تفسير الطبري تفسير الصفحة 135 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 135
136
134
 الآية : 60
القول في تأويل قوله تعالى: {وَهُوَ الّذِي يَتَوَفّاكُم بِاللّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنّهَارِ ثُمّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَىَ أَجَلٌ مّسَمّى ثُمّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمّ يُنَبّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }..
يقول تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم: وقل لهم يا محمد, والله أعلم بالظالمين: والله هو الذي يتوفى أرواحكم بالليل فيقبضها من أجسادكم, وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بالنّهارِ يقول: ويعلم ما كسبتم من الأعمال بالنهار. ومعنى التوفّي في كلام العرب: استيفاء العدد, كما قال الشاعر:
إنّ بني الأدردِ لَيْسُوا مِنْ أحَدْوَلا تَوَفّاهُمْ قُرَيْشٌ فِي العَدَدْ
بمعنى: لم تدخلهم قريش في العدد. وأما الاجتراح عند العرب: فهو عمل الرجل بيده أو رجله أو فمه, وهي الجوارح عندهم جوارح البدن فيما ذكر عنهم, ثم يقال لكل مكتسب عملاً: جارح, لاستعمال العرب ذلك في هذه الجوارح, ثم كثر ذلك في الكلام حتى قيل لكلّ مكتسب كسبا بأيّ أعضاء جسمه اكتسب: مجترح.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
10450ـ حدثني محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد بن المفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ: وَهُوَ الّذِي يَتَوَفّاكُمْ باللّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بالنّهارِ أما «يتوفاكم بالليل»: ففي النوم, وأما «يعلم ما جرحتم بالنهار» فيقول: ما اكتسبتم من الإثم.
10451ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالح, قال: ثني معاوية بن صالح, عن عليّ بن أبي طلحة, عن ابن عباس: وَهُوَ الّذِي يَتَوَفّاكُمْ باللّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بالنّهارِ يعني: ما اكتسبتم من الإثم.
10452ـ حدثنا محمد بن عبد الأعلى, قال: حدثنا محمد بن ثور, قال: حدثنا معمر, عن قتادة: ما جَرَحْتُمْ بالنّهارِ قال: ما عملتم بالنهار.
حدثنا الحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة, مثله.
10453ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد بن زريع, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَهُوَ الّذِي يَتَوَفّاكُمْ باللّيْلِ يعني بذلك: نومهم ويَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بالنّهارِ: أي ما عملتم من ذنب فهو يعلمه, لا يخفى عليه شيء من ذلك.
10454ـ حدثنا المثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: وَهُوَ الّذِي يَتَوَفّاكُمْ باللّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بالنّهارِ قال: أما وفاته إياهم بالليل فمنامهم, وأما «ما جرحتم بالنهار» فيقول: ما اكتسبتم بالنهار.
وهذا الكلام وإن كان خبرا من الله تعالى عن قدرته وعلمه, فإن فيه احتجاجا على المشركين به الذين كانوا ينكرون قدرته على إحيائهم بعد مماتهم وبعثهم بعد فنائهم, فقال تعالى محتجّا علَيهم: وَهُوَ الّذِي يَتَوَفّاكُمْ باللّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بالنّهارِ ثُمّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أجَلٌ مُسَمّى يقول: فالذي يقبض أرواحكم بالليل ويبعثكم في النهار, لتبلغوا أجلاً مسمّى وأنتم تَرَوْن ذلك وتعلمون صحته, غير منكر له القدرة على قبض أرواحكم وإفنائكم ثم ردّها إلى أجسادكم وإنشائكم بعد مماتكم, فإن ذلك نظير ما تعاينون وتشاهدون, وغير منكر لمن قدر على ما تعاينون من ذلك القدرة على ما لم تعاينوه, وإن الذي لم تروه ولم تعاينوه من ذلك شبيه ما رأيتم وعاينتم.
القول في تأويل قوله تعالى: ثُمّ يَبْعَثُكُمْ فيهِ لِيُقْضَى أجَلٌ مُسَمّى ثُمّ إلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمّ يُنَبّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ.
يعني تعالى ذكره: ثم يبعثكم, يثيركم ويوقظكم من منامكم فيه, يعني في النهار. والهاء التي في: «فيه» راجعة على النهار. لِيُقْضَى أجَلٌ مُسَمّى يقول: ليقضي الله الأجل الذي سماه لحياتكم, وذلك الموت, فيبلغ مدته ونهايته. ثُمّ إلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ يقول: ثم إلى الله معادكم ومصيركم. ثُمّ يُنَبّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ يقول: ثم يخبركم بما كنتم تعملون في حياتكم الدنيا, ثم يجازيكم بذلك, إن خيرا فخير وإن شرّا فشرّ.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
10455ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: ثُمّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ قال: في النهار.
10456ـ حدثنا محمد بن عبد الأعلى, قال: حدثنا محمد بن ثور, قال: حدثنا معمر, عن قتادة: ثُمّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ في النهار, والبعث: اليقظة.
حدثنا الحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة, مثله.
10457ـ حدثنا محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد بن المفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ: ثُمّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ قال: في النهار.
10458ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جريج, قال: قال عبد الله بن كثير: ثُمّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ قال: يبعثكم في المنام.
لِيُقْضَى أجَلٌ مُسَمّى وذلك الموت. ذكر من قال ذلك:
10459ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: لِيُقْضَى أجَلٌ مُسَمّى وهو الموت.
10460ـ حدثنا محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد بن مفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ: لِيُقْضَى أجَلٌ مُسَمّى قال: هو أجل الحياة إلى الموت.
10461ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جريج, قال: قال عبد الله بن كثير: لِيُقْضَى أجَلٌ مُسَمّى قال: مدتهم.
الآية : 61
القول في تأويل قوله تعالى: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتّىَ إِذَا جَآءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرّطُونَ }..
يقول تعالى ذكره: وَهُوَ القاهِرُ: والله الغالب خلقه العالي عليهم بقدرته, لا المقهور من أوثانهم وأصنامهم المذلل المغلوب عليه لذلته. وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً وهي ملائكته الذين يتعاقبونكم ليلاً ونهارا, يحفظون أعمالكم ويحصونها, ولا يفرّطون في حفظ ذلك وإحصائه ولا يضيعون.
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
10462ـ حدثنا محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد بن المفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ, قوله: ويُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً قال: هي المعقبات من الملائكة, يحفظونه ويحفظون عمله.
