سورة هود | للقراءة من المصحف بخط كبير واضح
استماع mp3 | الجلالين&الميسر | تفسير الشوكاني |
إعراب الصفحة | تفسير ابن كثير | تفسير القرطبي |
التفسير المختصر | تفسير الطبري | تفسير السعدي |
تفسير الطبري تفسير الصفحة 233 من المصحف
تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 233
234
232
الآية : 98
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ }.
يقول تعالـى ذكره: يقدم فرعون قومه يوم القـيامة يقودهم, فـيـمضي بهم إلـى النار حتـى يوردهموها ويصلـيهم سعيرها. وَبِئْسَ الوِرْدُ يقول: وبئس الورد الذي يردونه.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
14348ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ القِـيامَةِ قال: فرعون يقدم قومه يوم القـيامة يـمضي بـين أيديهم حتـى يهجم بهم علـى النار.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ القِـيامَةِ يقول: يقود قومه فأوردهم النار.
14349ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قال: قال ابن عبـاس قوله: يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ القِـيامَةِ يقول: أضلهم فأوردهم النار.
حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا ابن عيـينة, عن عمرو بن دينار, عمن سمع ابن عبـاس يقول فـي قوله: فَأوْرَدَهُمُ النّارَ قال: الورد: الدخول.
14350ـ حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: فَأَوْرَدَهُمُ النّارَ كان ابن عبـاس يقول: الورد فـي القرآن أربعة أوراد: فـي هود قوله: وَبِئْس الورْدُ الـمَوْرُود, وفـي مريـم: وَإنْ مِنْكُمْ إلاّ وَاردُها, وورد فـي الأنبـياء: حَصَبُ جَهَنّـمُ أنْتُـمْ لَهَا وَاردُونَ, وورد فـي مريـم أيضا: وَنَسُوقُ الـمُـجْرمينَ إلـى جَهَنّـمَ ورْدا. كان ابن عبـاس يقول: كل هذا الدخول, والله لـيَرِدنّ جهنـم كلّ برّ وفـاجر. ثُمّ نُنَـجّي الّذِينَ اتّقَوْا وَنَذَرُ الظّالِـمِينَ فِـيهَا جِثِـيّا.
الآية : 99
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَأُتْبِعُواْ فِي هَـَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرّفْدُ الْمَرْفُودُ }.
يقول الله تعالـى ذكره: وأتبعهم الله فـي هذه, يعنـي فـي هذه الدنـيا مع العذاب الذي عجله لهم فـيها من الغرق فـي البحر, لعنته. وَيَوْمَ القِـيامَة يقول: وفـي يوم القـيامة أيضا يـلعنون لعنة أخرى. كما:
14351ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, عن عنبسة, عن مـحمد بن عبد الرحمن, عن القاسم بن أبـي بزة, عن مـجاهد: وأُتْبِعُوا فِـي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ القِـيامَةِ قال: لعنة أخرى.
حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: وأُتْبِعُوا فِـي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ القِـيامَةِ قال زيدوا بلعنته لعنة أخرى, فتلك لعنتان.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: وأُتْبِعُوا فِـي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ القِـيامَةِ بِئْسَ الرّفْدُ الـمَرْفُودُ اللعنة فـي أثر اللعنة.
قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قوله: وأُتْبِعُوا فِـي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ القِـيامَةِ قال: زيدوا لعنة أخرى, فتلك لعنتان.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد: فِـي هَذِهِ قال: فـي الدنـيا وَيَوْمَ القِـيامَةِ أردفوا بلعنة أخرى زيدوها, فتلك لعنتان.
وقوله: بِئْسَ الرّفْدُ الـمَرْفُودُ يقول: بئس العون الـمعان اللعنة الـمزيدة فـيها أخرى منها. وأصل الرفد: العون, يقال منه: رفد فلان فلانا عند الأمير يرفده رفدا بكسر الراء, وإذا فُتـحت, فهو السّقـي فـي القدح العظيـم, والرّفد: القدح الضخم, ومنه قول الأعشى:
رُبّ رَفْدٍ هَرَقْتَهُ ذلكَ الـيَوْمَ وأسْرَى مِنْ مَعْشَرٍ أقْتالِ
ويقال: رفد فلان حائطه, وذلك إذا أسنده بخشبة لئلا يسقط. والرّفد بفتـح الراء الـمصدر, يقال منه: رَفَدَهُ يَرْفِده رِفْدا. والرّفد: اسم الشيء الذي يُعطاه الإنسان وهو الـمَرْفد.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
14352ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: بِئْسَ الرّفْدُ الـمَرْفُودُ قال: لعنة الدنـيا والاَخرة.
14353ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: بِئْسَ الرّفْدُ الـمَرْفُودُ قال: لعنهم الله فـي الدنـيا, وزيد لهم فـيها اللعنة فـي الاَخرة.
حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة, فـي قوله: وَيَوْم القِـيامَةِ بِئْسَ الرّفْدُ الـمَرْفُودُ قال: لعنة فـي الدنـيا, وزيدوا فـيها لعنة فـي الاَخرة.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: وأُتْبِعُوا فِـي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ القِـيامَةِ بِئْسَ الرّفْدُ الـمَرْفُودُ يقول: ترادفت علـيهم اللعنتان من الله لعنة فـي الدنـيا, ولعنة فـي الاَخرة.
14354ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبو خالد, عن جويبر, عن الضحاك, قال: أصابتهم لعنتان فـي الدنـيا, رفدت إحداهما الأخرى, وهو قوله: وَيَوْمَ القِـيامَة بِئْسَ الرّفْدُ الـمَرْفُودُ.
الآية : 100
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَآءِ الْقُرَىَ نَقُصّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَآئِمٌ وَحَصِيدٌ }.
يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: هذا القصص الذي ذكرناه لك فـي هذه السورة, والنبأ الذي أنبأناكه فـيها من أخبـار القرى التـي أهلكنا أهلها بكفرهم بـالله, وتكذيبهم رسله, نقصه علـيك فنـخبرك به. مِنْها قائمٌ يقول: منها بنـيانه بـائد بأهله هالك ومنها قائم بنـيانه عامر, ومنها حصيد بنـيانه خراب متداع, قد تعفـى أثره دارس, من قولهم: زرع حصيد: إذا كان قد استؤصل قطعه, وإنـما هو مـحصود, ولكنه صرف إلـى فعيـل كما قد بـيّنا فـي نظائره.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
14355ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: ذلكَ مِنْ أنْبـاءِ القُرَى نَقُصّهُ عَلَـيْكَ مِنْها قائمٌ وحَصِيدٌ يعنـي بـالقائم: قرى عامرة. والـحصيد: قرى خامدة.
14356ـحدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: قَائمٌ وحَصِيدٌ قال: قائم علـى عروشها, وحصيد: مستأصلة.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: مِنْها قائمٌ يُرى مكانه, وَحَصِيدٌ لا يرى له أثر.
14357ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج: مِنْها قائمٌ قال: خاو علـى عروشه, وَحَصِيدٌ: ملزق بـالأرض.
14358ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عبـيد الله, عن سفـيان, عن الأعمش: مِنْها قائمٌ وَحَصِيدٌ قال: خرّ بنـيانه.
حدثنا الـحارث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال: حدثنا سفـيان, عن الأعمش: مِنْها قائمٌ وَحَصِيدٌ قال: الـحصيد: ما قد خرّ بنـيانه.
14359ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: مِنْها قائمٌ وحَصِيدٌ منها قائم يُرى أثره, وحصيد بـاد لا يُرى.
الآية : 101
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـَكِن ظَلَمُوَاْ أَنفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الّتِي يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ مِن شَيْءٍ لّمّا جَآءَ أَمْرُ رَبّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ }.
يقول تعالـى ذكره: وما عاقبنا أهل هذه القُرى التـي اقتصصنا نبأها علـيك يا مـحمد بغير استـحقاق منهم عقوبتنا, فتكون بذلك قد وضعنا عقوبتنا هم فـي غير موضعها, ولَكِنْ ظَلَـمُوا أنْفُسَهُمْ يقول: ولكنهم أوجبوا لأنفسهم بـمعصيتهم الله وكفرهم به, عقوبته وعذابه, فأحلوا بها ما لـم يكن لهم أن يحلوه بها, وأوجبوا لها ما لـم يكن لهم أن يوجبوه لها. فَمَا أغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ التـي يَدْعُونَ منْ دُونِ اللّهِ منْ شَيْءٍ يقول: فما دفعت عنهم آلهتهم التـي يدعونها من دون الله ويدعونها أربـابـا من عقاب الله وعذابه إذا أحله بهم ربهم من شيء ولا ردّت عنهم شيئا منه. لَـمّا جاءَ أمْرُ رَبّكَ يا مـحمد, يقول: لـما جاء قضاء ربك بعذابهم, فحقّ علـيهم عقابه ونزل بهم سخطه. وَما زَادُوهُمْ غيرَ تَتْبـيبٍ يقول: وما زادتهم آلهتهم عند مـجيء أمر ربك هؤلاء الـمشركين بعقاب الله غير تـخسير وتدمير وإهلاك, يقال منه: تببته أتببه تتبـيبـا, ومنه قولهم للرجل: تبّـا لك, قال جرير:
عَرادةُ مِنْ بَقِـيّةِ قَوْمِ لُوطٍألا تَبّـا لِـمَا فَعَلوا تَبـابَـا
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
14360ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا سعيد بن سلام أبو الـحسن البصري, قال: حدثنا سفـيان, عن نسير بن ذعلوق, عن ابن عمر فـي قوله: وَما زَادُوهُمْ غيرَ تَتْبِـيبٍ قال: غير تـخسير.
