنْ لَـمْ يَحْكُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الفـاسِقُونَ.
وأصل السحت: كلَب الـجوع, يقال منه: فلان مسحوت الـمعدة: إذا كان أكولاً لا يُـلَفـى أبدا إلا جائعا. وإنـما قـيـل للرّشوة السحت, تشيبها بذلك كأن بـالـمسترشِي من الشره إلـى أخذ ما يعطاه من ذلك مثل الذي بـالـمسحوت الـمعدة من الشره إلـى الطعام, يقال منه: سَحتَه وأسْحَتَه, لغتان مـحكيتان عن العرب, ومنه قول الفرزدق بن غالب:
وَعَضّ زَمانٍ يا ابْنَ مَرْوَانَ لَـمْ يَدَعْمنَ الـمَالِ إلا مُسَحَتا أوْ مُـجَلّفُ
يعنـي بـالـمسحت: الذي قد أستأصله هلاكا بأكله إياه وإفساده, ومنه قوله تعالـى: فَـيُسْحِتَكُمْ بعَذَابِ وتقول العرب للـحالق: اسحت الشعر: أي استأصله.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: فإنْ جاءُوكَ فـاحْكُمْ بَـيْنَهُمْ أوْ أعْرِض عَنْهُمْ وَإنْ تُعرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرّوكَ شَيْئا وَإنْ حَكَمْتَ فـاحْكُمْ بَـيْنَهُمْ بـالقِسْطِ إنّ اللّهَ يُحَبّ الـمُقسِطينَ.
يعنـي تعالـى ذكره بقوله: فإنْ جاءُوكَ فـاحْكُمْ بَـيْنَهُمْ أوْ أعْرِضْ عَنْهُمْ: إن جاء هؤلاء القوم الاَخرون الذين لـم يأتوك بعد, وهم قوم الـمرأة البغية, مـحتكمين إلـيك, فـاحكم بـينهم إن شئت بـالـحقّ الذي جعله الله حكما له, فـيـمن فعَل فِعْل الـمرأة البغية منهم, أو أعرض عنهم, فدع الـحكم بـينهم إن شئت والـخيار إلـيك فـي ذلك.
وبـمثل الذي قلنا فـي ذلك قال جماعة من أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
9438ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: أوْ أعْرِضْ عَنْهُمْ يهودُ, زنى رجل منهم له نسب حقـير فرجموه, ثم زنى منهم شريف فحمّـموه, ثم طافوا به, ثم استفتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم لـيوافقهم. قال: فأفتاهم فـيه بـالرجم, فأنكروه, فأمرهم أن يدعوا أحبـارهم ورهبـانهم, فناشدهم بـالله أيجدونه فـي التوراة, فكتـموه إلا رجلاً من أصغرهم أعور, فقال: كذَبوك يا رسول الله, إنه لفـي التوراة
9439ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي اللـيث, عن ابن شهاب: أن الاَية التـي فـي سورة الـمائدة: فإنْ جاءُوكَ فـاحْكُمْ بَـيْنَهُمْ كانت فـي شأن الرجم.
9440ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس قال: إنهم أتوه يعنـي الـيهود فـي امرأة منهم زنت يسألونه عن عقوبتها, فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كَيْفَ تَـجِدُونَهُ عِنْدَكُمْ مَكْتُوبـا فِـي التّوْرَاةِ؟» فقالوا نؤمر برجم الزانـية. فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم, فرجمت, وقد قال الله تبـارك وتعالـى: وَإنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرّوكَ شَيْئا وَإنْ حَكَمْتَ فـاحْكُمْ بَـيْنَهُمْ بـالقِسْطِ إنّ اللّهَ يُحبّ الـمُقْسِطِينَ.
9441ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن عبد الله بن كثـير, قوله: فإنْ جاءُوكَ فـاحْكُمْ بَـيْنَهُمْ أوْ أعْرِضْ عَنْهُمْ قال: كانوا يَحدّون فـي الزنا, إلـى أن زنى شابّ منهم ذو شرف, فقال بعضهم لبعض: لا يدعُكم قومه ترجمونه, ولكن اجلدوه ومثّلوا به فجلدوه وحملوه علـى إكاف حمار, وجعلوا وجهه مستقبل ذنب الـحمار, إلـى أن زنى آخرُ وضيع لـيس له شرف فقالوا: ارجموه ثم قالوا: فكيف لـم ترجموا الذي قبله؟ ولكن مثل ما صنعتـم به فـاصنعوا بهذا. فلـما كان النبـيّ صلى الله عليه وسلم, قالوا: سلوه, لعلكم تـجدون عنده رخصة فنزلت: فإنْ جاءُوكَ فـاحْكُمْ بَـيْنَهُمْ أوْ أعْرِضْ عَنْهُمْ... إلـى قوله: إنّ اللّهَ يُحبّ الـمُقْسِطِينَ.
وقال آخرون: بل نزلت هذه الاَية فـي قتـيـل قتل فـي يهود منهم قتله بعضهم. ذكر من قال ذلك:
9442ـ حدثنا هناد بن السريّ وأبو كريب, قالا: حدثنا يونس بن بكير, عن مـحمد بن إسحاق, قال: ثنـي داود بن الـحصين, عن عكرمة, عن ابن عبـاس: أن الاَيات فـي الـمائدة, قوله: فإنْ جاءُوكَ فـاحْكُمْ بَـيْنَهُمْ أوْ أعْرِضْ عَنْهُمْ... إلـى قوله: الـمُقْسِطِينَ إنـما نزلت فـي الدية فـي بنـي النضير وبنـي قريظة, وذلك أن قتلـى بنـي النضير كان لهم شرف تؤدّي الدية كاملة, وإن قريظة كانوا يؤدّون نصف الدية. فتـحاكموا فـي ذلك إلـى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فأنزل الله ذلك فـيهم, فحملهم رسول الله صلى الله عليه وسلم علـى الـحقّ فـي ذلك, فجعل الدية فـي ذاك سواء. والله أعلـم أيّ ذلك كان.
9443ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا عبـيد الله بن موسى, عن علـيّ بن صالـح, عن سماك, عن عكرمة, عن ابن عبـاس, قال: كانت قريظة والنضير, وكان النضير أشرف من قريظة, فكان إذا قتل رجل من قريظة رجلاً من النضير قُتِل به, وإذا قَتل رجل من النضير رجلاً من قريظة أدّى مئة وَسْق تـمر. فلـما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم قَتل رجل من النضير رجلاً من قريظة, فقالوا: ادفعوه إلـينا فقالوا: بـيننا وبـينكم رسول الله صلى الله عليه وسلم. فنزلت: وَإنْ حَكَمْتَ فـاحْكُمْ بَـيْنَهُمْ بـالقِسْطِ.
9444ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد: كان فـي حكم حيّ بن أخطب للنضري ديتان, والقُرَظي دية, لأنه كان من النضير قال: وأخبر الله نبـيه صلى الله عليه وسلم بـما فـي التوراة, قال: وكتَبَنْا عَلَـيْهِمْ فِـيها أنّ النّفْسَ بـالنّفْسِ... إلـى آخر الاَية. قال: فلـما رأت ذلك قُريظة, لـم يرضوا بحكم بن أخطب, فقالوا: نتـحاكم إلـى مـحمد فقال الله تبـارك وتعالـى: فإنْ جاءُوكَ فـاحْكُمْ بَـيْنَهُمْ أوْ أعْرِضْ عَنْهُمْ فخيره, وكَيْفَ يُحَكّمُونَكَ وَعنْدَهُمُ التّوْرَاةُ فِـيها حُكْم اللّهِ... الاَية كلها. وكان الشريف إذا زنى بـالدنـيئة رجموها هي وحمّـموا وجه الشريف, وحملوه علـى البعير, أو جعلوا وجهه من قِبَل ذنب البعير. وإذا زنى الدنـيء بـالشريفة رجموه, وفعلوا بها ذلك. فتـحاكموا إلـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم, فرجمها. قال: وكان النبـيّ صلى الله عليه وسلم قال لهم: «مَنْ أعْلَـمُكُمْ بـالتّوْرَاةِ؟» قالوا: فلان الأعور. فأرسل إلـيه, فأتاه, فقال: «أنْتَ أعْلَـمُهُمْ بـالتّوْرَاةِ؟» قال: كذاك تزعم يهود, فقال له النبـيّ صلى الله عليه وسلم: «أُنْشُدُكَ بـاللّهِ وَبـالتّوْرَاةِ التـي أنْزَلهَا علـى مُوسَى يَوْمَ طُورِسِيناءَ ما تَـجِدُ فِـي التّوْرَاةِ فِـي الزّانِـيَـيْنِ؟» فقال: يا أبـا القاسم يرجمون الدنـيئة, ويحملون الشريف علـى بعير, ويحمـمون وجهه, ويجعلون وجهه من قِبَل ذَنَب البعير, ويرجمون الدنـيء إذا زنى بـالشريفة, ويفعلون بها هي ذلك. فقال له النبـيّ صلى الله عليه وسلم: «أَنْشُدُكَ بـاللّهِ وَبـالتّوْرَاةِ التـي أنْزَلهَا عَلـى مُوسَى يَوْمَ طُورِسِيناءَ ما تَـجِدُ فِـي التّوْرَاةِ؟» فجعل يروغ والنبـيّ صلى الله عليه وسلم يَنْشُدُه بـالله وبـالتوراة التـي أنزلها علـى موسى يوم طورسيناء, حتـى قال: يا أبـا القاسم الشيخ والشيخة إذا زنـيا فـارجموهما البتة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فَهُوَ ذَاكَ, اذْهَبُوا بِهِما فـارْجُمُوهُما». قال عبد الله: فكنت فـيـمن رجمهما, فما زال يُجْنىءُ علـيها ويقـيها الـحجارة بنفسه حتـى مات.
