تفسير الطبري تفسير الصفحة 235 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 235
236
234
 الآية : 118-119
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَوْ شَآءَ رَبّكَ لَجَعَلَ النّاسَ أُمّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاّ مَن رّحِمَ رَبّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمّتْ كَلِمَةُ رَبّكَ لأمْلأنّ جَهَنّمَ مِنَ الْجِنّةِ وَالنّاسِ أَجْمَعِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: ولو شاء ربك يا مـحمد لـجعل الناس كلها جماعة واحدة علـى ملة واحدة ودين واحد. كما:
14457ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَلَوْ شَاءَ رَبّكَ لَـجَعَلَ النّاسَ أُمّةً وَاحِدَةٍ يقول: لـجعلهم مسلـمين كلهم.
وقوله: وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِـينَ يقول تعالـى ذكره: ولا يزال الناس مختلفـين, إلاّ مَنْ رَحِمَ رَبّكَ.
ثم اختلف أهل التأويـل فـي الاختلاف الذي وصف الله الناس أنهم لا يزالون به, فقال بعضهم: هو الاختلاف فـي الأديان. فتأويـل ذلك علـى مذهب هؤلاء ولا يزال الناس مختلفـين علـى أديان شتّـى من بـين يهودي ونصرانـي ومـجوسي, ونـحو ذلك. وقال قائلو هذه الـمقالة: استثنى الله من ذلك من رحمهم, وهم أهل الإيـمان. ذكر من قال ذلك:
14458ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا ابن نـمير, عن طلـحة بن عمرو, عن عطاء: وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِـينَ قال: الـيهود والنصارى والـمـجوس. والـحنـيفـية هم الذين رحم ربك.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا قبـيصة, قال: حدثنا سفـيان, عن طلـحة بن عمرو, عن عطاء: وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِـينَ قال: الـيهود والنصارى والـمـجوس إلاّ مَنْ رَحِمَ رَبّكَ قال: هم الـحنـيفـية.
14459ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم وابن وكيع, قالا: حدثنا ابن علـية, قال: أخبرنا منصور بن عبد الرحمن, قال: قلت للـحسن, قوله: وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِـينَ إلاّ مَنْ رَحِمَ رَبّكَ. قال: الناس مختلفون علـى أديان شتـى, إلا من رحم ربك, فمن رحم غير مختلفـين.
14460ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن حسن بن صالـح, عن لـيث, عن مـجاهد: وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِـينَ قال: أهل البـاطل. إلاّ مَنْ رَحِمَ رَبّكَ قال: أهل الـحق.
حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِـينَ قال: أهل البـاطل. إلاّ مَنْ رَحِمَ رَبّكَ قال: أهل الـحق.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, نـحوه.
14461ـ قال: حدثنا معلـي بن أسد, قال: حدثنا عبد العزيز, عن منصور بن عبد الرحمن, قال: سئل الـحسن عن هذه الآية: وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِـينَ إلاّ مَنْ رَحِمَ رَبّكَ قال: الناس كلهم مختلفون علـى أديان شتّـى. إلاّ مَنْ رَحِمَ رَبّكَ فمن رحم غير مختلف. فقلت له: ولذلك خـلقهم؟ فقال: خـلق هؤلاء لـجنته وهؤلاء لناره, وخـلق هؤلاء لرحمته وخـلق هؤلاء لعذابه.
قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الرحمن بن سعد, قال: حدثنا أبو جعفر, عن لـيث, عن مـجاهد, فـي قوله: وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِـينَ قال: أهل البـاطل. إلاّ مَنْ رَحِمَ رَبّكَ قال: أهل الـحقّ.
قال: حدثنا الـحمانـي, قال: حدثنا شريك, عن خصيف, عن مـجاهد, قوله: وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِـينَ قال: أهل الـحقّ وأهل البـاطل. إلاّ مَنْ رَحِمَ رَبّكَ قال: أهل الـحق.
قال: حدثنا شريك, عن لـيث, عن مـجاهد, مثله.
14462ـ قال: حدثنا سويد بن نصر, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك: إلاّ مَنْ رَحِمَ رَبّكَ قال: أهل الـحقّ لـيس فـيهم اختلاف.
14463ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا بن يـمان, عن سفـيان, عن ابن جريج, عن عكرمة: وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِـينَ قال: الـيهود والنصارى. إلاّ مَنْ رَحِمَ رَبّكَ قال: أهل القبلة.
14464ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قال: أخبرنـي الـحكم بن أبـان عن عكرمة, عن ابن عبـاس: وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِـينَ قال: أهل البـاطل. إلاّ مَنْ رَحِمَ رَبّكَ قال: أهل الـحقّ.
