تفسير الطبري تفسير الصفحة 249 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 249
250
248
 سورة الرعد
مَدنـيّة
وآيَاتها ثَلاثٌ وأربَعُونَ
القول فـي تفسير السورة التـي يذكر فـيها الرعد
بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيـمِ
الآية : 1
{الَمَر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَالّذِيَ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رّبّكَ الْحَقّ وَلَـَكِنّ أَكْثَرَ النّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ }.
قال أبو جعفر: قد بـينا القول فـي تأويـل قوله (الر) و (الـمر) ونظائرهما من حروف الـمعجم التـي افتتـح بها أوائل بعض سور القرآن فـيـما مضى بـما فـيه الكفـاية من إعادتها, غير أنا نذكر من الرواية ما جاء خاصّا به كلّ سورة افتُتِـح أوّلها بشيء منها. فمـما جاء من الرواية فـي ذلك فـي هذه السورة عن ابن عبـاس من نقل أبـي الضحى مسلـم بن صبـيح وسعيد بن جبـير عنه, التفريق بـين معنى ما ابتدىء به أوّلها مع زيادة الـميـم التـي فـيها علـى سائر سور ذوات الراء, ومعنى ما ابتدىء به أخواتها, مع نقصان ذلك منها عنها. ذكر الرواية بذلك عنه:
15285ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا عبد الرحمن, عن هشيـم, عن عطاء بن السائب, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس: الـمر قال: أنا الله أرى.
حدثنا أحمد بن إسحاق, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا شريك, عن عطاء بن السائب, عن أبـي الضحى, عن ابن عبـاس: قوله: الـمر قال: أنا الله أرى.
15286ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو نعيـم الفضل بن دكين, قال: حدثنا سفـيان, عن مـجاهد: الـمر: فواتـح يفتتـح بها كلامه.
وقوله: تِلْكَ آياتُ الكِتاب يقول تعالـى ذكره: تلك التـي قصصت علـيك خبرها آياتُ الكتاب الذي أنزلته قبل هذا الكتاب الذي أنزلته إلـيك إلـى من أنزلته إلـيه من رسلـي قبلك.
وقـيـل: عنى بذلك: التوراة والإنـجيـل. ذكر من قال ذلك:
15287ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: الـمر تِلْكَ آياتُ الكِتابِ الكتب التـي كانت قبل القرآن.
15288ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو نعيـم, قال: حدثنا سفـيان, عن مـجاهد: تِلْكَ آياتُ الكتاب قال: التوراة والإنـجيـل.
وقوله: والّذِي أُنْزِلَ إلَـيْكَ مِنْ رَبّكَ الـحَقّ (وهو القرآن) فـاعمل بـما فـيه واعتصم به.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
15289ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو نعيـم الفضل بن دكين, قال: حدثنا سفـيان, عن مـجاهد: والّذِي أُنْزِلَ إلَـيْكَ مِنْ رَبّكَ الـحَقّ قال: القرآن.
15290ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: والّذِي أُنْزِل إلَـيْكَ مِنْ رَبّكَ الـحَقّ: أي هذا القرآن.
وفـي قوله: وَالّذِي أُنْزِلَ إلَـيْكَ وجهان من الإعراب: أحدهما الرفع علـى أنه كلام مبتدأ, فـيكون مرفوعا ب «الـحق» و «الـحق به». وعلـى هذا الوجه تأويـل مـجاهد وقتادة الذي ذكرنا قبل عنهما. والاَخر: الـخفض علـى العطف به علـى الكتاب, فـيكون معنى الكلام حينئذٍ: تلك آيات التوراة والإنـجيـل والقرآن, ثم يبتدىء الـحقّ بـمعنى ذلك الـحقّ, فـيكون رفعه بـمضمر من الكلام قد استغنـي بدلالة الظاهر علـيه منه. ولو قـيـل: معنى ذلك: تلك آيات الكتاب الذي أنزل إلـيك من ربك الـحقّ, وإنـما أدخـلت الواو فـي «والذي», وهو نعت للكتاب, كما أدخـلها الشاعر فـي قوله:
إلـى الـمَلِكِ القَرْمِ وابنِ الهُمامولَـيْثِ الكَتِـيبَةِ فـي الـمُزْدَحَمْ
فعطف بـالواو, وذلك كله من صفة واحد, كان مذهبـا من التأويـل ولكن ذلك إذا تؤوّل كذلك فـالصواب من القراءة فـي «الـحقّ الـخفض» علـى أنه نعت ل «الذي».
وقوله: وَلكِنّ أكْثَرَ النّاس من مشركي قومك لا يصدقون بـالـحقّ الذي أنزل إلـيك من ربك, ولا يقرّون بهذا القرآن وما فـيه من مـحكم آيِه.
الآية : 2
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {اللّهُ الّذِي رَفَعَ السّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمّ اسْتَوَىَ عَلَى الْعَرْشِ وَسَخّرَ الشّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلّ يَجْرِي لأجَلٍ مّسَمّـى يُدَبّرُ الأمْرَ يُفَصّلُ الاَيَاتِ لَعَلّكُمْ بِلِقَآءِ رَبّكُمْ تُوقِنُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: الله يا مـحمد هو الذي رفع السموات السبع بغير عمد ترونها, فجعلها للأرض سقـفـا مسموكا. والعمد جمع عمود, وهي السواري, وما يُعْمد به البناء, كما قال النابغة:
وخَيّسُ الـجِنّ إنّـي قدْ أذِنْتُ لهُمْيَبْنُونَ تَدْمُرَ بـالصّفّـاح والعَمَدِ
وجمع العمود: عَمَد, كما جمع الأديـم: أَدَم, ولو جمع بـالضم فقـيـل: عُمُد جاز, كما يجمع الرسول: رُسُل, والشّكُور: شُكُر.
