تفسير الطبري تفسير الصفحة 29 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 29
030
028
 الآية : 187
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أُحِلّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصّيَامِ الرّفَثُ إِلَىَ نِسَآئِكُمْ هُنّ لِبَاسٌ لّكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لّهُنّ عَلِمَ اللّهُ أَنّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالاَنَ بَاشِرُوهُنّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتّىَ يَتَبَيّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمّ أَتِمّواْ الصّيَامَ إِلَى الّليْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنّاسِ لَعَلّهُمْ يَتّقُونَ }
يعنـي تعالـى ذكره بقوله: أُحِلّ لَكُمْ أطلق لكم وأبـيح. ويعنـي بقوله: لَـيْـلَةَ الصّيَامِ فـي لـيـلة الصيام. فأما الرفث فأنه كناية عن الـجماع فـي هذا الـموضع, يقال: هو الرفث والرفّوث. وقد رُوي أنها فـي قراءة عبد الله: «أحل لكم لـيـلة الصيام الرفوث إلـى نسائكم». وبـمثل الذي قلنا فـي تأويـل الرفث قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
2374ـ حدثنـي مـحمد بن عبد الله بن عبد الـحكم الـمصري, قال: حدثنا أيوب بن سويد, عن سفـيان, عن عاصم, عن بكر عن عبد الله الـمزنـي, عن ابن عبـاس قال: الرفث: الـجماع, ولكن الله كريـم يَكْنـي.
2375ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن عاصم, عن بكر, عن ابن عبـاس, مثله.
2376ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: حدثنـي أبـي, قال: حدثنـي عمي, قال: حدثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قال: الرفث: النكاح.
2377ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة, قال: الرفث: غشيان النساء.
2378ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي قوله: أُحِلّ لَكُمْ لَـيْـلَةَ الصّيامِ الرّفَثُ إلـى نِسائِكُمْ قال: الـجماع.
2379ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
2380ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: حدثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قال: الرفث: هو النكاح.
2381ـ حدثنـي الـمثنى, قال: قال: حدثنا إسحاق, قال حدثنا عبد الكبـير البصري, قال: حدثنا الضحاك بن عثمان, قال: سألت سالـم بن عبد الله عن قوله: أُحِلّ لَكُمْ لَـيُـلَةَ الصّيامِ الرّفَثُ إلـى نِسائِكُمْ قال: هو الـجماع.
2382ـ حدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي: أُحِلّ لَكُمْ لَـيْـلَةَ الصّيامِ الرّفَثُ إلـى نِسَائِكُمْ يقول: الـجماع. والرفث فـي غير هذا الـموضع الإفحاش فـي الـمنطق كما قال العجاج:
عَن اللّغا وَرَفَثِ التّكَلّـم
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: هُنّ لِبـاسٌ لَكُمْ وأنْتُـمْ لِبـاسٌ لَهُنّ.
يعنـي تعالـى ذكره بذلك: نساؤكم لبـاس لكم, وأنتـم لبـاس لهنّ.
فإن قال قائل: وكيف يكون نساؤنا لبـاسا لنا ونـحن لهن لبـاسا واللبـاس إنـما هو ما لبس؟ قـيـل: لذلك وجهان من الـمعانـي: أحدهما أن يكون كل واحد منهما جُعل لصاحبه لبـاسا, لتـخرجهما عند النوم واجتـماعهما فـي ثوب واحد وانضمام جسد كل واحد منهما لصاحبة بـمنزلة ما يـلبسه علـى جسده من ثـيابه, فقـيـل لكل واحد منهما هو لبـاس لصاحبه, كما قال نابغة بنـي جعدة:
إذَا ما الضّجِيعُ ثَنَى عِطْفَهاتَدَاعَتْ فَكانَتْ عَلَـيْهِ لِبـاساخ
ويروي «تثنت» فكنى عن اجتـماعهما متـجرّدين فـي فراش واحد بـاللبـاس كما يكنى بـالثـياب عن جسد الإنسان, كما قالت لـيـلـى وهي تصف إبلاً ركبها قوم:
رَمَوها بأثْوَابٍ خِفـافٍ فَلا تَرَىلَهَا شَبَها إلاّ النّعامَ الـمُنَفّرَا
يعنـي رموها بأنفسهم فركبوها. وكما قال الهذلـي:
تَبَرّأُ مِنْ دَمِ القَتِـيـلِ وَوَتْرِهِوقَدْ عَلِقَتْ دَمَ القَتِـيـلِ إزَارُها
يعنـي بإزارها نفسها. وبذلك كان الربـيع يقول:
2383ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الرحمن بن سعيد, قال: حدثنا أبو جعفر, عن الربـيع: هُنّ لِبـاسٌ لَكُمْ وأنْتُـمْ لِبـاسٌ لَهُنّ يقول: هنّ لـحاف لكم, وأنتـم لـحاف لهن.
