سورة يوسف | للقراءة من المصحف بخط كبير واضح
استماع mp3 | الجلالين&الميسر | تفسير الشوكاني |
إعراب الصفحة | تفسير ابن كثير | تفسير القرطبي |
التفسير المختصر | تفسير الطبري | تفسير السعدي |
تفسير الطبري تفسير الصفحة 248 من المصحف
تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 248
249
247
الآية : 104
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلاّ ذِكْرٌ لّلْعَالَمِينَ }.
يقول تعالـى ذكره لـمـحمد صلى الله عليه وسلم: وما تسأل يا مـحمد هؤلاء ينكرون نبوّتك ويـمتنعون من تصديقك والإقرار بـما جئتهم به من عند ربك علـى ما تدعوهم إلـيه من إخلاص العبـادة لربك وهجر عبـادة الأوثان وطاعة الرحمن مِنْ أَجْرٍ يعنـي من ثواب وجزاء منهم, بل إنـما ثوابك وأجر عملك علـى الله, يقول: ما تسألهم علـى ذلك ثوابـا, فـيقولوا لك: إنـما تريد بدعائك إيانا إلـى اتبـاعك لننزل لك عن أموالنا إذا سألتنا ذلك, وإذ كنت لا تسألهم ذلك فقد كان حقا علـيهم أن يعلـموا أنك إنـما تدعوهم إلـى ما تدعوهم إلـيه اتبـاعا منك لأمر ربك ونصيحة منك لهم, وأن لا يستغشوك.
وقوله: إن هُوَ إلاّ ذِكْرٌ للعالَـمِينَ يقول تعالـى ذكره: ما هذا الذي أرسلك به ربك يا مـحمد من النبوّة والرسالة إلا ذكر, يقول: إلا عظة وتذكير للعالـمين, لـيتعظوا ويتذكروا به.
الآية : 105
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَكَأَيّن مّن آيَةٍ فِي السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ يَمُرّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ }.
يقول جلّ وعزّ: وكم من آية فـي السموات والأرض لله, وعبرة وحجة, وذلك كالشمس والقمر والنـجوم ونـحو ذلك من آيات السموات وكالـجبـال والبحار والنبـات والأشجار, وغير ذلك من آيات الأرض يَـمُرّونَ عَلَـيْها يقول: يعاينونها فـيـمرّون بها معرضين عنها لا يعتبرون بها ولا يفكرون فـيها وفـيـما دلت علـيه من توحيد ربها, وأن الأولوهة لا تبتغي إلا للواحد القهار الذي خـلقها وخـلق كلّ شيء فدبرها.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
15244ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: وكأيّنْ مِنْ آيَةٍ فِـي السّمَوَاتِ والأرْضِ يَـمُرّونَ عَلَـيْها وهي فـي مصحف عبد الله: «يـمشون علـيها» السماء والأرض آيتان عظيـمتان.
الآية : 106
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاّ وَهُمْ مّشْرِكُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: وما يقر أكثر هؤلاء الذين وصف عزّ وجلّ صفتهم بقوله: وكأيّنْ مِنْ آيَةٍ فِـي السّمَواتِ والأرْضِ يَـمْرّونَ عَلَـيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ بـالله, أنه خالقه ورازقه وخالق كلّ شيء, إلا وهم به مشركون فـي عبـادتهم الأوثان والأصنام, واتـخاذهم من دونه أربـابـا, وزعمهم أنه له ولدا, تعالـى الله عما يقولون.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
15245ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عمران بن عيـينة, عن عطاء بن السائب, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس: وَما يُؤْمِنُ أكْثَرُهُمْ بـاللّهِ... الآية, قال: من إيـمانهم إذا قـيـل لهم من خـلق السماء, ومن خـلق الأرض, ومن خـلق الـجبـال؟ قالوا: الله. وهم مشركون.
15246ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا أبو الأحوص, عن سمالك, عن عكرمة, فـي قوله: وَما يُؤْمِنُ أكْثَرُهُمْ بـاللّهِ إلاّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ قال: تسألهم من خـلقهم ومن خـلق السموات والأرض, فـيقولون: الله. فذلك إيـمانهم بـالله, وهم يعبدون غيره.
15247ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, عن إسرائيـل, عن جابر, عن عامر وعكرمة: وَما يُؤْمِنُ أكْثَرُهُمْ بـاللّهِ... الآية, قالا: يعلـمون أنه ربهم, وأنه خـلقهم, وهم مشركون به.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن إسرائيـل, عن جابر, عن عامر وعكرمة بنـحوه.
قال: حدثنا ابن نـمير, عن نصر, عن عكرمة: وَما يُؤْمِنُ أكْثُرُهُمْ بـاللّهِ إلاّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ قال: من إيـمانهم إذا قـيـل لهم: من خـلق السموات؟ قالوا: الله وإذا سئلوا: من خـلقهم؟ قالوا: الله وهم يشركون به بعد.
قال: حدثنا أبو نعيـم, عن الفضل بن يزيد الثمالـي, عن عكرمة, قال: هو قول الله: وَلَئِنْ سألْتَهُمْ مَنْ خَـلَقَ السّمَوَاتِ والأرْضِ لَـيَقُولُنّ اللّهُ فإذا سئلوا عن الله وعن صفته, وصفوه بغير صفته وجعلوا له ولدا وأشركوا به.
15248ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا شبـابة, قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: وَمَا يُؤْمِنُ أكْثُرُهُمْ بـاللّهِ إلاّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ إيـمانهم قولهم: الله خالقنا ويرزقنا ويـميتنا.
حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: وَما يُؤْمِنُ أكْثَرُهُمْ بـاللّهِ إلاّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ إيـمانهم قولهم: الله خالقنا ويرزقنا ويـميتنا.
حدثنـي الـمثنى, قال: أخبرنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: وَما يُؤْمِنُ أكْثَرُهُمْ بـاللّهِ إلاّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ إيـمانهم قولهم: الله خالقنا ويرزقنا ويـميتنا, فهذا إيـمان مع شرك عبـادتهم غيره.
قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: وَما يُؤْمِنُ أكْثَرُهُمْ بـاللّهِ إلاّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ قال: إيـمانهم قولهم: الله خالقنا ويرزقنا ويـميتنا.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا هانىء بن سعيد وأبو معاوية, عن حجاج, عن القاسم, عن مـجاهد, قال: يقولون: الله ربنا, وهو يرزقنا وهم يشركون به بعد.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, قال: إيـمانهم قولهم: الله خالقنا ويرزقنا ويـميتنا.
15249ـ قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا أبو تـميـلة, عن أبـي حمزة, عن جابر, عن عكرمة ومـجاهد وعامر, أنهم قالوا فـي هذه الآية: وَما يُؤْمِنُ أكْثَرُهُمْ بـاللّهِ إلاّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ قال: لـيس أحد إلا وهو يعلـم أن الله خـلقه وخـلق السموات والأرض, فهذا إيـمانهم, ويكفرون بـما سوى ذلك.
15250ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَما يُؤمِنُ أكْثَرُهُمْ بـاللّهِ إلاّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ فـي إيـمانهم هذا, إنك لست تلقـى أحدا منهم إلا أنبأك أن الله ربه وهو الذي خـلقه ورزقه, وهو مشترك فـي عبـادته.
حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: وما يُؤْمِنُ أكْثَرهُمْ بـاللّهِ... الآية, قال: لا تسأل أحدا من الـمشركين من ربك إلا قال: ربـي الله, وهو يشرك فـي ذلك.
15251ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: وَما يُؤْمِنُ أكْثَرُهُمْ بـاللّهِ إلاّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ يعنـي النصارى. يقول: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَـلَقَ السّمَوَاتِ والأَرْضَ لَـيَقُولُنّ الله وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَـلَقُهُمْ لَـيَقُولُنّ الله ولئن سألتهم من يرزقكم من السماء والأرض؟ لـيقولنّ الله. وهم من ذلك يشركون به ويعبدون غيره ويسجدون للأنداد دونه.
15252ـ حدثنـي الـمثنى, قال: أخبرنا عمرو بن عون, قال: أخبرنا هشيـم, عن جويبر, عن الضحاك, قال: كانوا يشركون به فـي تلبـيتهم.
15253ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا ابن نـمير, عن عبد الـملك, عن عطاء: وَما يُؤْمِنُ أكْثرُهُمْ بـاللّهِ... الآية, قال: يعلـمون أن الله ربهم, وهم يشركون به بعد.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عمرو بن عون, قال: أخبرنا هشيـم, عن عبد الـملك, عن عطاء, فـي قوله: وَما يُؤْمِنُ أكْثَرُهُمْ بـاللّهِ إلاّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ قال: يعلـمون أن الله خالقهم ورازقهم, وهم يشركون به.
15254ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال: سمعت ابن زيد يقول: وَما يُؤْمِنُ أكْثَرُهُمْ بـاللّهِ... الآية, قال: لـيس أحد يعبد مع الله غيره إلا وهو مؤمن بـالله, ويعرف أن الله ربه, وأن الله خالقه ورازقه, وهو يشرك به ألا ترى كيف قال إبراهيـم: أفَرأيْتُـمْ ما كُنْتُـمْ تَعْبُدُونَ أنْتُـمْ وآبـاؤُكُمُ الأقْدَمُونَ فإنّهُمْ عَدُوّ لـي إلاّ رَبّ العَالَـمِينَ قد عرف أنهم يعبدون ربّ العالـمين مع ما يعبدون. قال: فلـيس أحد يشرك به إلا وهو مؤمن به, ألا ترى كيف كانت العرب تلبـي, تقول: لبـيك اللهم لبـيك, لا شريك لك, إلا شريك هو لك, تـملكه وما ملك؟ الـمشركون كانوا يقولون هذا.
الآية : 107
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَفَأَمِنُوَاْ أَن تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مّنْ عَذَابِ اللّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ }.
يقول جلّ ثناؤه: أفأمن هؤلاء الذين لا يقرّون بأن الله ربهم إلا وهم مشركون فـي عبـادتهم إياه غيره, أنْ تَأْتِـيَهُمْ غاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللّهِ تغشاهم من عقوبة الله وعذابه, علـى شركهم بـالله, أو تأتـيهم القـيامة فجأة وهم مقـيـمون علـى شركهم وكفرهم بربهم, فـيخـلدهم الله عزّ وجلّ فـي ناره وهم لا يدرون بـمـجيئها وقـيامها.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
15255ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: أنْ تَأْتِـيَهُمْ غاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللّهِ قال: تغشاهم.
حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا شبـابة, قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: غاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللّهِ قال: تغشاهم.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, مثله.
15256ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: أفأَمِنُوا أنْ تَأْتِـيَهُمْ غاشِيَةٌ مِنْ عَذَاب اللّهِ: أي عقوبة من عذاب الله.
حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: غاشيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللّهِ قال: غاشية واقعة تغشاهم من عذاب الله.
الآية : 108
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قُلْ هَـَذِهِ سَبِيلِيَ أَدْعُو إِلَىَ اللّهِ عَلَىَ بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَآ أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }.
يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: قُلْ يا مـحمد هَذِهِ الدعوة التـي أدعو إلـيها, والطريقة التـي أنا علـيها من الدعاء إلـى توحيد الله وإخلاص العبـادة له دون الاَلهة والأوثان والانتهاء إلـى طاعته وترك معصيته, سَبِـيـلِـي وطريقتـي ودعوتـي أدْعُو إلـى اللّهِ وحده لا شريك له علـى بَصِيرَةٍ بذلك, ويقـين علـم منـي به, أنَا وَ يدعو إلـيه علـى بصيرة أيضا مَن اتّبَعَنِـي وصدّقنـي وآمن بـي. وَسُبْحانَ اللّهِ يقول له تعالـى ذكره: وقل تنزيها لله وتعظيـما له من أن يكون له شريك فـي ملكه أو معبود سواه فـي سلطانه, وَما أنا مِنَ الـمُشْرِكِينَ يقول: وأنا بريء من أهل الشرك به, لست منهم ولا هم منـي.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
15257ـ حدثنـي الـمثنى, قال: أخبرنا إسحاق, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع بن أنس, فـي قوله: قُلْ هَذِهِ سَبِـيـلـي أدْعُو إلـى اللّهِ علـى بَصِيرَةٍ يقول: هذه دعوتـي.
15258ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: قُلْ هَذِهِ سَبِـيـلـي أدْعُوا إلـى اللّهِ علـى بَصِيرَةٍ قال: هذه سبـيـلـي, هذا أمري وسنتـي ومنهاجي. أدْعُو إلـى اللّهِ علـى بَصِيرَةٍ أنا وَمَن اتّبَعَنـي قال: وحقّ الله وعلـى من اتبعه أن يدعو إلـى ما دعا إلـيه, ويذكر بـالقرآن والـموعظة, وينهي عن معاصي الله.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن أبـي جعفر, عن الربـيع بن أنس, قوله: قُلْ هَذِهِ سَبِـيـلـي: هذه دعوتـي.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, عن أبـي جعفر, عن الربـيع: قُلْ هَذِهِ سَبِـيـلـي قال: هذه دعوتـي.
