تفسير الطبري تفسير الصفحة 28 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 28
029
027
 الآية : 182
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَمَنْ خَافَ مِن مّوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنّ اللّهَ غَفُورٌ رّحِيمٌ }
اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل هذه الآية, فقال بعضهم: تأويـلها: فمن حضر مريضا وهو يوصي عند إشرافه علـى الـموت, فخاف أن يخطىء فـي وصيته فـيفعل ما لـيس له أو أن يعمد جورا فـيها فـيأمر بـما لـيس له الأمر به, فلا حرج علـى من حضره فسمع ذلك منه أن يصلـح بـينه وبـين ورثته بأن يأمره بـالعدل فـي وصيته, وأن ينهاهم عن منعه مـما أذن الله له فـيه وأبـاحه له. ذكر من قال ذلك:
2145ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي قوله: فَمَن خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفـا أو إثما فأصلَـحَ بَـيْنَهُمْ فَلا إثْمَ عَلَـيْهِ قال: هذا حين يحضر الرجل وهو يـموت, فإذا أسرف أمروه بـالعدل, وإذا قصر قالوا افعل كذا, أعط فلانا كذا.
2146ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد قوله: فَمَنَ خافَ مِن مُوصٍ جَنَفـا أو إثْما قال: هذا حين يحضر الرجل وهو فـي الـموت, فإذا أشرف علـى الـموت أمروه بـالعدل, وإذا قصر عن حق قالوا: افعل كذا, أعط فلانا كذا.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: فمن خاف من أوصياء ميت أو والـي أمر الـمسلـمين من موص جَنفـا فـي وصيته التـي أوصي بها الـميت, فأصلـح بـين ورثته وبـين الـموصى لهم بـما أوصى لهم به, فردّ الوصية إلـى العدل والـحق فلا حَر ج ولا إثم. ذكر من قال ذلك:
2147ـ حدثنـي الـمثنى, حدثنا أبو صالـح كاتب اللـيث, ثنـي معاوية بن صالـح, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس فـي قوله فَمَنْ خافَ مِن مُوصٍ جَنَفـا يعنـي إثما, يقول: إذا أخطأ الـميت فـي وصيته, أو حاف فـيها, فلـيس علـى الأولـياء حرج أن يردّوا خطأه إلـى الصواب.
2148ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, حدثنا عبد الرزاق, أخبرنا معمر, عن قتادة فـي قوله: فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفـا أوّ إثْما قال: هو الرجل يوصي فـيحيف فـي وصيته فـيردها الولـيّ إلـى الـحق والعدل.
2149ـ حدثنا بشر بن معاذ, حدثنا يزيد بن زريع, عن سعيد, عن قتادة قوله: فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفـا أوْ إثمْا وكان قتادة يقول: من أوصى بجور أو حيف فـي وصيته فردّها ولـيّ الـمتوفـى أو إمام من أئمة الـمسلـمين إلـى كتاب الله وإلـى العدل, فذاك له.
2150ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الرحمن بن سعد وابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع: فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفـا أوْ إثْما فمن أوصى بوصية بجور فردّه الوصيّ إلـى الـحقّ بعد موته فَلا إثْمَ عَلَـيْهِ قال عبد الرحمن فـي حديثه: فأصلَـحَ بَـيْنَهُمْ يقول: ردّه الوصيّ إلـى الـحق بعد موته فلا إثم علـيه.
2151ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا قبـيصة, عن سفـيان, عن أبـيه, عن إبراهيـم: فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنفـا أوْ إثما فأصلَـحَ بَـيْنَهُمْ قال: ردّه إلـى الـحق.
2152ـ حدثنا أحمد بن إسحاق, قال: حدثنا أبو أحمد الزبـيري, قال: حدثنا إسرائيـل, عن سعيد بن مسروق, عن إبراهيـم, قال: سألته عن رجل أوصى بأكثر من الثلث, قال: ارددها, ثم قرأ: فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفـا أوْ إثْما.
2153ـ حدثنا عمرو بن علـيّ, قال: حدثنا خالد بن يزيد صاحب اللؤلؤ, قال: حدثنا أبو جعفر الرازي, عن الربـيع بن أنس: فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفـا أوْ إثْما فَأصْلَـحَ بَـيْنَهُمْ فَلا إثْمَ عَلَـيْهِ قال: ردّه الوصيّ إلـى الـحقّ بعد موته فلا إثم علـى الوصي.
وقال بعضهم: بل معنى ذلك: فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفـا أوْ إثْما فـي عطيته عند حضور أجله بعض ورثته دون بعض, فلا إثم علـى من أصلـح بـينهم, يعنـي بـين الورثة. ذكر من قال ذلك:
2154ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنـي حجاج, عن ابن جريج, قال: قلت لعطاء قوله: فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفـا أوْ إثْما قال الرجل: يحيف أو يأثم عند موته فـيعطي ورثته بعضهم دون بعض, يقول الله: فلا إثم علـى الـمصلـح بـينهم. فقلت لعطاء: أله أن يعطي وارثه عند الـموت, إنـما هي وصية, ولا وصية لوارث؟ قال: ذلك فـيـما يقسم بـينهم.
وقال آخرون: معنى ذلك: فمن خاف من موص جنفـا أو إثما فـي وصيته لـمن لا يرثه بـما يرجع نفعه علـى من يرثه فأصلـح بـين ورثته فلا إثم علـيه. ذكر من قال ذلك:
2155ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنـي حجاج, قال: قال ابن جريج: أخبرنـي ابن طاوس, عن أبـيه أنه كان يقول: جَنَفُه وإثمه: أن يُوصِيَ الرجل لبنـي ابنه لـيكون الـمال لأبـيهم, وتوصي الـمرأة لزوج ابنتها لـيكون الـمال لابنتها, وذو الوارث الكثـير والـمال قلـيـل فـيوصي بثلث ماله كله فـيصلـح بـينهم الـموصَى إلـيه أو الأمير. قلت: أفـي حياته, أم بعد موته؟ قال: ما سمعنا أحدا يقول إلا بعد موته, وإنه لـيوعظ عند ذلك.
2156ـ حدثنـي الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا ابن عيـينة, عن ابن طاوس, عن أبـيه فـي قوله: فَمَنُ خافَ مِنْ مُوصٍ جنَفَـا أوْ إثْما فأصْلَـحَ بَـيْنَهُمْ قال: هو الرجل يوصي لولد ابنته.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: فمن خاف من موص لاَبـائه وأقربـائه جنفـا علـى بعضهم لبعض فأصلـح بـين الاَبـاء والأقربـاء فلا إثم علـيه. ذكر من قال ذلك:
2157ـ حدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي: فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفـا أو إثْما فأصْلـحَ بَـيْنَهُم فَلا إثمَ عَلَـيْهِ أما جنفـا: فخطأ فـي وصيته وأما إثما: فعمدا يعمد فـي وصيته الظلـم, فإن هذا أعظم لأجره أن لا ينفذها, ولكن يصلـح بـينهم علـى ما يرى أنه الـحق ينقص بعضا ويزيد بعضا. قال: ونزلت هذه الآية فـي الوالدين والأقربـين.
2158ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفـا أوْ إثْما فأصْلَـحَ بَـيْنَهُمْ فَلا إثمَ عَلَـيْهِ قال: الـجنف: أن يحيف لبعضهم علـى بعض فـي الوصية, والإثم أن يكون قد أثم فـي أبويه بعضهم علـى بعض, فأصلـح بـينهم الـموصَى إلـيه بـين الوالدين والأقربـين الابن والبنون هم الأقربون, فلا إثم علـيه, فهذا الـموصَى الذي أوصى إلـيه بذلك وجعل إلـيه فرأى هذا قد أجنف لهذا علـى هذا فأصلـح بـينهم فلا إثم علـيه, فـيعجز الـموصَى أن يوصي كما أمره الله تعالـى وعجز الـموصَى إلـيه أن يصلـح فـانتزع الله تعالـى ذكره ذلك منهم ففرض الفرائض.
وأولـى الأقوال فـي تأويـل الآية, أن يكون تأويـلها: فمن خاف من موص جنفـا أو إثما وهو أن يـميـل إلـى غير الـحقّ خطأ منه أو يتعمد إثما فـي وصيته بأن يوصي لوالديه وأقربـيه الذين لا يرثونه بأكثر مـما يجوز له أن يوصي لهم به من ماله, وغير ما أذن الله له به مـما جاوز الثلث, أو بـالثلث كله, وفـي الـمال قلة, وفـي الورثة كثرة, فلا بأس علـى من حضره أي يصلـح بـين الذين يوصَى لهم وبـين ورثة الـميت وبـين الـميت, بأن يأمر الـميت فـي ذلك بـالـمعروف, ويعرّفه ما أبـاح الله له فـي ذلك, وأذن له فـيه من الوصية فـي ماله, وينهاه أن يجاوز فـي وصيته الـمعروف الذي قال الله تعالـى ذكره فـي كتابه: كُتِبَ عَلَـيْكُمْ إذَا حَضَرَ أحَدَكُمُ الـمَوْتُ إن تَرَكَ خَيْرا الوَصِيّةُ للْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِـينَ بـالـمَعْرُوفِ وذلك هو الإصلاح الذي قال الله تعالـى ذكره: فأصْلَـحَ بَـيْنَهُمْ فَلا إثْمَ عَلَـيْهِ وكذلك لـمن كان فـي الـمال فضل وكثرة, وفـي الورثة قلة, فأراد أن يقصر فـي وصيته لوالديه وأقربـيه عن ثلثه, فأصلـح من حضره بـينه وبـين ورثته وبـين والديه وأقربـيه الذين يريد أن يوصي لهم بأن يأمر الـمريض أن يزيد فـي وصيته لهم, ويبلغ بها ما رخص الله فـيه من الثلث, فذلك أيضا هو من الإصلاح بـينهم بـالـمعروف.
وإنـما اخترنا هذا القول لأن الله تعالـى ذكره قال: فَمَنْ خافَ مِن مُوصٍ جَنَفـا أوْ إثْما يعنـي بذلك: فمن خاف من موص أن يجنف أو يأثم. فخوف الـجنف والإثم من الـموصي إنـما هو كائن قبل وقوع الـجنف والإثم, فأما بعد وجوده منه فلا وجه للـخوف منه بأن يجنف أو يأثم, بل تلك حال من قد جنف أو أثم, ولو كان ذلك معناه قـيـل: فمن تبـين من موص جنفـا أو إثما, أو أيقن أو علـم, ولـم يقل فمن خاف منه جنفـا. فإن أشكل ما قلنا من ذلك علـى بعض الناس فقال: فما وجه الإصلاح حينئذٍ والإصلاح إنـما يكون بـين الـمختلفـين فـي الشيء؟ قـيـل: إن ذلك وإن كان من معانـي الإصلاح, فمن الإصلاحِ الإصلاحُ بـين الفريقـين فـيـما كان مخوفـا حدوث الاختلاف بـينهم فـيه بـما يؤمن معه حدوث الاختلاف لأن الإصلاح إنـما هو الفعل الذي يكون معه إصلاح ذات البـين, فسواء كان ذلك الفعل الذي يكون معه إصلاح ذات البـين قبل وقوع الاختلاف أو بعد وقوعه.
فإن قال قائل: فكيف قـيـل: فأصلـح بـينهم, ولـم يجر للورثة ولا للـمختلفـين أو الـمخوف اختلافهم ذكر؟ قـيـل: بل قد جرى ذكر الله الذين أمر تعالـى ذكره بـالوصية لهم, وهم والدا الـموصي وأقربوه والذين أمروا بـالوصية فـي قوله: كُتِبَ عَلَـيْكُمْ إذَا حَضَرَ أحَدَكُمُ الـمَوتُ إنْ تَرَكَ خَيْرا الوَصيّةُ للْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِـينَ بـالـمَعْرُوفِ ثم قال تعالـى ذكره: فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍلـمن أمرته بـالوصية له جنَفَـا أوْ إثْما فأصْلَـحَ بَـيْنَهُمْ وبـين من أمرته بـالوصية له, فَلا إثْمَ عَلَـيْهِ والإصلاح بـينه وبـينهم هو إصلاح بـينهم وبـين ورثة الـموصي.
وقد قرىء قوله: فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ بـالتـخفـيف فـي الصاد والتسكين فـي الواو وبتـحريك الواو وتشديد الصاد, فمن قرأ ذلك بتـخفـيف الصاد وتسكين الواو فإنـما قرأه بلغة من قال: أوصيت فلانا بكذا. ومن قرأ بتـحريك الواو وتشديد الصاد قرأه بلغة من يقول: وصيّت فلانا بكذا, وهما لغتان للعرب مشهورتان وصيتك وأوصيتك. وأما الـجنف فهو الـجور والعدول عن الـحق فـي كلام العرب, ومنه قول الشاعر:
هُمُ الـمَوْلـى وَإنْ جَنَفُوا عَلَـيْناوَإنّا مِنْ لِقَائِهِمُ لَزُورُ
يقال منه: جنف الرجل علـى صاحبه يجنف: إذا مال علـيه وجار جَنَفـا. فمعنى الكلام: من خاف من موص جنفـا له بـموضع الوصية, وميلاً عن الصواب فـيها, وجورا عن القصد أو إثما, بتعمده ذلك علـى علـم منه بخطأ ما يأتـي من ذلك فأصلـح بـينهم, فلا إثم علـيه. ذكر من قال ذلك:
2159ـ حدثنـي مـحمد بن سعد قال: حدثنـي أبـي, قال: حدثنـي عمي, قال: حدثنـي أبـي عن أبـيه, عن ابن عبـاس فـي قوله: فَمَنْ خَافَ مِنْ موصٍ جَنَفـا يعنـي بـالـجنف: الـخطأ.
2160ـ حدثنـي أبو كريب, قال: حدثنا جابر بن نوح, عن عبد الـملك, عن عطاء: فَمَنْ خَافَ مِنْ موصٍ جَنَفـا قال: ميلاً.
2161ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا عبد الـملك, عن عطاء, مثله.
2162ـ حدثنا عمرو بن علـيّ, قال: حدثنا خالد بن الـحرث ويزيد بن هارون, قالا: حدثنا عبد الـملك, عن عطاء مثله.
2163ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا جويبر, عن الضحاك, قال: الـجنف: الـخطأ, والإثم: العمد.
2164ـ حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي, قال: حدثنا الزبـيري, قال: حدثنا هشيـم, عن جويبر, عن عطاء مثله.
2165ـ حدثنـي موسى, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي: فَمَنْ خَافَ مِنْ موصٍ جَنَفـا أوْ إثْما أما جنفـا: فخطأ فـي وصيته وأما إثما: فعمد يعمد فـي وصيته الظلـم.
2166ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي قوله: فَمَنْ خَافَ مِنْ موصٍ جَنَفـا قال: جنفـا إثما.
2167ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الرحمن بن سعد وابن أبـي جعفر عن أبـي جعفر, عن الربـيع: فَمَنْ خَافَ مِنْ موصٍ جَنَفـا أوْ إثْما قال: الـجنف: الـخطأ, والإثم: العمد.
2168ـ حدثنا عمرو بن علـي, قال: حدثنا خالد بن يزيد صاحب اللؤلؤ, قال: حدثنا أبو جعفر, عن الربـيع بن أنس, مثله.
2169ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا قبـيصة, عن سفـيان, عن أبـيه, عن إبراهيـم: فَمَنْ خَافَ مِنْ موصٍ جَنَفـا أوْ إثْما قال: الـجنف: الـخطأ, والإثم: العمد.
2170ـ حدثنا أحمد بن إسحاق, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا فضيـل بن مرزوق, عن عطية: فَمَنْ خَافَ مِنْ موصٍ جَنَفـا قال: خطأ, أو إثما متعمدا.
2171ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الرزاق, عن ابن عيـينة, عن ابن طاوس, عن أبـيه: فَمَنْ خَافَ مِنْ موصٍ جَنَفـا قال: ميلاً.
2172ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: جَنَفـا حيفـا, والإثم: ميـله لبعض علـى بعض, وكله يصير إلـى واحد كما يكون عفوّا غَفُورا وغفورا رحيـما.
2173ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنـي حجاج, عن ابن جريج, قال: قال ابن عبـاس: الـجنف: الـخطأ, والإثم: العمد.
2174ـ حدثت عن الـحسين بن الفرج, قال: حدثنا الفضل بن خالد, قال: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان, عن الضحاك, قال: الـجنف: الـخطأ, والإثم العمد.
وأما قوله: إنّ الله غٍفُورٌ رَحيـمٌ فإنه يعنـي: والله غفور رحيـم للـموصي فـيـما كان حدّث به نفسه من الـجنف والإثم, إذا ترك أن يأثم ويجنف فـي وصيته, فتـجاوز له عما كان حدّث به نفسه من الـجور, إذ لـم يُـمْضِ ذلك فـيغفل أن يؤاخذه به, رحيـم بـالـمصلـح بـين الـموصي وبـين من أراد أن يحيف علـيه لغيره أو يأثم فـيه له.