10463ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد بن زريع, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَهُوَ القاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَيُرسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حتى إذَا جاءَ أحَدَكُمْ المَوْتُ تَوَفّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرّطُونَ يقول: حفظة يا ابن آدم يحفظون عليك عملك ورزقك وأجلك إذا توفيت ذلك قبضت إلى ربك. حتى إذا جاءَ أحَدَكُمُ المَوْتُ تَوَفّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرّطونَ. يقول تعالى ذكره: إن ربكم يحفظكم برسل يعقب بينها يرسلهم إليكم بحفظكم, وبحفظ أعمالكم إلى أن يحضركم الموت وينزل بكم أمر الله, فإذا جاء ذلك أحدكم توفاه أملاكنا الموكلون بقبض الأرواح ورسلنا المرسلون به وهم لا يفرّطون في ذلك فيضيعونه.
فإن قال قائل: أو ليس الذي يقبض الأرواح ملك الموت, فكيف قيل: تَوَفّتْهُ رُسُلُنا والرسل جملة وهو واحد؟ أو ليس قد قال: قُلْ يَتَوَفّاكُمْ مَلَكُ المَوْتِ الّذِي وُكّلَ بِكُمْ؟ قيل: جائز أن يكون الله تعالى أعان ملك الموت بأعوان من عنده, فيتولون ذلك بأمر ملك الموت, فيكون «التوفّي» مضافا, وإن كان ذلك من فعل أعوان ملك الموت إلى ملك الموت, إذ كان فعلهم ما فعلوا من ذلك بأمره كما يضاف قَتْل من قَتَل أعوانُ السلطان وجلد من جلدوه بأمر السلطان إلى السلطان, وإن لم يكن السلطان باشر ذلك بنفسه ولا وَلِيَه بيده. وقد تأول ذلك كذلك جماعة من أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
10464ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن إدريس, قال: حدثنا الحسن بن عبيد الله, عن إبراهيم, في قوله: حتى إذا جاءَ أحَدَكُمُ المَوْتُ تَوَفّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرّطُونَ قال: كان ابن عباس يقول: لملك الموت أعوان من الملائكة.
حدثني أبو السائب, قال: حدثنا ابن إدريس, عن الحسن بن عبيد الله, في قوله: تَوَفّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرّطُونَ قال: سئل ابن عباس عنها, فقال: إن لملك الموت أعوانا من الملائكة.
10465ـ حدثنا محمد بن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: سفيان, عن الحسن بن عبيد الله, عن إبراهيم في قوله: تَوَفّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرّطُونَ قال: أعوان ملك الموت.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن منصور, عن إبراهيم: تَوَفّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرّطُونَ قال: الرسل توفي الأنفس, ويذهب بها ملك الموت.
10466ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا حفص, عن الحسن بن عبيد الله, عن إبراهيم, عن ابن عباس: تَوَفّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرّطُونَ قال: الرسل توفي الأنفس, ويذهب بها ملك الموت.
حدثنا هناد, قال: حدثنا حفص, عن الحسن بن عبيد الله, عن ابن عباس: تَوَفّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرّطُونَ قال: أعوان ملك الموت من الملائكة.
حدثنا هناد, قال: حدثنا قبيصة, عن سفيان, عن الحسن بن عبيد الله, عن إبراهيم: تَوَفّتْهُ رُسُلُنا قال: هم الملائكة أعوان ملك الموت.
10467ـ حدثنا محمد بن عبد الأعلى, قال: حدثنا محمد بن ثور, قال: حدثنا معمر, عن قتادة: تَوَفّتْهُ رُسُلُنا قال: إن ملك الموت له رسل فيرسل ويرفع ذلك إليه. وقال الكلبي: إن ملك الموت هو يلي ذلك, فيدفعه إن كان مؤمنا إلى ملائكة الرحمة, وإن كان كافرا إلى ملائكة العذاب.
10468ـ حدثنا الحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة: تَوَفّتْهُ رُسُلُنا قال: يلي قبضها الرسل, ثم يدفعونها إلى ملك الموت.
10469ـ حدثنا الحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا الثوريّ, عن منصور, عن إبراهيم في قوله: تَوَفّتْهُ رُسُلُنا قال: يتوفاه الرسل, ثم يقبض منهم ملك الموت الأنفس. قال الثوري: وأخبرني الحسن بن عبيد الله, عن إبراهيم, قال: هم أعوان لملك الموت. قال الثوري: وأخبرني رجل عن مجاهد, قال: جعلت الأرض لملك الموت مثل الطست يتناول من حيث شاء, وجعلت له أعوان يتوفون الأنفس ثم يقبضها منهم.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا ابن إدريس, عن الحسن بن عبيد الله, عن إبراهيم, عن ابن عباس, في قوله: تَوَفّتْهُ رُسُلُنا قال: أعوان ملك الموت من الملائكة.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبي, عن سفيان, عن الحسن بن عبيد الله, عن إبراهيم, قال: الملائكة أعوان ملك الموت.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا قبيصة, عن سفيان, عن منصور, عن إبراهيم: تَوَفّتْهُ رُسُلُنا قال: يتوفونه, ثم يدفعونه إلى ملك الموت.
10470ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله بن أبي جعفر, قال: سألت الربيع بن أنس, عن ملك الموت, أهو وحده الذي يقبض الأرواح؟ قال: هو الذي يلي أمر الأرواح, وله أعوان على ذلك, ألا تسمع إلى قول الله تعالى: حتى إذَا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا يَتَوَفّوْنَهُمْ وقال: تَوَفّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرّطُونَ غير أن ملك الموت هو الذي يسير كلّ خطو منه من المشرق إلى المغرب. قلت: أين تكون أرواح المؤمنين؟ قال: عند السدرة في الجنة.
10471ـ حدثنا الحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا محمد بن مسلم, عن إبراهيم بن ميسرة, عن مجاهد, قال: ما من أهل بيت شعر ولا مدر إلا وملك الموت يطيف بهم كلّ يوم مرّتين.
وقد بينا أن معنى التفريط: التضييع, فيما مضى قبل. وكذلك تأوّله المتأوّلون في هذا الموضع.
10472ـ حدثنا المثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالح, قال: ثني معاوية بن صالح, عن عليّ بن أبي طلحة, عن ابن عباس, قوله: وَهُمْ لا يُفَرّطُونَ يقول: لا يضيعون.
10473ـ حدثني محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد بن المفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ: وَهُمْ لا يُفَرّطُونَ قال: لا يضيعون.
الآية : 62
القول في تأويل قوله تعالى: {ثُمّ رُدّوَاْ إِلَىَ اللّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقّ أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ }..