الآية : 109
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاّ رِجَالاً نّوحِيَ إِلَيْهِمْ مّنْ أَهْلِ الْقُرَىَ أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الاَخِرَةِ خَيْرٌ لّلّذِينَ اتّقَواْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: وَمَا أرْسَلْنا يا مـحمد مِنْ قَبْلِكَ إلاّ رِجالاً لا نساء ولا ملائكة, نُوحِي إلَـيْهِمْ آياتنا بـالدعاء إلـى طاعتنا وإفراد العبـادة لنا مِنْ أهْل القُرَى يعنـي من أهل الأمصار, دون أهل البوادي. كما:
15259ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَما أرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إلاّ رِجالاً نُوحِي إلَـيْهمْ مِنْ أهْل القُرَى لأنهم كانوا أحلـم وأحلـم من أهل العمود.
وقوله: أفَلَـمْ يَسِيروا فـي الأرْضِ يقول تعالـى ذكره: أفل يسر هؤلاء الـمشركون الذين يكذبونك يا مـحمد, ويجحدون نبوّتك, ويُنكرون ما جئتهم به من توحيد الله وإخلاص الطاعة والعبـادة له فـي الأرض, فَـيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ إذ كذّبوا رسلنا, ألـم نُـحِلّ بهم عقوبتنا, فنهلكَهم بها, وننـج منها رسلنا وأتبـاعنا, فـيتفكروا فـي ذلك ويعتبروا؟ ذكر من قال ذلك:
15260ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, قال: قال ابن جريج: قوله: وَما أرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إلاّ رِجالاً نُوحِي إلَـيْهِمْ قال: إنهم قالوا: ما أَنْزَلَ الله علـى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قال: وقوله: وَما أكْثَرُ النّاس وَلَوْ حَرَصْتَ بِـمُؤْمِنِـينَ وَما تسْأَلُهُمْ عَلَـيْهِ مِنْ أجْرٍ, وقوله: وكأيّنْ مِنْ آيَةٍ فِـي السّمَوَاتِ والأرْض يَـمُرّونَ عَلَـيْها, وقوله: «أفأَمِنُوا أنْ تَأْتِـيَهُمْ غاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللّهِ, وقوله: أفَلَـمْ يَسِيرُوا فِـي الأرْضِ فَـيَنْظُرُوا من أهلكنا؟ قال: فكل ذلك قال لقريش: أفلـم يسيروا فـي الأرض فـينظروا فـي آثارهم فـيعتبروا ويتفكروا.
وقوله: وَلَدَارُ الاَخِرَةِ خَيْرٌ يقول تعالـى ذكره: هذا فِعْلنا فـي الدنـيا بأهل ولايتنا وطاعتنا, إن عقوبتنا إذا نزلت بأهل معاصينا والشرك بنا أنـجيناهم منها, وما فـي الدار الاَخرة لهم خير. وترك ذكر ما ذكرنا اكتفـاء بدلالة قوله: وَلَدَارُ الاَخِرَةِ خَيْرٌ للّذِينَ اتّقَوْا علـيه, وأضيفت الدار إلـى الاَخرة, وهي الاَخرة, لاختلاف لفظهما, كما قـيـل: إنّ هذَا لَهُوَ حَقّ الـيَقِـينِ وكما قـيـل: أتـيتك عامَ الأوّلِ, وبـارحة الأولـى, ولـيـلةَ الأولـى, ويومَ الـخميس, وكما قال الشاعر:
أتَـمْدحُ فَقُعَسا وتَذُمّ عَبَساألا لِلّهِ أُمّكَ مِنْ هَجِينِ
ولوْ أقْوَتْ عَلَـيْكَ دِيارُ عَبْسٍعَرَفتَ الذّلّ عِرْفـانَ الـيَقِـينِ
يعنـي عرفـانا به يقـينا.
فتأويـل الكلام: وللدار الاَخرة خير للذين اتقوا الله بأداء فرائضه واجتناب معاصيه.
وقوله: أفَلا تَعْقِلُونَ يقول: أفلا يعقل هؤلاء الـمشركون بـالله حقـيقة ما نقول لهم ونـخبرهم به من سوء عاقبة الكفر, وغبّ ما يصير إلـيه حال أهله مع ما قد عاينوا ورأوا وسمعوا مـما حلّ بـمن قبلهم من الأمـم الكافرة الـمكذّبة رسل بها.
الآية : 110
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {حَتّىَ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرّسُلُ وَظَنّوَاْ أَنّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَآءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجّيَ مَن نّشَآءُ وَلاَ يُرَدّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً يوحي إلـيهم من أهل القُرى, فدعوا من أرسلنا إلـيهم, فكذّبوهم, وردّوا ما أتوا به من عند الله, حتـى إذا استـيأس الرسل الذين أرسلناهم إلـيهم منهم أن يؤمنوا بـالله, ويصدّقوهم فـيـما أتوهم به من عند الله, وظنّ الذين أرسلناهم إلـيهم من الأمـم الـمكذّبة أن الرسل الذين أرسلناهم, قدكذبوهم فـيـما كانوا أخبروهم عن الله من وعده إياهم نصرهم علـيهم, جاءهم نصرنا. وذلك قول جماعة من أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
15261ـ حدثنا أبو السائب سلـم بن جنادة, قال: حدثنا أبو معاوية, عن الأعمش, عن مسلـم, عن ابن عبـاس, فـي قوله: حتـى إذَا اسْتَـيْأَسَ الرّسُلُ وَظَنّوا أنّهُمْ قَد كُذِبُوا قال: لـما أيست الرسل أن يستـجيب لهم قومهم, وظنّ قومهم أن الرسل قد كذبوهم, جاءهم النصر علـى ذلك, فننـجي من نشاء.
حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا أبو معاوية الضرير, قال: حدثنا الأعمش, عن مسلـم, عن ابن عبـاس بنـحوه, غير أنه قال فـي حديثه, قال: أيست الرسل, ولـم يقل: لـما أيست.
15262ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا مؤمل, قال: حدثنا سفـيان, عن عطاء بن السائب, عن سعيد بن جبـير: حتـى إذَا اسْتَـيْأَسَ الرّسُلُ أن يسلـم قومهم, وظنّ قوم الرسل أن الرسل قد كذَبوا جاءهم نصرنا.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا مؤمل, قال: حدثنا سفـيان, عن الأعمش, عن أبـي الضحى, عن ابن عبـاس, مثله.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عمران بن عيـينة, عن عطاء, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس: حتـى إذَا اسْتَـيْأَسَ الرّسُلُ وظَنّوا أَنّهُمْ قَدْ كُذِبُوا قال: حتـى إذا استـيأس الرسل من قومهم, وظنّ قومهم أن الرسل قد كذَبوا, جاءَهُمْ نَصْرُنا.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن حصين, عن عمران السلـمي, عن ابن عبـاس: حتـى إذَا اسْتَـيأَسَ الرّسُلُ وظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كُذِبُوا أيس الرسل من قومهم أن يصدّقوهم, وظنّ قومهم أن الرسل قد كذبتهم.
حدثنا عمرو بن عبد الـحميد, قال: حدثنا جرير, عن حصين, عن عمرا بن الـحرث السلـمي, عن عبد الله بن عبـاس, فـي قوله: حتـى إذَا اسْتَـيأَسَ الرّسُلُ قال: استـيأس الرسل من قومهم أن يستـجيبوا لهم وَظَنّوا أنّهُمْ قَد كُذِبُوا قال: ظنّ قومهم أنهم جاءوهم بـالكذب.
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن إدريس, قال: سمعت حصينا, عن عمران بن الـحرث, عن ابن عبـاس: حَتَـى إذَا اسْتَـيأَسَ الرّسُلُ من أن يستـجيب لهم قومهم, وظنّ قومهم أن قد كذبوهم, جاءَهُمْ نَصْرُنا.
حدثنـي أبو حصين عبد الله بن أحمد بن يونس, قال: حدثنا عبثر, قال: حدثنا حصين, عن عمران بن الـحارث, عن ابن عبـاس, فـي هذه الآية: حَتـى إذَا اسْتَـيْأَسَ الرّسُلُ قال: استـيأس الرسل من قومهم أن يؤمنوا, وظنّ قومهم أن الرسل قد كذبوهم فـيـما وعدوا وكذبوا, جاءَهُمْ نَصْرُنا.
حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا ابن أبـي عديّ, عن شعبة, عن حصين, عن عمران بن الـحرث, عن ابن عبـاس, قال: حتـى إذَا اسْتَـيْأَسَ الرّسُلُ من نصر قومهم وَظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كُذِبُوا ظنّ قومهم أنهم قد كذبوهم.
حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا مـحمد بن الصبـاح, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا حصين, عن عمران بن الـحرث, عن ابن عبـاس, فـي قوله: حتـى إذَا اسْتَـيْأَسَ الرّسُلُ قال: من قومهم أن يؤمنوا بهم, وأن يستـجيبوا لهم, وظنّ قومهم أن الرسل قد كذبوهم جاءَهُمْ نَصْرُنا يعنـي الرسل.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عمرو بن عون, قال: أخبرنا هشيـم, عن حصين, عن عمران بن الـحرث, عن ابن عبـاس بـمثله سواء.
حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا عبد الوهاببن عطاء, عن هارون, عن عبـاد القرشي, عن عبد الرحمن بن معاوية, عن ابن عبـاس: وَظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كُذِبُوا خفـيفة, وتأويـلها عنده, وظنّ القوم أن الرسل قد كَذَبوا.
حدثنا أبو بكر, قال: حدثنا طلق بن غنام, عن زائدة, عن الأعمش, عن مسلـم, عن ابن عبـاس, قال: حتـى إذَا اسْتَـيْأَسَ الرّسُلُ من قومهم أن يصدّقوهم, وظنّ قومهم أن قد كذبتهم رسلهم, جاءَهُمْ نَصْرُنا.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: حتـى إذَا اسْتَـيْأَسَ الرّسُلُ وظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كُذِبُوا يعنـي: أيس الرسل من أن يتبعهم قومهم, وظنّ قومهم أن الرسل قد كَذَبوا, فـينصر الله الرسل, ويبعث العذاب.
حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس قوله: حتـى إذَا اسْتَـيْأَسَ الرّسُلُ وَظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا حتـى إذا استـيأس الرسل من قومهم أن يطيعوهم ويتبعوهم, وظنّ قومهم أن رسلهم كذبوهم جاءهم نصرنا.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا مـحمد بن فضيـل, عن حصين, عن عمران بن الـحرث, عن ابن عبـاس: حتـى إذَا اسْتَـيْأَسَ الرّسُلُ من قومهم وَظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كُذِبُوا قال: فما أبطأ علـيهم لا من ظنّ أنهم قد كذَبوا.
قال: حدثنا آدم العسقلانـي, قال: حدثنا شعبة, قال: أخبرنا حصين بن عبد الرحمن, عن عمران بن الـحرث قال: سمعت ابن عبـاس يقول: وَظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كُذِبُوا خفـيفة. وقال ابن عبـاس: ظنّ القوم أن الرسل قد كذبوهم خفـيفة.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا جرير, عن عطاء, عن سعيد بن جبـير, فـي قوله: حتـى إذَا استْـيْأَسَ الرّسُلُ من قومهم, وظنّ قومهم أن الرسل قد كذبوهم.
قال: حدثنا مـحمد بن فضيـل, عن خصيف, قال: سألت سعيد بن جبـير, عن قوله: حتـى إذا استْـيَأَس الرّسُلُ من قومهم, وظنّ الكفـار أنهم هم كُذِبوا.
حدثنـي يعقوب والـحسن بن مـحمد, قالا: حدثنا إسماعيـل بن علـية. قال: حدثنا كلثوم بن جبر, عن سعيد ابن جبـير, قوله: حتـى إذَا اسْتَـيْأَسَ الرّسُلُ من قومهم أن يؤمنوا, وظنّ قومهم أن الرسل قد كذبتهم.
