سورة الحجر | للقراءة من المصحف بخط كبير واضح
استماع mp3 | الجلالين&الميسر | تفسير الشوكاني |
إعراب الصفحة | تفسير ابن كثير | تفسير القرطبي |
التفسير المختصر | تفسير الطبري | تفسير السعدي |
تفسير الطبري تفسير الصفحة 264 من المصحف
تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 264
265
263
الآية : 30-32
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَسَجَدَ الْمَلآئِكَةُ كُلّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلاّ إِبْلِيسَ أَبَىَ أَن يَكُونَ مَعَ السّاجِدِينَ * قَالَ يَإِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلاّ تَكُونَ مَعَ السّاجِدِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: فلـما خـلق الله ذلك البشر ونفخ فـيه الروح بعد أن سوّاه, سجد الـملائكة كلهم جميعا إلا إبلـيس, فإنه أبى أن يكون مع الساجدين فـي سجودهم لاَدم حين سجدوا, فلـم يسجد له معهم تكبرا وحسدا وبغيا, فقال الله تعالـى ذكره: يا إبلـيسُ ما لكَ ألاّ تكونَ معَ السّاجِدينَ يقول: ما منعك من أن تكون مع الساجدين؟ ف «أنْ» فـي قول بعض نـحويـي الكوفة خفض, وفـي قول بعض أهل البصرة نصب بفقد الـخافض.
الآية : 33-35
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ لَمْ أَكُن لأسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَالٍ مّنْ حَمَإٍ مّسْنُونٍ * قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنّكَ رَجِيمٌ * وَإِنّ عَلَيْكَ اللّعْنَةَ إِلَىَ يَوْمِ الدّينِ }.
يقول تعالـى ذكره: قالَ إبلـيس: لَـمْ أكُنْ لأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَـلَقْتَهُ منْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ وهو من طين وأنا من نار, والنار تأكل الطين. وقوله: فـاخْرُجْ مِنْها يقول الله تعالـى ذكره لإبلـيس: فـاخْرُجْ مِنْها فإنّكَ رَجِيـمٌ.
والرجيـم الـمرجوم, صرف من مفعول إلـى فعيـل وهو الـمشتوم, كذلك قال جماعة من أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
16007ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: فإنّكَ رَجِيـمٌ والرجيـم: الـملعون.
16008ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قوله: فـاخْرُجْ مِنْها فإنّكَ رَجِيـمٌ قال: ملعون. والرجم فـي القرآن: الشتـم.
وقوله: وإنّ عَلَـيْكَ اللّعْنَةَ إلـى يَوْمِ الدّينِ يقول: وإن غضب الله علـيك بإخراجه إياك من السموات وطردك عنها إلـى يوم الـمـجازاة, وذلك يوم القـيامة. وقد بـيّنا معنى اللعنة فـي غير موضع بـما أغنى عن إعادته ههنا.
الآية : 36-38
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ رَبّ فَأَنظِرْنِي إِلَىَ يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ * إِلَىَ يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ }.
يقول تعالـى ذكره: قال إبلـيس: ربّ فإذ أخرجتنـي من السموات ولعنتنـي, فأخرّنـي إلـى يوم تبعث خـلقك من قبورهم فتـحشرهم لـموقـف القـيامة. قال الله له: فإنك مـمن أُخّر هلاكه إلـى يوم الوقت الـمعلوم لهلاك جميع خـلقـي, وذلك حين لا يبقـى علـى الأرض من بنـي آدم دَيّارٌ.
الآية : 39-40
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ رَبّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي لاُزَيّنَنّ لَهُمْ فِي الأرْضِ وَلاُغْوِيَنّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: قال إبلـيس: رَبّ بِـمَا أغْوَيْتَنـي بإغوائك لأُزَيّنَنّ لَهُمْ فِـي الأرْضِ. وكأن قوله: بِـما أغْوَيْتَنـي خرج مخرج القسم, كما يقال: بـالله, أو بعزّة الله لأغوينهم. وعنى بقوله: لأُزَيّنَنّ لَهُمْ فِـي الأرْضِ لأحسننّ لهم معاصيك, ولأحببنها إلـيهم فـي الأرض. ولأُغْوِيَنّهُمْ أجمَعِينَ يقول: ولأضلّنهم عن سبـيـل الرشاد. إلاّ عِبـادَكَ مِنْهُمُ الـمُخْـلَصِينَ يقول إلا من أخـلصته بتوفـيقك فهديته, فإن ذلك مـمن لا سلطان لـي علـيه ولا طاقة لـي به. وقد قرىء: «إلاّ عِبـادَكَ مِنْهُمُ الـمُخْـلَصِينَ» فمن قرأ ذلك كذلك, فإنه يعنـي به: إلا من أخـلص طاعتك, فإنه لا سبـيـل لـي علـيه.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
16009ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا أبو زهير, عن جويبر, عن الضحاك: إلاّ عِبـادَكَ مِنْهُمُ الـمُخْـلَصِينَ يعنـي: الـمؤمنـين.
16010ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا هشام, قال: حدثنا عمرو, عن سعيد, عن قتادة: إلاّ عِبـادَكَ مِنْهُمُ الـمُخْـلَصِينَ قال قتادة: هذه ثَنِـيّة الله تعالـى ذكره.
الآية : 41-42
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيّ مُسْتَقِيمٌ * إِنّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاّ مَنِ اتّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ }.
اختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: قالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلـيّ مُسْتَقِـيـمٌ فقرأه عامّة قراء الـحجاز والـمدينة والكوفة والبصرة: هَذَا صِرَاطٌ عَلـيّ مُسْتَقِـيـمٌ بـمعنى: هذا طريق إلـيّ مستقـيـم.
فكان معنى الكلام: هذا طريق مرجعه إلـيّ فأجازي كلاّ بأعمالهم كما قال الله تعالـى ذكره: إنّ رَبّكَ لَبـالـمرْصَاد. وذلك نظير قول القائل لـمن يتوعده ويتهدده: طريقك علـيّ, وأنا علـى طريقك فكذلك قوله: هَذَا صِرَاطٌ معناه: هذا طريق علـيّ وهذا طريق إلـيّ. وكذلك تأوّل من قرأ ذلك كذلك. ذكر من قال ذلك:
16011ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحرث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء وحدثنـي الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا شبـابة, قال: حدثنا ورقاء وحدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل وحدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله, عن ورقاء, جميعا عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: هَذَا صِرَاطٌ عَلـيّ مُسْتَقِـيـمٌ قال: الـحقّ يرجع إلـى الله وعلـيه طريقه, لا يعرّج علـى شيء.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, بنـحوه.
16012ـ حدثنا أحمد بن يوسف, قال: حدثنا القاسم, قال: حدثنا مَرْوان بن شجاع, عن خَصِيف, عن زياد بن أبـي مريـم, وعبد الله بن كثـير أنهما قرآها: هَذَا صِرَاطٌ عَلـيّ مُسْتَقِـيـمٌ وقالا: «علـيّ» هي «إلـيّ» وبـمنزلتها.