يقول تعالى ذكره: ثم ردّت الملائكة الذين توفوهم فقبضوا نفوسهم وأرواحهم إلى الله سيدهم الحقّ. ألا لَهُ الحُكْمُ يقول: ألا له الحكم والقضاء دون من سواه من جميع خلقه. وَهُوَ أسْرَعُ الحاسِبِينَ يقول: وهو أسرع من حسب عددكم وأعمالكم وآجالكم وغير ذلك من أموركم أيها الناس, وأحصاها وعرف مقاديرها ومبالغها, لأنه لا يحسب بعقد يَدٍ, ولكنه يعلم ذلك ولا يخفى عليه منه خافية, و لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرّةٍ في السّمَوَاتِ ولا في الأَرْضِ ولا أصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ ولا أَكْبَرُ إلاّ في كِتَابٍ مُبِينٍ.
الآية : 63
القول في تأويل قوله تعالى: {قُلْ مَن يُنَجّيكُمْ مّن ظُلُمَاتِ الْبَرّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرّعاً وَخُفْيَةً لّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَـَذِهِ لَنَكُونَنّ مِنَ الشّاكِرِينَ }..
يقول تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد لهؤلاء العادلين بربهم الداعين لك إلى عبادة أوثانهم: من الذين ينجيكم من ظلمات البرّ إذا ضللتم فيه فتحريتم فأظلم عليكم الهدى والمحجة؟ ومن ظلمات البحر إذا ركبتموه فأخطأتم فيه المحجة فأظلم عليكم فيه السبيل فلا تهتدون له, غير الله الذي مفزعكم حينئذ بالدعاء تضرّعا منكم إليه واستكانة جهرا وخفية؟ يقول: وإخفاء للدعاء أحيانا, وإعلانا وإظهارا, تقولون: لَئِن أنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ يا ربّ: أي من هذه الظلمات التي نحن فيها, لَنَكُونَنّ مِنَ الشّاكِرينَ يقول: لنكوننّ ممن يوحدك بالشكر ويخلص لك العبادة دون من كنا نُشركه معك في عبادتك. وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
10474ـ حدثني محمد بن سعيد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: قُلْ مَنْ يُنَجّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ البَرّ والبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرّعا وَخُفْيَةً يقوله: إذا أضلّ الرجل الطريق دعا الله لئن أنجينا من هذه لنكوننّ من الشاكرين.
10475ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: قُلْ مَنْ يُنَجّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ البَرّ والبَحْرِ يقول: من كرب البرّ والبحر.
الآية : 64
القول في تأويل قوله تعالى:
{قُلِ اللّهُ يُنَجّيكُمْ مّنْهَا وَمِن كُلّ كَرْبٍ ثُمّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ }..
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل لهؤلاء العادلين بربهم سواه من الاَلهة إذا أنت استفهمتهم عمن به يستعينون عند نزول الكرب بهم في البرّ والبحر: الله القادر على فرجكم عند حلول الكرب بكم, ينجيكم من عظيم النازل بكم في البرّ والبحر من هَمَ الضلال وخوف الهلاك ومن كرب كلّ سوى ذلك وهم, لا آلهتكم التي تشركون بها في عبادته, ولا أوثانكم التي تعبدونها من دونه, التي لا تقدر لكم على نفع لا ضرّ, ثم أنتم بعد تفضيله عليكم بكشف النازل بكم من الكرب ودفع الحال بكم من جسم الهمّ تعدلون به آلهتكم وأصنامكم فتشركونها في عبادتكم إياه, وذلك منكم جهل بواجب حقه عليكم وكفر لأياديه عندكم وتعرّض منكم لإنزال عقوبته عاجلا بكم.
الآية : 65
القول في تأويل قوله تعالى: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَىَ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرّفُ الاَيَاتِ لَعَلّهُمْ يَفْقَهُونَ }..
يقول تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم: قل لهؤلاء العادلين بربهم غيره من الأصنام والأوثان يا محمد: إن الذي ينجيكم من ظلمات البرّ والبحر ومن كلّ كرب ثم تعودون للإشراك به, وهو القادر على أن يرسل عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم, لشرككم به وادّعائكم معه إلها آخر غيره وكفرانكم نعمه مع إسباغه عليكم آلاءه ومننه.
وقد اختلف أهل التأويل في معنى العذاب الذي توعد الله به هؤلاء القوم أن يبعثه عليهم من فوقهم أو من تحت أرجلهم, فقال بعضهم: أما العذاب الذي توعدهم به أن يبعثه عليه من فوقهم: فالرجم وأما الذي توعدهم أن يبعثه عليهم من تحتهم: فالخسف. ذكر من قال ذلك:
10476ـ حدثنا محمد بن بشار وابن وكيع, قالا: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن السديّ, عن أبي مالك: قُلْ هُوَ القَادِرُ على أنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابا مِنْ فَوْقِكُمْ أوْ مِنْ تَحْتِ أرْجُلِكُمْ قال: الخسف.
10477ـ حدثنا سفيان, قال: حدثنا يحيى بن آدم, عن الأشجعي, عن سفيان, عن السديّ, عن أبي مالك وسعيد بن جبير, مثله.
10478ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا قال: أبو سلمة, عن شبل, عن ابن نجيح, عن مجاهد: قُلْ هُوَ القَادِرُ على أنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابا مِنْ فَوْقِكُمْ أوْ مِنْ تَحْتِ أرْجُلِكُمْ قال الخسف.
10479ـ حدثنا محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد بن المفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ: قُلْ هُوَ القَادِرُ على أنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابا مِنْ فَوْقِكُمْ فعذاب السماء, أوْ مِنْ تَحْتِ أرْجُلِكُمْ فيخسف بكم الأرض.
10480ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد في قوله: قُلْ هُوَ القَادِرُ على أنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابا مِنْ فَوْقِكُمْ أوْ مِنْ تَحْتِ أرْجُلِكُمْ قال: كان ابن مسعود يصيح وهو في المجلس أو على المنبر: ألا أيها الناس إنه نزل بكم, إن الله يقول: قُلْ هُوَ القَادِرُ على أنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابا مِنْ فَوْقِكُمْ لو جاءكم عذاب من السماء لم يبق منكم أحدا, أوْ مِنْ تَحْتِ أرْجُلِكُمْ لو خسف بكم الأرض أهلككم ولم يبق منكم أحدا, أوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بأْسَ بَعْضٍ ألا إنه نزل بكم أسوأ الثلاث.
