تفسير الطبري تفسير الصفحة 263 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 263
264
262
 الآية : 16
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السّمَاءِ بُرُوجاً وَزَيّنّاهَا لِلنّاظِرِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: ولقد جعلنا فـي السماء الدنـيا منازل للشمس والقمر, وهي كواكب ينزلها الشمس والقمر. وَزَيّناها للنّاظِرِينَ يقول: وزينا السماء بـالكواكب لـمن نظر إلـيها وأبصرنا.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
15925ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحرث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء وحدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا شبـابة, قال: حدثنا ورقاء وحدثنـي الـمثنى, قال: أخبرنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل وحدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قوله: وَلَقَدْ جَعَلْنا فِـي السّماءِ بُروجا قال: كواكب.
15926ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَلَقَدْ جَعَلْنا فِـي السّماءِ بُروجا وبروجها: نـجومها.
15927ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: بُرُوجا قال: الكواكب.
الآية : 17-18
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلّ شَيْطَانٍ رّجِيمٍ * إِلاّ مَنِ اسْتَرَقَ السّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مّبِينٌ }.
يقول تعالـى ذكره: وحفظنا السماء الدنـيا من كلّ شيطان لعين قد رجمه الله ولعنه. إلاّ مَنِ اسْتَرَقَ السّمْعَ يقول: لكن قد يسترق من الشياطين السمع مـما يحدث فـي السماء بعضها, فـيتبعه شهاب من النار مبـين يبـين أثره فـيه, إما بإخبـاله وإفساده أو بإحراقه.
وكان بعض نـحويـي أهل البصرة يقول فـي قوله: إلاّ مَنِ اسْتَرَقَ السّمْعَ هو استثناء خارج, كما قال: ما أشتكي إلا خيرا, يريد: لكن أذكر خيرا. وكان ينكر ذلك من قـيـله بعضهم, ويقول: إذا كانت «إلا» بـمعنى «لكن» عملت عمل «لكن», ولا يحتاج إلـى إضمار «أذكر», ويقول: لو احتاج الأمر كذلك إلـى إضمار «أذكر» احتاج قول القائل: قام زيد لا عمرو إلـى إضمار «أذكر».
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
15928ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا عفـان بن مسلـم, قال: حدثنا عبد الواحد بن زياد, قال: حدثنا الأعمش عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس, قال: تصعد الشياطين أفواجا تسترق السمع, قال: فـيفرد الـمارد منها فـيعلو, فـيرمى بـالشهاب فـيصيب جبهته أو حيث شاء الله منه فـيـلتهب, فـيأتـي أصحابه وهو يـلتهب, فـيقول: إنه كان من الأمر كذا وكذا. قال: فـيذهب أولئك إلـى أخوانهم من الكهنة, فـيزيدون علـيه أضعافه من الكذب, فـيخبرونهم به, فإذا رأوا شيئا مـما قالوا قد كان صدّقوهم بـما جاءوهم به من الكذب.
15929ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, فـي قوله: وَحَفِظْناها مِنْ كُلّ شَيْطَانٍ رَجِيـمٍ إلاّ مَنِ اسْتَرَقَ السّمْعَ قال: أراد أن يخطف السمع, وهو كقوله: إلاّ مَنْ خَطِفَ الـخَطْفَةَ.
15930ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: إلاّ مَنِ اسْتَرَقَ السّمْعَ وهو نـحو قوله: إلاّ مَنْ خَطِفَ الـخَطْفَةَ فأتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ.
15931ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قوله: إلاّ مَنِ اسْتَرَقَ السّمْعَ قال: خطف الـخطفة.
15932ـ حدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك يقول, فـي قوله: إلاّ مَنِ اسْتَرَقَ السّمْعَ هو كقوله: إلاّ مَنْ خَطِفَ الـخَطْفَةَ فأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقبٌ كان ابن عبـاس يقول: إن الشهب لا تقتل ولكن تـحرق وتـخبل وتـخرج من غير أن تقتل.
15933ـ حدثنـي الـحرث, قال: حدثنا القاسم, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج: مِنْ كُلّ شَيْطانٍ رَجيـمٍ قال: الرجيـم: الـملعون. قال: وقال القاسم عن الكسائي إنه قال: الرجم فـي جميع القرآن: الشتـم.
الآية : 19
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَالأرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِن كُلّ شَيْءٍ مّوْزُونٍ }.
يعنـي تعالـى ذكره بقوله: والأرْضَ مَدَدْناها والأرض دحوناها فبسطناها, وألْقَـيْنا فِـيها رَوَاسِيَ يقول: وألقـينا فـي ظهورها رواسيَ, يعنـي جبـالاً ثابتة كما:
15934ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: والأرْضَ مَدَدْناها, وقال فـي آية أخرى: والأرْضَ بَعْدَ ذلكَ دَحاها وذُكر لنا أن أمّ القرى مكة, منها دُحيت الأرض.
قوله: وألقـينا فِـيها رَوَاسيَ رواسيها: جبـالها. وقد بـيّنا معنى الرسوّ فـيـما مضى بشواهده الـمغنـية عن إعادته. وقوله: وأنْبَتْنَا فِـيها مِنْ كُلّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ يقول: وأنبتنا فـي الأرض من كلّ شيء يقول: من كلّ شيء مقدّر, وبحدّ معلوم.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
15935ـ حدثنا الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: وأنْبَتْنَا فِـيها مِنْ كُلّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ يقول: معلوم.
حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: حدثنا أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: وأنْبَتْنا فِـيها مِنْ كُلّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ يقول: معلوم.
15936ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا إسماعيـل بن أبـي خالد, عن أبـي صالـح, أو عن أبـي مالك, فـي قوله: مِنْ كُلّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ قال: بقدر.
حدثنا الـمثنى, قال: حدثنا عمرو بن عون, قال: أخبرنا هشيـم, عن إسماعيـل بن أبـي خالد, عن أبـي صالـح أو عن أبـي مالك, مثله.
15937ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا الـحمانـي, قال: حدثنا شريك, عن خصيف, عن عكرمة: مِنْ كُلّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ قال: بقدْر.
حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا علـيّ, يعنـي ابن الـجعد, قال: أخبرنا شريك, عن خصيف, عن عكرمة: مِنْ كُلّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ قال: بقدْر.
حدثنا أحمد بن إسحاق, قال: قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا سفـيان, عن خصيف, عن عكرمة, قال: يقدْر.