16013ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا عبد الوهاب بن عطاء, عن إسماعيـل بن مسلـم, عن الـحسن وسعيد عن قتادة, عن الـحسن: هَذَا صِرَاطٌ عَلـيّ مُسْتَقِـيـمٌ يقول: إلـيّ مستقـيـم.
وقرأ ذلك قـيس بن عبـاد وابن سيرين وقتادة فـيـما ذُكر عنهم «هَذَا صِرَاطٌ عَلـيّ مُسْتَقِـيـمٌ» برفع «علـيّ»علـى أنه نعت للصراط, بـمعنى رفـيع. ذكر من قال ذلك:
16014ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا ابن أبـي حماد, قال: ثنـي جعفر البصري, عن ابن سيرين أنه كان يقرأ: «هَذَا صِرَاطٌ عَلـيّ مُسْتَقِـيـمٌ» يعنـي: رفـيع.
16015ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: «هَذَا صِرَاطٌ عَلـيّ مُسْتَقِـيـمٌ» أي رفـيع مستقـيـم. قال بشر, قال يزيد, قال سعيد: هكذا نقرؤها نـحن وقتادة.
16016ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا عبد الوهاب, عن هارون, عن أبـي العوّام, عن قتادة, عن قـيس بن عبـاد: «هَذَا صِرَاطٌ عَلـيّ مُسْتَقِـيـمٌ» يقول: رفـيع.
والصواب من القراءة فـي ذلك عندنا قراءة من قرأ: هَذَا صِرَاطٌ عَلـيّ مُسْتَقِـيـمٌ علـى التأويـل الذي ذكرناه عن مـجاهد والـحسن البصري ومن وافقهما علـيه, لإجماع الـحجة من القرّاء علـيها وشذوذ ما خالفها.
وقوله: إنّ عِبـادِي لَـيْسَ لَكَ عَلَـيْهِمْ سُلْطانٌ إلاّ مَنِ اتّبَعَكَ مِنَ الغاوِينَ يقول تعالـى ذكره: إن عبـادي لـيس لك علـيهم حجة, إلا من اتبعك علـى ما دعوته إلـيه من الضلالة مـمن غوى وهلك.
16017ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا سويد, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, عن عبـيد الله بن موهب, قال حدثنا يزيد بن قسيط, قال: كانت الأنبـياء لهم مساجد خارجة من قُراهم, فإذا أراد النبـيّ أن يستنبىء ربه عن شيء خرج إلـى مسجده, فصلـى ما كتب الله له ثم سأل ما بدا له. فبـينـما نبـيّ فـي مسجده, إذا جاء عدوّ الله حتـى جلس بـينه وبـين القبلة, فقال النبـيّ صلى الله عليه وسلم: «أعُوذُ بـالله مِنَ الشّيْطانِ الرّجِيـمِ» فقال عدوّ الله: أرأيت الذي تعوّذ منه فهو هو فقال النبـيّ صلى الله عليه وسلم: «أعُوذُ بـاللّهِ مِنَ الشّيْطانِ الرّجِيـمِ» فردّد ذلك ثلاث مرّات. فقال عدوّ الله: أخبرنـي بأيّ شيء تنـجو منـي؟ فقال النبـيّ صلى الله عليه وسلم: «بَل أخْبِرْنِـي بأيّ شَيْءٍ تَغْلِبُ ابْنَ آدَمَ؟» مرّتـين. فأخذ كلّ واحد منهما علـى صاحبه, فقال النبـي صلى الله عليه وسلم: «إنّ اللّهَ تَعَالـى ذِكْرُهُ يَقُولُ إنّ عِبَـادِي لَـيْسَ لَكَ عَلَـيْهِمْ سُلْطانٌ إلاّ مِنَ اتّبَعَكَ مِنَ الغاوِينَ قال عدوّ الله: قد سمعت هذا قبل أن تولد. قال النبـيّ صلى الله عليه وسلم: «يقول اللّهُ تَعالـى ذِكْرُهُ: وإمّا يَنْزَغَنّكَ مِنَ الشّيْطانِ نَزْغٌ فـاسْتَعِذْ بـاللّهِ إنّهُ سَمِيعٌ عَلِـيـمٌ وإنّـي واللّهِ ما أحْسَسْتُ بِكَ قَطّ إلاّ اسْتَعَذْتُ بـاللّهِ مِنْكَ». فقال عدوّ الله: صدقت بهذا تنـجو منـي فقال النبـيّ صلى الله عليه وسلم: «فأخْبِرْنِـي بأيّ شَيْءٍ تَغْلُبُ ابْنَ آدَمَ؟» قال: آخذه عند الغضب, وعند الهوى.
الآية : 43-44
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِنّ جَهَنّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ * لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلّ بَابٍ مّنْهُمْ جُزْءٌ مّقْسُومٌ }.
يقول تعألـى ذكره لإبلـيس: وإن جهنـم لـموعد من تبعك أجمعين. لها سَبْعَةُ أبوابٍ يقول: لـجهنـم سبعة أطبـاق, لكلَ طَبَق منهم: يعنـي من أتبـاع إبلـيس جزء, يعنـي: قسما ونصيبـا مقسوما.
وذُكر أن أبواب جهنـم طبقات بعضها فوق بعض. ذكر من قال ذلك:
16018ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, قال: سمعت أبـا هارون الغنوي, قال: سمعت حِطان, قال: سمعت علـيّا وهو يخطب, قال: إن أبواب جهنـم هكذا. ووضع شُعبة إحدى يديه علـى الأخرى.
16019ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا ابن علـية, عن أبـي هارون الغنوي, عن حطان بن عبد الله, قال: قال علـيّ: تدرون كيف أبواب النار؟ قلنا: نعم كنـحو هذه الأبواب. فقال: لا, ولكنها هكذا. فوصف أبو هارون أطبـاقا بعضها فوق بعض, وفعل ذلك أبو بشر.
حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا إسماعيـل بن إبراهيـم, عن أبـي هارون الغنوي, عن حطان بن عبد الله عن علـيّ, قال: هل تدرون كيف أبواب النار؟ قالوا: كنـحو هذه الأبواب, قال: لا, ولكن هكذا. ووصف بعضها فوق بعض.
16020ـ حدثنا هارون بن إسحاق, قال: حدثنا مصعب بن الـمقدام, قال: أخبرنا إسرائيـل, قال: حدثنا أبو إسحاق, عن هبـيرة, عن علـيّ, قال: أبواب جهنـم سبعة بعضها فوق بعض, فـيـمتلـىء الأوّل, ثم الثانـي, ثم الثالث, ثم تـمتلـىء كلها.
حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا شبـابة, قال: حدثنا إسرائيـل, عن أبـي إسحاق, عن هبـيرة, عن علـيّ قال: أبواب جهنـم سبعة بعضها فوق بعض وأشار بأصابعه علـى الأوّل, ثم الثانـي, ثم الثالث حتـى تـملأ كلها.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يحيى بن واضح, قال: حدثنا يونس بن أبـي إسحاق, عن أبـيه, عن هبـيرة ابن مريـم, قال: سمعت علـيّا يقول: إن أبواب جهنـم بعضا فوق بعض, فـيـملأ الأوّل ثم الذي يـلـيه, إلـى آخرها.