والوجه الاَخر أن يكون جعل كل واحد منهما لصاحبه لبـاسا لأنه سَكَنٌ له, كما قال جل ثناؤه: جَعَلَ لَكُمُ اللّـيْـلَ لِبـاسا يعنـي بذلك سكنا تسكنون فـيه. وكذلك زوجة الرجل سكنه يسكن إلـيها, كما قال تعالـى ذكره: وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها لِـيَسْكُنَ إلَـيْهَا فـيكون كل واحد منهما لبـاس لصاحبه, بـمعنى سكونه إلـيه, وبذلك كان مـجاهد وغيره يقولون فـي ذلك. وقد يقال لـما ستر الشيء وواراه عن أبصار الناظرين إلـيه هو لبـاسه وغشاؤه, فجائز أن يكون قـيـل: هن لبـاس لكم, وأنتـم لبـاس لهنّ, بـمعنى أن كل واحد منكم ستر لصاحبه فـيـما يكون بـينكم من الـجماع عن أبصار سائر الناس.
وكان مـجاهد وغيره يقولون فـي ذلك بـما:
2384ـ حدثنا به الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: هُنّ لِبـاسٌ لَكُمْ وأنْتُـمْ لِبـاسٌ لَهُنّ يقول: سكن لهن.
2385ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: هُنّ لِبـاسٌ لَكُمْ وأنْتُـمْ لِبـاسٌ لَهُنّ قال قتادة: هنّ سكن لكم, وأنتـم سكن لهنّ.
2386ـ حدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي: هُنّ لِبـاسٌ لَكُمْ يقول: سكن لكم, وأنْتُـمْ لِبـاسٌ لَهُنّ يقول: سكن لهن.
2387ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال عبد الرحمن بن زيد فـي قوله: هُنّ لِبـاسٌ لَكُمْ وأنْتُـمْ لِبـاسٌ لَهُنّ قال: الـمواقعة.
2388ـ حدثنـي أحمد بن إسحاق الأهوازي, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا إبراهيـم, عن يزيد, عن عمرو بن دينار, عن ابن عبـاس قوله: هُنّ لِبـاسٌ لَكُمْ وأنْتُـمْ لِبـاسٌ لَهُنّ قال: هنّ سكن لكم, وأنتـم سكن لهن.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: عَلِـمَ اللّهُ أنّكُمْ كُنْتُـمْ تَـخْتانُونَ أنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَـيْكُمْ وَعَفـا عَنْكُمْ فـالاَنَ بـاشِرُوهُنّ وابُتَغُوا ما كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ.
إن قال لنا قائل: وما هذه الـخيانة التـي كان القوم يختانونها أنفسهم التـي تاب الله منها علـيهم فعفـا عنهم؟ قـيـل: كانت خيانتهم أنفسهم التـي ذكرها الله فـي شيئين: أحدهما جماع النساء, والاَخر: الـمطعم والـمشرب فـي الوقت الذي كان حراما ذلك علـيهم. كما:
2389ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن عمرو بن مرة, قال: حدثنا ابن أبـي لـيـلـى: أن الرجل كان إذا أفطر فنام لـم يأتها, وإذا نام لـم يطعم, حتـى جاء عمر بن الـخطاب يريد امرأته فقالت امرأته: قد كنت نـمت فظن أنها تعتل فوقع بها قال: وجاء رجل من الأنصار فأراد أن يطعم فقالوا: نسخن لك شيئا؟ قال: ثم نزلت هذه الآية: أُحِلّ لَكُمْ لَـيْـلَةَ الصّيامِ الرّفَثُ إلـى نِسائِكُمْ الآية.
