تفسير الطبري تفسير الصفحة 236 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 236
237
235
 الآية : 5
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ يَبُنَيّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىَ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْداً إِنّ الشّيْطَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوّ مّبِينٌ }.
يقول جلّ ذكره قالَ يعقوب لابنه يوسف: يا بُنَـيّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ هذه عَلـى إخْوَتِكَ فـيحسدوك فَـيَكِيدُوا لَكَ كَيْدا يقول: فـيبغوك الغوائل, ويناصبوك العداوة, ويطيعوا فـيك الشيطان. إنّ الشّيْطانَ للإِنْسانِ عَدُوّ مُبِـينٌ يقول: إن الشيطان لاَدم وبنـيه عدوّ, وقد أبـان لهم عداوته وأظهرها. يقول: فـاحذر الشيطان أن يغري إخوتك بك بـالـحسد منهم لك إن أنت قصصت علـيهم رؤياك. وإنـما قال يعقوب ذلك, لأنه قد كان تبـين له من أخوته قبل ذلك حسده. كما:
14513ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عمرو بن مـحمد العنقزي, عن أسبـاط, عن السديّ, قال: نزل يعقوب الشام, فكان همه يوسف وأخاه, فحسده إخوته لـما رأوا حبّ أبـيه له, ورأى يوسف فـي الـمنام كأن أحد عشر كوكبـا والشمس والقمر رآهم له ساجدين, فحدّث بها أبـاه فقال: يا بُنـيّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ علـى إخْوَتِكَ فَـيَكِيدُوا لَكَ كَيْدا.... الآية.
واختلف أهل العربـية فـي وجه دخول اللام فـي قوله: فَـيَكِيدُوا لَكَ كَيْدا فقال بعض نـحويـي البصرة: معناه: فـيتـخذوا لك كيدا, ولـيست مثل: إنْ كُنْتُـمْ للرّؤْيا تَعْبُرُونَ تلك أرادوا أن يوصل الفعل إلـيها بـاللام كما يوصل بـالبـاء, كما تقول: قدمت له طعاما, تريد قدّمت إلـيه. وقال: يَأْكُلْنَ ما قَدّمْتُـمْ لَهُنّ, ومثله قوله: قُلِ اللّهُ يَهْدِي للـحَقّ قال: وإن شئت كان: فـيكيدوا لك كيدا, فـي معنى: فـيكيدوك, وتـجعل اللام مثل: لِرَبّهمْ يَرْهَبُونَ وقد قال «لربهم يرهبون» إنـما هو بـمكان: «ربهم يرهبون». وقال بعضهم: أدخـلت اللام فـي ذلك, كما تدخـل فـي قولهم: حمدت لك وشكرت لك, وحمدتك وشكرتك, وقال: هذه لام علـيها الفعل, فكذلك قوله: فـيَكيدُوا لَكَ كَيْدا تقول: فـيكيدوك, ويكيدوا لك فـيقصدوك, ويقصدوا لك, قال: «وكيدا»: توكيد.
الآية : 6
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبّكَ وَيُعَلّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأحَادِيثِ وَيُتِمّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَىَ آلِ يَعْقُوبَ كَمَآ أَتَمّهَآ عَلَىَ أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنّ رَبّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }.
: «يقول تعالـى ذكره مخبرا عن قـيـل يعقوب لابنه يوسف لـما قصّ علـيه رؤياه: وكذلكَ يَجْتَبِـيكَ رَبّكَ وهكذا يجتبـيك ربك. يقول: كما أراك ربك الكواكب والشمس والقمر لك سجودا, فكذلك يصطفـيك ربك. كما:
14514ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عمرو العنقزي, عن أبـي بكر الهذلـيّ, عن عكرمة: وكذلكَ يَجْتَبـيكَ رَبّكَ قال: يصطفـيك.
14515ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وكذلكَ يَجْتَبِـيكَ رَبّكَ وَيُعَلّـمُكَ مِنْ تَأْوِيـلِ الأحادِيثِ فـاجتبـاه واصطفـاه وعلـمه من عَبر الأحاديث, وهو تأويـل الأحاديث.
وقوله: وَيُعَلّـمُكَ مِنْ تَأْوِيـلِ الأحادِيثِ يقول: ويعلـمك ربك من علـم ما يؤول إلـيه أحاديث الناس عما يرونه فـي منامهم, وذلك تعبـير الرؤيا.
14516ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد: وَيُعَلّـمُكَ مِنْ تَأْوِيـلِ الأحادِيثِ قال: عبـارة الرؤيا.