واختلف أهل التأويـل فـي تأويـل قوله: رَفَعَ السّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها فقال بعضهم: تأويـل ذلك: الله الذي رفع السموات بعمَد لا ترونها. ذكر من قال ذلك:
15291ـ حدثنا أحمد بن هشام, قال: حدثنا معاذ بن معاذ, قال: حدثنا عمران بن حدير, عن عكرمة, قال: قلت لابن عبـاس: إن فلانا يقول: إنها علـى عَمَد, يعنـي السماء؟ قال: فقال: اقرأها «بغيرِ عَمَدٍ تَرَونها»: أي لا ترونها.
حدثنا الـحسن بن مـحمد بن الصبـاح, قال: حدثنا معاذ بن معاذ, عن عمران بن حُدَير, عن عكرمة, عن ابن عبـاس, مثله.
15292ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا عفـان, قال: حدثنا حماد, قال: حدثنا حميد, عن الـحسن بن مسلـم, عن مـجاهد, قوله: بغَيُرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها قال: بعمد لا ترونها.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا الـحجاج, قال: حدثنا حماد, عن حميد, عن الـحسن بن مسلـم, عن مـجاهد, فـي قول الله: بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوَنْهَا قال: هي لا ترونها.
15293ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا شبـابة, قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد بغير عمد يقول: عمد.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
15294ـ قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الرزاق, عن معمر, عن الـحسن وقتادة, قوله: اللّهُ الّذِي رَفَعَ السّمَوَاتِ بغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها قال قتادة: قال ابن عبـاس: بعَمَد ولكن لا ترونها.
15295ـ حدثنا أحمد بن إسحاق, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا شريك, عن سماك, عن عكرمة, عن ابن عبـاس, قوله: رَفَعَ السّمَوَاتِ بغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها قال: ما يدريك لعلها بعمد لا ترونها؟
ومن تأوّل ذلك كذلك, قصد مذهب تقديـم العرب الـجحد من آخر الكلام إلـى أوّله, كقول الشاعر:
ولا أرَاها تَزَالُ ظالِـمَةًتُـحْدِثُ لـي نَكْبَةً وتَنْكَؤُها
يريد: أراها لا تزال ظالـمة, فقدم الـجحد عن موضعه من تزال, وكما قال الاَخر:
إذَا أعْجَبَتْكَ الدّهْر حالٌ منِ امْرِىءٍفَدَعْهِ وَوَاكِلْ حالَهُ واللّـيالِـيا
يَجِئْنَ علـى ما كانَ مِنْ صَالِـحٍ بِهِوإنْ كانَ فِـيـما لا تَرَى النّاسُ آلِـيا
يعنـي: وإن كان فـيـما يرى الناس لا يألو.
وقال آخرون: بل هي مرفوعة بغير عمد. ذكر من قال ذلك:
15296ـ حدثنـي مـحمد بن خـلف العسقلانـيّ, قال: أخبرنا آدم, قال: حدثنا حماد بن سلـمة, عن إياس بن معاوية, فـي قوله: رَفَعَ السّمَوَاتِ بغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها قال: السماء مقببة علـى الأرض مثل القبة.
15297ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: بغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها قال: رفعها بغير عمد.
وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصحة أن يقال كما قال الله تعالـى: اللّهُ الّذِي رَفَعَ السّمَوَاتِ بغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها فهي مرفوعة بغير عمد نراها, كما قال ربنا جلّ ثناؤه. ولا خبر بغير ذلك, ولا حجة يجب التسلـيـم لها بقول سواه.
وأما قوله: ثُمّ اسْتَوَى علـى العَرْشِ فإنه يعنـي: علا علـيه.
وقد بـيّنا معنى الاستواء واختلاف الـمختلفـين فـيه والصحيح من القول فـيـما قالوا فـيه بشواهده فـيـما مضى بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع.
وقوله: وسَخّرَ الشّمْسَ والقَمَرَ يقول: وأجرى الشمس والقمر فـي السماء, فسخرهما فـيها لـمصالـح خـلقه, وذللهما لـمنافعهم, لـيعلـموا بجريهما فـيها عدد السنـين والـحساب, ويفصلوا به بـين اللـيـل والنهار.
وقوله: كُلّ يَجْرِي لأَجَل مسَمّى يقول جلّ ثناؤه: كل ذلك يجري فـي السماء لأجل مسمى: أي لوقت معلوم, وذلك إلـى فناء الدنـيا وقـيام القـيامة التـي عندها تكوّر الشمس, ويُخسف القمر وتنكدر النـجوم وحذف ذلك من الكلام لفهم السامعين من أهل لسان من نزل بلسانه القرآن معناه, وأنّ «كلّ» لا بدّ لها من إضافة إلـى ما تـحيط به.
وبنـحو الذي قلنا فـي قوله لأَجَل مُسَمّى قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
15298ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: وَسَخّرَ الشّمْسَ والقَمَرَ كُلّ يَجْرِي لأَجَل مُسَمّى قال: الدنـيا.
وقوله: يُدَبّرُ الأمْرَ يقول تعالـى ذكره: يقضي الله الذي رفع السموات بغير عمد ترونها أمور الدنـيا والاَخرة كلها, ويدبر ذلك كله وحده, بغير شريك ولا ظهير ولا معين سبحانه.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
15299ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: يُدَبّرُ الأمْرَ يقضيه وحده.
قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, بنـحوه.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, بنـحوه.
وقوله: يُفَصّلُ الاَياتِ يقول: يفصل لكم ربكم آيات كتابه, فـيبـينها لكم احتـجاجا بها علـيكم أيها الناس, لَعَلّكُمْ بِلِقاءِ رَبّكُمْ تُوقِنُونَ يقول: لتوقنوا بلقاء الله, والـمعاد إلـيه, فتصدّقوا بوعده ووعيده, وتنزجروا عن عبـادة الاَلهة والأوثان, وتـخـلصوا له العبـادة إذا تـيقنتـم ذلك.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
15300ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: لَعَلّكُمْ بِلِقاءِ رَبّكُمْ تُوقِنُونَ وأن الله تبـارك وتعالـى إنـما أنزل كتابه, وأرسل رسله لنؤمن بوعده, ونستـيقن بلقائه.
الآية : 3
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَهُوَ الّذِي مَدّ الأرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَاراً وَمِن كُلّ الثّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي الْلّيْلَ النّهَارَ إِنّ فِي ذَلِكَ لاَيَاتٍ لّقَوْمٍ يَتَفَكّرُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: والله الذي مدّ الأرض, فبسطها طولاً وعرضا. وقوله: وَجَعَلَ فِـيها رَوَاسِيَ يقول جلّ ثناؤه: وجعل فـي الأرض جبـالاً ثابتة والرواسي: جمع راسية, وهي الثابتة, يقال منه: أرسيت الوتد فـي الأرض: إذا أثبته, كما قال الشاعر:
بِهِ خالِدَاتٌ ما يَرِمْنَ وهامِدٌوأشْعَثُ أرْسَتْهُ الوَلِـيدَةُ بـالفِهْرِ
يعنـي: أثبتته.
وقوله: وأنهارا يقول: وجعل فـي الأرض أنهارا من ماء. وقوله: وَمِنْ كُلّ الثّمَرَاتِ جَعَلَ فِـيهَا زَوْجيْنِ اثْنَـينِ ف «مِنْ» فـي قوله وَمِنْ كُلّ الثّمَرَاتِ جَعَلَ فِـيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَـيْنِ من صلة «جعل» الثانـي لا الأول. ومعنى الكلام: وجعل فـيها زوجين اثنـين من كلّ الثمرات. وعنى بزوجين اثنـين: من كل ذَكَرٍ اثنان, ومن كل أنثى اثنان, فذلك أربعة من الذكور اثنان ومن الإناث اثنان فـي قول بعضهم. وقد بـيّنا فـيـما مضى أن العرب تسمي الاثنـين زوجين, والواحد من الذكور زوجا لأنثاه, وكذلك الأنثى الواحدة زوجا وزوجة لذكرها, بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع. ويزيد ذلك إيضاحا قول الله عزّ وجلّ: وأنّهُ خَـلَقَ الزّوْجَيْن الذّكَرَ والأُنْثَى فسمى الاثنـين الذكر والأنثى زوجين. وإنـما عنى بقوله: مِنْ كُلّ زَوْجَيْن اثْنَـيْن: نوعين وضربـين.)
وقوله: يُغْشى اللّـيْـلَ النّهارَ يقول: يجلل اللـيـل النهار فـيـلبسه ظلـمته, والنهار اللـيـل بضيائه. كما:
15301ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: يُغْشِي اللّـيْـلَ النّهارَ: أي يـلبس اللـيـلَ النهار.
وقوله: إنّ فِـي ذلكَ لاَياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكّرُونَ يقول تعالـى ذكره: إن فـيـما وصفت وذكرت من عجائب خـلق الله وعظيـم قدرته التـي خـلق بها هذه الأشياء, لدلالات وحججا وعظات, لقوم يتفكرون فـيها فـيستدلون ويعتبرون بها, فـيعلـمون أن العبـادة لا تصلـح ولا تـجوز إلاّ لـمن خـلقها ودبّرها دون غيره من الاَلهة والأصنام التـي لا تقدر علـى ضرّ ولا نفع ولا لشيء غيرها, إلاّ لـمن أنشأ ذلك فأحدثه من غير شيء تبـارك وتعالـى, وأن القدرة التـي أبدع بها ذلك هي القدرة التـي لا يتعذّر علـيه إحياء من هلك من خـلقه وإعادة ما فنـي منه وابتداع ما شاء ابتداعه بها.
الآية : 4
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَفِي الأرْضِ قِطَعٌ مّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنّاتٌ مّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَىَ بِمَآءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضّلُ بَعْضَهَا عَلَىَ بَعْضٍ فِي الاُكُلِ إِنّ فِي ذَلِكَ لاَيَاتٍ لّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: وفـي الأرْض قطَعٌ مُتَـجاوِرَاتٌ: وفـي الأرض قطع منها متقاربـات متدانـيات يقرب بعضها من بعض بـالـجوار, وتـختلف بـالتفـاضل مع تـجاورها وقرب بعضها من بعض, فمنها قطعة سَبِخة لا تنبت شيئا فـي جوار قطعة طيبة تنبت وتنفع.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
15302ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, عن سفـيان, عن لـيث, عن مـجاهد: وفـي الأرْضِ قِطَعٌ مُتَـجاوِرَاتٌ قال: السّبِخة والعَذِيَة, والـمالـح والطيب.
حدثنا أحمد بن إسحاق, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا سفـيان, عن لـيث, عن مـجاهد, قوله: وفِـي الأرْضِ قِطَعٌ مُتَـجاوِرَاتٌ قال: سبـاخ وعُذُوبة.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو نعيـم, قال: حدثنا سفـيان, عن لـيث, عن مـجاهد, مثله.