ثم اختلف أهل التأويـل فـي حكم هذه الاَية هل هو ثابت الـيوم وهل للـحكام من الـخيار فـي الـحكم والنظر بـين أهل الذمة والعهد إذا احتكموا إلـيهم, مثل الذي جعل لنبـيه صلى الله عليه وسلم, فـي هذه الاَية, أم ذلك منسوخ؟ فقال بعضهم: ذلك ثابت الـيوم لـم ينسخه شيء, وللـحكام من الـخيار فـي كل دهر بهذه الاَية مثل ما جعله لرسوله صلى الله عليه وسلم. ذكر من قال ذلك:
9445ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة بن الفضل, عن عمرو بن أبـي قـيس, عن مغيرة, عن إبراهيـم والشعبـي: إن رُفع إلـيك أحد من الـمشركين فـي قضاء, فإن شئت فـاحكم بـينهم بـما أنزل الله, وإن شئت أعرض عنهم.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن مغيرة, عن الشعبـي وإبراهيـم, قالا: إذا أتاك الـمشركون فحكّموك فـاحكم بـينهم, أو أعرض عنهم, وإن حكمت فـاحكم بحكم الـمسلـمين ولا تعْدُه إلـى غيره.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, وحدثنا هناد, قال: حدثنا وكيع, عن سفـيان, عن مغيرة, عن إبراهيـم والشعبـي: فإنْ جاءُوكَ فـاحْكُمْ بَـيْنَهُمْ أوْ أعْرِضْ عَنْهُمْ قال: إن شاء حكم, وإن شاء لـم يحكم.
9446ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, قال: حدثنا سفـيان, عن ابن جريج, عن عطاء, قال: إن شاء حكم وإن شاء لـم يحكم.
9447ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن مـحمد بن سالـم, عن الشعبـيّ, قال: إذا أتاك أهل الكتاب بـينهم أمر, فـاحكم بـينهم بحكم الـمسلـمين, أو خـلّ عنهم وأهل دينهم يحكمون فـيهم إلا فـي سرقة أو قتل.
9448ـ حدثنا الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الروزاق, عن ابن جريج, قال: قال لـي عطاء: نـحن مخيرون, إن شئنا حكمنا بـين أهل الكتاب, وإن شئنا أعرضنا فلـم نـحكم بـينهم, وإن حكمنا بـينهم حكمنا بـيننا أو نتركهم وحكمهم بـينهم. قال ابن جريج: وقال مثل ذلك عمرو بن شعيب, وذلك قوله: فـاحْكُمْ بَـيْنَهُمْ أوْ أعْرِضْ عَنْهُمْ.
حدثنا يعقوب, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا مغيرة, وحدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عمرو بن عون, قال: أخبرنا هشيـم, عن مغيرة, عن إبراهيـم والشعبـي فـي قوله: فإنْ جاءُوكَ فـاحْكُمْ بَـيْنَهُمْ أوْ أعْرِضْ عَنْهُمْ قالا: إذا جاءوا إلـى حاكم الـمسلـمين, فإن شاء حكم بـينهم وإن شاء أعرض عنهم, وإن حكم بـينهم حكم بـينهم بـما فـي كتاب الله.
9449ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد بن زريع, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: فإنْ جاءُوكَ فـاحْكُمْ بَـيْنَهُمْ يقول: إن جاءوك فـاحكم بـينهم بـما أنزل الله, أو أعرض عنهم. فجعل الله له فـي ذلك رخصة, إن شاء حكم بـينهم, وإن شاء أعرض عنهم.
حدثنا هناد, قال: حدثنا جرير, عن مغيرة, عن إبراهيـم والشعبـي, قالا: إذا أتاك الـمشركون فحكموك فـيـما بـينهم, فـاحكم بـينهم بحكم الـمسلـمين ولا تَعْدُه إلـى غيره, أو أعرض عنهم وخـلّهم وأهلَ دينهم.
وقال آخرون: بل التـخيـير مسنوخ, وعلـى الـحاكم إذا احتكم إلـيه أهل الذمة أن يحكم بـينهم بـالـحقّ, ولـيس له ترك النظر بـينهم. ذكر من قال ذلك:
9450ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يحيى بن واضح, قال: حدثنا الـحسين بن واقد, عن يزيد النـحويّ, عن عكرمة والـحسن البصريّ: فإنْ جاءُوكَ فـاحْكُمْ بَـيْنَهُمْ أوْ أعْرِضْ عَنْهُمْ نسخت بقوله: وأنِ احْكُمْ بَـيْنَهُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّهُ.
9451ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن سفـيان, عن السديّ, قال: سمعت عكرمة يقول: نسختها وأنِ احْكُمْ بَـيْنَهُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّهُ.
9452ـ حدثنا ابن وكيع ومـحمد بن بشار, قالا: حدثنا ابن مهدي, عن سفـيان, عن السديّ, قال: سمعت عكرمة يقول: نسختها: وأنِ احْكُمْ بَـيْنَهُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّهُ.
9453ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا يزيد بن هارون, عن سفـيان بن حسين, عن الـحكم, عن مـجاهد: لـم ينسخ من الـمائدة إلا هاتان الاَيتان: فإنْ جاءُوكَ فـاحْكُمْ بَـيْنَهُمْ أوْ أعْرِضْ عَنْهُمْ نسختها: وأنِ احْكُمْ بَـيْنَهُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّهُ وَلا تَتّبعْ أهْوَاءَهُمْ وقوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تُـحِلّوا شَعائِرَ اللّهِ وَلا الشّهْرَ الـحَرَامَ وَلا الهَدْىَ وَلا القَلائِدَ نسختها: اقْتُلُوا الـمُشْرِكينَ حَيْثُ وَجَدْتُـمُوهُمْ.
9454ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عمرو بن عون, قال: أخبرنا هشيـم, عن منصور, عن الـحكم, عن مـجاهد قال: نسختها: وأنِ احْكُمْ بَـيْنَهُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّهُ.
9455ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا حجاج بن منهال, قال: حدثنا همام, عن قتادة, قوله: فإنْ جاءُوكَ فـاحْكُمْ بَـيْنَهُمْ أوْ أعْرِضْ عَنْهُمْ يعنـي الهيود. فأمر الله نبـيه صلى الله عليه وسلم أن يحكم بـينهم, ورخص له أن يعرض عنهم إن شاء, ثم أنزل الله تعالـى الاَية التـي بعدها: وأنْزَلْنا إلَـيْكَ الكِتابَ... إلـى قوله: وأنِ احْكُمْ بَـيْنَهُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّهُ وَلا تَتّبِعْ أهْوَاءَهُمْ فأمر الله نبـيه صلى الله عليه وسلم أن يحكم بـينهم بـما أنزل الله بعد ما رخص له إن شاء أن يعرض عنهم.
9456ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن عبد الكريـم الـجزري: أن عمر بن عبد العزيز كتب إلـى عديّ بن عديّ: إذا جاءك أهل الكتاب فـاحكم بـينهم.
حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا الثوري, عن السديّ, عن عكرمة قال: نسخت بقوله: وأنِ احْكُمْ بَـيْنَهُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّهُ.
9457ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا أبو سفـيان, عن معمر, عن الزهري, قوله: فإنْ جاءُوكَ فـاحْكُمْ بَـيْنَهُمْ أوْ أعْرِضْ عَنْهُمْ قال: مضت السنة أن يُرَدّوا فـي حقوقهم ومواريثهم إلـى أهل دِينهم, إلا أن يأتوا راغبـين فـي حدّ يُحكم بـينهم فـيه بكتاب الله.
9458ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن مفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, قال: لـما نزلت: فـاحْكُمْ بَـيْنَهُمْ أوْ أعْرِضْ عَنْهُمْ كان النبـيّ صلى الله عليه وسلم إن شاء حكم بـينهم, وإن شاء أعرض عنهم. ثم نسخها فقال: وأنِ احْكُمْ بَـيْنَهُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّهُ وَلا تَتّبِعْ أهْوَاءَهُمْ وكان مـجبورا علـى أن يحكم بـينهم.
9459ـ حدثنا مـحمد بن عمار, قال: حدثنا سعيد بن سلـيـمان, قال: حدثنا عبـاد بن العوّام, عن سفـيان بن حسين, عن الـحكم, عن مـجاهد, قال: آيتان نسختا من هذه السورة, يعنـي الـمائدة, آية القلائد, وقوله: فـاحْكُمْ بَـيْنَهُمْ أوْ أعْرِضْ عَنْهُمْ, فكان النبـيّ صلى الله عليه وسلم مخيرا, إن شاء حكم, وإن شاء أعرض عنهم, فردّهم إلـى أن يحكم بـينهم بـما فـي كتابنا.
وأولـى القولـين فـي ذلك عندي بـالصواب قول من قال: إن حكم هذه الاَية ثابت لـم ينسخ, وإن للـحكام من الـخيار فـي الـحكم بـين أهل العهد إذا ارتفعوا إلـيهم فـاحتكموا وترك الـحكم بـينهم والنظر مثل الذي جعله الله لرسوله صلى الله عليه وسلم من ذلك فـي هذه الاَية.
وإنـما قلنا: ذلك أولاهما بـالصواب, لأن القائلـين أن حكم هذه الاَية منسوخ زعموا أنه نسخ بقوله: وأنِ احْكُمْ بَـيْنَهُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّهُ, وقد دللنا فـي كتابنا: «كتاب البـيان عن أصول الأحكام» أن النسخ لا يكون نسخا إلا ما كان نفـيا لـحكم غيره بكلّ معانـيه, حتـى لا يجوز اجتـماع الـحكم بـالأمرين جميعا علـى صحته بوجه من الوجوه, بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع. وإذ كان ذلك كذلك, وكان غير مستـحيـل فـي الكلام أن يقال: وأن احكم بـينهم بـما أنزل الله, ومعناه: وأن احكم بـينهم بـما أنزل الله إذ حكمت بـينهم بـاخيتارك الـحكم بـينهم إذا اخترت ذلك ولـم تـختر الإعراض عنهم, إذ كان قد تقدم إعلام الـمقول له ذلك من قائله أن له الـخيار فـي الـحكم وترك الـحكم كان معلوما بذلك أن لا دلالة فـي قوله: وأنِ احْكُمْ بَـيْنَهُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّهُ أنه ناسخ قوله: فإنْ جاءُوكَ فـاحْكُمْ بَـيْنَهُمْ أوْ أعْرِضْ عَنْهُمْ وَإنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرّوكَ شَيْئا وَإنْ حَكَمْتَ فـاحْكُمْ بَـيْنَهُمْ بـالقِسْطِ لـما وصفنا من احتـمال ذلك ما بـينا, بل هو دلـيـل علـى مثل الذي دلّ علـيه قوله: وَإنْ حَكَمْتَ فـاحْكُمْ بَـيْنَهُمْ بـالقِسْطِ. وإذا لـم يكن فـي ظاهر التنزيـل دلـيـل علـى نسخ إحدى الاَيتـين الأخرى, ولا نفـي أحد الأمرين حكمَ الاَخر, ولـم يكن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر يصحّ بأن أحدهما ناسخ صاحبه, ولا من الـمسلـمين علـى ذلك إجماع صحّ ما قلنا من أن كلا الأمرين يؤيد أحدهما صاحبه ويوافق حكمه حكمه ولا نسخ فـي أحدهما للاَخر.