14517ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وَيُعَلّـمُكَ مِنْ تَأْوِيـلِ الأحادِيثِ قال: تأويـل الكلام: العلـم والـحلـم, وكان يوسف أعبر الناس. وقرأ: ولَـمّا بَلَغَ أشُدّهُ آتَـيْناهُ حُكْما وَعِلْـما.
وقوله: ويُتِـمّ نِعْمَتَهُ عَلَـيْكَ بـاجتبـائه إياك واخيتاره وتعلـيـمه إياك تأويـل الأحاديث. وَعلـى آلِ يَعْقُوبَ يقول: وعلـى أهل دين يعقوب وملته من ذرّيته وغيرهم. كمَا أتَـمّها علـى أبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إبْرَاهِيـمَ وإسْحاقَ بـاتـخاذه هذا خـلـيلاً وتنـجيته من النار, وفدية هذا بذبح عظيـم. كالذي:
14518ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, قال: أخبرنا أبو إسحاق, عن عكرمة, فـي قوله: وَيُتـمّ نِعْمَتَهُ عَلَـيْكَ وَعلـى آلِ يَعْقُوبَ كمَا أتَـمّها علـى أبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إبْرَاهِيـمَ وَإسْحاقَ قال: فنعمته علـى إبراهيـم أن نـجاه من النار, وعلـى إسحاق أن نـجاه من الذبح.
وقوله: إنّ رَبّكَ عَلِـيـمٌ حَكِيـمٌ يقول: إن ربك علـيـم بـمواضع الفضل, ومن هو أهل للاجتبـاء والنعمة, حكيـم فـي تدبـيره خـلقه.
الآية : 7
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {لّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لّلسّائِلِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: لَقَدْ كانَ فِـي يُوسُفَ وإخُوَتِهِ الأحد عشر آياتٌ يعنـي عبرَ وذكر للسّائِلِـينَ يعنـي السائلـين عن أخبـارهم وقصصهم. وإنـما أراد جلّ ثناؤه بذلك نبـيه مـحمدا صلى الله عليه وسلم, وذلك أنه يقال: إن الله تبـارك وتعالـى إنـما أنزل هذه السورة علـى نبـيه يعلـمه فـيها ما لقـي يوسف من إخوته وإذايته من الـحسد, مع تكرمة الله إياه, تسلـية له بذلك مـما يـلقـى من إذايته وأقاربه من مشركي قريش. كذلك كان ابن إسحاق يقول.
14519ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, قال: إنـما قصّ الله تبـارك وتعالـى علـى مـحمد خبر يوسف وبغي إخوته علـيه وحسدهم إياه حين ذكر رؤياه لـما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم من بغي قومه وحسده حين أكرمه الله عزّ وجلّ بنبوّته لـيتأسى به.
واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: آياتٌ للسّائِلِـينَ فقرأته عامّة قرّاء الأمصار «آياتٌ» علـى الـجماع. ورُوى عن مـجاهد وابن كثـير أنهما قرءا ذلك علـى التوحيد.
والذي هو أولـى القراءتـين بـالصواب قراءة من قرأ ذلك علـى الـجماع, لإجماع الـحجة من القرّاء علـيه.
الآية : 8
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبّ إِلَىَ أَبِينَا مِنّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مّبِينٍ }.
يقول تعالـى ذكره: لقد كان فـي يوسف وإخوته آيات لـمن سأل عن شأنهم حين قالوا إخوة يوسف لَـيُوسُفُ وأخُوهُ مِنْ أمه أحَبّ إلـى أبِـينا مِنّا ونَـحْنُ عُصْبَةٌ يقولون: ونـحن جماعة ذوو عدد أحد عشر رجلاً. والعصبة من الناس هم عشرة فصاعدا, قـيـل إلـى خمسة عشر فصاعدا عشر, لـيس لها واحد من لفظها, كالنفر والرهط. إنّ أبـانا لَفِـي ضَلالٍ مُبِـينٍ يعنون: إن أبـانا يعقوب لفـي خطأ من فعله فـي إيثاره يوسف وأخاه من أمه علـينا بـالـمـحبة, ويعنـي بـالـمبـين أنه خطأ, يبـين عن نفسه أنه خطأ لـمن تأمله ونظر إلـيه.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
14520ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عمرو بن مـحمد العنقزي, عن أسبـاط, عن السديّ: إذْ قالُوا لَـيُوسُفُ وأخُوهُ أحَبّ إلـي أبِـينا مِنا قال: يعنون بنـيامين. قال: وكانوا عشرة.
