تفسير الطبري تفسير الصفحة 156 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 156
157
155
 الآية : 44
القول في تأويل قوله تعالى: {وَنَادَىَ أَصْحَابُ الْجَنّةِ أَصْحَابَ النّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبّنَا حَقّاً فَهَلْ وَجَدتّم مّا وَعَدَ رَبّكُمْ حَقّاً قَالُواْ نَعَمْ فَأَذّنَ مُؤَذّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظّالِمِينَ }.
يقول تعالى ذكره: ونادى أهل الجنة أهل النار بعد دخولهموها: يا أهل النار قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقّا في الدنيا على ألسن رسله من الثواب على الإيمان به وبهم وعلى طاعته, فهل وجدتم ما وعدكم ربكم على ألسنتهم على الكفر به وعلى معاصيه من العقاب؟ فأجابهم أهل النار بأن نعم, قد وجدنا ما وعد ربنا حقّا. كالذي:
11458ـ حدثني محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد بن مفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ: وَنادَى أصحَابُ الجَنّةِ أصحَابَ النّارِ أنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنَا رَبّنا حَقّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبّكُمْ حَقّا قالُوا نَعَمْ قال: وجد أهل الجنة ما وعدوا من ثواب, وأهل النار ما وعدوا من عقاب.
11459ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: وَنادَى أصحَابُ الجَنّةِ أصحَابَ النّارِ أنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبّنا حَقّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وعَدَ رَبّكُمْ حَقّا وذلك أن الله وعد أهل الجنة النعيم والكرامة وكلّ خير علمه الناس أو لم يعلموه, ووعد أهل النار كلّ خزي وعذاب علمه الناس أو لم يعلموه فذلك قوله: وآخَرُ مِنْ شَكْلِهٍ أزْوَاجٌ قال: فنادى أصحاب الجنة أصحاب النار أنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبّنا حَقّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبّكُمْ حَقّا قالُوا نَعَمْ يقول: من الخزي والهوان والعذاب, قال أهل الجنة: فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقّا من النعيم والكرامة. فأذّنَ مُؤَذّنٌ بَيْنَهُمْ أنْ لَعْنَةُ اللّهِ على الظّالِمينَ.
واختلف القرّاء في قراءة قوله: قالُوا نَعَمْ فقرأ ذلك عامة قرّاء أهل المدينة والكوفة والبصرة: قالُوا نَعَمْ بفتح العين من «نعم». ورُوي عن بعض الكوفيين أنه قرأ: «قالُوا نَعِمْ» بكسر العين, وقد أنشد بيتا لبني كلب:
«نَعِمْ» إذَا قالَهَا مِنْهُ مُحَقّقَةٌوَلا تجيءُ «عَسَى» مِنْهُ وَلا «قَمَنُ»
بكسر «نَعِم».
قال أبو جعفر: والصواب من القراءة عندنا: نَعَمْ بفتح العين, لأنها القراءة المستفيضة في قرّاء الأمصار واللغة المشهورة في العرب.
وأما قوله: فَأذّنَ مُؤَذّنٌ بَيْنَهُمْ يقول: فنادى منادٍ, وأعلم معلم بينهم, أنْ لَعَنَةُ اللّهِ على الظّالِمِينَ يقول: غضب الله وسخطه وعقوبته على من كفر به. وقد بيّنا القول في «أن» إذا صحبت من الكلام ما ضارع الحكاية وليس بصريح الحكاية, بأنها تشدّدها العرب أحيانا وتوقع الفعل عليها فتفتحها وتخففها أحيانا, وتعمل الفعل فيها فتنصبها به وتبطل عملها عن الاسم الذي يليها فيما مضى, بما أغني عن إعادته في هذا الموضع. وإذ كان ذلك كذلك, فسواء شُدّدت «أن» أو خففت في القراءة, إذ كان معنى الكلام بأيّ ذلك قرأ القارىء واحدا, وكانتا قراءتين مشهورتين في قراءة الأمصار.
الآية : 45
القول في تأويل قوله تعالى: {الّذِينَ يَصُدّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً وَهُمْ بِالاَخِرَةِ كَافِرُونَ }.
يقول جلّ ثناؤه: إن المؤذّن بين أهل الجنة والنار يقول: أن لعنة الله على الظالمين الذين كفروا بالله وصدّوا عن سبيله. ويَبْغُونَها عِوَجا يقول: حاولوا سبيل الله, وهو دينه, أن يغيروه ويبدلوه عما جعله الله له من استقامته. وَهُمْ بالاَخِرَةِ كافِرُونَ يقول: وهم لقيام الساعة والبعث في الاَخرة والثواب والعقاب فيها جاحدون. والعرب تقول للميل في الدين والطريق: «عِوَج», بكسر العين, وفي ميل الرجل على الشيء والعطف عليه: عاج إليه يَعُوج عِيَاجا وعَوَجا وعِوَجا, بالكسر من العين والفتح, كما قال الشاعر:
قِفَا نَبْكِي مَنازِلَ آلِ لَيْلَىعَلى عِوَجِ إلَيْها وَانْثِناءِ
ذكر الفرّاء أن أبا الجراح أنشده إياه بكسر العين من عِوج فأما ما كان خلقة في الإنسان, فإنه يقال فيه: عَوج ساقه, بفتح العين.
الآية : 46
القول في تأويل قوله تعالى: {وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الأعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاّ بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْاْ أَصْحَابَ الْجَنّةِ أَن سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ }.
يعني جلّ ثناؤه بقوله: وَبَيْنَهُما حِجابٌ وبين الجنة والنار حجاب, يقول: حاجز, وهو السور الذي ذكره الله تعالى فقال: فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ العَذَابُ وهو الأعراف التي يقول الله فيها: وَعَلى الأعْرَافِ رِجالٌ. كذلك:
11460ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عبد الله بن رجاء, وعن ابن جريج, قال: بلغني, عن مجاهد, قال: الأعراف: حجاب بين الجنة والنار.
11461ـ حدثني محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد بن مفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ: وَبَيْنَهُما حِجابٌ وهو السور, وهو الأعراف.