وأما قوله: وَإنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرّوكَ شَيْئا فإن معناه: وإن تعرض يا مـحمد عن الـمـحتكمين إلـيك من أهل الكتاب فتدع النظر بـينهم فـيـما احتكموا فـيه إلـيك, فلا تـحكم فـيه بـينهم, فلن يضرّوك شيئا, يقول: فلن يقدروا لك علـى ضرّ فـي دين ولا دنـيا, فدع النظر بـينهم إذا اخترت ترك النظر بـينهم.
وأما قوله: وَإنْ حَكَمْتَ فـاحْكُمْ بَـيْنَهُمْ بـالقِسْطِ فإن معناه: وإن اخترت الـحكم والنظر يا مـحمد بـين أهل العهد إذا أتوك, فـاحكم بـينهم بـالقسط, وهو العدل, وذلك هو الـحكم بـما جعله الله حكما فـي مثله علـى جميع خـلقه من أمة نبـينا صلى الله عليه وسلم.
وبنـحو ما قلنا فـي ذلك قال جماعة أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
9460ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا مغيرة, عن إبراهيـم والشعبـي: وَإنْ حَكَمْتَ فـاحْكُمْ بَـيْنَهُمْ بـالقِسْطِ قالا: إن حكم بـينهم حكم بـما فـي كتاب الله.
9461ـ حدثنا سفـيان, قال: حدثنا يزيد بن هاون, عن العوّام بن حوشب, عن إبراهيـم: وَإنْ حَكَمْتَ فـاحْكُمْ بَـيْنَهُمْ بـالقِسْطِ قال: أمِر أن يحكم فـيهم بـالرجم.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عمرو بن عون, قال: أخبرنا هشيـم, عن العوّام, عن إبراهيـم التـيـمي فـي قوله: وَإنْ حَكَمْتَ فـاحْكُمْ بَـيْنَهُمْ بـالقِسْطِ قال: بـالرجم.
9462ـ حدثنا الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: بـالقِسْطِ: بـالعدل.
حدثنا هناد, قال: حدثنا هشيـم, عن العوّام بن حوشب, عن إبراهيـم التـيـمي فـي قوله: فـاحْكُمْ بَـيْنَهُمْ بـالقِسْطِ قال: أمر أن يحكم بـينهم بـالرجم.
وأما قوله: إنّ اللّهَ يُحِبّ الـمُقْسِطِينَ فمعناه: إن الله يحبّ العاملـين فـي حكمه بـين الناس, القاضين بـينهم بحكم الله الذي أنزله فـي كتابه وأمر أنبـياءه صلوات الله علـيهم, يقال منه: أقسط الـحاكم فـي حكمه إذا عدل وقضى بـالـحقّ يُقسط إقساطا به. وأما قسط فمعناه: الـجور, ومنه قول الله تعالـى: وأمّا القاسِطُونَ فَكانُوا لِـجَهَنّـمَ حَطَبـا يعنـي بذلك: الـجائرين علـى الـحقّ.
الآية : 43
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَكَيْفَ يُحَكّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللّهِ ثُمّ يَتَوَلّوْنَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَآ أُوْلَـَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ }..
يعنـي تعالـى ذكره: وكيف يحكمك هؤلاء الـيهود يا مـحمد بـينهم, فـيرضون بك حكما بـينهم, وعندهم التوراة التـي أنزلتها علـى موسى, التـي يقرّون بها أنها حقّ وأنها كتابـي الذي أنزلته علـى نبـي, وأن ما فـيه من حكم فمن حكمي, يعلـمون ذلك لا يتناكرونه ولا يتدافعونه, ويعلـمون أن حكمي فـيها علـى الزانـي الـمـحصن الرجم, وهم مع عملهم بذلك يَتَولّوْنَ يقول: يتركون الـحكم به بعد اعلـم بحكمي فـيه جراءة علـيّ وعصيانا لـي. وهذا وإن كان من الله تعالـى ذكره خطابـا لنبـيه صلى الله عليه وسلم, فإنه تقريع منه للـيهود الذين نزلت فـيهم هذه الاَية, يقول لهم تعالـى: كيف تقرّون أيها الـيهود بحكم نبـي مـحمد صلى الله عليه وسلم مع جحود نبوّته وتكذيبكم إياه, وأنتـم تتركون حكمي الذي تقرّون به أنه حقّ علـيكم واجب جاءكم به موسى من عند الله؟ يقول: فإذا كنتـم تتركون حكمي لـيس مَن فعل هذا الفعل: أي من تولـى عن حكم الله الذي حكم به فـي كتابه الذي أنزله علـى نبـيه فـي خـلقه بـالذي صدّق الله ورسوله فأقرّ بتوحيده ونبوّة نبـيه صلى الله عليه وسلم لأن ذلك لـيس من فعل أهل الإيـمان. وأصل التولـي عن الشيء: الانصراف عنه كما:
9463ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن عبد الله بن كثـير: ثُمّ يَتَوَلّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ قال: تولـيهم ما تركوا من كتاب الله.
9464ـ حدثنا الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية بن صالـح, عن علـي بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس, قوله: وكَيْفَ يُحَكّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التّوْرَاةُ فِـيها حُكْمُ اللّهِ يعنـي: حدود الله, فأخبر الله بحكمه فـي التوراة.
9465ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَعِنْدَهُمُ التّوْرَاةُ فِـيها حُكْمُ اللّهِ: أي بـيان الله ما تشاجروا فـيه من شأن قتـيـلهم, ثمّ يَتَوَلّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ الاَية.
9466ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن مفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, قال: قال يعنـي الربّ تعالـى ذكره يعيرهم: وكَيْفَ يُحَكّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التّوْرَاةَ فِـيها حُكمُ اللّهِ يقول الرجم.
الآية : 44
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِنّآ أَنزَلْنَا التّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النّبِيّونَ الّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلّذِينَ هَادُواْ وَالرّبّانِيّونَ وَالأحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَآءَ فَلاَ تَخْشَوُاْ النّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَن لّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ }..
يقول تعالـى ذكره: إنا أنزلنا التوراة فـيها بـيان ما سألك هؤلاء الـيهود عنه من حكم الزانـيـين الـمـحصنـين, ونُورٌ يقول: وفـيها جلاء ما أظلـم علـيهم وضياء ما التبس من الـحكم. يَحْكُمُ بها النّبِـيّونَ الّذِينَ أَسْلَـمُوا يقول: يحكم بحكم التوراة فـي ذلك: أي فـيـما احتكموا إلـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم فـيه من أمر الزانـيـين النبـيون الذين أسلـموا, وهم الذين أذعنوا الـحكم الله وأقرّوا به. وإنـما عنى الله تعالـى ذكره بذلك نبـينا مـحمدا صلى الله عليه وسلم فـي حكمه علـى الزانـيـين الـمـحصنـين من الـيهود بـالرجم, وفـي تسويته بـين دم قتلـى النضير وقُريظة فـي القصاص والدية, ومَنْ قبل مـحمد من الأنبـياء يحكم بـما فـيها من حكم الله. كما:
9467ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن مفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: إنّا أنْزَلْنا التّوْرَاةَ فِـيها هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِها النّبِـيّونَ الّذِينَ أسْلَـمُوا يعنـي النبـيّ صلى الله عليه وسلم.
9468ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد بن زريع, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قال: ذكر لنا أن نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول لـما أنزلت هذه الاَية: «نَـحْنُ نَـحْكُمُ علـى الـيَهُودِ وَعلـى مَنْ سِوَاهُمْ مِنْ أهْلِ الأدْيانِ».
9469ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن الزهري, قال: حدثنا رجل من مزينة ونـحن عند سعيد بن الـمسيب, عن أبـي هريرة قال: زنى رجل من الـيهود بـامرأة, فقال بعضهم لبعض: اذهبوا بنا إلـى هذا النبـيّ فإنه نبـيّ بعث بتـخفـيف, فإن أفتانا بفتـيا دون الرجم قبلناها واحتـججنا بها عند الله وقلنا: فتـيا نبـيّ من أنبـيائك قال: فأتوا النبـيّ صلى الله عليه وسلم وهو جالس فـي الـمسجد فـي أصحابه, فقالوا: يا أبـا القاسم ما تقول فـي رجل وامرأة منهم زنـيا؟ فلـم يكلـمهم كلـمة, حتـى أتـى بـيت الـمِدْراس, فقام علـى البـاب, فقال: «أَنْشُدُكُمْ بـاللّهِ الّذِي أنْزَلَ التّوْرَاةَ علـى مُوسَى ما تَـجِدُونَ فِـي التّوْرَاةِ علـى مَنْ زَنى إذَا أُحْصِنَ؟» قالوا: يُحَمّـمـم ويُجَبّهُ ويجلد والتـجبـيه: أن يحمل الزانـيان علـى حمار تقابل أقـفـيتهما, ويطاف بهما وسكت شاب, فلـما رآه سكت ألظّ به النّشْدة, فقال: اللهمّ إذ نَشَدْتنا, فإنا نـجد فـي التوراة الرجم. فقال النبـيّ صلى الله عليه وسلم: «فَمَا أوّلُ ما ارْتُـخِصَ أمْرُ اللّهِ؟» قال: زنى رجل ذو قرابة من ملك من ملوكنا فأخر عنه الرجم, ثم زنـي رجل فـي أسرة من الناس, فأراد رجمه, فحال قومه دونه, وقالوا: لا ترجم صاحبنا حتـى تـجيء بصاحبك فترجمه, فـاصطلـحوا علـى هذه العقوبة بـينهم. قال النبـيّ صلى الله عليه وسلم: «فإنّى أحْكُم بِـمَا فِـي التّوْرَاةِ». فأمِر بهما فرجما. قال الزهري: فبلغنا أن هذه الاَية نزلت فـيهم إنّا أنْزَلْنا التّوْرَاةَ فِـيها هُدّى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِها النّبِـيّونَ الّذِينَ أسْلَـمُوا فكان النبـيّ منهم.
9470ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن عكرمة, قوله: يَحْكُمُ بِها النّبِـيّونَ الّذِينَ أسْلَـمُوا النبـيّ صلى الله عليه وسلم ومن قبله من الأنبـياء يحكمون بـما فـيها من الـحقّ.