2390ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن إدريس, قال: حدثنا حصين بن عبد الرحمن, عن عبد الرحمن بن أبـي لـيـلـى قال: كانوا يصومون ثلاثة أيام من كل شهر, فلـما دخـل رمضان كانوا يصومون, فإذا لـم يأكل الرجل عند فطره حتـى ينام لـم يأكل إلـى مثلها, وإن نام أو نامت امرأته لـم يكن له أن يأتـيها إلـى مثلها. فجاء شيخ من الأنصار يقال له صرمة بن مالك, فقال لأهله: أطعمونـي فقالت: حتـى أجعل لك شيئا سخنا, قال: فغلبته عينه فنام. ثم جاء عمر فقالت له امرأته: إنـي قد نـمت فلـم يعذرها وظن أنها تعتلّ فواقعها. فبـات هذا وهذا يتقلبـان لـيـلتهما ظهرا وبطنا, فأنزل الله فـي ذلك: وكُلُوا واشْرَبُوا حتّـى يَتَبَـيّنَ لَكُمُ الـخَيْطُ الأبْـيَضُ مِنِ الـخَيْطِ الأسْوَدِ مِنَ الفَجْر وقال: فَـالاَنَ بـاشِرُوهُنّ فعفـا الله عن ذلك. وكانت سنة.
2391ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا يونس بن بكير, قال: حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة, عن عمرو بن مرة, عن عبد الرحمن بن أبـي لـيـلـى, عن معاذ بن جبل, قال: كانوا يأكلون ويشربون ويأتون النساء ما لـم يناموا, فإذا ناموا تركوا الطعام والشراب وإتـيان النساء, فكان رجل من الأنصار يدعى أبـا صرمة يعمل فـي أرض له, قال: فلـما كان عند فطره نام, فأصبح صائما قد جهد, فلـما رآه النبـي صلى الله عليه وسلم قال: «ما لـي أَرَى بِكَ جَهْدا»؟, فأخبر بـما كان من أمره. واختان رجل نفسه فـي شأن النساء, فأنزل الله أُحِلّ لَكُمْ لَـيْـلَةَ الصّيامِ الرّفَثُ إلـى نِسائِكُمْ... إلـى آخر الآية.
2392ـ حدثنا سفـيان بن وكيع, قال: حدثنـي أبـي, عن إسرائيـل, عن أبـي إسحاق, عن البراء نـحو حديث ابن أبـي لـيـلـى الذي حدث به عمرو بن مرة, عن الرحمن بن أبـي لـيـلـى قال: كانوا إذا صاموا ونام أحدهم لـم يأكل شيئا حتـى يكون من الغد, فجاء رجل من الأنصار, وقد عمل فـي أرض له وقد أعيا وكلّ, فغلبته عينه ونام, وأصبح من الغد مـجهودا, فنزلت هذه الآية: وكُلُوا وَاشْرَبُوا حتّـى يَتَبَـيّنَ لَكُمْ الـخَيْطُ الأبْـيَضُ مِنَ الـخَيْطِ الأسْوَدِ مِنَ الفَجْرِ.