الآية : 183
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:.
{يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلّكُمْ تَتّقُونَ }
يعنـي الله تعالـى ذكره بقوله: يا أيّها الّذين آمَنُوا يا أيها الذين آمنوا بـالله ورسوله, وصدّقوا بهما وأقرّوا. ويعنـي بقوله: كُتِبَ عَلَـيْكُمُ الصّيامُ فرض علـيكم الصيام, والصيام مصدر من قول القائل: صمت عن كذا وكذا, يعنـي كففت عنه, أصوم عنه صوما وصياما, ومعنى الصيام: الكفّ عما أمر الله بـالكف عنه ومن ذلك قـيـل: صامت الـخيـل إذا كفت عن السير, ومنه قول نابغة بنـي ذبـيان:
خَيْـلٌ صِيامٌ وخَيْـلٌ غَيْرُ صَائمةٍتَـحْتَ العَجاجِ وأخْرَى تَعْلُكُ اللّـجُما
ومنه قول الله تعالـى ذكره إنّـي نَذَرتُ للرّحمَنِ صَوْما يعنـي صمتا عن الكلام. وقوله كَمَا كُتِبَ علـى الّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ يعنـي: فرض علـيكم مثل الذي فرض علـى الذين من قبلكم.
ثم اختلف أهل التأويـل فـي الذين عنى الله بقوله: كَمَا كُتِبَ علـى الّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وفـي الـمعنى الذي وقع فـيه التشبـيه بـين فرض صومنا وصوم الذين من قبلنا, فقال بعضهم: الذين أخبرنا الله عن الصوم الذي فرضه علـينا أنه كمثل الذي كان علـيهم هم النصارى, وقالوا: التشبـيه الذي شبه من أجله أحدهما بصاحبه هو اتفـاقهما فـي الوقت والـمقدار الذي هو لازم لنا الـيوم فرضه. ذكر من قال ذلك:
2175ـ حدثت عن يحيى بن زياد, عن مـحمد بن أبـان, عن أبـي أمية الطنافسي, عن الشعبـي أنه قال: لو صمت السنة كلها لأفطرت الـيوم الذي يشكّ فـيه فـيقال من شعبـان ويقال من رمضان, وذلك أن النصارى فرض علـيهم شهر رمضان كما فرض علـينا فحوّلوه إلـى الفصل, وذلك أنهم كانوا ربـما صاموه فـي القـيظ يعدّون ثلاثـين يوما, ثم جاء بعدهم قرن فأخذوا بـالثقة من أنفسهم فصاموا قبل الثلاثـين يوما وبعدها يوما, ثم لـم يزل الاَخر يستنّ سنة القرن الذي قبله حتـى صارت إلـى خمسين, فذلك قوله:كُتِبَ عَلَـيْكُمُ الصيّامُ كمَا كُتِبَ علـى الّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ.
وقال آخرون: بل التشبـيه إنـما هو من أجل أن صومهم كان من العشاء الاَخرة إلـى العشاء الاَخرة, وذلك كان فرض الله جل ثناؤه علـى الـمؤمنـين فـي أوّل ما افترض علـيهم الصوم. ووافق قائلو هذا القول القائلـي القول الأول أن الذين عنى الله جل ثناؤه بقوله: كمَا كُتِبَ علـى الّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ النصارى. ذكر من قال ذلك:
2176ـ حدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط عن السدي: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَـيْكُمُ الصّيامُ كمَا كُتِبَ علـى الّذيِنَ مِنْ قَبْلِكُمْ أما الذين من قبلنا فـالنصارى, كتب علـيهم رمضان, وكتب علـيهم أن لا يأكلوا ولا يشربوا بعد النوم, ولا ينكحوا النساء شهر رمضان. فـاشتدّ علـى النصارى صيام رمضان, وجعل يقلب علـيهم فـي الشتاء والصيف فلـما رأوا ذلك اجتـمعوا فجعلوا صياما فـي الفصل بـين الشتاء والصيف, وقالوا: نزيد عشرين يوما نكفّر بها ما صنعنا. فجعلوا صيامهم خمسين, فلـم يزل الـمسلـمون علـى ذلك يصنعون كما تصنع النصارى, حتـى كان من أمر أبـي قـيس بن صرمة وعمر بن الـخطاب ما كان, فأحل الله لهم الأكل والشرب والـجماع إلـى طلوع الفجر.
2177ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع: كُتِبَ عَلَـيْكُمُ الصّيامُ كمَا كُتِبَ علـى الّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قال: كتب علـيهم الصوم من العتـمة إلـى العتـمة.
وقال آخرون: الذين عنى الله جل ثناؤه بقوله: كمَا كُتِبَ علـى الّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ أهل الكتاب. ذكر من قال ذلك:
2178ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَـيْكُمُ الصّيامُ كمَا كُتِبَ علـى الّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ أهل الكتاب.
وقال بعضهم: بل ذلك كان علـى الناس كلهم. ذكر من قال ذلك:
2179ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة فـي قوله: كُتِبَ عَلَـيْكُمُ الصّيامُ كمَا كُتِبَ علـى الّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قال: كتب شهر رمضان علـى الناس, كما كتب علـى الذين من قبلهم. قال: وقد كتب الله علـى الناس قبل أن ينزل رمضان صوم ثلاثة أيام من كل شهر.
2180ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَـيْكُمُ الصّيامُ كَما كُتِبَ علـى الّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ رمضان كتبه الله علـى من كان قبلهم.
وأولـى هذه الأقوال بـالصواب قول من قال: معنى الآية: يا أيها الذين آمنوا فرض علـيكم الصيام كما فرض علـى الذين من قبلكم من أهل الكتاب, أياما معدودات, وهي شهر رمضان كله لأن من بعد إبراهيـم صلى الله عليه وسلم كان مأمورا بـاتبـاع إبراهيـم, وذلك أن الله جل ثناؤه كان جعله للناس إماما, وقد أخبرنا الله عزّ وجل أن دينه كان الـحنـيفـية الـمسلـمة, فأمر نبـينا صلى الله عليه وسلم بـمثل الذي أمر به من قبله من الأنبـياء.
وأما التشبـيه فإنـما وقع علـى الوقت, وذلك أن من كان قبلنا إنـما كان فرض علـيهم شهر رمضان مثل الذي فرض علـينا سواء.
وأما تأويـل قوله: لَعَلّكُمْ تَتّقُون فإنه يعنـي به: لتتقوا أكل الطعام وشرب الشراب وجماع النساء فـيه, يقول: فرضت علـيكم الصوم والكفّ عما تكونون بترك الكفّ عنه مفطرين لتتقوا ما يفطركم فـي وقت صومكم. وبـمثل الذي قلنا فـي ذلك قال جماعة من أهل التأويـل: ذكر من قال ذلك:
2181ـ حدثنـي موسى, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي: أما قوله: لَعَلّكُمْ تَتّقُونَ يقول: فتتقون من الطعام والشرب والنساء مثل ما اتقوا, يعنـي مثل الذي اتقـى النصارى قبلكم.
الآية : 184
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
{أَيّاماً مّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مّرِيضاً أَوْ عَلَىَ سَفَرٍ فَعِدّةٌ مّنْ أَيّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ }
يعنـي تعالـى ذكره: كتب علـيكم أيها الذين آمنوا الصيام أياما معدودات. ونصب «أياما» بـمضمر من الفعل, كأنه قـيـل: كتب علـيكم الصيام كما كتب علـى الذين من قبلكم أن تصوموا أياما معدودات, كما يقال: أعجبنـي الضرب زيدا وقوله: كمَا كُتِبَ علـى الّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ من الصيام, كأنه قـيـل: كتب علـيكم الذي هو مثل الذي كتب علـى الذين من قبلكم أن تصوموا أياما معدودات.
ثم اختلف أهل التأويـل فـيـما عنى الله جل وعز بقوله: أيّاما مَعْدُودَاتٍ فقال بعضهم: الأيام الـمعدودات: صوم ثلاثة أيام من كل شهر. قال: وكان ذلك الذي فرض علـى الناس من الصيام قبل أن يفرض علـيهم شهر رمضان. ذكر من قال ذلك:
2182ـ حدثنا الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن عطاء, قال: كان علـيهم الصيام ثلاثة أيام من كل شهر, ولـم يسمّ الشهر أياما معدودات, قال: وكان هذا صيام الناس قبل ثم فرض الله عز وجل علـى الناس شهر رمضان.
2183ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: حدثنـي أبـي, قال: حدثنـي عمي, قال: حدثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس قوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَـيْكُمُ الصّيامُ كمَا كُتِبَ علـى الّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلّكُمْ تَتّقُونَ وكان ثلاثة أيام من كل شهر, ثم نسخ ذلك بـالذي أنزل من صيام رمضان, فهذا الصوم الأول من العتـمة.
2184ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا يونس بن بكير, قال: حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة, عن عمرو بن مرة, عن عبد الرحمن بن أبـي لـيـلـى, عن معاذ بن جبل: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم الـمدينة فصام يوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر, ثم أنزل الله جل وعز فرض شهر رمضان, فأنزل الله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَـيْكم الصّيامُ كمَا كُتِبَ علـى الّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ حتـى بلغ: وَعلـى الّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ.
2185ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرناعبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة, قال: قد كتب الله تعالـى ذكره علـى الناس قبل أن ينزل رمضان صوم ثلاثة أيام من كل شهر.
وقال آخرون: بل الأيام الثلاثة التـي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومها قبل أن يفرض رمضان كان تطوّعا صومهن, وإنـما عنى الله جل وعز بقوله: كُتِبَ عَلَـيْكُمُ الصّيامُ كمَا كُتِبَ علـى الّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ... أيّاما مَعْدُوداتٍ أيام شهر رمضان, لا الأيام التـي كان يصومهن قبل وجوب فرض صوم شهر رمضان. ذكر من قال ذلك:
2186ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر عن شعبة, عن عمرو بن مرة قال: حدثنا أصحابنا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لـما قدم علـيهم أمرهم بصيام ثلاثة أيام من كل شهر تطوّعا لا فريضة قال: ثم نزل صيام رمضان قال أبو موسى: قوله قال عمرو بن مرة, حدثنا أصحابنا, يريد ابن أبـي لـيـلـى, كان ابن أبـي لـيـلـى القائل حدثنا أصحابنا.
2187ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا أبو داود, قال: حدثنا شعبة, قال: سمعت عمرو بن مرة, قال: سمعت ابن أبـي لـيـلـى, فذكر نـحوه.
وقد ذكرنا قوله من قال: عنى بقوله: كُتِبَ عَلَـيْكُمُ الصّيامُ كمَا كُتِبَ علـى الّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ شهر رمضان.
وأولـى ذلك بـالصواب عندي قول من قال: عنى الله جل ثناؤه بقوله: أيّاما مَعْدُودَاتٍ أيام شهر رمضان, وذلك أنه لـم يأت خبر تقوم به حجة بأن صوما فرض علـى أهل الإسلام غير صوم شهر رمضان, ثم نسخ بصوم شهر رمضان, وأن الله تعالـى قد بـين فـي سياق الآية أن الصيام الذي أوجبه جل ثناؤه علـينا هو صيام شهر رمضان دون غيره من الأوقات بإبـانته, عن الأيام التـي أخبر أنه كتب علـينا صومها بقوله: شَهْرُ رَمَضَانَ الّذِي أُنْزِلَ فِـيهِ القُرآنُ فمن ادعى أن صوما كان قد لزم الـمسلـمين فرضه غير صوم شهر رمضان الذين هم مـجمعون علـى وجوب فرض صومه ثم نسخ ذلك سئل البرهان علـى ذلك من خبر تقوم به حجة, إذ كان لا يعلـم ذلك إلا بخبر يقطع العذر. وإذ كان الأمر فـي ذلك علـى ما وصفنا للذي بـينا, فتأويـل الآية: كتب علـيكم أيها الـمؤمنون الصيام كما كتب علـى الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياما معدودات, هي شهر رمضان.
وجائز أيضا أن يكون معناه: كُتِبَ عَلَـيْكُمُ الصّيَامُ: كتب علـيكم شهر رمضان.
وأما الـمعدودات: فهي التـي تعد مبـالغها وساعات أوقاتها, ويعنـي بقوله معدودات: مـحصيات.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضا أوْ علـى سَفَرٍ فَعِدّةٌ مِنْ أيّامٍ أُخَرَ, وعلـى الّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِين.
يعنـي بقوله جل ثناؤه: من كان منكم مريضا مـمن كلف صومه أو كان صحيحا غير مريض وكان علـى سفر فعدة من أيام أخر. يقول: فعلـيه صوم عدّة الأيام التـي أفطرها فـي مرضه أو فـي سفره من أيام أخر, يعنـي من أيام أخر غير أيام مرضه أو سفره. والرفع فـي قوله: فَعِدّةٌ مِنْ أيّامٍ أُخَر نظير الرفع فـي قوله: فـاتّبـاعٌ بـالـمَعْرُوفِ وقد مضى بـيان ذلك هنالك بـما أغنى عن إعادته.
وأما قوله:وعلـى الّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامِ مِسْكِين فإن قراءة كافة الـمسلـمين: وعلـى الّذِينَ يُطِيقُونَهُ وعلـى ذلك خطوط مصاحفهم, وهي القراءة التـي لا يجوز لأحد من أهل الإسلام خلافها لنقل جميعهم تصويب ذلك قرنا عن قرن. وكان ابن عبـاس يقرؤها فـيـما رُوِي عنه: «وعلـى الّذِينَ يُطَوّقُونَهُ».
ثم اختلف قرّاء ذلك: وعلـى الّذِينَ يُطِيقُونَهُ فـي معناه, فقال بعضهم: كان ذلك فـي أوّل ما فرض الصوم, وكان من أطاقه من الـمقـيـمين صامه إن شاء, وإن شاء أفطره وافتدى, فأطعم لكل يوم أفطره مسكينا حتـى نسخ ذلك. ذكر من قال ذلك:
2188ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا يونس بن بكير, قال: حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة, عن عمرو بن مرة, عن عبد الرحمن بن أبـي لـيـلـى, عن معاذ بن جبل قال: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم الـمدينة, فصام يوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر, ثم إن الله جل وعز فرض شهر رمضان, فأنزل الله تعالـى ذكره: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَـيْكُمُ الصّيامُ حتـى بلغ: وعلـى الّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِين فكان من شاء صام, ومن شاء أفطر وأطعم مسكينا. ثم إن الله عز وجل أوجب الصيام علـى الصحيح الـمقـيـم وثبت الإطعام للكبـير الذي لا يستطيع الصوم, فأنزل الله عز وجل: فَمَنْ شَهدَ مِنْكُمُ الشّهْرَ فَلْـيَصُمْهُ وَمَنْ كانَ مَرِيضا أوْ علـى سَفَرٍ... إلـى آخر الآية».
2189ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, عن شعبة, عن عمرو بن مرة, قال: حدثنا أصحابنا «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لـما قدم علـيهم أمرهم بصيام ثلاثة أيام من كل شهر تطوعا غير فريضة, قال: ثم نزل صيام رمضان, قال: وكانوا قوما لـم يتعوّدوا الصيام, قال: وكان يشتدّ علـيهم الصوم, قال: فكان من لـم يصم أطعم مسكينا, ثم نزلت هذه الآية:فَمَنْ شَهدَ مِنْكُمُ الشّهْرَ فَلْـيَصُمْهُ وَمَنْ كانَ مَريضا أوْ علـى سَفَرٍ فَعِدّةٌ مِنْ أيّامٍ أُخَرَ فكانت الرخصة للـمريض والـمسافر, وأمرنا بـالصيام». قال مـحمد بن الـمثنى: قوله قال عمرو, حدثنا أصحابنا: يريد ابن أبـي لـيـلـى, كأن ابن أبـي لـيـلـى القائل حدثنا أصحابنا.
2190ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا أبو داود, قال: حدثنا شعبة, قال: سمعت عمرو بن مرة, قال: سمعت ابن أبـي لـيـلـى فذكر نـحوه.
2191ـ حدثنا ابن حميد,قال: حدثنا جرير, عن منصور, عن إبراهيـم, عن علقمة فـي قوله: وعلـى الّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِين قال: كان من شاء صام, ومن شاء أفطر وأطعم نصف صاع مسكينا, فنسخها شَهْرُ رَمَضَانَ إلـى قوله: فَمَنْ شَهدَ مِنْكُمُ الشّهْرَ فَلْـيَصُمْهُ.