وقال آخرون: عَنَى بالعذاب من فوقكم: أئمة السوء, أو من تحت أرجلكم: الخَدَمَ وسفلةَ الناس. ذكر من قال ذلك:
10481ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: سمعت خلادا يقول: سمعت عامر بن عبد الرحمن يقول: إن ابن عباس كان يقول في هذه: قُلْ هُوَ القَادِرُ على أنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابا مِنْ فَوْقِكُمْ أوْ مِنْ تَحْتِ أرْجُلِكُمْ فأما العذاب من فوقكم: فأئمة السوء. وأما العذاب من تحت أرجلكم: فخدم السوء.
حدثني المثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالح, قال: ثني معاوية بن صالح, عن عليّ بن أبي طلحة, عن ابن عباس: قُلْ هُوَ القَادِرُ على أنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابا مِنْ فَوْقِكُمْ يعني: من أمرائكم, أوْ مِنْ تَحْتِ أرْجُلِكُمْ يعني: سفلتكم.
وأولى التأويلين في ذلك بالصواب عندي قول من قال: عنى بالعذاب من فوقهم الرجم أو الطوفان وما أشبه ذلك مما ينزل عليهم من فوق رءوسهم, ومن تحت أرجلهم: الخسف وما أشبهه. وذلك أن المعروف في كلام العرب من معنى «فوق» و «تحت» الأرجل, هو ذلك دون غيره, وإن كان لما رُوي عن ابن عباس في ذلك وجه صحيح, غير أن الكلام إذا تنوزع في تأويله فحمله على الأغلب الأشهر من معناه أحقّ وأولى من غيره ما لم يأت حجة مانعة من ذلك يجب التسليم لها.
القول في تأويل قوله تعالى: أوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بأْسَ بَعْضٍ.
يقول تعالى ذكره: أو يخلطكم شيعا: فرقا, واحدتها شيعة, وأما قوله: يَلْبِسَكُمْ فهو من قولك: لَبَسْتُ عليه الأمر, إذا خلطت, فأنا ألبِسُه. وإنما قلت إن ذلك كذلك, لأنه لا خلاف بين القرّاء في ذلك بكسر الباء, ففي ذلك دليل بَيّنٌ على أنه من لَبَسَ يَلْبِسُ, وذلك هو معنى الخلط. وإنما عنى بذلك: أو يخلطكم أهواء مختلفة وأحزابا مفترقة.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
10482ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبو أسامة, عن شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: أوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعا الأهواء المفترقة.
10483ـ حدثنا حدثنا محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد بن المفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ: أوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعا قال: يفرّق بينكم.
حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: أوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعا قال: ما كان منكم من التفرّق والاختلاف.
10484ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد في قوله: أوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعا قال: الذي فيه الناس اليوم من الاختلاف والأهواء وسفك دماء بعضهم بعضا.
10485ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: أوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعا قال: الأهواء والاختلاف.
حدثني المثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالح, قال: ثني معاوية بن صالح, عن عليّ بن أبي طلحة, عن ابن عباس: أوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعا يعني بالشيع: الأهواء المختلفة.
وأما قوله: وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بأْسَ بَعْضٍ فإنه يعني: بقتل بعضكم بيد بعض, والعرب تقول للرجل ينال بسلاح فيقتله به: قد أذاق فلان فلانا الموت وأذاقه بأسه. وأصل ذلك من ذوق الطعام وهو يطعمه, ثم استعمل ذلك في كلّ ما وصل إلى الرجل من لذّة وحلاوة أو مرارة ومكروه وألم. وقد بينت معنى البأس في كرم العرب فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أإهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
10486ـ حدثني محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد بن المفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ: وَيُذِيقَ بَعْضَكمْ بَأْسَ بَعْضٍ بالسيوف.
10487ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا أبو النعمان عارم, قال: حدثنا حماد, عن أبي هارون العبدي, عن عوف البكالي, أنه في قوله: وَيُذِيقَ بَعْضَكمْ بَأْسَ بَعْضٍ قال: هي والله الرجال في أيديهم الحراب يطعنون في خواصركم.
10488ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالح, قال: ثني معاوية بن صالح, عن عليّ بن أبي طلحة, عن ابن عباس: وَيُذِيقَ بَعْضَكمْ بَأْسَ بَعْضٍ قال: يسلط بعضكم على بعض بالقتل والعذاب.
10489ـ حدثنا سعيد بن الربيع الرازي, قال: حدثنا سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قال: عذاب هذه الأمة أهل الإقرار بالسيف, أوْ يَلْبِسُكُمْ شِيَعا وَيُذِيقَ بَعْضَكمْ بَأْسَ بَعْضٍ وعذاب أهل التكذيب: الصيحة والزلزلة.
ثم اختلف أهل التأويل فيمن عُني بهذ الاَية, فقال بعضهم: عُني بها المسلمون من أمة محمد صلى الله عليه وسلم, وفيهم نزلت. ذكر من قال ذلك:
10490ـ حدثني محمد بن عيسى الدامغاني, قال: أخبرنا ابن المبارك, عن الربيع بن أنس, عن أبي العالية, في قوله: قُلْ هُوَ القادِرُ على أنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابا مِنْ فَوْقِكُمْ... الاَية, قال: فهنّ أربع وكلهنّ عذاب, فجاء منهنّ اثنتان بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس وعشرين سنة, فألبسوا شيعا وأذيق بعضهم بأس بعض, وبقيت اثنتان, فهما لا بدّ واقعتان, يعني: الخسف والمسخ.
10491ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله: مِنْ فَوْقِكُمْ أوْ مِنْ تَحْتِ أرْجُلِكُمْ لأمة محمد صلى الله عليه وسلم, وأعفاكم منه, وأعفاكم منه. أوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعا قال: ما كان فيكم من الفتن والاختلاف.
حدثني المثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله.
10492ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: قُلْ هُوَ القادِرُ على أنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابا... الاَية, ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى ذات يوم الصبح فأطالها, فقال له بعض أهله: يا نبيّ الله لقد صليت صلاة ما كنت تصليها قال: «إنّها صَلاة رَغْبَةٍ وَرَهْبَةٍ, وإنّي سألْتُ ربّي فِيها ثَلاثا: سألْتُه أنْ لا يُسَلّط على أمّتي عَدوّا مِنْ غيرِهِمْ فَيُهْلِكَهُمْ فَأعْطانِيها وسألْتُهُ أنْ لا يُسَلّطَ على أُمّتِي السّنَةَ فأعْطانِيها وسألْتُهُ أنْ لا يَلْبِسَهُمْ شِيَعا وَلاَ يُذِيقَ بَعْضَهُمْ بَأْسَ بَعْضٍ, فَمَنَعنِيها», ذُكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «لا تَزَال طائفَةٌ مِنْ أمّتِي يُقاتِلُونَ على الحَقّ ظاهرَينَ لا يَضُرّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حتى يَأتِيَ أمْرَ اللّهِ».