2393ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن رجاء البصري, قال: حدثنا إسرائيـل, عن أبـي إسحاق, عن البراء, قال: كان أصحاب مـحمد صلى الله عليه وسلم إذا كان الرجل صائما فنام قبل أن يفطر لـم يأكل إلـى مثلها, وإن قـيس بن صرمة الأنصاري كان صائما, وكان توجه ذلك الـيوم فعمل فـي أرضه, فلـما حضر الإفطار أتـى امرأته فقال: هل عندكم طعام؟ قالت: لا, ولكن أنطلق فأطلب لك. فغلبته عينه فنام, وجاءت امرأته قالت: قد نـمت فلـم ينتصف النهار حتـى غشي علـيه, فذكرت ذلك للنبـي صلى الله عليه وسلم, فنزلت فـيه هذه الآية: أُحِلّ لَكُمْ لَـيْـلَةَ الصّيامِ الرّفَثُ إلـى نِسائِكُمْ إلـى: مِنَ الـخَيْطِ الأسْوَدِ ففرحوا بها فرحا شديدا.
حدثنـي الـمثنى قال: حدثنا أبو صالـح, قال: حدثنا معاوية بن صالـح, عن علـي بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس فـي قول الله تعالـى ذكره: أُحِلّ لكُمْ لَـيْـلَةَ الصّيامِ الرّفَثُ إلـى نِسائكُم وذلك أن الـمسلـمين كانوا فـي شهر رمضان إذا صلو العشاء حرم علـيهم النساء والطعام إلـى مثلها من القابلة, ثم إن ناسا من الـمسلـمين أصابوا الطعام والنساء فـي رمضان بعد العشاء, منهم عمر بن الـخطاب, فشكوا ذلك إلـى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فأنزل الله: عَلِـمَ اللّهُ أنّكُمْ كُنْتُـمْ تـخْتانُونَ أنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَـيْكُمْ وَعَفَـا عَنْكُمْ فـالاَنَ بـاشِرُوهُنّ يعنـي انكحوهن وكُلُوا وَاشْرَبُوا حّتـى يَتَبَـيّنَ لَكُمُ الـخَيْطُ الأبْـيَضُ مِنَ الـخَيْطِ الأسْوَدِ مِنَ الفَجْرِ.
2394ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا سويد, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, عن ابن لهيعة, قال: حدثنـي موسى بن جبـير مولـى بنـي سلـمة أنه سمع عبد الله بن كعب بن مالك يحدّث عن أبـيه قال: كان الناس فـي رمضان إذا صام الرجل فأمسى فنام حرم علـيه الطعام والشراب والنساء حتـى يفطر من الغد. فرجع عمر بن الـخطاب من عند النبـيّ صلى الله عليه وسلم ذات لـيـلة وقد سمر عنده, فوجد امرأته قد نامت فأرادها, فقالت: إنـي قد نـمت فقال: ما نـمت ثم وقع بها, وصنع كعب بن مالك مثل ذلك. فغدا عمر بن الـخطاب إلـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم فأخبره, فأنزل الله تعالـى ذكره: عَلِـمَ اللّهُ أنّكُمْ كُنْتُـمْ تَـخْتانُونَ أنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَـيْكُمْ وَعَفـا عَنْكُمْ فـالاَنَ بـاشِرُوهُنّ... الآية.
2395ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا الـحجاج, قال: حدثنا حماد بن سلـمة, قال: حدثنا ثابت: أن عمر بن الـخطاب واقع أهله لـيـلة فـي رمضان, فـاشتدّ ذلك علـيه, فأنزل الله: أحِلّ لَكُمْ لَـيْـلَةُ الصّيَامِ الرّفِثُ إلـى نِسائِكُمْ.