15263ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عارم أبو النعمان, قال: حدثنا حماد بن زيد, قال: حدثنا شعيب, قال: ثنـي إبراهيـم بن أبـي حرّة الـجزري, قال: سأل فتـى من قريش سعيد بن جبـير, فقال له: يا أبـا عبد الله كيف تقرأ هذا الـحرف فإنـي إذا أتـيت علـيه تـمنـيت أن لا أقرأ هذه السورة حتـى إذَا اسْتَـيْأَسَ الرّسُلُ وَظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كُذِبُوا؟ قال: نعم, حتـى إذا استـيأس الرسل من قومهم أن يصدّقوهم, وظنّ الـمرسل إلـيهم أن الرسل كذبوا. قال: فقال الضحاك بن مزاحم: ما رأيت كالـيوم قط رجلاً يدعى إلـى علـم فـيتلكأ, لو رحلت فـي هذه إلـى الـيـمن كان قلـيلاً.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا الـحجاج, قال: حدثنا ربـيعة بن كلثوم, قال: ثنـي أبـي, أن مسلـم بن يسار, سأل سعيد بن جبـير فقال: يا أبـا عبد الله, آية بلغت منـي كل مبلغ: حتـى إذَا اسْتَـيْأَسَ الرّسُلُ وظَنّوا أنّهمْ قَدْ كُذِبُوا فهذا الـموتُ, أن تظنّ الرسل أنهم قد كُذِبوا, أو نظنّ أنهم قد كَذَبوا مخففة؟ قال: فقال سعيد بن جبـير: يا أبـا عبد الرحمن, حتـى إذا استـيأس الرسل من قومهم أن يستـجيبوا لهم, وظنّ قومهم أن الرسل كذبتهم جاءَهُمْ نَصْرُنا فَنُـجّيَ مَنْ نَشاءُ, وَلا يُرَدّ بأْسُنا عَنِ القَوْمِ الـمُـجْرِمِينَ. قال: فقال مسلـم إلـى سعيد, فـاعتنقه وقال: فرّج الله عنك كما فرّجت عنـي.
حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا يحيى بن عبـاد, قال: حدثنا وهيب, قال: حدثنا أبو الـمعلـى العطار, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس: حتـى إذَا اسْتَـيْأَسَ الرّسُلُ وَظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كُذِبُوا قال: استـيأس الرسل من إيـمان قومهم وظنّ قومهم أن الرسل قد كذبوهم, ما كانوا يخبرونهم ويبلغونهم.
15264ـ قال: حدثنا شبـابة, قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله حتـى إذَا اسْتَـيْأَسَ الرّسُلُ أن يصدّقهم قومهم, وظنّ قومهم أن الرسل قد كذبوا, جاء الرسل نصرنا.
حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
حدثنـي الـمثنى. قال: حدثنا الـحجاج, قال: حدثنا حماد, عن عطاء بن السائب, عن سعيد بن جبـير, فـي هذه الآية: حتـى إذَا استْـيَأَسَ الرّسُلُ من قومهم. وظن قومهم أن الرسل قد كذبت.
قال: حدثنا حماد, عن كلثوم بن جبر, قال: قال لـي سعيد بن جبـير: سألنـي سعيد من ساداتكم عن هذه الآية. فقلت: استـيأس الرسل من قومهم, وظنّ قومهم أن الرسل قد كذبت.
15265ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: حتـى إذَا اسْتَـيْأَسَ الرّسُلُ وَظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كُذِبُوا قال: استـيأس الرسل أن يؤمن قومهم بهم, وظنّ قومهم الـمشركون أن الرسل قد كُذِبوا ما وعدهم الله من نصره إياهم علـيهم وأُخـلِفوا. وقرأ: جاءَهُمْ نَصْرُنا قال: جاء الرسل النصر حينئذٍ, قال: وكان أبّـي يقرؤها: «كُذِبُوا».
15266ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا عبد الوهاب بن عطاء, عن سعيد, عن أبـي الـمتوكل, عن أيوب ابن أبـي صفوان, عن عبد الله بن الـحرث, أنه قال: حتـى إذَا اسْتَـيْأَسَ الرّسُلُ من إيـمان قومهم وَظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كُذِبُوا وظن القوم أنهم قد كذبوهم فـيـما جاءوهم به.
15267ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا عبد الوهاب, عن جويبر, عن الضحاك, قال: ظنّ قومهم أن رسلهم قد كذبوهم فـيـما وعدوهم به.
15268ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا مـحمد بن فضيـل, عن جحش بن زياد الضبـي, عن تـميـم ابن حذلـم, قال: سمعت عبد الله بن مسعود يقول فـي هذه الآية: «حتـى إذَا اسْتَـيْأَسَ الرّسُلُ وَظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كَذَبُوا» قال: استـيأس الرسل من إيـمان قومهم أن يؤمنوا بهم, وظنّ قومهم حين أبطأ الأمر أنه قد كَذَبُوا بـالتـخفـيف.
حدثنا أبو الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن أبـي الـمعلـى, عن سعيد بن جبـير, فـيقوله: حتـى إذَا اسْتَـيأَسَ الرّسُل قال: استـيأس الرسل من نصر قومهم, وظنّ قوم الرسل أن الرسل قد كَذَبوهم.
حدثنا أحمد بن إسحاق, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا عمرو بن ثابت, عن أبـيه, عن سعيد بن جبـير: حتـى إذَا اسْتَـيْأَسَ الرّسُلُ أن يصدّقوهم, وظنّ قومهم أن الرسل قد كذبوهم.
قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا إسرائيـل, عن عطاء بن السائب, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس: حتـى إذَا اسْتَـيْأَسَ الرّسُلُ أن يصدّقهم قومهم, وظنّ قومهم أن الرسل قد كذبوهم.
حُدثت عن الـحسين بن الفرج, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان, قال: سمعت الضحاك فـي قوله: حتـى إذَا اسْتَـيْأَسَ الرّسُلُ يقول: استـيأسوا من قومهم أن يجيبوهم, ويؤمنوا بهم, وظنوا: يقول: وظنّ قوم الرسل أن الرسل قد كذبوهم الـموعد.
والقراءة علـى هذا التأويـل الذي ذكرنا فـي قوله: كُذِبُوا بضم الكاف وتـخفـيف الذال, وذلك أيضا قراءة بعض قرّاء أهل الـمدينة وعامّة قرّاء أهل الكوفة.
وإنـما اخترنا هذا التأويـل وهذه القراءة, لأن ذلك عقـيب قوله: وَما أرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إلاّ رِجالاً نُوحِي إلَـيْهِمْ مِنْ أهْل القُرَى أفَلَـم يَسِيرُوا فـي الأرْضِ فَـيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فكان ذلك دلـيلاً علـى أن إياس الرسل كان من إيـمان قومهم الذين أهلكوا, وأن الـمضمر فـي قوله: وظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كُذِبُوا إنـما هو من ذكر الذين من قبلهم من الأمـم الهالكة, وزاد ذلك وضوحا أيضا إتبـاع الله فـي سياق الـخبر عن الرسل وأمـمهم قوله: فَنُـجّيَ مَنْ نَشاءُ إذ الذين أهلكوا هم الذين ظنوا أن الرسل قد كذبتـم, فكَذّبُوهم ظنّا منهم أنهم قد كَذَبُوهم.
وقد ذهب قوم مـمن قرأ هذه القراءة إلـى غير التأويـل الذي اخترنا, ووجهوا معناه إلـى: حتـى إذا استـيأس الرسل من إيـمان قومهم, وظنت الرسل أنهم قد كذبوا فـيـما وعدوا من النصر. ذكر من قال ذلك:
15269ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا عثمان بن عمر, قال: حدثنا ابن جريج, عن ابن أبـي ملـيكة, قال: قرأ ابن عبـاس: حتـى إذَا اسْتَـيْأَسَ الرّسُلُ وَظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كُذِبُوا قال: كانوا بشرا ضعفوا ويئسوا.
15270ـ قال: حدثنا حجاج بن مـحمد, عن ابن جريج, قال: أخبرنـي ابن أبـي ملـيكة, عن ابن عبـاس, قرأ: وَظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كُذِبُوا خفـيفة. قال ابن جريج: أقول كما يقول: أخـلفوا. قال عبد الله: قال لـي ابن عبـاس: كانوا بشرا, وتلا ابن عبـاس: حتـى يَقُولَ الرّسُولُ والّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتـى نَصْرُ اللّهِ ألا إنّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ. قال ابن جريج: قال ابن أبـي ملـيكة: ذهب بها إلـى أنهم ضعفوا فظنوا أنهم أخـلفوا.
15271ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا مؤمل, قال: حدثنا سفـيان, عن الأعمش, عن أبـي الضحى, عن مسروق عن عبد الله, أنه قرأ: حتـى إذَا اسْتَـيْأَسَ الرّسُلُ وَظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كُذِبُوا مخففة, قال عبد الله: هو الذي تكره.
قال: حدثنا أبو عامر, قال: حدثنا سفـيان, عن سلـيـمان, عن أبـي الضحى, عن مسروق, أن رجلا سأل عبد الله بن مسعود: حَتـى إذا اسْتَـيْأَسَ الرّسُلُ وَظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كُذِبُوا قال: هو الذي تكره, مخففة.
15272ـ قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن أبـي بشر, عن سعيد بن جبـير, أنه قال فـي هذه الآية: حتـى إذَا اسْتَـيْأَسَ الرّسُلُ وَظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كُذِبُوا قلت: كُذِبُوا؟ قال: نعم ألـم يكونوا بشرا.
15273ـ حدثنا الـحارث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال: حدثنا إسرائيـل, عن سماك, عن عكرمة, عن ابن عبـاس, فـي قوله: حتـى إذَا اسْتَـيْأَسَ الرّسُلُ وَظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كُذِبُوا قال: كانوا بشرا قد ظنوا.
وهذا تأويـلٌ وقولٌ, غيره من أهل التأويـل أولـى عندي بـالصواب, وخلافه من القول أشبه بصفـات الأنبـياء والرسل, إن جاز أن يرتابوا بوعد الله إياهم ويشكوا فـي حقـيقة خبره مع معاينتهم من حجج الله وأدلته ما لا يعاينه الـمرسَل إلـيهم, فـيعذروا فـي ذلك أن الـمرسل إلـيهم لأولـى فـي ذلك منهم بـالعذر, وذلك قول إن قاله قائل لا يخفـى أمره. وقد ذكر هذا التأويـل الذي ذكرناه أخيرا عن ابن عبـاس لعائشة, فأنكرته أشدّ النكرة فـيـما ذُكر لنا. ذكر الرواية بذلك عنها رضوان الله علـيها:
15274ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا عثمان بن عمر, قال: حدثنا ابن جريج, عن ابن أبـي ملـيكة, قال: قرأ ابن عبـاس: حتـى إذَا اسْتَـيْأَسَ الرّسُلُ وظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كُذِبُوا فقال: كانوا بشرا ضعفوا ويئسوا, قال ابن أبـي ملـيكة: فذكرت ذلك لعروة, فقال: قالت عائشة: معاذ الله, ما حدّث الله رسوله شيئا قطّ إلا علـم أنه سيكون قبل أن يـموت, ولكن لـم يزل البلاء بـالرسل, حتـى ظنّ الأنبـياء أن من تبعهم قد كذبوهم. فكانت تقرؤها: «قد كُذّبوا» تثقلها.
قال: حدثنا حجاج, عن ابن جريج, قال: أخبرنـي ابن أبـي ملـيكة, أن ابن عبـاس قرأ: وَظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كُذِبُوا خفـيفة قال عبد الله: ثم قال لـي ابن عبـاس: كانوا بشرا. وتلا ابن عبـاس: حتـى يَقُولَ الرّسُولُ والّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتـى نَصْرُ اللّهِ ألا إنّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ. قال ابن جريج: قال ابن أبـي ملـيكة: يذهب بها إلـى أنهم ضعفوا, فظنوا أنهم أخـلفوا. قال ابن جريج: قال ابن أبـي ملـيكة: وأخبرنـي عروة عن عائشة, أنها خالفت ذلك وأبته, وقالت: ما وعد الله مـحمدا صلى الله عليه وسلم من شيء إلا وقد علـم أنه سيكون حتـى مات, ولكنه لـم يزل البلاء بـالرسل حتـى ظنوا أن من معهم من الـمؤمنـين قد كَذّبوهم. قال ابن أبـي ملـيكة فـي حديث عروة: كانت عائشة تقرؤها: «وظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كُذّبُوا» مثّقله, للتكذيب.
15275ـ قال: حدثنا سلـيـمان بن داود الهاشمي, قال: حدثنا إبراهيـم بن سعد, قال: ثنـي صالـح بن كيسان, عن ابن شهاب, عن عروة, عن عائشة قال: قلت لها قوله: حتـى إذَا اسْتَـيْأَسَ الرّسُلُ وَظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كُذِبُوا قال: قالت عائشة: لقد استـيقنوا أنهم قد كذّبوا. قلت: كُذبُوا؟ قالت: معاذ الله, لـم تكن الرسل تُظنّ يوما, إنـما هم أتبـاع الرسل لـمّا استأخر عنهم الوحي واشتدّ علـيهم البلاء ظنّت الرسل أن أتبـاعهم قد كذّبوهم جاءَهُمْ نَصْرُنا.