2192ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن مغيرة, عن إبراهيـم بنـحوه, وزاد فـيه قال: فنسختها هذه الآية, وصارت الآية الأولـى للشيخ الذي لا يستطيع الصوم يتصدّق مكان كل يوم علـى مسكين نصف صاع.
2193ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يحيى بن واضح أبو تـميـلة, قال: حدثنا الـحسين, عن يزيد النـحوي, عن عكرمة والـحسن البصري قوله: وعلـى الّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامِ مِسْكِين فكان من شاء منهم أن يصوم صام, ومن شاء منهم أن يفتدي بطعام مسكين افتدى وتـمّ له صومه. ثم قال: فَمَنْ شَهدَ مِنْكُمُ الشّهْرَ فَلْـيَصُمْهُ ثم استثنى من ذلك فقال: وَمَنْ كانَ مَريضا أوْ علـى سَفَرٍ فَعِدّةٌ مِنْ أيّامٍ أُخَر.
2194ـ حدثنا أبو هشام الرفـاعي, قال: حدثنا ابن إدريس, قال: سألت الأعمش عن قوله: وعلـى الّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامِ مِسْكِين فحدثنا عن إبراهيـم عن علقمة, قال: نسختها: فَمَنْ شَهدَ مِنْكُمُ الشّهْرَ فَلْـيَصُمْهُ.
2195ـ حدثنا عمر بن الـمثنى, قال: حدثنا عبد الوهاب, قال: حدثنا عبد الله, عن نافع, عن ابن عمر, قال: نسخت هذه الآية يعنـي: وعلـى الّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامِ مِسْكِين التـي بعدها: فَمَنْ شَهدَ مِنْكُمُ الشّهْرَ فَلْـيَصُمْهُ وَمَنْ كانَ مَريضا أوْ علـى سَفَرٍ فَعِدّةٌ مِنْ أيّامٍ أُخَرَ.
2196ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن إدريس, قال: سمعت الأعمش, عن إبراهيـم, عن علقمة فـي قوله: وعلـى الّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامِ مِسْكِين قال: نسختها: فَمَنْ شَهدَ مِنْكُمُ الشّهْرَ فَلْـيَصُمْهُ.
2197ـ حدثنا الولـيد بن شجاع أبو همام, قال: حدثنا علـيّ بن مسهر, عن عاصم, عن الشعبـي قال: نزلت هذه الآية: وعلـى الّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامِ مِسْكِين كان الرجل يفطر فـيتصدّق عن كل يوم علـى مسكين طعاما, ثم نزلت هذه الآية: فَمَنْ شَهدَ مِنْكُمُ الشّهْرَ فَلْـيَصُمْهُ وَمَنْ كانَ مَريضا أوْ علـى سَفَرٍ فَعِدّةٌ مِنْ أيّامٍ أُخَرَ فلـم تنزل الرخصة إلا للـمريض والـمسافر.
2198ـ حدثنا هناد بن السريّ, قال: حدثنا علـيّ بن مسهر, عن عاصم, عن الشعبـي, قال: نزلت هذه الآية للناس عامة: وَعلـى الّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِين وكان الرجل يفطر ويتصدّق بطعامه علـى مسكين, ثم نزلت هذه الآية: وَمَنْ كانَ مَريضا أوْ علـى سَفَرٍ فَعِدّةٌ مِنْ أيّامٍ أُخَرَ قال: فلـم تنزل الرخصة إلا للـمريض والـمسافر.
2199ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا وكيع, عن ابن أبـي لـيـلـى, قال: دخـلت علـى عطاء وهو يأكل فـي شهر رمضان فقال: إنـي شيخ كبـير إن الصوم نزل, فكان من شاء صام ومن شاء أفطر وأطعم مسكينا, حتـى نزلت هذه الآية: فَمَنْ شَهدَ مِنْكُمُ الشّهْرَ فَلْـيَصُمْهُ وَمَنْ كانَ مَريضا أوْ علـى سَفَرٍ فَعِدّةٌ مِنْ أيّامٍ أُخَر فوجب الصوم علـى كل أحد إلا مريض أو مسافر أو شيخ كبـير مثلـي يفتدي.
2200ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: حدثنـي اللـيث, قال: أخبرنـي يونس عن ابن شهاب, قال: قال الله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَـيْكُمُ الصّيامُ كمَا كُتِبَ علـى الّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قال ابن شهاب: كتب الله الصيام علـينا, فكان من شاء افتدى مـمن يطيق الصيام من صحيح أو مريض أو مسافر, ولـم يكن علـيه غير ذلك. فلـما أوجب الله علـى من شهد الشهر الصيام, فمن كان صحيحا يطيقه وضع عنه الفدية, وكان من كان علـى سفر أو كان مريضا فعدة من أيام أخر. قال: وبقـيت الفدية التـي كانت تقبل قبل ذلك للكبـير الذي لا يطيق الصيام, والذي يعرض له العطش أو العلة التـي لا يستطيع معها الصيام.
2201ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: حدثنـي أبـي, قال: حدثنـي عمي, قال: حدثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قال: جعل الله فـي الصوم الأول فدية طعام مسكين, فمن شاء من مسافر أو مقـيـم أن يطعم مسكينا ويفطر كان ذلك رخصة له, فأنزل الله فـي الصوم الاَخر: فَعِدّةٌ مِنْ أيّامٍ أُخَرَ ولـم يذكر الله فـي الصوم الاَخر فدية طعام مسكين, فنسخت الفدية, وثبت فـي الصوم الاَخر: يُريدُ اللّهُ بِكُمُ الـيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ وهو الإفطار فـي السفر, وجعله عدة من أيام أخر.
2202ـ حدثنـي أحمد بن عبد الرحمن بن وهب, قال: أخبرنـي عمي عبد الله بن وهب, قال: أخبرنـي عمرو بن الـحرث, قال بكر بن عبد الله, عن يزيد مولـى سلـمة بن الأكوع, عن سلـمة بن الأكوع أنه قال: كنا فـي عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من شاء صام ومن شاء أفطر وافتدى بطعام مسكين, حتـى أنزلت: فَمَنْ شَهدَ مِنْكُمُ الشّهْرَ فَلْـيَصُمْهُ.
2203ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا سويد, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, عن عاصم الأحول, عن الشعبـي فـي قوله: وَعلـى الّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامِ مِسْكِين قال: كانت الناس كلهم, فلـما نزلت: فَمَنْ شَهدَ مِنْكُمُ الشّهْرَ فَلْـيَصُمْهُ أمروا بـالصوم والقضاء, فقال: وَمَنْ كانَ مَريضا أوْ علـى سَفَرٍ فَعِدّةٌ مِنْ أيّامٍ أُخَر.
2204ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا علـيّ بن مسهر, عن الأعمش, عن إبراهيـم فـي قوله: وَعلـى الّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامِ مِسْكِين قال: نسختها الآية التـي بعدها: وأنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إنْ كُنْتُـمْ تَعْلَـمُون.
2205ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا وكيع, عن مـحمد بن سلـيـمان, عن ابن سيرين, عن عبـيدة: وَعلـى الّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِين قال: نسختها الآية التـي تلـيها: فَمَنْ شَهدَ مِنْكُمُ الشّهْرَ فَلْـيَصُمْهُ.
2206ـ حدثت عن الـحسين بن الفرج, قال: حدثنا الفضل بن خالد, قال: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان, عن الضحاك قوله: كُتِبَ عَلَـيْكُمُ الصّيامُ الآية, فرض الصوم من العتـمة إلـى مثلها من القابلة, فإذا صلـى الرجل العتـمة حرم علـيه الطعام والـجماع إلـى مثلها من القابلة, ثم نزل الصوم الاَخر بإحلال الطعام والـجماع بـاللـيـل كله, وهو قوله: وكُلُوا وَاشرَبُوا حّتـى يتبَـيّنَ لَكُمُ الـخَيْطُ الأبْـيَضُ مِنَ الـخَيْطِ الأسْوَدِ إلـى قوله: ثُمّ أتـمّوا الصّيامَ إلـى اللّـيْـلِ وأحلّ الـجماع أيضا فقال: أُحِلّ لَكُمْ لَـيْـلَةَ الصّيامِ الرّفَثُ إلـى نِساِئكُمْ وكان فـي الصوم الأول الفدية, فمن شاء من مسافر أو مقـيـم أن يطعم مسكينا ويفطر فعل ذلك, ولـم يذكر الله تعالـى ذكره فـي الصوم الاَخر الفدية, وقال: فَعِدّةٌ مِنْ أيّامٍ أُخَرَ فنسخ هذا الصوم الاَخر الفدية.
وقال آخرون: بل كان قوله: وَعلـى الّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِين حكما خاصا للشيخ الكبـير والعجوز اللذين يطيقان الصوم كان مرخصا لهما أن يفديا صومهما بإطعام مسكين ويفطرا, ثم نسخ ذلك بقوله: فَمَنْ شَهدَ مِنْكُمُ الشّهْرَ فَلْـيَصُمْهُ فلزمهما من الصوم مثل الذي لزم الشاب إلا أن يعجزا عن الصوم فـيكون ذلك الـحكم الذي كان لهما قبل النسخ ثابتا لهما حينئذ بحاله. ذكر من قال ذلك:
2207ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد بن زريع, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, عن عروة, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس قال: كان الشيخ الكبـير والعجوز الكبـيرة وهما يطيقان الصوم رخص لهما أن يفطرا إن شاءا ويطعما لكل يوم مسكينا, ثم نسخ ذلك بعد ذلك: فَمَنْ شَهدَ مِنْكُمُ الشّهْرَ فَلْـيَصُمْهُ وَمَنْ كانَ مَريضا أوْ علـى سَفَرٍ فَعِدّةٌ مِنْ أيّامٍ أُخَر وثبت للشيخ الكبـير والعجوز الكبـيرة إذا كانا لا يطيقان الصوم, وللـحبلـى والـمرضع إذا خافتا.
2208ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا سويد, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, عن سعيد, عن قتادة, عن عروة, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس: وَعلـى الّذِينَ يُطِيقُونَهُ قال: الشيخ الكبـير والعجوز الكبـيرة, ثم ذكر مثل حديث بشر عن يزيد.
2209ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا معاذ بن هشام, قال: حدثنـي أبـي, عن قتادة, عن عكرمة, قال: كان الشيخ والعجوز لهما الرخصة أن يفطرا ويطعما بقوله: وَعلـى الّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِين قال: فكانت لهم الرخصة, ثم نسخت بهذه الآية: فَمَنْ شَهدَ مِنْكُمُ الشّهْرَ فَلْـيَصُمْهُ فنسخت الرخصة عن الشيخ والعجوز إذا كانا يطيقان الصوم, وبقـيت الـحامل والـمرضع أن يفطرا ويطعما.
2210ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا حجاج بن الـمنهال, قال: حدثنا همام بن يحيى, قال: سمعت قتادة يقول فـي قوله: وَعلـى الّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِين قال: كان فـيها رخصة للشيخ الكبـير والعجوز الكبـيرة وهما يطيقان الصوم أن يطعما مكان كل يوم مسكينا ويفطرا, ثم نسخ ذلك بـالآية التـي بعدها فقال: شَهْرُ رَمَضَانَ إلـى قوله: فَعِدّةٌ مِنْ أيّامٍ أُخَر فنسختها هذه الآية. فكان أهل العلـم يرون ويرجون الرخصة تثبت للشيخ الكبـير والعجوز الكبـيرة إذا لـم يطيقا الصوم أن يفطرا ويطعما عن كل يوم مسكينا, وللـحبلـى إذا خشيت علـى ما فـي بطنها, وللـمرضع إذا ما خشيت علـى ولدها.
2211ـ حدثت عن عمار بن الـحسن, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع فـي قوله:وعلـى الّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامِ مِسْكِين فكان الشيخ والعجوز يطيقان صوم رمضان, فأحلّ الله لهما أن يفطراه إن أرادا ذلك, وعلـيهما الفدية لكل يوم يفطرانه طعام مسكين, فأنزل الله بعد ذلك: شَهْرُ رَمَضَانَ الّذِي أُنْزِلَ فِـيهِ القُرآنُ إلـى قوله: فَعِدّةٌ مِنْ أيّامٍ أُخَر.
وقال آخرون مـمن قرأ ذلك: وَعلـى الّذِينَ يُطِيقُونَهُ لـم ينسخ ذلك ولا شيء منه, وهو حكم مثبت من لدن نزلت هذه الآية إلـى قـيام الساعة. وقالوا: إنـما تأويـل ذلك: علـى الذين يطيقونه وفـي حال شبـابهم وحداثتهم, وفـي حال صحتهم وقوتهم إذا مرضوا وكبروا فعجزوا من الكبر عن الصوم فدية طعام مسكين لا أن القوم كان رخص لهم فـي الإفطار وهم علـى الصوم قادرون إذا افتدوا. ذكر من قال ذلك:
2212ـ حدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي: وَعلـى الّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامِ مِسْكِين قال: أما الذين يطيقونه فـالرجل كان يطيقه وقد صام قبل ذلك ثم يعرض له الوجع أو العطش أو الـمرض الطويـل, أو الـمرأة الـمرضع لا تستطيع أن تصوم فإن أولئك علـيهم مكان كل يوم إطعام مسكين, فإن أطعم مسكينا فهو خير له, ومن تكلف الصيام فصامه فهو خير له.
2213ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا عبدة, عن سعيد بن أبـي عروبة, عن قتادة عن عروة, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس قال: إذا خافت الـحامل علـى نفسها والـمرضع علـى ولدها فـي رمضان, قال: يفطران ويطعمان مكان كل يوم مسكينا ولا يقضيان صوما.
2214ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا عبدة, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس, أنه رأى أمّ ولد له حاملاً أو مرضعا, فقال: أنت بـمنزلة الذي لا يطيقه, علـيك أن تطعمي مكان كل يوم مسكينا ولا قضاء علـيك.
2215ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا عبدة, عن سعيد, عن نافع, عن علـيّ بن ثابت, عن ابن عمر مثل قول ابن عبـاس فـي الـحامل والـمرضع.
2216ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قال: ذكر لنا أن ابن عبـاس قال لأم ولد له حبلـى أو مرضع: أنت بـمنزلة الذين لا يطيقونه, علـيك الفداء ولا صوم علـيك. هذا إذا خافت علـى نفسها.
2217ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: حدثنـي أبـي, قال: حدثنـي عمي, قال: حدثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس قوله: وَعلـى الّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامِ مِسْكِين هو الشيخ الكبـير كان يطيق صوم شهر رمضان وهو شاب فكبر, وهو لا يستطيع صومه فلـيتصدّق علـى مسكين واحد لكل يوم أفطره حين يفطر وحين يتسحر.
2218ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا عبدة, عن منصور, عن مـجاهد, عن ابن عبـاس نـحوه, غير أنه لـم يقل حين يفطر وحين يتسحر.
2219ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا حاتـم بن إسماعيـل, عن عبد الرحمن بن حرملة, عن سعيد بن الـمسيب أنه قال: فـي قول الله تعالـى ذكره: فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِين قال: هو الكبـير الذي كان يصوم فكبر وعجز عنه, وهي الـحامل التـي لـيس علـيها الصيام. فعلـى كل واحد منهما طعام مسكين, مدّ من حنطة لكل يوم حتـى يـمضي رمضان.
وقرأ ذلك آخرون: «وَعلـى الّذِينَ يُطَوّقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامِ مِسْكِين» وقالوا: إنه الشيخ الكبـير والـمرأة العجوز اللذان قد كبرا عن الصوم, فهما يكلفـان الصوم ولا يطيقانه, فلهما أن يفطرا ويطعما مكان كل يوم أفطراه مسكينا. وقالوا: الآية ثابتة الـحكم منذ أنزلت لـم تنسخ, وأنكروا قول من قال إنها منسوخة. ذكر من قال ذلك:
2220ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, حدثنا ابن جريج, عن عطاء, عن ابن عبـاس أنه كان يقرؤها: «يُطَوّقُونَه».
2221ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا علـيّ بن مسهر, عن عصام, عن عكرمة, عن ابن عبـاس أنه كان يقرأ: «وَعلـى الّذِينَ يُطَوّقونَهُ فِدْيَةٌ طَعامِ مِسْكِين». قال: فكان يقول: هي للناس الـيوم قائمة.
2222ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا وكيع, عن سفـيان, عن منصور, عن مـجاهد, عن ابن عبـاس أنه كان يقرؤها: «وعلـى الّذِينَ يُطَوّقونه فِدْيَةٌ طَعامِ مِسْكِين» قال: وكان يقول هي للناس الـيوم قائمة.
2223ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا قبـيصة, عن سفـيان, عن منصور, عن مـجاهد, عن ابن عبـاس أنه كان يقرؤها: «وعلـى الّذِينَ يُطَوّقونه» ويقول: هو الشيخ الكبـير يفطر ويطعم عنه.