15303ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا سعيد بن سلـيـمان, قال: حدثنا إسحاق بن سلـيـمان, عن أبـي سنان, عن ابن عبـاس فـي قوله: وفِـي الأرْضِ قِطَعٌ مُتَـجاورَاتٌ قال: العَذِية والسّبِخة.
15304ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: وفِـي الأرْضِ قِطَعٌ مُتَـجاوِرَاتٌ يعنـي: الأرض السّبِخة, والأرض العَذِية, يكونان جميعا متـجاورات, نفضل بعضها علـى بعض فـي الأُكل.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قال: قال ابن عبـاس: قِطَعٌ مُتَـجاوِرَاتٌ العَذِية والسّبِخة متـجاورات جميعا, تنبت هذه, وهذه إلـى جنبها لا تنبت.
حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا شبـابة, قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: قِطَعٌ مُتَـجاوِرَاتٌ طيبها: عَذِيّهَا, وخبـيثها: السبـاخ.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, بنـحوه.
قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
15305ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وفِـي الأرْضِ قِطَعٌ مُتَـجاوِرَاتٌ قرى قربت متـجاورات بعضها من بعض.
حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: وفِـي الأرْضِ قِطَعٌ مُتَـجاوِرَاتٌ قال: قُرًى متـجاورات.
15306ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا هشيـم, عن أبـي إسحاق الكوفـيّ, عن الضحاك, فـي قوله: قِطَعٌ مُتَـجاوِرَاتٌ قال: الأرض السّبِخة تلـيها الأرض العَذِية.
حُدثت عن الـحسين بن الفرج, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: وفِـي الأرْضِ قِطَعٌ مُتَـجاوِرَاتٌ يعنـي الأرض السّبِخة والأرضِ العَذِية, متـجاورات بعضها عند بعض.
حدثنا الـحارث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال: حدثنا إسرائيـل, عن عطاء بن السائب, عن سعيد بن جبـير عن ابن عبـاس, فـي قوله: وفِـي الأرْضِ قِطَعٌ مُتَـجاوِرَاتٌ قال: الأرض تنبت حلُوا, والأرض تنبت حامضا, وهي متـجاورة تُسْقَـى بِـمَاءٍ وَاحِدٍ.
حدثنا أحمد بن إسحاق, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا إسرائيـل, عن عطاء بن السائب, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس: وفِـي الأرْضِ قِطَعٌ مُتَـجاوِرَاتٌ قال: يكون هذا حلُوا وهذا حامضا, وهو يُسْقـى بـماء واحد, وهنّ متـجاورات.
15307ـ حدثنـي عبد الـجبـار بن يحيى الرملـيّ, قال: حدثنا ضَمْرة بن ربـيعة, عن ابن شوذب فـي قوله: وفِـي الأرْضِ قِطَعٌ مُتَـجاوِرَاتٌ قال: عذية ومالـحة.
وقوله: وَجَنّاتٌ مِنْ أعْنابِ وَزَرْعٌ ونَـخِيـلٌ صِنْوَانٌ وغيرُ صِنْوَانٍ يُسْقَـى بِـمَاءٍ وَاحِدٍ ونُفَضّلُ بَعْضَها علـى بَعْضٍ فِـي الأُكُلِ يقول تعالـى ذكره: وفـي الأرض مع القطع الـمختلفـات الـمعانـي منها, بـالـملوحة والعذوبة, والـخبـيث والطيب, مع تـجاورها وتقارب بعضها من بعض, بساتـينُ من أعناب وزرع ونـخيـل أيضا, متقاربة فـي الـخِـلقة مختلفة فـي الطعوم والألوان, مع اجتـماع جميعها علـى شِرب واحد, فمِنْ طيّبٍ طعمُه منها حَسَنٍ منظره طيبة رائحته, ومِن حامض طعمه ولا رائحة له.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
15308ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن عطاء بن السائب, عن سعيد بن جبـير, فـي قوله: وَجَنّاتٌ مِنْ أعْنابٍ وَرَرْعٌ ونَـخِيـلٌ صِنْوَانٍ وغير صْنَوان قال: مـجتـمع وغير مـجتـمع. يُسْقَـى بِـمَاءٍ واحِد ونُفَصّلُ بَعْضَها علـى بَعْضٍ فِـي الأُكُلِ قال: الأرض الواحدة يكون فـيها الـخَوْخ والكمثري والعنب الأبـيض والأسود, وبعضها أكثر حملاً من بعض, وبعضه حلو, وبعضه حامض, وبعضه أفضل من بعض.
15309ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا شبـابة, عن ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: وَجَنّاتٌ قال: وما معها.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد قال الـمثنى, وثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: وَزَرْعٌ ونَـخِيـلٌ فقرأ ذلك عامة قرّاء أهل الـمدينة والكوفة: «وَزَرْعٍ ونَـخِيـلٍ» بـالـخفض عطفـا بذلك علـى «الأعناب», بـمعنى: وفـي الأرض قطع متـجاورات, وجنّات من أعناب ومن زرع ونـخيـل. وقرأ ذلك بعض قرّاء أهل البصرة: وزَرْعٌ ونَـخِيـلٌ بـالرفع عطفـا بذلك علـى «الـجنات», بـمعنى: وفـي الأرض قطع متـجاورات وجنات من أعناب, وفـيها أيضا زرع ونـخيـل.