14361ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: غيرَ تَتْبِـيبٍ قال: تـخسير.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
14362ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: غيرَ تَتْبِـيبٍ يقول: غير تـخسير.
حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: غيرَ تَتْبِـيبٍ قال: غير تـخسير.
وهذا الـخبر من الله تعالـى ذكره, وإن كان خبرا عمن مضى من الأمـم قبلنا, فإنه وعيد من الله جلّ ثناؤه لنا أيتها الأمة أنا إن سلكنا سبـيـل الأمـم قبلنا فـي الـخلاف علـيه وعلـى رسوله, سلك بنا سبـيـلهم فـي العقوبة, وإعلام منه لنا أنه لا يظلـم أحدا من خـلقه, وأن العبـاد هم الذين يظلـمون أنفسهم. كما:
14363ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, قال: اعتذر يعنـي ربنا جلّ ثناؤه إلـى خـلقه, فقال: وَما ظَلَـمْناهُم مـما ذكرنا لك من عذاب من عذّبنا من الأمـم وَلَكِنْ ظَلَـمُوا أنْفُسَهُم فَمَا أغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمْ حتـى بلغ: وَما زَادُوهُمْ غيرَ تَتْبِـيبٍ قال: ما زادهم الذين كانوا يعبدونهم غير تتبـيب.
الآية : 102
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَىَ وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ }.
يقول تعالـى ذكره: وكما أخذت أيها الناس أهل هذه القرى التـي اقتصصت علـيك نبأ أهلها بـما أخذتهم به من العذاب, علـى خلافهم أمري وتكذيبهم رسلـي وجحودهم آياتـي, فكذلك أخذي القرى وأهلها إذا أخذتهم بعقابـي وهم ظلـمة لأنفسهم بكفرهم بـالله وإشراكهم به غيره وتكذيبهم رسله. إنّ أخْذهُ ألِـيـمٌ يقول: إن أخذ ربكم بـالعقاب من أخذه ألـيـم, يقول: موجع شَدِيدٌ الإيجاع, وهذا أمر من الله تـحذير لهذه الأمة أن يسلكوا فـي معصيته طريق من قبلهم من الأمـم الفـاجرة, فـيحلّ بهم ما حلّ بهم من الـمثلات. كما:
14364ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا أبو معاوية, عن يزيد بن أبـي بردة, عن أبـيه, عن أبـي موسى, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ الله يُـمْلـي» وربـما قال: «يُـمْهِلُ للظّالـم, حَتّـى إذَا أخَذَهُ لَـمْ يُفْلِتْهُ» ثم قرأ: وكذلك أخْذُ ربّك إذَا أخَذ القُرى وهِي ظالِـمَةٌ.
14365ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد: إن الله حذّر هذه الأمة سطوته بقوله: وكذلك أخْذُ رَبّكَ إذَا أخَذَ القُرَى وَهِيَ ظالِـمَةٌ إنّ أخْذَهُ ألِـيـمٌ شَدِيدٌ.
وكان عاصم الـجحدري يقرأ ذلك: «وكذلكَ أخْذُ رَبّكَ إذْ أخَذَ القُرَى وَهِيَ ظالِـمَةٌ. وذلك قراءة لا أستـجيز بها لـخلافها مصاحف الـمسلـمين وما علـيه قرأة الأمصار.
الآية : 103
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِنّ فِي ذَلِكَ لاَيَةً لّمَنْ خَافَ عَذَابَ الاَخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مّجْمُوعٌ لّهُ النّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مّشْهُودٌ }.
يقول تعالـى ذكره: إن فـي أخذنا مَن أخذنا من أهل القرى التـي اقتصصنا خبرها علـيكم أيها الناس الآية, يقول: لعبرة وعظة لـمن خاف عقاب الله وعذابه فـي الاَخرة من عبـاده, وحجة علـيه لربه, وزاجرا يزجره عن أن يعصي الله ويخالفه فـيـما أمره ونهاه. وقـيـل: بل معنى ذلك: إن فـيه عبرة لـمن خاف عذاب الاَخرة بأن الله سيفـي له بوعده. ذكر من قال ذلك:
14366ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: إنّ فِـي ذلكَ لاَيَةً لِـمَنْ خافَ عَذَابَ الاَخِرَةِ إنا سوف نفـي لهم بـما وعدناهم فـي الاَخرة كما وفـينا للأنبـياء أنا ننصرهم. وقوله: ذلكَ يَوْمٌ مَـجْمُوعٌ لَهُ النّاسُ يقول تعالـى ذكره: هذا الـيوم, يعنـي يوم القـيامة, يوْمٌ مـجموعٌ له الناس, يقول: يحشر الله الناس من قبورهم, فـيجمعهم فـيه للـجزاء والثواب والعقاب. وَذَلكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ يقول: وهو يوم تشهده الـخلائق لا يتـخـلف منهم أحد, فـينتقم حينئذ مـمن عصى الله وخالف أمره وكذب رسله.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
14367ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا هشيـم, عن أبـي بشر, عن مـجاهد, فـي قوله: ذلكَ يَوْمٌ مَـجْمُوعٌ لَهُ النّاسُ وذلكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ قال: يوم القـيامة.
14368ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا هشيـم, عن أبـي بشر, عن عكرمة, مثله.
14369ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, وحدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن شعبة, عن علـيّ بن زيد, عن يوسف الـمكيّ, عن ابن عبـاس, قال: الشاهد: مـحمد, والـمشهود: يوم القـيامة. ثم قرأ: ذلكَ يَوْمٌ مَـجْمُوعٌ لَهُ النّاسُ وذلكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا الـحجاج بن الـمنهال, قال: حدثنا حماد, عن علـيّ بن زيد, عن ابن عبـاس, قال: الشاهد: مـحمد, والـمشهود: يوم القـيامة. ثم تلا هذه الآية: ذلكَ يَوْمٌ مَـجْمُوعٌ لَهُ النّاسُ وذلكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ.
14370ـ حُدثت عن الـمسيب عن جويبر, عن الضحاك, قوله: ذلكَ يَوْمٌ مَـجْمُوعٌ لَهُ النّاسُ وذلكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ قال: ذلك يوم القـيامة, يجتـمع فـيه الـخـلق كلهم ويشهده أهل السماء وأهل الأرض.
الآية : 104
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَمَا نُؤَخّرُهُ إِلاّ لأجَلٍ مّعْدُودٍ }.
يقول تعالـى ذكره: وما نؤخر يوم القـيامة عنكم أن نـجيئكم به إلا لاَنٍ يُقْضَى, فقضى له أجلاً فعدّه وأحصاه, فلا يأتـي إلا لأجله ذلك, لا يتقدم مـجيئه قبل ذلك ولا يتأخر.
الآية : 105-107
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلّمُ نَفْسٌ إِلاّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيّ وَسَعِيدٌ * فَأَمّا الّذِينَ شَقُواْ فَفِي النّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السّمَاوَاتُ وَالأرْضُ إِلاّ مَا شَآءَ رَبّكَ إِنّ رَبّكَ فَعّالٌ لّمَا يُرِيدُ }.
يقول تعالـى ذكره: يوم يأتـي القـيامة أيها الناس, وتقوم الساعة لا تكلـم نفس إلا بإذن ربها.
واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: «يَوْمَ يَأْتِـي» فقرأ ذلك عامة قرّاء أهل الـمدينة بإثبـات الـياء فـيها: «يَوْمَ يَأْتـي لا تُكَلّـمُ نَفْسٌ». وقرأ ذلك بعض قرّاء أهل البصرة وبعض الكوفـيـين بإثبـات الـياء فـيها فـي الوصل وجذفها فـي الوقـف. وقرأ ذلك جماعة من أهل الكوفة بحذف الـياء فـي الوصل والوقـف: «يَوْمَ يَأْتِ لا تُكَلّـمُ نَفْسٌ إلاّ بإذْنِهِ».
والصواب من القراءة فـي ذلك عندي: يَوْمَ يَأْتِ بحذف الـياء فـي الوصل والوقـف اتبـاعا لـخط الـمصحف, وأنها لغة معروفة لهذيـل, تقول: ما أَدْرِ ما تقول, ومنه قول الشاعر:
كَفّـاكَ كَفّ ما تُلِـيقُ دِرْهماجُودا وأُخرَى تُعْطِ بـالسّيْفِ الدّما
وقـيـل: لا تَكَلّـمُ وإنـما هي «لا تتكلـم», فحذف إحدى التاءين اجتزاء بدلالة البـاقـية منهما علـيها.
وقوله: فَمِنْهُمْ شَقِـيّ وسَعِيدٌ وقول: فمن هذه النفوس التـي لا تكلـم يوم القـيامة إلا بإذن ربها, شقـي وسعيد وعادٍ علـى النفس, وهي فـي اللفظ واحدة بذكر الـجميع فـي قوله: فَمِنْهُمْ شَقِـيّ وَسَعِيدٌ يقول: تعالـى ذكره: فأمّا الّذِينَ شَقُوا فَفِـي النّارِ لَهُمْ فِـيها زَفِـيرٌ لهم, وهو أول نهاق الـحمار وشبهه, وَشَهِيقٌ وهو آخر نهيقه إذا ردده فـي الـجوف عند فراغه من نهاقه, كما قال رؤبة بن العجاج:
حَشْرَجَ فـي الـجَوْفِ سَحِيلاً أوْ شَهَقْحتـى يُقالُ ناهِقٌ وَما نَهَقْ
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:)
14371ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـي, عن ابن عبـاس, قوله: لَهُمْ فِـيها زَفـيرٌ وشَهيقٌ يقول: صوت شديد وصوت ضعيف.