14465ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا أبو الأحوص, عن سماك, عن عكرمة, فـي قوله: وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِـينَ إلاّ مَنْ رَحِمَ رَبّكَ قال: لا يزالون مختلفـين فـي الهوى.
14466ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِـينَ إلاّ مَنْ رَحِمَ رَبّكَ فأهل رحمة الله أهل جماعة وإن تفرّقت دورهم وأبدانهم, وأهل معصيته أهل فرقة وإن اجتـمعت دورهم وأبدانهم.
14467ـ حدثنـي الـحرث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال: حدثنا سفـيان, عن الأعمش: وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِـينَ إلاّ مَنْ رَحِمَ رَبّكَ قال: من جعله علـى الإسلام.
14468ـ قال: حدثنا عبد العزيز, قال: حدثنا الـحسن بن واصل, عن الـحسن: وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِـينَ قال: أهل البـاطل إلاّ مَنْ رَحِمَ رَبّكَ.
قال: حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, عن عنبسة, عن مـحمد بن عبد الرحمن, عن القاسم بن أبـي بزة عن مـجاهد فـي قوله: وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِـينَ قال: أهل البـاطل. إلاّ مَنْ رَحِمَ رَبّكَ قال: أهل الـحقّ.
حدثنا ابن حميد وابن وكيع, قالا: حدثنا جرير, عن لـيث, عن مـجاهد, مثله.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ولا يزالون مختلفـين فـي الرزق, فهذا فقـير وهذا غنّى. ذكر من قال ذلك:
14469ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى, قال: حدثنا معتـمر, عن أبـيه, أن الـحسن قال: مختلفـين فـي الرزق, سخر بعضهم لبعض.
وقال بعضهم: مختلفـين فـي الـمغفرة والرحمة, أو كما قال.
وأولـى الأقوال فـي تأويـل ذلك بـالصواب قول من قال: معنى ذلك: ولا يزال الناس مختلفـين فـي أديانهم وأهوائهم علـى أديان وملل وأهواء شتّـى, إلاّ مَنْ رَحِمَ رَبّكَ فآمن بـالله وصدّق رسله, فإنهم لا يختلفون فـي توحيد الله وتصديق رسله وما جاءهم من عند الله.
وإنـما قلت ذلك أولـى بـالصواب فـي تأويـل ذلك, لأن الله جلّ ثناؤه أتبع ذلك قوله: وَتَـمّتْ كِلـمَةُ رَبّكَ لأَمْلأَنّ جَهَنّـمَ مِنَ الـجِنّةِ والنّاسِ أجمَعِينَ ففـي ذلك دلـيـل واضح أن الذي قبله من ذكر خبره عن اختلاف الناس, إنـما هو خبر عن اختلاف مذموم يوجب لهم النار, ولو كان خبرا عن اختلافهم فـي الرزق لـم يعقب ذلك بـالـخبر عن عقابهم وعذابهم.
وأما قوله: وَلذلكَ خَـلَقَهُمْ فإن أهل التأويـل اختلفوا فـي تأويـله, فقال بعضهم: معناه: وللاختلاف خـلقهم. ذكر من قال ذلك:
14470ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, وحدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن مبـارك بن فضالة, عن الـحسن: وَلذلكَ خَـلَقَهُمْ قال: للاختلاف.
14471ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا ابن علـية, قال: حدثنا منصور بن عبد الرحمن, قال: قلت للـحسن, ولذلك خـلقهم؟ فقال: خـلق هؤلاء لـجنته وخـلق هؤلاء لناره, وخـلق هؤلاء لرحمته وخـلق هؤلاء لعذابه.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا ابن علـيه, عن منصور, عن الـحسن, مثله.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا الـمعلـى بن أسد, قال: حدثنا عبد العزيز, عن منصور بن عبد الرحمن, عن الـحسن. بنـحوه.
قال: حدثنا الـحجاج بن الـمنهال, قال: حدثنا حماد, عن خالد الـحذّاء, أن الـحسن قال فـي هذه الآية: وَلذلكَ خَـلَقَهُمْ قال: خـلق هؤلاء لهذه, وخـلق هؤلاء لهذه.
14472ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا هوذة بن خـلـيفة, قال: حدثنا عوف, عن الـحسن, قال: وَلذلكَ خَـلَقَهُمْ قال: أما أهل رحمة الله فإنهم لا يختلفون اختلافـا يضرّهم.
14473ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: وَلذلكَ خَـلَقَهُمْ قال: خـلقهم فريقـين: فريقا يرحم فلا يختلف, وفريقا لا يَرْحم يختلف, وذلك قوله: فَمِنْهُمْ شَقـيّ وَسَعِيدٌ.