والصواب من القول فـي ذلك أن يقال: إنهما قراءتان متقاربتا الـمعنى, وقرأ بكلّ واحدة منهما قرّاء مشهورون, فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب وذلك أن الزرع والنـخـل إذا كانا فـي البساتـين فهما فـي الأرض, وإذا كانا فـي الأرض فـالأرض التـي هما فـيها جنة, فسواءٌ وصفـا بأنهما فـي بستان أو فـي أرض.
وأما قوله: ونَـخِيـلٌ صِنْوَانٌ وغيرُ صِنْوَانٍ فإن الصنوان: جمع صنو, وهي النـخَلات يجمعهن أصل واحد, لا يفرّق فـيه بـين جميعه واثْنـيه إلاّ بـالإعراب فـي النون, وذلك أن تكون نونه فـي اثنـيه مكسورة بكل حال, وفـي جميعه متصرّفة فـي وجوه الإعراب, ونظيره القِنْوان: واحدها قِنْو.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
15310ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, عن سفـيان, عن أبـي إسحاق, عن البراء: صِنْوَانٌ قال: الـمـجتـمع, وغيرُ صِنْوَانٍ: الـمتفرّق.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يحيى بن واضح, قال: حدثنا الـحسين, عن أبـي إسحاق, عن البراء, قال: صِنْوَانٌ: هي النـخـلة التـي إلـى جنبها نـخلات إلـى أصلها, وغيرُ صِنْوَانٍ: النـخـلة وحدها.
حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا سفـيان, عن أبـي إسحاق, عن البراء بن عازب: صِنْوَانٌ وغيرُ صِنْوَانٍ قال: الصنوان: النـخـلتان أصلهما واحد, وغيرُ صِنْوَانٍ النـخـلة والنـخـلتان الـمتفرّقتان.
حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن أبـي إسحاق, قال: سمعت البرَاء يقول فـي هذه الآية, قال: النـخـلة يكون لها النـخلات, وغيرُ صِنْوَانٍ النـخـل الـمتفرّق.
حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا عمرو بن الهيثم أبو قطن, ويحيى بن عبـاد وعفـان, واللفظ لفظ أبـي قَطَن, قال: حدثنا شعبة, عن أبـي إسحاق, عن البراء, فـي قوله: صِنْوَانٌ وغيرُ صِنْوَانٍ قال: الصنوان: النـخـلة التـي جنبها النـخَلات, وغيرُ صنْوَانٍ: الـمتفرّق.
حدثنا الـحسن, قال: حدثنا شبـابة, قال: حدثنا إسرائيـل, عن أبـي إسحاق, عن البراء فـي قوله: صِنْوَانٌ وغيرُ صَنْوَانٍ قال: الصنوان: النـخلات الثلاث والأربع والثنتان أصلهنّ واحد, وغير صنوان: الـمتفرّق.
حدثنا أحمد بن إسحاق, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا سفـيان وشريك, عن أبـي إسحاق, عن البراء فـي قوله: صِنْوَانٌ وغيرُ صِنْوَانٍ قال: النـخـلتان يكون أصلهما واحد, وغير صنوان: الـمتفرّق.
15311ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: صِنْوَانٌ يقول: مـجتـمع.
15312ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: ونَـخِيـلٌ صِنْوَانٌ وغيرُ صِنْوانِ يعنـي بـالصنوان: النـخـلة يخرج من أصلها النـخَلات, فَـيحمِل بعضه ولا يحمل بعضه, فـيكون أصله واحدا ورؤوسه متفرّقة.
15313ـ حدثنـي الـحارث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال: حدثنا إسرائيـل, عن عطاء بن السائب, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس, فـي قوله: صِنْوَانٌ وغيرٌ صِنْوَانٍ النـخيـل فـي أصل واحد, وغير صنوانٍ: النـخيـل الـمتفرّق.
15314ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن عطاء, عن سعيد بن جبـير: ونَـخيـلٌ صِنْوَانٌ وغيرُ صِنْوَانٍ قال: مـجتـمع, وغير مـجتـمع.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا النفـيـلـي, قال: حدثنا زهير, قال: حدثنا أبو إسحاق, عن البرَاء, قال: الصنوان: ما كان أصله واحدا وهو متفرّق, وغير صنوان: الذي نبت وحده.
15315ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا شبـابة, قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قوله: صِنْوَانٌ النـخـلتان وأكثر فـي أصل واحد, وَغيرُ صِنْوَانٍ وحدها.
حدثنا الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: صِنْوَانٌ: النـخـلتان أو أكثر فـي أصل واحد, وغيرُ صِنْوَانٍ واحدة.
قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
15316ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, عن سلـمة بن نبـيط, عن الضحاك: صِنْوَانٌ وغيرُ صِنْوَانٍ قال: الصنوان: الـمـجتـمع أصله واحد, وغير صنوان: الـمتفرّق أصله.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عمرو بن عون, قال: أخبرنا هشيـم, عن جويبر, عن الضحاك, فـي قوله: صِنْوانٌ وغيرُ صِنْوَانٍ قال: الصنوان: الـمـجتـمع الذي أصله واحد, وغير صنوان: الـمتفرّق.
15317ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ونَـخِيـلٌ صِنْوَانٌ وغيرُ صِنْوانٍ أما الصنوان: فـالنـخـلتان والثلاث أصولهنّ واحدة وفروعهنّ شتـى, وغير صنوان: النـخـلة الواحدة.
حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: صِنْوَانٌ وغيرُ صِنْوَانٍ قال: صنوان: النـخـلة التـي يكون فـي أصلها نـخـلتان وثلاث أصلهنّ واحد.