10493ـ حدثنا أحمد بن الوليد القرشيّ وسعيد بن الربيع الرازي, قالا: حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو, سمع جابرا يقول: لما أنزل الله تعالى على النبي صلى الله عليه وسلم: قُلْ هُوَ القادِرُ على أنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابا مِنْ فَوْقِكُمْ أوْ مِنْ تَحْتِ أرْجُلِكُمْ قال: «أعُوذ بِوَجْهِكَ», أوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعا وَيُذِيقَ بَعْضَكمْ بَأْسَ بَعْضٍ قال: «هَاتَانِ أيْسَرٌ», أو «أهْوَنُ».
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا ابن عيينة, عن عمرو, عن جابر, قال: لما نزلت: قُلْ هُوَ القادِرُ على أنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابا مِنْ فَوْقِكُمْ أوْ مِنْ تَحْتِ أرْجُلِكُمْقال: «نَعُوذ بِكَ, نَعُوذ بِكَ» أوْ يَلْبِسَكُمْ شِيعا قال: «هُوَ أهْوَنٌ».
10494ـ حدثني زياد بن عبيد الله المزني, قال: حدثنا مروان بن معاوية الفزاريّ, قال: حدثنا أبو مالك, قال ثني نافع بن خالد الخزاعي, عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم خفيفة تامة الركوع والسجود فقال: «قَدْ كَانَتْ صَلاةَ رَغْسَةٍ وَرهْبَةٍ, فَسألْتُ اللّهَ فِيها ثَلاثا فأعْطَانِي اثْنَتَيْنِ, وبَقِيَ وَاحِدَةٌ. سألْتُ اللّهَ أنْ لا يُصِيبَكُمْ بِعَذَابِ أصَابَ بِهِ مَنْ قَبْلَكُمْ فأعْطانيها, وسألْتُ اللّهَ أنْ لا يُسَلّطَ عَلَيْكُمْ عَدوّا يَسْتَبِيحُ بَيْضَتَكُمْ فأعْطانِيها, وسألْتُهُ أنْ لا يَلْبِسُكُمْ شِيَعا وَيُذِيقَ بَعْضُكُمْ بأْسَ بَعْضٍ, فَمَنَعنِيها». قال أبو مالك: فقلت له: أبوك سمع هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: نعم سمعته يحدث بها القوم أنه سمعها من في رسول الله صلى الله عليه وسلم.
10495ـ حدثني محمد بن عبد الأعلى, قال: حدثنا محمد بن ثور عن معمر, عن أيوب, عن أبي قلابة, عن أبي الأشعث, عن أبي أسماء الرّحبيّ, عن شدّاد بن أوس يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم, أنه قال: «إنّ اللّهَ زَوَى ليَ الأرْضَ حتى رأيْتُ مَشارِقَها ومَغَارِبَها, وَإنّ مُلْكَ أُمّتي سَيَبْلُغَ ما زُوِيَ لي مِنْها, وإنّي أُعْطِيتُ الكَنْزَيْنِ الأحْمَرَ والأبْيَضَ, وإنّي سألْتُ رَبي أنْ لا يُهْلَكَ قَوْمي بِسَنَةٍ عامّةٍ وأنْ لا يَلْبَسَهُمْ شِيَعا وَلا يُذِيقَ بَعْضَهُمْ بأْسَ بَعْضٍ, فقال: يا محمد, إنّي إذَا قَضَيْتُ قَضَاءً فإنّهُ لا يُرَدّ, وإنّي أعْطَيْتُكَ لأُمّتِكَ أنْ لا أُهْلِكَهُمْ بِسَنَةٍ عامّةٍ وَلا أُسَلّطَ عَلَيْهمْ عَدُوّا مِمّنْ سِوَاهُمْ فَيُهْلِكَهُمْ بِعامّةِ حتى يَكُونَ بَعْضُهُم يُهْلِكُ بَعْضا وبَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضا وبَعْضُهُمْ يَسْبِي بَعْضا», فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنّي أخافُ على أُمّتِي الإئمّةَ المُضلّينَ, فإذا وُضِعَ السّيُفُ فِي أُمّتِي لَمْ يَرْفَعْ عَنْهُمْ إلى يَوْمِ القِيامَةِ».
حدثنا الحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, قال: أخبرني أيوب, عن أبي قلابة, عن أبي الأشعث, عن أبي أسماء الرحبي, عن شدّاد بن أوس, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم, فذكر نحوه, إلا أنه قال: وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنّي لا أخافُ على أُمّتِي إلاّ الأئمّةَ المُضِلّينَ».
10496ـ حدثنا محمد بن عبد اوعلى, قال: حدثنا محمد بن ثور, قال: حدثنا معمر, عن الزهري, قال: راقب خباب بن الأرَثّ, وكان بدريا, النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي, حتى إذا فرغ وكان في الصبح قال له: يا رسول الله, لقد رأيتك تصلي صلاة ما رأيتك صليت مثلها قال: «أجَلْ, إنّها صَلاةُ رَغَبَ وَرَهَبٍ, سألْتُ رَبي ثَلاثَ خِصَالٍ فأعْطَانِي اثْنَتَيْنِ ومَنَعَنِي وَاحِدَةً سألْتُهُ أنْ لا يُهْلِكَنَا بِمَا أهْلَكَ بِهِ الأمَمَ فأعْطَانِي, وسألْتُهُ أنْ لا يُسَلّطَ عَلَيْنَا عَدُوّا فأعْطَانِي, وسَأَلْتُهُ أنْ لا يَلْبِسْنَا شِيَعا, فَمَنَعَنِي».
حدثنا الحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن الزهري, في قوله: أوْ يُلْبِسَكُمْ شِيَعا قال: راقب خباب بن الأرث, وكان بدريا, رسول الله صلى الله عليه وسلم, فذكر نحوه, إلا أنه قال: ثَلاثَ خصلاتٍ».