2396ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: حدثنـي أبـي, قال: حدثنـي عمي, قال: حدثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس قوله: أُحِلّ لَكُمْ لَـيْـلَةَ الصّيامِ الرّفَثُ إلـى نِسائِكُمْ هُنّ لِبـاسٌ لَكُمْ وأنْتُـمْ لِبـاسٌ لَهُنّ إلـى: وعَفـا عَنْكُمْ كان الناس أول ما أسلـموا إذا صام أحدهم يصوم يومه, حتـى إذا أمسى طعم من الطعام فـيـما بـينه وبـين العتـمة, حتـى إذا صُلـيت حرم علـيهم الطعام حتـى يـمسي من اللـيـلة القابلة. وإن عمر بن الـخطاب بـينـما هو نائم, إذ سوّلت له نفسه, فأتـى أهله لبعض حاجته, فلـما اغتسل أخذ يبكي ويـلوم نفسه كأشدّ ما رأيت من الـملامة. ثم أتـى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إنى أعتذر إلـى الله وإلـيك من نفسي هذه الـخاطئة, فإنها زينت لـي فواقعت أهلـي, هل تـجد لـي من رخصة يا رسول الله؟ قال: «لـم تَكُنْ حَقِـيقا بذلك يا عُمَر», فلـما بلغ بـيته, أرسل إلـيه فأنبأه بعذره فـي آية من القرآن, وأمر الله رسوله أن يضعها فـي الـمائة الوسطى من سورة البقرة, فقال: أُحِلّ لَكُمْ لَـيْـلَةَ الصيّامِ الرّفَثُ إلـى نِسائِكُمْ إلـى عَلِـمَ اللّهُ أنّكُمْ كُنْتُـمْ تَـخْتانُونَ أنْفُسَكُمْ يعنـي بذلك الذي فعل عمر بن الـخطاب. فأنزل الله عفوه, فقال: فَتابَ عَلَـيْكُمْ وَعَفَـا عَنْكُمْ فـالاَنَ بـاشِرُوهُنّ إلـى: مِنَ الـخَيْطِ الأسْوَدِ فأحلّ لهم الـمـجامعة والأكل والشرب حتـى يتبـين لهم الصبح.
2397ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: أُحِلّ لَكُمْ لَـيْـلَةَ الصّيامِ الرّفَثُ إلـى نِسائِكُمْ قال: كان الرجل من أصحاب مـحمد صلى الله عليه وسلم يصوم الصيام بـالنهار, فإذا أمسى أكل وشرب وجامع النساء, فإذا رقد حرم ذلك كله علـيه إلـى مثلها من القابلة. وكان منهم رجال يختانون أنفسهم فـي ذلك, فعفـا الله عنهم, وأحلّ ذلك لهم بعد الرقاد وقبله فـي اللـيـل كله.
2398ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قال: كان أصحاب النبـي صلى الله عليه وسلم يصوم الصائم فـي رمضان, فإذا أمسى, ثم ذكر نـحو حديث مـحمد بن عمرو وزاد فـيه: وكان منهم رجال يختانون أنفسهم, وكان عمر بن الـخطاب مـمن اختان نفسه, فعفـا الله عنهم, وأحلّ ذلك لهم بعد الرقاد وقبله, وفـي اللـيـل كله.
2399ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, قال: أخبرنـي إسماعيـل بن شَرُوس, عن عكرمة مولـى ابن عبـاس: أن رجلاً قد سماه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأنصار جاء لـيـلة وهو صائم, فقالت له امرأته: لا تنـم حتـى نصنع لك طعاما فنام, فجاءت فقالت: نـمت والله فقال: لا والله قالت: بلـى والله فلـم يأكل تلك اللـيـلة وأصبح صائما, فغشي علـيه فأنزلت الرخصة فـيه.
2400ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: عَلِـمَ اللّهُ أنّكُمْ كُنْتُـمْ تَـخْتانُونَ أنْفُسَكُمْ وكان بدء الصيام أمروا بثلاثة أيام من كل شهر ركعتـين غدوة, وركعتـين عشية, فأحلّ الله لهم فـي صيامهم فـي ثلاثة أيام, وفـي أوّل ما افترض علـيهم فـي رمضان إذا أفطروا وكان الطعام والشراب وغشيان النساء لهم حلالاً ما لـم يرقدوا, فإذا رقدوا حرم علـيهم ذلك إلـى مثلها من القابلة. وكانت خيانة القوم أنهم كانوا يصيبون أو ينالون من الطعام والشراب وغشيان النساء بعد الرقاد, وكانت تلك خيانة القوم أنفسهم, ثم أحلّ الله لهم ذلك الطعام والشراب وغشيان النساء إلـى طلوع الفجر.