14474ـ حدثنـي الـحرث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال: حدثنا سفـيان, عن طلـحة بن عمرو, عن عطاء, فـي قوله: وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِـينَ قال: يهود ونصارى ومـجوس. إلاّ مَنْ رَحِمَ رَبّكَ قال: من جعله علـى الإسلام. وَلذلكَ خَـلَقَهُمْ قال: مؤمن وكافر.
14475ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا أشهب, قال: سئل مالك عن قول الله: وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِـينَ إلاّ مَنْ رَحِمَ رَبّكَ وَلذلكَ خَـلَقَهُمْ قال: خـلقهم لـيكونوا فريقـين: فريق فـي الـجنة, وفريق فـي السعير.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: وللرحمة خـلقهم. ذكر من قال ذلك:
14476ـ حدثنـي أبو كريب, قال: حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن حسن بن صالـح, عن لـيث, عن مـجاهد: وَلذلكَ خَـلَقَهُمْ قال: للرحمة.
حدثنا ابن حميد وابن وكيع, قالا: حدثنا جرير, عن لـيث, عن مـجاهد: وَلذلكَ خَـلَقَهُمْ قال للرحمة.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا الـحمانـي, قال: حدثنا شريك, عن خصيف, عن مـجاهد, مثله.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا سويد, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, عن شريك, عن لـيث, عن مـجاهد, مثله.
قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الرحمن بن سعد, قال: أخبرنا أبو حفص, عن لـيث, عن مـجاهد, مثله, إلا أنه قال: للرحمة خـلقهم.
14477ـ حدثنـي مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: وَلذلكَ خَـلَقَهُمْ قال: للرحمة خـلقهم.
14478ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبو معاوية, عمن ذكره عن ثابت, عن الضحاك: وَلذلكَ خَـلَقَهُمْ قال: للرحمة.
14479ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قال: أخبرنـي الـحكم بن أبـان, عن عكرمة: وَلذلكَ خَـلَقَهُمْ قال: أهل الـحقّ ومن اتبعه لرحمته.
14480ـ حدثنـي سعد بن عبد الله, قال: حدثنا حفص بن عمر, حدثنا الـحكم بن أبـان, عن عكرمة, عن ابن عبـاس, فـي قوله: وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِـينَ إلاّ مَنْ رَحِمَ رَبّكَ وَلذلكَ قال: للرحمة خَـلَقَهُمْ ولـم يخـلقهم للعذاب.
وأولـى القولـين فـي ذلك بـالصواب, قول من قال: وللاختلاف بـالشقاء والسعادة خـلقهم لأن الله جلّ ذكره ذكر صنفـين من خـلقه: أحدهما أهل اختلاف وبـاطل, والاَخر أهل حقّ ثم عقب ذلك بقوله: وَلذلكَ خَـلَقَهُمْ, فعمّ بقوله: وَلذلكَ خَـلَقَهُمْ صفة الصنفـين, فأخبر عن كلّ فريق منهما أنه ميسر لـما خـلق له.
فإن قال قائل: فإن كان تأويـل ذلك كما ذكرت, فقد ينبغي أن يكون الـمختلفون غير ملومين علـى اختلافهم, إن كان لذلك خـلقهم ربهم, وأن يكونوا الـمتـمتعون هم الـملومين؟ قـيـل: إن معنى ذلك بخلاف ما إلـيه ذهبت وإنـما معنى الكلام: ولا يزال الناس مختلفـين بـالبـاطل من أديانهم ومللهم إلاّ مَنْ رَحِمَ رَبّكَ فهداه للـحقّ ولعلـمه, وعلـى علـمه النافذ فـيهم قبل أن يخـلقهم أنه يكون فـيهم الـمؤمن والكافر, والشقّـي والسعيد خـلقهم, فمعنى اللام فـي قوله: وَلذلكَ خَـلَقَهُمْ بـمعنى «علـى» كقولك للرجل: أكرمتك علـى برّك بـي, وأكرمتك لبرّك بـي.
وأما قوله: وَتـمّتْ كَلِـمَةُ رَبّكَ لأَمْلأَنّ جَهَنّـمَ مِنَ الـجِنّةِ والنّاسِ أجمَعِينَ لعلـمه السابق فـيهم أنهم يستوجبون صِلِـيّها بكفرهم بـالله, وخلافهم أمره. وقوله: وَتـمّتْ كَلِـمَةُ رَبّكَ قسم كقول القائل: حلفـى لأزورنك, وبدا لـي لاَتـينك ولذلك تلقـيت بلام الـيـمين.