15276ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن الزهري, عن عروة, عن عائشة, قالت: حتـى إذا استـيأس الرجل مـمن كذبهم من قومهم أن يصدّقوهم, وظنت الرسل أن من قد آمن من قومهم قد كذبوهم, جاءهم نصر الله عند ذلك.
فهذا رُوي فـي ذلك عن عائشة, غير أنها كانت تقرأ: «كُذّبوا» بـالتشديد وضمّ الكاف, بـمعنى ما ذكرنا عنها, من أن الرسل ظنت بأتبـاعها الذين قد آمنوا بهم أنهم قد كذبوهم, فـارتدّوا عن دينهم, استبطاءً منهم للنصر.
وقد بـيّنا أن الذي نـختار من القراءة فـي ذلك والتأويـل غيره فـي هذا الـحرف خاصة.
وقال آخرون مـمن قرأ قوله: «كُذّبُوا» بضم الكاف وتشديد الذال, معنى ذلك: حتـى إذا استـيأس الرسل من قومهم أن يؤمنوا بهم ويصدّقوهم, وظنت الرسل: بـمعنى واستـيقنت أنهم قد كذّبهم أمـمُهم جاءت الرسلَ نُصْرَتُنا وقالوا: الظنّ فـي هذا بـمعنى العلـم, من قول الشاعر:
فَظُنّوا بألْفَـيْ فـارِسٍ مُتَلَبّبسَرَاتُهُم فـي الفـارِسِيّ الـمُسَرّدِ
15277ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, عن الـحسن, وهو قول قتادة: حتـى إذَا اسْتَـيْأَسَ الرّسُلُ من إيـمان قومهم, «وظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كُذّبُوا»: أي استـيقنوا أنه لا خير عند قومهم, ولا إيـمان, جاءهم نصرنا.
15278ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: حتـى إذَا اسْتَـيْأَسَ الرّسُلُ قال: من قومهم «وظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كُذّبُوا» قال: وعلـموا قد كُذّبوا, جاءَهُمْ نَصْرُنا.
وبهذه القراءة كانت تقرأ عامة قرّاء الـمدينة والبصرة والشام, أعنـي بتشديد الذال من «كذبوا» وضمّ كافها. وهذا التأويـل الذي ذهب إلـيه الـحسن وقتادة فـي ذلك إذا قرىء بتشديد الذال وضمّ الكاف خلاف لـما ذكرنا من أقوال جميع من حكينا قوله من الصحابة, لأنه لـم يوجّه الظنّ فـي هذا الـموضع منهم أحد إلـى معنى العلـم والـيقـين, مع أن الظنّ إنـما استعمله العرب فـي موضع العلـم فـيـما كان من علـم أدرك من جهة الـخبر أو من غير وجه الـمشاهدة والـمعاينة, فأما ما كان من علـم أدرك من وجه الـمشاهدة والـمعاينة فإنها لا تستعمل فـيه الظنّ, لا تكاد تقول: أظننـي حيّا وأظننـي إنسانا, بـمعنى: أعلـمنـي إنسانا وأعلـمنـي حيّا. والرسل الذين كذّبتهم أمـمهم, لا شكّ أنها كانت لأمـمها شاهدة ولتكذيبها إياها منها سامعة, فـيقال فـيها: ظنّت بأمـمها أنها كذبتها.
ورُوي عن مـجاهد فـي ذلك قول هو خلاف جميع ما ذكرنا من أقوال الـماضين الذين سمينا أسماءهم وذكرنا أقوالهم وتأويـل خلاف تأويـلهم وقراءة غير قراءة جميعهم, وهو أنه فـيـما ذكر عنه كان يقرأ: «وظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كَذَبُوا» بفتـح الكاف والذال وتـخفـيف الذال. ذكر الرواية عنه بذلك:
15279ـ حدثنـي أحمد بن يوسف, قال: حدثنا أبو عبـيد, قال: حدثنا حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, أنه قرأها: «كَذَبُوا» بفتـح الكاف بـالتـخفـيف. وكان يتأوّله كما:
15280ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد: استـيأس الرجل أن تَعذّبَ قومهم, وظنّ قومهم أن الرسل قد كذَبوا, جاءهم نصرنا, قال: جاء الرسل نصرُنا. قال مـجاهد: قال فـي الـمؤمن: فَلَـمّا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا بـالبَـيّناتِ فَرِحُوا بِـمَا عِنْدَهُمْ مِنَ العِلْـمَ قال: قولهم نـحن أعلـم منهم, ولن نعذّب. وقوله: وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ قال: حاق بهم ما جاءت به رسلهم من الـحقّ.
وهذه القراءة لا أستـجيز القراءة بها لإجماع الـحجة من قرّاء الأمصار علـى خلافها, ولو جازت القراءة بذلك لاحتـمل وجها من التأويـل وهو أحسن مـما تأوّله مـجاهد, وهو: حَتـى إذَا استَـيأس الرسُلُ من عذاب الله قومَها الـمكذّبة بها, وظنت الرسلُ أن قومها قد كَذّبوا وافتروا علـى الله بكفرهم بها. ويكون الظنّ موجها حينئذٍ إلـى معنى العلـم, علـى ما تأوّله الـحسن وقتادة.
وأما قوله: فَنُـجّيَ مَنْ نَشاءُ فإن القرّاء اختلفت فـي قراءته, فقرأه عامة قرّاء أهل الـمدينة ومكة والعراق: «فَنُنَـجّي مَنْ نَشاءُ» بنونـين, بـمعنى: فننـجي نـحن من نشاء من رسلنا والـمؤمنـين بنا, دون الكافرين الذين كذّبوا رسلنا إذا جاء الرسلَ نصرُنا. واعتلّ الذين قرءوا ذلك كذلك أنه إنـما كُتب فـي الـمصحف بنون واحدة, وحكمه أن يكون بنونـين, لأن إحدى النونـين حرف من أصل الكلـمة, من أنـجى يُنـجي, والأخرى النون التـي تأتـي لـمعنى الدلالة علـى الاستقبـال, من فعل جماعة مخبرة عن أنفسها, لأنهما حرفـان أعنـي النونـين من جنس واحد يخفـي الثانـي منهما عن الإظهار فـي الكلام, فحذفت من الـخط واجتزىء بـالـمثبتة من الـمـحذوفة, كما يفعل ذلك فـي الـحرفـين اللّذين يدغم أحدهما فـي صاحبه. وقرأ ذلك بعض الكوفـيـين علـى هذا الـمعنى, غير أنه أدغم النون الثانـية وشدّد الـجيـم. وقرأه آخر منهم بتشديد الـجيـم ونصب الـياء علـى معنى فعل ذلك به من نـجيته أنـجيه. وقرأ ذلك بعض الـمكيـين: «فَنَـجا مَنْ نَشاءُ» بفتـح النون والتـخفـيف, من نـجا من عذاب الله من نشاء ينـجو.
والصواب من القراءة فـي ذلك عندنا قراءة من قرأ: «فَنُنَـجّي مَنْ نَشاءُ» بنونـين, لأن ذلك هو القراءة التـي علـيها القِرَاءة فـي الأمصار, وما خالفه مـمن قرأ ذلك ببعض الوجوه التـي ذكرناها فمنفرد بقراءته عما علـيه الـحجة مـجمعة من القرّاء, وغير جائز خلاف ما كان مستفـيضا بـالقراءة فـي قِرَاءة الأمصار. وتأويـل الكلام: فننـجي الرسل ومن نشاء من عبـادنا الـمؤمنـين إذا جاء نصرنا كما:
15281ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال ثنـي عمي: قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس: «فَنُنَـجّي مَنْ نَشاءُ» فننـجّي الرسل ومن نشاء, وَلا يُرَدّ بأْسُنا عَنِ القَوم الـمُـجْرِمِينَ وذلك أن الله تبـارك وتعالـى بعث الرسل, قدعَوا قومهم. وأخبروهم أنه من أطاع نـجا ومن عصاه عُذّب وغَوَى.
وقوله وَلا يُرَدّ بأْسُنا عَن القَوْمِ الـمُـجْرِمِينَ يقول: ولا تردّ عقوبتنا وبطشنا بـمن بطشنا به من أهل الكفر بنا عن القوم الذين أجرموا, فكفروا بـالله وخالفوا رسله وما أتوهم به من عنده.
الآية : 111
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لاُوْلِي الألْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَىَ وَلَـَكِن تَصْدِيقَ الّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: لقد كان فـي قصص يوسف وإخوته عِبرة لأهل الـحِجا والعقول, يعتبرون بها وموعظة يتعظون بها وذلك أن الله جلّ ثناؤه بعد أن ألقـي يوسف فـي الـجبّ لـيهلك, ثم بِـيع بـيع العبـيد بـالـخسيس من الثمن, وبعد الإسار والـحبس الطويـل ملّكه مصر ومكّن له فـي الأرض وأعلاه علـى من بغاه سوءا من إخوته, وجمع بـينه وبـين والديه وإخوته بقدرته بعد الـمدّة الطويـلة, وجاء بهم إلـيه من الشّقّة النائية البعيدة. فقال جلّ ثناؤه للـمشركين من قريش من قوم نبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: لقد كان لكم أيّها القوم فـي قَصَصهم عبرة لو اعتبرتـم به, أن الذي فعل ذلك بـيوسف وإخوته لا يتعذّر علـيه أن يفعل مثله بـمـحمد صلى الله عليه وسلم, فـيخرجه من بـين أظهركم ثم يظهره علـيكم ويـمكن له فـي البلاد ويؤيده بـالـجند والرجال من الأتبـاع والأصحاب, وإن مرّت به شدائد وأتت دونه الأيام واللـيالـي والدهور والأزمان.
وكان مـجاهد يقول: معنى ذلك: لقد كان فـي قصصهم عبرة لـيوسف وإخوته. ذكر الرواية بذلك:
15282ـ حدثنا مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قوله: لَقَدْ كانَ فـي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لـيوسف وإخوته.
حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا شبـابة, قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: عبرة لـيوسف وإخوته.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, قوله: لَقَدْ كانَ فِـي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُولـى الألْبـاب قال: يوسف وإخوته.
وهذا القول الذي قاله مـجاهد وإن كان له وجه يحتـمله التأويـل, فإن الذي قلنا فـي ذلك أولـى به لأن ذلك عقـيب الـخبر عن نبـينا صلى الله عليه وسلم وعن قومه من الـمشركين, وعقـيب تهديدهم ووعيدهم علـى الكفر بـالله وبرسوله مـحمد صلى الله عليه وسلم, ومنقطع عن خبر يوسف وإخوته, ومع ذلك أنه خبر عامّ عن جميع ذوي الألبـاب, أن قصصهم لهم عبرة, وغير مخصوص بعض به دون بعض. فإذا كان الأمر علـى ما وصفت فـي ذلك, فهو بأن يكون خبرا عن أنه عبرة لغيرهم أشبه, والرواية التـي ذكرناها عن مـجاهد من رواية ابن جريج أشبه به أن تكون من قوله لأن ذلك موافق القول الذي قلناه فـي ذلك.
وقوله: ما كانَ حَديثا يُفْتَرَى يقول تعالـى ذكره: ما كان هذا القول حديثا يُختلَق ويُتَكَذّب ويتـخرّص. كما:
15283ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: ما كانَ حَدِيثا يُفْتَرَى والفِرية: الكذب.
ولكِنْ تَصْدِيقَ الّذِي بـينَ يَدَيْه يقول: ولكنه تصديق الذي بـين يديه من كتب الله التـي أنزلها قبله علـى أنبـيائه, كالتوراة والإنـجيـل والزبور, ويصدّق ذلك كله ويشهد علـيه أن جميعه حقّ من عند الله. كما:
15284ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الّذي بـينَ يَدَيْهِ والفرقان تصديق الكتب التـي قبله, ويشهد علـيها.
وقوله: وَتَفْصِيـلَ كُلّ شَيْءٍ يقول تعالـى ذكره: وهو أيضا تفصيـل كلّ ما بـالعبـاد إلـيه حاجة من بـيان أمر الله ونهيه وحلاله وحرامه وطاعته ومعصيته.
وقوله: وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ يقول تعالـى ذكره: وهو بـيان أمره, ورشاد من جَهِلَ سبـيـل الـحقّ فعمِي عنه إذا تبعه فـاهتدى به من ضلالته ورحمة لـمن آمن به وعمل بـما فـيه, ينقذه من سخط الله وألـيـم عذابه, ويورثه فـي الاَخرة جنانه والـخـلود فـي النعيـم الـمقـيـم. لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ يقول: لقوم يصدّقون بـالقرآن وبـما فـيه من وعد الله ووعيده وأمره ونهيه, فـيعملون بـما فـيه من أمره وينتهون عما فـيه من نهيه.
