تفسير الطبري تفسير الصفحة 154 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 154
155
153
 الآية : 31
القول في تأويل قوله تعالى: {يَابَنِيَ آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُوَاْ إِنّهُ لاَ يُحِبّ الْمُسْرِفِينَ }.
يقول تعالى ذكره لهؤلاء الذين يتعرّون عند طوافهم ببيته الحرام ويبدون عوراتهم هنالك من مشركي العرب, والمحرّمين منهم أكل ما لم يحرّمه الله عليهم من حلال رزقه تبرّرا عند نفسه لربه: يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ من الكساء واللباس, عِنْدَ كُلْ مَسْجِد وكُلُوا من طيبات ما رزقتكم, وحللته لكم, وَاشْرَبُوا من حلال الأشربة, ولا تحرّموا إلا ما حرّمت عليكم في كتابي أو على لسان رسولي محمد صلى الله عليه وسلم.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
11347ـ حدثنا يحيى بن حبيب بن عربي, قال: حدثنا خالد بن الحرث, قال: حدثنا شعبة, عن سلمة, عن مسلم البطين, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس: أنّ النساء كنّ يطفن بالبيت عراة وقال في موضع آخر: بغير ثياب إلا أن تجعل المرأة على فرجها خرقة فيما وصف إن شاء الله, وتقول:
اليَوْمَ يَبْدُوا بَعْضُهُ أوْ كُلّهُفَمَا بَدَا مِنْهُ فَلا أُحِلّهُ
قال: فنزلت هذه الاَية: خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلّ مَسْجِد.
حدثنا عمرو بن عليّ, قال: حدثنا محمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن سلمة بن كهيل, عن مسلم البطين, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس, قال: كانوا يطوفون عراة, الرجال بالنهار, والنساء بالليل, وكانت المرأة تقول:
اليَوْمَ يَبْدُو بَعْضُهُ أوْ كُلهُفَمَا بَدَا مِنْهُ فَلا أحِلّهُ
فقال الله: خُذُوا زِينَتَكُمْ.
11348ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا ابن عيينة, عن عمرو, عن ابن عباس: خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلْ مَسْجِدٍ قال: الثياب.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عندر ووهب بن جرير, عن شعبة, عن سلمة بن كهيل, قال: سمعت مسلما البطين يحدّث عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس, قال: كانت المرأة تطوف بالبيت عريانة قال غُنْدَرٌ: وهي عريانة, قال وهب: كانت المرأة تطوف بالبيت وقد أخرجت صدرها وما هنالك.
قال غندر: وتقول: من يعيرني تطوافا تجعله على فرجها وتقول:
اليَوْمَ يَبْدُو بَعْضُهُ أوْ كُلّهُوَما بَدَا مِنْهُ فَلا أُحِلّهُ
فأنزل الله يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلّ مَسْجِد.
حدثني المثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ بن أبي طلحة, عن ابن عباس, قوله: يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِيَنَتكُمْ عِنْدَ كُلّ مَسْجِد قال: كانوا يطوفون بالبيت عراة, فأمرهم الله أن يلبسوا ثيابهم ولا يتعرّوا.
حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلّ مسْجِدٍ... الاَية, قال: كان رجال يطوفون بالبيت عراة, فأمرهم الله بالزينة. والزينة: اللباس, وهو ما يواري السوأة, وما سوى ذلك من جيد البز والمتاع, فأمروا أن يأخذوا زينتهم عند كلّ مسجد.
11349ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا المحاربي وابن فضيل, عن عبد الملك, عن عطاء: خُذُوا زِينَتَكُمْ قال: كانوا يطوفون بالبيت عراة, فأمروا أن يلبسوا ثيابهم.
حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: حدثنا هشيم, عن عبد الملك, عن عطاء, بنحوه.
حدثني عمرو, قال: حدثنا يحيى, قال: حدثنا عبد الملك, عن عطاء, في قوله: خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلّ مَسْجِدٍ: البسوا ثيابكم.
11350ـ حدثنا يعقوب قال: حدثنا هشيم, قال: أخبرنا مغيرة عن إبراهيم في قوله: خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلّ مَسْجِدٍ قال: كان ناس يطوفون بالبيت عراة فنهوا عن ذلك.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا جرير, عن مغيرة, عن إبراهيم: خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلّ مَسْجِدٍ قال: كانوا يطوفون بالبيت عراة, فأمروا أن يلبسوا الثياب.
11351ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا يحيى بن يمان, عن عثمان بن الأسود, عن مجاهد: خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلّ مَسْجِدٍ قال: ما وارى العورة ولو عباءة.
حدثنا عمرو قال: حدثنا يحيى بن سعيد, وأبو عاصم, وعبد الله بن داود, عن عثمان بن الأسود, عن مجاهد, في قوله: خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلّ مَسْجِدٍ قال: ما يواري عورتك ولو عباءة.
11352ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قول الله: خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلّ مَسْجِدٍ في قريش, لتركهم الثياب في الطواف.
حدثني المثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, بنحوه.
11353ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبي, قال: حدثنا سفيان, عن سالم, عن سعيد بن جبير: خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلّ مَسْجِدٍ قال: الثياب.