15938ـ حدثنا أحمد, قال: حدثنا سفـيان, عن حصين, عن سعيد بن جبـير: مِنْ كُلّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ قال: معلوم.
15939ـ حدثنا مـجاهد بن موسى, قال: حدثنا يزيد, قال: أخبرنا عبد الله بن يونس, قال: سمعت الـحكم بن عتـيبة وسأله أبو مخزوم عن قوله: مِنْ كُلّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ قال: من كلّ شيء مقدور.
حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا يزيد بن هارون, قال: أخبرنا عبد الله بن يونس, قال: سمعت الـحكم, وسأله أبو عروة عن قول الله عزّ وجلّ: مِنْ كُلّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ قال: من كلّ شيء مقدور. هكذا قال الـحسن: وسأله أبو عروة.
15940ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحرث, قال: حدثنا الـحسن قال: حدثنا ورقاء وحدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا شبـابة, قال: حدثنا ورقاء وحدثنـي الـمثنى, قال: أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل وحدثنـي الـمثنى, قال: أخبرنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله, عن ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قول الله: مِنْ كُلّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ قال: مقدور بقدْر.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد: مِنْ كُلّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ قال: مقدور بقدْر.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا علـيّ بن الهيثم, قال: حدثنا يحيى بن زكريا, عن ابن جريج, عن مـجاهد, قال: مقدور بقدْر.
15941ـ حدثنا الـمثنى, قال: حدثنا علـيّ بن الهيثم, قال: حدثنا يحيى بن زكريا, عن إسماعيـل بن أبـي خالد, عن أبـي صالـح: مِنْ كُلّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ قال: بقدْر.
15942ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وأنْبَتْنا فِـيها مِنْ كُلّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ يقول: معلوم.
حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة, مثله.
15943ـ حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: حدثنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: مِنْ كُلّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ يقول: معلوم.
وكان بعضهم يقول: معنى ذلك وأنبتنا فـي الـجبـال من كلّ شيء موزون يعنـي من الذهب والفضة والنـحاس والرصاص ونـحو ذلك من الأشياء التـي توزن. ذكر من قال ذلك:
15944ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وأنْبَتْنا فِـيهامِنْ كُلّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ قال: الأشياء التـي توزن.
وأولـى القولـين عندنا بـالصواب القول الأوّل لإجماع الـحجة من أهل التأويـل علـيه.
الآية : 20
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَن لّسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: وَجَعَلْنَا لَكُمْ أيها الناس فـي الأرض مَعَايِشَ, وهي جمع معيشة وَمَنْ لَسْتُـمْ لَهُ بِرَازِقـينَ.
اختلف أهل التأويـل فـي الـمعنـي فـي قوله: وَمَنْ لَسْتُـمْ لَهُ بِرَازِقـينَ فقال: بعضهم: عُنـي به الدوّاب والأنعام. ذكر من قال ذلك:
15945ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحرث, قال: حدثنا الـحسين قال: حدثنا ورقاء وحدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا شبـابة, قال: حدثنا ورقاء وحدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح وحدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله جمعيا, عن ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: وَمَنْ لَسْتُـمْ لَهُ بِرَازِقـينَ الدوابّ والأنعام.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, مثله.
وقال آخرون: عُنـي بذلك الوحشُ خاصة. ذكر من قال ذلك:
15946ـ حدثنـي مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن منصور فـي هذه الاَية وَمَنْ لَسْتُـمْ لَهُ بِرَازِقـينَ قال: الوحش.
فتأويـل «مَنْ» فـي: وَمَنْ لَسْتُـمْ لَهُ بِرَازِقـينَ علـى هذا التأويـل بـمعنى «ما», وذلك قلـيـل فـي كلام العرب.
وأولـى ذلك بـالصواب, وأحسن أن يقال: عُنـي بقوله: وَمَنْ لَسْتُـمْ لَهُ بِرَازِقـينَ من العبـيد والإماء والدوابّ والأنعام. فمعنى ذلك: وجعلنا لكم فـيها معايشَ والعبـيدَ والإماء والدوابّ والأنعام. وإذا كان ذلك كذلك, حسن أن توضع حينئذ مكان العبـيد والإماء والدوابّ «من», وذلك أن العرب تفعل ذلك إذا أرادت الـخبر عن البهائم معها بنو آدم. وهذا التأويـل علـى ما قلناه وصرفنا إلـيه معنى الكلام إذا كانت «من» فـي موضع نصب عطفـا به علـى «معايش» بـمعنى: جعلنا لكم فـيها معايش, وجعلنا لكم فـيها من لستـم له برازقـين. وقـيـل: إنّ «من» فـي موضع خفض عطفـا به علـى الكاف والـميـم فـي قوله: وَجَعلْنَا لَكُمْ بـمعنى: وجعلنا لكم فـيها معايش وَمَنْ لَسْتُـمْ لَهُ بِرَازِقـينَ. وأحسب أن منصورا فـي قوله: هو الوحش, قصد هذا الـمعنى وإياه أراد وذلك وإن كان له وجه كلام العرب فبعيد قلـيـل, لأنها لا تكاد تظاهر علـى معنى فـي حال الـخفض, وربـما جاء فـي شعر بعضهم فـي حال الضرورة, كما قال بعضهم:
هَلاّ سألْتَ بذِي الـجمَاجِمِ عنهُمُوأبى نُعَيـمٍ ذي اللّوَاءِ الـمُخْرَقِ
فردّ أبـا نعيـم علـى الهاء والـميـم فـي «عنهم». وقد بـيّنت قبح ذلك فـي كلامهم.
الآية : 21
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِن مّن شَيْءٍ إِلاّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزّلُهُ إِلاّ بِقَدَرٍ مّعْلُومٍ }.
يقول تعالـى ذكره: وما من شيء من الأمطار إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر, لكل أرض معلوم عندنا حدّه ومبلغه.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
15947ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن إدريس, قال: أخبرنا يزيد بن أبـي زياد, عن رجل, عن عبد الله, قال: ما من أرض أمْطَرُ من أرض, ولكن الله يقدره فـي الأرض. ثم قرأ: وَإنْ مِنْ شَيْءٍ إلاّ عِنْدَنا خَزَائِنُهُ وَما نُنَزّلِهُ إلاّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن يزيد بن أبـي زياد, عن أبـي جحيفة, عن عبد الله, قال: ما من عام بأمطر من عام بأمطر من عام, ولكن الله يصرفه عمن يشاء. ثم قال: وَإنْ مِنْ شَيْءٍ إلاّ عِنْدَنا خَزَائِنُهُ.
حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا إبراهيـم بن مهدي الـمصيصي, قال: حدثنا علـيّ بن مسهر, عن يزيد بن أبـي زياد, عن أبـي جحيفة, عن عبد الله بن مسعود: ما من عام, ولكن الله يقسمه حيث شاء, عاما ههنا وعاما ههنا. ثم قرأ: وَإنْ مِنْ شَيْءٍ إلاّ عِنْدَنا خَزَائِنُهُ وَما نُنَزّلِهُ إلاّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ.
15948ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, قال: قال ابن جريج: وَإنْ مِنْ شَيْءٍ إلاّ عِنْدَنا خَزَائِنُهُ وَما نُنَزّلِهُ إلاّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ قال: الـمطر خاصة.
15949ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا إسماعيـل بن سالـم, عن الـحكم بن عتـيبة, فـي قوله: وَما نُنَزّلِهُ إلاّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ قال: ما من عام بأكثر مطرا من عام ولا أقلّ, ولكنه يـمطر قوم ويُحرم آخرون, وربـما كان فـي البحر. قال: وبلغنا أنه ينزل مع الـمطر من الـملائكة أكثر من عدد ولد إبلـيس وولد آدم يحصون كلّ قطرة حيث تقع وما تُنبت.
الآية : 22
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَأَرْسَلْنَا الرّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ السّمَآءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَآ أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ }.
اختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك, فقرأته عامّة القرّاء: وأرْسَلْنا الرّياحَ لَوَاقِحَ, وقرأه بعض قرّاء أهل الكوفة: «وأرْسَلْنا الرّياحَ لَوَاقِحَ» فوحّد الريح وهي موصوفة بـالـجمع أعنى بقوله: «لواقح». وينبغي أن يكون معنى ذلك: أن الريح وإن كان لفظها واحدا, فمعناها الـجمع لأنه يقال: جاءت الريح من كلّ وجه, وهبّت من كلّ مكان, فقـيـل لواقح لذلك, فـيكون معنى جمعهم نعتها وهي فـي اللفظ واحدة معنى قولهم: أرض سبـاسب, وأرض أغفـال, وثوب أخلاق, كما قال الشاعر:
جاءَ الشّتاءُ وقَمِيصي أخْلاقْشَرَاذِمٌ يَضْحَكُ مِنْهُ التّوّاقْ
وكذلك تفعل العرب فـي كلّ شيء اتسع.
واختلف أهل العربـية فـي وجه وصف الرياح بـاللقح وإنـما هي ملقحة لا لاقحة, وذلك أنها تلقح السحاب والشجر, وإنـما توصف بـاللقح الـملقوحة لا الـملقح, كما يقال: ناقة لاقح. وكان بعض نـحويـي البصرة يقول: قـيـل: الرياح لواقح, فجعلها علـى لاقح, كأن الرياح لقحت, لأن فـيها خيرا فقد لقحت بخير. قال: وقال بعضهم: الرياح تلقح السحاب, فهذا يدلّ علـى ذلك الـمعنى لأنها إذا أنشأته وفـيها خير وصل ذلك إلـيه. وكان بعض نـحويـي الكوفة يقول: فـي ذلك معنـيان: أحدهما أن يجعل الريح هي التـي تلقح بـمرورها علـى التراب والـماء فـيكون فـيها اللقاح, فـيقال: ريح لاقح, كما يقال: ناقة لاقح, قال: ويشهد علـى ذلك أنه وصف ريح العذاب فقال: عَلَـيهِمُ الرّيحَ الْعَقِـيـمَ فجعلها عقـيـما إذا لـم تلقح. قال: والوجه الاَخر أن يكون وصفها بـاللقح وإن كانت تلقح, كما قـيـل: لـيـل نائم والنوم فـيه وسرّكاتـم, وكما قـيـل: الـمبروز والـمختوم, فجعل مبروزا ولـم يقل مبرزا بَنَاهُ علـى غير فعله, أي أن ذلك من صفـاته, فجاز مفعول لـمفعل كما جاز فـاعل لـمفعول إذا لـم يرد البناء علـى الفعل, كما قـيـل: ماء دافق.
والصواب من القول فـي ذلك عندي: أن الرياح لواقح كما وصفها به جلّ ثناؤه من صفتها, وإن كانت قد تلقح السحاب والأشجار, فهي لاقحة ملقحة, ولقحها: حملها الـماء, وإلقاحها السحاب والشجر: عملها فـيه, وذلك كما قال عبد الله بن مسعود.
15950ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا الـمـحاربـي, عن الأعمش, عن الـمنهال بن عمرو, عن قـيس بن سكن, عن عبد الله بن مسعود, فـي قوله: وأرْسَلْنا الرّياحَ لَوَاقِحَ قال: يرسل الله الرياح فتـحمل الـماء, فتـجري السحاب, فتدر كما تدر اللقحة ثم تـمطر.
حدثنـي أبو السائب, قال: حدثنا أبو معاوية, عن الأعمش, عن الـمنهال, عن قـيس بن سكن, عن عبد الله: وأرْسَلْنا الرّياحَ لَوَاقِحَ قال: يبعث الله الريح فتلقح السحاب, ثم تـمريه فتدر كما تدر اللقحة, ثم تـمطر.
حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا أسبـاط بن مـحمد, عن الأعمش, عن الـمنهال بن عمرو, عن قـيس بن السكن, عن عبد الله بن مسعود, فـي قوله: وأرْسَلْنا الرّياحَ لَوَاقِحَ قال»: يرسل الرياح, فتـحمل الـماء من السحاب, ثم تـمري السحاب, فتدر كما تدر اللقحة.
فقد بـين عبد الله بقوله: يرسل الرياح فتـحمل الـماء, أنها هي اللاقحة بحملها الـماء وإن كانت ملقحة بإلقاحها السحاب والشجر.