16021ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا علـيّ, قال: أخبرنا مـحمد بن يزيد الواسطيّ, عن جَهْضَم, قال: سمعت عكرمة يقول فـي قوله: لها سَبْعَةُ أبوابٍ قال: لها سبعة أطبـاق.
16022ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قوله: لها سَبْعَةُ أبوابٍ قال: أوّلها جهنـم, ثم لظى, ثم الـحطمة, ثم السعير, ثم سقر, ثم الـجحيـم, ثم الهاوية. والـجحيـم فـيها أبو جهل.
16023ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: لها سَبْعَةُ أبوابٍ لِكُلّ بـابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ وهي والله منازل بأعمالهم.
الآية : 45-47
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِنّ الْمُتّقِينَ فِي جَنّاتٍ وَعُيُونٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ * وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مّنْ غِلّ إِخْوَاناً عَلَىَ سُرُرٍ مّتَقَابِلِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: إن الذين اتقوا الله بطاعته وخافوه, فتـجنبوا معاصيه فـي جَنّاتٍ وَعُيُونٍ يقال لهم: ادْخُـلُوها بِسَلامٍ آمِنِـينَ من عقاب الله, أو أن تُسلبوا نعمة الله علـيكم وكرامة أكرمكم بها. قوله: وَنَزَعْنا ما فِـي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلّ يقول: وأخرجنا ما فـي صدور هؤلاء الـمتقـين الذين وصف صفتهم من حقد وضغينة بعضهم لبعض.
واختلف أهل التأويـل فـي الـحال التـي ينزع الله ذلك من صدورهم, فقال بعضهم: ينزل ذلك بعد دخولهم الـجنة. ذكر من قال ذلك:
16024ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو غسان, قال: حدثنا إسرائيـل, عن بشر البصري, عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبـي أُمامة, قال: يدخـل أهل الـجنة الـجنة علـى ما فـي صدورهم فـي الدنـيا من الشحناء والضغائن, حتـى إذا توافوا وتقابلوا نزع الله ما فـي صدورهم فـي الدنـيا من غلّ. ثم قرأ: وَنَزَعْنا ما فِـي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلّ.
16025ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا أبو فضالة, عن لقمان, عن أبـي أمامة, قال: لا يدخـل مؤمن الـجنة حتـى ينزع الله ما فـي صدورهم من غلّ, ثم ينزع منه السبع الضاري.
16026ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا الـحجاج بن الـمنهال, قال: حدثنا سفـيان بن عيـينة, عن إسرائيـل, عن أبـي موسى سمع الـحسن البصري يقول: قال علـيّ: فـينا والله أهل بدر نزلت الاَية: وَنَزَعْنا ما فِـي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلّ إخْوَانا علـى سُرُرٍ مُتَقابِلِـينَ.
16027ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: عبد الله بن الزبـير, عن ابن عيـينة: وَنَزَعْنا ما فِـي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلّ قال: من عداوة.
16028ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا مـحمد بن يزيد الواسطي, عن جويبر, عن الضحاك: وَنَزَعْنا ما فِـي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلّ قال: العداوة.
16029ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا ابن فضيـل عن عطاء بن السائب, عن رجل, عن علـيّ: وَنَزَعْنا ما فِـي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلّ قال: العداوة.
16030ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن سفـيان, عن منصور, عن إبراهيـم, قال: جاء ابن جرموز قاتل الزبـير يستأذن علـى علـيّ, فحجبه طويلاً, ثم أذن له فقال له: أما أهل البلاء فتـجفوهم قال علـيّ: بفـيك التراب إنـي لأرجو أن أكون أنا وطلـحة والزبـير مـمن قال الله: وَنَزَعْنا ما فِـي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلّ إخْوَانا علـى سُرُرٍ مُتَقابِلِـينَ.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن سفـيان, عن جعفر, عن علـيّ نـحوه.
16031ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن أبـان بن عبد الله البجلـي, عن نعيـم بن أبـي هند, عن ربْعِيّ بن حِرَاش, بنـحوه, وزاد فـيه: قال: فقام إلـى علـيّ رجل من هَمْدان, فقال: الله أعدل من ذلك يا أمير الـمؤمنـين قال: فصاح علـيّ صيحة ظننت أن القصر تَدَهْدَهَ لها, ثم قال: إذا لـم نكن نـحن فمن هم؟
16032ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا أبو معاوية الضرير, قال: حدثنا أبو مالك الأشجعي, عن أبـي حبـيبة مولـى لطلـحة, قال: دخـل عمران بن طلـحة علـى علـيّ بعد ما فرغ من أصحاب الـجمل, فرحّب به وقال إنـي لأرجو أن يجعلنـي الله وأبـاك من الذين قال الله: إخْوانا علـى سُرُرٍ مُتَقابِلِـينَ ورجلان جالسان علـى ناحية البساط, فقالا: الله أعدل من ذلك, تقتلهم بـالأمس وتكونون إخوانا؟ فقال علـيّ: قُومَا أبعد أرضها وأسحقها فمن هم إذن إن لـم أكن أنا وطلـحة؟ وذكر لنا أبو معاوية الـحديث بطوله.
16033ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا عفـان, قال: حدثنا عبد الواحد, قال: حدثنا أبو مالك, قال: حدثنا أبو حبـيبة, قال: قال علـيّ لابن طلـحة: إنـي لأرجو أن يجعلنـي الله وأبـاك من الذين نَزَعَ الله ما فـي صدورهم من غلّ ويجعلنا إخوانا علـى سرر متقابلـين.
حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا حماد بن خالد الـخياط, عن أبـي الـجويرية, قال: حدثنا معاوية بن إسحاق, عن عمران بن طلـحة, قال: لـما نظرنـي علـيّ قال: مرحبـا بـابن أخي فذكر نـحوه.
16034ـ حدثنا الـحسن, قال: حدثنا يزيد بن هارون, قال: أخبرنا هشام, عن مـحمد, قال: استأذن الأشتر علـى علـيّ وعنده ابنٌ لطلـحة, فحبسه ثم أذن له, فلـما دخـل قال: إنـي لأراك إنـما حبستنـي لهذا قال: أجل. قال: إنـي لأراه لو كان عندك ابن لعثمان لـحبستنـي قال: أجَل, إنـي لأرجو أن أكون أنا وعثمان مـمن قال الله: وَنَزَعْنا ما فِـي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلّ إخْوَانا علـى سُرُرٍ مُتَقابِلِـينَ.
حدثنا الـحسن, قال: حدثنا إسحاق الأزرق, قال: أخبرنا عوف, عن سيرين, بنـحوه.