وقوله: مِنَ الـجِنّةِ وهي ما اجتنّ عن أبصار بنـي آدم والناس, يعنـي: وبنـي آدم. وقـيـل: إنهم سموا جنة, لأنهم كانوا علـى الـجنان. ذكر من قال ذلك:
14481ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عبد الله, عن إسرائيـل, عن السديّ, عن أبـي مالك: وإنـما سموا الـجنة أنهم كانوا علـى الـجنان, والـملائكة كلهم جِنة.
14482ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عبد الله, عن إسرائيـل, عن السديّ, عن أبـي مالك, قال: الـجِنّة: الـملائكة.
وأما معنى قول أبـي مالك هذا: أن إبلـيس كان من الـملائكة, والـجنّ ذرّيته, وأن الـملائكة تسمى عنده الـجنّ, لـما قد بـيّنت فـيـما مضى من كتابنا هذا.
الآية : 120
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَكُـلاّ نّقُصّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرّسُلِ مَا نُثَبّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَآءَكَ فِي هَـَذِهِ الْحَقّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَىَ لِلْمُؤْمِنِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: وكُلاّ نَقْصّ عَلَـيْكَ يا مـحمد مِنْ أنْبـاءِ الرّسُلِ الذين كانوا قبلك, ما نُثَبّتُ بِهِ فُؤَادَكَ فلا تـجزع من تكذيب من كذّبك من قومك وردّ علـيك ما جئتهم به, ولا يضق صدرك فتترك بعض ما أنزلت إلـيك من أجل أن قالوا: لَوْلا أُنْزِلَ عَلَـيْهِ كَنْزٌ أوْ جاء مَعَهُ مَلَكٌ إذا علـمت ما لقـى معن قبلك من رسلـي من أمـمها. كما:
14483ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قوله: وكُلاّ نَقُصّ علـيكَ مِنْ أنْبـاءِ الرّسُلِ ما نُثَبّت بِهِ فُؤدَاكَ قال: لتعلـم ما لفـيت الرسل قبلك من أمـمهم.
وأختلف أهل العربـية فـي وجه نصب «كلاّ», فقال بعض نـحويـي البصرة: نُصب علـى معنى: ونقصّ علـيك من أنبـاء الرسل ما نثبت به فؤادك كلاّ كأن الكل منصوب عنده علـى الـمصدر من نقص بتأويـل: ونقصّ علـيك ذلك كل القصص وقد أنكر ذلك قوله بعض أهل العربـية, وقال: ذلك غير جائز وقال إنـما نصبت «كلاّ» ب «نقصّ», لأن «كلاّ» بنـيت علـى الإضافة كان معها إضافة أو لـم يكن. وقال: أراد: كله نقصّ علـيك, وجعل «ما نثبت» ردّا علـى «كُلاّ». وقد بـيّنت الصواب من القول فـي ذلك.
وأما قوله: وَجاءَكَ فِـي هَذِهِ الـحَقّ فإن أهل التأويـل اختلفوا فـي تأويـله, فقال بعضهم: معناه: وجاءك فـي هذه السورة الـحقّ. ذكر من قال ذلك:
14484ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا شعبة, عن خـلـيد بن جعفر, عن أبـي إياس, عن أبـي موسى: وَجاءَكَ فِـي هَذِهِ الـحَقّ قال: فـي هذه السورة.
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, وحدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن شعبة, عن خـلـيد بن جعفر, عن أبـي إياس معاوية بن قرة, عن أبـي موسى, مثله.
14485ـ حدثنا ابن بشار, قال: ثنـي سعيد بن عامر, قال: حدثنا عوف, عن أبـي رجاء, عن ابن عبـاس, فـي قوله: وَجاءَكَ فِـي هَذِهِ الـحَقّ قال: فـي هذه السورة.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا يحيى بن آدم, عن أبـي عوانة, عن أبـي بشر, عن عمرو العنبري, عن ابن عبـاس: وَجاءَكَ فِـي هَذِهِ الـحَقّ قال: فـي هذه السورة.
حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي, عن أبـي عوانة, عن أبـي بشر, عن رجل من بنـي العنبر, قال: خطبنا ابن عبـاس فقال: وَجاءَكَ فِـي هَذِهِ الـحَقّ قال: فـي هذه السورة.
حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن الأعمش, عن سعيد بن جبـير, قال: سمعت ابن عبـاس قرأ هذه السورة علـى الناس حتـى بلغ: وَجاءَكَ فِـي هَذِهِ الـحَقّ قال فـي هذه السورة.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عمرو بن عون, قال: أخبرنا هشيـم, عن عوف, عن مروان الأصغر, عن ابن عبـاس أنه قرأ علـى الـمنبر: وَجاءَكَ فِـي هَذِهِ الـحَقّ فقال: فـي هذه السورة.