2224ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا عبد الوهاب, قال: حدثنا أيوب, عن عكرمة أنه قال فـي هذه الآية: «وعلـى الّذِينَ يُطَوّقُونَهُ» وكذلك كان يقرؤها: أنها لـيست منسوخة كلف الشيخ الكبـير أن يفطر ويطعم مكان كل يوم مسكينا.
2225ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن أبـي بشر, عن سعيد بن جبـير أنه قرأ: «وعلـى الّذِينَ يُطَوّقُونَهُ».
2226ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا وكيع, عن عمران بن حدير, عن عكرمة, قال: الذين يطيقونه يصومونه ولكن الذين يطوّقونه يعجزون عنه.
2227ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا ابن جريج, قال: حدثنـي مـحمد بن عبـاد بن جعفر, عن أبـي عمرو مولـى عائشة أن عائشة كانت تقرأ: «يُطَوّقُونَه».
2228ـ حدثنا الـحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا ابن جريج, عن عطاء أنه كان يقرؤها: «يُطَوّقُونَه» قال ابن جريج: وكان مـجاهد يقرؤها كذلك.
2229ـ حدثنا حميد بن مسعدة, قال: حدثنا بشر بن الـمفضل, قال: حدثنا خالد, عن عكرمة: «وَعلـى الّذِينَ يُطيقُونَهُ» قال: قال ابن عبـاس: هو الشيخ الكبـير.
2230ـ حدثنا إسماعيـل بن موسى السدي, قال: أخبرنا شريك, عن سالـم, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس: «وَعلـى الّذِينَ يُطَوّقُونَهُ» قال: يتـجشمونه, يتكلفونه.
2231ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن إدريس, عن مسلـم الـملائي, عن مـجاهد, عن ابن عبـاس فـي قوله: «وَعلـى الّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامِ مِسْكِين» قال: الشيخ الكبـير الذي لا يطيق فـيفطر ويطعم كل يوم مسكينا.
2232ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد وعطاء عن ابن عبـاس فـي قول الله: وَعلـى الّذِينَ يُطِيقُونَهُ قال: يكلفونه, فِدْيَةٌ طَعامِ مِسْكِين واحد, قال: فهذه آية منسوخة لا يرخص فـيها إلا للكبـير الذي لا يطيق الصيام, أو مريض يعلـم أنه لا يشفـى.
2233ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن عمرو بن دينار, عن عطاء, عن ابن عبـاس, قال: الّذِينَ يُطيقُونَهُ يتكفلونه فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِين واحد, ولـم يرخص هذا إلا للشيخ الذي لا يطيق الصوم, أو الـمريض الذي يعلـم أنه لا يشفـى هذا عن مـجاهد.
2234ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, عن ابن عبـاس أنه كان يقول: لـيست بـمنسوخة.
2235ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: حدثنـي معاوية, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس فـي قوله: وعلـى الّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامِ مِسْكِين يقول: من لـم يطق الصوم إلا علـى جهد فله أن يفطر ويطعم كل يوم مسكينا, والـحامل والـمرضع والشيخ الكبـير والذي به سقم دائم.
2236ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا عبـيدة, عن منصور, عن مـجاهد, عن ابن عبـاس فـي قول الله تعالـى ذكره: وَعلـى الّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِين قال: هو الشيخ الكبـير والـمرء الذي كان يصوم فـي شبـابه, فلـما كبر عجز عن الصوم قبل أن يـموت, فهو يطعم كل يوم مسكينا. قال هناد: قال عبـيدة: قـيـل لـمنصور الذي يطعم كل يوم نصف صاع؟ قال: نعم.
2237ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا مروان بن معاوية, عن عثمان بن الأسود, قال: سألت مـجاهدا عن امرأة لـي وافق تاسعها شهر رمضان, ووافق حرّا شديدا, فأمرنـي أن تفطر وتطعم. قال: وقال مـجاهد: وتلك الرخصة أيضا فـي الـمسافر والـمريض, فإن الله يقول:وَعلـى الّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِين.
2238ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا أبو معاوية, عن عاصم, عن عكرمة, عن ابن عبـاس قال: الـحامل والـمرضع والشيخ الكبـير الذي لا يستطيع الصوم يفطرون فـي رمضان, ويطعمون عن كل يوم مسكينا. ثم قرأ: وَعلـى الّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِين.
2239ـ حدثنا علـيّ بن سعد الكندي, قال: حدثنا حفص, عن حجاج, عن أبـي إسحاق, عن الـحرث, عن علـيّ فـي قوله: وَعلـى الّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِين قال: الشيخ الكبـير الذي لا يستطيع الصوم يفطر ويطعم مكان كل يوم مسكينا.
2240ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا الـحجاج, قال: حدثنا حماد, عن عمرو بن دينار, عن عطاء, عن ابن عبـاس قال: وَعلـى الّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامِ مِسْكِين قال: هم الذين يتكلفونه ولا يطيقونه, الشيخ والشيخة.
2241ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا الـحجاج, قال: حدثنا حماد, عن الـحجاج, عن أبـي إسحاق, عن الـحرث, عن علـيّ قال: هو الشيخ والشيخة.
2242ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا حجاج, قال: حدثنا حماد, عن عمران بن حدير, عن عكرمة أنه كان يقرؤها: وَعلـى الّذِينَ يُطِيقُونَهُ فأفطروا.
2243ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا سويد, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, عن عاصم عمن حدثه, عن ابن عبـاس, قال: هي مثبتة للكبـير والـمرضع والـحامل وعلـى الذين يطيقون الصيام.
2244ـ حدثنا الـمثنى, قال: حدثنا سويد, قال: حدثنا ابن الـمبـارك, عن ابن جريج, قال: قلت لعطاء: ما قوله: وَعلـى الّذِينَ يُطِيقُونَه؟ قال: بلغنا أن الكبـير إذا لـم يستطع الصوم يفتدي من كل يوم بـمسكين, قلت: الكبـير الذي لا يستطيع الصوم, أو الذي لا يستطيعه إلا بـالـجهد؟ قال: بل الكبـير الذي لا يستطيعه بجهد ولا بشيء, فأما من استطاع بجهد فلـيصمه ولا عذر له فـي تركه.
2245ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنـي حجاج, عن ابن جريج, قال: أخبرنـي عبد الله بن أبـي يزيد: وعلـى الّذِينَ يُطِيقُونَهُ الآية, كأنه يعنـي الشيخ الكبـير.
قال ابن جريج: وأخبرنـي ابن طاوس عن أبـيه أنه كان يقول: نزلت فـي الكبـير الذي لا يستطيع صيام رمضان فـيفتدي من كل يوم بطعام مسكين. قلت له: كم طعامه؟ قال: لا أدري, غير أنه قال: طعام يوم.
2246ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا سويد, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, عن الـحسن بن يحيى, عن الضحاك فـي قوله: فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِين قال: الشيخ الكبـير الذي لا يطيق الصوم يفطر ويطعم كل يوم مسكينا.
وأولـى هذه الأقوال بتأويـل الآية قول من قال: وَعلـى الّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامِ مِسْكِين منسوخ بقول الله تعالـى ذكره: فَمَنْ شَهدَ مِنْكُمُ الشّهْرَ فَلْـيَصُمْهُ لأن الهاء التـي فـي قوله: وَعلـى الّذِينَ يُطِيقُونَهُ من ذكر الصيام. ومعناه: وعلـى الذين يطيقون الصيام فدية طعام مسكين. فإذا كان ذلك كذلك, وكان الـجميع من أهل الإسلام مـجمعين علـى أن من كان مطيقا من الرجال الأصحاء الـمقـيـمين غير الـمسافرين صوم شهر رمضان فغير جائز له الإفطار فـيه والافتداء منه بطعام مسكين, كان معلوما أن الآية منسوخة. هذا مع ما يؤيد هذا القول من الأخبـار التـي ذكرناها آنفـا عن معاذ بن جبل وابن عمر وسلـمة بن الأكوع, من أنهم كانوا بعد نزول هذه الآية علـى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فـي صوم شهر رمضان بـالـخيار بـين صومه وسقوط الفدية عنهم, وبـين الإفطار والافتداء من إفطاره بإطعام مسكين لكل يوم, وأنهم كانوا يفعلون ذلك حتـى نزلت: فَمَنْ شَهدَ مِنْكُمُ الشّهْرَ فَلْـيَصُمْهُ فألزموا فرض صومه, وبطل الـخيار والفدية.
فإن قال قائل: وكيف تدعي إجماعا من أهل الإسلام علـى أن من أطاق صومه وهو بـالصفة التـي وصفت فغير جائز له إلا صومه, وقد علـمت قول من قال: الـحامل والـمرضع إذا خافتا علـى أولادهما لهما الإفطار, وإن أطاقتا الصوم بأبدانهما, مع الـخبر الذي رُوي فـي ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي:
2247ـ حدثنا به هناد بن السري, قال: حدثنا قبـيصة, عن سفـيان, عن أيوب, عن أبـي قلابة, عن أنس, قال: أتـيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتغدى فقال: «تَعالَ أُحدّثْكَ, إن اللّهَ وَضَعَ عَنِ الـمُسافِرِ وَالـحامِلِ وَالـمُرْضِعِ الصّوْمَ وَشَطْرَ الصّلاة».
قـيـل: إنا لـم نّدع إجماعا فـي الـحامل والـمرضع, وإنـما ادعينا فـي الرجال الذين وصفنا صفتهم. فأما الـحامل والـمرضع فإنـما علـمنا أنهنّ غير معنـيات بقوله: وَعلـى الّذِينَ يُطِيقُونَهُ وخلا الرجال أن يكونوا معنـيـين به لأنهنّ لو كنّ معنـيات بذلك دون غيرهن من الرجال لقـيـل: وعلـى اللواتـي يطقنه فدية طعام مسكين لأن ذلك كلام العرب إذا أفرد الكلام بـالـخبر عنهن دون الرجال فلـما قـيـل: وَعلـى الّذِينَ يُطِيقُونَهُ كان معلوما أن الـمعنـيّ به الرجال دون النساء, أو الرجال والنساء. فلـما صحّ بإجماع الـجميع علـى أن من أطاق من الرجال الـمقـيـمين الأصحاء صوم شهر رمضان فغير مرخص له فـي الإفطار والافتداء, فخرج الرجال من أن يكونوا معنـيـين بـالآية, وعلـم أن النساء لـم يردن بها لـما وصفنا من أن الـخبر عن النساء إذا انفرد الكلام بـالـخبر عنهن وعلـى اللواتـي يطقنه, والتنزيـل بغير ذلك.
وأما الـخبر الذي رُوي عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم فإنه إن كان صحيحا, فإنـما معناه أنه وضع عن الـحامل والـمرضع الصوم ما دامتا عاجزتـين عنه حتـى تطيقا فتقضيا, كما وضع عن الـمسافر فـي سفره حتـى يقـيـم فـيقضيه, لا أنهما أمرتا بـالفدية والإفطار بغير وجوب قضاء, ولو كان فـي قول النبـيّ صلى الله عليه وسلم: «إنّ اللّهَ وَضَعَ عَنِ الـمُسافِرِ وَالـمُرْضِعِ وَالـحامِلِ الصّوْمَ» دلالة علـى أنه صلى الله عليه وسلم إنـما عنى أن الله تعالـى ذكره وضع عنهم بقوله: وَعلـى الّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِين لوجب أن لا يكون علـى الـمسافر إذا أفطر فـي سفره قضاء, وأن لا يـلزمه بإفطاره ذلك إلا الفدية لأن النبـيّ صلى الله عليه وسلم قد جمع بـين حكمه وبـين حكم الـحامل والـمرضع, وذلك قول إن قاله قائل خلاف لظاهر كتاب الله ولـما أجمع علـيه جميع أهل الإسلام.
وقد زعم بعض أهل العربـية من أهل البصرة أن معنى قوله: وَعلـى الّذِينَ يُطِيقُونَه وعلـى الذين يطيقون الطعام, وذلك لتأويـل أهل العلـم مخالف.
وأما قراءة من قرأ ذلك: «وَعلـى الّذِينَ يُطَوّقُونَه» فقراءة لـمصاحف أهل الإسلام خلاف, وغير جائز لأحد من أهل الإسلام الاعتراض بـالرأي علـى ما نقله الـمسلـمون وراثة عن نبـيهم صلى الله عليه وسلم نقلاً ظاهرا قاطعا للعذر, لأن ما جاءت به الـحجة من الدين هو الـحق الذي لا شك فـيه أنه من عند الله, ولا يعترض علـى ما قد ثبت وقامت به حجة أنه من عند الله بـالاَراء والظنون والأقوال الشاذة.
وأما معنى «الفدية» فإنه الـجزاء من قولك: فديت هذا بهذا: أي جزيته به, وأعطيته بدلاً منه.
ومعنى الكلام: وعلـى الذين يطيقون الصيام جزاء طعام مسكين لكل يوم أفطره من أيام صيامه الذي كتب علـيه.
وأما قوله: فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِين فإن القرّاء مختلفة فـي قراءته, فبعض يقرأ بإضافة الفدية إلـى الطعام, وخفض الطعام وذلك قراءة معظم قرّاء أهل الـمدينة بـمعنى: وعلـى الذين يطيقونه أن يفدوه طعام مسكين فلـما جعل مكان أن يفديه الفدية أضيف إلـى الطعام, كما يقال: لزمنـي غرامة درهم لك بـمعنى لزمنـي أن أغرم لك درهما, وآخرون يقرءونه بتنوين الفدية ورفع الطعام بـمعنى الإبـانة فـي الطعام عن معنى الفدية الواجبة علـى من أفطر فـي صومه الواجب, كما يقال لزمنـي غرامةُ درهمٍ لك, فتبـين بـالدرهم عن معنى الغرامة ما هي وما حدّها, وذلك قراءة عُظْم قرّاء أهل العراق.
وأولـى القراءتـين بـالصواب قراءة من قرأ: «فِديةُ طعَام» بإضافة الفدية إلـى الطعامِ, لأن الفدية اسم للفعل, وهي غير الطعام الـمفدى به الصوم. وذلك أن الفدية مصدر من قول القائل: فديت صوم هذا الـيوم بطعام مسكين, أفديه فدية, كما يقال: جلست جلسة, ومشيت مشية, والفدية فعل والطعام غيرها. فإذا كان ذلك كذلك, فبَـيّنٌ أن أصحّ القراءتـين إضافة الفدية إلـى الطعام, وواضح خطأ قول من قال: إن ترك إضافة الفدية إلـى الطعام أصحّ فـي الـمعنى من أجل أن الطعام عنده هو الفدية. فـيقال لقائل ذلك: قد علـمنا أن الفدية مقتضية مفديّا ومفديّا به وفدية, فإن كان الطعام هو الفدية والصوم هو الـمفدى به, فأين اسم فعل الـمفتدى الذي هو فدية؟ إن هذا القول خطأ بـين غير مشكل. وأما الطعام فإنه مضاف إلـى الـمسكين والقراء فـي قراءة ذلك مختلفون, فقرأه بعضهم بتوحيد الـمسكين بـمعنى: وعلـى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين واحد لكل يوم أفطره. كما:
2248ـ حدثنـي مـحمد بن يزيد الرفـاعي, قال: حدثنا حسين الـجعفـي, عن أبـي عمرو: أنه قرأ «فديةٌ» رفع منون «طعامُ» رفع بغير تنوين «مسكين». وقال: عن كل يوم مسكين. وعلـى ذلك عُظْم قرّاء أهل العراق. وقرأه آخرون بجمع الـمساكين: «فِدْيَةٌ طَعامُ مَساكِين» بـمعنى: وعلـى الذين يطيقونه فدية طعام مساكين عن الشهر إذا أفطر الشهر كله. كما:
2249ـ حدثنا أبو هشام مـحمد بن يزيد الرفـاعي, عن يعقوب, عن بشار, عن عمرو, عن الـحسن: طعام مساكين عن الشهر كله.
وأعجب القراءتـين إلـيّ فـي ذلك قراءة من قرأ طعام مسكين علـى الواحد بـمعنى: وعلـى الذين يطيقونه عن كل يوم أفطروه فدية طعام مسكين لأن فـي إبـانة حكم الـمفطر يوما واحدا وصولاً إلـى معرفة حكم الـمفطر جميع الشهر, ولـيس فـي إبـانة حكم الـمفطر جميع الشهر وصول إلـى إبـانة حكم الـمفطر يوما واحدا وأياما هي أقل من أيام جميع الشهر, وأن كل واحد يترجم عن الـجميع وأن الـجميع لا يترجم به عن الواحد, فلذلك اخترنا قراءة ذلك بـالتوحيد.