11354ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا زيد بن حباب, عن إبراهيم, عن نافع, عن ابن طاوس, عن أبيه: خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلّ مَسْجِدٍ قال: الشملة من الزينة.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا ابن عيينة, عن عمرو, عن طاوس: خُذوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلّ مَسْجِدٍ قال: الثياب.
11355ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا سويد وأبو أسامة, عن حماد بن زيد, عن أيوب, عن سعيد بن جبير, قال: كانوا يطوفون بالبيت عراة, فطافت امرأة بالبيت وهي عريانة, فقالت:
اليَوْمَ يَبْدو بَعْضُهُ أوْ كُلّهُفَمَا بَدَا مِنْهُ فَلا أُحِلّهُ
11356ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: قوله: خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلّ مَسْجِدِ قال: كان حيّ من أهل اليمن كان أحدهم إذا قدم حاجّا أو معتمرا يقول: لا ينبغي أن أطوف في ثوب قد دنّست فيه, فيقول: من يعيرني مئزرا؟ فإن قدر على ذلك, وإلا طاف عريانا, فأنزل الله فيه ما تسمعون: خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلّ مَسْجِدٍ.
11357ـ حدثني محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد بن المفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ: قال الله: يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلّ مَسْجِدٍ يقول: ما يواري العورة عند كلّ مسجد.
11358ـ حدثني محمد بن عبد الأعلى, قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن الزهريّ: أن العرب كانت تطوف بالبيت عراة, إلا الحمس قريش وأحلافهم فمن جاء من غيرهم وضع ثيابه وطاف في ثياب أحمس, فإنه لا يحلّ له أن يلبس ثيابه, فإن لم يجد من يعيره من الحمس فإنه يلقي ثيابه ويطوف عريانا, وإن طاف في ثياب نفسه ألقاها إذا قضى طوافه يحرمها فيجعلها حراما عليه, فلذلك قال: خُذُوا زِينَتَكُمْ عَنْدَ كُلّ مَسْجِدٍ.
وبه عن معمر قال: قال ابن طاوس, عن أبيه: الشملة من الزينة.
11359ـ حُدثت عن الحسين بن الفرج, قال: سمعت أبا معاذ, قال: حدثنا عبيد بن سليمان, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلّ مَسْجِدٍ... الاَية, كان ناس من أهل اليمن والأعراب إذا حجوا البيت يطوفون به عراة ليلاً, فأمرهم الله أن يلبسوا ثيابهم وَلا يتعرّوا في المسجد.
11360ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد: خُذُوا زِينَتَكُمْ قال: زينتهم ثيابهم التي كانوا يطرحونها عند البيت ويتعرّون.
11361ـ وحدثني به مرة أخرى بإسناده, عن ابن زيد في قوله: قُلْ مَنْ حَرّمَ زِينَةَ اللّهِ التي أخُرَجَ لِعِبادِهِ, وَالطّيّباتِ مِنَ الرّزْقِ قال: كانوا إذا جاءوا البيت فطافوا به حرمت عليهم ثيابهم التي طافوا فيها, فإن وجدوا من يعيرهم ثيابا, وإلا طافوا بالبيت عراة, فقال: مَنْ حَرّمَ زِينَةَ اللّهِ قال: ثياب الله التي أخرج لعباده... الاَية.
وكالذي قلنا أيضا, قالوا في تأويل قوله: وَكُلُوا وَاشْرِبُوا وَلا تُسْرِفُوا. ذكر من قال ذلك:
11362ـ حدثنا محمد بن عبد الأعلى, قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن ابن طاوس, عن أبيه, عن ابن عباس, قال: أحلّ الله الأكل والشرب ما لم يكن سرفا أو مخيلة.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن عطاء الخراساني, عن ابن عباس, قوله: وكُلُوا وَاشْرِبُوا وَلا تُسْرِفُوا إنّهُ لا يُحِبّ المُسْرِفِينَ في الطعام والشراب.
11363ـ حدثني محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد بن المفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ: قال: كان الذين يطوفون بالبيت عراة يحرّمون عليهم الوَدَك ما أقاموا بالموسم, فقال الله لهم: كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إنّهُ لا يُحِبّ المُسْرِفِينَ يقول: لا تسرفوا في التحريم.
11364ـ حدثني الحرث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال: حدثنا أبو سعد, قال: سمعت مجاهدا يقول في قوله: وكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا قال: أمرهم أن يأكلوا ويشربوا مما رزقهم الله.
11365ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: وَلا تُسْرِفُوا لا تأكلوا حراما ذلك الإسراف.
وقوله إنّهُ لا يُحِبّ المُسْرِفِينَ يقول: إن الله لا يحبّ المتعدّين حدّه في حلال أو حرام, الغالين فيما أحلّ الله أو حرّم بإحلال الحرام, وبتحريم الحلال, ولكنه يحب أن يحلل ما أحلّ ويحرّم ما حرّم, وذلك العدل الذي أمر به.
الآية : 32
القول في تأويل قوله تعالى: {قُلْ مَنْ حَرّمَ زِينَةَ اللّهِ الّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطّيّبَاتِ مِنَ الرّزْقِ قُلْ هِي لِلّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصّلُ الاَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ }.