نهاية تفسير الإمام الطبرى لسورة يوسف
249
247
الآية : 104
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلاّ ذِكْرٌ لّلْعَالَمِينَ }.
يقول تعالـى ذكره لـمـحمد صلى الله عليه وسلم: وما تسأل يا مـحمد هؤلاء ينكرون نبوّتك ويـمتنعون من تصديقك والإقرار بـما جئتهم به من عند ربك علـى ما تدعوهم إلـيه من إخلاص العبـادة لربك وهجر عبـادة الأوثان وطاعة الرحمن مِنْ أَجْرٍ يعنـي من ثواب وجزاء منهم, بل إنـما ثوابك وأجر عملك علـى الله, يقول: ما تسألهم علـى ذلك ثوابـا, فـيقولوا لك: إنـما تريد بدعائك إيانا إلـى اتبـاعك لننزل لك عن أموالنا إذا سألتنا ذلك, وإذ كنت لا تسألهم ذلك فقد كان حقا علـيهم أن يعلـموا أنك إنـما تدعوهم إلـى ما تدعوهم إلـيه اتبـاعا منك لأمر ربك ونصيحة منك لهم, وأن لا يستغشوك.
وقوله: إن هُوَ إلاّ ذِكْرٌ للعالَـمِينَ يقول تعالـى ذكره: ما هذا الذي أرسلك به ربك يا مـحمد من النبوّة والرسالة إلا ذكر, يقول: إلا عظة وتذكير للعالـمين, لـيتعظوا ويتذكروا به.
الآية : 105
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَكَأَيّن مّن آيَةٍ فِي السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ يَمُرّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ }.
يقول جلّ وعزّ: وكم من آية فـي السموات والأرض لله, وعبرة وحجة, وذلك كالشمس والقمر والنـجوم ونـحو ذلك من آيات السموات وكالـجبـال والبحار والنبـات والأشجار, وغير ذلك من آيات الأرض يَـمُرّونَ عَلَـيْها يقول: يعاينونها فـيـمرّون بها معرضين عنها لا يعتبرون بها ولا يفكرون فـيها وفـيـما دلت علـيه من توحيد ربها, وأن الأولوهة لا تبتغي إلا للواحد القهار الذي خـلقها وخـلق كلّ شيء فدبرها.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
15244ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: وكأيّنْ مِنْ آيَةٍ فِـي السّمَوَاتِ والأرْضِ يَـمُرّونَ عَلَـيْها وهي فـي مصحف عبد الله: «يـمشون علـيها» السماء والأرض آيتان عظيـمتان.
الآية : 106
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاّ وَهُمْ مّشْرِكُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: وما يقر أكثر هؤلاء الذين وصف عزّ وجلّ صفتهم بقوله: وكأيّنْ مِنْ آيَةٍ فِـي السّمَواتِ والأرْضِ يَـمْرّونَ عَلَـيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ بـالله, أنه خالقه ورازقه وخالق كلّ شيء, إلا وهم به مشركون فـي عبـادتهم الأوثان والأصنام, واتـخاذهم من دونه أربـابـا, وزعمهم أنه له ولدا, تعالـى الله عما يقولون.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
15245ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عمران بن عيـينة, عن عطاء بن السائب, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس: وَما يُؤْمِنُ أكْثَرُهُمْ بـاللّهِ... الآية, قال: من إيـمانهم إذا قـيـل لهم من خـلق السماء, ومن خـلق الأرض, ومن خـلق الـجبـال؟ قالوا: الله. وهم مشركون.
15246ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا أبو الأحوص, عن سمالك, عن عكرمة, فـي قوله: وَما يُؤْمِنُ أكْثَرُهُمْ بـاللّهِ إلاّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ قال: تسألهم من خـلقهم ومن خـلق السموات والأرض, فـيقولون: الله. فذلك إيـمانهم بـالله, وهم يعبدون غيره.
15247ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, عن إسرائيـل, عن جابر, عن عامر وعكرمة: وَما يُؤْمِنُ أكْثَرُهُمْ بـاللّهِ... الآية, قالا: يعلـمون أنه ربهم, وأنه خـلقهم, وهم مشركون به.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن إسرائيـل, عن جابر, عن عامر وعكرمة بنـحوه.
قال: حدثنا ابن نـمير, عن نصر, عن عكرمة: وَما يُؤْمِنُ أكْثُرُهُمْ بـاللّهِ إلاّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ قال: من إيـمانهم إذا قـيـل لهم: من خـلق السموات؟ قالوا: الله وإذا سئلوا: من خـلقهم؟ قالوا: الله وهم يشركون به بعد.
قال: حدثنا أبو نعيـم, عن الفضل بن يزيد الثمالـي, عن عكرمة, قال: هو قول الله: وَلَئِنْ سألْتَهُمْ مَنْ خَـلَقَ السّمَوَاتِ والأرْضِ لَـيَقُولُنّ اللّهُ فإذا سئلوا عن الله وعن صفته, وصفوه بغير صفته وجعلوا له ولدا وأشركوا به.
15248ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا شبـابة, قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: وَمَا يُؤْمِنُ أكْثُرُهُمْ بـاللّهِ إلاّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ إيـمانهم قولهم: الله خالقنا ويرزقنا ويـميتنا.
حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: وَما يُؤْمِنُ أكْثَرُهُمْ بـاللّهِ إلاّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ إيـمانهم قولهم: الله خالقنا ويرزقنا ويـميتنا.
حدثنـي الـمثنى, قال: أخبرنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: وَما يُؤْمِنُ أكْثَرُهُمْ بـاللّهِ إلاّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ إيـمانهم قولهم: الله خالقنا ويرزقنا ويـميتنا, فهذا إيـمان مع شرك عبـادتهم غيره.
قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: وَما يُؤْمِنُ أكْثَرُهُمْ بـاللّهِ إلاّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ قال: إيـمانهم قولهم: الله خالقنا ويرزقنا ويـميتنا.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا هانىء بن سعيد وأبو معاوية, عن حجاج, عن القاسم, عن مـجاهد, قال: يقولون: الله ربنا, وهو يرزقنا وهم يشركون به بعد.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, قال: إيـمانهم قولهم: الله خالقنا ويرزقنا ويـميتنا.
15249ـ قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا أبو تـميـلة, عن أبـي حمزة, عن جابر, عن عكرمة ومـجاهد وعامر, أنهم قالوا فـي هذه الآية: وَما يُؤْمِنُ أكْثَرُهُمْ بـاللّهِ إلاّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ قال: لـيس أحد إلا وهو يعلـم أن الله خـلقه وخـلق السموات والأرض, فهذا إيـمانهم, ويكفرون بـما سوى ذلك.
15250ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَما يُؤمِنُ أكْثَرُهُمْ بـاللّهِ إلاّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ فـي إيـمانهم هذا, إنك لست تلقـى أحدا منهم إلا أنبأك أن الله ربه وهو الذي خـلقه ورزقه, وهو مشترك فـي عبـادته.
حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: وما يُؤْمِنُ أكْثَرهُمْ بـاللّهِ... الآية, قال: لا تسأل أحدا من الـمشركين من ربك إلا قال: ربـي الله, وهو يشرك فـي ذلك.
15251ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: وَما يُؤْمِنُ أكْثَرُهُمْ بـاللّهِ إلاّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ يعنـي النصارى. يقول: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَـلَقَ السّمَوَاتِ والأَرْضَ لَـيَقُولُنّ الله وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَـلَقُهُمْ لَـيَقُولُنّ الله ولئن سألتهم من يرزقكم من السماء والأرض؟ لـيقولنّ الله. وهم من ذلك يشركون به ويعبدون غيره ويسجدون للأنداد دونه.
15252ـ حدثنـي الـمثنى, قال: أخبرنا عمرو بن عون, قال: أخبرنا هشيـم, عن جويبر, عن الضحاك, قال: كانوا يشركون به فـي تلبـيتهم.
15253ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا ابن نـمير, عن عبد الـملك, عن عطاء: وَما يُؤْمِنُ أكْثرُهُمْ بـاللّهِ... الآية, قال: يعلـمون أن الله ربهم, وهم يشركون به بعد.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عمرو بن عون, قال: أخبرنا هشيـم, عن عبد الـملك, عن عطاء, فـي قوله: وَما يُؤْمِنُ أكْثَرُهُمْ بـاللّهِ إلاّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ قال: يعلـمون أن الله خالقهم ورازقهم, وهم يشركون به.
15254ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال: سمعت ابن زيد يقول: وَما يُؤْمِنُ أكْثَرُهُمْ بـاللّهِ... الآية, قال: لـيس أحد يعبد مع الله غيره إلا وهو مؤمن بـالله, ويعرف أن الله ربه, وأن الله خالقه ورازقه, وهو يشرك به ألا ترى كيف قال إبراهيـم: أفَرأيْتُـمْ ما كُنْتُـمْ تَعْبُدُونَ أنْتُـمْ وآبـاؤُكُمُ الأقْدَمُونَ فإنّهُمْ عَدُوّ لـي إلاّ رَبّ العَالَـمِينَ قد عرف أنهم يعبدون ربّ العالـمين مع ما يعبدون. قال: فلـيس أحد يشرك به إلا وهو مؤمن به, ألا ترى كيف كانت العرب تلبـي, تقول: لبـيك اللهم لبـيك, لا شريك لك, إلا شريك هو لك, تـملكه وما ملك؟ الـمشركون كانوا يقولون هذا.
الآية : 107
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَفَأَمِنُوَاْ أَن تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مّنْ عَذَابِ اللّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ }.
يقول جلّ ثناؤه: أفأمن هؤلاء الذين لا يقرّون بأن الله ربهم إلا وهم مشركون فـي عبـادتهم إياه غيره, أنْ تَأْتِـيَهُمْ غاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللّهِ تغشاهم من عقوبة الله وعذابه, علـى شركهم بـالله, أو تأتـيهم القـيامة فجأة وهم مقـيـمون علـى شركهم وكفرهم بربهم, فـيخـلدهم الله عزّ وجلّ فـي ناره وهم لا يدرون بـمـجيئها وقـيامها.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
15255ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: أنْ تَأْتِـيَهُمْ غاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللّهِ قال: تغشاهم.
حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا شبـابة, قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: غاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللّهِ قال: تغشاهم.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, مثله.
15256ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: أفأَمِنُوا أنْ تَأْتِـيَهُمْ غاشِيَةٌ مِنْ عَذَاب اللّهِ: أي عقوبة من عذاب الله.
حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: غاشيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللّهِ قال: غاشية واقعة تغشاهم من عذاب الله.
الآية : 108
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قُلْ هَـَذِهِ سَبِيلِيَ أَدْعُو إِلَىَ اللّهِ عَلَىَ بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَآ أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }.
يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: قُلْ يا مـحمد هَذِهِ الدعوة التـي أدعو إلـيها, والطريقة التـي أنا علـيها من الدعاء إلـى توحيد الله وإخلاص العبـادة له دون الاَلهة والأوثان والانتهاء إلـى طاعته وترك معصيته, سَبِـيـلِـي وطريقتـي ودعوتـي أدْعُو إلـى اللّهِ وحده لا شريك له علـى بَصِيرَةٍ بذلك, ويقـين علـم منـي به, أنَا وَ يدعو إلـيه علـى بصيرة أيضا مَن اتّبَعَنِـي وصدّقنـي وآمن بـي. وَسُبْحانَ اللّهِ يقول له تعالـى ذكره: وقل تنزيها لله وتعظيـما له من أن يكون له شريك فـي ملكه أو معبود سواه فـي سلطانه, وَما أنا مِنَ الـمُشْرِكِينَ يقول: وأنا بريء من أهل الشرك به, لست منهم ولا هم منـي.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
15257ـ حدثنـي الـمثنى, قال: أخبرنا إسحاق, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع بن أنس, فـي قوله: قُلْ هَذِهِ سَبِـيـلـي أدْعُو إلـى اللّهِ علـى بَصِيرَةٍ يقول: هذه دعوتـي.
15258ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: قُلْ هَذِهِ سَبِـيـلـي أدْعُوا إلـى اللّهِ علـى بَصِيرَةٍ قال: هذه سبـيـلـي, هذا أمري وسنتـي ومنهاجي. أدْعُو إلـى اللّهِ علـى بَصِيرَةٍ أنا وَمَن اتّبَعَنـي قال: وحقّ الله وعلـى من اتبعه أن يدعو إلـى ما دعا إلـيه, ويذكر بـالقرآن والـموعظة, وينهي عن معاصي الله.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن أبـي جعفر, عن الربـيع بن أنس, قوله: قُلْ هَذِهِ سَبِـيـلـي: هذه دعوتـي.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, عن أبـي جعفر, عن الربـيع: قُلْ هَذِهِ سَبِـيـلـي قال: هذه دعوتـي.