2401ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة فـي قوله: أُحِلّ لَكُمْ لَـيْـلَةَ الصّيامِ الرّفَثُ إلـى نِسائِكُمْ قال: كان الناس قبل هذه الآية إذا رقد أحدهم من اللـيـل رقدة, لـم يحلّ له طعام ولا شراب, ولا أن يأتـي امرأته إلـى اللـيـلة الـمقبلة, فوقع بذلك بعض الـمسلـمين, فمنهم من أكل بعد هجعته أو شرب, ومنهم من وقع علـى امرأته فرخص الله ذلك لهم.
2402ـ حدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي, قال: كتب علـى النصارى رمضان, وكتب علـيهم أن لا يأكلوا ولا يشربوا بعد النوم ولا ينكحوا النساء شهر رمضان, فكتب علـى الـمؤمنـين كما كتب علـيهم, فلـم يزل الـمسلـمون علـى ذلك يصنعون كما تصنع النصارى, حتـى أقبل رجل من الأنصار يقال له أبو قـيس بن صرمة, وكان يعمل فـي حيطان الـمدينة بـالأجر, فأتـى أهله بتـمر, فقال لامرأته: استبدلـي بهذا التـمر طحينا فـاجعلـيه سخينة لعلـي أن آكله, فإن التـمر قد أحرق جوفـي, فـانطلقت فـاستبدلت له, ثم صنعت, فأبطأت علـيه فنام, فأيقظته, فكره أن يعصي الله ورسوله, وأبى أن يأكل, وأصبح صائما فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم بـالعشي, فقال: «ما لك يا أبـا قَـيْسِ أَمْسَيْتَ طَلِـيحا», فقصّ علـيه القصة. وكان عمر بن الـخطاب وقع علـى جارية له فـي ناس من الـمؤمنـين لـم يـملكوا أنفسهم فلـما سمع عمر كلام أبـي قـيس رهب أن ينزل فـي أبـي قـيس شيء, فتذكر هو, فقام فـاعتذر إلـى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال: يا رسول الله إنـي أعوذ بـالله إنـي وقعت علـى جاريتـي, ولـم أملك نفسي البـارحة فلـما تكلـم عمر تكلـم أولئك الناس, فقال النبـيّ صلى الله عليه وسلم: «ما كُنْتَ جَدِيرا بِذَلِكَ يَا ابْنَ الـخَطّاب», فنسخ ذلك عنهم, فقال: أُحِلّ لَكُمْ لَـيْـلَةَ الصيّامِ الرّفَثُ إلـى نِسائِكُمْ هُنّ لِبـاسٌ لَكُمْ وأنْتُـمْ لِبـاسٌ لَهُنّ, عَلِـمَ اللّهُ أنّكُمْ كُنْتُـمْ تَـخْتَانُونَ أنْفُسَكم يقول: إنكم تقعون علـيهن خيانة, فَتابَ عَلَـيْكُمْ وَعَفَـا عَنْكُمْ فـالاَنَ بـاشرُوهُنّ وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ يقول: جامعوهن ورجع إلـى أبـي قـيس فقال: وكُلُوا وَاشْرَبُوا حتـى يَتَبَـيّنَ لَكُمُ الـخَيْطُ الأبْـيَضُ مِنَ الـخَيْطِ الأسْوَدِ مِنَ الفَجْرِ.
2403ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنـي حجاج, عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: أُحِل لَكُمْ لَـيْـلَةَ الصّيامِ الرّفَثُ إِلـى نِسائِكُمْ قال: كانوا فـي رمضان لا يـمسّون النساء ولا يطعمون ولا يشربون بعد أن يناموا حتـى اللـيـل من القابلة, فإن مسوهنّ قبل أن يناموا لـم يروا بذلك بأسا. فأصاب رجل من الأنصار امرأته بعد أن نام, فقال: قد اختنت نفسي فنزل القرآن, فأحلّ لهم النساء والطعام والشراب حتـى يتبـين لهم الـخيط الأبـيض من الـخيط الأسود من الفجر. قال: وقال مـجاهد: كان أصحاب مـحمد صلى الله عليه وسلم يصوم الصائم منهم فـي رمضان, فإذا أمسى أكل وشرب وجامع النساء, فإذا رقد حرم علـيه ذلك كله حتـى كمثلها من القابلة, وكان منهم رجاله يختانون أنفسهم فـي ذلك. فعفـا عنهم وأحلّ لهم بعد الرقاد وقبله فـي اللـيـل, فقال: أُحِلّ لَكُمْ لَـيْـلَةَ الصيّامِ الرّفَثُ إلـى نِسائِكُمْ... الآية.