14372ـ قال: حدثنا إسحاق, حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن أبـي العالـية, فـي قوله: لَهُمْ فِـيها زَفـيرٌ وشَهِيقٌ قال: الزفـير فـي الـحلق, والشهيق فـي الصدر.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن أبـي جعفر, عن الربـيع بن أنس, عن أبـي العالـية بنـحوه.
14373ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: أخبرنا عبد الرزاق, عن معمر, عن قتادة, قال: صوت الكافر فـي النار صوت الـحمار, أوله زفـير وآخره شهيق.
14374ـ حدثنا أبو هشام الرفـاعي ومـحمد بن معمر البحرانـي ومـحمد بن الـمثنى ومـحمد بن بشار, قالوا: حدثنا أبو عامر, قال: حدثنا سلـيـمان بن سفـيان, قال: حدثنا عبد الله بن دينار, عن ابن عمر عن عمر, قال: لـما نزلت هذه الآية فَمِنْهُمْ شَقِـيّ وَسَعِيدٌ سألت النبـي صلى الله عليه وسلم, فقلت: يا نبـيّ الله, فعلام عملنا؟ علـى شيء قد فرغ منه أم علـى شيء لـم يفرغ منه؟ قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «علـى شَيْءٍ قَدْ فُرِغَ مِنْهُ يا عُمَرُ وَجَرَتْ بِهِ الأقْلامُ, وَلَكِنْ كُلّ مُيَسّرٌ لِـمّا خُـلِقَ لَهُ». اللفظ لـحديث ابن معمر.
وقوله: خالِدِينَ فِـيها ما دَامَتِ السّمَوَاتُ والأرْضُ إلاّ ما شاءَ رَبّكَ إنّ رَبّكَ فَعّالٌ لِـمَا يرِيدُ يعنـي تعالـى يعنـي ذكره بقوله: خالِدِينَ فِـيها لابثـين فـيها, ويعنـي بقوله: ما دَامَتِ السّماوَاتُ والأرْضُ أبدا وذلك أن العرب إذا أرادت أنُ تصف الشيء بـالدوام أبدا, قالت: هذا دائم دوام السموات والأرض بـمعنى أنه دائم أبدا, وكذلك يقولون: هو بـاق ما اختلف اللـيـل والنهار, وما سمر لنا سمير, وما لألأت العفر بأذنابها يعنون بذلك كله أبدا. فخاطبهم جلّ ثناؤه بـما يتعارفون به بـينهم, فقال: خالِدِينَ فِـيها ما دَامَتِ السمَواتُ والأرْضُ. والـمعنى فـي ذلك: خالدين فـيها أبدا.
وكان ابن زيد يقول فـي ذلك بنـحو ما قلنا فـيه:
14375ـ حدثنـي يونس قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: خالِدِينَ فِـيها ما دَامَتِ السمَواتُ والأرْضُ قال: ما دامت الأرض أرضا, والسماء سماء. ثم قال: إلاّ ما شاءَ رَبّكَ.
واختلف أهل العلـم والتأويـل فـي معنى ذلك, فقال بعضهم: هذا استثناء استثناه الله فـي أهل التوحيد أنه يخرجهم من النار إذا شاء بعد أن أدخـلهم النار. ذكر من قال ذلك:
14376ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, عن معمر, عن قتادة, فـي قوله: فَأمّا الّذِينَ شَقُوا فَفِـي النّارِ لَهُمْ فِـيها زَفِـيرٌ وشَهِيقٌ خالِدِينَ فِـيها ما دَامَتِ السّماوَاتُ والأرْضُ إلاّ ما شاءَ رَبّكَ قال: الله أعلـم بثُنـياه. وذُكر لنا أن ناسا يصيبهم سَفَع من النار بذنوب أصابوها, ثم يدخـلهم الـجنة.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: خالِدِينَ فِـيها ما دَامَتِ السمَواتُ والأرْضُ إلاّ ما شاءَ رَبّكَ والله أعلـم بثنـيّته ذكر لنا أن ناسا يصيبهم سفع من النار بذنوب أصابتهم, ثم يدخـلهم الله الـجنة بفضل رحمته, يقال لهم الـجهنـميون.
14377ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا شيبـان بن فروخ, قال: حدثنا أبو هلال, قال: حدثنا قتادة, وتلا هذه الآية: فَأمّا الّذِينَ شَقُوا فَفِـي النّارِ لَهُمْ فِـيها زَفِـيرٌ وشَهِيقٌ... إلـى قوله: لِـمَا يُريدُ فقال عند ذلك: حدثنا أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يَخْرُجُ قَوْمٌ مِنَ النار» قال قتادة: ولا نقول مثل ما يقول أهل حروراء.
14378ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يعقوب, عن أبـي مالك, يعنـي ثعلبة, عن أبـي سنان, فـي قوله: فَأمّا الّذِينَ شَقَوا فَفِـي النّارِ لَهُمْ فِـيها زَفِـيرٌ وشَهِيقٌ خالِدِينَ فِـيها ما دَامَتِ السمَواتُ والأرْضُ إلاّ ما شاءَ رَبّكَ قال: استثناء فـي أهل التوحيد.
14379ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن الضحاك بن مزاحم: فَأمّا الّذِينَ شَقُوا فَفِـي النّارِ... إلـى قوله: خالِدِينَ فِـيها ما دَامَتِ السمَواتُ والأرْضُ إلاّ ما شاء رَبّكَ قال: يخرج قوم من النار فـيدخـلون الـجنة, فهم الذين استُثنـي لهم.
14380ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن عامر بن جشِب, عن خالد بن معدان فـي قوله: لابِثِـينَ فـيها أحْقابـا, وقوله: خالِدينَ فِـيها إلاّ ما شاءَ رَبّكَ أنهما فـي أهل التوحيد.
وقال آخرون: الاستثناء فـي هذه الآية فـي أهل التوحيد, إلا أنهم قالوا: معنى قوله: إلاّ ما شاءَ رَبّكَ إلا أن يشاء ربك أن يتـجاوز عنهم فلا يدخـلهم النار. ووجهوا الاستثناء إلـى أنه من قوله: فأمّا الّذِينَ شَقُوا فَفِـي النارِ... إلاّ ما شاءَ رَبّكَ لا من الـخـلود. ذكر من قال ذلك:
14381ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: حدثنا ابن التـيـمي, عن أبـيه, عن أبـي نضرة, عن جابر أو أبـي سعيد يعنـي الـخدري أو عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, فـي قوله: إلاّ ما شاءَ رَبّكَ إنّ رَبّكَ فَعّالٌ لِـمَا يُزِيدُ قال: «هَذِهِ الآية تَأْتـي علـى القُرْآنِ كُلّهِ», يقول: حيث كان فـي القرآن خالِدِينَ فـيها تأتـي علـيه. قال: وسمعت أبـا مُـجَلّزٍ يقول: هو جزاؤه, فإن شاء الله تـجاوز عن عذابه.
وقال آخرون: عنـي بذلك أهل النار وكل من دخـلها. ذكر من قال ذلك:
14382ـ حُدثت عن الـمسيب عمن ذكره, عن ابن عبـاس: خَالدِينَ فِـيها ما دَامَتِ السّمَاوَاتُ والأرْضُ لا يـموتون, ولا هم منها يخرجون ما دامت السماوات والأرض. إلاّ ما شاءَ رَبّكَ قال: استثناء الله. قال: يأمر النار أن تأكلهم. قال: وقال ابن مسعود: لـيأتـينّ علـى جهنـم زمان تـخفق أبوابها لـيس فـيها أحد, وذلك بعد ما يـلبثون فـيها أحقابـا.
14383ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن بـيان, عن الشعبـي, قال: جهنـم أسرع الدارين عمرانا وأسرعهما خرابـا.
وقال آخرون: أخبرنا الله بـمشيئته لأهل الـجنة, فعرفنا معنى ثنـياه بقوله: عَطاءً غَيْرَ مَـجْذُوذٍ أنها فـي الزيادة علـى مقدار مدة السماوات والأرض, قال: ولـم يخبرنا بـمشيئته فـي أهل النار, وجائز أن تكون مشيئته فـي الزيادة وجائز أن تكون فـي النقصان. ذكر من قال ذلك:
14384ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: خَالدِينَ فِـيها ما دَامَتِ السّمَاوَاتُ والأرْضُ آلاّ ما شاءَ رَبّكَ فقرأ حتـى بلغ: عَطَاءً غيرَ مـجْذُوذٍ قال: وأخبرنا بـالذي يشاء لأهل الـجنة, فقال: عطاء غير مـجذوذ, ولـم يخبرنا بـالذي يشاء لأهل النار.
وأولـى هذه الأقوال فـي تأويـل هذه الآية بـالصواب, القول الذي ذكرنا عن قتادة والضحاك, من أن ذلك استثناء فـي أهل التوحيد من أهل الكبـائر أنه يدخـلهم النار, خالدين فـيها أبدا إلا ما شاء من تركهم فـيها أقل من ذلك, ثم يخرجهم فـيدخـلهم الـجنة, كما قد بـيّنا فـي غير هذا الـموضع بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع.