وأما قوله: وَعلى الأعْرَافِ رِجالٌ فإن الأعراف جمع واحدها عُرْف, وكلّ مرتفع من الأرض عند العرب فهو عُرْف, وإنما قيل لعرف الديك: عُرْف, لارتفاعه على ما سواه من جسده ومنه قول الشماخ بن ضرار:
وَظَلّتْ بأعْرَافٍ تَعَالى كأنّهَارِماحٌ نَحاها وِجْهَةَ الرّيحِ رَاكِزُ
يعني بقوله: «بأعراف»: بنشوز من الأرض ومنه قول الاَخر:
كُلّ كِنازٍ لَحْمُهُ نِيافُكالعَلَمِ المُوفِي على الأعْرَافِ
وكان السديّ يقول: إنما سمي الأعراف أعرافا, لأن أصحابه يعرفون الناس.
11462ـ حدثني بذلك محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد بن المفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
11463ـ حدثنا سفيان بن وكيع, قال: حدثنا ابن عيينة, عن عبيد الله بن أبي يزيد, سمع ابن عباس يقول: الأعراف: هو الشيء المشرف.
حدثنا الحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا ابن عيينة, عن عبيد الله بن أبي يزيد, قال: سمعت ابن عباس يقول, مثله.
11464ـ حدثنا ابن وكيع, قال: ثني أبي, عن سفيان, عن جابر, عن مجاهد, عن ابن عباس, قال: الأعراف: سور كعرف الديك.
حدثني المثنى, قال: حدثنا أبو نعيم, قال: حدثنا سفيان, عن جابر, عن مجاهد, عن ابن عباس, مثله.
11465ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قال: الأعراف: حجاب بين الجنة والنار سور له باب. قال أبو موسى: وحدثني عبيد الله بن أبي يزيد, أنه سمع ابن عباس يقول: إن الأعراف تلّ بين الجنة والنار حُبس عليه ناس من أهل الذنوب بين الجنة والنار.
حدثني المثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قال: الأعراف: حجاب بين الجنة والنار, سور له باب.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا جرير, عن منصور, عن حبيب بن أبي ثابت, عن عبد الله بن الحرث عن ابن عباس, قال: الأعراف: سور بين الجنة والنار.
حدثني المثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ بن أبي طلحة, عن ابن عباس, قال: الأعراف: سور بين الجنة والنار.
حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: وَعلى الأعْرَاف رجالٌ يعني بالأعراف: السور الذي ذكر الله في القرآن وهو بين الجنة والنار.
حدثنا الحرث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال: حدثنا إسرائيل, عن جابر, عن مجاهد, عن ابن عباس, قال: الأعراف: سور له عرف كعرف الديك.
11466ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبي, عن إسرائيل, عن جابر, عن أبي جعفر, قال: الأعراف: سور بين الجنة والنار.
11467ـ حُدثت عن الحسين بن الفرج, قال: سمعت أبا معاذ, قال: ثني عبيد بن سليمان, قال: سمعت الضحاك يقول: الأعراف: السور الذي بين الجنة والنار.
واختلف أهل التأويل في صفة الرجال الذين أخبر الله جلّ ثناؤه عنهم أنهم على الأعراف وما السبب الذي من أجله صاروا هنالك, فقال بعضهم: هم قوم من بني آدم استوت حسناتهم وسيئاتهم, فجُعلوا هنالك إلى أن يقضي الله فيهم ما يشاء, ثم يُدخلهم الجنة بفضل رحمته إياهم. ذكر من قال ذلك:
11468ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يحيى بن واضح, قال: حدثنا يونس بن أبي إسحاق, قال: قال الشعبي: أرسل إليّ عبد الحميد, بن عبد الرحمن وعنده أبو الزناد عبد الله بن ذكوان مولى قريش, وإذا هما قد ذَكَرا من أصحاب الأعراف ذِكْرا ليس كما ذَكَرا, فقلت لهما: إن شئتما أنبأتكما بما ذكر حذيفة. فقالا: هات فقلت: إن حذيفة ذكر أصحاب الأعراف, فقال: هم قوم تجاوزت بهم حسناتهم النار وقصرت بهم سيئاتهم عن الجنة, فإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار, قالوا: ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين فبيناهم كذلك, اطلع إليهم ربك تبارك وتعالى فقال: اذهبوا وادخلوا الجنة, فإني قد غفرت لكم
11469ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: حدثنا هشيم, قال: أخبرنا حصين, عن الشعبيّ, عن حذيفة, أنه سُئل عن أصحاب الأعراف, قال: فقال: هم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم, فقصرت بهم سيئاتهم عن الجنة, وخلفت بهم حسناتهم عن النار. قال: فوقفوا هنالك على السور حتى يقضي الله فيهم.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا جرير وعمران بن عيينة, عن حصين, عن عامر, عن حذيفة, قال: أصحاب الأعراف: قوم كانت لهم ذنوب وحسنات, فقصرت بهم ذنوبهم عن الجنة وتجاوزت بهم حسناتهم عن النار, فهم كذلك حتى يقضي الله بين خلقه فينفذ فيهم أمره.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا يحيى بن يمان, عن سفيان, عن جابر, عن الشعبيّ, عن حذيفة, قال: أصحاب الأعراف قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم, فيقول: ادخلوا الجنة بفضلي ومغفرتي, لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ اليوم وَلا أنْتُمْ تَحْزَنُونَ.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبي, عن يونس بن أبي إسحاق, عن عامر, عن حذيفة, قال: أصحاب الأعراف قوم تجاوزت بهم حسناتهم النار, وقصرت بهم سيئاتهم عن الجنة.
11470ـ حدثنا المثنى, قال: حدثنا سويد بن نصر, قال: أخبرنا ابن المبارك, عن أبي بكر الهذليّ, قال: قال سعيد بن جبير, وهو يحدّث ذلك عن ابن مسعود, قال: يحاسب الناس يوم القيامة, فمن كانت حسناته أكثر من سيئاته بواحدة دخل الجنة, ومن كانت سيئاته أكثر من حسناته بواحدة دخل النار. ثم قرأ قول الله: فَمَن ثَقُلَت مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ وَمَن خَفّت مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الّذِينَ خَسِرُوا أنْفُسَهُم. ثم قال: إن الميزان يخفّ بمثقال حبة ويرجح قال: فمن استوت حسناته وسيئاته كان من أصحاب الأعراف. فوْقفوا على الصراط, ثم عرفوا أهل الجنة وأهل النار, فإذا نظروا إلى أهل الجنة نادوا: سلام عليكم وإذا صرفوا أبصارهم إلى يسارهم نظروا أصحاب النار, قالوا: رَبّنا لا تَجْعَلْنَا مَعَ القَوْمِ الظّالمينَ فيتعوّذون بالله من منازلهم. قال: فأما أصحاب الحسنات, فإنهم يُعْطَوْن نورا فيمشون به بين أيديهم وبأيمانهم, ويُعطى كلّ عبد يومئذٍ نورا وكلّ أمة نورا, فإذا أتوا على الصراط سلب الله نور كلّ منافق ومنافقة. فلما رأى أهل الجنة ما لقي المنافقون, قالوا: ربنا أتمم لنا نورنا وأما أصحاب الأعراف, فإن النور كان في أيديهم, فلم ينزع من أيديهم, فهنالك يقول الله: لَم يَدخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ فكان الطمع دخولاً. قال: فقال ابن مسعود: على أن العبد إذا عمل حسنة كتب له بها عشرا, وإذا عمل سيئة لم تكتب إلاّ واحدة. ثم يقول: هلك من غلب وُحدانه أعشاره.