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قُلْ يا محمد لهؤلاء الجهلة من العرب الذين يتعرّون عند طوافهم بالبيت, ويحرّمون على أنفسهم ما أحللت لهم من طيبات الرزق: مَنْ حَرّمَ أيها القوم عليكم زِينَةَ اللّهِ التي خلقها لعباده أن تتزينوا بها وتتجملوا بلباسها, والحلال من رزق الله الذي رزق خلقه لمطاعمهم ومشاربهم.
واختلف أهل التأويل في المعنىّ بالطيبات من الرزق بعد إجماعهم على أن الزينة ما قلنا, فقال بعضهم: الطيبات من الرزق في هذا الموضع: اللحم, وذلك أنهم كانوا لا يأكلونه في حال إحرامهم. ذكر من قال ذلك منهم:
11366ـ حدثني محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد بن المفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ, في قوله: قُلْ مَنْ حَرّمَ زِينَةَ اللّهِ التي أخْرَجَ لِعِبَادِهِ والطّيّباتِ مِنَ الرّزْقِ وهو الودك.
11367ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: قُلْ مَنْ حَرّمَ زِينَةَ اللّهِ التي أخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطّيّباتِ مِنَ الرّزْقِ الذي حرّموا على أنفسهم, قال: كانوا إذا حجوا أو اعتمروا حرّموا الشاة عليهم وما يخرج منها.
وحدثني به يونس مرّة أخرى, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال بن زيد, في قوله: قُلْ مَنْ حَرّمَ زِينَةَ اللّهِ... إلى آخر الاَية, قال: كان قوم يحرّمون ما يخرج من الشاة لبنها وسمنها ولحمها, فقال الله: قُلْ مَنْ حَرّمَ زِينَةَ اللّهِ التي أخْرَجَ لِعِبادِهِ والطّيّباتِ مِنَ الرّزْقِ قال: والزينة من الثياب.
11368ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا حبان بن موسى, قال: أخبرنا ابن المبارك, عن سفيان, عن رجل, عن الحسن, قال: لما بعث محمدا فقال: هذا نبيي هذا خياري, استنّوا به خذوا في سنته وسبيله لم تُغلق دونه الأبواب ولم تُقم دونه الحُجُب, ولم يغد عليه بالجبار ولم يرجع عليه بها. وكان يجلس بالأرض, ويأكل طعامه بالأرض, ويلعق يده, ويلبس الغليظ, ويركب الحمار, ويردف عبده, وكان يقول: «مَنْ رَغِبَ عَنْ سُنّتِي فَلَيْسَ مِنّي». قال الحسن: فما أكثر الراغبين عن سنته التاركين لها, ثم عُلوجا فسّاقا, أكلة الربا والغلول, قد سفههم ربي ومقتهم, زعموا أن لا بأس عليهم فيما أكلوا وشربوا وزخرفوا هذه البيوت, يتأوّلون هذه الاَية: قُل مَنْ حَرمَ زِينَةَ اللّهِ التي أخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطّيّباتِ مِن الرّزْقِ وإنما جعل ذلك لأولياء الشيطان, قد جعلها ملاعب لبطنه وفرجه من كلام لم يحفظه سفيان.
وقال آخرون: بل عنى بذلك ما كانت الجاهلية تحرّم من البحائر والسوائب. ذكر من قال ذلك:
11369ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: قُلْ مَنْ حَرّمَ زِينَةَ اللّهِ التي أخْرَجَ لِعِبادِهِ والطّيّباتِ مِنَ الرّزقِ وهو ما حرّم أهل الجاهلية عليهم من أموالهم: البحيرة, والسائبة, والوصيلة, والحام.
11370ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالح, قال: ثني معاوية بن صالح, عن عليّ, عن ابن عباس قوله: قُلْ مَنْ حَرّمَ زِينَةَ اللّهِ التي أخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطّيّباتِ مِنَ الرّزْقِ قال: إن الجاهلية كانوا يحرّمون أشياء أحلها الله من الثياب وغيرها, وهو قول الله: قُلْ أرأيْتُمْ ما أنْزَلَ الله لَكُم مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَاما وَحَلالاً وهو هذا, فأنزل الله: قُلْ مَنْ حَرّمَ زِينَةَ اللّهِ التي أخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطّيّباتِ مِنَ الرّزْقِ.
القول في تأويل قوله تعالى: قُلْ هِيَ للّذِينَ آمَنُوا فِي الحَياةِ الدّنْيا خالِصَة يَوْمَ القِيامَةِ.
يقول الله تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد لهؤلاء الذين أمرتك أن تقول لهم مَنْ حَرّمَ زِينَةَ اللّهِ التي أخْرَجَ لِعِبادِهِ والطّيّباتِ مِن الرّزْقِ إذ عيوا بالجواب فلم يدروا ما يجيبونك: زينة الله التي أخرج لعباده, وطيبات رزقه للذين صدّقوا الله ورسوله, واتبعوا ما أنزل إليك من ربك في الدنيا, وقد شركهم في ذلك فيها من كفر بالله ورسوله وخالف أمر ربه, وهي للذين آمنوا بالله ورسوله خالصة يوم القيامة, لا يشركهم في ذلك يومئذٍ أحد كفر بالله ورسوله وخالف أمر ربه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل: ذكر من قال ذلك:
11371ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثني معاوية, عن عليّ بن أبي طلحة, عن ابن عباس: قُلْ هِيَ للّذِينَ آمَنُوا في الحَياةِ الدّنْيا خالِصَةً يَوْمَ القِيامَةِ يقول: شارك المسلمون الكفار في الطيّبات, فأكلوا من طيبات طعامها, ولبسوا من خيار ثيابها, ونكحوا من صالح نسائها, وخلصوا بها يوم القيامة.