9471ـ حدثنا الـمثنى, قال: حدثنا عمرو بن عون, قال: أخبرنا هشيـم, عن عوف, عن الـحسن فـي قوله: يَحْكُمُ بِها النّبِـيّونَ الّذِينَ أسْلَـمُوا يعنـي النبـيّ صلى الله عليه وسلم. لِلّذِينَ هادُوا يعنـي الـيهود, فـاحكم بـينهم ولا تـخشهم.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَالرّبـانِـيّونَ وَالأحْبـارُ بِـمَا اسْتُـحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللّهِ وكانُوا عَلَـيْهِ شُهَدَاءَ.
يقول تعالـى ذكره: ويحكم بـالتوراة وأحكامها التـي أنزل الله فـيها فـي كلّ زمان علـى ما أمر بـالـحكم به فـيها مع النبـيـين الذين أسلـموا, الربـانـيون والأحبـار. والربـانـيون: جمع ربـانـيّ, وهم العلـماء الـحكماء, البصراء بسياسة الناس وتدبـير أمورهم والقـيام بـمصالـحهم. والأحبـار: هم العلـماء. وقد بـينا معنى الربـانـيـين فـيـما مضى بشواهده, وأقوال أهل التأويـل فـيه. وأما الأحبـار: فإنهم جمع حبر, وهو العالـم الـمـحكم للشيء, ومنه قـيـل لكعب: كعب الأحبـار. وكان الفرّاء يقول: أكثر ما سمعت العرب تقول فـي واحد الأحبـار: حِبر بكسر الـحاء.
وكان بعض أهل التأويـل يقول: عُنى بـالربـانـيـين والأحبـار فـي هذا الـموضع: ابنا صوريا اللذان أقرّا لرسول الله صلى الله عليه وسلم بحكم الله تعالـى فـي التوراة علـى الزانـيـين الـمـحصنـين. ذكر من قال ذلك:
9472ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, قال: كان رجلان من الـيهود أخوان يقال لهما ابنا صوريا, وقد اتبعا النبـيّ صلى الله عليه وسلم ولـم يسلـما, وأعطياه عهدا أن لا يسألهما عن شيء فـي التوراة إلا أخبراه به. وكان أحدهما رِبّـيّا, والاَخر حبرا, وإنـما اتبعا النبـيّ صلى الله عليه وسلم يتعلـمان منه. فدعاهما فسألهما, فأخبراه الأمر كيف كان حين زنى الشريف وزنى الـمسكين, وكيف غيروه. فأنزل الله: إنّا أنْزَلْنا التّوْرَاةَ فِـيها هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِها النّبِـيّونَ الّذِينَ أسْلَـمُوا للّذِينَ هادُوا يعنـي: النبـيّ صلى الله عليه وسلم والربـانـيون والأحبـار: هما ابنا صوريا. لِلّذِينَ هادُوا. ثم ذكر ابنى صوريا, فقال: وَالرّبـانِـيّونَ وَالأحْبـارُ بِـمَا اسْتُـحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللّهِ وكانُوا عَلَـيْهِ شُهَدَاءَ.
والصواب من القول فـي ذلك عندي, أن يقال: إن الله تعالـى ذكره أخبر أن التوراة يحكم بها مسلـمو الأنبـياء للـيهود والربـانـيون من خـلقه والأحبـار. وقد يجوز أن يكون عُنـي بذلك ابنا صوريا وغيرهما, غير أنه قد دخـل فـي ظاهر التنزيـل مسلـمو الأنبـياء وكلّ ربـانـي وحبر, ولا دلالة فـي ظاهر التنزيـل علـى أنه معنىّ به خاصّ من الربـانـيـين والأحبـار, ولا قامت بذلك حجة يجب التسلـيـم لها, فكلّ ربـانـي وحبر داخـل فـي الاَية بظاهر التنزيـل.
وبـمثل الذي قلنا فـي تأويـل الأحبـار قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
9473ـ حدثنا سفـيان بن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن سلـمة, عن الضحاك: الربـانـيون والأحبـار: قرّاؤهم وفقهاؤهم.
9474ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا حفص, عن أشعث, عن الـحسن: الربـانـيون والأحبـار: الفقهاء والعلـماء.
9475ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا ابن عيـينة, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: الربـانـيون العلـماء الفقهاء, وهم فوق الأحبـار.
9476ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: الربـانـيون: فقهاء الـيهود, والأحبـار: علـماؤهم.
9477ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا سُنـيد بن داود, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن عكرمة: والرّبّـانِـيّونَ والأَحْبَـارُ كلهم يحكم بـما فـيها من الـحقّ.
9478ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد: الربـانـيون: الولاة, والأحبـار: العلـماء.
وأما قوله: بِـمَا اسْتُـحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللّهِ فإن معناه: يحكم النبـيون الذين أسلـموا بحكم التوراة, والربـانـيون والإحبـار يعنـي العلـماء بـما استودعوا علـمه من كتاب الله الذي هو التوراة. والبـاء فـي قوله: بِـما اسْتُـحْفِظُوا من صلة الأحبـار.
وأما قوله: وكانُوا عَلَـيْهِ شُهَدَاءَ فإنه يعنـي أن الربـانـيـين والأحبـار بـما استودعوا من كتاب الله يحكمون بـالتوراة مع النبـيـين الذين أسملوا للذين هادوا, وكانوا علـى حكم النبـيـين الذين أسلـموا للذين هادوا شهداء أنهم قضوا علـيهم بكتاب الله الذي أنزله علـى نبـيه موسى وقضائه علـيهم. كما:
9479ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس: وكانُوا عَلَـيْهِ شُهَدَاءَ يعنـي الربـانـيـين والأحبـار هم الشهداء لـمـحمد صلى الله عليه وسلم بـما قال أنه حقّ جاء من عند الله, فهو نبـيّ الله مـحمد, أتته الـيهود فقضى بـينهم بـالـحقّ.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: فَلا تَـخْشَوُا النّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بآياتِـي ثَمَنا قَلِـيلاً.
يقول تعالـى ذكره لعلـماء الـيهود وأحبـارهم: لا تـخشوا الناس فـي تنفـيذ حكمي الذي حكمت به علـى عبـادي وإمضائه علـيهم علـى ما أمرت, فإنهم لا يقدرون لكم علـى ضرّ ولا نفع إلا بإذنـي, ولا تكتـموا الرجم الذي جعلته حكما فـي التوراة علـى الزانـيـين الـمـحصنـين, ولكن اخشونـي دون كلّ أحد من خـلقـي, فإن النفع والضرّ بـيدي, وخافوا عقابـي فـي كتـمانكم ما استـحفظتـم من كتابـي. كما:
9480ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: فَلا تَـخْشَوُا النّاسَ وَاخْشَوْنِ يقول: لا تـخشوا الناس فتكتـموا ما أنزلت.
وأما قوله: وَلا تَشْتَرُوا بآياتِـي ثَمَنا قَلِـيلاً يقول: ولا تأخذوا بترك الـحكم بآيات كتابـي الذي أنزلته علـى موسى أيها الأحبـار عوضا خسيسا, وذلك هو الثمن القلـيـل. وإنـما أراد تعالـى ذكره نهيهم عن أكل السحت علـى تـحريفهم كتاب الله وتغيـيرهم حكمه عما حكم به فـي الزّانـيـين الـمـحصنـين, وغير ذلك من الأحكام التـي بدّلوها, طلبـا منهم للرشا كما:
9481ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: وَلا تَشْتَرُوا بآياتِـي ثَمَنا قَلِـيلاً قال: لا تأكلوا السحت علـى كتابـي. وقال مرّة أخرى, قال: قال ابن زيد فـي قوله: وَلا تَشْتَرُوا بآياتِـي ثَمَنا قال: لا تأخذوا به رشوة.
9482ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: وَلا تَشْتَرُوا بآياتِـي ثَمَنا قَلِـيلاً: ولا تأخذوا طُعْما قلـيلاً علـى أن تكتـموا ما أنزلت.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَمَنْ لَـمْ يَحْكُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ.
يقول تعالـى ذكره: ومن كتـم حكم الله الذي أنزله فـي كتابه, وجعله حكما بـين عبـاده فأخفـاه, وحكم بغيره, كحكم الـيهود فـي الزانـيـين الـمـحصنـين بـالتـجبـيه والتـحميـم, وكتـمانهم الرجم, وكقضائهم فـي بعض قتلاهم بدية كاملة وفـي بعض بنصف الدية, وفـي الأشراف بـالقصاص وفـي الأدنـياء بـالدية, وقد سوّى الله بـين جميعهم فـي الـحكم علـيهم فـي التوراة فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ يقول: هؤلاء الذين لـم يحكموا بـما أنزل الله فـي كتابه, ولكن بدّلوا وغيروا حكمه وكتـموا الـحقّ الذي أنزله فـي كتابه. هُمُ الكَافِرُونَ يقول: هم الذين ستروا الـحقّ الذي كان علـيهم كشفه وتبـيـينه وغَطّوه عن الناس وأظهروا لهم غيره وقضوا به لسحت أخذوه منهم علـيه.
وقد اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل الكفر فـي هذا الـموضع. فقال بعضهم بنـحو ما قلنا فـي ذلك, من أنه عنى به الـيهود الذين حرّفوا كتاب الله وبدّلوا حكمه. ذكر من قال ذلك:
9483ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش, عن عبد الله بن مرّة, عن البراء بن عازب, عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم فـي قوله: وَمَنْ لَـمْ يَحْكُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ وَمَنْ لَـمْ يَحْكُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظّالِـمُونَ, وَمَنْ لَـمْ يَحْكُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الفَـاسِقونَ فـي الكافرين كلها.
9484ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا مـحمد بن القاسم, قال: حدثنا أبو حيان, عن أبـي صالـح, قال: الثلاث الاَيات التـي فـي الـمائدة: وَمَنْ لَـمْ يَحْكُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ, فَأُولَئِكَ هُم الظّالِـمُونَ, فَأُولَئِكَ هُمُ الفـاسِقُونَ لـيس فـي أهل الإسلام منها شيء, هي فـي الكفـار.
9485ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن أبـي حيان, عن الضحاك: وَمَنْ لَـمْ يَحْكُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ والظالـمون والفـاسقون قال: نزلت هؤلاء الاَيات فـي أهل الكتاب.