وإنـما قلنا ذلك أولـى الأقوال بـالصحة فـي ذلك لأن الله جل ثناؤه أوعد أهل الشرك به الـخـلود فـي النار, وتظاهرت بذلك الأخبـار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, فغير جائز أن يكون استثناء فـي أهل الشرك, وأن الأخبـار قد تواترت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله يدخـل قوما من أهل الإيـمان به بذنوب أصابوها النار ثم يخرجهم منها فـيدخـلهم الـجنة فغير جائز أن يكون ذلك استثناء أهل التوحيد قبل دخولها مع صحة الأخبـار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بـما ذكرنا, وأنا إن جعلناه استثناء فـي ذلك كنا قد دخـلنا فـي قول من يقول: لا يدخـل الـجنة فـاسق ولا النار مؤمن, وذلك خلاف مذاهب أهل العلـم وما جاءت به الأخبـار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فإذا فسد هذان الوجهان فلا قول قال به القدوة من أهل العلـم إلا الثالث. ولأهل العربـية فـي ذلك مذهب غير ذلك سنذكره بعد, ونبـينه إن شاء الله تعالـى.
وقوله: إنّ رَبّكَ فَعّالٌ لِـمَا يُرِيدُ يقول تعالـى ذكره: إن ربك يا مـحمد لا يـمنعه مانع من فعل ما أراد فعله بـمن عصاه وخالف أمره من الانتقام منه, ولكنه يفعل ما يشاء, فـيـمضي فعله فـيهم وفـيـمن شاء من خـلقه فعله وقضاءه.
الآية : 108
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
{وَأَمّا الّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السّمَاوَاتُ وَالأرْضُ إِلاّ مَا شَآءَ رَبّكَ عَطَآءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ }.
واختلفت القراء فـي قراءة ذلك, فقرأته عامة قراء الـمدينة والـحجاز والبصرة وبضع الكوفـيـين: «وأما الّذِينَ سَعِدُوا» بفتـح السين, وقرأ ذلك جماعة من قراء الكوفة: وأمّا الّذِينَ سُعِدُوا بضم السين, بـمعنى: رُزقوا السعادة.
والصواب من القول فـي ذلك أنهما قراءتان معروفتان فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب الصواب.
فإن قال قائل: وكيف قـيـل: سِعُدُوا فـيـما لـم يسمّ فـاعله, ولـم يقل: «أُسعدوا», وأنت لا تقول فـي الـخبر فـيـما سُمى فـاعله سعده الله, بل إنـما تقول: أسعده الله؟ قـيـل: ذلك نظير قولهم: هو مـجنون مـحبوب فـيـما لـم يسم فـاعله, فإذا سموا فـاعله, قـيـل: أجنّه الله وأحبّه, والعرب تفعل ذلك كثـيرا. وقد بـيّنا بعض ذلك فـيـما مضى من كتابنا هذا.
وتأويـل ذلك: وأما الذين سُعدوا برحمة الله, فهم فـي الـجنة خالدين فـيها ما دامت السموات والأرض, يقول: أبدا, إلا ما شاء ربك. فـاختلف أهل التأويـل فـي معنى ذلك, فقال بعضهم: إلا ما شاء ربك من قدْر ما مكثوا فـي النار قبل دخولهم الـجنة, قالوا: وذلك فـيـمن أخرج من النار من الـمؤمنـين فأدخـل الـجنة. ذكر من قال ذلك:
14385ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن الضحاك, فـي قوله: وأمّا الّذِينَ سُعِدُوا ففـي الـجَنّةِ خَالدِينَ فِـيها ما دَامَتِ السّمَاوَاتُ والأرْضُ, إلاّ ما شاء رَبّكَ قال: هو أيضا فـي الذين يخرجون من النار فـيدخـلون الـجنة, يقول: خالدين فـي الـجنة ما دامت السماوات والأرض, إلاّ ما شاءَ رَبّكَ يقول: إلا ما مكثوا فـي النار حتـى أدخـلوا الـجنة.
وقال آخرون: معنى ذلك: إلا ما شاء ربك من الزيادة علـى قدر مدّة دوام السماوات والأرض, قال: وذلك هو الـخـلود فـيها أبدا. ذكر من قال ذلك:
14386ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يعقوب, عن أبـي مالك, يعنـي ثعلبة, عن أبـي سنان: وأمّا الّذِينَ سُعِدُوا فَفِـي الـجَنّةِ خَالدِينَ فِـيها ما دَامَتِ السّمَاوَاتُ والأرْضُ إلاّ ما شاءَ رَبّكَ قال: ومشيئته خـلودهم فـيها, ثم أتبعها فقال: عطاءً غيرَ مَـجْذُوذٍ.
واختلف أهل العربـية فـي وجه الاستثناء فـي هذا الـموضع, فقال بعضهم فـي ذلك معنـيان: أحدهما أن تـجعله استثناء يستثنـيه ولا يفعله, كقولك: والله لأضربنك إلا أن أرى غير ذلك, وعزمك علـى ضربه, قال: فكذلك قال: خَالدِينَ فِـيها ما دَامَتِ السّمَاوَاتُ والأرْضُ إلاّ ما شَاءَ رَبّكَ ولا يشاؤه. قال: والقول الاَخر: أن العرب إذا استثنت شيئا كثـيرا مع مثله ومع ما هو أكثر منه كان معنى إلا ومعنى الواو «سوى» فمن ذلك قوله: خَالدِينَ فِـيها ما دَامَتِ السّمَاوَاتُ والأرْضُ سوى ما شاء الله من زيادة الـخـلود, فـيجعل «إلا» مكان «سوى» فـيصلـح, وكأنه قال: خالدين فـيها ما دامت السماوات والأرض سوى ما زادهم من الـخـلود والأبد. ومثله فـي الكلام أن تقول: لـي علـيك ألف إلا الألفـين اللذين قبله. قال: وهذا أحبّ الوجهين إلـيّ لأن الله لا يخـلف وعده. وقد وصل الاستثناء بقوله: عَطاءً غيرَ مَـجْذُوذٍ فدلّ علـى أن الاستثناء لهم بقوله فـي الـخـلود غير منقطع عنهم.
وقال آخر منهم بنـحو هذا القول, وقالوا: جائز فـيه وجه ثالث, وهو أن يكون استثنى من خـلودهم فـي الـجنة احتبـاسهم عنها ما بـين الـموت والبعث وهو البرزخ إلـى أن يصيروا إلـى الـجنة. ثم هو خـلود الأبد, يقول: فلـم يغيبوا عن الـجنة إلا بقدر إقامتهم فـي البرزخ.
وقال آخر منهم: جائز أن يكون دوام السموات والأرض بـمعنى الأبد علـى ما تعرف العرب وتستعمل وتستثنى الـمشيئة من داومها لأن أهل الـجنة وأهل النار قد كانوا فـي وقت من أوقات دوام السماوات والأرض فـي الدنـيا لا فـي الـجنة, فكأنه قال: خالدين فـي الـجنة وخالدين فـي النار دوام السماء, والأرض إلا ما شاء ربك من تعميرهم فـي الدنـيا قبل ذلك.
وأولـى الأقوال فـي ذلك عندي بـالصواب, القول الذي ذكرته عن الضحاك, وهو وأمّا الّذِينَ سُعِدُوا فَفِـي ا لـجَنّةِ خالِدِينَ فِـيها ما دَامَتِ السّمَوَاتُ والأرْضُ إلاّ ما شَاءَ رَبّكَ من قدر مكثهم فـي النار, من لدن دخـلوها إلـى أن أدخـلوا الـجنة, وتكون الآية معناها الـخصوص لأن الأشهر من كلام العرب فـي «إلا» توجيهها إلـى معنى الاستثناء وإخراج معنى ما بعدها مـما قبلها إلا أن يكون معها دلالة تدل علـى خلاف ذلك, ولا دلالة فـي الكلام, أعنـي فـي قوله: إلاّ ما شَاءَ رَبّكَ تدلّ علـى أن معناها غير معنى الاستثناء الـمفهوم فـي الكلام فـيوجه إلـيه.
وأما قوله: عَطاءً غيرَ مَـجْذُوذٍ فإنه يعنـي عطاء من الله غير مقطوع عنهم, من قولهم: جذذت الشيء أجذّه جذّا: إذا قطعته, كما قال النابغة:
تَـجُذّ السّلُوقـيّ الـمُضاعَفَ نَسْجُهُويُوقِدُنَ بـالصّفّـاحِ نارَ الـحُبـاحِب
يعنـي بقوله: «تـجذ»: تقطع.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
14387ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا الـمـحاربـي, عن جويبر, عن الضحاك: عَطاءً غيرَ مَـجْذُوذٍ قال: غير مقطوع.
14388ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: عَطاءً غيرَ مَـجْذُوذٍ يقول: غير منقطع.
14389ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس: عَطاءً غيرَ مَـجْذُوذٍ يقول: عطاء غير مقطوع.
14390ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: مـجذوذ, قال: مقطوع.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قوله: عَطاءً غيرَ مَـجْذُوذٍ قال: غير مقطوع.
قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
14391ـ قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله, عن أبـيه, عن الربـيع, عن أبـي العالـية, مثله.
14392ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج. عن ابن جريج, مثله.
قال: ثنـي حجاج, عن أبـي جعفر, عن الربـيع بن أنس, عن أبـي العالـية, قوله: عَطاءً غيرَ مَـجْذُوذٍ قال: أما هذه فقد أمضاها, يقول: عطاء غير منقطع.