حدثنا الحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن عمرو بن دينار, قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: لما نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم: قُلْ هُوَ القادِرُ على أنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابا مِنْ فَوْقِكُمْ قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أعُوذُ بِوَجْهِكَ» أوْ مِنْ تَحْتِ أرْجُلِكُمْ قال النبي صلى الله عليه وسلم: أعُوذُ بِوَجْهِكَ» أوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعا قال: «هَذِهِ أهْوَنْ».
10497ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: حدثنا ابن علية, عن يونس, عن الحسن: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سألْتُ رَبي فأُعْطِيتُ ثَلاثا وَمُنِعْتُ وَاحِدَاةً سألْتُهُ أنْ لا يُسَلّطَ على أُمّتِي عَدُوّا مِنْ غَيرهِمْ يَسْتَبِيحُ بَيْضَتَهُمْ, وَلاَ يُسَلّطْ عَلَيْهِمْ جُوعا, وَلاَ يَجْمَعُهُمْ على ضَلالَةٍ فأُعْطِيتُهُنّ. وسألْتُهُ أنْ لا يَلْبِسَهُمْ شِيَعا وَيُذِيقَ بَعْضَهُمْ بَأْسَ بَعْضٍ, فَمُنِعْتُ».
10498ـ حدثني محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد بن المفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّي سألْتُ رَبي خِصَالاً, فأعْطَانِي ثَلاثا وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً, سألْتُهُ أنْ لا تَكْفُرَ أُمّتِي صَفْقَةً وَاحدَةً فأعْطانِيها, وسألْتُهُ لا يُظْهِرَ عَلَيْهِمْ عَدُوّا مِنْ غيرِهِمْ فأعْطانيها, وسألْتُهُ أنْ لا يُعَذّبَهُمْ بِمَا عَذّبَ بِهِ الأمَمَ مِنْ قَبْلِهِمْ فأَعْطانِيها, وسألْتُهُ أنْ لا يَجْعَلَ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ, فَمَنَعَنِيها».
10499ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن أبي بكر, عن الحسن, قال: لما نزلت هذه الاَية, قوله: وَيُذِيقَ بَعْضَكمْ بَأْسَ بَعْضٍ قال الحسن: ثم قال لمحمد صلى الله عليه وسلم وهو يشهده عليهم: انْظُرْ كَيْفَ نُصَرّفُ الاَياتِ لَعَلّهُمْ يَفْقَهُونَ فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم, فتوضأ, فسأل ربه أن لا يرسل عليهم عذابا من فوقهم أو من تحت أرجلهم ولا يلبس أمته شيعا ويذيق بعضم بأس بعض كما أذاق بني إسرائيل, فهبط إليه جبريل عليه السلام فقال: يا محمد إنك سألت ربك أربعا, فأعطاك اثنتين ومنعك اثنتين: لن يأتيهم عذاب من فوقهم ولا من تحت أرجلهم يستأصلهم فإنهما عذابان لكلّ أمة اجتمعت على تكذيب نبيها وردّ كتاب ربها ولكنهم يلبسهم شيعا ويذيق بعضهم بأس بعض, وهذان عذابان لأهل الإقرار بالكتاب والتصديق بالأنبياء, ولكن يعذّبون بذنوبهم وأوحي إليه: فإمّا نَذْهَبَنّ بِكَ فإنّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ يقول: من أمتك, أوْ نُرِيَنّكَ الّذِي وَعَدْنَاهُمْ من العذاب العذاب وأنت حيّ, فإنّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ. فقام نبي الله صلى الله عليه وسلم, فراجع ربه, فقال: «أيّ مُصِيبَةٍ أشَدّ مِنْ أنْ أرَى أُمّتِي يُعَذِبُ بَعْضُها بَعْضا؟» وأُوحي إليه: الم أحَسِبَ النّاسُ أنْ يُتْرِكُوا أنْ يَقُولُوا آمَنّا وَهُمْ لا يُفْتِنُونَ وَلَقَدْ فَتَنّا الّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلْيَعْلَمَنّ اللّهُ الّذِينَ صَدَقُوا وَلْيَعْلَمَنّ الكاذِبينَ فأعلمه أن أمته لم تخصّ دون الأمم بالفتن, وأنها ستُبلى كما ابتليت الأمم. ثم أنزل عليه: قُلْ رَبّ إما تُرِيَنّي ما يُوعَدُونَ رَبّ فَلاَ تَجْعَلَنِي فِي القَوْمِ الظّالِمِينَ فتعوّذ نبيّ الله, فأعاذه الله, لم ير من أمته إلا الجماعة والألفة والطاعة. ثم أنزل عليه آية حذّر فيها أصحابه الفتنة, فأخبره أنه إنما يخصّ بها ناس منهم دون ناس, فقال: واتّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيْبَنّ الّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خاصّةً وَاعْلَمُوا أنّ اللّهَ شَدِيدُ العِقَابِ فخصّ بها أقواما من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بعده وعصم بها أقواما.
10500ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن أبي جعفر, عن الربيع بن أنس, عن أبي العالية قال: لما جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بما يكون في أمته من الفرقة والاختلاف, فشقّ ذلك عليه, ثم دعا فقال: «اللهمّ أظْهِرْ عَلَيْهِمْ أفْضَلَهُمْ تَقِيّةً».
10501ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا أبو الأسود, قال: أخبرنا ابن لهيعة, عن خالد بن يزيد, عن أبي الزبير, قال: لما نزلت هذه الاَية: قُلْ هُوَ القادِرُ على أنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابا مِنْ فَوْقِكُمْ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعُوذُ باللّهِ مِنْ ذَلِكَ» قال: أوْ مِنْ تَحْتِ أرْجُلِكُمْقال «أعوذُ باللّهِ مِنْ ذَلِكَ» قال أوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعا قال: «هَذِهِ أيْسَرُ» ولو استعاذه لأعاذه.
10502ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا المؤمل البصريّ, قال: أخبرنا يعقوب بن إسماعيل بن يسار المديني, قال: حدثنا زيد بن أسلم, قال: حدثنا زيد بن أسلم, قال: لما نزلت: قُل هُوَ القَادِرُ على أن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابا مِن فَوقِكُم أو مِن تَحْتِ أرْجُلِكُمْ أو يَلْبِسَكُم شِيَعا ويُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تَرجِعُوا بَعْدي كُفّارا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقابَ بَعْضٍ بالسّيوفِ» فقالوا: ونحن نشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله؟ قال: «نعم» فقال بعض الناس: لا يكون هذا أبدا فأنزل الله: انْظُرْ كَيْفَ نُصَرّف الاَياتِ لَعَلّهُم يَفْقَهُونَ وكَذّبَ بِهِ قَومُكَ وَهُوَ الحَقّ قُل لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ لِكُلّ نَبَإٍ مُسْتَقَرّ وَسَوفَ تَعْلَمُونَ.