وحدثني به المثنى مرّة أخرى بهذا الإسناد بعينه, عن ابن عباس, فقال: قُلْ هِيَ لِلّذِينَ آمَنُوا فِي الحَياةِ الدّنَيا يعني: يشارك المسلمون المشركين في الطيّبات في الحياة الدنيا, ثم يخلص الله الطيبات في الاَخرة للذين آمنوا, وليس للمشركين فيها شيء.
حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قال: قال لمحمد صلى الله عليه وسلم: قُلْ مَنْ حَرّمَ زِينَةَ اللّهِ التي أخْرَجَ لِعِبادِهِ والطّيّباتِ مِنَ الرّزْقِ قُلْ هِي للّذِينَ آمَنُوا فِي الحَياة الدّنْيا خالِصَةً يَوْمَ القيامةِ يقول: قل هي في الاَخرة خالصة لمن آمن بي في الدنيا, لا يشركهم فيها أحد وذلك أن الزينة في الدنيا لكلّ بني آدم, فجعلها الله خالصة لأوليائه في الاَخرة.
11372ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبي, عن سلمة بن نبيط, عن الضحاك: قُلْ هِيَ الّذِينَ آمَنُوا فِي الحَياةِ الدّنيْا خالِصَةً يَوْمَ القِيامَةِ قال: اليهود والنصارى يشركونكم فيها في الدنيا, وهي للذين آمنوا خالصة يوم القيامة.
11373ـ حدثنا محمد بن عبد الأعلى, قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن الحسن: قُلْ هِيَ الّذِينَ آمَنُوا فِي الحَياةِ الدّنيْا خالِصَةً يَوْمَ القِيامَةِ خالصة للمؤمنين في الاَخرة لا يشاركهم فيها الكفار, فأما في الدنيا فقد شاركوهم.
11374ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: قُلْ هِيَ للّذِينَ آمَنُوا في الحَياةِ الدّنيْا خالِصَةً يَوْمَ القِيامَةِ من عمل بالإيمان في الدنيا خلصت له كرامة الله يوم القيامة, ومن ترك الإيمان في الدنيا قدم على ربه لا عذر له.
11375ـ حدثني محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد بن المفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ: قُل هِيَ للّذِينَ آمَنُوا فِي الحَياةِ الدّنيْا يشترك فيها معهم المشركون, خالِصَةً يَومَ القِيامَةِ للذين آمنوا.
11376ـ حُدثت عن الحسين بن الفرج, قال: سمعت أبا معاذ, قال: حدثنا عبيد بن سليمان, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: قُل مَنْ حَرمَ زِينَةَ اللّهِ التي أخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطّيّباتِ مِنَ الرّزقِ قُلْ هِيَ للّذِينَ آمَنُوا فِي الحَياةِ الدّنيْا خالِصَةً يَومَ القِيامَةِ يقول: المشركون يشاركون المؤمنين في الدنيا في اللباس والطعام والشراب, ويوم القيامة يُخَلص اللباس والطعام والشراب للمؤمنين, وليس للمشركين في شيء من ذلك نصيب.
11377ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جريج, قال: الدنيا يصيب منها المؤمن والكافر, ويخلص خير الاَخرة للمؤمنين, وليس للكافر فيها نصيب.
11378ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد: قُلْ هِيَ للّذِينَ آمَنُوا فِي الحَياةِ الدّنيْا خالِصَةً يَوْمَ القِيامَةِ قال: هذه يوم القيامة للذين آمنوا, لا يشركهم فيها أهل الكفر ويشركونهم فيها فِي الدنيا, وإذا كان يوم القيامة فليس لهم فيها قليل ولا كثير. وقال سعيد بن جبير في ذلك, بما:
11379ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا إسماعيل بن أبان وحيوية الرازي أبو يزيد عن يعقوب القمي, عن سعيد بن جبير: قُلَ هِيَ للّذِينَ آمَنُوا فِي الحَياةِ الدّنيْا خالِصَةً يَوْمَ القِيامَةِ قال: ينتفعون بها في الدنيا ولا يتبعهم إثمها.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله «خالصة», فقرأ ذلك بعض قرّاء المدينة: «خالِصَةٌ» برفعها, بمعنى: قل هي خالصة للذين آمنوا. وقرأه سائر قرّاء الأمصار: خالصَةً بنصبها على الحال من لهم, وقد ترك ذكرها من الكلام اكتفاء منها بدلالة الظاهر عليها, على ما قد وصفت في تأويل الكلام أن معنى للكلام: قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا مشتركة, وهي لهم الاَخرة خالصة. ومن قال ذلك بالنصب جعل خبر «هي» في قوله: للّذِينَ آمَنُوا.
قال أبو جعفر: وأولى القراءتين عندي بالصحة قراءة من قرأ نصبا, لإيثار العرب النصب في الفعل إذا تأخر بعد الاسم والصفة وإن كان الرفع جائزا, غير أن ذلك أكثر في كلامهم.