14393ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: عَطاءً غيرَ مَـجْذُوذٍ غير منزوع منهم
234
232
الآية : 98
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ }.
يقول تعالـى ذكره: يقدم فرعون قومه يوم القـيامة يقودهم, فـيـمضي بهم إلـى النار حتـى يوردهموها ويصلـيهم سعيرها. وَبِئْسَ الوِرْدُ يقول: وبئس الورد الذي يردونه.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
14348ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ القِـيامَةِ قال: فرعون يقدم قومه يوم القـيامة يـمضي بـين أيديهم حتـى يهجم بهم علـى النار.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ القِـيامَةِ يقول: يقود قومه فأوردهم النار.
14349ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قال: قال ابن عبـاس قوله: يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ القِـيامَةِ يقول: أضلهم فأوردهم النار.
حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا ابن عيـينة, عن عمرو بن دينار, عمن سمع ابن عبـاس يقول فـي قوله: فَأوْرَدَهُمُ النّارَ قال: الورد: الدخول.
14350ـ حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: فَأَوْرَدَهُمُ النّارَ كان ابن عبـاس يقول: الورد فـي القرآن أربعة أوراد: فـي هود قوله: وَبِئْس الورْدُ الـمَوْرُود, وفـي مريـم: وَإنْ مِنْكُمْ إلاّ وَاردُها, وورد فـي الأنبـياء: حَصَبُ جَهَنّـمُ أنْتُـمْ لَهَا وَاردُونَ, وورد فـي مريـم أيضا: وَنَسُوقُ الـمُـجْرمينَ إلـى جَهَنّـمَ ورْدا. كان ابن عبـاس يقول: كل هذا الدخول, والله لـيَرِدنّ جهنـم كلّ برّ وفـاجر. ثُمّ نُنَـجّي الّذِينَ اتّقَوْا وَنَذَرُ الظّالِـمِينَ فِـيهَا جِثِـيّا.
الآية : 99
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَأُتْبِعُواْ فِي هَـَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرّفْدُ الْمَرْفُودُ }.
يقول الله تعالـى ذكره: وأتبعهم الله فـي هذه, يعنـي فـي هذه الدنـيا مع العذاب الذي عجله لهم فـيها من الغرق فـي البحر, لعنته. وَيَوْمَ القِـيامَة يقول: وفـي يوم القـيامة أيضا يـلعنون لعنة أخرى. كما:
14351ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, عن عنبسة, عن مـحمد بن عبد الرحمن, عن القاسم بن أبـي بزة, عن مـجاهد: وأُتْبِعُوا فِـي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ القِـيامَةِ قال: لعنة أخرى.
حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: وأُتْبِعُوا فِـي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ القِـيامَةِ قال زيدوا بلعنته لعنة أخرى, فتلك لعنتان.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: وأُتْبِعُوا فِـي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ القِـيامَةِ بِئْسَ الرّفْدُ الـمَرْفُودُ اللعنة فـي أثر اللعنة.
قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قوله: وأُتْبِعُوا فِـي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ القِـيامَةِ قال: زيدوا لعنة أخرى, فتلك لعنتان.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد: فِـي هَذِهِ قال: فـي الدنـيا وَيَوْمَ القِـيامَةِ أردفوا بلعنة أخرى زيدوها, فتلك لعنتان.
وقوله: بِئْسَ الرّفْدُ الـمَرْفُودُ يقول: بئس العون الـمعان اللعنة الـمزيدة فـيها أخرى منها. وأصل الرفد: العون, يقال منه: رفد فلان فلانا عند الأمير يرفده رفدا بكسر الراء, وإذا فُتـحت, فهو السّقـي فـي القدح العظيـم, والرّفد: القدح الضخم, ومنه قول الأعشى:
رُبّ رَفْدٍ هَرَقْتَهُ ذلكَ الـيَوْمَ وأسْرَى مِنْ مَعْشَرٍ أقْتالِ
ويقال: رفد فلان حائطه, وذلك إذا أسنده بخشبة لئلا يسقط. والرّفد بفتـح الراء الـمصدر, يقال منه: رَفَدَهُ يَرْفِده رِفْدا. والرّفد: اسم الشيء الذي يُعطاه الإنسان وهو الـمَرْفد.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
14352ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: بِئْسَ الرّفْدُ الـمَرْفُودُ قال: لعنة الدنـيا والاَخرة.
14353ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: بِئْسَ الرّفْدُ الـمَرْفُودُ قال: لعنهم الله فـي الدنـيا, وزيد لهم فـيها اللعنة فـي الاَخرة.
حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة, فـي قوله: وَيَوْم القِـيامَةِ بِئْسَ الرّفْدُ الـمَرْفُودُ قال: لعنة فـي الدنـيا, وزيدوا فـيها لعنة فـي الاَخرة.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: وأُتْبِعُوا فِـي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ القِـيامَةِ بِئْسَ الرّفْدُ الـمَرْفُودُ يقول: ترادفت علـيهم اللعنتان من الله لعنة فـي الدنـيا, ولعنة فـي الاَخرة.
14354ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبو خالد, عن جويبر, عن الضحاك, قال: أصابتهم لعنتان فـي الدنـيا, رفدت إحداهما الأخرى, وهو قوله: وَيَوْمَ القِـيامَة بِئْسَ الرّفْدُ الـمَرْفُودُ.
الآية : 100
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَآءِ الْقُرَىَ نَقُصّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَآئِمٌ وَحَصِيدٌ }.
يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: هذا القصص الذي ذكرناه لك فـي هذه السورة, والنبأ الذي أنبأناكه فـيها من أخبـار القرى التـي أهلكنا أهلها بكفرهم بـالله, وتكذيبهم رسله, نقصه علـيك فنـخبرك به. مِنْها قائمٌ يقول: منها بنـيانه بـائد بأهله هالك ومنها قائم بنـيانه عامر, ومنها حصيد بنـيانه خراب متداع, قد تعفـى أثره دارس, من قولهم: زرع حصيد: إذا كان قد استؤصل قطعه, وإنـما هو مـحصود, ولكنه صرف إلـى فعيـل كما قد بـيّنا فـي نظائره.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
14355ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: ذلكَ مِنْ أنْبـاءِ القُرَى نَقُصّهُ عَلَـيْكَ مِنْها قائمٌ وحَصِيدٌ يعنـي بـالقائم: قرى عامرة. والـحصيد: قرى خامدة.
14356ـحدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: قَائمٌ وحَصِيدٌ قال: قائم علـى عروشها, وحصيد: مستأصلة.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: مِنْها قائمٌ يُرى مكانه, وَحَصِيدٌ لا يرى له أثر.
14357ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج: مِنْها قائمٌ قال: خاو علـى عروشه, وَحَصِيدٌ: ملزق بـالأرض.
14358ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عبـيد الله, عن سفـيان, عن الأعمش: مِنْها قائمٌ وَحَصِيدٌ قال: خرّ بنـيانه.
حدثنا الـحارث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال: حدثنا سفـيان, عن الأعمش: مِنْها قائمٌ وَحَصِيدٌ قال: الـحصيد: ما قد خرّ بنـيانه.
14359ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: مِنْها قائمٌ وحَصِيدٌ منها قائم يُرى أثره, وحصيد بـاد لا يُرى.
الآية : 101
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـَكِن ظَلَمُوَاْ أَنفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الّتِي يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ مِن شَيْءٍ لّمّا جَآءَ أَمْرُ رَبّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ }.
يقول تعالـى ذكره: وما عاقبنا أهل هذه القُرى التـي اقتصصنا نبأها علـيك يا مـحمد بغير استـحقاق منهم عقوبتنا, فتكون بذلك قد وضعنا عقوبتنا هم فـي غير موضعها, ولَكِنْ ظَلَـمُوا أنْفُسَهُمْ يقول: ولكنهم أوجبوا لأنفسهم بـمعصيتهم الله وكفرهم به, عقوبته وعذابه, فأحلوا بها ما لـم يكن لهم أن يحلوه بها, وأوجبوا لها ما لـم يكن لهم أن يوجبوه لها. فَمَا أغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ التـي يَدْعُونَ منْ دُونِ اللّهِ منْ شَيْءٍ يقول: فما دفعت عنهم آلهتهم التـي يدعونها من دون الله ويدعونها أربـابـا من عقاب الله وعذابه إذا أحله بهم ربهم من شيء ولا ردّت عنهم شيئا منه. لَـمّا جاءَ أمْرُ رَبّكَ يا مـحمد, يقول: لـما جاء قضاء ربك بعذابهم, فحقّ علـيهم عقابه ونزل بهم سخطه. وَما زَادُوهُمْ غيرَ تَتْبـيبٍ يقول: وما زادتهم آلهتهم عند مـجيء أمر ربك هؤلاء الـمشركين بعقاب الله غير تـخسير وتدمير وإهلاك, يقال منه: تببته أتببه تتبـيبـا, ومنه قولهم للرجل: تبّـا لك, قال جرير:
عَرادةُ مِنْ بَقِـيّةِ قَوْمِ لُوطٍألا تَبّـا لِـمَا فَعَلوا تَبـابَـا
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
14360ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا سعيد بن سلام أبو الـحسن البصري, قال: حدثنا سفـيان, عن نسير بن ذعلوق, عن ابن عمر فـي قوله: وَما زَادُوهُمْ غيرَ تَتْبِـيبٍ قال: غير تـخسير.