2404ـ حدثنـي القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن عكرمة أنه قال فـي هذه الآية: أُحِلّ لَكُمْ لَـيْـلَةَ الصّيام الرّفَثُ إلـى نِسائِكُمْ مثل قول مـجاهد, وزاد فـيه: أن عمر بن الـخطاب قال لامرأته: لا ترقدي حتـى أرجع من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فرقدت قبل أن يرجع, فقال لها: ما أنت براقدة ثم أصابها حتـى جاء إلـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له, فنزلت هذه الآية. قال عكرمة: نزلت وكُلُوا وَاشْرَبُوا الآية فـي أبـي قـيس بن صرمة من بنـي الـخزرج أكل بعد الرقاد.
2405ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا الـحجاج, قال: حدثنا حماد, قال: أخبرنا مـحمد بن إسحاق, عن مـحمد بن يحيى بن حبـان أن صرمة بن أنس أتـى أهله ذات لـيـلة وهو شيخ كبـير وهو صائم, فلـم يهيئوا له طعاما, فوضع رأسه فأغفـى, وجاءته امرأته بطعامه, فقالت له: كل فقال: إنـي قد نـمت, قالت: إنك لـم تنـم فأصبح جائعا مـجهودا, فأنزل الله: وكُلُوا وَاشْرَبُوا حّتـى يَتَبَـيّنَ لَكُمُ الـخَيْطُ الأبْـيَضُ مِنَ الـخَيْطِ الأسْودِ مِنَ الفَجْرِ.
فأما الـمبـاشرة فـي كلام العرب: فإنه ملاقاة بشرة ببشرة, وبشرة الرجل: جلدته الظاهرة. وإنـما كنى الله بقوله: فـالاَنَ بـاشِرُوهُنّ عن الـجماع: يقول: فـالاَن إذا أحللت لكم الرفث إلـى نسائكم فجامعوهنّ فـي لـيالـي شهر رمضان حتـى يطلع الفجر, وهي تبـين الـخيط الأبـيض من الـخيط الأسود من الفجر, وبـالذي قلنا فـي الـمبـاشرة قال جماعة من أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
2406ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا سفـيان. وحدثنا عبد الـحميد بن سنان, قال: حدثنا إسحاق, عن سفـيان. وحدثنـي مـحمد بن عبد الله بن عبد الـحكم, قال: حدثنا أيوب بن سويد, عن سفـيان, عن عاصم, عن بكر بن عبد الله الـمزنـي, عن ابن عبـاس, قال: الـمبـاشرة: الـجماع, ولكن الله كريـم يكنـي.
2407ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن عاصم, عن بكر بن عبد الله الـمزنـي, عن ابن عبـاس نـحوه.
2408ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, حدثنا معاوية بن صالـح, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس: فـالاَنَ بـاشِرُوهُنّ انكحوهن.
2409ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: حدثنـي أبـي, قال: حدثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس قال: الـمبـاشرة: النكاح.
2410ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنـي حجاج, عن ابن جريج, قال: قلت لعطاء قوله: فـالاَنَ بـاشِرُوهُنّ قال: الـجماع, وكل شيء فـي القرآن من ذكر الـمبـاشرة فهو الـجماع نفسه, وقالها عبد الله بن كثـير مثل قول عطاء فـي الطعام والشراب والنساء.
2411ـ حدثنا حميد بن مسعدة قال: وحدثنا ابن بشار, وقال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة حدثنا يزيد بن زريع, قال: حدثنا شعبة, عن أبـي بشر, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس, قال: الـمبـاشرة الـجماع, ولكن الله يكنـي ما شاء بـما شاء.