وقال آخرون: عُنى ببعضها أهل الشرك وببعضها أهل الإسلام. ذكر من قال ذلك:
10503ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا سويد بن نصر, قال: أخبرنا ابن المبارك, عن هارون بن موسى, عن حفص بن سليمان, عن الحسن, في قوله: قُل هُوَ القَادِرُ على أن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابا مِن فَوقِكُم أو مِن تَحْتِ أرْجُلِكُمْ قال: هذا للمشركين, أو يَلْبِسَكُم شِيَعا ويُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ قال هذا للمسلمين.
والصواب من القول عندي أن يقال: إن الله تعالى توعده بهذه الاَية أهل الشرك به منعبدة الأوثان وإياهم خاطب بها, لأنها بين إخبارهم عنهم وخطاب لهم, وذلك أنها تتلو قوله: قُلْ يُنَجّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ البَرّ والبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرّعا وَخُفْيَةً لَئِنْ أنجانا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنّ مِنَ الشّاكِرِينَ قُلِ اللّهُ يُنْجّيكُمْ مِنُها وَمِنْ كُلّ كَرْبٍ ثُمّ أنْتُمْ تُشْرِكُونَ ويتلوها قوله: وكَذّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الحَقّ وغير جائز أن يكون المؤمنون كانوا به مكذّبين. فإذا كان غير جائز أن يكون ذلك كذلك, وكانت هذه الاَية بين هاتين الاَيتين, كان بينا أن ذلك وعيد لمن تقدّم وصف الله إياه بالشرك وتأخر الخبر عنه بالتكذيب, لا لمن لم يجر له ذكر غير أن ذلك وإن كان كذلك فإنه قد عمّ وعيده بذلك كل من سلك سبيلهم من أهل الخلاف على الله وعلى رسوله والتكذيب بآيات الله من هذه وغيرها. وأما الأخبار التي رُوِيت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «سألْتُ رَبي ثَلاثا, فأعْطَانِي اثْنَتَيْنِ وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً فجائز أن هذه الاَية نزلت في ذلك الوقت وعيدا لمن ذكرت من المشركين ومن كان على منهاجهم من المخالفين ربهم, فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه أن يعيذ أمته مما ابتلى به الأمم الذين استوجبوا من الله تعالى بمعصيتهم إياه هذه العقوبات فأعاذهم بدعائه إياه ورغبته إياه من المعاصي التي يستحقون بها من هذه الخلال الأربع من العقوبات أغلظها, ولم يعذهم من ذلك ما يستحقون به اثنتين منها. وأما الذين تأوّلوا أنه عني بجميع ما في هذه الاَية هذه الأمة, فإني أراهم تأوّلون أن في هذه الأمة من سيأتي من معاصي الله وركوب ما يسخط الله نحو الذي ركب من قبلهم من الأمم السالفة من خلافه والكفر به, فيحلّ بهم مثل الذي حلّ بمن قبلهم من الثلاث والنّقِمات وكذلك قال أبو العالية ومن قال بقوله: جاء منهنّ اثنتان بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «سَيَكُونُ فِي هَذِهِ الأُمّةِ خَسْفٌ وَمَسْخٌ وَقَذْفٌ» وأنّ قَوْما مِنْ أُمّتِهِ سَيَبِيتُونَ على لَهْوٍ وَلَعِبٍ ثُمّ يُصْبِحُونَ قِرَدَةً وَخَنازِيرَ وذلك إذا كان, فلا شكّ أنه نظير الذي في الأمم الذين عتوا على ربهم في التكذيب وجحدوا آياته. وقد رُوِي نحو الذي روي عن أبي العالية, عن أبيّ.
10504ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا وكيع, وحدثنا سفيان, قال: أخبرنا أبي, عن أبي جعفر الرازي, عن الربيع, عن أبي العالية, عن أبيّ بن كعب: قُل هُوَ القَادِرُ على أن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابا مِن فَوقِكُم أو مِن تَحْتِ أرْجُلِكُمْ أو يَلْبِسَكُم شِيَعا قال: أربع خلال, وكلهنّ عذاب, وكلهنّ واقع قبل يوم القيامة, فمضت اثنتان بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بخمس وعشرين سنة: أُلبسوا شيعا, وأذيق بعضهم بأس بعض, وثنتان واقعتان لا محالة: الخسف, والرجم.
القول في تأويل قوله تعالى: انْظُرْ كَيْفَ نُصَرّف الاَياتِ لَعَلّهُم يَفْقَهُونَ.
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: انظر يا محمد بعين قلبك إلى ترديدنا حججنا على هؤلاء المكذّبين بربهم الجاحدين نعمه وتصريفناها فيهم. لَعَلّهُمْ يَفْقَهُونَ يقول: ليفقهوا ذلك ويعتبروه, فيذكروا ويزدجروا عما هم عليه مقيمون مما يسخطه الله منهم من عبادة الأوثان والأصنام, والتكذيب بكتاب الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم.) ذكر من قال ذلك
الآية : 66-67
تأويل قوله تعالى: {وَكَذّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقّ قُل لّسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ * لّكُلّ نَبَإٍ مّسْتَقَرّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ }..
يقول تعالى ذكره: وَكَذّبَ يا محمد قَوْمُكَ بما تقول وتخبر وتوعد من الوعيد. وَهُوَ الحَقّ يقول: والوعيد الذي أوعَدْناهم على مُقامهم على شركهم من بعث العذاب من فوقهم أو من تحت أرجلهم أو لَبْسهم شيعا, وإذاقة بعضهم بأس بعض, الحقّ الذي لا شكّ فيه أنه واقع, إن هم لم يتوبوا وينيبوا مما هم عليه مقيمون من معصية الله والشرك به إلى طاعة الله والإيمان به. قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكيلٍ يقول: قل لهم يا محمد: لست عليكم بحفيظ ولا رقيب, وإنما رسول أبلغكم مما أرسلت به إليكم. لِكُلّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌ يقول: لكل خبر مُسْتقَرّ, يعني قَرار يستقرّ عنده ونهاية ينتهي إليها, فيتبين حقه وصدقه من كذبه وباطله. وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ يقول: وسوف تعلمون أيها المكذبون بصحة ما أخبركم به من وعيد الله إياكم أيها المشركون وحقيته عند حلول عذابه بكم. فرأوا ذلك وعاينوه فقتلهم يومئذ بأوليائه من المؤمنين.