16035ـ حدثنا الـحسن, قال: حدثنا يعقوب بن إسحاق الـحضرمي, قال: حدثنا السكن بن الـمغيرة, قال: حدثنا معاوية ابن راشد, قال: قال علـيّ: إنـي لأرجو أن أكون أنا وعثمان مـمن قال الله: وَنَزَعْنا ما فِـي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلّ إخْوَانا علـى سُرُرٍ مُتَقابِلِـينَ.
16036ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قال: حدثنا ابن الـمتوكل الناجي, أن أبـا سعيد الـخدريّ حدثهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يَخْـلُصُ الـمُوءْمِنُونَ مِنَ النّارِ فَـيُحْبَسُونَ علـى قَنْطَرَة بـينَ الـجَنّةِ والنّارِ, فَـيُقْتَصّ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ مَظالِـمَ كانَتْ بَـيْنَهُمْ فِـي الدّنْـيا حتـى إذَا هُذّبُوا ونُقّوا أُذِنَ لَهُمْ فـي دُخُولِ الـجَنّة» قالَ: «فَوَالّذِي نَفْسُ مُـحَمّدٍ بـيَدِهِ, لأَحَدُهُمْ أهْدَى بِـمَنْزِلِهِ فـي الـجَنّةِ مِنْهُ بِـمَنْزِلِهِ الّذِي كانَ فِـي الدّنْـيا» وقال بعضهم: ما يشبّه بهم إلا أهل جمعة انصرفوا من جمعتهم.
16037ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا عفـان بن مسلـم, قال: حدثنا يزيد بن زريع, قال: حدثنا سعيد بن أبـي عروبة فـي هذه الاَية: وَنَزَعْنا ما فِـي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلّ إخْوَانا علـى سُرُرٍ مُتَقابِلِـينَ قال: حدثنا قتادة أن أبـا الـمتوكل الناجي حدثهم أن أبـا سعيد الـخدريّ حدثهم, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره نـحوه, إلـى قوله «وأذِنَ لَهُمْ فِـي دُخُولِ الـجَنّةِ» ثم جعل سائر الكلام عن قتادة. قال: وقال قتادة: فوالذي نفسي بـيده لأحدهم أهدى بـمنزله. ثم ذكر بـاقـي الـحديث نـحو حديث بشر غير أن الكلام إلـى آخره عن قتادة, سوى أنه قال فـي حديثه: قال قتادة وقال بعضهم: ما يشبّه بهم إلا أهل الـجمعة إذا انصرفوا من الـجمعة.
16038ـ حدثنـي نصر بن عبد الرحمن الأودي, قال: حدثنا عمر بن زرعة, عن مـحمد بن إسماعيـل الزبـيدي, عن كثـير النواء, قال سمعته يقول: دخـلت علـى أبـي جعفر مـحمد بن علـيّ, فقلت: ولـيـي ولـيكم, وسلـمي سِلْـمكم, وعدوّي عدوّكم, وحربـي حربكم إنـي أسألك بـالله, أتبرأ من أبـي بكر وعمر؟ فقال: قد ضَلَلْتُ إذا وما أنا من الـمهتدين, توّلهما يا كثـير, فما أدركك فهو فـي رقبتـي ثم تلا هذه الاَية: إخْوَانا علـى سُرُرٍ مُتَقابِلِـينَ يقول: إخوانا يقابل بعضهم وجه بعض, لا يستدبره فـينظر فـي قـفـاه.
وكذلك تأوّله أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
16039ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا مؤمل, قال: حدثنا سفـيان, قال: حدثنا حصين, عن مـجاهد, فـي قوله: علـى سُرُرٍ مُتَقابِلِـينَ قال: لا ينظر أحدهم فـي قـفـا صاحبه.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا يحيى وعبد الرحمن ومؤمل, قالوا: حدثنا سفـيان, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
والسرر: جمع سرير, كما الـجدد جمع جديد وجمع سررا وأظهر التضعيف فـيها والراءان متـحرّكتان لـخفة الأسماء, ولا تفعل ذلك فـي الأفعال لثقل الأفعال, ولكنهم يُدْغمون فـي الفعل لـيسكن أحد الـحرفـين فـيخفف, فإذا دخـل علـى الفعل ما يسكن الثانـي أظهروا حينئذٍ التضعيف.
الآية : 48-50
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {لاَ يَمَسّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مّنْهَا بِمُخْرَجِينَ * نَبّىءْ عِبَادِي أَنّي أَنَا الْغَفُورُ الرّحِيمُ * وَأَنّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الألِيمُ }.
يقول تعالـى ذكره: لا يَـمَسّ هؤلاء الـمتقـين الذين وصف صِفتهم فـي الـجنات نَصَب, يعنـي تَعَب. وَما هُمْ مِنْها بِـمُخْرِجِينَ يقول: وما هم من الـجنة ونعيـمها وما أعطاهم الله فـيها بـمخرجين, بل ذلك دائم أبدا. وقوله: نَبّىءْ عِبـادِي أنّـي أنا الغَفُورُ الرّحِيـمُ يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: أخبر عبـادي يا مـحمد, أنـي أنا الذي أستر علـى ذنوبهم إذا تابوا منها وأنابوا, بترك فضيحتهم بها وعقوبتهم علـيها, الرحيـم بهم أن أعذّبهم بعد توبتهم منها علـيها. وأنّ عَذابِـي هُو العَذَابُ الألـيـمُ يقول: وأخبرهم أيضا أن عذابـي لـمن أصرّ علـى معاصيّ وأقام علـيها ولـم يتب منها, هو العذاب الـموجع الذي لا يشبهه عذاب. وهذا من الله تـحذير لـخـلقه التقدم علـى معاصيه, وأمر منه لهم بـالإنابة والتوبة.
16040ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: نَبّىءْ عِبـادِي أنّـي أنا الغَفُورُ الرّحِيـمُ وأنّ عَذَابِـي هُو العَذَابُ الألِـيـمُ قال: بلغنا أن نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم قال: «لوْ يَعلـمُ العبدُ قَدْر عَفْوِ اللّهِ ما تورّعَ من حرام, وَلَو يَعلـم قَدْر عَذابِهِ لَبخَع نفسَه».