11471ـ حدثنا أبو همام الوليد بن شجاع, قال: أخبرني ابن وهب قال: أخبرني عيسى الخياط عن الشعبيّ, عن حذيفة, قال: أصحاب الأعراف قوم كانت لهم أعمال أنجاهم الله بها من النار, وهم آخر من يدخل الجنة, قد عَرفوا أهل الجنة وأهل النار.
11472ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا أبو داود, قال: حدثنا همام, عن قتادة, قال: قال ابن عباس: أصحاب الأعراف: قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم, فلم تزد حسناتهم على سيئاتهم ولا سيئاتهم على حسناتهم.
11473ـ حدثنا ابن وكيع وابن حميد, قالا: حدثنا جرير عن منصور, عن حبيب بن أبي ثابت, عن عبد الله بن الحرث, عن ابن عباس, قال: الأعراف: سور بين الجنة والنار, وأصحاب الأعراف بذلك المكان, حتى إذا بدا لله أن يعافيهم, انطلق بهم إلى نهر يقال له الحياة حافتاه قضب الذهب مكلل باللؤلؤ ترابه المسك, فألقوا فيه حتى تصلح ألوانهم ويبدو في نحورهم شامة بيضاء يعرفون بها, حتى إذا صلحت ألوانهم أتَى بهم الرحمن, فقال: تمنوا ما شئتم قال: فيتمنون, حتى إذا انقطعت أمنيتهم قال لهم: لكم الذي تمنيتم ومثله سبعين مرّة. فيدخلون الجنة وفي نحورهم شامة بيضاء يُعرفون بها, يُسّمون مساكين الجنة.
11474ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن حبيب, عن مجاهد, عن عبد الله بن الحارث, قال: أصحاب الأعراف يؤمر بهم إلى نهر يقال له الحياة, ترابه الورس والزعفران, وحافتاه قضب اللؤلؤ. قال: وأحسبه قال: مكلل باللؤلؤ. وقال: فيغتسلون فيه, فتبدو في نحورهم شامة بيضاء فيقال لهم: تمنوا فيقال لهم: لكم ما تمنيتم وسبعون ضعفا وإنهم مساكين أهل الجنة. قال حبيب: وحدثني رجل: أنهم استوت حسناتهم وسيئاتهم.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبي, عن سفيان, عن حبيب بن ثابت, عن مجاهد, عن عبد الله بن الحارث, قال: أصحاب الأعراف يُنْتَهى بهم إلى نهر يقال له الحياة, حافَتاه قضب من ذهب قال سفيان: أراه قال: مكلل باللؤلؤ. قال: فيغتسلون منه اغتسالة, فتبدو في نحورهم شامة بيضاء, ثم يعودون فيغتسلون فيزدادون, فكلما اغتسلوا ازدادت بياضا, فيقال لهم: تمنوا ما شئتم فيتمنون ما شاءوا. فيقال لهم: لكم ما تمنيتم وسبعون ضعفا قال: فهم مساكين أهل الجنة.
حدثنا الحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا ابن عيينة, عن حصين, عن الشعبيّ, عن حذيفة, قال: أصحاب الأعراف: قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم, فهم على سور بين الجنة والنار لَم يَدخُلُوها وَهُم يَطْمَعُونَ.
حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قال: كان ابن عباس يقول: الأعراف بين الجنة والنار, حبس عليه أقوام بأعمالهم. وكان يقول: قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم, فلم تزد حسناتهم على سيئاتهم, ولا سيئاتهم على حسناتهم.
حدثنا الحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة, قال: قال ابن عباس: أهل الأعراف: قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم.
11475ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبو خالد, عن جويبر, عن الضحاك, قال: أصحاب الأعراف: قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم.
11476ـ وقال: حدثنا يحيى بن يمان, عن شريك, عن منصور, عن سعيد بن جبير, قال: أصحاب الأعراف استوت أعمالهم.
حدثني المثنى, قال: حدثنا عمرو بن عون, قال: أخبرنا هشيم, عن جويبر, عن الضحاك, عن ابن عباس, قال: أصحاب الأعراف: قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم, فوقفوا هنالك على السور.
11477ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن منصور, عن حبيب بن أبي ثابت, عن سفيع أو سميع قال أبو جعفر: كذا وجدت في كتاب سفيع عن أبي علقمة قال: أصحاب الأعراف: قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم.
وقال آخرون: كانوا قُتلوا في سبيل الله عصاة لاَبائهم في الدنيا. ذكر من قال ذلك:
11478ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا يحيى بن يمان, عن أبي مسعر, عن شرحبيل بن سعد, قال: هم قوم خرجوا في الغزو بغير إذن آبائهم.
11479ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالح, قال: ثني الليث, قال: ثني خالد, عن سعيد, عن يحيى بن شبل: أن رجلاً من بني النضير أخبره عن رجل من بني هلال أن أباه أخبره أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصحاب الأعراف, فقال: «هُمْ قَوْمٌ غَزَوْا فِي سَبِيلِ اللّهِ عُصَاةٌ لاَبائِهِمْ, فَقُتِلُوا, فأعْتَقَهُمُ اللّهُ مِنَ النّارِ بِقَتْلِهِمْ فِي سَبيله, وَحُبسُوا عَن الجَنّةِ بِمَعْصيَةِ آبائِهِمْ, فَهُمْ آخِرُ مَنْ يَدْخُلَ الجَنّةِ».
11480ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا يزيد بن هارون, عن أبي معشر, عن يحيى بن شبل مولى بني هاشم, عن محمد بن عبد الرحمن, عن أبيه, قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصحاب الأعراف, فقال: «قَوْمٌ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ بِمَعْصِيَةِ آبائِهِمْ, فَمَنَعَهُمْ قَتْلُهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ عَن النّارِ, وَمَنَعَتْهُمْ مَعْصِيَةُ آبائِهِمْ أنْ يَدْخُلُوا الجَنّةَ».