واختلف أهل العلـم فـي مبلغ الطعام الذي كانوا يطعمون فـي ذلك إذا أفطروا, فقال بعضهم: كان الواجب من طعام الـمسكين لإفطار الـيوم الواحد نصف صاع من قمـح.
وقال بعضهم: كان الواجب من طعام الـمسكين لإفطار الـيوم مدّا من قمـح ومن سائر أقواتهم.
وقال بعضهم: كان ذلك نصف صاع من قمـح أو صاعا من تـمر أو زبـيب.
وقال بعضهم: ما كان الـمفطر يتقوّته يومه الذي أفطره.
وقال بعضهم: كان ذلك سحورا وعشاء يكون للـمسكين إفطارا. وقد ذكرنا بعض هذه الـمقالات فـيـما مضى قبل فكرهنا إعادة ذكرها.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: فَمِنْ تَطَوّعَ خَيْرا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ.
اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك, فقال بعضهم بـما:
2250ـ حدثنا مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد وعطاء, عن ابن عبـاس: فَمَنْ تَطَوّعَ خَيْرا فزاد طعام مسكين آخر فهو خير له, وأنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ.
2251ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن عمرو بن دينار, عن عطاء, عن ابن عبـاس مثله.
2252ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا وكيع, عن سفـيان, عن خصيف, عن مـجاهد فـي قوله: فَمَنْ تَطَوّعَ خَيْرا قال: من أطعم الـمسكين صاعا.
2253ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا سويد, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, عن معمر, عن ابن طاوس, عن أبـيه: فَمَنْ تَطَوّعَ خَيْرا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ قال: إطعام مساكين عن كل يوم فهو خير له.
2254ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا سويد, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, عن حنظلة, عن طاوس: فَمَنْ تَطَوّعَ خَيْرا قال: طعام مسكين.
2255ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا سويد, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, عن حنظلة, عن طاوس نـحوه.
2256ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن لـيث, عن طاوس: فَمَنْ تَطَوّعَ خَيْرا قال: طعام مسكين.
2257ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا حجاج. قال: حدثنا حماد, عن لـيث, عن طاوس, مثله.
2258ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا عمر بن هارون, قال: حدثنا ابن جريج, عن عطاء أنه قرأ: فَمَنْ تَطَوّعَ بـالتاء خفـيفة (الطاء) خَيْرا, قال: زاد علـى مسكين.
2259ـ حدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي: فَمَنْ تَطَوّعَ خَيْرا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ فإن أطعم مسكينـين فهو خير له.
2260ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنـي حجاج, قال: قال ابن جريج: أخبرنـي ابن طاوس عن أبـيه: فَمَنْ تَطَوّعَ خَيْرا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ قال: من أطعم مسكينا آخر.
وقال آخرون: معنى ذلك: فمن تطوّع خيرا فصام مع الفدية. ذكر من قال ذلك:
2261ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: حدثنـي اللـيث, قال: أخبرنـي يونس, عن ابن شهاب: فَمَنْ تَطَوّعَ خَيْرا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ يريد أن من صام مع الفدية فهو خير له.
وقال آخرون: معنى ذلك: فمن تطوّع خيرا فزاد الـمسكين علـى قدر طعامه. ذكر من قال ذلك:
2262ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنـي حجاج, قال: قال ابن جريج, قال مـجاهد: فَمَنْ تَطَوّعَ خَيْرا فزاد طعاما فهو خير له.
والصواب من القول فـي ذلك عندنا أن الله تعالـى ذكره عمـم بقوله: فَمَنْ تَطَوّعَ خَيْرا فلـم يخصص بعض معانـي الـخير دون بعض, فإن جمع الصوم مع الفدية من تطوّع الـخير وزيادة مسكين علـى جزاء الفدية من تطوّع الـخير.
وجائز أن يكون تعالـى ذكره عنى بقوله: فَمَنْ تَطَوّعَ خَيْرا أي هذه الـمعانـي تطوّع به الـمفتدي من صومه فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ لأن كل ذلك من تطوّع الـخير ونوافل الفضل.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وأنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إنْ كُنْتُـمْ تَعْلَـمُونَ.
يعنـي تعالـى ذكره بقوله: وأنْ تَصُومُوا ما كتب علـيكم من شهر رمضان فهو خير لكم من أن تفطروه وتفتدوا. كما:
2263ـ حدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي: وأنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ ومَن تكلّف الصيام فصامه فهو خير له.
2264ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: حدثنـي اللـيث, قال: حدثنـي يونس, عن ابن شهاب: وأنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ أي أن الصيام خير لكم من الفدية.
2265ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: وأنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ.
وأما قوله: إنْ كُنْتُـمْ تَعْلَـمُونَ فإنه يعنـي: إن كنتـم تعلـمون خير الأمرين لكم أيها الذين آمنوا من الإفطار والفدية أو الصوم علـى ما أمركم الله به.
الآية : 185
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
{شَهْرُ رَمَضَانَ الّذِيَ أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لّلنّاسِ وَبَيّنَاتٍ مّنَ الْهُدَىَ وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَىَ سَفَرٍ فَعِدّةٌ مّنْ أَيّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدّةَ وَلِتُكَبّرُواْ اللّهَ عَلَىَ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ }
قال أبو جعفر: الشهر فـيـما قـيـل أصله من الشهرة, يقال منه: قد شهر فلان سيفه إذا أخرجه من غمده فـاعترض به من أراد ضربه, يشهره شهرا وكذلك شهر الشهر إذا طلع هلاله, وأشهرنا نـحن إذا دخـلنا فـي الشهر. وأما رمضان فإن بعض أهل الـمعرفة بلغة العرب كان يزعم أنه سمي بذلك لشدة الـحرّ الذي كان يكون فـيه حتـى تَرْمَضُ فـيه الفصال كما يقال للشهر الذي يحجّ فـيه ذو الـحجة, والذي يرتبع فـيه ربـيع الأول وربـيع الاَخر. وأما مـجاهد فإنه كان يكره أن يقال رمضان ويقول: لعله اسم من أسماء الله.
2266ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو نعيـم, قال: حدثنا سفـيان, عن مـجاهد أنه كره أن يقال رمضان, ويقول: لعله اسم من أسماء الله, لكن نقول كما قال الله: شَهْرُ رَمَضَان.
وقد بـينت فـيـما مضى أن «شهر» مرفوع علـى قوله: أياما معدودات, هن شهر رمضان, وجائز أن يكون رفعه بـمعنى ذلك شهر رمضان, وبـمعنى كتب علـيكم شهر رمضان. وقد قرأه بعض القرّاء: «شَهْرَ رَمَضَانَ» نصبـا, بـمعنى: كتب علـيكم الصيام أن تصوموا شهر رمضان. وقرأه بعضهم نصبـا بـمعنى أن تصوموا شهر رمضان خير لكم إن كنتـم تعلـمون. وقد يجوز أيضا نصبه علـى وجه الأمر بصومه كأنه قـيـل: شهر رمضان فصوموه, وجائز نصبه علـى الوقت كأنه قـيـل: كتب علـيكم الصيام فـي شهر رمضان.
وأما قوله: الّذي أُنْزلَ فـيهِ القُرآنُ فإنه ذكر أنه نزل فـي لـيـلة القدر من اللوح الـمـحفوظ إلـى سماء الدنـيا فـي لـيـلة القدر من شهر رمضان, ثم أنزل إلـى مـحمد صلى الله عليه وسلم علـى ما أراد الله إنزاله إلـيه. كما:
2267ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا أبو بكر بن عياش, عن الأعمش, عن حسان بن أبـي الأشرس, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس قال: أنزل القرآن جملة من الذكر فـي لـيـلة أربع وعشرين من رمضان, فجعل فـي بـيت العزّة. قال أبو كريب: حدثنا أبو بكر, وقال ذلك السدي.
23حدثنـي عيسى بن عثمان, قال: حدثنا يحيى بن عيسى, عن الأعمش, عن حسان, عن سعيد بن جبـير, قال: نزل القرآن جملة واحدة فـي لـيـلة القدر فـي شهر رمضان, فجعل فـي سماء الدنـيا.
2268ـ حدثنا أحمد بن منصور, قال: حدثنا عبد الله بن رجاء, قال: حدثنا عمران القطان, عن قتادة, عن ابن أبـي الـملـيح عن واثلة, عن النبـي صلى الله عليه وسلم, قال: «نزلتْ صُحُف إبراهِيـمَ أوّلَ لَـيْـلَةٍ من شَهْرِ رَمَضَانَ, وأُنْزِلَت التّوْرَاةُ لِستّ مَضَيْنَ من رَمَضَانَ, وأُنْزِلَ الإنـجيـلُ لثَلاثَ عَشْرَةَ خَـلَتْ, وأُنْزِلَ القُرآنُ لأَرْبَعٍ وعِشْرين مِنْ رَمَضَان».
2269ـ حدثنـي موسى, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي: شَهْرُ رَمَضَانَ الّذِي أُنْزِلَ فِـيهِ القُرْآنُ, أما أنزل فـيه القرآن, فإن ابن عبـاس قال: شهر رمضان, واللـيـلة الـمبـاركة: لـيـلة القدر, فإن لـيـلة القدر هي اللـيـلة الـمبـاركة, وهي من رمضان, نزل القرآن جملة واحدة من الزّبر إلـى البـيت الـمعمور, وهو مواقع النـجوم, فـي السماء الدنـيا حيث وقع القرآن, ثم نزل علـى مـحمد صلى الله عليه وسلم بعد ذلك فـي الأمر والنهي وفـي الـحروب رَسَلاً رَسَلاً.
2270ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا عبد الوهاب, قال: حدثنا داود, عن عكرمة, عن ابن عبـاس, قال: أنزل الله القرآن إلـى السماء الدنـيا فـي لـيـلة القدر, فكان الله إذا أراد أن يوحي منه شيئا أوحاه, فهو قوله: أنّا أنْزَلْنَاهُ فِـي لَـيْـلَةِ القَدْرِ.
2271ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا ابن أبـي عديّ, عن داود, عن عكرمة, عن ابن عبـاس, فذكر نـحوه, وزاد فـيه: فكان بـين أوله وآخره عشرون سنة.
2272ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا عبد الأعلـى, قال: حدثنا داود, عن عكرمة, عن ابن عبـاس, قال: أنزل القرآن كله جملة واحدة فـي لـيـلة القدر فـي رمضان إلـى السماء الدنـيا, فكان الله إذا أراد أن يحدث فـي الأرض شيئا أنزله منه حتـى جمعه.
2273ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا حصين, عن حكيـم بن جبـير, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس قال: أنزل القرآن فـي لـيـلة القدر من السماء العلـيا إلـى السماء جملة واحدة, ثم فرّق فـي السنـين بعدُ قال: وتلا ابن عبـاس هذه الآية: فَلا أقْسِمُ بِـمَواقِع النّـجُوم قال: نزل مفرّقا.
2274ـ حدثنا يعقوب, قال: حدثنا ابن علـية, عن داود, عن الشعبـي, قال: بلغنا أن القرآن نزل جملة واحدة إلـى السماء الدنـيا.
2275ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا سويد بن نصر, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, قرأه ابن جريج فـي قوله: شَهْرُ رَمَضَان الّذِي أُنْزِلَ فِـيهِ القُرآنُ قال: قال ابن عبـاس: أنزل القرآن جملة واحدة علـى جبريـل فـي لـيـلة القدر, فكان لا ينزل منه إلا بأمر. قال ابن جريج: كان ينزل من القرآن فـي لـيـلة القدر كل شيء ينزل من القرآن فـي تلك السنة, فنزل ذلك من السماء السابعة علـى جبريـل فـي السماء الدنـيا, فلا يُنزل جبريـل من ذلك علـى مـحمد إلا ما أمره به ربه ومثل ذلك: إنّا أنْزَلْناهُ فِـي لَـيْـلَةِ القَدْرِ وإنّا أنْزَلْنَاهُ فِـي لَـيْـلَةً مبَـاركَةٍ.
2276ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبـيد الله بن موسى, عن إسرائيـل, عن السدي, عن مـحمد بن أبـي الـمـجالد, عن مقسم, عن ابن عبـاس قال له رجل: إنه قد وقع فـي قلبـي الشك من قوله: شَهْرُ رَمَضَانَ الّذي أُنْزِلَ فِـيهِ القُرآنُ وقوله: إنّا أنْزَلْنَاهُ فِـي لَـيْـلَةٍ مُبَـاركَةٍ وقوله: إنّا أنْزَلْنَاه فِـي لَـيْـلَةٍ القَدْرِ وقد أنزل الله فـي شوّال وذي القعدة وغيره قال: إنـما أنزل فـي رمضان فـي لـيـلة القدر ولـيـلة مبـاركة جملة واحدة, ثم أنزل علـى مواقع النـجوم رَسَلاً فـي الشهور والأيام.
وأما قوله هُدىً للنّاسِ فإنه يعنـي رشادا للناس إلـى سبـيـل الـحقّ وقصد الـمنهج.
وأما قوله: وَبَـيّناتٍ فإنه يعنـي: وواضحات من الهدى, يعنـي من البـيان الدالّ علـى حدود الله وفرائضه وحلاله وحرامه.
وقوله: والفُرْقَان يعنـي: والفصل بـين الـحق والبـاطل. كما:
2277ـ حدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي: أما وَبَـيّناتٍ مِنَ الهُدَى والفُرْقان فبـينات من الـحلال والـحرام.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: : فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُم الشّهْرَ فَلْـيَصُمْهُ.
اختلف أهل التأويـل فـي معنى شهود الشهر. فقال بعضهم: هو مقام الـمقـيـم فـي داره, قالوا: فمن دخـل علـيه شهر رمضان وهو مقـيـم فـي داره فعلـيه صوم الشهر كله, غاب بعد فسافر أو أقام فلـم يبرح.ذكر من قال ذلك:
2278ـ حدثنـي مـحمد بن حميد ومـحمد بن عيسى الدامغانـي, قالا, حدثنا ابن الـمبـارك, عن الـحسن بن يحيى, عن الضحاك, عن ابن عبـاس فـي قوله: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُم الشّهْرَ فَلْـيَصُمْهُ قال: هو إهلاله بـالدار. يريد إذ هلّ وهو مقـيـم.
2279ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا حصين, عمن حدثه, عن ابن عبـاس أنه قال فـي قوله: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُم الشّهْرَ فَلْـيَصُمْهُ فإذا شهده وهو مقـيـم فعلـيه الصوم أقام أو سافر, وإن شهده وهو فـي سفر, فإن شاء صام وإن شاء فطر.
2280ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا ابن علـية, عن أيوب, عن مـحمد, عن عبـيدة فـي الرجل يدركه رمضان ثم يسافر, قال: إذا شهدت أوله فضم آخره, ألا تراه يقول: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُم الشّهْرَ فَلْـيَصُمْهُ.
2281ـ حدثنـي يعقوب قال: حدثنا ابن علـية, عن هشام الفردوسي, عن مـحمد بن سيرين, قال: سألت عبـيدة, عن رجل أدرك رمضان وهو مقـيـم, قال: من صام أول الشهر فلـيصم آخره, ألا تراه يقول: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُم الشّهْرَ فَلْـيَصُمْهُ.
2282ـ حدثنـي موسى, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي: أما من شهد منكم الشهر فلـيصمه, فمن دخـل علـيه رمضان وهو مقـيـم فـي أهله فلـيصمه, وإن خرج فـيه فلـيصمه فإنه دخـل علـيه وهو فـي أهله.
2283ـ حدثنـي الـمثنى,, قال: حدثنا حجاج, قال: حدثنا حماد, قال: أخبرنا قتادة, عن مـحمد بن سيرين, عن عبـيدة السلـمانـي, عن علـيّ فـيـما يحسب حماد, قال: من أدرك رمضان وهو مقـيـم ولـم يخرج فقد لزمه الصوم, لأن الله يقول: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُم الشّهْرَ فَلْـيَصُمْهُ.
2284ـ حدثنا هناد بن السرّي. قال: حدثنا عبد الرحمن, عن إسماعيـل بن مسلـم, عن مـحمد بن سيرين, قال: سألت عبـيدة السلـمانـي عن قول الله: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُم الشّهْرَ فَلْـيَصُمْهُ قال: من كان مقـيـما فلـيصمه, ومن أدركه ثم سافر فـيه فلـيصمه.
2285ـ حدثنا هناد قال: حدثنا وكيع, عن ابن عون, عن ابن سيرين, عن عبـيدة, قال: من أشهد أول رمضان فلـيصم آخره.
2286ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا عبدة, عن سعيد بن أبـي عروبة, عن قتادة أن علـيا كان يقول: إذا أدركه رمضان وهو مقـيـم ثم سافر فعلـيه الصوم.
2287ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا عبد الرحيـم, عن عبـيدة الضبـي, عن إبراهيـم قال: كان يقول: إذا أدركك رمضان فلا تسافر فـيه, فإن صمت فـيه يوما أو اثنـين ثم سافرت فلا تفطر, صمه.