14521ـ قال: حدثنا عمرو بن مـحمد, عن أسبـاط, عن السديّ: إنّ أبـانا لَفِـي ضَلالٍ مُبِـينٍ قال: فـي ضلال من أمرنا.
14522ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: ونَـحْنُ عُصْبَةٌ قال: العصبة: الـجماعة.
الآية : 9
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْماً صَالِحِينَ }.
يقول جلّ ثناؤه: قال إخوة يوسف بعضهم لبعض: اقتلوا يوسف أو اطرحوه فـي أرض من الأرض, يعنون مكانا من الأرض. يَخْـلُ لَكُمْ وَجْهُ أبِـيكُمْ يعنون: يخـل لكم وجه أبـيكم من شغله بـيوسف, فإنه قد شغله عنا وصرف وجهه عنا إلـيه. وتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْما صَالِـحِينَ يعنون أنهم يتوبون من قتلهم يوسف وذنبهم الذي يركبونه فـيه, فـيكونون بتوبتهم من قتله من بعد هلاك يوسف قوما صالـحين.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
14523ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عمرو بن مـحمد, عن أسبـاط, عن السديّ: اقْتُلُوا يُوسُفَ أوِ اطْرَحُوهُ أرْضا يَخْـلُ لَكُمْ وَجْهُ أبِـيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْما صَالِـحِينَ قال: تتوبون مـما صنعتـم, أو من صنـيعكم.
الآية : 10
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ قَآئِلٌ مّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السّيّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: قال قائل من إخوة يوسف: لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ, وقـيـل إن قائل ذلك روبـيـل كان ابن خالة يوسف. ذكر من قال ذلك:
14524ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ ذكر لنا أنه روبـيـل كان أكبر القوم, وهو ابن خالة يوسف, فنهاهم عن قتله.
14525ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق: اقْتُلُوا يُوسُفَ... إلـى قوله: إنْ كُنْتُـمْ فـاعِلِـينَ قال: ذكر لـي والله أعلـم أن الذي قال ذلك منهم روبـيـل الأكبر من بنـي يعقوب, وكان أقصدهم فـيه رأيا.
حدثنا الـحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة, قوله: لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ قال: كان أكبر إخوته, وكان ابن خالة يوسف, فنهاهم عن قتله.
وقـيـل: كان قائل ذلك منهم شمعون. ذكر من قال ذلك:
14526ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله بن الزبـير, عن سفـيان, عن ابن جريج, عن مـجاهد, فـي قوله: قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ قال: هو شمعون.
وقوله: وألْقُوهُ فِـي غَيابَتِ الـجُبّ يقول: وألقوه فـي قعر الـجبّ حيث يغيب خبره.
واختلفت القراء فـي قراءة ذلك, فقرأته عامّة قرّاء أهل الـمدينة: «غَيابـاتِ الـجُبّ» علـى الـجماع. وقرأ ذلك عامة قرّاء سائر الأمصار: غَيابَةِ الـجُبّ بتوحيد الغيابة. وقراءة ذلك بـالتوحيد أحبّ إلـيّ.
والـجبّ: بئر. وقـيـل: إنه اسم بئر ببـيت الـمقدس. ذكر من قال ذلك:
14527ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: فِـي غَيابَةِ الُـجْبّ قال: بئر ببـيت الـمقدس.
حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة, فـي قوله: غَيابَةِ الـجُبّ قال: بئر ببـيت الـمقدس.
والغيابة: كل شيء غيب شيئا فهو غيابة, والـجبّ: البئر غير الـمطوية.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
14528ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة: فِـي غَيابَةِ الـجُبّ فـي بعض نواحيها: فـي أسفلها.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وألْقُوهُ فِـي غَيابَةِ الـجُبّ يقول: فـي بعض نواحيها.
حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا عبد الوهاب, عن سعيد, عن قتادة, مثله.
14529ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قال: قال ابن عبـاس: وألْقُوهُ فِـي غَيابَةِ الـجُبّ قال: قالها كبـيرهم الذي تـخـلف. قال: والـجبّ: بئر بـالشأم.
14530ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس: ألْقُوهُ فِـي غَيابَةِ الـجُبّ يعنـي: الركية.
14531ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج, قال: سمعت أبـا معاذ, قال: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان, قال: سمعت الضحاك يقول: الـجبّ: البئر.