15318ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد قوله: ونَـخِيـلٌ صِنْوَانٌ وغيرُ صِنْوَانٍ قال: الصنوان: النـخـلتان أو الثلاث يكنّ فـي أصل واحد, فذلك يعدّه الناس صنوانا.
15319ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, قال: حدثنـي رجل أنه كان بـين عمر بن الـخطاب وبـين العبـاس قول, فأسرع إلـيه العبـاس, فجاء عمر إلـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم, فقال: يا رسول الله, ألـم تر عبـاسا فعل بـي وفعل, فأردت أن أجيبه, فذكرت مكانه منك فكففت فقال: «يَرْحَمُكَ اللّهُ إنّ عَمّ الرّجُلِ صِنْوُ أبِـيهِ».
15320ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة: صِنْوَانٌ: النـخـلة التـي يكون فـي أصلها نـخـلتان وثلاث أصلهنّ واحد قال: فكان بـين عمر بن الـخطاب وبـين العبـاس رضي الله عنهما قول, فأسرع إلـيه العبـاس, فجاء عمر إلـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبـيّ الله ألـم تر عبـاسا فعل بـي وفعل؟ فأردت أن أجيبه, فذكرت مكانه منك فكففت عند ذلك, فقال: «يَرْحَمُكَ اللّهُ إنّ عَمّ الرّجُلِ صِنْوُ أبِـيهِ».
15321ـ قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا ابن عيـينة, عن داود بن شابور, عن مـجاهد, أن النبـيّ صلى الله عليه وسلم, قال: «لا تُؤْذُونِـي فِـي العَبّـاسِ فإنّهُ بَقِـيّةُ آبـائِي, وإنّ عَمّ الرّجُلِ صِنْوُ أبِـيهِ».
15322ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا حجاج, عن عطاء, وابن أبـي ملـيكة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمر: «يا عُمَرُ أما عَلِـمْتَ أنّ عَمّ الرّجُلِ صِنْوُ أبِـيهِ؟».
15323ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قال: أخبرنـي القاسم بن أبـي بَزّة, عن مـجاهد: صِنْوَانٌ قال: فـي أصل ثلاث نَـخَلات, كمثل ثلاثة بنـي أمّ وأب يتفـاضلون فـي العمل, كما يتفـاضل ثمر هذه النـخلات الثلاث فـي أصل واحد. قال ابن جريج: قال مـجاهد: كمثل صالـح بنـي آدم وخبـيثهم أبوهم واحد.
حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا حجاج بن مـحمد, عن ابن جريج, قال: أخبرنـي إبراهيـم بن أبـي بكر بن عبد الله, عن مـجاهد, نـحوه.
15324ـ حدثنـي القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن أبـي بكر بن عبد الله, عن الـحسن, قال: هذا مثل ضربه الله لقلوب بنـي آدم كان الأرض فـي يد الرحمن طينة واحدة, فسَطَحها وبطَحَها, فصارت الأرض قطعا متـجاورات, فـينزل علـيها الـماء من السماء, فتـخرج هذه زهرتها وثمرها وشجرها وتـخرج نبـاتها وتـحيـي مواتها, وتـخرج هذه سَبَخها ومِلْـحها وخَبثها, وكلتاهما تُسقـى بـماء واحد, فلو كان الـماء مالـحا, قـيـل: إنـما استسبخت هذه من قبل الـماء, كذلك الناس خـلقوا من آدم, فـينزل علـيهم من السماء تذكرة, فترقّ قلوب فتـخشع وتـخضع, وتقسو قلوب فتلهو وتسهو وتـجفو. قال الـحسن: والله ما جالس القرآنَ أحدٌ إلاّ قام بزيادة أو نقصان, قال الله: ونُنَزّلُ مِنَ القُرآنِ ما هُوَ شِفـاءٌ وَرَحْمَةٌ للْـمُؤْمِنِـينَ وَلا يَزِيدُ الظّالِـمِينَ إلاّ خَسارًا.
وقوله: «تُسْقَـى بِـمَاءٍ وَاحِدٍ» اختلفت القرّاء فـي قوله «تُسْقَـى», فقرأ ذلك عامّة قرّاء أهل الـمدينة والعراق من أهل الكوفة والبصرة: «تُسْقَـى» بـالتاء, بـمعنى: تسقـى الـجنات والزرع والنـخيـل. وقد كان بعضهم يقول: إنـما قـيـل: «تُسقـى» بـالتاء لتأنـيث الأعناب. وقرأ ذلك بعض الـمكيـين والكوفـيـين: يُسْقَـى بـالـياء. وقد اختلف أهل العربـية فـي وجه تذكيره إذا قرىء كذلك, وإنـما ذلك خبر عن الـجنات والأعناب والنـخيـل والزرع أنها تسقـى بـماء واحد, فقال بعض نـحويّـي البصرة: إذا قرىء ذلك بـالتاء, فذلك علـى الأعناب كما ذكّر الأنعام فـي قوله: ما فِـي بُطُونِهِ وأنّث بعدُ فقال: وَعَلَـيْها وَعلـى الفُلْكِ تُـحْمَلُونَ فمن قال: يُسْقَـى بـالـياء جعل الأعناب مـما تذكر وتؤنث, مثل الأنعام. وقال: بعض نـحويـي الكوفة: من قال «تُسْقَـى» ذهب إلـى تأنـيث الزرع والـجنات والنـخيـل, ومن ذكّر ذهب إلـى أن ذلك كله يسقـى بـماء واحد, وأكله مختلف حامض وحلو, ففـي هذا آية.