9486ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا الـمعتـمر بن سلـيـمان, قال: سمعت عمران بن حدير, قال: أتـى أبـا مـجلز ناسٌ من بنـي عمرو بن سدوس, فقالوا: يا أبـا مـجلز, أرأيت قول الله: وَمَنْ لَـمْ يَحْكُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ أحقّ هو؟ قال: نعم. قالوا: وَمَنْ لَـمْ يَحْكُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظّالِـمُونَ أحَقّ هو؟ قال: نعم. قالوا: وَمَنْ لَـمْ يَحْكُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الفـاسِقُونَ أحقّ هو؟ قال: نعم. قال: فقالوا: يا أبـا مـجلز, فـيحكم هؤلاء بـما أنزل الله؟ قال: هو دينهم الذي يدينون به, وبه يقولون, وإلـيه يُدْعَوْنَ, فإن هم تركوا شيئا منه عرفوا أنهم قد أصابوا ذنبـا. فقالوا: لا والله, ولكنك تَعْرَفّ. قال: أنتـم أولـى بهذا منـي لا أرى وإنكم ترون هذا ولا تـحرّجون, ولكنها أنزلت فـي الـيهود والنصارى وأهل الشرك. أو نـحوا من هذا.
9487ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا حجاج, قال: حدثنا حماد, عن عمران بن حدير, قال: قعد إلـى أبـي مِـجْلَز نفر من الإبـاضية, قال: فقالوا له: يقول الله: وَمَنْ لَـمْ يَحْكُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ, فَأُولَئِكَ هُمُ الظّالِـمُونَ, فَأُولَئِكَ هُمُ الفـاسِقُونَ. قال أبو مـجلز: إنهم يعملون ما يعملون يعنـي الأمراء ويعلـمون أنه ذنب. قال: وإنـما أنزلت هذه الاَية فـي الـيهود والنصارى. قالوا: أما والله إنك لتعلـم مثل ما نعلـم, ولكنك تـخشاهم. قال: أنتـم أحقّ بذلك منا, أما نـحن فلا نعرف ما تعرفون ولكنكم تعرفونه, ولكن يـمنعكم أن تُـمضوا أمركم من خشيتهم.
9488ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, وحدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن سفـيان, عن حبـيب بن أبـي ثابت, عن أبـي البَختري, عن حذيفة فـي قوله: وَمَنْ لَـمْ يَحْكُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ قال: نعم الإخوة لكم بنو إسرائيـل, إن كانت لكم كلّ حلوة ولهم كلّ مرّة, ولتسلكنّ طريقهم قدر الشراك.
9489ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن أبـي حيان, عن الضحاك: وَمَنْ لَـمْ يَحْكُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ والظّالـمون والفَـاسِقُون قال: نزلت هؤلاء الاَيات فـي أهل الكتاب.
حدثنا هناد بن السريّ, قال: حدثنا وكيع, عن سفـيان, عن حبـيب بن أبـي ثابت, عن أبـي البختري, قال: قـيـل لـحذيفة: وَمَنْ لَـمْ يَحْكُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ ثم ذكر نـحو حديث ابن بشار, عن عبد الرحمن.
حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا الثوريّ, عن حبـيب بن أبـي ثابت, عن أبـي البختري, قال: سأل رجل حذيفة, عن هؤلاء الاَيات: وَمَنْ لَـمْ يَحْكُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ, فَأُولَئِكَ هُمُ الظّالِـمُونَ, فَأُولَئِكَ هُمُ الفـاسِقُونَ قال: فقـيـل: ذلك فـي بنـي إسرائيـل؟ قال: نعم الإخوة لكم بنو إسرائيـل, إن كانت لهم كلّ مرّة, ولكم كلّ حُلْوة, كلا والله لتسلكنّ طريقهم قدر الشراك.
9490ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا الثوريّ, عن رجل, عن عكرمة قال: هؤلاء الاَيات فـي أهل الكتاب.
9491ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَمَنْ لَـمْ يَحْكُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ ذكر لنا أن هؤلاء الاَيات أنزلت فـي قتـيـل الـيهود الذي كان منهم.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن عكرمة, قوله: وَمَنْ لَـمْ يَحْكُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ والظالـمون والفـاسقون, لأهل الكتاب كلهم لـمَا تركوا من كتاب الله.
9492ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي أبو معاوية, عن الأعمش, عن عبد الله بن مرّة, عن البراء بن عازب, قال: مُرّ علـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم بـيهودي مـحمّـم مـجلود, فدعاهم فقال: «هَكَذَا تَـجِدُونَ حَدّ مَنْ زَنَى؟» قالوا: نعم. فدعا رجلاً من علـمائهم, فقال: «أَنْشُدكَ اللّهَ الّذِي أنْزَلَ التّوْرَاةَ علـى مُوسَى, هَكَذَا تَـجِدُونَ حَدّ الزّانِـي فـي كِتابِكُمْ؟» قال: لا, ولولا أنك أنشدتنـي بهذا لـم أخبرك, نـجد حدّه فـي كتابنا الرجم, ولكنه كثر فـي أشرافنا, فكنا إذا أخذنا الشريف تركناه وإذا أخذنا الوضيع أقمنا علـيه الـحدّ, فقلنا تعالوا فلنـجتـمع جميعا علـى التـحميـم والـجلد مكان الرجم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللّهُمّ أنّـي أوّلُ مَنْ أحْيا أمْرَكَ إذْ أماتُوهُ». فأمر به فرجم, فأنزل الله: يا أيّها الرّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الّذِينَ يُسارِعُونَ فِـي الكُفْرِ... إلـى قوله: وَمَنْ لَـمْ يَحْكُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ يعنـي الـيهود, فَأُولَئِكَ هُمُ الظّالِـمُونَ يعنـي الـيهود, فَأُولَئِكَ هُمُ الفـاسِقُونَ للكفـار كلها.
9493ـ حدثنـي يونس بن عبد الأعلـى, أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: وَمَنْ لَـمْ يَحْكُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ قال: من حكم بكتابه الذي كتب بـيده وترك كتاب الله وزعم أن كتابه هذا من عند الله, فقد كفر.
حدثنا هناد, قال: حدثنا أبو معاوية, عن الأعمش, عن عبد الله بن مرّة, عن البراء بن عازب, عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم, نـحو حديث القاسم, عن الـحسن. غير أن هنادا قال فـي حديثه: فقلنا: تعالوا فلنـجتـمع فـي شيء نقـيـمه علـى الشريف والضعيف فـاجتـمعنا علـى التـحميـم والـجلد مكان الرجم. وسائر الـحديث نـحو حديث القاسم.
9494ـ حدثنا الربـيع, قال: حدثنا ابن وهب, قال: حدثنا ابن أبـي الزناد, عن أبـيه, قال: كنا عند عبـيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود, فذكر رجل عنده: وَمَنْ لَـم يَحْكُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ وَمَنْ لَـمْ يَحْكُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظّالِـمُونَ وَمَنْ لَـمْ يَحْكُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الفـاسِقُونَ فقال عبـيد الله: أما والله إن كثـيرا من الناس يتأوّلون هؤلاء الاَيات علـى ما لـم ينزلن علـيه, وما أنزلن إلا فـي حيـين من يهود. ثم قال: هي قريظة والنضير وذلك أن إحدى الطائفتـين كانت قد غزت الأخرى وقهرتها قبل قدوم النبـيّ صلى الله عليه وسلم الـمدينة, حتـى ارتضوا واصطلـحوا علـى أن كل قتـيـل قتلته العزيزة من الذلـيـلة فديته خمسون وسقا, وكلّ قتـيـل قتلته الذلـيـلة من العزيزة فديته مئة وسق. فأعطوهم فَرَقا وضَيـمْا. فقدم النبـيّ صلى الله عليه وسلم وهم علـى ذلك, فذلت الطائفتان بـمقدم النبـيّ صلى الله عليه وسلم, والنبـيّ صلى الله عليه وسلم لـم يظهر علـيهما. فبـينـما هما علـى ذلك أصابت الذلـيـلة من العزيزة قتـيلاً, فقالت العزيزة: أعطونا مائة وسق فقالت الذلـيـلة: وهل كان هذا قطّ فـي حيـين دينهما واحد وبلدهما واحد دية بعضهم ضعف دية بعض؟ إنـما أعطيناكم هذا فرقا منكم وضَيْـما, فـاجعلوا بـيننا وبـينكم مـحمدا صلى الله عليه وسلم فتراضيا علـى أن يجعلوا النبـيّ صلى الله عليه وسلم بـينهم. ثم إن العزيزة تذاكرت بـينها, فخشيت أن لا يعطيها النبـيّ صلى الله عليه وسلم من أصحابها ضعف ما تعطي أصحابها منها, فدسوا إلـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم إخوانهم من الـمنافقـين, فقالوا لهم: اخبُروا لنا رأى مـحمد صلى الله عليه وسلم, فإن أعطانا ما نريد حكمناه, وإن لـم يعطنا حذرناه ولـم نـحكمه فذهب الـمنافق إلـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم, فأعلـم الله تعالـى ذكره النبـيّ صلى الله عليه وسلم ما أرادوا من ذلك الأمر كله. قال عبـيد الله: فأنزل الله تعالـى ذكره فـيهم: يا أيّها الرّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الّذِينَ يُسارِعُونَ فِـي الكُفْرِ هؤلاء الاَيات كلهن, حتـى بلغ: وَلْـيَحْكُمْ أهْلـخ الإنْـجِيـلِ بِـمَا أنْزَلَ اللّهُ فِـيهِ... إلـى الفـاسِقُونَ قرأ عبـيد الله ذلك آية آية وفسرها علـى ما أنزل, حتـى فرغ من تفسير ذلك لهم فـي الاَيات, ثم قال: إنـما عنى بذلك يهود, وفـيهم أنزلت هذه الصفة.
وقال بعضهم: عنى بـالكافرين أهل الإسلام, وبـالظالـمين: الـيهود, وبـالفـاسقـين: النصارى. ذكر من قال ذلك:
9495ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن زكريا, عن عامر, قال: نزلت «الكافرون» فـي الـمسلـمين, و«الظالـمون» فـي الـيهود, و«الفـاسقون» فـي النصارى.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا ابن يـمان, عن سفـيان, عن ابن أبـي السفر, عن الشعبـيّ, قال: «الكافرون» فـي الـمسلـمين, و«الظالـمون» فـي الـيهود, و«الفـاسقون» فـي النصارى.
9496ـ حدثنا ابن وكيع وأبو السائب, وواصل بن عبد الأعلـى, قالوا: حدثنا ابن فضيـل, عن ابن شبرمة, عن الشعبـيّ, قال: آية فـينا, وآيتان فـي أهل الكتاب: وَمَنْ لَـمْ يَحْكُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ فـينا وفـيهم: وَمَنْ لَـمْ يَحْكُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظّالِـمُونَ و«الفـاسقون» فـي أهل الكتاب.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن سفـيان, عن جابر, عن عامر, مثل حديث زكريا عنه.