وقال آخرون: بل هم قوم صالحون فقهاء علماء. ذكر من قال ذلك:
11481ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبي, عن سفيان, عن خصيف, عن مجاهد, قال: أصحاب الأعراف قوم صالحون, فقهاء علماء.
وقال آخرون: بل هم ملائكة وليسوا ببني آدم. ذكر من قال ذلك:
11482ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: حدثنا ابن علية, عن أبي مجلز, قوله: وبَيْنَهُما حِجابٌ وَعلى الأعْرَافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلاّ بِسِيماهُمْ قال: هم رجال من الملائكة يعرفون أهل الجنة وأهل النار. قال: وَنادَوْا أصحَابَ الجَنّةِ أنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ... إلى قوله: رَبّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ القَومِ الظّالمِينَ. قال: فنادى أصحاب الأعراف رجالاً في النار يعرفونهم بسيماهم: ما أغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ أهَؤُلاء الّذِينَ أقْسَمْتُمْ لا يَنالُهُمُ اللّهُ بِرَحْمَةٍ قال: فهذا حين دخل أهل الجنة الجنة, ادْخُلُوا الجَنّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أنْتُمْ تَحْزَنُونَ.
11483ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا المعتمر, قال: سمعت عمران, قال: قلت لأبي مجلز: يقول الله: وَعَلى الأعْرَافِ رِجالٌ وتزعم أنت أنهم الملائكة؟ قال: فقال: إنهم ذكور وليسوا بإناث.
11484ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا جرير, عن سليمان التيمي, عن أبي مجلز: وَعلى الأعْرافِ رِجالٌ قال: رجال من الملائكة يعرفون الفريقين جميعا بسيماهم, أهل النار وأهل الجنة, وهذا قبل أن يدخل أهل الجنة الجنة.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا محمد بن أبي عديّ, عن التيمي, عن أبي مجلز, بنحوه.
11485ـ وقال: حدثنا يحيى بن يمان, عن سفيان, عن التيمي, عن أبي مجلز, قال: أصحاب الأعراف الملائكة.
حدثني المثنى, قال: حدثنا يعلى بن أسد, قال: حدثنا خالد, قال: أخبرنا التيمي, عن أبي مجلز: وَعَلى الأعْرَافِ رِجالٌ قال: هم الملائكة.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبي, عن عمران بن حدير, عن أبي مجلز: وَعَلى الأعْرَافِ رِجالٌ قال: هم الملائكة. قلت: يا أبا مجلز يقول الله تبارك وتعالى رجال, وأنت تقول ملائكة؟ قال: إنهم ذكران ليسوا بإناث.
حدثني المثنى, قال: حدثنا الحجاج, قال: حدثنا حماد عن عمران بن حُدَير, عن أبي مجلز, في قوله: وَعَلى الأعْرَافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلاّ بِسِيماهُمْ قال: الملائكة, قال: قلت: يقول الله رجال, قال: الملائكة ذكور.
قال أبو جعفر: والصواب من القول في أصحاب الأعراف أن يقال كما قال الله جلّ ثناؤه فيهم: هم رجال يعرفون كلاّ من أهل الجنة وأهل النار بسيماهم, ولا خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصحّ سنده ولا أنه متفق على تأويلها, ولا إجماع من الأمة على أنهم ملائكة. فإذ كان ذلك كذلك, وكان ذلك لا يدرك قياسا, وكان المتعارف بين أهل لسان العرب أن الرجال اسم يجمع ذكور بني آدم دون إناثهم ودون سائر الخلق غيرهم, كان بيّنا أن ما قاله أبو مجلز من أنهم ملائكة قول لا معنى له, وأن الصحيح من القول في ذلك ما قاله سائر أهل التأويل غيره. هذا مع من قال بخلافه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, ومع ما رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك من الأخبار وإن كان في أسانيدها ما فيها. وقد:
11486ـ حدثني القاسم, قال: ثني الحسين, قال: ثني جرير عن عمارة بن القعقاع, عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير, قال: سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصحاب الأعراف, فقال: «هُمْ آخِرُ مَنْ يُفْصَلُ بَيْنَهُمْ مِنَ العِبادِ, وَإذَا فَرَغَ رَبّ العالَمِينَ مِنْ فَصْلِهِ بينَ العِبادِ, قال: أنْتُمْ قَوْمٌ أخْرَجَتْكُمْ حَسنَاتُكُمْ مِنَ النّارِ وَلمْ تُدْخِلْكُمُ الجَنّةُ, وأنْتُمْ عُتَقائي فَارْعَوْا مِنَ الجَنّةِ حَيْثُ شِئْتُمْ».
القول في تأويل قوله تعالى: يَعْرِفُونَ كُلاّ بِسيماهُمْ وَنادَوْا أصحَابَ الجَنّةِ أنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ.
يقول تعالى ذكره: وعلى الأعراف رجال يعرفون أهل الجنة بسيماهم, وذلك بياض وجوههم ونضرة النعيم عليها. ويعرفون أهل النار كذلك بسيماهم, وذلك سواد وجوههم وزرقة أعينهم, فإذا رأوا أهل الجنة نادوهم: سلام عليكم.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
11487ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ بن أبي طلحة, عن ابن عباس, قوله: وَعَلى الأعْرَافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلاّ بِسِيماهُمْ قال: يعرفون أهل النار بسواد الوجوه, وأهل الجنة ببياض الوجوه.
11488ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس: وَعَلى الأعْرَافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلاّ بِسِيماهُمْ قال: أنزلهم الله بتلك المنزلة ليعرفوا من في الجنة والنار, وليعرفوا أهل النار بسواد الوجوه, ويتعوّذوا بالله أن يجعلهم مع القوم الظالمين, وهم في ذلك يحيون أهل الجنة بالسلام, لم يدخلوها وهم يطمعون أن يدخلوها, وهم داخلوها إن شاء الله.
11489ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: بِسِيماهُمْ قال: بسواد الوجوه وزُرقة العيون.
حدثني المثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: وَعَلى الأعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلاّ بِسِيماهُمْ الكفار بسواد الوجوه وزرقة العيون, وسيما أهل الجنة مبيضة وجوههم.