وأما جماعة أُخَر من أهل التأويـل, فإنهم وجّهوا وصف الله تعالـى ذكره إياها بأنها لواقح إلـى أنه بـمعنى ملقحة, وأن اللواقح وُضعت ملاقح, كما قال نهشل بن حريّ:
لِـيُبْكَ يَزِيدُ بـائِسٌ لِضَرَاعَةًوأشْعَثُ مـمّنْ طَوّحَتْهُ الطّوَائحُ
يريد الـمطاوح. وكما قال النابغة:
كلـينـي لِهَمَ يا أُمَيْـمَةَ ناصِبِولَـيْـلٍ أُقاسيهِ بَطيءِ الكوَاكبِ
بـمعنى: مُنْصِب. ذكر من قال ذلك:
15951ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهديّ, قال: حدثنا سفـيان, عن الأعمش, عن إبراهيـم فـي قوله: وأرْسَلْنا الرّياحَ لَوَاقِحَ قال: تلقح السحاب.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو نعيـم, قال: حدثنا سفـيان, عن الأعمش, عن إبراهيـم, مثله.
حدثنا أحمد بن إسحاق, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا سفـيان, عن الأعمش, عن أبراهيـم, مثله.
15952ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا علـية, عن أبـي رجاء, عن الـحسن, قوله: وأرْسَلْنا الرّياحَ لَوَاقِحَ قال: لواقح للشجر. قلت: أو للسحاب؟ قال: وللسحاب, تـمريه حتـى يـمطر.
15953ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا إسحاق بن سلـيـمان, عن أبـي سنان, عن حبـيب بن أبـي ثابت, عن عبـيد بن عمير, قال: يبعث الله الـمبشرة فَتَقُمّ الأرض قَمّا, ثم يبعث الله الـمثـيرة فتثـير السحاب, ثم يبعث الله الـمؤلّفة فتؤلف السحاب, ثم يبعث الله اللواقح فتلقح الشجر. ثم تلا عبـيد: وأرْسَلْنا الرّياحَ لَوَاقِحَ.
15954ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وأرْسَلْنا الرّياحَ لَوَاقِحَ يقول: لواقح للسحاب, وإن من الريح عذابـا وإن منها رحمة.
15955ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: لَوَاقِحَ قال: تلقح الـماء فـي السحاب.
15956ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن ابن عبـاس: لَوَاقِحَ قال: تُلقح الشجر وتُـمري السحاب.
15957ـ حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك يقول, فـي قوله: وأرْسَلْنا الرّياحَ لَوَاقِحَ الرياح يبعثها الله علـى السحاب فتلقحه فـيـمتلـىء ماء.
15958ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا أحمد بن يونس, قال: حدثنا عبـيس بن ميـمون, قال: حدثنا أبو الـمهزم, عن أبـي هريرة, قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الرّيحُ الـجَنُوبُ مِنَ الـجَنّةِ, وَهِيَ الرّيحُ اللّوَاقِحُ, وَهِيَ التـي ذَكَرَ اللّهُ تَعَالـى فِـي كِتابِهِ وَفِـيها منَافِعٌ للنّاسِ».
حدثنـي أبو الـجماهر الـحمصي أو الـحضرمي مـحمد بن عبد الرحمن, قال: حدثنا عبد العزيز بن موسى, قال: حدثنا عبـيس بن ميـمون أبو عبـيدة, عن أبـي الـمهزم, عن أبـي هريرة, قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم, فذكر مثله سواء.
وقوله: فأنْزَلْنا مِنَ السّماءِ ماءً فأسْقَـيْنا كمُوهُ يقول تعالـى ذكره: فأنزلنا من السماء مطرا فأسقـيناكم ذلك الـمطر لشرب أرضكم ومواشيكم. ولو كان معناه: أنزلناه لتشربوه, لقـيـل: فسقـينا كموه. وذلك أن العرب تقول إذا سقت الرجل ماء شربه أو لبنا أو غيره: «سقـيته» بغير ألف إذا كان لسقـيه, وإذا جعلوا له ماء لشرب أرضه أو ماشيته, قالوا: «أسقبته وأسقـيت أرضه وماشيته», وكذلك إذا استسقت له, قالوا «أسقـيته واستسقـيته», كما قال ذو الرّمّة:
وَقَـفْتُ علـى رَسْمٍ لِـمَيّةَ ناقَتِـيفَمَا زِلْتُ أبْكي عِنْدَهُ وأُخاطِبُهْ
وأُسْقِـيهِ حتـى كادَ مِـمّا أبُثّهُتُكَلّـمُنـي أحْجارُهُ ومَلاعِبُهْ
وكذلك إذا وَهَبْتَ لرجل إهابـا لـيجعله سقاء, قلت: أسقـيته إياه.
وقوله: وَما أنْتُـمْ لَهُ بِخازِنِـيَنَ يقول: ولستـم بخازنـي الـماء الذي أنزلنا من السماء فأسقـينا كموه فتـمنعوه من أسقـيه لأن ذلك بـيدي وإلـيّ, أسقـيه من أشاء وأمنعه من أشاء. كما:
15959ـ حدثنا أحمد, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: سفـيان: وَما أنْتـمْ لَهُ بِخازِنِـينَ قال: بـمانعين.
الآية : 23-25
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإنّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ * وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ * وَإِنّ رَبّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ }.
يقول تعالـى ذكره: وإنّا لَنَـحْنُ نُـحْيـي من كان ميتا إذا أردنا ونُـمِيتُ من كان حيّا إذا شئنا. وَنـحْنُ الوَارِثُونَ يقول: ونـحن نرث الأرض ومن علـيها بأن نـميت جميعهم, فلا يبقـى حيّ سوانا إذا جاء ذلك الأجل. وقوله: وَلَقَدْ عَلِـمْنا الـمُسْتَقْدِمينَ منْكُمْ وَلَقَدْ عَلـمْنا الـمُسْتأخِرِينَ اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك, فقال بعضهم: معنى ذلك: ولقد علـمنا من مضى من الأمـم فتقدّم هلاكهم, ومن قد خـلق وهو حيّ, ومن لـم يخـلق بعدُ مـمن سيخـلق. ذكر من قال ذلك:
15960ـ حدثنا أحمد بن إسحاق, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا سفـيان, عن أبـيه, عن عكرمة: وَلَقَدْ عَلِـمْنا الـمُسْتَقْدِمينَ منْكُمْ وَلَقَدْ عَلـمْنا الـمُسْتأخِرِينَ قال: الـمستقدمون: من قد خـلق ومن خلا من الأمـم والـمستأخرون: من لـم يخـلق.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا الـحكم, قال: حدثنا عمرو بن قـيس, عن سعيد بن مسروق, عن عكرمة, فـي قوله: وَلَقَدْ عَلِـمْنا الـمُسْتَقْدِمينَ منْكُمْ وَلَقَدْ عَلـمْنا الـمُسْتأخِرِينَ قال: هم خـلق الله كلهم, قد علـم من خـلق منهم إلـى الـيوم, وقد علـم من هو خالقه بعد الـيوم.
حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق. قال: أخبرنا ابن التـيـمي, عن أبـيه, عن عكرمة, قال: إن الله خـلق الـخـلق ففرغ منهم, فـالـمستقدمون: من خرج من الـخـلق, والـمستأخرون: من بقـي فـي أصلاب الرجال لـم يخرج.
15961ـ حدثنـي مـحمد بن أبـي معشر, قال: أخبرنـي أبو معشر, قال: سمعت عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود يذاكر مـحمد بن كعب فـي قول الله: وَلَقَدْ عَلِـمْنا الـمُسْتَقْدِمينَ منْكُمْ وَلَقَدْ عَلـمْنا الـمُسْتأخِرِينَ فقال عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود: خير صفوف الرجال الـمقدّم, وشرّ صفوف الرجال الـمؤخّر, وخير صفوف النساء الـمؤخّر, وشرّ صفوف النساء الـمقدّم. فقال مـحمد بن كعب: لـيس هكذا وَلَقَدْ عَلِـمْنا الـمُسْتَقْدِمينَ منْكُمْ: الـميت والـمقتول والـمُسْتَأْخرين: من يـلـحق بهم مِن بعدُ, وإن ربك هو يحشرهم, إنه حكيـم علـيـم. فقال عون بن عبد الله: وفقك الله وجزاك خيرا.
15962ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا الـمعتـمر, عن أبـيه, قال: قال قتادة: الـمستقدمين: من مضى, والـمستأخرين: من بقـي فـي أصلاب الرجال.
15963ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا سعيد بن منصور, قال: حدثنا أبو الأحوص, قال: حدثنا سعيد بن مسروق, عن عكرمة وخصيف, عن مـجاهد, فـي قوله: وَلَقَدْ عَلِـمْنا الـمُسْتَقْدِمينَ منْكُمْ وَلَقَدْ عَلـمْنا الـمُسْتأخِرِينَ قال: من مات ومن بقـي.
15964ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَلَقَدْ عَلِـمْنا الـمُسْتَقْدِمينَ منْكُمْ قال: كان ابن عبـاس يقول: آدم صلى الله عليه وسلم ومن مضى من ذريته. وَلَقَدْ عَلـمْنا الـمُسْتأخِرِينَ: من بقـى فـي أصلاب الرجال.
15965ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: وَلَقَدْ عَلِـمْنا الـمُسْتَقْدِمينَ منْكُمْ وَلَقَدْ عَلـمْنا الـمُسْتأخِرِينَ قال: الـمستقدمون آدم ومن بعده, حتـى نزلت هذه الاَية. والـمستأخرون: قال: كلّ من كان من ذريّته.
قال أبو جعفر: أظنه أنا قال: ما لـم يُخـلق وما هو مخـلوق.
15966ـ حدثنا أحمد, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا سفـيان, عن أبـيه, عن عكرمة, قال: الـمستقدمون: ما خرج من أصلاب الرجال. والـمستأخرون: ما لـم يخرج. ثم قرأ: وإنّ رَبّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إنّهُ حَكِيـمٌ عَلِـيـم.
وقال آخرون: عنى بـالـمستقدمين: الذين قد هلكوا, والـمستأخرين: الأحياء الذين لـم يهلكوا. ذكر من قال ذلك:
15967ـ حدثنا مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: وَلَقَدْ عَلِـمْنا الـمُسْتَقْدِمينَ منْكُمْ وَلَقَدْ عَلـمْنا الـمُسْتأخِرِينَ يعنـي بـالـمستقدمين: من مات. ويعنـي بـالـمستأخرين: من هو حيّ لـم يـمت.
15968ـ حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: وَلَقَدْ عَلِـمْنا الـمُسْتَقْدِمينَ منْكُمْ يعنـي الأموات منكم. ولَقَدْ عَلـمْنا الـمُسْتأخِرِينَ بقـيتهم, وهم الأحياء. يقول: علـمنا من مات ومن بقـي.
15969ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وَلَقَدْ عَلِـمْنا الـمُسْتَقْدِمينَ منْكُمْ وَلَقَدْ عَلـمْنا الـمُسْتأخِرِينَ قال: الـمستقدمون منكم: الذين مضوا فـي أوّل الأمـم, والـمستأخرون: البـاقون.
وقال آخرون: بل معناه: ولقد علـمنا الـمستقدمين فـي أوّل الـخـلق والـمستأخرين فـي آخرهم. ذكر من قال ذلك:
15970ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا عبد الوهاب, قال: حدثنا داود, عن عامر فـي هذه الاَية: وَلَقَدْ عَلِـمْنا الـمُسْتَقْدِمينَ منْكُمْ وَلَقَدْ عَلـمْنا الـمُسْتأخِرِينَ قال أوّل الـخـلق وآخره.
حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا ابن أبـي عديّ, عن داود, عن الشعبـيّ, فـي قوله: وَلَقَدْ عَلِـمْنا الـمُسْتَقْدِمينَ منْكُمْ وَلَقَدْ عَلـمْنا الـمُسْتأخِرِينَ: ما استقدم فـي أوّل الـخـلق, وما استأخر فـي آخر الـخـلق.
15971ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا علـيّ بن عاصم, عن داود بن أبـي هند, عن عامر, فـي قوله: وَلَقَدْ عَلِـمْنا الـمُسْتَقْدِمينَ منْكُمْ قال: فـي العُصُر, والـمستأخرين منكم فـي أصلاب الرجال, وأرحام النساء.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ولقد علـمنا الـمستقدمين من الأمـم, والـمستأخرين من أمة مـحمد صلى الله عليه وسلم. ذكر من قال ذلك:
15972ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء وحدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا شبـابة, قال: أخبرنا ورقاء وحدثنـي الـمثنى, قال: أخبرنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: الـمستقدمين منكم, قال: القرون الأوَل, والـمستأخرين: أمة مـحمد صلى الله عليه وسلم.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, مثله.
حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا مـحمد بن عبـيد, قال: ثنـي عبد الـملك, عن قـيس, عن مـجاهد, فـي قوله: وَلَقَدْ عَلِـمْنا الـمُسْتَقْدِمينَ منْكُمْ وَلَقَدْ عَلـمْنا الـمُسْتأخِرِينَ قال: الـمستقدمون: ما مضى من الأمـم, والـمستأخرون: أمة مـحمد صلى الله عليه وسلم.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عمرو بن عون, قال: أخبرنا هشيـم, عن عبد الـملك, عن قـيس, عن مـجاهد, بنـحوه.
حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا الثوري, عن عبد الـملك, عن مـجاهد بنـحوه, لـم يذكر قـيسا.
وقال آخرون: بل معناه: ولقد علـمنا الـمستقدمين منكم فـي الـخير والـمستأخرين عنه. ذكر من قال ذلك:
15973ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: وَلَقَدْ عَلِـمْنا الـمُسْتَقْدِمينَ منْكُمْ وَلَقَدْ عَلـمْنا الـمُسْتأخِرِينَ قال: كان الـحسن يقول: الـمستقدمون فـي طاعة الله, والـمستأخرون فـي معصية الله.
15974ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عمرو بن عون, قال: أخبرنا هشيـم, عن عبـاد بن راشد, عن الـحسن, قال: الـمستقدمين فـي الـخير, والـمستأخرين: يقول: الـمبطئين عنه.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ولقد علـمنا الـمستقدمين منكم فـي الصفوف فـي الصلاة, والـمستأخرين فـيها بسبب النساء. ذكر من قال ذلك:
15975ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا الـمعتـمر بن سلـيـمان, عن أبـيه, عن رجل أخبرنا عن مروان بن الـحكم أنه قال: كان أناس يستأخرون فـي الصفوف من أجل النساء قال: فأنزل الله: وَلَقَدْ عَلِـمْنا الـمُسْتَقْدِمينَ منْكُمْ وَلَقَدْ عَلـمْنا الـمُسْتأخِرِينَ.
15976ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا جعفر بن سلـيـمان, قال: أخبرنـي عمرو بن مالك, قال سمعت أبـا الـجوزاء يقول فـي قول الله: وَلَقَدْ عَلِـمْنا الـمُسْتَقْدِمينَ منْكُمْ وَلَقَدْ عَلـمْنا الـمُسْتأخِرِينَ قال: الـمستقدمين منكم فـي الصفوف فـي الصلاة والـمستأخرين.
15977ـ حدثنـي مـحمد بن موسى الـحرسي, قال: حدثنا نوح بن قـيس, قال: حدثنا عمرو بن مالك, عن أبـي الـجوزاء, عن ابن عبـاس, قال: كانت تصلـي خـلف رسول الله صلى الله عليه وسلمامرأة, قال ابن عبـاس: لا والله ما إن رأيت مثلها قط فكان بعض الـمسلـمين إذا صلوا وبعض يستأخرون, فإذا سجدوا نظروا إلـيها من تـحت أيديهم, فأنزل الله: وَلَقَدْ عَلِـمْنا الـمُسْتَقْدِمينَ منْكُمْ وَلَقَدْ عَلـمْنا الـمُسْتأخِرِينَ.
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا عبـيد الله بن موسى, قال: أخبرنا نوح بن قـيس وحدثنا أبو كريب, قال: حدثنا مالك بن إسماعيـل, قال: حدثنا نوح بن قـيس, عن عمرو بن مالك, عن أبـي الـجوزاء, عن ابن عبـاس قال: كانت تصلـي خـلف رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة حسناء من أحسن الناس, فكان بعض الناس يستقدم فـي الصفّ الأوّل لئلا يراها, ويستأخر بعضهم حتـى يكون فـي الصفّ الـمؤخر, فإذا ركع نظر من تـحت إبطيه فـي الصفّ, فأنزل الله فـي شأنها: وَلَقَدْ عَلِـمْنا الـمُسْتَقْدِمينَ منْكُمْ وَلَقَدْ عَلـمْنا الـمُسْتأخِرِينَ.
قال أبو جعفر: وأولـى الأقوال عندي فـي ذلك بـالصحة قول من قال: معنى ذلك: ولقد علـمنا الأموات منكم يا بنـي آدم فتقدّم موته, ولقد علـمنا الـمستأخرين الذين استأخر موتهم مـمن هو حيّ ومن هو حادث منكم كم لـم يحدث بعدُ لدلالة ما قبله من الكلام, وهو قوله: وَإنّا لَنَـحْنُ نُـحْيِـي ونُـمِيتُ وَنَـحْنُ الْوَارِثُونَ وما بعده وهو قوله: وإنّ رَبّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ علـى أن ذلك كذلك, إذ كان بـين هذين الـخبرين, ولـم يجر قبل ذلك من الكلام ما يدلّ علـى خلافه, ولا جاء بعد. وجائز أن تكون نزلت فـي شأن الـمستقدمين فـي الصفّ لشأن النساء والـمستأخرين فـيه لذلك, ثم يكون الله عزّ وجلّ عمّ بـالـمعنى الـمراد منه جميع الـخـلق, فقال جلّ ثناؤه لهم: قد علـمنا ما مضى من الـخـلق وأحصيناهم, وما كانوا يعملون, ومن هو حيّ منكم ومن هو حادث بعدكم أيها الناس, وأعمال جميعكم خيرها وشرّها, وأحصينا جميع ذلك ونـحن نـحشر جميعهم, فنـجازي كلاّ بأعماله, إن خيرا فخيرا وإن شرّا فشرّا. فـيكون ذلك تهديدا ووعيدا للـمستأخرين فـي الصفوف لشأن النساء ولكلّ من تعدّى حدّ الله وعمل بغير ما أذن له به, ووعدا لـمن تقدّم فـي الصفوف لسبب النساء وسارع إلـى مـحبة الله ورضوانه فـي أفعاله كلها.
وقوله: وإنّ رَبّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ يعنـي بذلك جلّ ثناؤه: وإن ربك يا مـحمد هو يجمع جميع الأوّلـين والاَخرين عنده يوم القـيامة, أهل الطاعة منهم والـمعصية, وكلّ أحد من خـلقه, الـمستقدمين منهم والـمستأخرين.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
15978ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: وإنّ رَبّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ قال: أي الأول والاَخر.
15979ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا أبو خالد القرشيّ, قال: حدثنا سفـيان, عن أبـيه, عن عكرمة, فـي قوله: وإنّ رَبّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ قال: هذا من ها هنا, وهذا من ها هنا.
15980ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن عطاء الـخُرَاسانـيّ, عن ابن عبـاس: وإنّ رَبّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ قال: وكلهم ميت, ثم يحشرهم ربهم.