9497ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث, قال: حدثنا شعبة, عن ابن أبـي السفر, عن الشعبـي: وَمَنْ لَـمْ يَحْكُمْ بِـما أنْزَلَ اللّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ قال: هذا فـي الـمسلـمين. وَمَنْ لَـمْ يَحْكُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الفـاسِقُونَ قال: النصارى.
حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا زكريا بن أبـي زائدة, عن الشعبـيّ, قال فـي هؤلاء الاَيات التـي فـي الـمائدة: وَمَنْ لَـمْ يَحْكُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ قال: فـينا أهل الإسلام. وَمَنْ لَـمْ يَحْكُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظّالِـمُونَ قال: فـي الـيهود. وَمَنْ لَـمْ يَحْكُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّهُ فَأُولُئِكَ هُمُ الفـاسِقُونَ قال: فـي النصارى.
حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي, قال: حدثنا سفـيان, عن زكريا بن أبـي زائدة, عن الشعبـي فـي قوله: وَمَنْ لَـمْ يَحْكُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ قال: نزلت الأولـى فـي الـمسلـمين, والثانـي فـي الـيهود, والثالثة فـي النصارى.
حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا الثوريّ, عن زكريا, عن الشعبـيّ, بنـحوه.
حدثنا هناد, قال: حدثنا يعلـى, عن زكريا, عن عامر, بنـحوه.
وقال آخرون: بل عُنى بذلك: كفردون كفر, وظلـم دون ظلـم, وفسق دون فسق. ذكر من قال ذلك:
9498ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن ابن جريج, عن عطاء, قوله: وَمَنْ لَـمْ يَحْكُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ وَمَنْ لَـمْ يَحْكُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظّالِـمُونَ وَمَنْ لَـمْ يَحْكُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الفـاسِقُونَ قال: كفر دون كفر, وفسق دون فسق, وظلـم دون ظلـم.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا حماد بن سلـمة, عن أيوب, عن عطاء, مثله.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا الـحجاج, قال: حدثنا حماد, عن أيوب بن أبـي تـميـمة, عن عطاء بن أبـي ربـاح بنـحوه.
حدثنا هناد بن السريّ, قال: حدثنا وكيع, عن سفـيان, عن ابن جريج, عن عطاء, بنـحوه.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن سفـيان, عن ابن جريج, عن عطاء, بنـحوه.
حدثنا هناد, قال: حدثنا وكيع, وحدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن سفـيان, عن سعيد الـمكيّ, عن طاوس: وَمَنْ لَـمْ يَحْكُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ قال: لـيس بكفر ينقل عن الـملة.
9499ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا وكيع, وحدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن سفـيان, عن معمر بن راشد, عن ابن طاوس, عن أبـيه, عن ابن عبـاس: وَمَنْ لَـمْ يَحْكُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُون قال: هي به كفر, ولـيس كفرا بـالله وملائكته وكتبه ورسله.
حدثنـي الـحسن, قال: حدثنا أبو أسامة, عن سفـيان, عن معمر, عن ابن طاوس, عن أبـيه, قال: قال رجل لابن عبـاس فـي هذه الاَيات: وَمَنْ لَـمْ يَحْكُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّهُ فمن فعل هذا فقد كفر؟ قال ابن عبـاس: إذا فعل ذلك فهو به كفر, ولـيس كمن كفر بـالله والـيوم الاَخر وبكذا وكذا.
حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن ابن طاوس, عن أبـيه, قال: سئل ابن عبـاس عن قوله: وَمَنْ لَـمْ يَحْكمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكافرون قال هي به كفر قال ابن طاووس به كفر, ولـيس كمن كفر بـالله والـيوم الاَخر وبكذا وكذا.
حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن ابن طاوس, عن أبـيه, قال: سئل ابن عبـاس عن قوله: وَمَنْ لَـمْ يَحْكمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكافرون قال كفر لا ينقل عن الكلـمة قال وقال قال عطاء: كفر دون كفر, وظلـم دون ظلـم, وفسق دون فسق.
وقال آخرون: بل نزلت هذه الاَيات فـي أهل الكتاب, وهي مراد بها جميع الناس مسلـموهم وكفـارهم. ذكر من قال ذلك:
9500ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا الثوريّ, عن منصور, عن إبراهيـم قال: نزلت هذه الاَيات فـي بنـي إسرائيـل, ورضي لهذه الأمة بها.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن سفـيان, عن منصور, عن إبراهيـم: وَمَنْ لَـمْ يَحْكُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ قال: نزلت فـي بنـي إسرائيـل, ورضي لكم بها.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن مصور, عن إبراهيـم فـي هذه الاَية: وَمَنْ لَـمْ يَحْكُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ قال: نزلت فـي بنـي إسرائيـل, ثم رضي بها لهؤلاء.
9501ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عمرو بن عون, قال: أخبرنا هشيـم, عن عوف, عن الـحسن فـي قوله: وَمَنْ لَـمْ يَحْكُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ قال: نزلت فـي الـيهود, وهي علـينا واجبة.
9502ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا عبد الـملك بن أبـي سلـيـم, عن سلـمة بن كهيـل, عن علقمة ومسروق: أنهما سألا ابن مسعود عن الرشوة, فقال: من السحت. قال: فقالا: أفـي الـحكم؟ قال: ذاك الكفر. ثم تلا هذه الاَية: وَمَنْ لَـمْ يَحْكُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ.
حدثنـي مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن مفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: وَمَنْ لَـمْ يَحْكُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّهُ يقول: ومن لـم يحكم بـما أنزلتُ فتركه عمدا وجار وهو يعلـم فهو من الكافرين.
وقال آخرون: معنى ذلك: ومن لـم يحكم بـما أنزل الله جاحدا به, فأما الظلـم والفسق فهو للـمقرّ به ذكر من قال ذلك:
9503ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية بن صالـح, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس, قوله: وَمَنْ لَـمْ يَحْكُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ قال: من جحد ما أنزل الله فقد كفر, ومن أقرّ به ولـم يحكم فهو ظالـم فـاسق.
وأولـى هذه الأقوال عندي بـالصواب, قول من قال: نزلت هذه الاَيات فـي كافر أهل الكتاب, لأن ما قبلها وما بعدها من الاَيات ففـيهم نزلت وهم الـمعِنـيون بها, وهذه الاَيات سياق الـخبر عنهم, فكونها خبرا عنهم أولـى.
فإن قال قائل: فإن الله تعالـى ذكره قد عمّ بـالـخبر بذلك عن جميع من لـم يحكم بـما أنزل الله, فكيف جعلته خاصّا؟ قـيـل: إن الله تعالـى عمّ بـالـخبر بذلك عن قوم كانوا بحكم الله الذي حكم به فـي كتابه جاحدين فأخبر عنهم أنهم بتركهم الـحكم علـى سبـيـل ما تركوه كافرون. وكذلك القول فـي كلّ من لـم يحكم بـما أنزل الله جاحدا به, هو بـالله كافر, كما قال ابن عبـاس لأنه بجحوده حكمَ الله بعد علـمه أنه أنزله فـي كتابه نظير جحوده نبوّة نبـيه بعد علـمه أنه نبـيّ.
الآية : 45
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَآ أَنّ النّفْسَ بِالنّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأنْفَ بِالأنْفِ وَالاُذُنَ بِالاُذُنِ وَالسّنّ بِالسّنّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدّقَ بِهِ فَهُوَ كَفّارَةٌ لّهُ وَمَن لّمْ يَحْكُم بِمَآ أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـَئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ }..
يقول تعالـى ذكره: وكتبنا علـى هؤلاء الـيهود الذين يحكمونك يا مـحمد, وعندهم التوراة فـيها حكم الله. ويعنـي بقوله: كَتَبْنا: فرضنا علـيهم فـيها أن يحكموا فـي النفس إذا قتلت نفسا بغير حقّ بـالنفس, يعنـي: أن تقتل النفس القاتلة بـالنفس الـمقتولة. والعَيْنَ بـالعَيْن يقول: وفرضنا علـيهم فـيها أن يفقئوا العين التـي فقأ صاحبها مثلها من نفس أخرى بـالعين الـمفقوءة, ويجدع الأنف بـالأنف, ويقطع الأذن بـالأذن, ويقلع السنّ بـالسنّ, ويقتصّ من الـجارح غيره ظلـما للـمـجروح. وهذا إخبـار من الله تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم عن الـيهود, وتعزية منه له عن كفر من كفر منهم به بعد إقراره بنبوّته وإدبـاره عنه بعد إقبـاله, وتعريف منه له جراءتهم قديـما وحديثا علـى ربهم وعلـى رسل ربهم وتقدمهم علـى كتاب الله بـالتـحريف والتبديـل يقول تعالـى ذكره له: وكيف يرضى هؤلاء الـيهود يا مـحمد بحكمك إذا جاءوا يحكمونك وعندهم التوراة التـي يقرّون بها أنها كتابـي ووحيـي إلـى رسولـي موسى صلى الله عليه وسلم فـيها حكمي بـالرجم علـى الزناة الـمـحصَنـين, وقضائي بـينهم أن من قتل نفسا ظلـما فهو بها قَوَد, ومن فقأ عينا بغير حقّ فعينه بها مفقوءة قصاصا, ومن جدع أنفـا فأنفه به مـجدوع, ومن قلع سنَا فسنه بها مقلوعة, ومن جرح غيره جرحا فهو مقتصّ منه مثل الـجرح الذي جرحه, ثم هم مع الـحكم الذي عنده فـي التوراة من أحكامي يتولون عنه ويتركون العمل به يقول: فهم بترك حكمك وبسخط قضائك بـينهم أحرى وأولـى.
وبنـحو ما قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
9504ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قال: لـما رأت قُرَيظة النبـيّ صلى الله عليه وسلم قد حكم بـالرجم وكانوا يخفونه فـي كتابهم, نهضت قريظة, فقالوا: يا مـحمد اقض بـيننا وبـين إخواننا بنـي النضير وكان بـينهم دم قبل قدوم النبـيّ صلى الله عليه وسلم, وكانت النضير يتعزّزون علـى بنـي قريظة ودياتهم علـى أنصاف ديات النضير, وكانت الدية من وُسُوق التـمر أربعين ومئة وسق لبنـي النضير وسبعين وسقا لبنـي قريظة. فقال: «دَمُ القُرَضِيّ وَفَـاءٌ مِنْ دَمه النّضِيريّ». فغضب بنو النضير, وقالوا: لا نطيعك فـي الرجم, ولكن نأخذ بحدودنا التـي كنا علـيها فنزلت: أفَحُكْمَ الـجاهِلِـيّةِ يَبْغونَ, ونزل: وكَتَبْنا عَلَـيْهِمْ فِـيها أنّ النّفْسَ بـالنّفْسِ... الاَية.