حدثني المثنى, قال: حدثنا عمرو بن عون, قال: حدثنا هشيم, عن جويبر, عن الضحاك, عن ابن عباس, قال: أصحاب الأعراف إذا رأوا أصحاب الجنة عرفوهم ببياض الوجوه, وإذا رأوا أصحاب النار عرفوهم بسواد الوجوه.
11490ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا سويد بن نصر, قال: أخبرنا ابن المبارك, عن جويبر, عن الضحاك, عن ابن عباس, قال: إن أصحاب الأعراف رجال كانت لهم ذنوب عظام, وكان حسم أمرهم لله, فأقيموا ذلك المقام إذا نظروا إلى أهل النار عرفوهم بسواد الوجوه, فقالوا رَبّنَا لا تجعلْنَا معَ القَوْمِ الظّالِمِينَ وإذا نظروا إلى أهل الجنة عرفوهم ببياض الوجوه, فذلك قوله: وَنادَوْا أصحَابَ الجَنّةِ أنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَم يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ.
11491ـ حُدثت عن الحسين بن الفرج, قال: سمعت أبا معاذ, قال: حدثنا عبيد بن سليمان, قال: سمعت الضحاك, في قوله: وَعَلى الأعْرَافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلاّ بِسِيماهُمْ زعموا أن أصحاب الأعراف رجال من أهل الذنوب أصابوا ذنوبا وكان حَسْمُ أمرهم لله, فجعلهم الله على الأعراف, فإذا نظروا إلى أهل النار عرفوهم بسواد الوجوه, فتعوّذوا بالله من النار وإذا نظروا إلى أهل الجنة, نادوهم أن سلام عليكم, قال الله: لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ. قال: وهذا قول ابن عباس.
11492ـ حدثني محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد بن المفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ: يَعْرِفُونَ كُلاّ بِسِيماهُمْ يعرفون الناس بسيماهم, يعرفون أهل النار بسواد وجوههم, وأهل الجنة ببياض وجوههم.
11493ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد بن زريع, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: يَعْرِفُونَ كُلاّ بِسِيماهُمْ يعرفون أهل النار بسواد وجوههم, وأهل الجنة ببياض وجوههم.
11494ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: وَعَلى الأعْرَافِ رِجالٌ يَعْرفُونَ كُلاّ بِسِيماهُمْ قال: أهل الجنة بسيماهم بيض الوجوه, وأهل النار بسيماهم سود الوجوه. قال: وقوله يَعْرِفُونَ كُلاّ بِسِيماهُمْ قال: أصحاب الجنة وأصحاب النار, ونادوا أصحاب الجنة, قال: حين رأوا وجوههم قد ابيضت.
11495ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا المحاربي, عن جويبر, عن الضحاك: يَعْرِفُونَ كُلاّ بِسِيماهُمْ قال: بسواد الوجوه.
11496ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا يحيى بن يمان, عن مبارك, عن الحسن: بِسِيماهُمْ قال: بسواد الوجوه, وزُرقة العيون.
والسيماء: العلامة الدالة على الشيء في كلام العرب, وأصله من السّمَةِ نُقلت واوها التي هي فاء الفعل إلى موضع العين, كما يقال: اضمحلّ وامضحلّ. وذُكر سماعا عن بعض بني عقيل: هي أرض خامة, يعني: وَخِمة ومنه قولهم: له جاه عند الناس, بمعنى: وجه, نُقلت واوه إلى موضع عين الفعل وفيها لغات ثلاث: «سيما مقصورة», و «سيماء» ممدودة, و «سيمياء» بزيادة ياء أخرى بعد الميم فيها ومدّها على مثال الكبرياء, كما قال الشاعر:
غُلامٌ رَماهُ اللّهُ بالحُسْنِ إذْ رَمىلَهُ سِيمْياءُ لا تَشُقّ على البَصَرْ
وأما قوله: وَنادَوْا أصحَابَ الجَنّةِ أنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ أي حلّت عليهم أمنة الله من عقابه وأليم عذابه.
واختلف أهل التأويل في المعني بقوله: لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ فقال بعضهم: هذا خبر من الله عن أهل الأعراف أنهم قالوا لأهل الجنة ما قالوا قبل دخول أصحاب الأعراف, غير أنهم قالوه وهم يطمعون في دخولها. ذكر من قال ذلك:
11497ـ حدثني محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد بن مفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ, قال: أهل الأعراف يعرفون الناس, فإذا مرّوا عليهم بزمرة يذهب بها إلى الجنة قالوا: سلام عليكم يقول الله لأهل الأعراف: لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ أن يدخلوها.
11498ـ حدثني محمد بن عبد الأعلى, قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, قال: تلا الحسن: لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ قال: والله ما جعل ذلك الطمع في قلوبهم إلاّ لكرامة يريدها بهم.
11499ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعونَ قال: أنبأكم الله بمكانهم من الطمع.
11500ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا سويد, قال: أخبرنا ابن المبارك, عن أبي بكر الهذليّ, قال: قال سعيد بن جبير, وهو يحدّث ذلك عن ابن مسعود, قال: أما أصحاب الأعراف, فإن النور كان في أيديهم فانتزع من أيديهم يقول الله: لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ قال: في دخولها. قال ابن عباس: فأدخل الله أصحاب الأعراف الجنة.
11501ـ حدثني الحرث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال: حدثنا إسرائيل, عن جابر, عن عكرمة وعطاء: لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ قالا: في دخولها.
وقال آخرون: إنما عُني بذلك أهل الجنة, وأن أصحاب الأعراف يقولون لهم قبل أن يدخلوا الجنة: سلام عليكم, وأهل الجنة يطمعون أن يدخلوها, ولم يدخلوها بعد. ذكر من قال ذلك:
11502ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا وكيع, قال: حدثنا جرير, عن سليمان التيمي, عن أبي مجلز: وَنادَوْا أصحَابَ الجَنّةِ أنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ قال: الملائكة يعرفون الفريقين جميعا بسيماهم, وهذا قبل أن يدخل أهل الجنة الجنة أصحاب الأعراف, ينادون أصحاب الجنة: أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون في دخولها.
الآية : 47
القول في تأويل قوله تعالى: {وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَآءَ أَصْحَابِ النّارِ قَالُواْ رَبّنَا لاَ تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظّالِمِينَ }.
يقول تعالى ذكره: وإذا صُرفت أبصار أصحاب الأعراف تلقاء أصحاب النار يعني: حيالهم ووجاههم فنظروا إلى تشويه الله لهم, قالُوا رَبّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ القَوْمِ الظّالِمِينَ الذين ظلموا أنفسهم فأكسبوها من سخطك ما أورثهم من عذابك ما هم فيه.