وأعجب القراءتـين إلـيّ أن أقرأ بها, قراءة من قرأ ذلك بـالتاء: «تُسْقَـى بِـمَاءٍ وَاحِدٍ» علـى أن معناه: تسقـى الـجنات والنـخـل والزرع بـماء واحد لـمـجيء «تسقـى» بعد ما قد جرى ذكرها, وهي جماع من غير بنـي آدم, ولـيس الوجه الاَخر بـمـمتنع علـى معنى يسقـى ذلك بـماء واحد: أي جميع ذلك يسقـى بـماء واحد عذب دون الـمالـح.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
15325ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا شبـابة, قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قوله: «تُسْقَـى بِـمَاءٍ وَاحِدٍ» ماء السماء كمثل صالـح بنـي آدم وخبـيثهم أبوهم واحد.
15326ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, عن سفـيان, عن لـيث, عن مـجاهد: «تُسْقَـى بِـمَاءٍ وَاحِدٍ» قال: ماء السماء.
حدثنـي أحمد بن إسحاق, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا سفـيان, عن لـيث, عن مـجاهد, مثله.
15327ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عمرو, قال: أخبرنا هشيـم, عن أبـي إسحاق الكوفـي, عن الضحاك: «تُسْقَـى بِـمَاءٍ وَاحِدٍ» قال: ماء الـمطر.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا سويد, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, قرأه ابن جريج, عن مـجاهد: «تُسْقَـى بِـمَاءٍ وَاحِدٍ» قال: ماء السماء, كمثل صالـح بنـي آدم وخبـيثهم أبوهم واحد.
قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل وحدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, بنـحوه.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, نـحوه.
15328ـ حدثنا عبد الـجبـار بن يحيى الرملـي, قال: حدثنا ضمرة بن ربـيعة, عن ابن شوذب: «تُسْقَـى بِـمَاءٍ وَاحِدٍ» قال: بـماء السماء.
وقوله: وَنُفَضّلُ بَعْضَها علـى بَعْضٍ فِـي الأُكُلِ اختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك, فقرأه عامة قرّاء الـمكيـين والـمدنـيـين والبصريـين وبعض الكوفـيـين: ونُفَضّلُ بـالنون بـمعنى: ونفضل نـحن بعضها علـى بعض فـي الأكل. وقرأته عامُة قرّاء الكوفـيـين: «ويفضل» بـالـياء, ردا علـى قوله: يُغْشِي اللّـيْـلَ النّهارَ ويفضل بعضها علـى بعض. وهما قراءتان مستفـيضتان بـمعنى واحد, فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب, غير أن الـياء أعجبهما إلـيّ فـي القراءة, لأنه فـي سياق كلام ابتداؤه «الله الذي رفع السموات» فقراءته بـالـياء إذ كان كذلك أولـى.
ومعنى الكلام: أن الـجنات من الأعناب والزرع والنـخيـل, الصنوان وغير الصنوان, تسقـى بـماء واحد عذب لا ملـح, ويخالف الله بـين طعوم ذلك, فـيفضل بعضها علـى بعض فـي الطعم, فهذا حلو وهذا حامض.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
15329ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, عن سفـيان, عن عطاء, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس: وَنُفَضّلُ بَعْضَها علـى بَعْضٍ فِـي الأُكُلِ قال: الفـارسي والدّقَل والـحلو والـحامض.
15330ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن عطاء بن السائب, عن سعيد بن جبـير: وَنُفَضّلُ بَعْضَها علـى بَعْضٍ فِـي الأُكُلِ قال: الأرض الواحدة يكون فـيها الـخوخ والكمثري والعنب الأبـيض والأسود, وبعضها أكثر حملاً من بعض, وبعضه حلو وبعضه حامض, وبعضه أفضل من بعض.
15331ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عارم أبو النعمان, قال: حدثنا حماد بن زيد, عن عطاء بن السائب, عن سعيد بن جبـير: وَنُفَضّلُ بَعْضَها علـى بَعْضٍ فِـي الأُكُلِ قال: برنـيّ وكذا وكذا, وهذا بعضه أفضل من بعض.
15332ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا مؤمل, قال: حدثنا سفـيان, عن عطاء بن السائب, عن سعيد بن جبـير, فـي قوله: وَنُفَضّلُ بَعْضَها علـى بَعْضٍ فِـي الأُكُلِ قال: هذا حامض, وهذا حلو, وهذا مزّ.
15333ـ حدثنـي مـحمود بن خداش, قال: حدثنا سيف بن مـحمد بن أحمد, عن سفـيان الثوري, قال: حدثنا الأعمش عن أبـي صالـح, عن أبـي هريرة, قال: قال النبـيّ صلى الله عليه وسلم فـي قوله: وَنُفَضّلُ بَعْضَها عَلـى بَعْضٍ فِـي الأُكُلِ قال: «الدّقَلُ والفَـارِسيّ والـحُلْوُ والـحَامِضُ».
حدثنا أحمد بن الـحسن الترمذي, قال: حدثنا سلـيـمان بن عبد الله الرقـي, قال: حدثنا عبـيد الله بن عمر الرقـي, عن زيد بن أبـي أنـيسة, عن الأعمش, عن أبـي صالـح, عن أبـي هريرة, عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم, فـي قوله: وَنُفَضّلُ بَعْضَها علـى بَعْضٍ فِـي الأُكُلِ قال: «الدّقَلُ والفَـارِسِيّ والـحُلْوُ والـحَامِضُ».