15981ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا علـيّ بن عاصم, عن داود بن أبـي هند, عن عامر: وإنّ رَبّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ قال: يجمعهم الله يوم القـيامة جميعا.
وقال الـحسن: قال علـيّ: قال داود: سمعت عامرا يفسر قوله: إنّهُ حَكِيـمٌ عَلِـيـمٌ يقول أن ربك حكيـم فـي تدبـيره خـلقه فـي إحيائهم إذا أحياهم, وفـي إماتتهم إذا أماتهم, علـيـم بعددهم وأعمالهم وبـالـحيّ منهم والـميت, والـمستقدم منهم والـمستأخر. كما:
15982ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة, قال: كلّ أولئك قد علـمهم الله يعنـي الـمستقدمين والـمستأخرين.
الآية : 26
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مّنْ حَمَإٍ مّسْنُونٍ }.
يقول تعالـى ذكره: ولقد خـلقنا آدم وهو الإنسان من صلصال. واختلف أهل التأويـل فـي معنى الصلصال فقال بعضهم: هو الطين الـيابس لـم تصبه نار, فإذا نقرته صَلّ فسمعت له صلصلة. ذكر من قال ذلك:
15983ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا يحيى بن سعيد, وعبد الرحمن بن مهديّ, قالا: حدثنا سفـيان, عن الأعمش, عن مسلـم البطين, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس, قال: خـلق آدم من صلصال من حمأ ومن طين لازب. وأما اللازب: فـالـجيد, وأما الـحَمَأ: فـالـحمأة, وأما الصّلصال: فـالتراب الـمرقّق. وإنـما سمي إنسانا لأنه عهد إلـيه فنسي.
15984ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَلَقَدْ خَـلَقْنا الإنْسانَ مِنْ صَلْصَالٍ قال: والصلصال: التراب الـيابس الذي يسمع له صلصلة.
حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حمأٍ مَسْنُونٍ قال: الصلصال: الطين الـيابس يسمع له صلصلة.
15985ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا حميد بن عبد الرحمن, عن الـحسن بن صالـح, عن مسلـم, عن مـجاهد, عن ابن عبـاس: مِنْ صَلْصَالٍ قال: الصلصال: الـماء يقع علـى الأرض الطيبة ثم يحسِرُ عنها, فتشقق, ثم تصير مثل الـخَزَف الرقاق.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا يحيى بن سعيد, عن سفـيان, عن الأعمش, عن مسلـم, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس, قال: خُـلق الإنسان من ثلاثة: من طين لازب, وصلصال, وحمأ مسنون. والطين اللازب: اللازق الـجيد, والصلصال: الـمرقق الذي يصنع منه الفخار, والـمسنون: الطين فـيه الـحَمْأة.
15986ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: حدثنا أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: وَلَقَدْ خَـلَقْنا الإنْسانَ مِنْ صَلْصَال مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ قال: هو التراب الـيابس الذي يُبَلّ بعد يُبسه.
15987ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن مسلـم, عن مـجاهد, قال: الصلصال: الذي يصلصل, مثل الـخَزَف من الطين الطيب.
15988ـ حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: حدثنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك, يقول: الصلصال: طين صُلْب يخالطه الكثـيب.
15989ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: مِنْ صَلْصَالٍ قال: التراب الـيابس.
وقال آخرون: الصلصال: الـمُنْتِن. وكأنهم وجّهُوا ذلك إلـى أنه من قولهم: صَلّ اللـحم وأصلّ: إذا أنتن, يقال ذلك بـاللغتـين كلتـيهما: يَفْعَل وأَفْعَل. ذكر من قال ذلك:
15990ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح وحدثنـي الـحارث قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء وحدثنا الـحسن, قال: حدثنا شبـابة, قال: حدثنا ورقاء وحدثنـي الـمثنى قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: مِنْ صَلْصَالٍ الصلصال: الـمنتن.
والذي هو أولـى بتأويـل الاَية أن يكون الصلصال فـي هذا الـموضع الذي له صوت من الصلصلة وذلك أن الله تعالـى وصفه فـي موضع آخر فقال: خَـلَقَ الإنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كالفَخّارِ فشبهه تعالـى ذكره بأنه كان كالفخّار فـي يُبسه. ولو كان معناه فـي ذلك الـمُنتِن لـم يشبه بـالفخار, لأن الفخار لـيس بـمنتن فـيشبّه به فـي النتن غيره.
وأما قوله: مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ فإن الـحمأ: جمع حمأة, وهو الطين الـمتغَيّر إلـى السواد. وقوله: مَسْنُونٍ يعنـي: الـمتغير.
واختلف أهل العلـم بكلام العرب فـي معنى قوله: مَسْنُونٍ فكان بعض نـحويـيّ البصريـين يقول: عُنـي به: حمأ مصوّر تامّ. وذُكر عن العرب أنهم قالوا: سُنّ علـى مثال سُنّة الوجه: أي صورته. قال: وكأن سُنة الشيء من ذلك: أي مثالَه الذي وُضع علـيه. قال: ولـيس من الاَسن الـمتغير, لأنه من سَنَن مضاعف.
وقال آخر منهم: هو الـحَمَأ الـمصبوب. قال: والـمصبوب: الـمسنون, وهو من قولهم: سَنَنْت الـماء علـى الوجه وغيره إذا صببته.
وكان بعض أهل الكوفة يقول: هو الـمتغير, قال: كأنه أخذ من سَنَنْت الـحَجَر علـى الـحجر, وذلك أن يحكّ أحدهما بـالاَخر, يقال منه: سننته أَسْنّه سَنّا فهو مسنون. قال: ويقال للذي يخرج من بـينهما: سَنِـين, ويكون ذلك مُنْتنا. وقال: منه سُمّيَ الـمِسَنّ لأن الـحديد يُسَنّ علـيه.
وأما أهل التأويـل فإنهم قالوا فـي ذلك نـحو ما قلنا. ذكر من قال ذلك:
15991ـ حدثنا عبـيد الله بن يوسف الـجبـيري, قال: حدثنا مـحمد بن كثـير, قال: حدثنا مسلـم, عن مـجاهد, عن ابن عبـاس, فـي قوله: مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ قال: الـحمأ: الـمنتنة.
حدثنـي يحيى بن إبراهيـم الـمسعودي, قال: حدثنا أبـي, عن أبـيه, عن جدّه, عن الأعمش, عن مسلـم, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس: مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ قال: الذي قد أنتن.
