تفسير الطبري تفسير الصفحة 232 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 232
233
231
 الآية : 89
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَيَقَوْمِ لاَ يَجْرِمَنّكُمْ شِقَاقِيَ أَن يُصِيبَكُم مّثْلُ مَآ أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مّنكُم بِبَعِيدٍ }.
يقول تعالـى ذكره مخبرا عن قـيـل شعيب لقومه: ويا قَوْمِ لا يجْرِمَنّكُمْ شِقاقـي يقول: لا يحملنكم عداوتـي وبغضي وفراق الدين الذي أنا علـيه, علـى الإصرار علـى ما أنتـم علـيه من الكفر بـالله وعبـادة الأوثان وبخس الناس فـي الـمكيال والـميزان وترك الإنابة والتوبة, فـيصِيبكم مثلُ ما أصابَ قومَ نوحٍ من الغرق أوْ قومَ هودٍ من العذاب أوْ قَوْمَ صَالـحٍ من الرجفة. وما قَوْمُ لُوطٍ الذين ائتفكت بهم الأرض مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ هلاكهم, أفلا تتعظون به وتعتبرون؟ يقول: فـاعتبروا بهؤلاء, واحذروا أن يصيبكم بشقاقـي مثل الذي أصابهم. كما:
14331ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: لا يجْرِمَنّكُمْ شِقاقـي يقول: لا يحملنكم فراقـي إنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ ما أصاب قَوْمَ نُوحٍ... الآية.
حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة, فـي قوله: لا يَجْرِمَنّكُمْ شِقاقـي يقول: لا يحملنكم شقاقـي.
14332ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قوله: لاَ يَجْرِمَنّكُمْ شقاقـي قال عداوتـي وبغضائي وفراقـي.
14333ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ قال: إنـما كانوا حديثا منهم قريبـا يعنـي قوم نوح وعاد وثمود وصالـح.
حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة, فـي قوله: وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ قال: إنـما كانوا حديثـي عهد قريب بعد نوح وثمود.
قال أبو جعفر: وقد يحتـمل أن يقال: معناه: وما دار قوم لوط منكم ببعيد.
الآية : 90
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَاسْتَغْفِرُواْ رَبّكُمْ ثُمّ تُوبُوَاْ إِلَيْهِ إِنّ رَبّي رَحِيمٌ وَدُودٌ }.
يقول تعالـى ذكره مخبرا عن قـيـل شعيب لقومه: اسْتَغْفِرُوا رَبّكُمْ أيها القوم من ذنوبكم بـينكم وبـين ربكم التـي أنتـم علـيها مقـيـمون من عبـادة الاَلهة والأصنام وبَخْس الناس حقوقهم فـي الـمكايـيـل والـموازين. ثُمّ تُوبُوا إلَـيْهِ يقول: ثم ارجعوا إلـى طاعته والانتهاء إلا أمره ونهيه. أنّ رَبّـي رَحِيـمٌ يقول: هو رحيـم بـمن تاب وأناب إلـيه أن يعذبه بعد التوبة. وَدُودٌ يقول: ذو مـحبة لـمن أناب وتاب إلـيه يودّه ويحبه.
الآية : 91
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالُواْ يَشُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مّمّا تَقُولُ وَإِنّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَآ أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ }.
يقول تعالـى ذكره: قال قوم شعيب لشعيب: يا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ كَثِـيرا مِـمّا تَقُول أي ما نعلـم حقـيقة كثـير مـما تقول وتـخبرنا به. وَإنّا لَنَرَاك فِـينا ضَعِيفـا ذكر أنه كان ضريرا, فلذلك قالوا له: إنّا لَنَراكَ فِـينا ضَعِيفـا. ذكر من قال ذلك:
14334ـ حدثنـي عبد الأعلـى بن واصل, قال: حدثنا أسد بن زيد الـجَصّاص, قال: أخبرنا شريك, عن سالـم, عن سعيد بن جبـير, فـي قوله: وَإنّا لَنَرَاكَ فِـينا ضَعِيفـا قال: كان أعمى.