الآية : 109
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاّ رِجَالاً نّوحِيَ إِلَيْهِمْ مّنْ أَهْلِ الْقُرَىَ أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الاَخِرَةِ خَيْرٌ لّلّذِينَ اتّقَواْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: وَمَا أرْسَلْنا يا مـحمد مِنْ قَبْلِكَ إلاّ رِجالاً لا نساء ولا ملائكة, نُوحِي إلَـيْهِمْ آياتنا بـالدعاء إلـى طاعتنا وإفراد العبـادة لنا مِنْ أهْل القُرَى يعنـي من أهل الأمصار, دون أهل البوادي. كما:
15259ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَما أرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إلاّ رِجالاً نُوحِي إلَـيْهمْ مِنْ أهْل القُرَى لأنهم كانوا أحلـم وأحلـم من أهل العمود.
وقوله: أفَلَـمْ يَسِيروا فـي الأرْضِ يقول تعالـى ذكره: أفل يسر هؤلاء الـمشركون الذين يكذبونك يا مـحمد, ويجحدون نبوّتك, ويُنكرون ما جئتهم به من توحيد الله وإخلاص الطاعة والعبـادة له فـي الأرض, فَـيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ إذ كذّبوا رسلنا, ألـم نُـحِلّ بهم عقوبتنا, فنهلكَهم بها, وننـج منها رسلنا وأتبـاعنا, فـيتفكروا فـي ذلك ويعتبروا؟ ذكر من قال ذلك:
15260ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, قال: قال ابن جريج: قوله: وَما أرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إلاّ رِجالاً نُوحِي إلَـيْهِمْ قال: إنهم قالوا: ما أَنْزَلَ الله علـى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قال: وقوله: وَما أكْثَرُ النّاس وَلَوْ حَرَصْتَ بِـمُؤْمِنِـينَ وَما تسْأَلُهُمْ عَلَـيْهِ مِنْ أجْرٍ, وقوله: وكأيّنْ مِنْ آيَةٍ فِـي السّمَوَاتِ والأرْض يَـمُرّونَ عَلَـيْها, وقوله: «أفأَمِنُوا أنْ تَأْتِـيَهُمْ غاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللّهِ, وقوله: أفَلَـمْ يَسِيرُوا فِـي الأرْضِ فَـيَنْظُرُوا من أهلكنا؟ قال: فكل ذلك قال لقريش: أفلـم يسيروا فـي الأرض فـينظروا فـي آثارهم فـيعتبروا ويتفكروا.
وقوله: وَلَدَارُ الاَخِرَةِ خَيْرٌ يقول تعالـى ذكره: هذا فِعْلنا فـي الدنـيا بأهل ولايتنا وطاعتنا, إن عقوبتنا إذا نزلت بأهل معاصينا والشرك بنا أنـجيناهم منها, وما فـي الدار الاَخرة لهم خير. وترك ذكر ما ذكرنا اكتفـاء بدلالة قوله: وَلَدَارُ الاَخِرَةِ خَيْرٌ للّذِينَ اتّقَوْا علـيه, وأضيفت الدار إلـى الاَخرة, وهي الاَخرة, لاختلاف لفظهما, كما قـيـل: إنّ هذَا لَهُوَ حَقّ الـيَقِـينِ وكما قـيـل: أتـيتك عامَ الأوّلِ, وبـارحة الأولـى, ولـيـلةَ الأولـى, ويومَ الـخميس, وكما قال الشاعر:
أتَـمْدحُ فَقُعَسا وتَذُمّ عَبَساألا لِلّهِ أُمّكَ مِنْ هَجِينِ
ولوْ أقْوَتْ عَلَـيْكَ دِيارُ عَبْسٍعَرَفتَ الذّلّ عِرْفـانَ الـيَقِـينِ
يعنـي عرفـانا به يقـينا.
فتأويـل الكلام: وللدار الاَخرة خير للذين اتقوا الله بأداء فرائضه واجتناب معاصيه.
وقوله: أفَلا تَعْقِلُونَ يقول: أفلا يعقل هؤلاء الـمشركون بـالله حقـيقة ما نقول لهم ونـخبرهم به من سوء عاقبة الكفر, وغبّ ما يصير إلـيه حال أهله مع ما قد عاينوا ورأوا وسمعوا مـما حلّ بـمن قبلهم من الأمـم الكافرة الـمكذّبة رسل بها.
الآية : 110
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {حَتّىَ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرّسُلُ وَظَنّوَاْ أَنّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَآءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجّيَ مَن نّشَآءُ وَلاَ يُرَدّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً يوحي إلـيهم من أهل القُرى, فدعوا من أرسلنا إلـيهم, فكذّبوهم, وردّوا ما أتوا به من عند الله, حتـى إذا استـيأس الرسل الذين أرسلناهم إلـيهم منهم أن يؤمنوا بـالله, ويصدّقوهم فـيـما أتوهم به من عند الله, وظنّ الذين أرسلناهم إلـيهم من الأمـم الـمكذّبة أن الرسل الذين أرسلناهم, قدكذبوهم فـيـما كانوا أخبروهم عن الله من وعده إياهم نصرهم علـيهم, جاءهم نصرنا. وذلك قول جماعة من أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
15261ـ حدثنا أبو السائب سلـم بن جنادة, قال: حدثنا أبو معاوية, عن الأعمش, عن مسلـم, عن ابن عبـاس, فـي قوله: حتـى إذَا اسْتَـيْأَسَ الرّسُلُ وَظَنّوا أنّهُمْ قَد كُذِبُوا قال: لـما أيست الرسل أن يستـجيب لهم قومهم, وظنّ قومهم أن الرسل قد كذبوهم, جاءهم النصر علـى ذلك, فننـجي من نشاء.
حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا أبو معاوية الضرير, قال: حدثنا الأعمش, عن مسلـم, عن ابن عبـاس بنـحوه, غير أنه قال فـي حديثه, قال: أيست الرسل, ولـم يقل: لـما أيست.
15262ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا مؤمل, قال: حدثنا سفـيان, عن عطاء بن السائب, عن سعيد بن جبـير: حتـى إذَا اسْتَـيْأَسَ الرّسُلُ أن يسلـم قومهم, وظنّ قوم الرسل أن الرسل قد كذَبوا جاءهم نصرنا.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا مؤمل, قال: حدثنا سفـيان, عن الأعمش, عن أبـي الضحى, عن ابن عبـاس, مثله.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عمران بن عيـينة, عن عطاء, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس: حتـى إذَا اسْتَـيْأَسَ الرّسُلُ وظَنّوا أَنّهُمْ قَدْ كُذِبُوا قال: حتـى إذا استـيأس الرسل من قومهم, وظنّ قومهم أن الرسل قد كذَبوا, جاءَهُمْ نَصْرُنا.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن حصين, عن عمران السلـمي, عن ابن عبـاس: حتـى إذَا اسْتَـيأَسَ الرّسُلُ وظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كُذِبُوا أيس الرسل من قومهم أن يصدّقوهم, وظنّ قومهم أن الرسل قد كذبتهم.
حدثنا عمرو بن عبد الـحميد, قال: حدثنا جرير, عن حصين, عن عمرا بن الـحرث السلـمي, عن عبد الله بن عبـاس, فـي قوله: حتـى إذَا اسْتَـيأَسَ الرّسُلُ قال: استـيأس الرسل من قومهم أن يستـجيبوا لهم وَظَنّوا أنّهُمْ قَد كُذِبُوا قال: ظنّ قومهم أنهم جاءوهم بـالكذب.
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن إدريس, قال: سمعت حصينا, عن عمران بن الـحرث, عن ابن عبـاس: حَتَـى إذَا اسْتَـيأَسَ الرّسُلُ من أن يستـجيب لهم قومهم, وظنّ قومهم أن قد كذبوهم, جاءَهُمْ نَصْرُنا.
حدثنـي أبو حصين عبد الله بن أحمد بن يونس, قال: حدثنا عبثر, قال: حدثنا حصين, عن عمران بن الـحارث, عن ابن عبـاس, فـي هذه الآية: حَتـى إذَا اسْتَـيْأَسَ الرّسُلُ قال: استـيأس الرسل من قومهم أن يؤمنوا, وظنّ قومهم أن الرسل قد كذبوهم فـيـما وعدوا وكذبوا, جاءَهُمْ نَصْرُنا.
حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا ابن أبـي عديّ, عن شعبة, عن حصين, عن عمران بن الـحرث, عن ابن عبـاس, قال: حتـى إذَا اسْتَـيْأَسَ الرّسُلُ من نصر قومهم وَظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كُذِبُوا ظنّ قومهم أنهم قد كذبوهم.
حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا مـحمد بن الصبـاح, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا حصين, عن عمران بن الـحرث, عن ابن عبـاس, فـي قوله: حتـى إذَا اسْتَـيْأَسَ الرّسُلُ قال: من قومهم أن يؤمنوا بهم, وأن يستـجيبوا لهم, وظنّ قومهم أن الرسل قد كذبوهم جاءَهُمْ نَصْرُنا يعنـي الرسل.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عمرو بن عون, قال: أخبرنا هشيـم, عن حصين, عن عمران بن الـحرث, عن ابن عبـاس بـمثله سواء.
حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا عبد الوهاببن عطاء, عن هارون, عن عبـاد القرشي, عن عبد الرحمن بن معاوية, عن ابن عبـاس: وَظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كُذِبُوا خفـيفة, وتأويـلها عنده, وظنّ القوم أن الرسل قد كَذَبوا.
حدثنا أبو بكر, قال: حدثنا طلق بن غنام, عن زائدة, عن الأعمش, عن مسلـم, عن ابن عبـاس, قال: حتـى إذَا اسْتَـيْأَسَ الرّسُلُ من قومهم أن يصدّقوهم, وظنّ قومهم أن قد كذبتهم رسلهم, جاءَهُمْ نَصْرُنا.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: حتـى إذَا اسْتَـيْأَسَ الرّسُلُ وظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كُذِبُوا يعنـي: أيس الرسل من أن يتبعهم قومهم, وظنّ قومهم أن الرسل قد كَذَبوا, فـينصر الله الرسل, ويبعث العذاب.
حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس قوله: حتـى إذَا اسْتَـيْأَسَ الرّسُلُ وَظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا حتـى إذا استـيأس الرسل من قومهم أن يطيعوهم ويتبعوهم, وظنّ قومهم أن رسلهم كذبوهم جاءهم نصرنا.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا مـحمد بن فضيـل, عن حصين, عن عمران بن الـحرث, عن ابن عبـاس: حتـى إذَا اسْتَـيْأَسَ الرّسُلُ من قومهم وَظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كُذِبُوا قال: فما أبطأ علـيهم لا من ظنّ أنهم قد كذَبوا.
قال: حدثنا آدم العسقلانـي, قال: حدثنا شعبة, قال: أخبرنا حصين بن عبد الرحمن, عن عمران بن الـحرث قال: سمعت ابن عبـاس يقول: وَظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كُذِبُوا خفـيفة. وقال ابن عبـاس: ظنّ القوم أن الرسل قد كذبوهم خفـيفة.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا جرير, عن عطاء, عن سعيد بن جبـير, فـي قوله: حتـى إذَا استْـيْأَسَ الرّسُلُ من قومهم, وظنّ قومهم أن الرسل قد كذبوهم.
قال: حدثنا مـحمد بن فضيـل, عن خصيف, قال: سألت سعيد بن جبـير, عن قوله: حتـى إذا استْـيَأَس الرّسُلُ من قومهم, وظنّ الكفـار أنهم هم كُذِبوا.
حدثنـي يعقوب والـحسن بن مـحمد, قالا: حدثنا إسماعيـل بن علـية. قال: حدثنا كلثوم بن جبر, عن سعيد ابن جبـير, قوله: حتـى إذَا اسْتَـيْأَسَ الرّسُلُ من قومهم أن يؤمنوا, وظنّ قومهم أن الرسل قد كذبتهم.