14361ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: غيرَ تَتْبِـيبٍ قال: تـخسير.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
14362ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: غيرَ تَتْبِـيبٍ يقول: غير تـخسير.
حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: غيرَ تَتْبِـيبٍ قال: غير تـخسير.
وهذا الـخبر من الله تعالـى ذكره, وإن كان خبرا عمن مضى من الأمـم قبلنا, فإنه وعيد من الله جلّ ثناؤه لنا أيتها الأمة أنا إن سلكنا سبـيـل الأمـم قبلنا فـي الـخلاف علـيه وعلـى رسوله, سلك بنا سبـيـلهم فـي العقوبة, وإعلام منه لنا أنه لا يظلـم أحدا من خـلقه, وأن العبـاد هم الذين يظلـمون أنفسهم. كما:
14363ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, قال: اعتذر يعنـي ربنا جلّ ثناؤه إلـى خـلقه, فقال: وَما ظَلَـمْناهُم مـما ذكرنا لك من عذاب من عذّبنا من الأمـم وَلَكِنْ ظَلَـمُوا أنْفُسَهُم فَمَا أغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمْ حتـى بلغ: وَما زَادُوهُمْ غيرَ تَتْبِـيبٍ قال: ما زادهم الذين كانوا يعبدونهم غير تتبـيب.
الآية : 102
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَىَ وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ }.
يقول تعالـى ذكره: وكما أخذت أيها الناس أهل هذه القرى التـي اقتصصت علـيك نبأ أهلها بـما أخذتهم به من العذاب, علـى خلافهم أمري وتكذيبهم رسلـي وجحودهم آياتـي, فكذلك أخذي القرى وأهلها إذا أخذتهم بعقابـي وهم ظلـمة لأنفسهم بكفرهم بـالله وإشراكهم به غيره وتكذيبهم رسله. إنّ أخْذهُ ألِـيـمٌ يقول: إن أخذ ربكم بـالعقاب من أخذه ألـيـم, يقول: موجع شَدِيدٌ الإيجاع, وهذا أمر من الله تـحذير لهذه الأمة أن يسلكوا فـي معصيته طريق من قبلهم من الأمـم الفـاجرة, فـيحلّ بهم ما حلّ بهم من الـمثلات. كما:
14364ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا أبو معاوية, عن يزيد بن أبـي بردة, عن أبـيه, عن أبـي موسى, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ الله يُـمْلـي» وربـما قال: «يُـمْهِلُ للظّالـم, حَتّـى إذَا أخَذَهُ لَـمْ يُفْلِتْهُ» ثم قرأ: وكذلك أخْذُ ربّك إذَا أخَذ القُرى وهِي ظالِـمَةٌ.
14365ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد: إن الله حذّر هذه الأمة سطوته بقوله: وكذلك أخْذُ رَبّكَ إذَا أخَذَ القُرَى وَهِيَ ظالِـمَةٌ إنّ أخْذَهُ ألِـيـمٌ شَدِيدٌ.
وكان عاصم الـجحدري يقرأ ذلك: «وكذلكَ أخْذُ رَبّكَ إذْ أخَذَ القُرَى وَهِيَ ظالِـمَةٌ. وذلك قراءة لا أستـجيز بها لـخلافها مصاحف الـمسلـمين وما علـيه قرأة الأمصار.
الآية : 103
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِنّ فِي ذَلِكَ لاَيَةً لّمَنْ خَافَ عَذَابَ الاَخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مّجْمُوعٌ لّهُ النّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مّشْهُودٌ }.
يقول تعالـى ذكره: إن فـي أخذنا مَن أخذنا من أهل القرى التـي اقتصصنا خبرها علـيكم أيها الناس الآية, يقول: لعبرة وعظة لـمن خاف عقاب الله وعذابه فـي الاَخرة من عبـاده, وحجة علـيه لربه, وزاجرا يزجره عن أن يعصي الله ويخالفه فـيـما أمره ونهاه. وقـيـل: بل معنى ذلك: إن فـيه عبرة لـمن خاف عذاب الاَخرة بأن الله سيفـي له بوعده. ذكر من قال ذلك:
14366ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: إنّ فِـي ذلكَ لاَيَةً لِـمَنْ خافَ عَذَابَ الاَخِرَةِ إنا سوف نفـي لهم بـما وعدناهم فـي الاَخرة كما وفـينا للأنبـياء أنا ننصرهم. وقوله: ذلكَ يَوْمٌ مَـجْمُوعٌ لَهُ النّاسُ يقول تعالـى ذكره: هذا الـيوم, يعنـي يوم القـيامة, يوْمٌ مـجموعٌ له الناس, يقول: يحشر الله الناس من قبورهم, فـيجمعهم فـيه للـجزاء والثواب والعقاب. وَذَلكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ يقول: وهو يوم تشهده الـخلائق لا يتـخـلف منهم أحد, فـينتقم حينئذ مـمن عصى الله وخالف أمره وكذب رسله.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
14367ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا هشيـم, عن أبـي بشر, عن مـجاهد, فـي قوله: ذلكَ يَوْمٌ مَـجْمُوعٌ لَهُ النّاسُ وذلكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ قال: يوم القـيامة.
14368ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا هشيـم, عن أبـي بشر, عن عكرمة, مثله.
14369ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, وحدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن شعبة, عن علـيّ بن زيد, عن يوسف الـمكيّ, عن ابن عبـاس, قال: الشاهد: مـحمد, والـمشهود: يوم القـيامة. ثم قرأ: ذلكَ يَوْمٌ مَـجْمُوعٌ لَهُ النّاسُ وذلكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا الـحجاج بن الـمنهال, قال: حدثنا حماد, عن علـيّ بن زيد, عن ابن عبـاس, قال: الشاهد: مـحمد, والـمشهود: يوم القـيامة. ثم تلا هذه الآية: ذلكَ يَوْمٌ مَـجْمُوعٌ لَهُ النّاسُ وذلكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ.
14370ـ حُدثت عن الـمسيب عن جويبر, عن الضحاك, قوله: ذلكَ يَوْمٌ مَـجْمُوعٌ لَهُ النّاسُ وذلكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ قال: ذلك يوم القـيامة, يجتـمع فـيه الـخـلق كلهم ويشهده أهل السماء وأهل الأرض.
الآية : 104
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَمَا نُؤَخّرُهُ إِلاّ لأجَلٍ مّعْدُودٍ }.
يقول تعالـى ذكره: وما نؤخر يوم القـيامة عنكم أن نـجيئكم به إلا لاَنٍ يُقْضَى, فقضى له أجلاً فعدّه وأحصاه, فلا يأتـي إلا لأجله ذلك, لا يتقدم مـجيئه قبل ذلك ولا يتأخر.
الآية : 105-107
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلّمُ نَفْسٌ إِلاّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيّ وَسَعِيدٌ * فَأَمّا الّذِينَ شَقُواْ فَفِي النّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السّمَاوَاتُ وَالأرْضُ إِلاّ مَا شَآءَ رَبّكَ إِنّ رَبّكَ فَعّالٌ لّمَا يُرِيدُ }.
يقول تعالـى ذكره: يوم يأتـي القـيامة أيها الناس, وتقوم الساعة لا تكلـم نفس إلا بإذن ربها.
واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: «يَوْمَ يَأْتِـي» فقرأ ذلك عامة قرّاء أهل الـمدينة بإثبـات الـياء فـيها: «يَوْمَ يَأْتـي لا تُكَلّـمُ نَفْسٌ». وقرأ ذلك بعض قرّاء أهل البصرة وبعض الكوفـيـين بإثبـات الـياء فـيها فـي الوصل وجذفها فـي الوقـف. وقرأ ذلك جماعة من أهل الكوفة بحذف الـياء فـي الوصل والوقـف: «يَوْمَ يَأْتِ لا تُكَلّـمُ نَفْسٌ إلاّ بإذْنِهِ».
والصواب من القراءة فـي ذلك عندي: يَوْمَ يَأْتِ بحذف الـياء فـي الوصل والوقـف اتبـاعا لـخط الـمصحف, وأنها لغة معروفة لهذيـل, تقول: ما أَدْرِ ما تقول, ومنه قول الشاعر:
كَفّـاكَ كَفّ ما تُلِـيقُ دِرْهماجُودا وأُخرَى تُعْطِ بـالسّيْفِ الدّما
وقـيـل: لا تَكَلّـمُ وإنـما هي «لا تتكلـم», فحذف إحدى التاءين اجتزاء بدلالة البـاقـية منهما علـيها.
وقوله: فَمِنْهُمْ شَقِـيّ وسَعِيدٌ وقول: فمن هذه النفوس التـي لا تكلـم يوم القـيامة إلا بإذن ربها, شقـي وسعيد وعادٍ علـى النفس, وهي فـي اللفظ واحدة بذكر الـجميع فـي قوله: فَمِنْهُمْ شَقِـيّ وَسَعِيدٌ يقول: تعالـى ذكره: فأمّا الّذِينَ شَقُوا فَفِـي النّارِ لَهُمْ فِـيها زَفِـيرٌ لهم, وهو أول نهاق الـحمار وشبهه, وَشَهِيقٌ وهو آخر نهيقه إذا ردده فـي الـجوف عند فراغه من نهاقه, كما قال رؤبة بن العجاج:
حَشْرَجَ فـي الـجَوْفِ سَحِيلاً أوْ شَهَقْحتـى يُقالُ ناهِقٌ وَما نَهَقْ
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:)
14371ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـي, عن ابن عبـاس, قوله: لَهُمْ فِـيها زَفـيرٌ وشَهيقٌ يقول: صوت شديد وصوت ضعيف.