2288ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن عمرو بن مرة, عن أبـي البختري, قال: كنا عند عبـيدة, فقرأ هذه الآية: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُم الشّهْرَ فَلْـيَصُمْهُ قال: من صام شيئا منه فـي الـمصر فلـيصم بقـيته إذا خرج قال: وكان ابن عبـاس يقول: إن شاء صام, وإن شاء أفطر.
2289ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا عبد الوهاب, وحدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا ابن علـية, قالا جميعا, حدثنا أيوب, عن أبـي يزيد, عن أم درّة قالت: أتـيت عائشة فـي رمضان, قالت: من أين جئت؟ قلت: من عند أخي حنـين, قالت: ما شأنه؟ قالت: ودّعته يريد يرتـحل, قالت: فأقرئيه السلام ومريه فلـيقم, فلو أدركنـي رمضان وأنا ببعض الطريق لأقمت له.
2290ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا إسحاق بن عيسى, عن أفلـح, عن عبد الرحمن, قال: جاء إبراهيـم بن طلـحة إلـى عائشة يسلـم علـيها, قالت: وأين تريد؟ قال: أردت العمرة, قالت: فجلست حتـى إذا دخـل علـيك الشهر خرجت فـيه قال: قد خرج ثقلـي, قالت: اجلس حتـى إذا أفطرت فـاخرج يعنـي شهر رمضان.
وقال آخرون: معنى ذلك: فمن شهد منكم الشهر فلـيصمه ما شهد منه. ذكر من قال ذلك:
2291ـ حدثنا هناد بن السري, قال: حدثنا شريك, عن أبـي إسحاق: أن أبـا ميسرة خرج فـي رمضان حتـى إذا بلغ القنطرة دعا ماءً فشرب.
2292ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا جرير, عن مغيرة, قال: خرج أبو ميسرة فـي رمضان مسافرا, فمرّ بـالفرات وهو صائم, فأخذ منه كفّـا فشربه وأفطر.
2293ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا وكيع, عن سفـيان, عن أبـي إسحاق, عن مرثد: أن أبـا ميسرة سافر فـي رمضان فأفطر عند بـاب الـجسر هكذا قال هناد عن مرثد, وإنـما هو أبو مرثد.
2294ـ حدثنـي مـحمد بن عمارة الأسدي, قال: حدثنا عبـيد الله بن موسى, قال: أخبرنا إسرائيـل عن أبـي إسحاق, عن مرثد: أنه خرج مع أبـي ميسرة فـي رمضان, فلـما انتهى إلـى الـجسر أفطر.
2295ـ حدثنا هناد وأبو هشام قالا: حدثنا وكيع, عن الـمسعودي, عن الـحسن بن سعد, عن أبـيه, قال: كنت مع علـيّ فـي ضيعة له علـى ثلاث من الـمدينة, فخرجنا نريد الـمدينة فـي شهر رمضان وعلـيّ راكب وأنا ماش, قال: فصام قال هناد: وأفطرت قال أبو هشام: وأمرنـي فأفطرت.
2296ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا عبد الرحمن بن عتبة, عن الـحسن بن سعد, عن أبـيه قال: كنت مع علـي بن أبـي طالب, وهو جاء من أرض له فصام, وأمرنـي فأفطرت فدخـل الـمدينة لـيلاً وكان راكبـا وأنا ماش.
2297ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا وكيع, وحدثنا ابن بشار, قال: حدثنا ابن مهدي, قالا جميعا: حدثنا سفـيان, عن عيسى بن أبـي عزّة, عن الشعبـي أنه سافر فـي شهر رمضان, فأفطر عند بـاب الـجسر.
2298ـ حدثنـي ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: قال لـي سفـيان: أحبّ إلـيّ أن تتـمه.
2299ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, عن شعبة, قال: سألت الـحكم وحمادا وأردت أن أسافر فـي رمضان فقالا لـي: اخرج وقال حماد: قال إبراهيـم: أما إذا كان العشر فأحبّ إلـيّ أن يقـيـم.
2300ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا أبو الولـيد, قال: حدثنا حماد, عن قتادة, عن الـحسن وسعيد بن الـمسيب قالا: من أدركه الصوم وهو مقـيـم رمضان ثم سافر, قالا: إن شاء أفطر.
وقال آخرون: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُم الشّهْرَ فَلْـيَصُمْهُ يعنـي فمن شهده عاقلاً بـالغا مكلفـا فلـيصمه. ومـمن قال ذلك أبو حنـيفة وأصحابه, كانوا يقولون: من دخـل علـيه شهر رمضان وهو صحيح عاقل بـالغ فعلـيه صومه, فإن جنّ بعد دخوله علـيه وهو بـالصفة التـي وصفنا ثم أفـاق بعد انقضائه لزمه قضاء ما كان فـيه من أيام الشهر مغلوبـا علـى عقله, لأنه كان مـمن شهده وهو مـمن علـيه فرض قالوا: وكذلك لو دخـل علـيه شهر رمضان وهو مـجنون إلا أنه مـمن لو كان صحيح العقل كان علـيه صومه, فلن ينقضي الشهر حتـى صحّ وبرأ أو أفـاق قبل انقضاء الشهر بـيوم أو أكثر من ذلك, فإن علـيه قضاء صوم الشهر كله سوى الـيوم الذي صامه بعد إفـاقته, لأنه مـمن قد شهد الشهر قالوا: ولو دخـل علـيه شهر رمضان وهو مـجنون فلـم يفق حتـى انقضى الشهر كله ثم أفـاق لـم يـلزمه قضاء شيء منه, لأنه لـم يكن مـمن شهده مكلفـا صومه وهذا تأويـل لا معنى له, لأن الـجنون إن كان يسقط عمن كان به فرض الصوم من أجل فقد صاحبه عقله جميع الشهر فقد يجب أن يكون ذلك سبـيـل كل من فقد عقله جميع شهر الصوم. وقد أجمع الـجميع علـى أن من فقد عقله جميع شهر الصوم بإغماء أو برسام ثم أفـاق بعد انقضاء الشهر أن علـيه قضاء الشهر كله, ولـم يخالف ذلك أحد يجوز الاعتراض به علـى الأمة وإذا كان إجماعا فـالواجب أن يكون سبـيـل كل من كان زائل العقل جميع شهر الصوم سبـيـل الـمغمى علـيه. وإذا كان ذلك كذلك كان معلوما أن تأويـل الآية غير الذي تأوّلها قائلو هذه الـمقالة من أنه شهود الشهر أو بعضه مكلفـا صومه. وإذا بطل ذلك فتأويـل الـمتأوّل الذي زعم أن معناه: فمن شهد أوله مقـيـما حاضرا فعلـيه صوم جميعه أبطلُ وأفسدُ لتظاهر الأخبـار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه خرج عام الفتـح من الـمدينة فـي شهر رمضان بعد ما صام بعضه وأفطر وأمر أصحابه بـالإفطار.
2301ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا أبو الأحوص, عن منصور, عن مـجاهد, عن ابن عبـاس, قال: «سافر رسول الله صلى الله عليه وسلم فـي رمضان من الـمدينة إلـى مكة, حتـى إذا أتـى عسفـان نزل به, فدعا بإناء فوضعه علـى يده لـيراه الناس, ثم شربه».
2302ـ حدثنا ابن حميد وسفـيان بن وكيع قالا: حدثنا جرير, عن منصور, عن مـجاهد, عن طاوس, عن ابن عبـاس, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنـحوه.
2303ـ حدثنا هناد, حدثنا عبـيدة, عن منصور, عن مـجاهد, عن طاوس, عن ابن عبـاس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنـحوه.
2304ـ حدثنا هناد وأبو كريب, قالا: حدثنا يونس بن بكير, قال: حدثنا ابن إسحاق, قال حدثنـي الزهري, عن عبـيد الله بن عبد الله بن عتبة, عن ابن عبـاس قال: مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم لسفره عام الفتـح لعشر مضين من رمضان, فصام رسول الله صلى الله عليه وسلم وصام الناس معه, حتـى إذا أتـى الكديد ما بـين عسفـان وأمَـج وأفطر.
2305ـ حدثنا هناد وأبو كريب, قالا: حدثنا عبدة, عن مـحمد بن إسحاق, عن الزهري, عن عبـيد الله بن عبد الله, عن ابن عبـاس قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لعشر أو لعشرين مضت من رمضان عام الفتـح, فصام حتـى إذا كان بـالكديد أفطر.
2306ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا سالـم بن نوح, قال: حدثنا عمر بن عامر, عن قتادة, عن أبـي نضرة, عن أبـي سعيد الـخدري, قال: خرجنا مع النبـي صلى الله عليه وسلم لثمان عشرة مضت من رمضان, فمنا الصائم, ومنا الـمفطر, فلـم يعب الـمفطر علـى الصائم, ولا الصائم علـى الـمفطر.
فإذا كانا فـاسدين هذان التأويلان بـما علـيه دللنا من فسادهما, فتبـين أن الصحيح من التأويـل هو الثالث, وهو قول من قال: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُم الشّهْرَ فَلْـيَصُمْهُ جميع ما شهد منه مقـيـما, ومن كان مريضا أو علـى سفر فعدّة من أيام أخر.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: ومَنْ كانَ مَرِيضا أوْ علـى سَفَرٍ فَعِدّةٌ مِنْ أيّامٍ أُخَر يعنـي الله تعالـى ذكره بذلك: ومن كان مريضا أو علـى سفر فـي الشهر فأفطر فعلـيه صيام عدّة الأيام التـي أفطرها من أيام أخر غير أيام شهر رمضان.
ثم اختلف أهل العلـم فـي الـمرض الذي أبـاح الله معه الإفطار وأوجب معه عدّة من أيام أخر فقال بعضهم: هو الـمرض الذي لا يطيق صاحبه معه القـيام لصلاته. ذكر من قال ذلك:
2307ـ حدثنا معاذ بن شعبة البصري, قال: حدثنا شريك, عن مغيرة, عن إبراهيـم وإسماعيـل بن مسلـم, عن الـحسن أنه قال: إذا لـم يستطع الـمريض أن يصلـي قائما أفطر.
2308ـ حدثنـي يعقوب قال: حدثنا هشيـم, عن مغيرة أو عبـيدة, عن إبراهيـم فـي الـمريض إذا لـم يستطع الصلاة قائما: فلـيفطر يعنـي فـي رمضان.
2309ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا حفص بن غياث, عن إسماعيـل, قال: سألت الـحسن: متـى يفطر الصائم؟ قال: إذا جهده الصوم, قال: إذا لـم يستطع أن يصلـي الفرائض كما أُمر.
وقال بعضهم: وهو كل مرض كان الأغلب من أمر صاحبه بـالصوم الزيادة فـي علته زيادة غير مـحتـملة وذلك هو قول مـحمد بن إدريس الشافعي, حدثنا بذلك عنه الربـيع.
وقال آخرون: وهو (كل) مرض يسمى مرضا. ذكر من قال ذلك:
2310ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا الـحسن بن خالد الربعي, قال: حدثنا طريف بن تـمام العطاردي, أنه دخـل علـى مـحمد بن سيرين فـي رمضان وهو يأكل فلـم يسأله, فلـما فرغ قال: إنه وجعت إصبعي هذه.
والصواب من القول فـي ذلك عندنا, أن الـمرض الذي أذن الله تعالـى ذكره بـالإفطار معه فـي شهر رمضان من كان الصوم جاهده جهدا غير مـحتـمل, فكل من كان كذلك فله الإفطار وقضاء عدّة من أيام أخر وذلك أنه إذا بلغ ذلك الأمر, فإن لـم يكن مأذونا له فـي الإفطار فقد كلف عسرا ومنع يسرا, وذلك غير الذي أخبر الله أنه أراده بخـلقه بقوله: يُريدُ اللّهُ بِكُمُ الـيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ. وأما من كان الصوم غير جاهده, فهو بـمعنى الصحيح الذي يطيق الصوم, فعلـيه أداء فرضه.
وأما قوله: فَعِدّةٌ مِنْ أيّامٍ أُخَر فإن معناها: أيام معدودة سوى هذه الأيام. وأما الأخر فإنها جمع أخرى بجمعهم الكبرى علـى الكبر والقربى علـى القرب.
فإن قال قائل: أو لـيست الأخر من صفة الأيام؟ قـيـل: بلـى فإن قال: أولـيس واحد الأيام يوم وهو مذكر؟ قـيـل: بلـى.
فإن قال: فكيف يكون واحد الأخر أخرى وهي صفة للـيوم ولـم يكن آخر؟ قـيـل: إن واحد الأيام وإن كان إذا نعت بواحد الأخر فهو آخر, فإن الأيام فـي الـجمع تصير إلـى التأنـيث فتصير نعوتها وصفـاتها كهيئة صفـات الـمؤنث, كما يقال: مضت الأيام جمع, ولا يقال: أجمعون, ولا أيام آخرون.
فإن قال لنا قائل: فإن الله تعالـى قال: فَمَنْ كانَ مِنْكُمِ مَرِيضا أوْ علـى سَفَرٍ فَعِدّةٌ مِنْ أيّامٍ أُخَر ومعنى ذلك عندك: فعلـيه عدة من أيام أخر كما قد وصفت فـيـما مضى. فإن كان ذلك تأويـله, فما قولك فـيـمن كان مريضا أو علـى سفر فصام الشهر وهو مـمن له الإفطار, أيجزيه ذلك من صيام عدّة من أيام أخر, أو غير مـجزيه ذلك؟ وفرض صوم عدة من أيام أخر ثابت علـيه بهيئته وإن صام الشهر كله, وهل لـمن كان مريضا أو علـى سفر صيام شهر رمضان, أم ذلك مـحظور علـيه, وغير جائز له صومه, والواجب علـيه الإفطار فـيه حتـى يقـيـم هذا ويبرأ هذا؟ قـيـل: قد اختلف أهل العلـم فـي كل ذلك, ونـحن ذاكرو اختلافهم فـي ذلك, ومخبرون بأولاه بـالصواب إن شاء الله.
فقال بعضهم: الإفطار فـي الـمرض عزمة من الله واجبة, ولـيس بترخيص. ذكر من قال ذلك:
2311ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا ابن أبـي عديّ, وحدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا ابن علـية جميعا, عن سعيد, عن قتادة, عن جابر بن زيد, عن ابن عبـاس, قال: الإفطار فـي السفر عزمة.
2312ـ حدثنـي مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا وهب بن جرير, قال: أخبرنا سعيد, عن يعلـى, عن يوسف بن الـحكم, قال: سألت ابن عمر, أو سئل عن الصوم فـي السفر, فقال: أرأيت لو تصدقت علـى رجل بصدقة فردّها علـيك ألـم تغضب؟ فإنها من الله تصدق صدقة بها علـيكم.
2313ـ حدثنا نصر بن عبد الرحمن الأزدي, قال: حدثنا الـمـحاربـي عن عبد الـملك بن حميد, قال: قال أبو جعفر كان أبـي لا يصوم فـي السفر وينهى عنه.
2314ـ وحدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يحيى بن واضح, قال: حدثنا عبـيد, عن الضحاك: أنه كره الصوم فـي السفر.
وقال أهل هذه الـمقالة: من صام فـي السفر فعلـيه القضاء إذا قام. ذكر من قال ذلك:
2315ـ حدثنا نصر بن علـي الـخثعمي, قال: حدثنا مسلـم بن إبراهيـم قال: حدثنا ربـيعة بن كلثوم, عن أبـيه, عن رجل: أن عمر أمر الذي صام فـي السفر أن يعيد.
2316ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن أبـي عديّ, عن سعيد بن عمرو بن دينار, عن رجل من بنـي تـميـم عن أبـيه, قال: أمر عمر رجلاً صام فـي السفر أن يعيد صومه.
2317ـ حدثنـي ابن حميد الـحمصي, قال: حدثنا علـيّ بن معبد, عن عبـيد الله بن عمرو, عن عبد الكريـم, عن عطاء, عن الـمـحرر بن أبـي هريرة, قال: كنت مع أبـي فـي سفر فـي رمضان, فكنت أصوم ويفطر, فقال لـي أبـي: أما إنك إذا أقمت قضيت.
2318ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا سلـيـمان بن داود, قال: حدثنا شعبة, عن عاصم مولـى قريبة, قال: سمعت عروة يأمر رجلاً صام فـي السفر أن يقضي.
2319ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا عبد الصمد, قال: حدثنا شعبة, عن عاصم مولـى قريبة أن رجلاً صام فـي السفر فأمره عروة أن يقضي.
2320ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن صبـيح, قال: حدثنا ربـيعة بن كلثوم, عن أبـيه كلثوم: أن قوما قدموا علـى عمر بن الـخطاب وقد صاموا رمضان فـي سفر, فقال لهم: والله لكأنكم كنتـم تصومون فقالوا: والله يا أمير الـمؤمنـين لقد صمنا, قال: فأطقتـموه؟ قالوا: نعم, قال: فـاقضوه فـاقضوه فـاقضوه.