وقوله: يَـلْتَقِطْهُ بَعْضُ السّيّارَةِ يقول: يأخذه بعض مارّة الطريق من الـمسافرين. إنْ كُنْتُـمْ فـاعِلِـينَ يقول: إن كنتـم فـاعلـين ما أقول لكم. فذكر أنه التقطه بعض الأعراب.
14532ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قال: قال ابن عبـاس: يَـلْتَقِطْهُ بَعْضُ السّيّارَةِ قال: التقطه ناس من الأعراب.
وذُكر عن الـحسن البصري أنه قرأ: «تَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السّيّارَةِ» بـالتاء.
14533ـ حدثنـي بذلك أحمد بن يوسف, قال: حدثنا القاسم, قال: ثنـي حجاج, عن هارون, عن مطر الورّاق, عن الـحسن.
وكأن الـحسن ذهب فـي تأنـيثه بعض السيارة إلـى أن فعل بعضها فعلها, والعرب تفعل ذلك فـي خبر كان عن الـمضاف إلـى مؤنث يكون الـخبر عن بعضه خبرا عن جميعه, وذلك كقول الشاعر:
أرَى مَرّ السّنِـينَ أخَذْنَ مِنّـيكمَا أخَذَ السّرَارُ مِنَ الهِلالِ
فقال: «أخذن منـي», وقد ابتدأ الـخبر عن الـمراد, إذ كان الـخبر عن الـمرّ خبرا عن السنـين, وكما قال الاَخر:
إذا ماتَ مِنْهُمْ سَيّدٌ قامَ سَيّدٌفَدَانَتْ لهُ أهْلُ القُرَى والكَنائِسِ
فقال: «دانت له», والـخبر عن أهل القرى, لأن الـخبر عنهم كالـخبر عن القرى. ومن قال ذلك, لـم يقل: فدانت له غلام هند, لأن الغلام لو ألقـى من الكلام لـم تدلّ هند علـيه, كما يدل الـخبر عن القرية علـى أهلها. وذلك أنه لو قـيـل: فدانت له القرى, كان معلوما أنه خبر عن أهلها, وكذلك بعض السيارة, لو ألقـى البعض, فقـيـل: تلتقطه السيارة, علـم أنه خبر عن البعض أو الكلّ, ودلّ علـيه الـخبر عن السيارة.
الآية : 11
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالُواْ يَـأَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنّا عَلَىَ يُوسُفَ وَإِنّا لَهُ لَنَاصِحُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: قال إخوة يوسف إذ تآمروا بـينهم, وأجمعوا علـى الفرقة بـينه وبـين والده يعقوب لوالدهم يعقوب: يا أبـانا ما لَكَ لاَ تأْمَنّا علـى يوسُفَ فتتركه معنا إذا نـحن خرجنا خارج الـمدينة إلـى الصحراء, ونَـحْنَ لَهُ ناصحُونَ نـحوطه ونكلؤه.
الآية : 12
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنّا لَهُ لَحَافِظُونَ }.
واختلفت القراء فـي قراءة ذلك, فقرأته عامة قرّاء أهل الـمدينة: «يَرْتَعِ ويَـلْعَبْ» بكسر العين من يرتع وبـالـياء فـي يرتع ويـلعب, علـى معنى «يفتعل» من الرعي: ارتعيت فأنا أرتعي. كأنهم وجهوا معنى الكلام إلـى: أرسله معنا غدا يرتع الإبل, ويـلعب. وَإنّا لَهُ لـحَافِظُونَ.
وقرأ ذلك عامة قرّاء أهل الكوفة: أرْسِلْهُ مَعَنا غَدا يَرْتَعْ وَيَـلْعَبْ بـالـياء فـي الـحرفـين جميعا وتسكين العين, من قولهم: رتع فلان فـي ماله: إذا لهى فـيه ونعم وأنفقه فـي شهواته, ومن ذلك قولهم فـي مثل من الأمثال: «القَـيْدُ والرّتَعَة» ومنه قول القطامي:
أكُفْرا بَعْدَ رَدّ الـمَوْتِ عَنّـيوبعدَ عَطائِكَ الـمِئَةَ الرّتاعَا
وقرأ بعض أهل البصرة: «نَرْتَعْ» بـالنون «وَنَلْعَب» بـالنون فـيهما جميعا, وسكون العين من «نرتع».