11503ـ حدثني محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد بن المفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ, قال: وإذا مرّوا بهم, يعني بأصحاب الأعراف بزُمْرة يُذهب بها إلى النار, قالُوا رَبّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ القَوْمِ الظّالِمِينَ.
11504ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا سويد, قال: أخبرنا ابن المبارك, عن جويبر, عن الضحاك, عن ابن عباس, قال: إن أصحاب الأعراف إذا نظروا إلى أهل النار وعرفوهم قالوا: رَبّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ القَوْمِ الظّالِمِينَ.
11505ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبي, عن أبي مكين, عن أخيه, عن عكرمة: وَإذَا صُرِفَتْ أبْصَارُهُمْ تِلْقاءَ أصحَابِ النّارِ قال: تحرّد وجوههم للنار, فإذا رأوا أهل الجنة ذهب ذلك عنهم.
11506ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: ابن زيد في قوله: وَإذَا صُرفَتْ أبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أصحَابِ النّارِ فرأوا وجوههم مُسْوَدّة وأعينهم مُزْرَقّة, قالُوا رَبّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ القَوْمِ الظّالِمِينَ.
الآية : 48
القول في تأويل قوله تعالى: {وَنَادَىَ أَصْحَابُ الأعْرَافِ رِجَالاٍ يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُواْ مَآ أَغْنَىَ عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ }.
يقول جلّ ثناؤه: وَنادَى أصحَابُ الأعْرَافِ رِجالاً من أهل الأرض يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ سيما أهل النار, قالُوا ما أغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ ما كنتم تجمعون من الأموال والعدد في الدنيا, وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ يقول: وتكبركم الذي كنتم تتكبرون فيها. كما:
11507ـ حدثني محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد بن المفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ, قال: فمرّ بهم يعني بأصحاب الأعراف ناس من الجبارين عرفوهم بسيماهم قال: يقول: قال أصحاب الأعراف: ما أغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ.
11508ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس: وَنادَى أصحَابُ الأعْرَافِ رِجالاً قال: في النار, يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ قالُوا ما أغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وتكبركم, وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ.
11509ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا جرير, عن سليمان التيمي, عن أبي مجلز: وَنادَى أصحَابُ الأعْرَافِ رِجالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ قالُوا ما أغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ قال: هذا حين دخل أهل الجنة الجنة, أهَؤُلاءِ الّذِينَ أقْسَمْتُمْ لا يَنالُهُمُ اللّهُ بِرَحْمَةٍ... الاَية. قلت لأبي مجلز: عن ابن عباس؟ قال: لا بل عن غيره.
حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: حدثنا ابن علية, عن سليمان التيمي, عن أبي مجلز: وَنادَى أصحَابُ الأعْرَافِ رِجالاً يَعْرفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ قال: نادت الملائكة رجالاً في النار يعرفونهم بسيماهم: ما أغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ أهَؤُلاَءِ الّذِينَ أقْسَمْتُمْ لا يَنالُهُمُ اللّهُ بِرَحْمَةٍ قال: هذا حين دخل أهل الجنة الجنة, ادْخُلُوا الجَنّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أنْتُمْ تَحْزَنونَ.
11510ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: وَنادَى أصحَابُ الأعْرافِ رِجالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ فالرجال عظماء من أهل الدنيا قال: فبهذه الصفة عرف أهل الأعراف أهل الجنة من أهل النار. وإنما ذكر هذا حين يذهب رئيس أهل الخير ورئيس أهل الشرّ يوم القيامة. قال: وقال ابن زيد في قوله: ما أغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ قال: على أهل طاعة الله.
الآية : 49
القول في تأويل قوله تعالى: {أَهَـَؤُلآءِ الّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لاَ يَنَالُهُمُ اللّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُواْ الْجَنّةَ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ }.
اختلف أهل التأويل في المعنيين بهذا الكلام, فقال بعضهم: هذا قيل الله لأهل النار توبيخا لهم على ما كان من قيلهم في الدنيا لأهل الأعراف عند إدخاله أصحاب الأعراف الجنة. ذكر من قال ذلك:
11511ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قال: أصحاب الأعراف: رجال كانت لهم ذنوب عظام, وكان حَسْمُ أمرهم لله, يقومون على الأعراف, فإذا نظروا إلى أهل الجنة طمعوا أن يدخلوها, وإذا نظروا إلى أهل النار تعوّذوا بالله منها, فأدخلوا الجنة. فذلك قوله تعالى: أهَؤُلاءِ الّذِينَ أقْسَمْتُمْ لا يَنالُهمُ اللّهُ بِرَحْمَةٍ يعني أصحاب الأعراف, ادْخُلُوا الجَنّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أنْتُمْ تَحْزَنُونَ.
11512ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا سويد, قال: أخبرنا ابن المبارك, عن جويبر, عن الضحاك, قال: قال ابن عباس: إن الله أدخل أصحاب الأعراف الجنة لقوله: ادْخُلُوا الجَنّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أنْتُمْ تَحْزَنُونَ.
11513ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس: قال الله لأهل التكبر والأموال: أهَؤُلاءِ الّذِينَ أقْسَمْتُمْ لا يَنالُهُمْ اللّهُ بِرَحْمَةِ يعني أصحاب الأعراف, ادْخُلُوا الجَنّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أنْتُمْ تَحْزَنُونَ.