وعلة من قال هذه الـمقالة أن الله تعالـى ذكره فرض بقوله: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُم الشّهْرَ فَلْـيَصُمْهُ صوم شهر رمضان علـى من شهده مقـيـما غير مسافر, وجعل علـى من كان مريضا أو مسافرا صوم عدّة من أيام أخر غير أيام شهر رمضان بقوله: ومَنْ كانَ مَرِيضا أوْ علـى سَفَرٍ فَعِدّةٌ مِنْ أيّامٍ أُخَر قالوا: فكما غير جائز للـمقـيـم إفطار أيام شهر رمضان وصوم عدة أيام أخر مكانها, لأن الذي فرضه الله علـيه بشهوده الشهر صوم الشهر دون غيره, فكذلك غير جائز لـمن لـم يشهده من الـمسافرين مقـيـما صومه, لأن الذي فرضه الله علـيه عدة من أيام أخر واعتلوا أيضا من الـخبر بـما:
2321ـ حدثنا به مـحمد بن عبد الله بن سعيد الواسطي, قال: حدثنا يعقوب بن مـحمد الزهري, قال: حدثنا عبـيد الله بن موسى, عن أسامة بن زيد, عن الزهري, عن أبـي سلـمة بن عبد الرحمن, عن عبد الرحمن بن عوف, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الصّائِمُ فـي السّفَرِ كالـمُفْطِرِ فـي الـحَضَر».
2322ـ حدثنـي مـحمد بن عبـيد الله بن سعيد, قال: حدثنا يزيد بن عياض, عن الزهري, عن أبـي سلـمة بن عبد الرحمن, عن أبـيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الصّائمُ فـي السّفَر كالـمُفْطِرِ فـي الـحَضَر».
وقال آخرون: إبـاحة الإفطار فـي السفر رخصة من الله تعالـى ذكره رخصها لعبـاده, والفرض الصوم, فمن صام فرضه أدّى, ومن أفطر فبرخصة الله له أفطر قالوا: وإن صام فـي سفر فلا قضاء علـيه إذا أقام. ذكر من قال ذلك:
2323ـ حدثنا ابن البشار, قال: حدثنا عبد الوهاب, قال: حدثنا أيوب, قال: حدثنا عروة وسالـم أنهما كانا عند عمر بن عبد العزيز إذ هو أمير علـى الـمدينة فتذاكروا الصوم فـي السفر, قال سالـم: كان ابن عمر لا يصوم فـي السفر, وقال عروة: وكانت عائشة تصوم, فقال سالـم: إنـما أخذت عن ابن عمر, وقال عروة: إنـما أخذت عن عائشة حتـى ارتفعت أصواتهما, فقال عمر بن عبد العزيز: اللهم عفوا إذا كان يسرا فصوموا, وإذا كان عسرا فأفطروا.
2324ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا ابن علـية, عن أيوب, قال: حدثنـي رجل, قال: ذكر الصوم فـي السفر عند عمر بن عبد العزيز, ثم ذكر نـحو حديث ابن بشار.
2325ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا ابن علـية, عن مـحمد بن إسحاق, وحدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن إدريس حدثنا ابن إسحاق, عن الزهري, عن سالـم بن عبد الله, قال: خرج عمر بن الـخطاب فـي بعض أسفـاره فـي لـيال بقـيت من رمضان, فقال: إن الشهر قد تشعشع قال أبو كريب فـي حديثه أو تسعسع, ولـم يشك يعقوب فلو صمنا فصام وصام الناس معه ثم أقبل مرة قافلاً حتـى إذا كان بـالروحاء أهلّ هلال شهر رمضان, فقال إن الله قد قضى السفر, فلو صمنا ولـم نثلـم شهرنا قال: فصام وصام الناس معه.
2326ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا الـحكم بن بشير, قال: حدثنـي أبـي, وحدثنا مـحمد بن بشار, قال: أخبرنا عبـيد الله, قال: أخبرنا بشير بن سلـمان, عن خيثمة, قال: سألت أنس بن مالك عن الصوم فـي السفر, قال: قد أمرت غلامي أن يصوم فأبى. قلت: فأين هذه الآية: ومَنْ كانَ مَرِيضا أوْ علـى سَفَرٍ فَعِدّةٌ مِنْ أيّامٍ أُخَر؟ قال: نزلت ونـحن يومئذ نرتـحل جياعا وننزل علـى غير شبع, وإنا الـيوم نرتـحل شبـاعا وننزل علـى شبع.
2327ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا وكيع: عن بشير بن سلـمان, عن خيثمة, عن أنس نـحوه.
2328ـ حدثنا هناد وأبو السائب قالا: حدثنا أبو معاوية, عن عاصم, عن أنس أنه سئل عن الصوم فـي السفر فقال: من أفطر فبرخصة الله, ومن صام فـالصوم أفضل.
2329ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا أبو أسامة, عن أشعث بن عبد الـملك, عن مـحمد بن عثمان بن أبـي العاص, قال: الفطر فـي السفر رخصة, والصوم أفضل.
2330ـ حدثنا الـمثنى, قال: حدثنا عبد الصمد, قال: حدثنا شعبة, قال: حدثنا أبو الفـيض, قال: كان علـيّ علـينا أمير بـالشام, فنهانا عن الصوم فـي السفر, فسألت أبـا قرصافة رجلاً من أصحاب النبـي صلى الله عليه وسلم من بنـي لـيث قال عبد الصمد: سمعت رجلاً من قومه يقول: إنه واثلة بن الأسقع قال لو صمت فـي السفر ما قضيت.
2331ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا وكيع, عن بسطام بن مسلـم, عن عطاء قال: إن صمتـم أجزأ عنكم وإن أفطرتـم فرخصة.
2332ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا وكيع, عن كهمس, قال: سألت سالـم بن عبد الله عن الصوم فـي السفر, فقال: إن صمتـم أجزأ عنكم, وإن أفطرتـم فرخصة.
2333ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا عبد الرحيـم, عن طلـحة بن عمرو, عن عطاء, قال: من صام فحقّ أدّاه, ومن أفطر فرخصة أخذ بها.
2334ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا وكيع, عن سفـيان, عن حماد, عن سعيد بن جبـير, قال: الفطر فـي السفر رخصة, والصوم أفضل.
2335ـ حدثنا هناد قال: حدثنا أبو معاوية, عن حجاج, عن عطاء, قال: هو تعلـيـم, ولـيس بعزم, يعنـي قول الله: ومَنْ كانَ مَرِيضا أوْ علـى سَفَرٍ فَعِدّةٌ مِنْ أيّامٍ أُخَر إن شاء صام, وإن شاء لـم يصم.
2336ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا أبو أسامة, عن هشام, عن الـحسن فـي الرجل يسافر فـي رمضان, قال: إن شاء صام, وإن شاء أفطر.
2337ـ حدثنا حميد بن مسعدة. قال: حدثنا سفـيان بن حبـيب, قال: حدثنا العوّام بن حوشب, قال: قلت لـمـجاهد: الصوم فـي السفر؟ قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم فـيه ويفطر, قال: قلت فأيهما أحبّ إلـيك؟ قال: إنـما هي رخصة, وأن تصوم رمضان أحبّ إلـيّ.
2338ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن حماد, عن سعيد بن جبـير وإبراهيـم ومـجاهد أنهم قالوا: الصوم فـي السفر, إن شاء صام وإن شاء أفطر, والصوم أحبّ إلـيهم.
2339ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن أبـي إسحاق, قال: قال لـي مـجاهد فـي الصوم فـي السفر, يعنـي صوم رمضان: والله ما منهما إلا حلال الصوم والإفطار, وما أراد الله بـالإفطار إلا التـيسير لعبـاده.
2340ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن الأشعث بن سلـيـم, قال: صحبت أبـي والأسود بن يزيد وعمرو بن ميـمون وأبـا وائل إلـى مكة, وكانوا يصومون رمضان وغيره فـي السفر.
2341ـ حدثنا علـيّ بن حسن الأزدي. قال: حدثنا معافـى بن عمران, عن سفـيان, عن حماد, عن سعيد بن جبـير: الفطر فـي السفر رخصة, والصوم أفضل.
2342ـ حدثنـي مـحمد بن عبد الله بن سعيد الواسطي, قال: حدثنا يعقوب, قال: حدثنا صالـح بن مـحمد بن صالـح, عن أبـيه قال: قلت للقاسم بن مـحمد: إنا نسافر فـي الشتاء فـي رمضان, فإن صمت فـيه كان أهون علـيّ من أن أقضيه فـي الـحر. فقال: قال الله: يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الـيُسْرَ ولاَ يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ ما كان أيسر علـيك فـافعل.
وهذا القول عندنا أولـى بـالصواب لإجماع الـجميع علـى أن مريضا لو صام شهر رمضان وهو مـمن له الإفطار لـمرضه أن صومه ذلك مـجزىء عنه, ولا قضاء علـيه إذا برأ من مرضه بعدة من أيام أخر, فكان معلوما بذلك أن حكم الـمسافر حكمه فـي أن لا قضاء علـيه إن صامه فـي سفره, لأن الذي جعل للـمسافر من الإفطار وأمر به من قضاء عدة من أيام أخر مثل الذي جعل من ذلك للـمريض وأمر به من القضاء.
ثم فـي دلالة الآية كفـاية مغنـية عن استشهاد شاهد علـى صحته ذلك بغيرها, وذلك قول الله تعالـى ذكره: يُريدُ الله بِكُم الـيُسْرَ ولاَ يُرِيدُ بِكُم العُسْرَ ولا عسر أعظم من أن يـلزم من صامه فـي سفره عدة من أيام أخر, وقد تكلف أداء فرضه فـي أثقل الـحالـين علـيه حتـى قضاه وأدّاه.
فإن ظنّ ذو غبـاوة أن الذي صامه لـم يكن فرضه الواجب, فإن فـي قول الله تعالـى ذكره: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَـيْكُمُ الصّيامُ, شَهْرُ رَمَضَانَ الّذِي أُنْزِلَ فـيهِ القُرآنُ ما ينبىء أن الـمكتوب صومه من الشهور علـى كل مؤمن هو شهر رمضان مسافرا كان أو مقـيـما, لعموم الله تعالـى ذكره الـمؤمنـين بذلك بقوله: يا أيّها الّذين آمَنُوا كُتِبَ عَلَـيْكُمُ الصّيامُ شَهْرُ رَمَضَانَ وأن قوله: ومَنْ كانَ مَرِيضا أوْ علـى سَفَرٍ فَعِدّةٌ مِنْ أيّامٍ أُخَر معناه: ومن كان مريضا أو علـى سفر فأفطر برخصة الله فعلـيه صوم عدة أيام أخر مكان الأيام التـي أفطر فـي سفره أو مرضه.
ثم فـي تظاهر الأخبـار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله إذا سئل عن الصوم فـي السفر: «إن شِئْتَ فَصُمْ, وَإِنْ شِئْتَ فَأَفْطِرْ», الكفـاية الكافـية عن الاستدلال علـى صحة ما قلنا فـي ذلك بغيره.
2343ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا عبد الرحيـم ووكيع, وعبدة بن هشام بن عروة, عن أبـيه, عن عائشة: أن حمزة سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصوم فـي السفر, وكان يسرد الصوم, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنْ شِئْتَ فَصُمْ وَإنْ شِئْتَ فَأفْطِرْ».
2344ـ حدثنا أبو كريب وعبـيد بن إسماعيـل الهبـاري قالا: حدثنا ابن إدريس, قال: حدثنا هشام بن عروة, عن أبـيه أن حمزة سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم, فذكر نـحوه.
2345ـ حدثنـي مـحمد بن عبد الله بن عبد الـحكم, قال: حدثنا أبو زرعة وهب الله بن راشد, قال: أخبرنا حيوة بن شريح, قال: أخبرنا أبو الأسود أنه سمع عروة بن الزبـير يحدث عن أبـي مراوح عن حمزة الأسلـمي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: يا رسول الله إنـي أسرد الصوم فأصوم فـي السفر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إنّـمَا هي رُخْصَةٌ مِنَ الله لِعِبَـادِهِ, فَمَنْ فَعَلْها فَحَسَنٌ جَمِيـلٌ, وَمَنْ تَرَكَها فَلا جُناحَ عَلَـيْ» فكان حمزة يصوم الدهر, فـيصوم فـي السفر والـحضر وكان عروة بن الزبـير يصوم الدهر, فـيصوم فـي السفر والـحضر, حتـى إن كان لـيـمرض فلا يفطر وكان أبو مراوح يصوم الدهر, فـيصوم فـي السفر والـحضر.
ففـي هذا مع نظائره من الأخبـار التـي يطول بـاستـيعابها الكتاب الدلالة الدالة علـى صحة ما قلنا من أن الإفطار رخصة لا عزم, والبـيان الواضح علـى صحة ما قلنا فـي تأويـل قوله: ومَنْ كانَ مَرِيضا أوْ علـى سَفَرٍ فَعِدّةٌ مِنْ أيّامٍ أُخَر.
فإن قال قائل: فإن الأخبـار بـما قلت وإن كانت متظاهرة, فقد تظاهرت أيضا بقوله: «لَـيْسَ مِنَ الْبِرّ الصّيامُ فـي السّفَر»؟. قـيـل: إن ذلك إذا كان صيام فـي مثل الـحال التـي جاء الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال فـي ذلك لـمن قال له.
2346ـ حدثنا الـحسين بن يزيد السبـيعي, قال: حدثنا ابن إدريس, عن مـحمد بن عبد الرحمن, عن مـحمد بن عمرو بن الـحسن, عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً فـي سفره قد ظُلّل علـيه, وعلـيه جماعة, فقال: «مَنْ هَذَا؟» قالوا: صائم, قال: «لَـيْسَ مِنَ البِرّ الصّوْمُ فِـي السّفَر».
قال أبو جعفر: أخشى أن يكون هذا الشيخ غلط وبـين ابن إدريس ومـحمد بن عبد الرحمن شعبة.
2347ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن مـحمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصاري, عن مـحمد بن عمرو بن الـحسن بن علـيّ, عن جابر بن عبد الله, قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً قد اجتـمع الناس علـيه, وقد ظُلّل علـيه, فقالوا: هذا رجل صائم, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَـيْسَ مِنَ الْبِرّ أنْ تَصُومُوا فِـي السّفَر».
فمن بلغ منه الصوم ما بلغ من الذي قال له النبـي صلى الله عليه وسلم, ذلك, فلـيس من البرّ صومه لأن الله تعالـى ذكره قد حرم علـى كل أحد تعريض نفسه لـما فـيه هلاكها, وله إلـى نـجاتها سبـيـل, وإنـما يطلب البرّ بـما ندب الله إلـيه وحضّ علـيه من الأعمال لا بـما نهى عنه.
وأما الأخبـار التـي رويت عنه صلى الله عليه وسلم من قوله: «الصّائِمُ فـي السّفَرَ كالـمُفْطِر فـي الـحَضَر» فقد يحتـمل أن يكون قـيـل لـمن بلغ منه الصوم ما بلغ من هذا الذي ظلل علـيه إن كان كان قبل ذلك, وغير جائز علـيه أن يضاف إلـى النبـي صلى الله عليه وسلم قِـيـلُ ذلك, لأن الأخبـار التـي جاءت بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم واهية الأسانـيد لا يجوز الاحتـجاج بها فـي الدين.
فإن قال قائل: وكيف عطف علـى الـمريض وهو اسم بقوله: أوْ عَلـى سَفَرٍ و «علـى» صفة لا اسم؟ قـيـل: جاز أن ينسق بعلـى علـى الـمريض, لأنها فـي معنى الفعل, وتأويـل ذلك: أو مسافرا, كما قال تعالـى ذكره: دَعانا لِـجَنْبِه أوْ قاعِدا أو قائما فعطف بـالقاعد والقائم علـى اللام التـي فـي لـجنبه, لأن معناها الفعل, كأنه قال: دعانا مضطجعا أو قاعدا أو قائما.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الـيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ.
يعنـي تعالـى ذكره بذلك: يريد الله بكم أيها الـمؤمنون بترخيصه لكم فـي حال مرضكم وسفركم فـي الإفطار, وقضاء عدّة أيام أخر من الأيام التـي أفطرتـموها بعد أقامتكم وبعد برئكم من مرضكم التـخفـيف علـيكم, والتسهيـل علـيكم لعلـمه بـمشقة ذلك علـيكم فـي هذه الأحوال. وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ يقول: ولا يريد بكم الشدة والـمشقة علـيكم, فـيكفلكم صوم الشهر فـي هذه الأحوال, مع علـمه شدة ذلك علـيكم وثقل حمله علـيكم لو حملكم صومه. كما:
2348ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: حدثنا معاوية بن صالـح, عن علـي بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس: يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الـيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ قال: الـيسر: الإفطار فـي السفر, والعسر: الصيام فـي السفر.