14534ـ حدثنـي أحمد بن يوسف, قال: حدثنا القاسم, قال: حدثنا حجاج, عن هارون, قال: كان أبو عمرو يقرأ: «نَرْتَع وَنَلْعَبْ» بـالنون, قال: فقلت لأبـي عمرو: كيف يقولون نلعب وهم أنبـياء؟ قال: لـم يكونوا يومئذ أنبـياء.
وأولـى القراءة فـي ذلك عندي بـالصواب, قراءة من قرأه فـي الـحرفـين كلـيهما بـالـياء وبجزم العين فـي «يرتعْ». لأن القوم إنـما سألوا إياهم إرسال يوسف معهم, وخدعوه بـالـخبر عن مسألتهم إياه ذلك عما لـيوسف فـي إرساله معهم من الفرح والسرور والنشاط بخروجه إلـى الصحراء وفسحتها ولعبه هنالك, لا بـالـخبر عن أنفسهم. وبذلك أيضا جاء تأويـل أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
14535ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: أرْسِلْهُ مَعَنا غَدا يَرْتَعْ وَيَـلْعَبْ يقول: يسع وينشط.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قال: قال ابن عبـاس: يَرْتَعْ وَيَـلْعَبْ قال: يـلهو, وينشط, ويسعى.
14536ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: أرْسِلْهُ مَعَنا غَدا يَرْتَعْ وَيَـلْعَبْ قال: ينشط, ويـلهو.
حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا عبد الوهاب, عن سعيد, عن قتادة, بنـحوه.
حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: يَرْتَعْ وَيَـلْعَبْ قال: يسعى, ويـلهو.
14537ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي هشيـم, عن جويبر, عن الضحاك, قوله: يَرْتَعْ وَيَـلْعَبْ قال: يتلهى ويـلعب.
حُدثت عن الـحسين بن الفرج, قال: سمعت أبـا معاذ, قال: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: يَرْتَعْ وَيَـلْعَبْ قال: يتلهى ويـلعب.
14538ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عمرو بن مـحمد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: يَرْتَعْ وَيَـلْعَبْ قال: ينشط ويـلعب.
قال: حدثنا عمرو, عن أسبـاط, عن السديّ: أرْسِلْهُ مَعَنا غَدا يَرْتَعْ وَيَـلْعَبْ: يـلهو.
قال: حدثنا حسين بن علـيّ, عن شيبـان, عن قتادة: أرْسِلْهُ مَعَنا غَدا يَرْتَعْ وَيَـلْعَبْ قال: ينشط, ويـلعب.
حدثنـي الـحرث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال: حدثنا نعيـم بن ضمضم العامري, قال: سمعت الضحاك بن مزاحم, فـي قوله: أرْسِلْهُ مَعَنا غَدا يَرْتَعْ وَيَـلْعَبْ قال: يسعى, وينشط.
وكأن الذين يقرءون ذلك: «يَرْتَعِ وَيَـلْعَبْ» بكسر العين من يرتعِ, يتأوّلونه علـى الوجه الذي:
14539ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: «أرْسِلْهُ مَعَنا غَدا يَرْتَعْ وَيَـلْعَبْ» قال: يرعي غنـمه, وينظر ويعقل, فـيعرف ما يعرف الرجل.
وكان مـجاهد يقول فـي ذلك بـما:
14540ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا شبـابة, قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: «نَرْتَعِ»: يحفظ بعضنا بعضا, نتكالأ, نتـحارس.
حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: «نَرْتَعِ» قال: يحفظ بعضنا بعضا, نتكالأ.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد. وحدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله بن أبـي جعفر, عن وَرْقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, بنـحوه.
14541ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, بنـحوه.
فتأويـل الكلام: أرسله معنا غدا نلهو ونلعب وننعم, وننشط فـي الصحراء, ونـحن حافظوه من أن يناله شيء يكرهه أو يؤذيه.
الآية : 13
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ إِنّي لَيَحْزُنُنِيَ أَن تَذْهَبُواْ بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: قال يعقوب لهم: إنـي لـيحزننـي أن تذهبوا به معكم إلـى الصحراء, مخافة علـيه من الذئب أن يأكله وأنتـم عنه غافلون لا تشعرون.
الآية : 14
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالُواْ لَئِنْ أَكَلَهُ الذّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنّآ إِذَاً لّخَاسِرُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: قال إخوة يوسف لوالدهم يعقوب: لئن أكل يوسف الذئب فـي الصحراء, ونـحن أحد عشر رجلاً معه نـحفظه, وهم العصبة إنّا إذا لـخَاسِرُونَ يقول: إنا إذا لعجزة هالكون