14486ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن أبـيه, عن لـيث, عن مـجاهد: وَجاءَكَ فِـي هَذِهِ الـحَقّ قال: فـي هذه السورة.
حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: وَجاءَكَ فـي هذه السورة.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد مثله.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, مثله.
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن شريك, عن عطاء, عن سعيد بن جبـير, مثله.
14487ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عبد الله, عن أبـي جعفر الرازي, عن الربـيع بن أنس, عن أبـي العالـية, قال: هذه السورة.
14488ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الرحمن بن سعيد, قال: أخبرنا أبو جعفر الرازي, عن الربـيع بن أنس, مثله.
14489ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا ابن علـية, قال: أخبرنا أبو رجاء, عن الـحسن, فـي قوله: وَجاءَكَ فِـي هَذِهِ الـحَقّ قال: فـي هذه السورة.
حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي, عن شعبة, عن أبـي رجاء, عن الـحسن, بـمثله.
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع. وكدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن شعبة, عن أبـي رجاء عن الـحسن. مثله.
حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا عبد الرحمن, عن أبـان بن تغلب, عن مـجاهد, مثله.
14490ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: وَجاءَكَ فِـي هَذِهِ الـحَقّ قال: فـي هذه السورة.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا آدم, قال: حدثنا شعبة, عن أبـي رجاء, قال: سمعت الـحسن البصري يقول فـي قول الله تعالـى: وَجاءَكَ فِـي هَذِهِ الـحَقّ قال: يعنـي فـي هذه السورة.
وقال آخرون: معنى ذلك: وجاءك فـي هذه الدنـيا الـحقّ. ذكر من قال ذلك:
14491ـ حدثنا مـحمد بن بشار ومـحمد بن الـمثنى, قالا: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن قتادة وَجاءَكَ فِـي هَذِهِ الـحَقّ قال: فـي هذه الدنـيا.
14492ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, وحدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن شعبة, عن قتادة: وَجاءَكَ فِـي هَذِهِ الـحَقّ قال: كان الـحسن يقول: فـي الدنـيا.
وأولـى التأويـلـين بـالصواب فـي تأويـل ذلك, قول من قال: وجاءك فـي هذه السورة الـحقّ لإجماع الـحجة من أهل التأويـل علـى أن ذلك تأويـله.
فإن قال قائل: أو لـم يجيء النبـي صلى الله عليه وسلم الـحقّ من سورة القرآن إلا فـي هذه السورة فـيقال وجاءك فـي هذه السورة الـحقّ؟ قـيـل له: بلـى قد جاءه فـيها كلها.
فإن قال: فما وجه خصوصه إذن فـي هذه السورة بقوله: وَجاءَكَ فِـي هَذِهِ الـحَقّ؟ قـيـل: إن معنى الكلام: وجاءك فـي هذه السورة الـحقّ مع ما جاءك فـي سائر سور القرآن, أو إلـى ما جاءك من الـحقّ فـي سائر سور القرآن, لا أن معناه: وجاءك فـي هذه السورة الـحقّ دون سائر سور القرآن.
وقوله: وَمَوعِظَةٌ يقول: وجاءك موعظة تعظ الـجاهلـين بـالله وتبـين لهم عِبره مـمن كفر به وكذّب رسله. وَذِكْرَى للْـموءْمِنِـينَ يقول: وتذكرة تذكر الـمؤمنـين بـالله ورسله كي لا يغفلوا عن الواجب لله علـيهم.
الآية : 121-122
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَقُل لّلّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ اعْمَلُواْ عَلَىَ مَكَانَتِكُمْ إِنّا عَامِلُونَ * وَانْتَظِرُوَاْ إِنّا مُنتَظِرُونَ }.
يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: وقل يا مـحمد للذين لا يصدّقونك ولا يقرّون بوحدانـية الله: اعْمَلُوا علـى مَكَانَتِكُمْ يقول: علـى هينتكم وتـمكنكم ما أنتـم عاملوه, فإنا عاملون ما نـحن عاملوه من الأعمال التـي أمرنا الله بها, وانتظروا ما وعدكم الشيطان, فإنا منتظرون ما وعدنا الله من حربكم ونصرتنا علـيكم. كما:
14493ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا حجاج, عن ابن جريج, فـي قوله: وَانْتَظِرُوا إنّا مُنْتَظِرُونَ قال: يقول: انتظروا مواعيد الشيطان إياكم علـى ما يزين لكم إنا منتظرون.
الآية : 123
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَللّهِ غَيْبُ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأمْرُ كُلّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبّكَ بِغَافِلٍ عَمّا تَعْمَلُونَ }.
يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: ولله يا مـحمد ملك كلّ ما غاب عنك فـي السماوات والأرض, فلـم تطلع عيه ولـم تعلـمه, كلّ ذلك بـيده وبعلـمه, لا يخفـى علـيه منه شيء, وهو عالـم بـما يعمله مشركو قومك وما إلـيه مصير أمرهم من إقامة علـى الشرك أو إقلاع عنه وتوبة. وإلَـيْهِ يُرْجَعُ الأمْر كُلّهُ يقول: وإلـى الله معاد كلّ عامل وعمله, وهو مـجاز جميعهم بأعمالهم. كما:
14494ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج: وَإلَـيْهِ يُرْجَعُ الأمْرُ كُلّهُ قال: فـيقضي بـينهم بحكمه بـالعدل. يقول: فـاعْبُدْهُ يقول: فـاعبد ربك يا مـحمد, وَتَوَكّلْ عَلَـيْهِ يقول: وفوّض أمرك إلـيه وثق به وبكفـايته, فإنه كافـى من توكل علـيه.
وقوله: وَمَا رَبّكَ بغافِلٍ عَمّا تَعْمَلُونَ يقول تعالـى ذكره: وما ربك يا مـحمد بساه عما يعمل هؤلاء الـمشركون من قومك, بل هو مـحيط به لا يعزب عنه شيء منه, وهو لهم بـالـمرصاد, فلا يحزنك إعراضهم عنك ولاتكذيبهم بـما جئتهم به من الـحقّ, وامض لأمر ربك فإنك بأعيننا.
14495ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا زيد بن الـحبـاب, عن جعفر بن سلـيـمان, عن أبـي عمران الـجونـي, عن عبد الله بن ربـاح, عن كعب, قال: خاتـمة التوراة, خاتـمة هود.

نهاية تفسير الإمام الطبرى لسورة هود

سورة يوسف
مكية
وآياتها إحدى عشرة ومائة
القول فـي تفسير السورة التـي يذكر فـيها يوسف:
بسم الله الرحمَن الرحيـم
الآية : 1
{الَر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ }.
قال أبو جعفر مـحمد بن جرير: قد ذكرنا اختلاف أهل التأويـل فـي تأويـل قوله: الر تِلْكَ آياتُ الكِتابِ الـمُبِـينِ, والقول الذي نـختاره فـي تأويـل ذلك فـيـما مضى بـما أغنى عن إعادته ههنا.
وأما قوله: تِلْكَ آياتُ الكِتابِ الـمُبِـينِ فإن أهل التأويـل اختلفوا فـي تأويـله, فقال بعضهم: معناه: تلك آيات الكتاب الـمبـين: بـين حلاله وحرامه, ورشده وهداه. ذكر من قال ذلك:
14496ـ حدثنـي سعيد بن عمرو السكونـي, قال: حدثنا الولـيد بن سلـمة الفلسطينـي, قال: أخبرنـي عبد الوهاب بن مـجاهد, عن أبـيه, فـي قول الله تعالـى: الر تِلْكَ آياتُ الكِتابِ الـمُبِـينِ قال: بـين حلاله وحرامه.
14497ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: الر تِلْكَ آياتُ الكِتابِ الـمُبِـينِ أي والله لـمبـين تركيبه هداه ورشده.
حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة, فـي قوله: الر تِلْكَ آياتُ الكِتابِ الـمُبِـينِ قال: بـين الله رشده وهداه.
وقال آخرون فـي ذلك بـما:
14498ـ حدثنـي سعيد بن عمرو السكونـي, قال: حدثنا الولـيد بن سلـمة, قال: حدثنا ثور بن يزيد, عن خالد بن معدان, عن معاذ أنه قال فـي قول الله عزّ وجلّ: الكِتابِ الـمُبِـينِ قال بـين الـحروف التـي سقطت عن ألسن الأعاجم وهي ستة أحرف.
والصواب من القول فـي ذلك عندي أن يقال: معناه: هذه آيات الكتاب الـمبـين, لـمن تلاه وتدبر ما فـيه من حلاله وحرامه ونهيه وسائر ما حواه من صنوف معانـيه لأن الله جلّ ثناؤه أخبر أنه مبـين, ولـم يخصّ إبـانته عن بعض ما فـيه دون جميعه, فذلك علـى جميعه, إذ كان جميعه مبـينا عما فـيه.
الآية : 2
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِنّآ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لّعَلّكُمْ تَعْقِلُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: إنا أنزلنا هذا الكتاب الـمبـين قرآنا عربـيّا علـى العرب, لأن لسانهم وكلامهم عربـي, فأنزلنا هذا الكتاب بلسانهم لـيعقلوه ويفقهوا منه, وذلك قوله عزّ وجلّ: لَعَلّكُمْ تَعْقلُونَ.