11514ـ حدثني محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد بن المفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ: أهَؤُلاءِ الضعفاء الّذِينَ أقْسَمْتُمْ لا يَنالُهُمُ اللّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الجَنّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أنْتُمْ تَحْزَنُونَ. قال: فقال حُذيفَة: «أصحَابُ الأعْرَافِ قَوْمٌ تَكافَأتْ أعْمالُهُمْ فَقَصّرَتْ بِهِمْ حَسنَاتُهُمْ عَنِ الجَنّةِ, وَقَصّرَتْ بِهِمْ سَيّئاتُهُمْ عَنِ النارِ, فَجُعلُوا على الأعْرَافِ يَعْرِفونَ النّاسَ بِسِيماهُمْ. فَلَمّا قُضِيَ بينَ العِبادِ, أُذِنَ لَهُمْ فِي طَلَبِ الشّفاعَةِ, فَأتَوْا آدَمَ عَلَيْهِ السّلامُ, فَقالُوا: يا آدَمُ أنْتَ أبُونا فاشْفَعْ لَنا عِنْدَ رَبّكَ فَقالَ: هَلْ تَعْلَمُونَ أحَدا خَلَقَه اللّهُ بِيَدِهِ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَسَبَقَتْ رَحْمَةُ اللّهِ إلَيْهِ غَضَبَهُ وَسجَدَتْ لَهُ المَلائِكَةُ غيرِي؟ فَيَقُولُونَ لا. قال: فَيَقُولُ: ما عَلِمتُ كُنْهَ ما أسْتَطِيعُ أنْ أشْفَعَ لَكُمْ, وَلَكِنْ ائْتُوا ابْنِي إبْرَاهِيمَ قال: فَيَأْتُونَ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السّلامُ, فَيَسأَلُونَهُ أنْ يَشْفَعَ لَهُمْ عِنْدَ رَبّهِ, فَيَقُولُ هَلْ تَعْلَمُونَ مِنْ أحَدٍ اتّخَذَهُ اللّهُ خَلِيلاً؟ هَلْ تَعْلَمونَ أحَدا أحْرَقَهُ قَوْمُهُ فِي النّارِ فِي الله غيرِي؟ فَيَقُولونَ: لا فَيَقُولُ: ما عَلِمْتُ كُنْهَ ما أسْتَطِيعُ أنْ أشْفَعَ لَكُمْ, وَلَكِنِ ائْتُوا ابني موسى فَيَأْتُونَ مِوسَى عَلَيْهِ السّلامُ, فَيَقُولُ: هَلْ تَعْلَمُونَ مِنْ أحَدٍ كَلّمَهُ اللّهُ تَكْلِيما وَقَرّبَهُ نَجِيّا غيرِي؟ فَيَقُولُونَ: لا, فَيَقُولُ: ما عَلِمْتُ كُنْهَ ما أسْتَطِيعُ أنْ أشْفَعَ لَكُمْ, وَلَكِنِ ائْتُوا عِيسَى فَيَأْتُونَهُ فَيَقُولُونَ: اشْفَعْ لَنا عِنْدَ رَبّكَ فَيَقُولُ: هَلْ تَعْلَمُونَ أحدا خَلَقَهُ اللّهُ مِنْ غيرِ أبٍ غَيرِي؟ فَيَقُولُونَ: لا, فَيَقُولُ: هَلْ تَعْلَمُونَ مِنْ أحَدٍ كانَ يُبْرِىءُ الأكْمَه وَالأبْرَصَ ويُحْيِي المَوْتى بإذْن اللّهِ غيرِي؟ قال: فَيَقُولُونَ: لا, قالَ: فَيَقُولُ: أنا حَجِيجُ نَفْسِي, ما عَلِمْتُ كُنْهَ ما أسْتَطِيعُ أنْ أشْفَعَ لَكُمْ, وَلَكِنِ ائْتُوا محمدا رسْولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ» قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فَيَأْتُونِي, فَأضْرِبُ بِيَدِي على صَدْرِي ثُمّ أقُولُ: أنا لَهَا. ثُمّ أمْشِي حتى أقِفَ بينَ يَدَيَ العَرْشِ, فَأُثْنِي عَلى رَبي, فَيَفْتَحُ لي مِنَ الثّناء ما لَمْ يَسْمَعِ السّامِعُونَ بِمِثْلِهِ قَطّ, ثُمّ أسْجُدَ فَيُقالُ لي: يا مُحَمّدُ ارْفَعْ رأسَكَ, سَلْ تُعْطَهْ, وَاشْفَعْ تُشَفّعْ فَأرْفَعُ رأسِي فَأقُولُ: رَبّ أُمّتِي فَيُقالُ: هُمْ لَكَ. فَلا يَبْقَى نَبِيّ مُرْسَلٌ وَلا مَلَكٌ مُقَرّبٌ إلاّ غَبَطَنِي يَوْمَئِذٍ بذلكَ المَقامِ, وَهُوَ المَقامُ المَحْمودُ». قالَ: «فَآتي بِهِمْ بابَ الجَنّةِ فأسْتَفْتِحُ, فَيُفْتَحُ لي ولَهُمْ, فَيُذْهَبُ بِهِمْ إلى نَهْرٍ يُقالُ لَهُ نَهْرُ الحَياةِ, حافَتاهُ قُضُبٌ مِنْ ذَهَبٍ مُكَلّلٍ باللُؤْلُؤٍ, تُرَابُهُ المِسْكُ, وَحَصْباؤُهُ الياقُوتُ, فَيَغْتَسِلُونَ مِنْهُ, فَتَعُودُ إلَيْهِمْ ألْوَانُ أهْلِ الجَنّةِ وَرِيحُهُمْ, وَيَصِيرُونَ كأنّهُمُ الكَوَاكِبُ الدّرّيّةِ, وَيَبْقَى فِي صُدُرِهِمْ شاماتٌ بِيضٌ يُعْرَفُونَ بِها, يُقال لَهُمْ مَساكِينُ أهْلِ الجَنّةِ».
11515ـ حُدثت عن الحسين بن الفرج, قال: سعت أبا معاذ, قال: حدثنا عبيد بن سليمان, قال: سمعت الضحاك, قال: إن الله أدخلهم بعد أصحاب الجنة, وهو قوله: ادْخُلُوا الجَنّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أنْتُمْ تَحْزَنُونَ يعني أصحاب الأعراف. وهذا قول ابن عباس.
فتأويل الكلام على هذا التأويل الذي ذكرنا عن ابن عباس, ومن ذكرنا قوله فيه: قال الله لأهل التكبر عن الإقرار بوحدانية الله والإذعان لطاعته وطاعة رسله الجامعين في الدنيا الأموال مكاثرة ورياء: أيها الجبابرة الذين كانوا في الدنيا, أهؤلاء الضعفاء الذين كنتم في الدنيا أقسمتم لا ينالهم الله برحمة؟ قال: قد غفرت لهم ورحمتهم بفضلي ورحمتي, ادخلوا يا أصحاب الأعراف الجنة, لا خوف عليكم بعدها من عقوبة تعاقبون بها على ما سلف منكم في الدنيا من الاَثام والإجرام, ولا أنتم تحزنون على شيء فاتكم في دنياكم
وقال أبو مجلز: بل هذا القول خبر من الله عن قيل الملائكة لأهل النار بعد ما دخلوا النار تعييرا منهم لهم على ما كانوا يقولون في الدنيا للمؤمنين الذين أدخلهم الله يوم القيامة جنته. وأما قوله: ادْخُلُوا الجَنّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أنْتُمْ تَحْزَنُونَ فخبر من الله عن أمره أهل الجنة بدخولها.