15263ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عارم أبو النعمان, قال: حدثنا حماد بن زيد, قال: حدثنا شعيب, قال: ثنـي إبراهيـم بن أبـي حرّة الـجزري, قال: سأل فتـى من قريش سعيد بن جبـير, فقال له: يا أبـا عبد الله كيف تقرأ هذا الـحرف فإنـي إذا أتـيت علـيه تـمنـيت أن لا أقرأ هذه السورة حتـى إذَا اسْتَـيْأَسَ الرّسُلُ وَظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كُذِبُوا؟ قال: نعم, حتـى إذا استـيأس الرسل من قومهم أن يصدّقوهم, وظنّ الـمرسل إلـيهم أن الرسل كذبوا. قال: فقال الضحاك بن مزاحم: ما رأيت كالـيوم قط رجلاً يدعى إلـى علـم فـيتلكأ, لو رحلت فـي هذه إلـى الـيـمن كان قلـيلاً.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا الـحجاج, قال: حدثنا ربـيعة بن كلثوم, قال: ثنـي أبـي, أن مسلـم بن يسار, سأل سعيد بن جبـير فقال: يا أبـا عبد الله, آية بلغت منـي كل مبلغ: حتـى إذَا اسْتَـيْأَسَ الرّسُلُ وظَنّوا أنّهمْ قَدْ كُذِبُوا فهذا الـموتُ, أن تظنّ الرسل أنهم قد كُذِبوا, أو نظنّ أنهم قد كَذَبوا مخففة؟ قال: فقال سعيد بن جبـير: يا أبـا عبد الرحمن, حتـى إذا استـيأس الرسل من قومهم أن يستـجيبوا لهم, وظنّ قومهم أن الرسل كذبتهم جاءَهُمْ نَصْرُنا فَنُـجّيَ مَنْ نَشاءُ, وَلا يُرَدّ بأْسُنا عَنِ القَوْمِ الـمُـجْرِمِينَ. قال: فقال مسلـم إلـى سعيد, فـاعتنقه وقال: فرّج الله عنك كما فرّجت عنـي.
حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا يحيى بن عبـاد, قال: حدثنا وهيب, قال: حدثنا أبو الـمعلـى العطار, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس: حتـى إذَا اسْتَـيْأَسَ الرّسُلُ وَظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كُذِبُوا قال: استـيأس الرسل من إيـمان قومهم وظنّ قومهم أن الرسل قد كذبوهم, ما كانوا يخبرونهم ويبلغونهم.
15264ـ قال: حدثنا شبـابة, قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله حتـى إذَا اسْتَـيْأَسَ الرّسُلُ أن يصدّقهم قومهم, وظنّ قومهم أن الرسل قد كذبوا, جاء الرسل نصرنا.
حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
حدثنـي الـمثنى. قال: حدثنا الـحجاج, قال: حدثنا حماد, عن عطاء بن السائب, عن سعيد بن جبـير, فـي هذه الآية: حتـى إذَا استْـيَأَسَ الرّسُلُ من قومهم. وظن قومهم أن الرسل قد كذبت.
قال: حدثنا حماد, عن كلثوم بن جبر, قال: قال لـي سعيد بن جبـير: سألنـي سعيد من ساداتكم عن هذه الآية. فقلت: استـيأس الرسل من قومهم, وظنّ قومهم أن الرسل قد كذبت.
15265ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: حتـى إذَا اسْتَـيْأَسَ الرّسُلُ وَظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كُذِبُوا قال: استـيأس الرسل أن يؤمن قومهم بهم, وظنّ قومهم الـمشركون أن الرسل قد كُذِبوا ما وعدهم الله من نصره إياهم علـيهم وأُخـلِفوا. وقرأ: جاءَهُمْ نَصْرُنا قال: جاء الرسل النصر حينئذٍ, قال: وكان أبّـي يقرؤها: «كُذِبُوا».
15266ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا عبد الوهاب بن عطاء, عن سعيد, عن أبـي الـمتوكل, عن أيوب ابن أبـي صفوان, عن عبد الله بن الـحرث, أنه قال: حتـى إذَا اسْتَـيْأَسَ الرّسُلُ من إيـمان قومهم وَظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كُذِبُوا وظن القوم أنهم قد كذبوهم فـيـما جاءوهم به.
15267ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا عبد الوهاب, عن جويبر, عن الضحاك, قال: ظنّ قومهم أن رسلهم قد كذبوهم فـيـما وعدوهم به.
15268ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا مـحمد بن فضيـل, عن جحش بن زياد الضبـي, عن تـميـم ابن حذلـم, قال: سمعت عبد الله بن مسعود يقول فـي هذه الآية: «حتـى إذَا اسْتَـيْأَسَ الرّسُلُ وَظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كَذَبُوا» قال: استـيأس الرسل من إيـمان قومهم أن يؤمنوا بهم, وظنّ قومهم حين أبطأ الأمر أنه قد كَذَبُوا بـالتـخفـيف.
حدثنا أبو الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن أبـي الـمعلـى, عن سعيد بن جبـير, فـيقوله: حتـى إذَا اسْتَـيأَسَ الرّسُل قال: استـيأس الرسل من نصر قومهم, وظنّ قوم الرسل أن الرسل قد كَذَبوهم.
حدثنا أحمد بن إسحاق, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا عمرو بن ثابت, عن أبـيه, عن سعيد بن جبـير: حتـى إذَا اسْتَـيْأَسَ الرّسُلُ أن يصدّقوهم, وظنّ قومهم أن الرسل قد كذبوهم.
قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا إسرائيـل, عن عطاء بن السائب, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس: حتـى إذَا اسْتَـيْأَسَ الرّسُلُ أن يصدّقهم قومهم, وظنّ قومهم أن الرسل قد كذبوهم.
حُدثت عن الـحسين بن الفرج, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان, قال: سمعت الضحاك فـي قوله: حتـى إذَا اسْتَـيْأَسَ الرّسُلُ يقول: استـيأسوا من قومهم أن يجيبوهم, ويؤمنوا بهم, وظنوا: يقول: وظنّ قوم الرسل أن الرسل قد كذبوهم الـموعد.
والقراءة علـى هذا التأويـل الذي ذكرنا فـي قوله: كُذِبُوا بضم الكاف وتـخفـيف الذال, وذلك أيضا قراءة بعض قرّاء أهل الـمدينة وعامّة قرّاء أهل الكوفة.
وإنـما اخترنا هذا التأويـل وهذه القراءة, لأن ذلك عقـيب قوله: وَما أرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إلاّ رِجالاً نُوحِي إلَـيْهِمْ مِنْ أهْل القُرَى أفَلَـم يَسِيرُوا فـي الأرْضِ فَـيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فكان ذلك دلـيلاً علـى أن إياس الرسل كان من إيـمان قومهم الذين أهلكوا, وأن الـمضمر فـي قوله: وظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كُذِبُوا إنـما هو من ذكر الذين من قبلهم من الأمـم الهالكة, وزاد ذلك وضوحا أيضا إتبـاع الله فـي سياق الـخبر عن الرسل وأمـمهم قوله: فَنُـجّيَ مَنْ نَشاءُ إذ الذين أهلكوا هم الذين ظنوا أن الرسل قد كذبتـم, فكَذّبُوهم ظنّا منهم أنهم قد كَذَبُوهم.
وقد ذهب قوم مـمن قرأ هذه القراءة إلـى غير التأويـل الذي اخترنا, ووجهوا معناه إلـى: حتـى إذا استـيأس الرسل من إيـمان قومهم, وظنت الرسل أنهم قد كذبوا فـيـما وعدوا من النصر. ذكر من قال ذلك:
15269ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا عثمان بن عمر, قال: حدثنا ابن جريج, عن ابن أبـي ملـيكة, قال: قرأ ابن عبـاس: حتـى إذَا اسْتَـيْأَسَ الرّسُلُ وَظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كُذِبُوا قال: كانوا بشرا ضعفوا ويئسوا.
15270ـ قال: حدثنا حجاج بن مـحمد, عن ابن جريج, قال: أخبرنـي ابن أبـي ملـيكة, عن ابن عبـاس, قرأ: وَظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كُذِبُوا خفـيفة. قال ابن جريج: أقول كما يقول: أخـلفوا. قال عبد الله: قال لـي ابن عبـاس: كانوا بشرا, وتلا ابن عبـاس: حتـى يَقُولَ الرّسُولُ والّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتـى نَصْرُ اللّهِ ألا إنّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ. قال ابن جريج: قال ابن أبـي ملـيكة: ذهب بها إلـى أنهم ضعفوا فظنوا أنهم أخـلفوا.
15271ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا مؤمل, قال: حدثنا سفـيان, عن الأعمش, عن أبـي الضحى, عن مسروق عن عبد الله, أنه قرأ: حتـى إذَا اسْتَـيْأَسَ الرّسُلُ وَظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كُذِبُوا مخففة, قال عبد الله: هو الذي تكره.
قال: حدثنا أبو عامر, قال: حدثنا سفـيان, عن سلـيـمان, عن أبـي الضحى, عن مسروق, أن رجلا سأل عبد الله بن مسعود: حَتـى إذا اسْتَـيْأَسَ الرّسُلُ وَظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كُذِبُوا قال: هو الذي تكره, مخففة.
15272ـ قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن أبـي بشر, عن سعيد بن جبـير, أنه قال فـي هذه الآية: حتـى إذَا اسْتَـيْأَسَ الرّسُلُ وَظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كُذِبُوا قلت: كُذِبُوا؟ قال: نعم ألـم يكونوا بشرا.
15273ـ حدثنا الـحارث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال: حدثنا إسرائيـل, عن سماك, عن عكرمة, عن ابن عبـاس, فـي قوله: حتـى إذَا اسْتَـيْأَسَ الرّسُلُ وَظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كُذِبُوا قال: كانوا بشرا قد ظنوا.
وهذا تأويـلٌ وقولٌ, غيره من أهل التأويـل أولـى عندي بـالصواب, وخلافه من القول أشبه بصفـات الأنبـياء والرسل, إن جاز أن يرتابوا بوعد الله إياهم ويشكوا فـي حقـيقة خبره مع معاينتهم من حجج الله وأدلته ما لا يعاينه الـمرسَل إلـيهم, فـيعذروا فـي ذلك أن الـمرسل إلـيهم لأولـى فـي ذلك منهم بـالعذر, وذلك قول إن قاله قائل لا يخفـى أمره. وقد ذكر هذا التأويـل الذي ذكرناه أخيرا عن ابن عبـاس لعائشة, فأنكرته أشدّ النكرة فـيـما ذُكر لنا. ذكر الرواية بذلك عنها رضوان الله علـيها:
15274ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا عثمان بن عمر, قال: حدثنا ابن جريج, عن ابن أبـي ملـيكة, قال: قرأ ابن عبـاس: حتـى إذَا اسْتَـيْأَسَ الرّسُلُ وظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كُذِبُوا فقال: كانوا بشرا ضعفوا ويئسوا, قال ابن أبـي ملـيكة: فذكرت ذلك لعروة, فقال: قالت عائشة: معاذ الله, ما حدّث الله رسوله شيئا قطّ إلا علـم أنه سيكون قبل أن يـموت, ولكن لـم يزل البلاء بـالرسل, حتـى ظنّ الأنبـياء أن من تبعهم قد كذبوهم. فكانت تقرؤها: «قد كُذّبوا» تثقلها.
قال: حدثنا حجاج, عن ابن جريج, قال: أخبرنـي ابن أبـي ملـيكة, أن ابن عبـاس قرأ: وَظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كُذِبُوا خفـيفة قال عبد الله: ثم قال لـي ابن عبـاس: كانوا بشرا. وتلا ابن عبـاس: حتـى يَقُولَ الرّسُولُ والّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتـى نَصْرُ اللّهِ ألا إنّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ. قال ابن جريج: قال ابن أبـي ملـيكة: يذهب بها إلـى أنهم ضعفوا, فظنوا أنهم أخـلفوا. قال ابن جريج: قال ابن أبـي ملـيكة: وأخبرنـي عروة عن عائشة, أنها خالفت ذلك وأبته, وقالت: ما وعد الله مـحمدا صلى الله عليه وسلم من شيء إلا وقد علـم أنه سيكون حتـى مات, ولكنه لـم يزل البلاء بـالرسل حتـى ظنوا أن من معهم من الـمؤمنـين قد كَذّبوهم. قال ابن أبـي ملـيكة فـي حديث عروة: كانت عائشة تقرؤها: «وظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كُذّبُوا» مثّقله, للتكذيب.
15275ـ قال: حدثنا سلـيـمان بن داود الهاشمي, قال: حدثنا إبراهيـم بن سعد, قال: ثنـي صالـح بن كيسان, عن ابن شهاب, عن عروة, عن عائشة قال: قلت لها قوله: حتـى إذَا اسْتَـيْأَسَ الرّسُلُ وَظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كُذِبُوا قال: قالت عائشة: لقد استـيقنوا أنهم قد كذّبوا. قلت: كُذبُوا؟ قالت: معاذ الله, لـم تكن الرسل تُظنّ يوما, إنـما هم أتبـاع الرسل لـمّا استأخر عنهم الوحي واشتدّ علـيهم البلاء ظنّت الرسل أن أتبـاعهم قد كذّبوهم جاءَهُمْ نَصْرُنا.