حدثنا عبـاس بن أبـي طالب, قال: ثنـي إبراهيـم بن مهدي الـمصيّصي, قال: حدثنا خـلف بن خـلـيفة, عن سفـيان, عن سعيد, مثله.
حدثنا أحمد بن الولـيد الرملـي, قال: حدثنا إبراهيـم بن زياد وإسحاق بن الـمنذر, وعبد الـملك بن زيد, قالوا: حدثنا شريك, عن سالـم, عن سعيد, مثله.
14335ـ قال: حدثنا عمرو بن عون ومـحمد بن الصبـاح, قالا: سمعنا شريكا يقول فـي قوله: وَإنّا لَنَرَاكَ فِـينا ضَعِيفـا قال: أعمى.
حدثنا سعدويه, قال: حدثنا عبـاد, عن شريك, عن سالـم, عن سعيد بن جبـير, مثله.
14336ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو نعيـم, قال: حدثنا سفـيان, قوله: وَإنّا لَنَرَاكَ فِـينا ضَعِيفـا قال: كان ضعيف البصر. قال سفـيان: وكان يقال له خطيب الأنبـياء.
قال: حدثنا الـحمانـي, قال: حدثنا عبـاد, عن شريك, عن سالـم, عن سعيد: وَإنّا لَنَرَاكَ فِـينا ضَعِيفـا قال: كان ضرير البصر.
وقوله: وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ يقول: يقولون: ولولا أنت فـي عشيرتك وقومك لرجمناك, يعنون: لسببناك. وقال بعضهم: معناه لقتلناك. ذكر من قال ذلك:
14337ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجمْناكَ قال: قالوا: لولا أن نتقـي قومك ورهطك لرجمناك. وَما أنْتَ عَلَـيْنا بعَزيزٍ يعنون: ما أنت مـمن يكرم علـينا, فـيعظم علـينا إذلاله وهَوَانُه, بل ذلك علـينا هَين.
الآية : 92
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ يَقَوْمِ أَرَهْطِيَ أَعَزّ عَلَيْكُم مّنَ اللّهِ وَاتّخَذْتُمُوهُ وَرَآءَكُمْ ظِهْرِيّاً إِنّ رَبّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ }.
يقول تعالـى ذكره: قال شعيب لقومه: يا قوم أَعْزَزْتـم قومكم, فكانوا أعزّ علـيكم من الله, واستـخففتـم بربكم, فجعلتـموه خـلف ظهوركم, لا تأتـمرون لأمره ولا تـخافون عقابه, ولا تعظمونه حقّ عظمته. يقال للرجل إذا لـم يقض حاجة الرجل: نبذ حاجته وراء ظهره: أي تركها لا يـلتفت إلـيها, وإذا قضاها قـيـل: جعلها أمامه ونُصْب عينـيه ويقال: ظهرت بحاجتـي وجعلتها ظِهرِية: أي خـلف ظهرك, كما قال الشاعر:
وَجَدْنا بنـي البَرْصَاءِ مِنْ وَلَدِ الظّهْرِ
بـمعنى: أنهم يظهرون بحوائج الناس فلا يـلتفتون إلـيها.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
14338ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس: قالَ يا قَوْمِ أرَهْطِي أعَزّ عَلَـيْكُمْ مِنَ اللّهِ واتـخَذْتُـمَوهُ وَرَاءَكُم ظهرِيّا وذلك أن قوم شعيب ورهطه كانوا أعزّ علـيهم من الله, وصَغُر شأن الله عندهم عزّ ربنا وجلّ ثناؤه.
14339ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس: واتّـخَذْتُـمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيّا قال: قـفـا.
14340ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: قالَ يا قَوْمِ أرَهْطِي أعَزّ عَلَـيْكُمْ مِنَ اللّهِ واتـخَذْتُـمَوهُ وَرَاءَكُم ظَهْرِيّا يقول: عَزّزتـم قومكم, وأظهرتـم بربكم.
14341ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: وَاتّـخَذْتُـمُوه وَرَاءكُمْ ظِهْرِيّا قال: لـم تراقبوه فـي شيء إنـما تراقبون قومي. وَاتّـخَذْتُـمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيّا يقول: عَزّزتـم قومكم وأظهرتـم بربكم.
حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: وَاتّـخَذْتُـمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيّا قال: لـم تراقبوه فـي شيء, إنـما تراقبون قومي, واتـخذتـموه وراءكم ظِهْرِيّا لا تـخافونه.
14342ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة, فـي قوله: أرَهْطِي أعَزّ عَلَـيْكُمْ مِنَ اللّهِ قال: أعززتـم قومكم واغتررتـم بربكم, سمعت إسحاق بن أبـي إسرائيـل قال: قال سفـيان: واتّـخَذْتُـمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيّا كما يقول الرجل للرجل: خـلفت حاجتـي خـلف ظهرك, فـاتـخذتـموه وراءكم ظهريّا: استـخففتـم بأمره, فإذا أراد الرجل قضاء حاجة صاحبه جعلها أمامه بـين يديه ولـم يستـخف بها.
14343ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: واتّـخَذْتُـمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيّا قال: الظهري الفضل, مثل الـجمال يخرج معه بـابل ظهارية فضل لا يحمل علـيها شيئا إلا أن يحتاج إلـيها, قال: فـيقول: إنـما ربكم عندكم مثل هذا إن احتـجتـم إلـيه, وإن لـم تـحتاجوا إلـيه فلـيس بشيء.
وقال آخرون: معنى ذلك: واتـخذتـم ما جاء به شعيب وراءكم ظهريّا, فـالهاء فـي قوله: واتّـخَذْتُـمُوهُ علـى هذا من ذكر ما جاء به شعيب علـيه السلام. ذكر من قال ذلك:
14344ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا ابن نـمير, عن ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: واتّـخَذْتُـمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيّا قال: تركتـم ما جاء به شعيب.
14345ـ قال: حدثنا جعفر بن عون, عن سفـيان, عن جابر, عن مـجاهد, قال: نبذوا أمره.
حدثنـي الـحارث, قال: حدثنا عبد العزيز, عن سفـيان, عن جابر, عن مـجاهد: واتّـخَذْتُـمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيّا قال: نبذتـم أمره.
حدثنا مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: واتّـخَذْتُـمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيّا قال: هم رهط شعيب تركهم ما جاء به وراء ظهورهم ظهريّا.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد. قال: وحدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: واتّـخَذْتُـمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيّا قال: استثناؤهم رهط شعيب, وتركهم ما جاء به شعيب وراء ظهورهم ظهريّا.
وإنـما اخترنا القول الذي اخترناه فـي تأويـل ذلك لقرب قوله: واتّـخَذْتُـمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيّا من قوله: أرَهْطِي أعَزّ عَلَـيْكُمْ مِنَ اللّهِ فكانت الهاء فـي قوله واتّـخَذْتُـمُوهُ بأن تكون من ذكر الله لقرب جوارها منه أشبه وأولـى.
وقوله: إنّ رَبّـي بِـمَا تَعْمَلُونَ مُـحِيطٌ يقول: إن ربـي مـحيط علـمه بعملكم, فلا يخفـى علـيه منه شيء, وهو مـجازيكم علـى جميعه عاجلاً وآجلاً.
الآية : 93
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَيَقَوْمِ اعْمَلُواْ عَلَىَ مَكَانَتِكُمْ إِنّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُوَاْ إِنّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ }.
يقول تعالـى ذكره مخبرا عن قـيـل شعيب لقومه: ويا قَوْمِ اعْمَلُوا علـى مَكانَتِكُمْ يقول: علـى تـمكنكم, يقال منه: الرجل يعمل علـى مَكينته ومكِنته: أي علـى اتئاده, ومَكُن الرجُل يـمكُن مَكْنا ومَكانة ومكانا.
وكان بعض أهل التأويـل يقول فـي معنى قوله: علـى مَكانَتِكُمْ: علـى منازلكم. فمعنى الكلام إذن: ويا قوم اعملوا علـى تـمكنكم من العمل الذي تعملونه, إنّـي عامِلٌ علـى تؤدة من اعمل الذي أعمله, سَوفَ تَعْلَـمُونَ أينا الـجانـي علـى نفسه والـمخطىء علـيها والـمصيب فـي فعله الـمـحسن إلـى نفسه.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: «مَنْ يَأْتِـيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إنّـي مَعَكُمْ رَقِـيبٌ».