11516ـ حدثني يعقوب, قال: حدثنا ابن عُلية, عن سليمان التيمي, عن أبي مجلز, قال: نادت الملائكة رجالاً في النار يعرفونهم بسيماهم: ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة؟ قال: فهذا حين يدخل أهل الجنة الجنة ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون.
الآية : 50
القول في تأويل قوله تعالى: {وَنَادَىَ أَصْحَابُ النّارِ أَصْحَابَ الْجَنّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الْمَآءِ أَوْ مِمّا رَزَقَكُمُ اللّهُ قَالُوَاْ إِنّ اللّهَ حَرّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ }.
وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن استغاثة أهل النار بأهل الجنة عند نزول عظيم البلاء بهم من شدّة العطش والجوع, عقوبة من الله لهم على ما سلف منهم في الدنيا من ترك طاعة الله وأداء ما كان فرض عليهم فيها في أموالهم من حقوق المساكين من الزكاة والصدقة. يقول تعالى ذكره: ونادى أصحاب النار بعد ما دخلوها أصحاب الجنة بعد ما سكنوها أن يا أهل الجنة: أفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ المَاءِ أوْ مِمّا رَزَقَكُمُ اللّهُ أي أطعمونا مما رزقكم الله من الطعام. كما:
11517ـ حدثني محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد بن المفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ: أنْ أفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ المَاءِ أوْ مِمّا رَزَقَكُمُ اللّهُ قال: من الطعام.
11518ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: أنْ أفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ المَاءِ أوْ مِمّا رزقَكُمُ اللّهُ قال: يستطعمونهم ويستسقونهم. فأجابهم أهل الجنة: إن الله حرّم الماء والطعام على الذين جحدوا توحيده وكذّبوا في الدنيا رسله.
والهاء والميم في قوله: إنّ اللّهَ حَرّمَهُما عائدتان على الماء, وعلى «ما» التي في قوله: أوْ مِمّا رَزَقَكُمُ اللّهُ.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
11519ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبي, عن سفيان, عن عثمان الثقفي, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس: وَنادَى أصحَابُ النّارِ أصحَابَ الجَنّةِ أنْ أفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ المَاءِ أوْ مِمّا رَزَقَكُمُ اللّهُ قال: ينادي الرجل أخاه أو أباه, فيقول: قد احترقتُ, أفض عليّ من الماء فيقال لهم: أجيبوهم فيقولون: إنّ اللّهَ حَرّمَهُما على الكافِرِينَ.
11520ـ وحدثني المثنى, قال: حدثنا ابن دكين, قال: حدثنا سفيان, عن عثمان, عن سعيد بن جبير: وَنادَى أصحَابُ النّارِ أصحَابَ الجَنّةِ أنْ أفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ المَاءِ أوْ مِمّا رَزَقَكُمُ اللّهُ قال: ينادي الرجل أخاه: يا أخي قد احترقت فأغثني فيقول: إنّ اللّهَ حَرّمَهُما على الكافِرِينَ.
11521ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: قالُوا إنّ اللّهَ حَرّمَهُما عَلى الكافِرِينَ قال: طعام أهل الجنة وشرابها.
الآية : 51
القول في تأويل قوله تعالى: {الّذِينَ اتّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَآءَ يَوْمِهِمْ هَـَذَا وَمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ }.
وهذا خبر من الله عن قيل أهل الجنة للكافرين, يقول تعالى ذكره: فأجاب أهل الجنة أهل النار: إنّ اللّهَ حَرّمَهُما على الكافِرِينَ الذين كفروا بالله ورسله, الّذِينَ أتّخَذُوا دِينَهُمْ الذي أمرهم الله به لَهْوا وَلعِبا يقول: سخرية ولعبا. ورُوي عن ابن عباس في ذلك ما:
11522ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, في قولهالّذِينَ اتّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوا وَلعِبا... الاَية. قال: وذلك أنهم كانوا إذا دعوا إلى الإيمان سخروا ممن دعاهم إليه وهزءوا به اغترارا بالله.
وَغَرّتْهُمُ الحيَاةُ الدّنْيا يقول: وخدعهم عاجل ما هم فيه من العيش والخفض والدعة عن الأخذ بنصيبهم من الاَخرة حتى أتتهم المنية يقول الله جلّ ثناؤه: فاليَوْمَ نَنْساهُمْ كمَا نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا أي ففي هذا اليوم وذلك يوم القيامة ننساهم, يقول: نتركهم في العذاب المبين جياعا عطاشا بغير طعام ولا شراب, كما تركو العمل للقاء يومهم هذا ورفضوا الاستعداد له بإتعاب أبدانهم في طاعة الله.
وقد بيّنا معنى قوله ننساهم بشواهده فيما مضى بما أغنى عن إعادته.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
11523ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبي, عن سفيان, عن جابر, عن مجاهد: فاليَوْمَ نَنْساهُمْ قال: نُسوا في العذاب.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى, قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: فالْيَوْمَ نَنْساهُمْ قال: نتركهم كما تركوا لقاء يومهم هذا.
حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قول الله: نَنْساهُمْ قال: نتركهم في النار.
11524ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالح, قال: ثني معاية, عن عليّ, عن ابن عباس: فاليَوْمَ نَنْساهُمْ كمَا نَسُوا لِقاءَ يَوْمهِمْ هَذَا قال: نتركهم من الرحمة كما تركوا أن يعملوا للقاء يومهم هذا.
11525ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: فاليَوْمَ نَنْساهُمْ كمَا نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا... الاَية: يقول: نسيهم الله من الخير, ولم ينسهم من الشرّ.
حدثني الحرث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال: حدثنا أبو سعد, قال: سمعت مجاهدا في قوله: فاليَوْمَ نَنْساهُمْ كمَا نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا قال: نؤخرهم في النار.
وأما قوله: وَما كانُوا بآياتِنا يَجْحَدُونَ فإن معناه: اليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا, وكما كانوا بآياتنا يجحدون. ف «ما» التي في قوله: وَما كانُوا معطوفة على «ما» التي في قوله: كمَا نَسُوا.
وتأويل الكلام: فاليوم نتركهم في العذاب, كما تركوا العمل في الدنيا للقاء الله يوم القيامة, وكما كانوا بآيات الله يجحدون, وهي حججه التي احتجّ بها عليهم من الأنبياء والرسل والكتب وغير ذلك. يجحدون: يكذّبون ولا يصدّقون بشيء من ذلك