14372ـ قال: حدثنا إسحاق, حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن أبـي العالـية, فـي قوله: لَهُمْ فِـيها زَفـيرٌ وشَهِيقٌ قال: الزفـير فـي الـحلق, والشهيق فـي الصدر.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن أبـي جعفر, عن الربـيع بن أنس, عن أبـي العالـية بنـحوه.
14373ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: أخبرنا عبد الرزاق, عن معمر, عن قتادة, قال: صوت الكافر فـي النار صوت الـحمار, أوله زفـير وآخره شهيق.
14374ـ حدثنا أبو هشام الرفـاعي ومـحمد بن معمر البحرانـي ومـحمد بن الـمثنى ومـحمد بن بشار, قالوا: حدثنا أبو عامر, قال: حدثنا سلـيـمان بن سفـيان, قال: حدثنا عبد الله بن دينار, عن ابن عمر عن عمر, قال: لـما نزلت هذه الآية فَمِنْهُمْ شَقِـيّ وَسَعِيدٌ سألت النبـي صلى الله عليه وسلم, فقلت: يا نبـيّ الله, فعلام عملنا؟ علـى شيء قد فرغ منه أم علـى شيء لـم يفرغ منه؟ قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «علـى شَيْءٍ قَدْ فُرِغَ مِنْهُ يا عُمَرُ وَجَرَتْ بِهِ الأقْلامُ, وَلَكِنْ كُلّ مُيَسّرٌ لِـمّا خُـلِقَ لَهُ». اللفظ لـحديث ابن معمر.
وقوله: خالِدِينَ فِـيها ما دَامَتِ السّمَوَاتُ والأرْضُ إلاّ ما شاءَ رَبّكَ إنّ رَبّكَ فَعّالٌ لِـمَا يرِيدُ يعنـي تعالـى يعنـي ذكره بقوله: خالِدِينَ فِـيها لابثـين فـيها, ويعنـي بقوله: ما دَامَتِ السّماوَاتُ والأرْضُ أبدا وذلك أن العرب إذا أرادت أنُ تصف الشيء بـالدوام أبدا, قالت: هذا دائم دوام السموات والأرض بـمعنى أنه دائم أبدا, وكذلك يقولون: هو بـاق ما اختلف اللـيـل والنهار, وما سمر لنا سمير, وما لألأت العفر بأذنابها يعنون بذلك كله أبدا. فخاطبهم جلّ ثناؤه بـما يتعارفون به بـينهم, فقال: خالِدِينَ فِـيها ما دَامَتِ السمَواتُ والأرْضُ. والـمعنى فـي ذلك: خالدين فـيها أبدا.
وكان ابن زيد يقول فـي ذلك بنـحو ما قلنا فـيه:
14375ـ حدثنـي يونس قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: خالِدِينَ فِـيها ما دَامَتِ السمَواتُ والأرْضُ قال: ما دامت الأرض أرضا, والسماء سماء. ثم قال: إلاّ ما شاءَ رَبّكَ.
واختلف أهل العلـم والتأويـل فـي معنى ذلك, فقال بعضهم: هذا استثناء استثناه الله فـي أهل التوحيد أنه يخرجهم من النار إذا شاء بعد أن أدخـلهم النار. ذكر من قال ذلك:
14376ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, عن معمر, عن قتادة, فـي قوله: فَأمّا الّذِينَ شَقُوا فَفِـي النّارِ لَهُمْ فِـيها زَفِـيرٌ وشَهِيقٌ خالِدِينَ فِـيها ما دَامَتِ السّماوَاتُ والأرْضُ إلاّ ما شاءَ رَبّكَ قال: الله أعلـم بثُنـياه. وذُكر لنا أن ناسا يصيبهم سَفَع من النار بذنوب أصابوها, ثم يدخـلهم الـجنة.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: خالِدِينَ فِـيها ما دَامَتِ السمَواتُ والأرْضُ إلاّ ما شاءَ رَبّكَ والله أعلـم بثنـيّته ذكر لنا أن ناسا يصيبهم سفع من النار بذنوب أصابتهم, ثم يدخـلهم الله الـجنة بفضل رحمته, يقال لهم الـجهنـميون.
14377ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا شيبـان بن فروخ, قال: حدثنا أبو هلال, قال: حدثنا قتادة, وتلا هذه الآية: فَأمّا الّذِينَ شَقُوا فَفِـي النّارِ لَهُمْ فِـيها زَفِـيرٌ وشَهِيقٌ... إلـى قوله: لِـمَا يُريدُ فقال عند ذلك: حدثنا أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يَخْرُجُ قَوْمٌ مِنَ النار» قال قتادة: ولا نقول مثل ما يقول أهل حروراء.
14378ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يعقوب, عن أبـي مالك, يعنـي ثعلبة, عن أبـي سنان, فـي قوله: فَأمّا الّذِينَ شَقَوا فَفِـي النّارِ لَهُمْ فِـيها زَفِـيرٌ وشَهِيقٌ خالِدِينَ فِـيها ما دَامَتِ السمَواتُ والأرْضُ إلاّ ما شاءَ رَبّكَ قال: استثناء فـي أهل التوحيد.
14379ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن الضحاك بن مزاحم: فَأمّا الّذِينَ شَقُوا فَفِـي النّارِ... إلـى قوله: خالِدِينَ فِـيها ما دَامَتِ السمَواتُ والأرْضُ إلاّ ما شاء رَبّكَ قال: يخرج قوم من النار فـيدخـلون الـجنة, فهم الذين استُثنـي لهم.
14380ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن عامر بن جشِب, عن خالد بن معدان فـي قوله: لابِثِـينَ فـيها أحْقابـا, وقوله: خالِدينَ فِـيها إلاّ ما شاءَ رَبّكَ أنهما فـي أهل التوحيد.
وقال آخرون: الاستثناء فـي هذه الآية فـي أهل التوحيد, إلا أنهم قالوا: معنى قوله: إلاّ ما شاءَ رَبّكَ إلا أن يشاء ربك أن يتـجاوز عنهم فلا يدخـلهم النار. ووجهوا الاستثناء إلـى أنه من قوله: فأمّا الّذِينَ شَقُوا فَفِـي النارِ... إلاّ ما شاءَ رَبّكَ لا من الـخـلود. ذكر من قال ذلك:
14381ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: حدثنا ابن التـيـمي, عن أبـيه, عن أبـي نضرة, عن جابر أو أبـي سعيد يعنـي الـخدري أو عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, فـي قوله: إلاّ ما شاءَ رَبّكَ إنّ رَبّكَ فَعّالٌ لِـمَا يُزِيدُ قال: «هَذِهِ الآية تَأْتـي علـى القُرْآنِ كُلّهِ», يقول: حيث كان فـي القرآن خالِدِينَ فـيها تأتـي علـيه. قال: وسمعت أبـا مُـجَلّزٍ يقول: هو جزاؤه, فإن شاء الله تـجاوز عن عذابه.
وقال آخرون: عنـي بذلك أهل النار وكل من دخـلها. ذكر من قال ذلك:
14382ـ حُدثت عن الـمسيب عمن ذكره, عن ابن عبـاس: خَالدِينَ فِـيها ما دَامَتِ السّمَاوَاتُ والأرْضُ لا يـموتون, ولا هم منها يخرجون ما دامت السماوات والأرض. إلاّ ما شاءَ رَبّكَ قال: استثناء الله. قال: يأمر النار أن تأكلهم. قال: وقال ابن مسعود: لـيأتـينّ علـى جهنـم زمان تـخفق أبوابها لـيس فـيها أحد, وذلك بعد ما يـلبثون فـيها أحقابـا.
14383ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن بـيان, عن الشعبـي, قال: جهنـم أسرع الدارين عمرانا وأسرعهما خرابـا.
وقال آخرون: أخبرنا الله بـمشيئته لأهل الـجنة, فعرفنا معنى ثنـياه بقوله: عَطاءً غَيْرَ مَـجْذُوذٍ أنها فـي الزيادة علـى مقدار مدة السماوات والأرض, قال: ولـم يخبرنا بـمشيئته فـي أهل النار, وجائز أن تكون مشيئته فـي الزيادة وجائز أن تكون فـي النقصان. ذكر من قال ذلك:
14384ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: خَالدِينَ فِـيها ما دَامَتِ السّمَاوَاتُ والأرْضُ آلاّ ما شاءَ رَبّكَ فقرأ حتـى بلغ: عَطَاءً غيرَ مـجْذُوذٍ قال: وأخبرنا بـالذي يشاء لأهل الـجنة, فقال: عطاء غير مـجذوذ, ولـم يخبرنا بـالذي يشاء لأهل النار.
وأولـى هذه الأقوال فـي تأويـل هذه الآية بـالصواب, القول الذي ذكرنا عن قتادة والضحاك, من أن ذلك استثناء فـي أهل التوحيد من أهل الكبـائر أنه يدخـلهم النار, خالدين فـيها أبدا إلا ما شاء من تركهم فـيها أقل من ذلك, ثم يخرجهم فـيدخـلهم الـجنة, كما قد بـيّنا فـي غير هذا الـموضع بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع.