وقوله: إنّ فِـي ذلكَ لاَياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ يقول تعالـى ذكره: إن فـي مخالفة الله عزّ وجلّ بـين هذا القطع من الأرض الـمتـجاورات وثمار جناتها وزروعها علـى ما وصفنا وبـينا لدلـيلاً واضحا وعبرة لقوم يعقلون اختلاف ذلك, أن الذي خالف بـينه علـى هذا النـحو الذي خالف بـينه, هو الـمخالف بـين خـلقه فـيـما قسم لهم من هداية وضلال وتوفـيق وخذلان, فوفق هذا وخذل هذا, وهدى ذا وأضلّ ذا, ولو شاء لسوّى بـين جميعهم, كما لو شاء سوّى بـين جميع أُكل ثماء الـجنة التـي تشرب شربـا واحدا, وتسقـى سقـيا (واحدا), وهي متفـاضلة فـي الأكل.
الآية : 5
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنّا تُرَاباً أَإِنّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُوْلَـَئِكَ الّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبّهِمْ وَأُوْلَئِكَ الأغْلاَلُ فِيَ أَعْنَاقِهِمْ وَأُوْلَـَئِكَ أَصْحَابُ النّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدونَ }.
يقول تعالـى ذكره: وإن تعجب يا مـحمد من هؤلاء الـمشركين الـمتـخذين ما لا يضرّ ولا ينفع آلهة يعبدونها من دونـي, فعجب قولهم أئِذَا كُنّا تُرَابـا وبلـينا فعدمنا أئِنّا لَفِـي خَـلْقٍ جَدِيدٍ أإنا لـمـجدّد إنشاؤنا وإعادتنا خـلقا جديدا كما كنا قبل وفـاتنا؟ تكذيبـا منهم بقدرة الله, وجحودا للثواب والعقاب والبعث بعد الـمـمات. كما:
15334ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَإنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ إن عجبت يا مـحمد فعجب قَوْلُهُمْ أئِذَاكُنّا تُرَابـا أئِنّا لَفِـي خَـلْقٍ جَدِيدٍ عجب الرحمن تبـارك وتعالـى من تكذيبهم بـالبعث بعد الـموت.
15335ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: وَإنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ قال: إن تعجب من تكذيبهم, وهم قد رأوا من قدرة الله وأمره وما ضرب لهم من الأمثال, فأراهم من حياة الـموتـى فـي الأرض الـميتة, إن تعجب من هذه فتعجب من قولهم: أئِذَا كُنّا تُرَابـا أئِنّا لَفِـي خَـلْقٍ جَدِيدٍ أو لا يرون أنا خـلقناهم من نطفة, فـالـخـلق من نطفة أشدّ أم الـخـلق من تراب وعظام؟.
واختلف فـي وجه تكرير الاستفهام فـي قوله: أئِنّا لَفِـي خَـلْقٍ جَدِيدٍ بعد الاستفهام الأوّل فـي قوله: أئِذَا كُنّا تُرَابـا أهلُ العربـية, فقال بعض نـحويـي البصرة: الأوّل ظرف, والاَخر هو الذي وقع علـيه الاستفهام كما تقول: أيوم الـجمعة زيد منطلق؟ قال: ومن أوقع استفهاما آخر علـى قوله: أئذا متنا وكنا ترابـا؟ جعله ظرفـا لشيء مذكور قبله, كأنهم قـيـل لهم: تبعثون, فقالوا: أئذا كنا ترابـا؟ ثم جعل هذا استفهاما آخر. قال: وهذا بعيد. قال: وإن شئت لـم تـجعل فـي قولك: «أئذا» استفهاما, وجعلت الاستفهام فـي اللفظ علـى «أئِنا», كأنك قلت: أيوم الـجمعة أعبد الله منطلق؟ وأضمر نفـيه, فهذا موضع قد ابتدأت فـيه أئذا, ولـيس بكبـير فـي الكلام لو قتل الـيوم: أإن عبد الله منطلق لـم يحسُن, وهو جائز, وقد قالت العرب ما علـمت أنه لصالـح, تريد: إنه لصالـح ما علـمت. وقال غيره: أئذا جزاء ولـيست بوقت, وما بعدها جواب لها إذا لـم يكن فـي الثانـي استفهام والـمعنى له, لأنه هو الـمطلوب, وقال: ألا ترى أنك تقول: إن تقم يقوم زيد ويقم من جزم, فلأنه وقع موقع جواب الـجزاء, ومن رفع فلأن الاستفهام له. واستشهد بقول الشاعر:
حَلَفْتُ لهُ إنْ تُدْلِـجِ اللّـيْـلَ لاَ يَزَلْأمامَكَ بَـيْتٌ مِنْ بُـيُوتِـيَ سائِرُ
فجزم جواب الـيـمين, لأنه وقع موقع جواب الـجزاء, والوجه الرفع. قال: فهكذا هذه الآية. قال: ومن أدخـل الاستفهام ثانـية, فلأنه الـمعتـمد علـيه, وترك الـجزء الأوّل.
وقوله: أُولَئِكَ الّذِينَ كَفَرُوا بِرَبّهِمْ يقول تعالـى ذكره: هؤلاء الذين أنكروا البعث وجحدوا الثواب والعقاب, وَقالُوا أئِذَا كُنّا تُرَابـا أئِنّا لَفِـي خَـلْقٍ جَدِيدٍ هم الذين جحدوا قدرة ربهم وكذّبوا رسوله, وهم الذين فـي أعناقهم الأغلال يوم القـيامة فـي نار جهنـم. فأولئك أصحاب النار: يقول: هم سكان النار يوم القـيامة, هُمْ فـيها خَالِدُونَ يقول: هم فـيها ماكثون أبدا, لا يـموتون فـيها, ولا يخرجون منها