2349ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن أبـي حمزة, قال: سألت ابن عبـاس عن الصوم فـي السفر, فقال: يسر وعسر, فخذ بـيسر الله.
2350ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا سويد بن نصر, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, عن شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي قول الله: يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الـيُسْرَ قال: هو الإفطار فـي السفر, وجعل عدّة من أيام أخر, وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ.
2351ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الـيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ فأريدوا لأنفسكم الذي أراد الله لكم.
2352ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا سويد, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, عن ابن عيـينة, عن عبد الكريـم الـجزري عن طاوس, عن ابن عبـاس قال: لا تعب علـى من صام ولا علـى من أفطر, يعنـي فـي السفر فـي رمضان يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الـيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ.
2353ـ حدثت عن الـحسين بن الفرج, قال: حدثنا الفضيـل بن خالد, قال: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان, قال سمعت الضحاك بن مزاحم فـي قوله: يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الـيُسْرَ الإفطار فـي السفر, وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ الصيام فـي السفر.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَلِتُكْمِلُوا العِدّة.
يعنـي تعالـى ذكره بذلك: وَلِتُكْمِلُوا العِدّة عدّة ما أفطرتـم من أيام أخر أوجبت علـيكم قضاء عدّة من أيام أخر بعد برئكم من مرضكم, أو إقامتكم من سفركم. كما:
2354ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا سويد بن نصر, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, عن جويبر, عن الضحاك فـي قوله: وَلِتُكْمِلُوا العِدّة قال: عدة ما أفطر الـمريض والـمسافر.
2355ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: وَلِتُكْمِلُوا العِدّة قال: إكمال العدة: أن يصوم ما أفطر من رمضان فـي سفر أو مرض إلـى أن يتـمه, فإذا أتـمه فقد أكمل العدة.
فإن قال قائل: ما الذي علـيه بهذه الواو التـي فـي قوله: وَلِتُكْمِلُوا العِدّة عَطَفَتْ؟ قـيـل: اختلف أهل العربـية فـي ذلك, فقال بعضهم: هي عاطفة علـى ما قبلها كأنه قـيـل: ويريد لتكلـموا العدة ولتكبروا الله.
وقال بعض نـحويـي الكوفة: وهذه اللام التـي فـي قوله: وَلِتُكْمِلُوا لام كي, لو ألقـيت كان صوابـا. قال: والعرب تدخـلها فـي كلامها علـى إضمار فعل بعدها, ولا تكون شرطا للفعل الذي قبلها وفـيها الواو ألا ترى أنك تقول: جئتك لتـحسن إلـيّ, ولا تقول: جئتك ولتـحسن إلـيّ فإذا قلته فأنت تريد: ولتـحسن جئتك. قال: وهذا فـي القرآن كثـير, منه قوله: وَلِتَصْغَى إلَـيْهِ أفئِدَةُ وقوله: وكذَلِكَ نُرِي إبْرَاهِيـمَ مَلَكُوتَ السّمَوَات وَالأرْضِ وَلِـيَكُونَ مِنَ الـمُوقِنـين لو لـم تكن فـيه الواو كان شرطا علـى قولك: أريناه ملكوت السموات والأرض لـيكون, فإذا كانت الواو فـيها فلها فعل مضمر بعدها, و «لـيكون من الـموقنـين» أريناه. وهذا القول أولـى بـالصواب فـي العربـية, لأن قوله: وَلِتُكْمِلُوا العِدّة لـيس قبله لام بـمعنى التـي فـي قوله: وَلِتُكْمِلُوا العِدّة فتعطف بقوله: وَلِتُكْمِلُوا العِدّة علـيها, وإن دخول الواو معها يؤذن بأنها شرط لفعل بعدها, إذ كانت الواو لو حذفت كانت شرطا لـما قبلها من الفعل.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَلِتُكَبّرُوا اللّهَ علـى ما هَدَاكُمْ.
يعنـي تعالـى ذكره: ولتعظموا الله بـالذكر له بـما أنعم علـيكم به من الهداية التـي خذل عنها غيركم من أهل الـملل الذين كتب علـيهم من صوم شهر رمضان مثل الذي كتب علـيكم فـيه, فضلوا عنه بإضلال الله إياهم, وخصكم بكرامته فهداكم له, ووفقكم لأداء ما كتب الله علـيكم من صومه, وتشكروه علـى ذلك بـالعبـادة له. والذكر الذي خصهم الله علـى تعظيـمه به التكبـير يوم الفطر فـيـما تأوّله جماعة من أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
2356ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا سويد بن نصر, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, عن داود بن قـيس, قال: سمعت زيد بن أسلـم يقول: وَلِتُكَبّرُوا اللّهَ علـى ما هَدَاكُمْ قال: إذا رأى الهلال, فـالتكبـير من حين يرى الهلال حتـى ينصرف الإمام فـي الطريق والـمسجد إلا أنه إذا حضر الإمام كفّ فلا يكبر إلا بتكبـيره.
2357ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا سويد, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, قال: سمعت سفـيان يقول: وَلِتُكَبّرُوا اللّهَ علـى ما هَدَاكُمْ قال: بلغنا أنه التكبـير يوم الفطر.
2358ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد: كان ابن عبـاس يقول: حقّ علـى الـمسلـمين إذا نظروا إلـى هلال شوّال أن يكبروا الله حتـى يفرغوا من عيدهم لأن الله تعالـى ذكره يقول: وَلِتُكْمِلُوا العِدّة وَلِتُكَبّرُوا اللّهَ علـى ما هَدَاكُمْ قال ابن زيد: ينبغي لهم إذا غدوا إلـى الـمصلـى كبروا, فإذا جلسوا كبروا, فإذا جاء الإمام صمتوا, فإذا كبر الإمام كبروا, ولا يكبرون إذا جاء الإمام إلا بتكبـيره, حتـى إذا فرغ وانقضت الصلاة فقد انقضى العيد. قال يونس: قال ابن وهب: قال عبد الرحمن بن زيد: والـجماعة عندنا علـى أن يغدوا بـالتكبـير إلـى الـمصلـى.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَلَعَلّكُمْ تَشْكُرونَ.
يعنـي تعالـى ذكره بذلك: ولتشكروا الله علـى ما أنعم به علـيكم من الهداية والتوفـيق. وتـيسير ما لو شاء عسر علـيكم. و «لعل» فـي هذا الـموضع بـمعنى «كي», ولذلك عطف به علـى قوله: وَلِتُكْمِلُوا العِدّة وَلِتُكَبّرُوا اللّهَ علـى ما هَدَاكُمْ وَلَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ.
الآية : 186
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنّي فَإِنّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلّهُمْ يَرْشُدُونَ }
يعنـي تعالـى ذكره بذلك: وإذا سألك يا مـحمد عبـادي عنـي أين أنا؟ فإنـي قريب منهم أسمع دعاءهم, وأجيب دعوة الداعي منهم.
وقد اختلفوا فـيـما أنزلت فـيه هذه الآية, فقال بعضهم: نزلت فـي سائل سأل النبـي صلى الله عليه وسلم, فقال: يا مـحمد أقريب ربنا فنناجيه, أم بعيد فنناديه؟ فأنزل الله وإذَا سألَكَ عِبَـادِي عَنّـي فإِنـي قَريبٌ أُجِيبُ... الآية.
2359ـ حدثنا بذلك ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن عبدة السجستانـي, عن الصلت بن حكيـم, عن أبـيه, عن جده.
2360ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا جعفر بن سلـيـمان عن عوف, عن الـحسن, قال: سأل أصحاب النبـي صلى الله عليه وسلم النبـي صلى الله عليه وسلم: أين ربنا؟ فأنزل الله تعالـى ذكره: وَإذَا سألكَ عِبَـادي عَنّـي فإنّـي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ إذَا دَعان... الآية.
وقال آخرون: بل نزلت جوابـا لـمسئلة قوم سألوا النبـي صلى الله عليه وسلم: أيّ ساعة يدعون الله فـيها؟ ذكر من قال ذلك:
2361ـ حدثنا سفـيان بن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن سفـيان, عن ابن جريج, عن عطاء قال: لـما نزلت: وَقَالَ رَبّكُمُ ادْعُونِـي أسْتَـجِبْ لَكُمْ قالوا فـي أي ساعة؟ قال: فنزلت: وَإذَا سألَكَ عِبَـادِي عَنّـي فإنّـي قَرِيبٌ إلـى قوله: لَعَلّهُمْ يَرْشُدُون.
2362ـ حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي, قال: حدثنا أبو أحمد الزبـيري, قال: حدثنا سفـيان, عن ابن جريج, عن عطاء فـي قوله: أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ إذَا دَعان قالوا: لو علـمنا أيّ ساعة ندعو؟ فنزلت وإذَا سألَكَ عِبَـادِي عَنّـي فإنّـي قَرِيبٌ... الآية.
2363ـ حدثنـي القاسم قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنـي حجاج, عن ابن جريج, قال: زعم عطاء بن أبـي ربـاح أنه بلغه لـما نزلت: وَقالَ رَبّكُمُ ادْعُونـي أسْتَـجِيبْ لَكُمْ قال.الناس: لو نعلـم أي ساعة ندعو؟ فنزلت: وَإذَا سألكَ عِبـادي عَنّـي فإنّـي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ إذَا دَعان فَلْـيَسْتَـجيبُوا لـي وَلْـيْوءْمِنُوا بِـي لَعَلّهُمْ يَرْشُدُونَ.
2364ـ حدثنا موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال حدثنا أسبـاط, عن السدي: وَإذَا سألَكَ عِبَـادِي عَنّـي فإنّـي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعُوَةَ الدّاعِ إذَا دَعان قال: لـيس من عبد مؤمن يدعو الله إلا استـجاب له, فإن كان الذي يدعو به هو له رزق فـي الدنـيا أعطاه الله, وإن لـم يكن له رزقا فـي الدنـيا ذَخَرَهُ له إلـى يوم القـيامة, ودفع عنه به مكروها.
2365ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا اللـيث بن سعد, عن ابن صالـح, عمن حدثه أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما أُعْطيَ أحدٌ الدّعاءَ وَمُنِعَ الإجابةَ, لأنّ الله يَقُولُ: ادْعُونِـي أسْتَـجِبْ لَكم» ومعنى متأولـي هذا التأويـل: وإذا سألك عبـادي عنـي أيّ ساعة يدعوننـي فإنـي منهم قريب فـي كل وقت أجيب دعوة الداع إذا دعان.
وقال آخرون: بل نزلت جوابـا لقول قوم قالوا إذا قال الله لهم: ادْعُونـي أسْتَـجِبْ لَكُمْ إلـى أين ندعوه؟ ذكر من قال ذلك:
2366ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنـي حجاج, عن ابن جريج, قال مـجاهد: ادْعُونـي أسْتَـجِبْ لَكُمْ قالوا: إلـى أين؟ فنزلت: أيْنَـما تُوَلّوا فَثَمّ وَجْهُ اللّهِ إنّ اللّهَ وَاسِعٌ عَلِـيـم.
وقال آخرون: بل نزلت جوابـا لقوم قالوا: كيف ندعو؟ ذكر من قال ذلك:
2367ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة قال: ذكر لنا أنه لـما أنزل الله ادْعُونـي أَسْتَـجِبْ لَكُمْ قال رجال: كيف ندعو يا نبـي الله؟ فأنزل الله: وَإذَا سَأَلَكَ عِبَـادي عَنّـي فإنّـي قَرِيبٌ إلـى قوله: يَرْشُدُونَ.
وأما قوله: فَلْـيَسْتَـجِيبُوا لـي فإنه يعنـي: فلـيستـجيبوا لـي بـالطاعة, يقال منه: استـجبت له واستـجبته بـمعنى أجبته, كما قال كعب بن سعد الغنوي:
ودَاعٍ دَعا يا مَن يُجِيبُ إلـى النّدَىفلَـمْ يَتَـجِهُ عندَ ذَاكَ مُـجِيبُ
يريد: فلـم يجبه. وبنـحو ما قلنا فـي ذلك قال مـجاهد وجماعة غيره.
2389حدثنا القاسم, قال حدثنا الـحسين, قال: حدثنـي الـحجاج, عن ابن جريج, قال: قال مـجاهد قوله: فَلْـيَسْتَـجِيبُوا لـي قال: فلـيطيعوا لـي, قال: الاستـجابة: الطاعة.
2368ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا حبـان بن موسى, قال: سألت عبد الله بن الـمبـارك عن قوله: فَلْـيَسْتَـجِيبُوا لـي قال: طاعة الله.
وقال بعضهم: معنى فَلْـيَسْتَـجِيبُوا لـي فلـيدعونـي. ذكر من قال ذلك:
2369ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنـي منصور بن هارون, عن أبـي رجاء الـخراسانـي, قال فَلْـيَسْتَـجِيبُوا لـي: فلـيدعونـي.
وأما قوله: وَلْـيُوءْمِنُوا بِـي فإنه يعنـي: ولـيصدقوا, أي ولـيؤمنوا بـي إذا هم استـجابوا لـي بـالطاعة أنـي لهم من وراء طاعتهم لـي فـي الثواب علـيها وإجزالـي الكرامة لهم علـيها.
وأما الذي تأول قوله: فَلْـيَسْتَـجِيبُوا لـي أي بـمعنى فلـيدعونـي, فإنه كان يتأول قوله: وَلْـيُوءْمِنُوا بـي: ولـيؤمنوا بـي أنـي أستـجيب لهم. ذكر من قال ذلك:
2370ـ حدثنا القاسم, حدثنا الـحسين, قال: حدثنـي منصور بن هارون, عن أبـي رجاء الـخراسانـي: وَلْـيُوءْمِنُوا بـي يقول: أنـي أستـجيب لهم.
وأما قوله: لَعَلّهُمْ يَرْشُدُونَ فإنه يعنـي: فلـيستـجيبوا لـي بـالطاعة, ولـيؤمنوا بـي فـيصدّقوا علـى طاعتهم إياي بـالثواب منـي لهم ولـيهتدوا بذلك من فعلهم فـيرشدوا كما:
2371ـ حدثنـي به الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الرحمن بن سعد, قال حدثنا أبو جعفر, عن الربـيع فـي قوله: لَعَلّهُمْ يَرْشُدُونَ يقول: لعلهم يهتدون.
فإن قال لنا قائل: وما معنى هذا القول من الله تعالـى ذكره؟ فأنت ترى كثـيرا من البشر يدعون الله فلا يجاب لهم دعاء وقد قال: أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ إذَا دَعانِ؟ قـيـل: إن لذلك وجهين من الـمعنى: أحدهما أن يكون معنـيا بـالدعوة العمل بـما ندب الله إلـيه وأمر به, فـيكون تأويـل الكلام: وإذا سألك عبـادي عنـي فإنـي قريب مـمن أطاعنـي وعمل بـما أمرته به أجيبه بـالثواب علـى طاعته إياي إذا أطاعنـي. فـيكون معنى الدعاء مسألة العبد ربه وما وعد أولـياؤه علـى طاعتهم بعلـمهم بطاعته, ومعنى الإجابة من الله التـي ضمنها له الوفـاء له بـما وعد العاملـين له بـما أمرهم به, كما رُوي عن النبـي صلى الله عليه وسلم من قوله: «إنّ الدّعاءَ هُوَ العِبَـادَة».
2372ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جويبر, عن الأعمش, عن ذرّ, عن سَبـيْع الـحضرمي, عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنّ الدّعاءَ هُوَ العِبَـادةُ», ثم قرأ: وَقالَ رَبّكُمُ ادْعُونـي أسْتَـجِبْ لَكُمْ إنّ الّذِينَ يَسْتَكُبِرُونَ عَنْ عِبَـادَتـي سَيَدْخُـلُونَ جَهَنّـمَ دَاخِرين.
فأخبر صلى الله عليه وسلم أن دعاء الله إنـما هو عبـادته ومسألته بـالعمل له والطاعة وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك ذكر أن الـحسن كان يقول.
2373ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنـي منصور بن هارون, عن عبد الله بن الـمبـارك, عن الربـيع بن أنس, عن الـحسن أنه قال فـيها: ادْعُونـي أسْتَـجِبْ لَكُمْ قال: اعملوا وأبشروا فإنه حق علـى الله أن يستـجيب الذين آمنوا وعملوا الصالـحات ويزيدهم من فضله.
والوجه الاَخر: أن يكون معناه: أجيب دعوة الداع إذا دعان إن شئتَ. فـيكون ذلك وإن كان عاما مخرجه فـي التلاوة خاصا معناه