16041ـ حدثنـي الـمثنى, قال: أخبرنا إسحاق, قال: أخبرنا ابن الـمكيّ, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, قال: أخبرنا مصعب بن ثابت, قال: حدثنا عاصم بن عبد الله, عن ابن أبـي ربـاح, عن رجل من أصحاب النبـيّ صلى الله عليه وسلم قال: طَلَع عَلْـيَنَا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم من البـاب الذي يدخـل منه بنو شيبة, فقال: «ألا أرَاكُمْ تَضْحَكُونَ؟» ثم أدبر حتـى إذا كان عند الـحجر رجع رجع إلـينا القهقري, فقال: «إنّـي لـمّا خَرَجْتُ جاءَ جَبْرَئِيـلُ صلى الله عليه وسلم فَقالَ: يا مُـحَمّد إنّ اللّهَ يَقُولُ: لِـمَ تُقَنّطُ عِبـادِي؟ نَبّىءْ عِبـادِي أنّـي أنا الغَفُورُ الرّحِيـمُ وأنّ عَذَابِـي هُو العَذَابُ الألِـيـمُ»
265
263
الآية : 30-32
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَسَجَدَ الْمَلآئِكَةُ كُلّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلاّ إِبْلِيسَ أَبَىَ أَن يَكُونَ مَعَ السّاجِدِينَ * قَالَ يَإِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلاّ تَكُونَ مَعَ السّاجِدِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: فلـما خـلق الله ذلك البشر ونفخ فـيه الروح بعد أن سوّاه, سجد الـملائكة كلهم جميعا إلا إبلـيس, فإنه أبى أن يكون مع الساجدين فـي سجودهم لاَدم حين سجدوا, فلـم يسجد له معهم تكبرا وحسدا وبغيا, فقال الله تعالـى ذكره: يا إبلـيسُ ما لكَ ألاّ تكونَ معَ السّاجِدينَ يقول: ما منعك من أن تكون مع الساجدين؟ ف «أنْ» فـي قول بعض نـحويـي الكوفة خفض, وفـي قول بعض أهل البصرة نصب بفقد الـخافض.
الآية : 33-35
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ لَمْ أَكُن لأسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَالٍ مّنْ حَمَإٍ مّسْنُونٍ * قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنّكَ رَجِيمٌ * وَإِنّ عَلَيْكَ اللّعْنَةَ إِلَىَ يَوْمِ الدّينِ }.
يقول تعالـى ذكره: قالَ إبلـيس: لَـمْ أكُنْ لأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَـلَقْتَهُ منْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ وهو من طين وأنا من نار, والنار تأكل الطين. وقوله: فـاخْرُجْ مِنْها يقول الله تعالـى ذكره لإبلـيس: فـاخْرُجْ مِنْها فإنّكَ رَجِيـمٌ.
والرجيـم الـمرجوم, صرف من مفعول إلـى فعيـل وهو الـمشتوم, كذلك قال جماعة من أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
16007ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: فإنّكَ رَجِيـمٌ والرجيـم: الـملعون.
16008ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قوله: فـاخْرُجْ مِنْها فإنّكَ رَجِيـمٌ قال: ملعون. والرجم فـي القرآن: الشتـم.
وقوله: وإنّ عَلَـيْكَ اللّعْنَةَ إلـى يَوْمِ الدّينِ يقول: وإن غضب الله علـيك بإخراجه إياك من السموات وطردك عنها إلـى يوم الـمـجازاة, وذلك يوم القـيامة. وقد بـيّنا معنى اللعنة فـي غير موضع بـما أغنى عن إعادته ههنا.
الآية : 36-38
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ رَبّ فَأَنظِرْنِي إِلَىَ يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ * إِلَىَ يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ }.
يقول تعالـى ذكره: قال إبلـيس: ربّ فإذ أخرجتنـي من السموات ولعنتنـي, فأخرّنـي إلـى يوم تبعث خـلقك من قبورهم فتـحشرهم لـموقـف القـيامة. قال الله له: فإنك مـمن أُخّر هلاكه إلـى يوم الوقت الـمعلوم لهلاك جميع خـلقـي, وذلك حين لا يبقـى علـى الأرض من بنـي آدم دَيّارٌ.
الآية : 39-40
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ رَبّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي لاُزَيّنَنّ لَهُمْ فِي الأرْضِ وَلاُغْوِيَنّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: قال إبلـيس: رَبّ بِـمَا أغْوَيْتَنـي بإغوائك لأُزَيّنَنّ لَهُمْ فِـي الأرْضِ. وكأن قوله: بِـما أغْوَيْتَنـي خرج مخرج القسم, كما يقال: بـالله, أو بعزّة الله لأغوينهم. وعنى بقوله: لأُزَيّنَنّ لَهُمْ فِـي الأرْضِ لأحسننّ لهم معاصيك, ولأحببنها إلـيهم فـي الأرض. ولأُغْوِيَنّهُمْ أجمَعِينَ يقول: ولأضلّنهم عن سبـيـل الرشاد. إلاّ عِبـادَكَ مِنْهُمُ الـمُخْـلَصِينَ يقول إلا من أخـلصته بتوفـيقك فهديته, فإن ذلك مـمن لا سلطان لـي علـيه ولا طاقة لـي به. وقد قرىء: «إلاّ عِبـادَكَ مِنْهُمُ الـمُخْـلَصِينَ» فمن قرأ ذلك كذلك, فإنه يعنـي به: إلا من أخـلص طاعتك, فإنه لا سبـيـل لـي علـيه.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
16009ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا أبو زهير, عن جويبر, عن الضحاك: إلاّ عِبـادَكَ مِنْهُمُ الـمُخْـلَصِينَ يعنـي: الـمؤمنـين.
16010ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا هشام, قال: حدثنا عمرو, عن سعيد, عن قتادة: إلاّ عِبـادَكَ مِنْهُمُ الـمُخْـلَصِينَ قال قتادة: هذه ثَنِـيّة الله تعالـى ذكره.
الآية : 41-42
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيّ مُسْتَقِيمٌ * إِنّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاّ مَنِ اتّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ }.
اختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: قالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلـيّ مُسْتَقِـيـمٌ فقرأه عامّة قراء الـحجاز والـمدينة والكوفة والبصرة: هَذَا صِرَاطٌ عَلـيّ مُسْتَقِـيـمٌ بـمعنى: هذا طريق إلـيّ مستقـيـم.
فكان معنى الكلام: هذا طريق مرجعه إلـيّ فأجازي كلاّ بأعمالهم كما قال الله تعالـى ذكره: إنّ رَبّكَ لَبـالـمرْصَاد. وذلك نظير قول القائل لـمن يتوعده ويتهدده: طريقك علـيّ, وأنا علـى طريقك فكذلك قوله: هَذَا صِرَاطٌ معناه: هذا طريق علـيّ وهذا طريق إلـيّ. وكذلك تأوّل من قرأ ذلك كذلك. ذكر من قال ذلك:
16011ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحرث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء وحدثنـي الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا شبـابة, قال: حدثنا ورقاء وحدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل وحدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله, عن ورقاء, جميعا عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: هَذَا صِرَاطٌ عَلـيّ مُسْتَقِـيـمٌ قال: الـحقّ يرجع إلـى الله وعلـيه طريقه, لا يعرّج علـى شيء.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, بنـحوه.
16012ـ حدثنا أحمد بن يوسف, قال: حدثنا القاسم, قال: حدثنا مَرْوان بن شجاع, عن خَصِيف, عن زياد بن أبـي مريـم, وعبد الله بن كثـير أنهما قرآها: هَذَا صِرَاطٌ عَلـيّ مُسْتَقِـيـمٌ وقالا: «علـيّ» هي «إلـيّ» وبـمنزلتها.
16013ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا عبد الوهاب بن عطاء, عن إسماعيـل بن مسلـم, عن الـحسن وسعيد عن قتادة, عن الـحسن: هَذَا صِرَاطٌ عَلـيّ مُسْتَقِـيـمٌ يقول: إلـيّ مستقـيـم.