يقول تعالـى ذكره مخبرا عن قـيـل نبـيه شعيب لقومه: الذي يأتـيه منا ومنكم أيها القوم عَذابٌ يُخْزِيهِ يقول: يذله ويهينه وَمَنْ هُوَ كاذِبٌ يقول: ويخزي أيضا الذي هو كاذب فـي قـيـله وخبره منا ومنكم. وَارْتَقِبُوا: أي انتظروا وتفقدوا من الرقبة, يقال منه: رَقَبْتُ فلانا أرْقُبُه رِقْبة. وقوم: إنّـي مَعَكُم رَقِـيبٌ يقول: إنـي أيضا ذو رِقبة لذلك العذاب معكم, وناظر إلـيه بـمن هو نازل منا ومنكم.
الآية : 94
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَمّا جَآءَ أَمْرُنَا نَجّيْنَا شُعَيْباً وَالّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مّنّا وَأَخَذَتِ الّذِينَ ظَلَمُواْ الصّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: ولـما جاء قضاؤنا فـي قوم شعيب بعذابنا نـجينا شعيبـا رسولنا والذين آمنوا به فصدّقوه علـى ما جاءهم به من عند ربهم مع شعيب, من عذابنا الذي بعثنا علـى قومه, برحمة منا له ولـمن آمن به واتبعه علـى ما جاءهم به من عند ربهم وأخذت الذين ظلـموا الصيحة من السماء أخمدتهم فأهلكتهم بكفرهم بربهم. وقـيـل: إن جبريـل علـيه السلام, صاح بهم صيحة أخرجت أرواحهم من أجسامهم. فَأصْبَحُوا فِـي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ علـى ركبهم وصَرْعَى بأفنـيتهم.
الآية : 95
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {كَأَن لّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَآ أَلاَ بُعْداً لّمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ }.
يقول تعالـى ذكره: كأن لـم يعش قوم شعيب الذين أهلكهم الله بعذابه حين أصبحوا جاثمين فـي ديارهم قبل ذلك. ولـم يغنوا, من قولهم: غنـيت بـمكان كذا: إذا أقمت به, ومنه قول النابغة:
غَنِـيَتْ بذلكَ إذْ هُمُ لـي جِيرَةٌمِنْها بعَطْفِ رِسالَةٍ وتَوَدّدِ
14346ـ وكما حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو صالـح, قال ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: كأنْ لَـمْ يَغْنَوْا فِـيها قال: يقول: كأن لـم يعيشوا فـيها.
14347ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة, مثله.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة مثله.
وقوله: ألا بُعْدا لِـمَدْيَنَ كمَا بَعِدَتْ ثُمودُ يقول تعالـى ذكره: ألا أبعد الله مدين من رحمته بـاحلال نقمته كما بعدت ثمود, يقول: كما بعدت من قبلهم ثمود من رحمته بإنزال سخطه بهم.
الآية : 96-97
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مّبِينٍ * إِلَىَ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتّبَعُوَاْ أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَآ أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ }.
يقول تعالـى ذكره: ولقد أرسلنا موسى بأدلتنا علـى توحيدنا, وحجة تبـين لـمن عاينها وتأملها بقلب صحيح, أنها تدل علـى توحيد الله وكذب كل من ادّعى الربوبـية دونه, وبطول قول من أشرك معه فـي الألوهة غيره. إلَـى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ يعنـي إلـى أشراف جنده وتبّـاعه. فـاتّبَعُوا أمْرَ فِرْعَوْنَ يقول: فكذّب فرعون وملؤه موسى, وجحدوا وحدانـية الله, وأبوا قبول ما أتاهم به موسى من عند الله, واتبع ملأ فرعون دون أمر الله, وأطاعوه فـي تكذيب موسى وردّ ما جاءهم به من عند الله علـيه. يقول تعالـى ذكره: وَما أمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ يعنـي: أنه لا يرشد أمر فرعون من قبله منه, فـي تكذيب موسى, إلـى خير, ولا يهديه إلا صلاح, بل يورده نار جهنـم