القول في تأويل قوله تعالى: كَذَلِكَ نُفَصّلُ الاَياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ.
يقول تعالى ذكره: كما بينت لكن الواجب عليكم في اللباس والزينة والحلال من المطاعم والمشارب والحرام منها, وميزت بين ذلك لكم أيها الناس, كذلك أبين جميع أدلتي وحججي وأعلام حلالي وحرامي وأحكامي لقوم يعلمون ما يبين لهم ويفقهون ما يميز لهم.
الآية : 33
القول في تأويل قوله تعالى: {قُلْ إِنّمَا حَرّمَ رَبّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }.
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد: قل يا محمد لهؤلاء المشركين الذين يتجرّدون من ثيابهم للطواف بالبيت, ويحرمون أكل طيبات ما أحلّ الله لهم من رزقه أيها القوم: إن الله لم يحرّم ما تحرّمونه, بل أجلّ ذلك لعباده المؤمنين وطبّبه لهم. وإنما حرّم ربي القبائح من الأشياء, وهي الفواحش, ما ظهر منها فكان علانية, وما بطن منها فكان سرّا في خفاء. وقد رُوي عن مجاهد في ذلك ما:
11380ـ حدثني الحرث, قال: ثني عبد العزيز, قال: حدثنا أبو سعد, قال: سمعت مجاهدا يقول في قوله: ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ قال: ما ظهر منها طواف أهل الجاهلية عراة, وما بطن: الزنا.
وقد ذكرت اختلاف أهل التأويل في تأويل ذلك بالروايات فيما مضى فكرهت إعادته.
وأما الإثم: فإنه المعصية. والبغي: الاستطالة على الناس. يقول تعالى ذكره: إنما حرّم ربي الفواحش مع الإثم والبغي على الناس.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
11381ـ حدثنا محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد بن المفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ: وَالإثمَ والَبغْيَ أما الإثم: فالمعصية, والبغي: أن يبغي على الناس بغير الحقّ.
11382ـ حدثني الحرث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال: حدثنا أبو سعد, قال: سمعت مجاهدا في قوله: ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ والإثمَ والبَغْيَ قال: نهى عن الإثم وهي المعاصي كلها, وأخبر أن الباغي بغيه كائن على نفسه.
القول في تأويل قوله تعالى: وأنْ تُشْرِكُوا باللّهِ ما لَمْ يُنزّلّ بِهِ سُلْطانا وأنْ تَقُولُوا على اللّهِ ما لا تَعْلَمُونَ.
يقول جل ثناؤه: إنما حرم ربي الفواحش والشرك به أن تعبدوا مَعَ الله إلها غيرَهُ, ما لَمْ ينزّلْ بِهِ سُلْطانا يقول: حرّم ربكم عليكم أن تجعلوا معه في عبادته شركا لشيء لم يجعل لكم في إشراككم إياه في عبادته حجة ولا برهانا, وهو السلطان. وأنْ تَقُولُوا على اللّهِ ما لا تَعْلَمُونَ يقول: وأن تقولوا: إن الله أمركم بالتعرّي والتجرّد للطواف بالبيت, وحرّم عليكم أكل هذه الأنعام التي حرّمتموها وسيّبتموها وجعلتموها وصائل وحوامي, وغير ذلك مما لا تعلمون أن الله حرّمه أو أمر به أو أباحه, فتضيفوا إلى الله تحريمه وحظره والأمر به, فإن ذلك هو الذي حرّمه الله عليكم دون ما تزعمون أن الله حرّمه أو تقولون إن الله أمركم به جهلاً منكم بحقيقة ما تقولون وتضيفونه إلى الله.
الآية : 34
القول في تأويل قوله تعالى: {وَلِكُلّ أُمّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ }.
يقول تعالى ذكره مهدّدا للمشركين الذين أخبر جلّ ثناؤه عنهم أنهم كانوا إذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها, ووعيدا منه لهم على كذبهم عليه وعلى إصرارهم على الشرك به والمقام على كفرهم, ومذكّرا لهم ما أحلّ بأمثالهم من الأمم الذين كانوا قبلهم: وَلِكُلّ أمّةٍ أجَلٌ يقول: ولكلّ جماعة اجتمعت على تكذيب رسل الله وردّ نصائحهم, والشرك بالله مع متابعة ربهم حججه عليهم, أجل, يعني: وقت لحلول العقوبات بساحتهم, ونزول المثلات بهم على شركهم. فإذَا جاءَ أجَلُهُمْ يقول: فإذا جاء الوقت الذي وقّته الله لهلاكهم وحلول العقاب بهم لا يَسْتأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ يقول: لا يتأخرون بالبقاء في الدنيا ولا يتمتعون بالحياة فيها عن وقت هلاكهم وحين حلول أجل فنائهم ساعة من ساعات الزمان. وَلا يَسْتَقْدِمُون يقول: ولا يتقدمون بذلك أيضا عن الوقت الذي جعله الله لهم وقتا للهلاك.
الآية : 35
القول في تأويل قوله تعالى: {يَابَنِيَ آدَمَ إِمّا يَأْتِيَنّكُمْ رُسُلٌ مّنكُمْ يَقُصّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتّقَىَ وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }.