وإنـما قلنا ذلك أولـى الأقوال بـالصحة فـي ذلك لأن الله جل ثناؤه أوعد أهل الشرك به الـخـلود فـي النار, وتظاهرت بذلك الأخبـار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, فغير جائز أن يكون استثناء فـي أهل الشرك, وأن الأخبـار قد تواترت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله يدخـل قوما من أهل الإيـمان به بذنوب أصابوها النار ثم يخرجهم منها فـيدخـلهم الـجنة فغير جائز أن يكون ذلك استثناء أهل التوحيد قبل دخولها مع صحة الأخبـار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بـما ذكرنا, وأنا إن جعلناه استثناء فـي ذلك كنا قد دخـلنا فـي قول من يقول: لا يدخـل الـجنة فـاسق ولا النار مؤمن, وذلك خلاف مذاهب أهل العلـم وما جاءت به الأخبـار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فإذا فسد هذان الوجهان فلا قول قال به القدوة من أهل العلـم إلا الثالث. ولأهل العربـية فـي ذلك مذهب غير ذلك سنذكره بعد, ونبـينه إن شاء الله تعالـى.
وقوله: إنّ رَبّكَ فَعّالٌ لِـمَا يُرِيدُ يقول تعالـى ذكره: إن ربك يا مـحمد لا يـمنعه مانع من فعل ما أراد فعله بـمن عصاه وخالف أمره من الانتقام منه, ولكنه يفعل ما يشاء, فـيـمضي فعله فـيهم وفـيـمن شاء من خـلقه فعله وقضاءه.
الآية : 108
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
{وَأَمّا الّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السّمَاوَاتُ وَالأرْضُ إِلاّ مَا شَآءَ رَبّكَ عَطَآءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ }.
واختلفت القراء فـي قراءة ذلك, فقرأته عامة قراء الـمدينة والـحجاز والبصرة وبضع الكوفـيـين: «وأما الّذِينَ سَعِدُوا» بفتـح السين, وقرأ ذلك جماعة من قراء الكوفة: وأمّا الّذِينَ سُعِدُوا بضم السين, بـمعنى: رُزقوا السعادة.
والصواب من القول فـي ذلك أنهما قراءتان معروفتان فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب الصواب.
فإن قال قائل: وكيف قـيـل: سِعُدُوا فـيـما لـم يسمّ فـاعله, ولـم يقل: «أُسعدوا», وأنت لا تقول فـي الـخبر فـيـما سُمى فـاعله سعده الله, بل إنـما تقول: أسعده الله؟ قـيـل: ذلك نظير قولهم: هو مـجنون مـحبوب فـيـما لـم يسم فـاعله, فإذا سموا فـاعله, قـيـل: أجنّه الله وأحبّه, والعرب تفعل ذلك كثـيرا. وقد بـيّنا بعض ذلك فـيـما مضى من كتابنا هذا.
وتأويـل ذلك: وأما الذين سُعدوا برحمة الله, فهم فـي الـجنة خالدين فـيها ما دامت السموات والأرض, يقول: أبدا, إلا ما شاء ربك. فـاختلف أهل التأويـل فـي معنى ذلك, فقال بعضهم: إلا ما شاء ربك من قدْر ما مكثوا فـي النار قبل دخولهم الـجنة, قالوا: وذلك فـيـمن أخرج من النار من الـمؤمنـين فأدخـل الـجنة. ذكر من قال ذلك:
14385ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن الضحاك, فـي قوله: وأمّا الّذِينَ سُعِدُوا ففـي الـجَنّةِ خَالدِينَ فِـيها ما دَامَتِ السّمَاوَاتُ والأرْضُ, إلاّ ما شاء رَبّكَ قال: هو أيضا فـي الذين يخرجون من النار فـيدخـلون الـجنة, يقول: خالدين فـي الـجنة ما دامت السماوات والأرض, إلاّ ما شاءَ رَبّكَ يقول: إلا ما مكثوا فـي النار حتـى أدخـلوا الـجنة.
وقال آخرون: معنى ذلك: إلا ما شاء ربك من الزيادة علـى قدر مدّة دوام السماوات والأرض, قال: وذلك هو الـخـلود فـيها أبدا. ذكر من قال ذلك:
14386ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يعقوب, عن أبـي مالك, يعنـي ثعلبة, عن أبـي سنان: وأمّا الّذِينَ سُعِدُوا فَفِـي الـجَنّةِ خَالدِينَ فِـيها ما دَامَتِ السّمَاوَاتُ والأرْضُ إلاّ ما شاءَ رَبّكَ قال: ومشيئته خـلودهم فـيها, ثم أتبعها فقال: عطاءً غيرَ مَـجْذُوذٍ.
واختلف أهل العربـية فـي وجه الاستثناء فـي هذا الـموضع, فقال بعضهم فـي ذلك معنـيان: أحدهما أن تـجعله استثناء يستثنـيه ولا يفعله, كقولك: والله لأضربنك إلا أن أرى غير ذلك, وعزمك علـى ضربه, قال: فكذلك قال: خَالدِينَ فِـيها ما دَامَتِ السّمَاوَاتُ والأرْضُ إلاّ ما شَاءَ رَبّكَ ولا يشاؤه. قال: والقول الاَخر: أن العرب إذا استثنت شيئا كثـيرا مع مثله ومع ما هو أكثر منه كان معنى إلا ومعنى الواو «سوى» فمن ذلك قوله: خَالدِينَ فِـيها ما دَامَتِ السّمَاوَاتُ والأرْضُ سوى ما شاء الله من زيادة الـخـلود, فـيجعل «إلا» مكان «سوى» فـيصلـح, وكأنه قال: خالدين فـيها ما دامت السماوات والأرض سوى ما زادهم من الـخـلود والأبد. ومثله فـي الكلام أن تقول: لـي علـيك ألف إلا الألفـين اللذين قبله. قال: وهذا أحبّ الوجهين إلـيّ لأن الله لا يخـلف وعده. وقد وصل الاستثناء بقوله: عَطاءً غيرَ مَـجْذُوذٍ فدلّ علـى أن الاستثناء لهم بقوله فـي الـخـلود غير منقطع عنهم.
وقال آخر منهم بنـحو هذا القول, وقالوا: جائز فـيه وجه ثالث, وهو أن يكون استثنى من خـلودهم فـي الـجنة احتبـاسهم عنها ما بـين الـموت والبعث وهو البرزخ إلـى أن يصيروا إلـى الـجنة. ثم هو خـلود الأبد, يقول: فلـم يغيبوا عن الـجنة إلا بقدر إقامتهم فـي البرزخ.
وقال آخر منهم: جائز أن يكون دوام السموات والأرض بـمعنى الأبد علـى ما تعرف العرب وتستعمل وتستثنى الـمشيئة من داومها لأن أهل الـجنة وأهل النار قد كانوا فـي وقت من أوقات دوام السماوات والأرض فـي الدنـيا لا فـي الـجنة, فكأنه قال: خالدين فـي الـجنة وخالدين فـي النار دوام السماء, والأرض إلا ما شاء ربك من تعميرهم فـي الدنـيا قبل ذلك.
وأولـى الأقوال فـي ذلك عندي بـالصواب, القول الذي ذكرته عن الضحاك, وهو وأمّا الّذِينَ سُعِدُوا فَفِـي ا لـجَنّةِ خالِدِينَ فِـيها ما دَامَتِ السّمَوَاتُ والأرْضُ إلاّ ما شَاءَ رَبّكَ من قدر مكثهم فـي النار, من لدن دخـلوها إلـى أن أدخـلوا الـجنة, وتكون الآية معناها الـخصوص لأن الأشهر من كلام العرب فـي «إلا» توجيهها إلـى معنى الاستثناء وإخراج معنى ما بعدها مـما قبلها إلا أن يكون معها دلالة تدل علـى خلاف ذلك, ولا دلالة فـي الكلام, أعنـي فـي قوله: إلاّ ما شَاءَ رَبّكَ تدلّ علـى أن معناها غير معنى الاستثناء الـمفهوم فـي الكلام فـيوجه إلـيه.
وأما قوله: عَطاءً غيرَ مَـجْذُوذٍ فإنه يعنـي عطاء من الله غير مقطوع عنهم, من قولهم: جذذت الشيء أجذّه جذّا: إذا قطعته, كما قال النابغة:
تَـجُذّ السّلُوقـيّ الـمُضاعَفَ نَسْجُهُويُوقِدُنَ بـالصّفّـاحِ نارَ الـحُبـاحِب
يعنـي بقوله: «تـجذ»: تقطع.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
14387ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا الـمـحاربـي, عن جويبر, عن الضحاك: عَطاءً غيرَ مَـجْذُوذٍ قال: غير مقطوع.
14388ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: عَطاءً غيرَ مَـجْذُوذٍ يقول: غير منقطع.
14389ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس: عَطاءً غيرَ مَـجْذُوذٍ يقول: عطاء غير مقطوع.
14390ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: مـجذوذ, قال: مقطوع.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قوله: عَطاءً غيرَ مَـجْذُوذٍ قال: غير مقطوع.
قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
14391ـ قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله, عن أبـيه, عن الربـيع, عن أبـي العالـية, مثله.
14392ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج. عن ابن جريج, مثله.
قال: ثنـي حجاج, عن أبـي جعفر, عن الربـيع بن أنس, عن أبـي العالـية, قوله: عَطاءً غيرَ مَـجْذُوذٍ قال: أما هذه فقد أمضاها, يقول: عطاء غير منقطع.
14393ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: عَطاءً غيرَ مَـجْذُوذٍ غير منزوع منهم
الصفحة رقم 233 من المصحف تحميل و استماع mp3