15276ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن الزهري, عن عروة, عن عائشة, قالت: حتـى إذا استـيأس الرجل مـمن كذبهم من قومهم أن يصدّقوهم, وظنت الرسل أن من قد آمن من قومهم قد كذبوهم, جاءهم نصر الله عند ذلك.
فهذا رُوي فـي ذلك عن عائشة, غير أنها كانت تقرأ: «كُذّبوا» بـالتشديد وضمّ الكاف, بـمعنى ما ذكرنا عنها, من أن الرسل ظنت بأتبـاعها الذين قد آمنوا بهم أنهم قد كذبوهم, فـارتدّوا عن دينهم, استبطاءً منهم للنصر.
وقد بـيّنا أن الذي نـختار من القراءة فـي ذلك والتأويـل غيره فـي هذا الـحرف خاصة.
وقال آخرون مـمن قرأ قوله: «كُذّبُوا» بضم الكاف وتشديد الذال, معنى ذلك: حتـى إذا استـيأس الرسل من قومهم أن يؤمنوا بهم ويصدّقوهم, وظنت الرسل: بـمعنى واستـيقنت أنهم قد كذّبهم أمـمُهم جاءت الرسلَ نُصْرَتُنا وقالوا: الظنّ فـي هذا بـمعنى العلـم, من قول الشاعر:
فَظُنّوا بألْفَـيْ فـارِسٍ مُتَلَبّبسَرَاتُهُم فـي الفـارِسِيّ الـمُسَرّدِ
15277ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, عن الـحسن, وهو قول قتادة: حتـى إذَا اسْتَـيْأَسَ الرّسُلُ من إيـمان قومهم, «وظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كُذّبُوا»: أي استـيقنوا أنه لا خير عند قومهم, ولا إيـمان, جاءهم نصرنا.
15278ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: حتـى إذَا اسْتَـيْأَسَ الرّسُلُ قال: من قومهم «وظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كُذّبُوا» قال: وعلـموا قد كُذّبوا, جاءَهُمْ نَصْرُنا.
وبهذه القراءة كانت تقرأ عامة قرّاء الـمدينة والبصرة والشام, أعنـي بتشديد الذال من «كذبوا» وضمّ كافها. وهذا التأويـل الذي ذهب إلـيه الـحسن وقتادة فـي ذلك إذا قرىء بتشديد الذال وضمّ الكاف خلاف لـما ذكرنا من أقوال جميع من حكينا قوله من الصحابة, لأنه لـم يوجّه الظنّ فـي هذا الـموضع منهم أحد إلـى معنى العلـم والـيقـين, مع أن الظنّ إنـما استعمله العرب فـي موضع العلـم فـيـما كان من علـم أدرك من جهة الـخبر أو من غير وجه الـمشاهدة والـمعاينة, فأما ما كان من علـم أدرك من وجه الـمشاهدة والـمعاينة فإنها لا تستعمل فـيه الظنّ, لا تكاد تقول: أظننـي حيّا وأظننـي إنسانا, بـمعنى: أعلـمنـي إنسانا وأعلـمنـي حيّا. والرسل الذين كذّبتهم أمـمهم, لا شكّ أنها كانت لأمـمها شاهدة ولتكذيبها إياها منها سامعة, فـيقال فـيها: ظنّت بأمـمها أنها كذبتها.
ورُوي عن مـجاهد فـي ذلك قول هو خلاف جميع ما ذكرنا من أقوال الـماضين الذين سمينا أسماءهم وذكرنا أقوالهم وتأويـل خلاف تأويـلهم وقراءة غير قراءة جميعهم, وهو أنه فـيـما ذكر عنه كان يقرأ: «وظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كَذَبُوا» بفتـح الكاف والذال وتـخفـيف الذال. ذكر الرواية عنه بذلك:
15279ـ حدثنـي أحمد بن يوسف, قال: حدثنا أبو عبـيد, قال: حدثنا حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, أنه قرأها: «كَذَبُوا» بفتـح الكاف بـالتـخفـيف. وكان يتأوّله كما:
15280ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد: استـيأس الرجل أن تَعذّبَ قومهم, وظنّ قومهم أن الرسل قد كذَبوا, جاءهم نصرنا, قال: جاء الرسل نصرُنا. قال مـجاهد: قال فـي الـمؤمن: فَلَـمّا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا بـالبَـيّناتِ فَرِحُوا بِـمَا عِنْدَهُمْ مِنَ العِلْـمَ قال: قولهم نـحن أعلـم منهم, ولن نعذّب. وقوله: وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ قال: حاق بهم ما جاءت به رسلهم من الـحقّ.
وهذه القراءة لا أستـجيز القراءة بها لإجماع الـحجة من قرّاء الأمصار علـى خلافها, ولو جازت القراءة بذلك لاحتـمل وجها من التأويـل وهو أحسن مـما تأوّله مـجاهد, وهو: حَتـى إذَا استَـيأس الرسُلُ من عذاب الله قومَها الـمكذّبة بها, وظنت الرسلُ أن قومها قد كَذّبوا وافتروا علـى الله بكفرهم بها. ويكون الظنّ موجها حينئذٍ إلـى معنى العلـم, علـى ما تأوّله الـحسن وقتادة.
وأما قوله: فَنُـجّيَ مَنْ نَشاءُ فإن القرّاء اختلفت فـي قراءته, فقرأه عامة قرّاء أهل الـمدينة ومكة والعراق: «فَنُنَـجّي مَنْ نَشاءُ» بنونـين, بـمعنى: فننـجي نـحن من نشاء من رسلنا والـمؤمنـين بنا, دون الكافرين الذين كذّبوا رسلنا إذا جاء الرسلَ نصرُنا. واعتلّ الذين قرءوا ذلك كذلك أنه إنـما كُتب فـي الـمصحف بنون واحدة, وحكمه أن يكون بنونـين, لأن إحدى النونـين حرف من أصل الكلـمة, من أنـجى يُنـجي, والأخرى النون التـي تأتـي لـمعنى الدلالة علـى الاستقبـال, من فعل جماعة مخبرة عن أنفسها, لأنهما حرفـان أعنـي النونـين من جنس واحد يخفـي الثانـي منهما عن الإظهار فـي الكلام, فحذفت من الـخط واجتزىء بـالـمثبتة من الـمـحذوفة, كما يفعل ذلك فـي الـحرفـين اللّذين يدغم أحدهما فـي صاحبه. وقرأ ذلك بعض الكوفـيـين علـى هذا الـمعنى, غير أنه أدغم النون الثانـية وشدّد الـجيـم. وقرأه آخر منهم بتشديد الـجيـم ونصب الـياء علـى معنى فعل ذلك به من نـجيته أنـجيه. وقرأ ذلك بعض الـمكيـين: «فَنَـجا مَنْ نَشاءُ» بفتـح النون والتـخفـيف, من نـجا من عذاب الله من نشاء ينـجو.
والصواب من القراءة فـي ذلك عندنا قراءة من قرأ: «فَنُنَـجّي مَنْ نَشاءُ» بنونـين, لأن ذلك هو القراءة التـي علـيها القِرَاءة فـي الأمصار, وما خالفه مـمن قرأ ذلك ببعض الوجوه التـي ذكرناها فمنفرد بقراءته عما علـيه الـحجة مـجمعة من القرّاء, وغير جائز خلاف ما كان مستفـيضا بـالقراءة فـي قِرَاءة الأمصار. وتأويـل الكلام: فننـجي الرسل ومن نشاء من عبـادنا الـمؤمنـين إذا جاء نصرنا كما:
15281ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال ثنـي عمي: قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس: «فَنُنَـجّي مَنْ نَشاءُ» فننـجّي الرسل ومن نشاء, وَلا يُرَدّ بأْسُنا عَنِ القَوم الـمُـجْرِمِينَ وذلك أن الله تبـارك وتعالـى بعث الرسل, قدعَوا قومهم. وأخبروهم أنه من أطاع نـجا ومن عصاه عُذّب وغَوَى.
وقوله وَلا يُرَدّ بأْسُنا عَن القَوْمِ الـمُـجْرِمِينَ يقول: ولا تردّ عقوبتنا وبطشنا بـمن بطشنا به من أهل الكفر بنا عن القوم الذين أجرموا, فكفروا بـالله وخالفوا رسله وما أتوهم به من عنده.
الآية : 111
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لاُوْلِي الألْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَىَ وَلَـَكِن تَصْدِيقَ الّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: لقد كان فـي قصص يوسف وإخوته عِبرة لأهل الـحِجا والعقول, يعتبرون بها وموعظة يتعظون بها وذلك أن الله جلّ ثناؤه بعد أن ألقـي يوسف فـي الـجبّ لـيهلك, ثم بِـيع بـيع العبـيد بـالـخسيس من الثمن, وبعد الإسار والـحبس الطويـل ملّكه مصر ومكّن له فـي الأرض وأعلاه علـى من بغاه سوءا من إخوته, وجمع بـينه وبـين والديه وإخوته بقدرته بعد الـمدّة الطويـلة, وجاء بهم إلـيه من الشّقّة النائية البعيدة. فقال جلّ ثناؤه للـمشركين من قريش من قوم نبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: لقد كان لكم أيّها القوم فـي قَصَصهم عبرة لو اعتبرتـم به, أن الذي فعل ذلك بـيوسف وإخوته لا يتعذّر علـيه أن يفعل مثله بـمـحمد صلى الله عليه وسلم, فـيخرجه من بـين أظهركم ثم يظهره علـيكم ويـمكن له فـي البلاد ويؤيده بـالـجند والرجال من الأتبـاع والأصحاب, وإن مرّت به شدائد وأتت دونه الأيام واللـيالـي والدهور والأزمان.
وكان مـجاهد يقول: معنى ذلك: لقد كان فـي قصصهم عبرة لـيوسف وإخوته. ذكر الرواية بذلك:
15282ـ حدثنا مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قوله: لَقَدْ كانَ فـي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لـيوسف وإخوته.
حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا شبـابة, قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: عبرة لـيوسف وإخوته.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, قوله: لَقَدْ كانَ فِـي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُولـى الألْبـاب قال: يوسف وإخوته.
وهذا القول الذي قاله مـجاهد وإن كان له وجه يحتـمله التأويـل, فإن الذي قلنا فـي ذلك أولـى به لأن ذلك عقـيب الـخبر عن نبـينا صلى الله عليه وسلم وعن قومه من الـمشركين, وعقـيب تهديدهم ووعيدهم علـى الكفر بـالله وبرسوله مـحمد صلى الله عليه وسلم, ومنقطع عن خبر يوسف وإخوته, ومع ذلك أنه خبر عامّ عن جميع ذوي الألبـاب, أن قصصهم لهم عبرة, وغير مخصوص بعض به دون بعض. فإذا كان الأمر علـى ما وصفت فـي ذلك, فهو بأن يكون خبرا عن أنه عبرة لغيرهم أشبه, والرواية التـي ذكرناها عن مـجاهد من رواية ابن جريج أشبه به أن تكون من قوله لأن ذلك موافق القول الذي قلناه فـي ذلك.
وقوله: ما كانَ حَديثا يُفْتَرَى يقول تعالـى ذكره: ما كان هذا القول حديثا يُختلَق ويُتَكَذّب ويتـخرّص. كما:
15283ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: ما كانَ حَدِيثا يُفْتَرَى والفِرية: الكذب.
ولكِنْ تَصْدِيقَ الّذِي بـينَ يَدَيْه يقول: ولكنه تصديق الذي بـين يديه من كتب الله التـي أنزلها قبله علـى أنبـيائه, كالتوراة والإنـجيـل والزبور, ويصدّق ذلك كله ويشهد علـيه أن جميعه حقّ من عند الله. كما:
15284ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الّذي بـينَ يَدَيْهِ والفرقان تصديق الكتب التـي قبله, ويشهد علـيها.
وقوله: وَتَفْصِيـلَ كُلّ شَيْءٍ يقول تعالـى ذكره: وهو أيضا تفصيـل كلّ ما بـالعبـاد إلـيه حاجة من بـيان أمر الله ونهيه وحلاله وحرامه وطاعته ومعصيته.
وقوله: وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ يقول تعالـى ذكره: وهو بـيان أمره, ورشاد من جَهِلَ سبـيـل الـحقّ فعمِي عنه إذا تبعه فـاهتدى به من ضلالته ورحمة لـمن آمن به وعمل بـما فـيه, ينقذه من سخط الله وألـيـم عذابه, ويورثه فـي الاَخرة جنانه والـخـلود فـي النعيـم الـمقـيـم. لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ يقول: لقوم يصدّقون بـالقرآن وبـما فـيه من وعد الله ووعيده وأمره ونهيه, فـيعملون بـما فـيه من أمره وينتهون عما فـيه من نهيه.
نهاية تفسير الإمام الطبرى لسورة يوسف