يقول تعالى ذكره معرّفا خلقه ما أعدّ لحزبه وأهل طاعته والإيمان به وبرسوله, وما أعدّ لحزب الشيطان وأوليائه والكافرين به وبرسله: يا بَنِي آدَمَ إمّا يَأتِنَنّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يقول: إن يجئكم رسلي الذين أرسلهم إليكم بدعائكم إلى طاعته والانتهاء إلى أمري ونهي منكم, يعني: من أنفسكم, ومن عشائركم وقبائلكم. يَقُصّون عَلَيْكُمْ آياتِي يقول: يتلون عليكم آيات كتابي, ويعرّفونكم أدلتي وأعلامي على صدق ما جاءوكم به من عندي, وحقيقة ما دعوكم إليه من توحيدي. فَمَنْ اتّقَى وأصْلَحَ يقول: فمن آمن منكم بما أتاه به رسلي مما قصّ عليه من آياتي وصدّق واتقى الله, فخافه بالعمل بما أمره به والانتهاء عما نهاه عنه, على لسان رسوله. وأَصْلَحَ يقول: وأصلح أعماله التي كان لها مفسدا قبل ذلك من معاصي الله بالتحوّب منها. فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ يقول: فلا خوف عليهم يوم القيامة من عقاب الله إذا وردوا عليه. وَلاهُمْ لا يَحْزنُونَ على ما فاتهم من دنياهم التي تركوها, وشهواتهم التي تجنبوها, اتباعا منهم لنهي الله عنها إذا عاينوا من كرامة الله ما عاينوا هنالك.
11383ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا هشام أبو عبد الله, قال: حدثنا هياج, قال: حدثنا عبد الرحمن بن زياد, عن أبي سيار السلمي, قال: إن الله جعل آدم وذرّيته في كفه, فقال: يا بَنِي آدَمَ إمّا يَأْتِيَنّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصّونَ عَلَيْهِمْ آياتِي فَمَنِ اتّقَى وأصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ, ثم نظر إلى الرسل فقال: يا أيّها الرّسُلُ كُلُوا مِنَ الطّيّباتِ وَاعْمَلُوا صَالِحا إنّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ وَإنّ هَذِهِ أُمّتُكُمْ أُمّةً واحِدَةً وأنا رَبكُمْ فاتّقُونِ ثم بثهم.
فإن قال قائل: ما جواب قوله: إمّا يأْتِنَنّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ؟ قيل: قد اختلف أهل العربية في ذلك, فقال بعضهم في ذلك: الجواب مضمر, يدلّ عليه ما ظهر من الكلام, وذلك قوله: فَمَنِ اتّقَى وأصْلَحَ وذلك لأنه حين قال: فمَنِ اتّقَى وأصْلَحَ كأنه قال: فأطيعوهم.
وقال آخرون منهم: الجواب: «فمن اتقى», لأن معناه, فمن اتقى منكم وأصلح. قال: ويدلّ على أن ذلك كذلك, تبعيضه الكلام, فكان في التبعيض اكتفاء من ذكر «منكم».
الآية : 36
القول في تأويل قوله تعالى: {وَالّذِينَ كَذّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَآ أُوْلَـَئِكَ أَصْحَابُ النّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }.
يقول جل ثناؤه: وأما من كذب بأنباء رسلي التي أرسلتها إليه وجحد توحيدي وكفر بما جاء به رسلي واستكبر عن تصديق حججي وأدلتي, فأُولَئِكَ أصحَابُ النّارِ هُمْ فيها خالدون يقول: هم في نار جهنم ماكثون, لا يخرجون منها أبدا.
الآية : 37
القول في تأويل قوله تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمّنِ افْتَرَىَ عَلَى اللّهِ كَذِباً أَوْ كَذّبَ بِآيَاتِهِ أُوْلَـَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مّنَ الْكِتَابِ حَتّىَ إِذَا جَآءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفّوْنَهُمْ قَالُوَاْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ قَالُواْ ضَلّواْ عَنّا وَشَهِدُواْ عَلَىَ أَنْفُسِهِمْ أَنّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ }.
يقول تعالى ذكره: فمن أخطأ فعلاً وأجهل قولاً وأبعد ذهابا عن الحقّ والصواب مِمّنِ افْتَرَى على اللّهِ كَذِبا يقول: ممن اختلق على الله زورا من القول, فقال إذا فعل فاحشة: إن الله أمرنا بها. أوْ كَذّبَ بآياتِهِ يقول: أو كذّب بأدلته وأعلامه الدالة على وحدانيته ونبوّة أنبيائه, فجحد حقيقتها ودافع صحتها. أُولَئِك يقول: من فعل ذلك فافترى على الله الكذب وكذّب بآياته, أُولَئِكَ يَنالَهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الكِتابِ يقول: يصل إليهم حظهم مما كتب الله لهم في اللوح المحفوظ.
ثم اختلف أهل التأويل في صفة ذلك النصيب الذي لهم في الكتاب وما هو, فقال بعضهم: هو عذاب الله الذي أعدّه لأهل الكفر به. ذكر من قال ذلك. 11384ـ حدثنا يعقوب بن إبراهيم, قال: حدثنا مروان, عن إسماعيل بن أبي خالد, عن أبي صالح, قوله: أُولَئِكَ يَنالَهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الكِتابِ: أي من العذاب.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبو أسامة, عن إسماعيل, عن أبي صالح, مثله.