9505ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية بن صالـح, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس: وَكَتَبْنا عَلَـيْهِمْ فِـيها أنّ النّفْسَ بـالنّفْسِ وَالَعيْنَ بـالعَيْنِ وَالأنْفَ بـالأنْفِ وَالأُذُنَ بـالأُذُنِ وَالسّنّ بـالسّنّ وَالـجُرُوحَ قِصَاصٌ قال: فما بـالهم يخالفون, يقتلون النفسين بـالنفس, ويفقئون العينـين بـالعين؟.
9506ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا خلاد الكوفـيّ, قال: حدثنا الثوريّ, عن السديّ, عن أبـي مالك, قال: كان بـين حَيّـين من الأنصار قتال, فكان بـينهم قتلـي, وكان لأحد الـحَيّـين علـى الاَخر طَوْلٌ. فجاء النبـيّ صلى الله عليه وسلم, فجعل يجعل الـحرّ بـالـحرّ, والعبد بـالعبد, والـمرأة بـالـمرأة فنزلت: الـحُرّ بـالـحُرّ وَالعَبْدُ بـالعَبْدِ. قال سفـيان: وبلغنـي عن ابن عبـاس أنه قال: نسختها: النّفْسَ بـالنّفس.
9507ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قا: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: وَكَتَبْنا عَلَـيْهِمْ فِـيها أنّ النّفْسَ بـالنّفْسِ فـيها فـي التوراة, وَالعينَ بـالعينِ حتـى: وَالـجُرُوحَ قِصَاصٌ قال مـجاهد عن ابن عبـاس, قال: كان علـي بنـي إسرائيـل القصاص فـي القتلـى, لـيس بـينهم دية فـي نفس ولا جرح. قال: وذلك قول الله تعالـى ذكره: وكَتَبْـا عَلَـيْهِمْ فِـيها فـي التوراة, فخفف الله عن أمة مـحمد صلى الله عليه وسلم, فجعل علـيـم الدية فـي النفس والـجراح, وذلك تـخفـيف من ربكم ورحمة, فمن تصدّق به فهو كفـارة له.
9508ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية بن صالـح, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس, قوله: وَكَتَبْنا عَلَـيْهِمْ فِـيها أنّ النّفْسَ بـالنّفْسِ وَالعَيْنَ بـالعَيْنِ وَالأنْفَ بـالأنْف والأُذُن بـالأذُن وَالسّنّ بـالسّنّ والـجُرُوحَ قِصَاصٌ قال: إن بنـي إسرائيـل لـم يجعل لهم دية فـيـما كتب الله لـموسى فـي التوراة من نفس قتلت, أو جرح, أو سنّ, أو عين, أو أنف, إنـما هو القصاصُ أو العفو.
9509ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وكَتَبْنا عَلَـيْهِمْ فِـيها أبـي فـي التوراة, أنّ النّفْسَ بـالنّفْسِ.
9510ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: وكَتَبْنا عَلَـيْهِمْ فِـيها أي فـي التوراة, أنّ النّفْسَ بـالنّفْسِ.
9511ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: وكَتَبْنا عَلَـيْهِمْ فِـيهَا أنّ النّفْسَ بـالنّفْسِ... حتـى بلغ: والـجُرُوحَ قَصَاصٌ بعضها ببعض.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية بن صالـح, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس, قوله: أنّ النّفْسي قوله: وكَتَبْنا عَلَـيْهِمْ فِـيهَا أنّ النّفْسَ بـالنّفْسِ... حتـى بلغ: والـجُرُوحَ قَصَاصٌ بعضها ببعض.
حدثنـي الـمثنى, قا: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية بن صالـح, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس, قوله: أنّ النّفْسما بـينهم إذا كان عمدا فـي النفس وما دون النفس.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: فَمَنْ تَصَدّقَ بِهِ فَهُوَ كَفّـارَةٌ لَهُ.
اختلف أهل التأويـل فـي الـمعنّى به: فَمَنْ تَصَدّقَ بِهِ فَهُوَ كَفّـارَةٌ لَهُ فقال بعضهم: عُنـي بذلك الـمـجروحُ وولـىّ القتـيـل. ذكر من قال ذلك:
9512ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن قـيس بن مسلـم, عن طارق بن شهاب, عن الهثـيـم بن الأسود, عن عبد الله بن عمرو: فَمَنْ تَصَدّقَ بِهِ فَهُوَ كَفّـارَةٌ لَهُ قال: يُهدم عنه يعنـي الـمـجروح مثل ذلك من ذنوبه.
حدثنا سفـيان, قال: حدثنا أبـي, عن سفـيان, عن قـيس بن مسلـم, عن طارق بن شهاب, عن الهيثم بن الأسود, عن عبد الله بن عمرو بنـحوه.
حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن قـيس بن مسلـم, عن طارق بن شهاب, عن الهيثم بن الأسود أبـي العريان, قال: رأيت معاوية قاعدا علـى السرير وإلـى جنبه رجل آخر كأنه مولـى, وهو عبد الله بن عمرو, فقال فـي هذه الاَية: فَمَنْ تَصَدّقَ بِهه فَهُوَ كَفّـارَةٌ لَهُ قال: يُهدم عنه من ذنوبه مثل ما تصدّق به.
9513ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا مغيرة, عن إبراهيـم فـي قوله: فَمَنْ تَصَدّقَ بِهِ فَهُوَ كَفّـارَةٌ لَهُ قال: للـمـجروح.
9514ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث, قال: حدثنا شعبة, عن عمارة بن أبـي حفصة, عن أبـي عقبة, عن جابر بن زيد: فَمَنْ تَصَدّقَ بِهِ فَهُوَ كَفّـارَةٌ لَهُ قال: للـمـجروح.
حدثنا ابن الـمثنى, قال: ثنـي حِرمي بن عمارة, قال: حدثنا شعبة, قال: أخبرنـي عمارة, عن رجل قال حرمي: نسيت اسمه عن جابر بن زيد بـمثله.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا جرير, عن مغيرة, عن حماد, عن إبراهيـم: فَمَنْ تَصَدّقَ بِهِ فَهُوَ كَفّـارَةٌ لَهُ قال: للـمـجروح.
9515ـ حدثنا زكريا بن يحيى بن أبـي زائدة, قال: حدثنا ابن فضيـل, عن يونس بن أبـي إسحاق, عن أبـي السفر, قال: دفع رجل من قريش رجلاً من الأنصار, فـاندقت ثَنِـيّته, فرفعه الأنصاري إلـى معاوية. فلـما ألـحّ علـيه الرجل, قال معاوية: شأنَك وصاحَبك قال: وأبو الدرداء عند معاوية, فقال أبو الدرداء: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما مِنْ مُسْلِـمٍ يُصَابُ بِشَيْءٍ مِنْ جَسَدِهِ فَـيَهَبُهُ إلاّ رَفَعَهُ اللّهُ بِهِ دَرَجَةً وَحَطّ عَنْهُ بِهِ خَطِيئَةً». فقال له الأنصاريّ: أنت سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: سمعتْه أذنانـي ووعاه قلبـي. فخّـلـى سبـيـل القرشيّ, فقال معاوية: مروا له بـمال.
حدثنا مـحمود بن خِداش, قال: حدثنا هشيـم بن بشير, قال: أخبرنا مغيرة, عن الشعبـيّ, قال: قال ابن الصامت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مَنْ جُرِحَ فِـي جَسَدِهِ جِرَاحَةً فَتَصَدّقَ بِها, كُفّرَ عَنْهُ ذُنُوبُهُ بِـمِثْلِ ما تَصَدّقَ بِهِ».
9516ـ حدثنا سفـيان بن وكيع, قال: حدثنا يزيد بن هارون, عن سفـيان بن حسين, عن الـحسن فـي قوله: فَمَنْ تَصَدّقَ بِهِ فَهُوَ كَفّـارَةٌ لَهُ قال: كفـارة للـمـجروح.
9517ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن زكريا, قال: سمعت عامرا يقول: كفـارة لـمن تصدّق به.
9518ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: فَمَنْ تَصَدّقَ بِهِ فَهُوَ كَفّـارَةٌ لَهُ يقول: لولـيّ القتـيـل الذي عفـا.
حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرنـي شبـيب بن سعيد, عن شعبة بن الـحجاج, عن قـيس بن مسلـم, عن الهيثم أبـي العريان, قال: كنت بـالشام, وإذا برجل مع معاوية قاعد علـى السرير كأنه مولـى, قال: فَمَنْ تَصَدّقَ بِهِ فَهُوَ كَفّـارَةٌ لَهُ قال فمن تصدّق به هدم الله عنه مثله من ذنوبه. فإذا هو عبد الله بن عمرو.
وقال آخرون: عَنَى بذلك الـجارحَ, وقالوا معنى الاَية: فمن تصدّق بـما وجب له من قَوَدَ أو قصاص علـى من وجب ذلك له علـيه, فعفـا عنه, فعفوه ذلك عن الـجانـي كفـارة لذنب الـجانـي الـمـجرم, كما القصاص منه كفـارة له قالوا: فأما أجر العافـي الـمتصدّق فعلـى الله. ذكر من قال ذلك:
9519ـ حدثنا سفـيان بن وكيع, قال: حدثنا يحيى بن آدم, عن سفـيان, عن عطاء بن السائب, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس: فَمَنْ تَصَدّقَ بِهِ فَهُوَ كَفّـارَةٌ لَهُ قال: كفـارة للـجارح, وأجر الذي أصبب علـى الله.
9520ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يحيى بن واضح, قال: حدثنا يونس, عن أبـي إسحاق, قال: سمعت مـجاهدا يقول لأبـي إسحاق: فَمَنْ تَصَدّقَ بِهه فَهُوَ كَفّـارَةٌ لَهُ يا أبـا إسحاق؟ قال أبو إسحاق: للـمتصدّق. فقال مـجاهد: للـمذنب الـجارح.
9521ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا هشيـم, قال: قال مغيرة, قال مـجاهد: للـجارح.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا جرير, عن مغيرة, عن مـجاهد, مثله.