الآية : 3
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {نَحْنُ نَقُصّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ هَـَذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ }.
يقول جلّ ثناؤه لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: نـحن نقصّ علـيك يا مـحمد أحسن القصص بوحينا إلـيك هذا القرآن, فنـخبرك فـيه عن الأخبـار الـماضية وأنبـاء الأمـم السالفة والكتب التـي أنزلناها فـي العصور الـخالـية. وَإنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَـمِنَ الغَافِلـينَ يقول تعالـى ذكره: وإن كنت يا مـحمد من قبل أن نوحيه إلـيك لـمن الغافلـين عن ذلك, لا تعلـمه ولا شيئا منه. كما:
14499ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: نَـحْنُ نَقُصّ عَلَـيْكَ أحْسَنَ القَصَصِ من الكتب الـماضية وأمور الله السالفة فـي الأمـم, وَإنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَـمِنَ الغافِلـينَ.
وذكر أن هذه الآية نزلت علـى رسول الله صلى الله عليه وسلم لـمسألة أصحابه إياه أن يقصّ علـيهم. ذكر الرواية بذلك:
14500ـ حدثنـي نصر بن عبد الرحمن الأودي, قال: حدثنا حكام الرازي, عن أيوب, عن عمرو الـملائي, عن ابن عبـاس, قال: قالوا: يا رسول الله, لو قصصت علـينا قال: فنزلت: نَـحْنُ نَقُصّ عَلَـيْكَ أحْسَنَ القَصَصِ.
14501ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, عن أيوب بن سيار أبـي عبد الرحمن, عن عمرو بن قـيس, قال: قالوا: يا نبـيّ الله, فذكر مثله.
14502ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن الـمسعودي, عن عون بن عبد الله, قال: ملّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مَلّةً, فقالوا: يا رسول الله حدّثنا فأنزل الله عزّ وجل: أللّهُ نَزّلَ أحْسَنَ الـحَدِيثِ. ثم ملوا ملة أخرى فقالوا: يا رسول الله حدّثنا فوق الـحديث ودون القرآن يعنون القصص. فأنزل الله: الر تِلْكَ آياتُ الكِتابِ الـمُبِـينِ إنّا أنْزَلْناهُ قُرآنا عَرَبِـيّا لَعَلّكُمْ تَعْقِلُونَ نَـحْنُ نَقُصّ عَلَـيْكَ أحْسَنَ القَصَصِ بِـمَا أوْحَيْنا إلَـيْكَ هَذَا القُرآنَ وَإنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَـمِنَ الغافِلِـينَ. فأرادوا الـحديث فدلهم علـى أحسن الـحديث, وأرادوا القصص فدلهم علـى أحسن القصص.
14503ـ حدثنا مـحمد بن سعيد العطار, قال: حدثنا عمرو بن مـحمد, قال: أخبرنا خلاد الصفـار, عن عمرو بن قـيس, عن عمرو بن مرة, عن مصعب بن سعد, عن سعد, قال: أنزل علـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم القرآن, قال: فتلاه علـيهم زمانا, فقالوا: يا رسول الله, لو قصصت علـينا فأنزل الله: الر تِلْكَ آياتُ الكِتابِ الـمُبِـينِ... إلـى قوله: لَعَلّكُمْ تَعْقِلُونَ... الآية. قال: ثم تلاه علـيهم زمانا, فقالوا: يا رسول الله لو حدثتنا فأنزل الله تعالـى: اللّهُ نَزّلَ أحْسَنَ الـحَدِيثِ كِتابـا مُتَشابِها قال خلاد: وزادوا فـيه رجلاً آخر, قالوا: يا رسول الله, أو قال أبو يحيى: ذهبت من كتابـي كلـمة, فأنزل الله: أَلـمْ يَأنِ للّذِينَ آمَنُوا أنْ تَـخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللّهِ.
الآية : 4
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأبِيهِ يَأَبتِ إِنّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ }.
يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: وإن كنت يا مـحمد لـمن الغافلـين عن نبإ يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيـم, إذ قال لأبـيه يعقوب بن إسحاق: يا أبت إنـي رأيت أحد عشر كوكبـا يقول: إنـي رأيت فـي منامي أحد عشر كوكبـا. وقـيـل: إن رؤيا الأنبـياء كانت وحيا.
14504ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا سفـيان, عن سماك بن حرب, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس, فـي قوله: إنّـي رأيْتُ أحَدَ عَشَرَ كَوْكَبـا والشّمْسَ والقَمَرَ رأيْتُهُمْ لـي ساجِدِينَ قال: كانت رؤيا الأنبـياء وحيا.