وقرأ ذلك قـيس بن عبـاد وابن سيرين وقتادة فـيـما ذُكر عنهم «هَذَا صِرَاطٌ عَلـيّ مُسْتَقِـيـمٌ» برفع «علـيّ»علـى أنه نعت للصراط, بـمعنى رفـيع. ذكر من قال ذلك:
16014ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا ابن أبـي حماد, قال: ثنـي جعفر البصري, عن ابن سيرين أنه كان يقرأ: «هَذَا صِرَاطٌ عَلـيّ مُسْتَقِـيـمٌ» يعنـي: رفـيع.
16015ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: «هَذَا صِرَاطٌ عَلـيّ مُسْتَقِـيـمٌ» أي رفـيع مستقـيـم. قال بشر, قال يزيد, قال سعيد: هكذا نقرؤها نـحن وقتادة.
16016ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا عبد الوهاب, عن هارون, عن أبـي العوّام, عن قتادة, عن قـيس بن عبـاد: «هَذَا صِرَاطٌ عَلـيّ مُسْتَقِـيـمٌ» يقول: رفـيع.
والصواب من القراءة فـي ذلك عندنا قراءة من قرأ: هَذَا صِرَاطٌ عَلـيّ مُسْتَقِـيـمٌ علـى التأويـل الذي ذكرناه عن مـجاهد والـحسن البصري ومن وافقهما علـيه, لإجماع الـحجة من القرّاء علـيها وشذوذ ما خالفها.
وقوله: إنّ عِبـادِي لَـيْسَ لَكَ عَلَـيْهِمْ سُلْطانٌ إلاّ مَنِ اتّبَعَكَ مِنَ الغاوِينَ يقول تعالـى ذكره: إن عبـادي لـيس لك علـيهم حجة, إلا من اتبعك علـى ما دعوته إلـيه من الضلالة مـمن غوى وهلك.
16017ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا سويد, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, عن عبـيد الله بن موهب, قال حدثنا يزيد بن قسيط, قال: كانت الأنبـياء لهم مساجد خارجة من قُراهم, فإذا أراد النبـيّ أن يستنبىء ربه عن شيء خرج إلـى مسجده, فصلـى ما كتب الله له ثم سأل ما بدا له. فبـينـما نبـيّ فـي مسجده, إذا جاء عدوّ الله حتـى جلس بـينه وبـين القبلة, فقال النبـيّ صلى الله عليه وسلم: «أعُوذُ بـالله مِنَ الشّيْطانِ الرّجِيـمِ» فقال عدوّ الله: أرأيت الذي تعوّذ منه فهو هو فقال النبـيّ صلى الله عليه وسلم: «أعُوذُ بـاللّهِ مِنَ الشّيْطانِ الرّجِيـمِ» فردّد ذلك ثلاث مرّات. فقال عدوّ الله: أخبرنـي بأيّ شيء تنـجو منـي؟ فقال النبـيّ صلى الله عليه وسلم: «بَل أخْبِرْنِـي بأيّ شَيْءٍ تَغْلِبُ ابْنَ آدَمَ؟» مرّتـين. فأخذ كلّ واحد منهما علـى صاحبه, فقال النبـي صلى الله عليه وسلم: «إنّ اللّهَ تَعَالـى ذِكْرُهُ يَقُولُ إنّ عِبَـادِي لَـيْسَ لَكَ عَلَـيْهِمْ سُلْطانٌ إلاّ مِنَ اتّبَعَكَ مِنَ الغاوِينَ قال عدوّ الله: قد سمعت هذا قبل أن تولد. قال النبـيّ صلى الله عليه وسلم: «يقول اللّهُ تَعالـى ذِكْرُهُ: وإمّا يَنْزَغَنّكَ مِنَ الشّيْطانِ نَزْغٌ فـاسْتَعِذْ بـاللّهِ إنّهُ سَمِيعٌ عَلِـيـمٌ وإنّـي واللّهِ ما أحْسَسْتُ بِكَ قَطّ إلاّ اسْتَعَذْتُ بـاللّهِ مِنْكَ». فقال عدوّ الله: صدقت بهذا تنـجو منـي فقال النبـيّ صلى الله عليه وسلم: «فأخْبِرْنِـي بأيّ شَيْءٍ تَغْلُبُ ابْنَ آدَمَ؟» قال: آخذه عند الغضب, وعند الهوى.
الآية : 43-44
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِنّ جَهَنّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ * لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلّ بَابٍ مّنْهُمْ جُزْءٌ مّقْسُومٌ }.
يقول تعألـى ذكره لإبلـيس: وإن جهنـم لـموعد من تبعك أجمعين. لها سَبْعَةُ أبوابٍ يقول: لـجهنـم سبعة أطبـاق, لكلَ طَبَق منهم: يعنـي من أتبـاع إبلـيس جزء, يعنـي: قسما ونصيبـا مقسوما.
وذُكر أن أبواب جهنـم طبقات بعضها فوق بعض. ذكر من قال ذلك:
16018ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, قال: سمعت أبـا هارون الغنوي, قال: سمعت حِطان, قال: سمعت علـيّا وهو يخطب, قال: إن أبواب جهنـم هكذا. ووضع شُعبة إحدى يديه علـى الأخرى.
16019ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا ابن علـية, عن أبـي هارون الغنوي, عن حطان بن عبد الله, قال: قال علـيّ: تدرون كيف أبواب النار؟ قلنا: نعم كنـحو هذه الأبواب. فقال: لا, ولكنها هكذا. فوصف أبو هارون أطبـاقا بعضها فوق بعض, وفعل ذلك أبو بشر.
حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا إسماعيـل بن إبراهيـم, عن أبـي هارون الغنوي, عن حطان بن عبد الله عن علـيّ, قال: هل تدرون كيف أبواب النار؟ قالوا: كنـحو هذه الأبواب, قال: لا, ولكن هكذا. ووصف بعضها فوق بعض.
16020ـ حدثنا هارون بن إسحاق, قال: حدثنا مصعب بن الـمقدام, قال: أخبرنا إسرائيـل, قال: حدثنا أبو إسحاق, عن هبـيرة, عن علـيّ, قال: أبواب جهنـم سبعة بعضها فوق بعض, فـيـمتلـىء الأوّل, ثم الثانـي, ثم الثالث, ثم تـمتلـىء كلها.
حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا شبـابة, قال: حدثنا إسرائيـل, عن أبـي إسحاق, عن هبـيرة, عن علـيّ قال: أبواب جهنـم سبعة بعضها فوق بعض وأشار بأصابعه علـى الأوّل, ثم الثانـي, ثم الثالث حتـى تـملأ كلها.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يحيى بن واضح, قال: حدثنا يونس بن أبـي إسحاق, عن أبـيه, عن هبـيرة ابن مريـم, قال: سمعت علـيّا يقول: إن أبواب جهنـم بعضا فوق بعض, فـيـملأ الأوّل ثم الذي يـلـيه, إلـى آخرها.