9522ـ حدثنا هناد وسفـيان بن وكيع, قالا: حدثنا جرير, عن منصور, عن إبراهيـم ومـجاهد: فَمَنْ تَصَدّقَ بِهِ فَهُوَ كَفّـارَةٌ لَهُ قالا: الذي تصدّق علـيه, وأجر الذي أصبـيب علـى الله. قال هناد فـي حديثه, قالا: كفـارة للذي تصدّق به علـيه.
حدثنا هناد, قال: حدثنا عبد بن حميد, عن منصور, عن مـجاهد بنـحوه.
9523ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا مـحمد بن بشر, عن زكريا, عن عامر, قال: كفـارة لـمن تصدق به علـيه.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن سفـيان, عن منصور, عن مـجاهد وإبراهيـم, قالا: كفـارة للـجارج, وأجر الذي أصيب علـى الله.
9524ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن سفـيان, قال: سمعت زيد أسلـم يقول: إن عفـا عنه أو اقتصّ منه, أو قبل منه الدية, فهو كفـارة له.
9525ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, قال: كفـارة للـجارح وأجر للعافـي, لقوله: فَمَنْ عَفـا وأصْلَـحَ فَأجْرُهُ علـى اللّهِ.
9526ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية بن صالـح, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس, قوله: فَمَنْ تَصَدّقَ بِهِ فَهُوَ كَفّـارَةٌ لَهُ قال: كفـارة للـمتصدّق علـيه.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا معلـى بن أسد, قال: حدثنا خالد, قال: حدثنا حصين, عن ابن عبـاس: فَمَنْ تَصَدّقَ بِهِ فَهُوَ كَفّـارَةٌ لَهُ قال: هي كفـارة للـجارح.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو نعيـم, قال: حدثنا سفـيان, عن عطاء بن السائب, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس, قال: فَمَنْ تَصَدّقَ بِهه فَهُوَ كَفّـارَةٌ لَهُ قال: فـالكفـارة للـجارح, وأجر الـمتصدّق علـى الله.
حدثنا الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن عبد الله بن كثـير, عن مـجاهد, أنه كان يقول: فَمَنْ تَصَدّقَ بِهِ فَهُوَ كَفّـارَةٌ لَهُ يقول: للقاتل, وأجر للعافـي.
9527ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا عمران بن ظبـيان, عن عديّ بن ثابت, قال: هُتِـم رجل علـى عهد معاوية, فأُعطي دية فلـم يقبل, ثم أُعطي ديتـين فلـم يقبل, ثم أُعطي ثلاثا فلـم يقبل. فحدّث رجل من أصحاب النبـيّ صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قوله: «فمن تَصَدّقَ بِدَمٍ فما دُونَهُ, كانَ كَفّـارَةً له مِنْ يَوْمِ تَصَدّقَ إلـى يَوْمِ وُلِدَ». قال: فتصدّق الرجل.
9528ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: والـجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدّقَ بِهِ فَهُوَ كَفّـارَةٌ لَهُ يقول: من جُرح فتصدّق بـالذي جرح به علـى الـجارح, فلـيس علـى الـجارح سبـيـل ولا قود ولا عقل ولا جرح علـيه من أجل أنه تصدّق علـيه الذي جرح, فكان كفـارة له من ظلـمه الذي ظلـم.
وأولـى القولـين فـي ذلك عندي بـالصواب قول من قال: عنـي به: فمن تصدّق به فهو كفـارة له الـمـجروح, فلأن تكون الهاء فـي قوله «له» عائدة علـى من أولـى من أن تكون من ذكر من لـم يجر له ذكر إلا بـالـمعنى دون التصريح وأحرى, إذ الصدقة هي الـمكفرة ذنب صاحبها دون الـمتصدّق علـيه فـي سائر الصدقات غير هذه, فـالواجب أن يكون سبـيـل هذه سبـيـل غيرها من الصدقات.
فإن ظنّ ظانّ أن القصاص إذ كان يكفر ذنب صاحبه الـمقتصّ منه الذي أتاه فـي قتل من قتله ظلـما, لقول النبـيّ صلى الله عليه وسلم إذا أخذ البـيعة علـى أصحابه: «أنْ لا تَقْتُلُوا وَلا تَزْنُوا وَلا تَسْرِقوا» ثم قال: «فَمَنْ فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئا فَأُقِـيـمَ عَلَـيْهِ حَدّهُ, فَهُوَ كَفّـارَتُه». فـالواجب أن يكون عفو العافـي الـمـجنـي علـيه أو ولـيّ الـمقتوقوله. فإذ كان غير جائز أن يكون ترك الـمقذوف الذي وصفنا أمره أخذ قاذفهُ بـالواجب له من الـحدّ كفـارة للقاذف من ذنبه الذي ركبه, ومعصيته التـي أتاها, وذلك ما لا نعلـم قائلاً من أهل العلـم يقوله. فإذ كان غير جائز أن يكون ترك الـمقذوف الذي وصفنا أمره أخذ قاذفهُ بـالواجب له من الـحدّ كفـارة للقاذف من ذنبه الذي ركبه, كان كذلك غير جائز أن يكون ترك الـمـجروح أخذ الـجارح بحقه من القصاص كفـارة للـجارح من ذنبه الذي ركبه.
فإن قال قائل: أو لـيس لـمـجروح عندكقوله. فإذ كان غير جائز أن يكون ترك الـمقذوف الذي وصفنا أمره أخذ قاذفهُ بـالواجب له من الـحدّ كفـارة للقاذف من ذنبه الذي ركبه, كان كذلك غير جائز أن يكون ترك الـمـجروح أخذ الـجارح بحقه من القصاص كفـارة للـجارح من ذنبه الذي ركبه.
فإن قال قائل: أو لـيس لـمـجروح عندك أخذ جارحه بدية جرحه مكان القصاص؟ قـيـل له: بلـى. فإن قال: أفرأيت لو اختار الدية ثم عفـا عنها, أكانت له قِبَله فـي الاَخرة تبعة؟ قـيـل له: هذا كلام عندنا مـحال, وذلك أنه لا يكون عندنا مختار الدية إلا وهو لها آخذ. فأما العفو فإنـما هو عفو عن الدم. وقد دللنا علـى صحة ذلك فـي موضع غير هذا بـما أغنى عن تكريره فـي هذا الـموضع. إلا أن يكون مرادا بذلك هبتها لـمن أخذت منه بعد الأخذ, مع أن عفوه عن الدية بعد اختـياره إياها لو صحّ لـم يكن فـي صحة ذلك ما يوجب أن يكون الـمعفوّ له عنها بريئا من عقوبة ذنبه عند الله لأن الله تعالـى ذكره أو عد قاتل الـمؤمن بـما أوعده به, إن لـم يتب من ذنبه, والدية مأخوذة منه, أحبّ أم سَخِط, والتوبة من التائب إنـما تكون توبة إذا اختارها وأرادها وآثرها علـى الإصرار. فإن ظنّ ظانّ أن ذلك وإن كان كذلك, فقد يجب أن يكون له كفـارة كما جاز القصاص كفّـارة فإنا إنـما جعلنا القصاص له كفّـارة مع ندمه وبذله نفسه لأخذ الـحقّ منها تنصلاً من ذنبه, بخبر النبـيّ صلى الله عليه وسلم. فأما الدية إذا اختارها الـمـجروح ثم عفـا عنها فلـم يُقْض علـيه بحدّ ذنبه, فـيكون مـمن دخـل فـي حكم النبـيّ صلى الله عليه وسلم وقوله: «فمن أُقـيـم علـيه الـحَدّ فهو كَفّـارَتُهُ». ثم مـما يؤكد صحة ما قلنا فـي ذلك, الأخبـار التـي ذكرناها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله: «فمن تَصَدّق بدَمٍ», وما أشبه ذلك من الأخبـار التـي قد ذكرناها قبل. وقد يجوز أن يكون القائلون أنه عنى بذلك الـجارح, أرادوا الـمعنى الذي ذكر عن عروة بن الزبـير, الذي:
9529ـ حدثنـي به الـحرث بن مـحمد, قال: حدثنا ابن سلام, قال: حدثنا حجاج, عن ابن جريج, قال: أخبرنـي عبد الله بن كثـير, عن مـجاهد, قال: إذا أصاب رجل رجلاً ولا يعلـم الـمصاب من أصابه فـاعترف له الـمصيب, قال: وكان مـجاهد يقول عند هذا: أصاب عروة ابن الزبـير عين إنسان عند الركن فـيـما يستلـمون, فقال له: يا هذا أنا عروة بن الزبـير, فإن كان بعينك بأس فأنا بها.
وإذا كان الأمر من الـجارح علـى نـحو ما كان من عروة من خطأ فعل علـى غير عمد ثم اعترف للذي أصابه بـما أصابه فعفـا له الـمصاب بذلك عن حقه قبله, فلا تبعة له حينئذٍ قبل الـمصيب فـي الدنـيا ولا فـي الاَخرة لأن الذي كان وجب له قبله مال لا قصاص وقد أبرأه منه, فإبراؤه منه كفّـارة له من حقه الذي كان له أخذه به, فلا طلبة له بسبب ذلك قبله فـي الدنـيا ولا فـي الاَخرة, ولا عقوبة تلزمه بها بـما كان منه من أصابه, لأنه لـم يتعمد إصابته بـما أصابه به فـيكون بفعله إنـما يستـحقّ به العقوبة من ربه لأن الله عزّ وجلّ قد وضع الـجُناح عن عبـاده فـيـما أخطئوا فـيه ولـم يتعمدوه من أفعالهم, فقال فـي كتابه: لا جُناحَ عَلَـيْكُمْ فِـيـما أخْطَأْتُـمْ بِهِ وَلَكِنْ ما تَعَمّدَتْ قُلُوبُكُمْ. وقد يراد فـي هذا الـموضع بـالدم: العفو عنه.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَمَنْ لـمْ يَحْكُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظّالِـمُونَ.
يقول تعالـى ذكره: ومن لـم يحكم بـما أنزل الله فـي التوارة من قود النفس القائلة قصاصا بـالنفس الـمقتولة ظلـما. ولـم يفقأ عين الفـاقـيء بعين الـمفقوءة ظلـما قصاصا مـمن أمه الله به بذلك فـي كتابه, ولكن أقاد من بعض ولـم يُقِد من بعض, أو قتل فـي بعضِ اثنـين بواحد, وإن من يفعل ذلك من الظالـمين, يعنـي مـمن جاء علـى حكم الله ووضع فعله ما فعل من ذلك فـي غير موضعه الذي جعله الله له موضعا