11385ـ حدثني محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد بن مفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ: أُولَئِكَ يَنالَهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الكِتابِ يقول: ما كتب لهم من العذاب.
11386ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا عمرو بن عون, قال: أخبرنا هشيم, عن جويبر, عن كثير بن زياد, عن الحسن في قوله: أُولَئِكَ ينالَهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الكِتابِ قال: من العذاب.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبو معاوية, عن جويبر, عن أبي سهل, عن الحسن, قال: من العذاب.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا المحاربي, عن جويبر, عن رجل, عن الحسن, قال: من العذاب.
وقال آخرون: معنى ذلك: أولئك ينالهم نصيبهم مما سبق لهم من الشقاء والسعادة. ذكر من قال ذلك.
11387ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا يحيى بن آدم, عن شريك, عن سعيد: أولَئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الكِتابِ قال: من الشقوة والسعادة.
11388ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, عن عنبسة, عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى, عن القاسم بن أبي بزّة, عن مجاهد: أُولَئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الكِتابِ كشقيّ وسعيد.
11389ـ حدثنا واصل بن عبد الأعلى, قال: حدثنا محمد بن فضيل, عن الحسن, بن عمرو والفقيمي, عن الحكم قال: سمعت مجاهدا يقول: أُولَئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الكِتابِ قال: هو ما سبق.
حدثنا المثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: أُولَئِكَ يَنالُهُم نَصِيبُهُمْ مِنَ الكِتابِ: ما كتب لهم من الشقاوة والسعادة.
حدثني المثنى, قال: حدثنا سويد, قال: أخبرنا ابن المبارك, عن شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: يَنالُهُم نَصيبُهُم مِنَ الكِتابِ: ما كتب عليهم من الشقاوة والسعادة, كشقيّ وسعيد.
11390ـ قال: حدثنا ابن المبارك, عن شريك, عن جابر, عن مجاهد, عن ابن عباس: أُولَئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُم مِنَ الكِتابِ من الشقاوة والسعادة.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا ابن نمير وابن إدريس, عن الحسن بن عمرو, عن الحكم, عن مجاهد: أُولَئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِن الكِتابِ قال: ما قد سبق من الكتاب.
11391ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا حميد بن عبد الرحمن, عن فضيل بن مرزوق, عن عطية: أُولَئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الكِتابِ قال: ما سبق لهم في الكتاب.
قال: حدثنا سويد بن عمرو ويحيى بن آدم, عن شريك, عن سالم, عن سعيد: أُولَئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُم قال: من الشقاوة والسعادة.
قال: حدثنا أبو معاوية, عن سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قال: ما قضى أو قدّر عليهم.
11392ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جريج, قال: قال ابن عباس: يَنالُهُم نَصِيبُهُمْ مِنَ الكِتابِ ينالهم الذي كتب عليهم من الأعمال.
11393ـ حدثنا عمرو بن عبد الحميد, قال: حدثنا مروان بن معاوية, عن إسماعيل بن سميع, عن بكر الطويل, عن مجاهد, في قول الله: أولَئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الكِتابِ قال: قوم يعملون أعمالاً لا بدّ لهم أن يعملوها.
وقال آخرون: معنى ذلك: أولئك ينالهم نصيبهم من كتابهم الذي كتب لهم أو عليهم بأعمالهم التي عملوها في الدنيا من خير وشرّ. ذكر من قال ذلك.
11394ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس: أُولَئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الكِتابِ يقول: نصيبهم من الأعمال, من عمل خيرا جزي به, ومن عمل شرّا جُزي به.
11395ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قول الله: أُولَئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الكِتابِ قال: من أحكام الكتاب على قدر أعمالهم.
11396ـ حدثنا محمد بن عبد الأعلى, قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: أُولَئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُم مِنَ الكِتابِ قال: ينالهم نصيبهم في الاَخرة من أعمالهم التي عملوا وأسلفوا.
حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, عن سعيد, عن قتادة, قوله: أُولَئِكَ يَنالُهُم نَصِيبُهُم مِنَ الكِتابِ أي أعمالهم, أعمال السوء التي عملوها وأسلفوها.
حدثني أحمد بن المقدام, قال: حدثنا المعتمر, قال: قال أبي: أُولَئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الكِتابِ زعم قتادة: من أعمالهم التي عملوا.
11397ـ حُدثت عن الحسين بن الفرج, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد بن سليمان, عن الضحاك, قوله: أولَئِكَ يَنالُهُمُ نَصِيبُهُم مِنَ الكِتابِ يقول: ينالهم نصيبهم من العمل, يقول: إن عمل من ذلك نصيب خير جزي خيرا, وإن عمل شرّا جزي مثله.
وقال آخرون: معنى ذلك: ينالهم نصيبهم مما وعدوا في الكتاب من خير أو شرّ. ذكر من قال ذلك:
11398ـ حدثنا عليّ بن سهل, قال: حدثنا زيد بن أبي الزرقاء, عن سفيان, عن جابر, عن مجاهد, عن ابن عباس في هذه الاَية: أُولَئِكَ يَنالُهمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الكِتابِ قال: من الخير والشرّ.