16021ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا علـيّ, قال: أخبرنا مـحمد بن يزيد الواسطيّ, عن جَهْضَم, قال: سمعت عكرمة يقول فـي قوله: لها سَبْعَةُ أبوابٍ قال: لها سبعة أطبـاق.
16022ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قوله: لها سَبْعَةُ أبوابٍ قال: أوّلها جهنـم, ثم لظى, ثم الـحطمة, ثم السعير, ثم سقر, ثم الـجحيـم, ثم الهاوية. والـجحيـم فـيها أبو جهل.
16023ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: لها سَبْعَةُ أبوابٍ لِكُلّ بـابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ وهي والله منازل بأعمالهم.
الآية : 45-47
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِنّ الْمُتّقِينَ فِي جَنّاتٍ وَعُيُونٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ * وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مّنْ غِلّ إِخْوَاناً عَلَىَ سُرُرٍ مّتَقَابِلِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: إن الذين اتقوا الله بطاعته وخافوه, فتـجنبوا معاصيه فـي جَنّاتٍ وَعُيُونٍ يقال لهم: ادْخُـلُوها بِسَلامٍ آمِنِـينَ من عقاب الله, أو أن تُسلبوا نعمة الله علـيكم وكرامة أكرمكم بها. قوله: وَنَزَعْنا ما فِـي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلّ يقول: وأخرجنا ما فـي صدور هؤلاء الـمتقـين الذين وصف صفتهم من حقد وضغينة بعضهم لبعض.
واختلف أهل التأويـل فـي الـحال التـي ينزع الله ذلك من صدورهم, فقال بعضهم: ينزل ذلك بعد دخولهم الـجنة. ذكر من قال ذلك:
16024ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو غسان, قال: حدثنا إسرائيـل, عن بشر البصري, عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبـي أُمامة, قال: يدخـل أهل الـجنة الـجنة علـى ما فـي صدورهم فـي الدنـيا من الشحناء والضغائن, حتـى إذا توافوا وتقابلوا نزع الله ما فـي صدورهم فـي الدنـيا من غلّ. ثم قرأ: وَنَزَعْنا ما فِـي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلّ.
16025ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا أبو فضالة, عن لقمان, عن أبـي أمامة, قال: لا يدخـل مؤمن الـجنة حتـى ينزع الله ما فـي صدورهم من غلّ, ثم ينزع منه السبع الضاري.
16026ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا الـحجاج بن الـمنهال, قال: حدثنا سفـيان بن عيـينة, عن إسرائيـل, عن أبـي موسى سمع الـحسن البصري يقول: قال علـيّ: فـينا والله أهل بدر نزلت الاَية: وَنَزَعْنا ما فِـي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلّ إخْوَانا علـى سُرُرٍ مُتَقابِلِـينَ.
16027ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: عبد الله بن الزبـير, عن ابن عيـينة: وَنَزَعْنا ما فِـي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلّ قال: من عداوة.
16028ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا مـحمد بن يزيد الواسطي, عن جويبر, عن الضحاك: وَنَزَعْنا ما فِـي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلّ قال: العداوة.
16029ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا ابن فضيـل عن عطاء بن السائب, عن رجل, عن علـيّ: وَنَزَعْنا ما فِـي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلّ قال: العداوة.
16030ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن سفـيان, عن منصور, عن إبراهيـم, قال: جاء ابن جرموز قاتل الزبـير يستأذن علـى علـيّ, فحجبه طويلاً, ثم أذن له فقال له: أما أهل البلاء فتـجفوهم قال علـيّ: بفـيك التراب إنـي لأرجو أن أكون أنا وطلـحة والزبـير مـمن قال الله: وَنَزَعْنا ما فِـي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلّ إخْوَانا علـى سُرُرٍ مُتَقابِلِـينَ.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن سفـيان, عن جعفر, عن علـيّ نـحوه.
16031ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن أبـان بن عبد الله البجلـي, عن نعيـم بن أبـي هند, عن ربْعِيّ بن حِرَاش, بنـحوه, وزاد فـيه: قال: فقام إلـى علـيّ رجل من هَمْدان, فقال: الله أعدل من ذلك يا أمير الـمؤمنـين قال: فصاح علـيّ صيحة ظننت أن القصر تَدَهْدَهَ لها, ثم قال: إذا لـم نكن نـحن فمن هم؟
16032ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا أبو معاوية الضرير, قال: حدثنا أبو مالك الأشجعي, عن أبـي حبـيبة مولـى لطلـحة, قال: دخـل عمران بن طلـحة علـى علـيّ بعد ما فرغ من أصحاب الـجمل, فرحّب به وقال إنـي لأرجو أن يجعلنـي الله وأبـاك من الذين قال الله: إخْوانا علـى سُرُرٍ مُتَقابِلِـينَ ورجلان جالسان علـى ناحية البساط, فقالا: الله أعدل من ذلك, تقتلهم بـالأمس وتكونون إخوانا؟ فقال علـيّ: قُومَا أبعد أرضها وأسحقها فمن هم إذن إن لـم أكن أنا وطلـحة؟ وذكر لنا أبو معاوية الـحديث بطوله.
16033ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا عفـان, قال: حدثنا عبد الواحد, قال: حدثنا أبو مالك, قال: حدثنا أبو حبـيبة, قال: قال علـيّ لابن طلـحة: إنـي لأرجو أن يجعلنـي الله وأبـاك من الذين نَزَعَ الله ما فـي صدورهم من غلّ ويجعلنا إخوانا علـى سرر متقابلـين.
حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا حماد بن خالد الـخياط, عن أبـي الـجويرية, قال: حدثنا معاوية بن إسحاق, عن عمران بن طلـحة, قال: لـما نظرنـي علـيّ قال: مرحبـا بـابن أخي فذكر نـحوه.
16034ـ حدثنا الـحسن, قال: حدثنا يزيد بن هارون, قال: أخبرنا هشام, عن مـحمد, قال: استأذن الأشتر علـى علـيّ وعنده ابنٌ لطلـحة, فحبسه ثم أذن له, فلـما دخـل قال: إنـي لأراك إنـما حبستنـي لهذا قال: أجل. قال: إنـي لأراه لو كان عندك ابن لعثمان لـحبستنـي قال: أجَل, إنـي لأرجو أن أكون أنا وعثمان مـمن قال الله: وَنَزَعْنا ما فِـي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلّ إخْوَانا علـى سُرُرٍ مُتَقابِلِـينَ.
حدثنا الـحسن, قال: حدثنا إسحاق الأزرق, قال: أخبرنا عوف, عن سيرين, بنـحوه.
16035ـ حدثنا الـحسن, قال: حدثنا يعقوب بن إسحاق الـحضرمي, قال: حدثنا السكن بن الـمغيرة, قال: حدثنا معاوية ابن راشد, قال: قال علـيّ: إنـي لأرجو أن أكون أنا وعثمان مـمن قال الله: وَنَزَعْنا ما فِـي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلّ إخْوَانا علـى سُرُرٍ مُتَقابِلِـينَ.