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا عثمان بن سعيد, قال: حدثنا بشر بن عمارة, عن أبـي روق, عن الضحاك عن ابن عبـاس: مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ قال: منتن.
15992ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ قال: هو التراب الـمبتلّ الـمنتنُ, فجعل صَلصالاً كالفَخار.
15993ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن قال: حدثنا ورقاء وحدثنا الـحسن, قال: حدثنا شبـابة, قال: حدثنا ورقاء وحدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا شبل جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ قال: منتن.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, مثله.
15994ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ والـحمأ الـمسنون: الذي قد تغير وأنتن.
15995ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر: مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ قال: قد أنتن, قال: منتنة.
15996ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عمرو بن عون, قال: حدثنا هشيـم, عن جويبر, عن الضحاك, فـي قوله: مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ قال: من طين لازب, وهو اللازق من الكثـيب وهو الرمل.
15997ـ حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ قال: الـحمأ الـمنتن.
وقال آخرون منهم فـي ذلك: هو الطين الرّطْب. ذكر من قال ذلك:
15998ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ يقول: من طين رَطب.
الآية : 27
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَالْجَآنّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نّارِ السّمُومِ }.
يقول تعالـى ذكره: والـجانّ وقد بـيّنا فـيـما مضى معنى الـجانّ ولـم قـيـل له جان. وعُنـي بـالـجانّ ههنا: إبلـيس أبـا الـجنّ. يقول تعالـى ذكره: وإبلـيس خـلقناه من قبل الإنسان من نار السموم, كما:
15999ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: والـجانّ خَـلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وهو إبلـيس خـلقُ قبل آدم. وإنـما خـلق آدم آخر الـخـلق, فحسده عدوّ الله إبلـيس علـى ما أعطاه الله من الكرامة, فقال: أنا ناريّ, وهذا طينـي, فكانت السجدة لاَدم والطاعة لله تعالـى ذكره, فقال: اخْرُجْ مِنْها فإنّكَ رَجِيـمٌ.
واختلف أهل التأويـل فـي معنى: نارِ السّمُومِ فقال بعضهم: هي السموم الـحارّة التـي تقتل. ذكر من قال ذلك:
16000ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا يحيى بن آدم, عن شريك, عن أبـي إسحاق, عن التـميـمي, عن ابن عبـاس فـي قوله: والـجانّ خَـلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السّمُومِ قال: السموم الـحارّة التـي تقتل.
16001ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا الـحِمّانـيّ, قال: حدثنا شريك, عن أبـي إسحاق التـيـمي, عن ابن عبـاس: والـجانّ خَـلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السّمُومِ قال: هي السموم التـي تقتل فأصَابَها إعْصَارٌ فـيه نَارٌ فـاحْتَرَقَتْ قال: هي السموم التـي تقتل.
وقال آخرون: يعنـي بذلك من لهب النار. ذكر من قال ذلك:
16002ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الرحمن بن مغراء, عن جويبر, عن الضحاك, فـي قوله: والـجانّ خَـلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السّمُومِ قال: من لهب من نار السموم.
16003ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا عثمان, عن سعيد, قال: حدثنا بشر بن عمارة, عن أبـي روق, عن الضحاك عن ابن عبـاس, قال: كان إبلـيس من حيّ من أحياء الـملائكة يقال لهم الـجنّ, خُـلقوا من نار السموم من بـين الـملائكة. قال: وخُـلقت الـجنّ الذين ذُكروا فـي القرآن من مارج من نار.
16004ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا أبو داود, قال: حدثنا شعبة, عن أبـي إسحاق, قال: دخـلت علـى عمرو بن الأصمّ أعوده, فقال: ألا أحدثك حديثا سمعته من عبد الله؟ سمعت عبد الله يقول: هذه السموم جزء من سبعين جزءا من السموم التـي خرج منها الـجانّ. قال: وتلا: والـجانّ خَـلَقْناهُ منْ قَبْلُ مِنْ نارِ السّمُومِ.
وكان بعض أهل العربـية يقول: السموم بـاللـيـل والنهار. وقال بعضهم: الـحَرُور بـالنهار, والسموم بـاللـيـل, يقال: سَمّ يومُنا يَسَمّ سَمُوما.
16005ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن سهل بن عسكر, قال: حدثنا إسماعيـل بن عبد الكريـم, قال: ثنـي عبد الصمد بن معقل, قال: سمعت وهب بن منبه, وسئل عن الـجنّ ما هم, وهل يأكلون أو يشربون, أو يـموتون, أو يتناكحون؟ قال: هم أجناس, فأما خالص الـجنّ فهم ريح لا يأكلون ولا يشربون ولا يـموتون ولا يتوالدون. ومنهم أجناس يأكلون ويشربون ويتناكحون ويـموتون, وهي هذه التـي منها السعالِـي والغُول وأشبـاه ذلك.
الآية : 28-29
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِذْ قَالَ رَبّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنّي خَالِقٌ بَشَراً مّن صَلْصَالٍ مّنْ حَمَإٍ مّسْنُونٍ * فَإِذَا سَوّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ }.
يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: و اذكر يا مـحمد إذْ قالَ رَبّكَ للْـمَلائِكَة إنّـي خالِقٌ بَشَرا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ فإذَا سَوّيْتُهُ يقول: فإذا صوّرته فعدّلت صورته وَنَفَخْتُ فِـيهِ مِنْ رُوحِي فصار بشرا حيّا فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ سجود تـحية وتكرمة لا سجود عبـادة. وقد:
16006ـ حدثنـي جعفر بن مكرم, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا شبـيب بن بشر, عن عكرمة, عن ابن عبـاس قال: لـما خـلق الله الـملائكة قال: إنـي خالق بشرا من طين, فإذا أنا خـلقته فـاسجدوا له فقالوا: لا نفعل. فأرسل علـيهم نارا فأحرقتهم. وخـلق ملائكة أخرى, فقال: إنـي خالق بشرا من طين, فإذا أنا خـلقته فـاسجدوا له فأبَوا, قال: فأرسل علـيهم نارا فأحرقتهم. ثم خـلق ملائكة أخرى, فقال: إنـي خالق بشرا من طين, فإذا أنا خـلقته فـاسجدوا له فأبوا, فأرسل علـيهم نارا فأحرقتهم. ثم خـلق ملائكة, فقال: إنـي خالق بشرا من طين, فإذا أنا خـلقته فـاسجدوا له فقالوا: سمعنا وأطعنا. إلا إبلـيس كان من الكافرين الأوّلـين