11399ـ قال: حدثنا زيد, عن سفيان, عن منصور, عن مجاهد, قال: ما وعدوا.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن منصور, عن مجاهد: أُولَئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الكِتابِ قال: ما وعدوا.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبي, عن سفيان, عن منصور, عن مجاهد: أُولَئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُم مِنَ الكِتابِ قال: ما وعدوا فيه من خير أو شرّ.
11400ـ قال: حدثنا أبي, عن سفيان, عن جابر, عن مجاهد, عن ليث, عن ابن عباس: أُولَئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الكِتابِ قال: ما وعدوا مثله.
11401ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا المحاربي, عن جويبر, عن الضحاك, قال: ما وعدوا فيه من خير أو شرّ.
حدثني المثنى, قال: حدثنا أبو نعيم, قال: حدثنا سفيان, عن منصور, عن مجاهد: أُولَئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الكِتابِ قال: ما وعدوا فيه.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن منصور, عن مجاهد, في قوله: أُولَئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الكِتابِ قال: ما وعدوا من خير أو شرّ.
حدثنا عمرو بن عبد الحميد, قال: حدثنا مروان بن معاوية, عن الحسين بن عمرو, عن الحكم, عن مجاهد, في قول الله: أُولَئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الكِتابِ قال: ينالهم ما سبق لهم من الكتاب.
وقال آخرون: معنى ذلك: أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب الذي كتبه الله على ما افترى عليه. ذكر من قال ذلك:
11402ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: أُولَئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الكِتابِ يقول: ينالهم ما كتب عليهم, يقول: قد كتب لمن يفتري على الله أن وجهه مسودّ.
وقال آخرون: معنى ذلك: أولئك ينالهم نصيبهم مما كتب لهم من الرزق والعمر والعمل. ذكر من قال ذلك:
11403ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الرحمن بن سعد, قال: حدثنا أبو جعفر, عن الربيع ابن أنس: أُولَئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الكِتابِ مما كتب لهم من الرزق.
11404ـ قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا محمد بن حرب, عن ابن لهيعة, عن أبي صخر, عن القرظي: أُولَئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الكِتابِ قال: عمله ورزقه وعمره.
11405ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: أُولَئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الكِتابِ قال: من الأعمال والأرزاق والأعمال, فإذا فني هذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم وقد فرغوا من هذه الأشياء كلها.
قال أبو جعفر, وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب قول من قال: معنى ذلك: أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب مما كتب لهم من خير وشرّ في الدنيا ورزق وعمل وأجل. وذلك أن الله جلّ ثناؤه أتبع ذلك قوله: حتى إذَا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا يَتَوفّوْنَهُمْ قالُوا أيْنَ ما كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ فأبان بإتباعه ذلك قوله: أُولَئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الكِتابِ أن الذي ينالهم من ذلك إنما هو ما كان مقضيا عليهم في الدنيا أن ينالهم, لأنه قد أخبر أن ذلك ينالهم إلى وقت مجيئهم رسله لتقبض أرواحهم. ولو كان ذلك نصيبهم من الكتاب أو مما قد أعدّ لهم في الاَخرة, لم يكن محدودا بأنه ينالهم إلى مجيء رسل الله لو فاتهم لأن رسل الله لا تجيئهم للوفاة في الاَخرة, وأن عذابهم في الاَخرة لا آخر له ولا انقضاء فإن الله قد قضى عليهم بالخلود فيه, فبين بذلك أن معناه ما اخترنا من القول فيه.
القول في تأويل قوله تعالى: إذَا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا يَتَوَفّوْنَهُمْ قالُوا أيْنَ ما كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ قالُوا ضَلّوا عَنّا وشَهِدُوا على أنْفُسِهِمْ أنّهُمْ كانُوا كافِرِينَ.
يعني جلّ ثناؤه بقوله: حتى إذا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا إلى أن جاءتهم رسلنا, يقول جلّ ثناؤه: وهؤلاء الذين افتروا على الله الكذب أو كذّبوا بآيات ربهم, ينالهم حظوظهم التي كتب الله لهم وسبق في علمه لهم من رزق وعمل وأجل وخير وشرّ في الدنيا, إلى أن تأتيهم رسلنا لقبض أرواحهم. فإذَا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا يعني: ملك الموت وجنده. يَتَوَفّوْنَهُمْ يقول: يستوفون عددهم من الدنيا إلى الاَخرة. قالُوا أيْنَ ما كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ يقول: قالت الرسل: أين الذين كنتم تدعونهم أولياء من دون الله وتعبدونهم, لا يدفعون عنكم ما قد جاءكم من أمر الله الذي هو خالقكم وخالقهم وما قد نزل بساحتكم من عظيم البلاء, وهلاّ يغيثونكم من كرب ما أنتم فيه فينقذونكم منه فأجابهم الأشقياء, فقالوا: ضلّ عنا أولياؤنا الذين كنا ندعو من دون الله يعني بقوله: ضَلّوا: جاروا وأخذوا غير طريقنا وتركونا عند حاجتنا إليهم فلم ينفعونا. يقول الله جلّ ثناؤه: وشهد القوم حينئذٍ على أنفسهم أنهم كانوا كافرين بالله جاحدين وحدانيته