وبنحو الذي قلنا من التأويل في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
10505ـ حدثني محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد بن المفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السّديّ: وَكَذّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الحَقّ يقول: كذبت قريش بالقرآن, وهو الحقّ. وأما الوكيل: فالحفيظ: وأما لِكُلّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌ: فكان نبأ القرآن استقر يوم بدر بما كان يعدهم من العذاب.
10506ـ حدثني المثني قال حدثنا أبو حذيفة قال حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد لكل نبأ مستقر بكل نبأ حقيقة أما في الدنيا وأما في الاَخرة وسوف تعلمون ما كان في الدنيا فسوف ترونه, وما كان في الاَخرة فسوف يبدو لكم.
10507ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالح, عن معاوية, عن عليّ بن أبي طلحة, عن ابن عباس, قوله: لِكُلّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌ يقول: حقيقة.
10508ـ حدثني محمد بن سعد, قال: حدثنا أبي, قال: حدثنا عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: لِكُلّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ يقول: فعل وحقيقة, ما كان منه في الدنيا وما كان منه في الاَخرة.
وكان الحسن يتأوّل في ذلك أن الفتنة التي كانت بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
10509ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا سويد بن نصر, قال: أخبرنا ابن المبارك, عن جعفر بن حيان, عن الحسن أنه قرأ: لِكُلّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌ قال: حُبِسَت عقوبها حتى إذا عمل ذنبها أرسلت عقوبتها.
الآية : 68
القول في تأويل قوله تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ الّذِينَ يَخُوضُونَ فِيَ آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتّىَ يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمّا يُنسِيَنّكَ الشّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذّكْرَىَ مَعَ الْقَوْمِ الظّالِمِينَ }..
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وإذَا رأيْتَ يا محمد المشركين الّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنَا التي أنزلناها إليك, ووحيْنا الذي أوحيناه إليك, و «خوضهم فيها» كان استهزاءهم بها وسَبّهم من أنزلها وتكلم بها وتكذيبهم بها. فأعْرِضْ عَنْهُمْ يقول: فصُدّ عنهم بوجهك, وقم عنهم ولا تجلس معهم, حتى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غيرِهِ يقول: حتى يأخذوا في حديث غير الاستهزاء بآيات الله من حديثهم بينهم. وإمّا يُنْسِيَنّكَ الشّيْطَانُ يقوله: وإن أنساك الشيطان نَهيْنا إياك عن الجلوس معهم والإعراض عنهم في حال خوصهم في آياتنا ثم ذكرت ذلك, فقهم عنهم ولا تقعد بعد ذكرك ذلك مع القوم الظالمين الذين خاضوا في غير الذي لهم الخوض فيه لما خاضوا به فيه وذلك هو معنى ظلمهم في هذا الموضع.
وينحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
10510ـ حدثنا الحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة, في قوله: وإذَا رأيْتَ الّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنَا فأعْرِضْ عَنْهُمْ حتى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غيرِهِ قال: نهاه الله أن يجلس مع الذين يخوضون في آيات الله يكذّبون بها, فإن نسي فلا يقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا مؤمل, قال: حدثنا سفيان, عن السديّ, عن أبي مالك وسعيد بن جبير, في قوله: وإذَا رأيْتَ الّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنَا قال: الذين يكذبون بآياتنا.
10511ـ حدثني محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد بن المفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ: وإذَا رأيْتَ الّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنَا فأعْرِضْ عَنْهُمْ حتى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غيرِهِ وإمّا يُنْسِيَنّكَ الشّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذّكْرَى مَعَ القَوْمِ الظّالِمينَ قال: كان المشركون إذا جالسوا المؤمنين وقعوا في النبي صلى الله عليه وسلم والقرآن فسبّوه واستهزءوا به, فأمرهم الله أن لا يقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره.
: وإمّا يُنْسِيَنّكَ الشّيْطَانُ يقول: نَسِيتَ فتقعد معهم, فإذا ذكرت فقم.
10512ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: يخُوضُونَ فِي آياتِنَا قال: يكذّبون بآياتنا.
10513ـ حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي, قال: حدثنا فُضيل بن عياض, عن ليث, عن أبي جعفر, قال لا تجالسوا أهل الخصومات, فإنهم الذين يخوضون في آيات الله.
10514ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا أبو صالح, قال: حدثنا معاوية بن صالح, عن عليّ بن أبي طلحة, عن ابن عباس, قوله: وإذَا رأيْتَ الّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنَا, وقوله: الّذِينَ فَرّقُوا دِينَهُمْ وكَانُوا شِيَعا, وقوله: وَلاَ تَكُونُوا كالّذِينَ تَفَرّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ البَيّناتُ, وقوله: أنْ أقِيمُوا الدّينَ وَلا تَتَفَرّقُوا فِيه, ونحو هذا في القرآن قال: أمر الله المؤمنين بالجماعة ونهاهم عن الاختلاف والفُرْقة, وأخبرهم أنه إنما هلك من كان قبلهم بالمِراء والخصومات في دين الله.
10515ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين قال: ثني حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد, قوله: وإذَا رأيْتَ الّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنَا قال: يستهزءون بها. قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقعد معهم إلا أن ينسى فإذا ذكر فليقم. فذلك قوله: وإذَا رأيْتَ الّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنَا فأعْرِضْ عَنْهُمْ حتى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غيرِهِ وإمّا يُنْسِيَنّكَ الشّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذّكْرَى مَعَ القَوْمِ الظّالِمينَ. قال ابن جريج: كان المشركون يجلسون إلى النبي صلى الله عليه وسلم يُحبّون أن يسمعوا منه, فإذا سمعوا استهزءوا فنوزلت: وإذَا رأيْتَ الّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنَا فأعْرِضْ عَنْهُمْ... الاَية.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبي, قال: حدثنا سفيان, عن منصور, عن مجاهد: وإذَا رأيْتَ الّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنَا قال: يكذّبون.
10516ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عبد الله, عن إسرائيل, عن السدي, عن أبي مالك, قوله: وإذَا رأيْتَ الّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنَا فأعْرِضْ عَنْهُمْ حتى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غيرِهِ يعني: المشركين. وإمّا يُنْسِيَنّكَ الشّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذّكْرَى مَعَ القَوْمِ الظّالِمينَ إن نسيت فَذَكَرت فلا تجلس معهم