16036ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قال: حدثنا ابن الـمتوكل الناجي, أن أبـا سعيد الـخدريّ حدثهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يَخْـلُصُ الـمُوءْمِنُونَ مِنَ النّارِ فَـيُحْبَسُونَ علـى قَنْطَرَة بـينَ الـجَنّةِ والنّارِ, فَـيُقْتَصّ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ مَظالِـمَ كانَتْ بَـيْنَهُمْ فِـي الدّنْـيا حتـى إذَا هُذّبُوا ونُقّوا أُذِنَ لَهُمْ فـي دُخُولِ الـجَنّة» قالَ: «فَوَالّذِي نَفْسُ مُـحَمّدٍ بـيَدِهِ, لأَحَدُهُمْ أهْدَى بِـمَنْزِلِهِ فـي الـجَنّةِ مِنْهُ بِـمَنْزِلِهِ الّذِي كانَ فِـي الدّنْـيا» وقال بعضهم: ما يشبّه بهم إلا أهل جمعة انصرفوا من جمعتهم.
16037ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا عفـان بن مسلـم, قال: حدثنا يزيد بن زريع, قال: حدثنا سعيد بن أبـي عروبة فـي هذه الاَية: وَنَزَعْنا ما فِـي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلّ إخْوَانا علـى سُرُرٍ مُتَقابِلِـينَ قال: حدثنا قتادة أن أبـا الـمتوكل الناجي حدثهم أن أبـا سعيد الـخدريّ حدثهم, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره نـحوه, إلـى قوله «وأذِنَ لَهُمْ فِـي دُخُولِ الـجَنّةِ» ثم جعل سائر الكلام عن قتادة. قال: وقال قتادة: فوالذي نفسي بـيده لأحدهم أهدى بـمنزله. ثم ذكر بـاقـي الـحديث نـحو حديث بشر غير أن الكلام إلـى آخره عن قتادة, سوى أنه قال فـي حديثه: قال قتادة وقال بعضهم: ما يشبّه بهم إلا أهل الـجمعة إذا انصرفوا من الـجمعة.
16038ـ حدثنـي نصر بن عبد الرحمن الأودي, قال: حدثنا عمر بن زرعة, عن مـحمد بن إسماعيـل الزبـيدي, عن كثـير النواء, قال سمعته يقول: دخـلت علـى أبـي جعفر مـحمد بن علـيّ, فقلت: ولـيـي ولـيكم, وسلـمي سِلْـمكم, وعدوّي عدوّكم, وحربـي حربكم إنـي أسألك بـالله, أتبرأ من أبـي بكر وعمر؟ فقال: قد ضَلَلْتُ إذا وما أنا من الـمهتدين, توّلهما يا كثـير, فما أدركك فهو فـي رقبتـي ثم تلا هذه الاَية: إخْوَانا علـى سُرُرٍ مُتَقابِلِـينَ يقول: إخوانا يقابل بعضهم وجه بعض, لا يستدبره فـينظر فـي قـفـاه.
وكذلك تأوّله أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
16039ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا مؤمل, قال: حدثنا سفـيان, قال: حدثنا حصين, عن مـجاهد, فـي قوله: علـى سُرُرٍ مُتَقابِلِـينَ قال: لا ينظر أحدهم فـي قـفـا صاحبه.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا يحيى وعبد الرحمن ومؤمل, قالوا: حدثنا سفـيان, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
والسرر: جمع سرير, كما الـجدد جمع جديد وجمع سررا وأظهر التضعيف فـيها والراءان متـحرّكتان لـخفة الأسماء, ولا تفعل ذلك فـي الأفعال لثقل الأفعال, ولكنهم يُدْغمون فـي الفعل لـيسكن أحد الـحرفـين فـيخفف, فإذا دخـل علـى الفعل ما يسكن الثانـي أظهروا حينئذٍ التضعيف.
الآية : 48-50
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {لاَ يَمَسّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مّنْهَا بِمُخْرَجِينَ * نَبّىءْ عِبَادِي أَنّي أَنَا الْغَفُورُ الرّحِيمُ * وَأَنّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الألِيمُ }.
يقول تعالـى ذكره: لا يَـمَسّ هؤلاء الـمتقـين الذين وصف صِفتهم فـي الـجنات نَصَب, يعنـي تَعَب. وَما هُمْ مِنْها بِـمُخْرِجِينَ يقول: وما هم من الـجنة ونعيـمها وما أعطاهم الله فـيها بـمخرجين, بل ذلك دائم أبدا. وقوله: نَبّىءْ عِبـادِي أنّـي أنا الغَفُورُ الرّحِيـمُ يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: أخبر عبـادي يا مـحمد, أنـي أنا الذي أستر علـى ذنوبهم إذا تابوا منها وأنابوا, بترك فضيحتهم بها وعقوبتهم علـيها, الرحيـم بهم أن أعذّبهم بعد توبتهم منها علـيها. وأنّ عَذابِـي هُو العَذَابُ الألـيـمُ يقول: وأخبرهم أيضا أن عذابـي لـمن أصرّ علـى معاصيّ وأقام علـيها ولـم يتب منها, هو العذاب الـموجع الذي لا يشبهه عذاب. وهذا من الله تـحذير لـخـلقه التقدم علـى معاصيه, وأمر منه لهم بـالإنابة والتوبة.
16040ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: نَبّىءْ عِبـادِي أنّـي أنا الغَفُورُ الرّحِيـمُ وأنّ عَذَابِـي هُو العَذَابُ الألِـيـمُ قال: بلغنا أن نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم قال: «لوْ يَعلـمُ العبدُ قَدْر عَفْوِ اللّهِ ما تورّعَ من حرام, وَلَو يَعلـم قَدْر عَذابِهِ لَبخَع نفسَه».
16041ـ حدثنـي الـمثنى, قال: أخبرنا إسحاق, قال: أخبرنا ابن الـمكيّ, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, قال: أخبرنا مصعب بن ثابت, قال: حدثنا عاصم بن عبد الله, عن ابن أبـي ربـاح, عن رجل من أصحاب النبـيّ صلى الله عليه وسلم قال: طَلَع عَلْـيَنَا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم من البـاب الذي يدخـل منه بنو شيبة, فقال: «ألا أرَاكُمْ تَضْحَكُونَ؟» ثم أدبر حتـى إذا كان عند الـحجر رجع رجع إلـينا القهقري, فقال: «إنّـي لـمّا خَرَجْتُ جاءَ جَبْرَئِيـلُ صلى الله عليه وسلم فَقالَ: يا مُـحَمّد إنّ اللّهَ يَقُولُ: لِـمَ تُقَنّطُ عِبـادِي؟ نَبّىءْ عِبـادِي أنّـي أنا الغَفُورُ الرّحِيـمُ وأنّ عَذَابِـي هُو العَذَابُ الألِـيـمُ»
الصفحة رقم 264 من المصحف تحميل و استماع mp3