14505ـ وحدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبو أسامة, عن سفـيان, عن سماك, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس: إنّـي رأيْتُ أحَدَ عَشَرَ كَوْكَبـا قال: كانت الرؤيا فـيهم وحيا.
وذكر أن الأحد العشر الكواكب التـي رآها فـي منامه ساجدة مع الشمس والقمر, ما:
14506ـ حدثنـي علـيّ بن سعيد الكندي, قال: حدثنا الـحكم بن ظهير, عن السديّ, عن عبد الرحمن بن سابط, عن جابر, قال: أتـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم رجل من يهود يقال له بستانة الـيهودي, فقال له: يا مـحمد أخبرنـي عن الكواكب التـي رآها يوسف ساجدة له, ما أسماؤها؟ قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم, فلـم يجبه بشيء, ونزل علـيه جبرئيـل وأخبره بأسمائها. قال: فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلـيه, فقال: «هَلْ أنْتَ مُؤْمِنٌ إنْ أخْبَرْتُكَ بأسْمائها؟» قال: نعم, فقال: «جَرْبـانُ والطّارِقُ, والذّيّالُ, وذُو الكَتِفَـينِ, وقابسٌ, وَوَثّابٌ وَعمودَانِ, والفَلِـيقُ, والـمُصْبَحُ, والضّرُوحُ, وَدُو الفَرْغِ, والضّياءُ, والنورُ». فقال الـيهوديّ: والله إنها لأسماؤها.
وقوله: والشّمْسَ والقَمَرَ رأيْتُهُمْ لـي ساجِدِينَ يقول: والشمس والقمر رأيتهم فـي منامي سجودا. وقال ساجِدِين والكواكب والشمس والقمر إنـما يخبر عنها بفـاعلة وفـاعلات, لا بـالواو والنون, إنـما هي علامة جمع أسماء ذكور بنـي آدم أو الـجنّ أو الـملائكة. وإنـما قـيـل ذلك كذلك, لأن السجود من أفعال من يجمع أسماء ذكورهم بـالـياء والنون, أو الواو والنون, فأخرج جمع أسمائها مخرج جمع أسماء من يفعل ذلك, كما قـيـل: يا أيّها النّـمْلُ ادْخُـلُوا مَساكِنَكُمْ. وقال: «رأيتهم» وقد قـيـل: إنـي رأيت أحد عشر كوكبـا, فكرّر الفعل, وذلك علـى لغة من قال: كلـمت أخاك كلـمته, توكيدا للفعل بـالتكرير.
وقد قـيـل: إن الكواكب الأحد عشر كانت إخوته, والشمس والقمر أبويه. ذكر من قال ذلك:
14507ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: إذْ قالَ يُوسُفُ لاَءَبِـيهِ يا أبَتِ إنّـي رأيْتُ أحَدَ عَشَرَ كَوْكَبـا إخوته أحد عشر كوكبـا, والشمس والقمر, يعنـي بذلك: أبويه.
14508ـ حدثنـي الـحرث, قال: ثنـي عبد العزيز, قال: حدثنا شريك, عن السديّ, فـي قوله: إنّـي رأيْتُ أحَدَ عَشَرَ كَوْكَبـا والشّمْسَ والقَمَرَ... الآية, قال: رأى أبويه وإخوته سجودا له. فإذا قـيـل له عمن قال إن كان حقّا, فإن ابن عبـاس فسره.
حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة, فـي قوله: أحَدَ عَشَرَ كَوْكَبـا والشّمْسَ والقَمَرَ رأيْتُهُمْ لـي ساجدِينَ قال: الكواكب: إخوته, والشمس والقمر: أبواه.
14509ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قوله: إنّـي رأيْتُ أحَدَ عَشَرَ كَوْكَبـا إخوته والشّمْسَ أمه والقَمَرَ أبوه.
14510ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: قال سفـيان: كان أبويه وإخوته.
14511ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج, قال: سمعت أبـا معاذ, قال: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان, قال: سمعت الضحاك, قوله: إنّـي رأيْتُ أحَدَ عَشَرَ كَوْكَبـا هم إخوة يوسف والشّمْسَ والقَمَر هما أبواه.
14512ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: يا أبَتِ إنّـي رأيْتُ أحَدَ عَشَرَ كَوْكَبـا.... الآية, قال: أبواه وإخوته. قال: فنعاه إخوته وكانوا أنبـياء, فقالوا: ما رضي أن يسجد له إخوته حتـى سجد له أبواه حين بلغهم.
ورُوى عن ابن عبـاس أنه قال: الكواكب إخوته, والشمس والقمر: أبوه وخالته, من وجه غير مـحمود, فكرهت ذكره