2412ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا هشيـم, قال أبو بشر: أخبرنا, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس مثله.
2413ـ حدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي: فـالاَنَ بـاشِرُوهُن يقول: جامعوهن.
2414ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قال: الـمبـاشرة: الـجماع.
2415ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا سويد, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, عن ابن جريج, عن عطاء, مثله.
2416ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا سويد, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, عن الأوزاعي, قال: حدثنـي عبدة بن أبـي لبـابة, قال: سمعت مـجاهدا يقول: الـمبـاشرة فـي كتاب الله: الـجماع.
2417ـ حدثنا ابن البرقـي, حدثنا عمرو بن أبـي سلـمة, قال: قال الأوزاعي: حدثنا من سمع مـجاهدا يقول: الـمبـاشرة فـي كتاب الله الـجماع.
واختلفوا فـي تأويـل قوله وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ فقال بعضهم: الولد. ذكر من قال ذلك:
2418ـ حدثنـي عبدة بن عبد الله الصفـار البصري, قال: حدثنا إسماعيـل بن زياد الكاتب, عن شعبة, عن الـحكم, عن مـجاهد: وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ قال: الولد.
2419ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا سهل بن يوسف وأبو داود, عن شعبة قال: سمعت الـحكم: واَبْتَغُوا ما كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ قال: الولد.
2420ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا أبو تـميـلة, قال: حدثنا عبـيد الله, عن عكرمة قوله: وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ قال: الولد.
2421ـ حدثنـي علـيّ بن سهل, قال: حدثنا مؤمل, حدثنا أبو مودود بحر بن موسى قال: سمعت الـحسن بن أبـي الـحسن يقول فـي هذه الآية: وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ قال: الولد.
2422ـ حدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي: وابْتَغُوا ما كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ فهو الولد.
2423ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: حدثنا أبـي, قال: حدثنا عمي, قال: حدثنا أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس: وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ يعنـي الولد.
2424ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: ثنـي عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ قال: الولد, فإن لـم تلد هذه فهذه.
2425ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد بنـحوه.
2426ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, أخبرنا عبد الرزاق, أخبرنا معمر, عمن سمع الـحسن فـي قوله: وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ قال: هو الولد.
2427ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع فـي قوله: وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ قال: ما كتب لكم من الولد.
2428ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ قال: الـجماع.
2429ـ حدثت عن الـحسين بن الفرج, قال: حدثنا الفضل بن خالد, قال: حدثنا عبـيد بن سلـمان, قال, سمعت الضحاك بن مزاحم قوله: وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ قال: الولد.
وقال بعضهم: معنى ذلك لـيـلة القدر. ذكر من قال ذلك:
2430ـ حدثنا أبو هشام الرفـاعي, قال: حدثنا معاذ بن هشام, قال: ثنـي أبـي عن عمرو بن مالك, عن أبـي الـجوزاء عن ابن عبـاس: وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ قال: لـيـلة القدر. قال أبو هشام: هكذا قرأها معاذ.
2431ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا مسلـم بن إبراهيـم, قال: حدثنا الـحسن بن أبـي جعفر, قال: حدثنا عمرو بن مالك عن أبـي الـجوزاء, عن ابن عبـاس فـي قوله: وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ قال: لـيـلة القدر.
وقال آخرون: بل معناه: ما أحلّه الله لكم ورخصه لكم. ذكر من قال ذلك:
2432ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد بن زريع, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ يقول: ما أحله الله لكم.
2433ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, قال: قال قتادة فـي ذلك: ابتغوا الرخصة التـي كتبت لكم.
وقرأ ذلك بعضهم: وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللّهُ لَكُمْذكر من قال ذلك:
2434ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا ابن عيـينة, عن عمرو بن دينار, عن عطاء بن أبـي ربـاح, قال: قلت لابن عبـاس: كيف تقرأ هذه الآية: وَابْتَغُوا أو «واتّبِعُوا»؟ قال: أيتهما شئت. قال: علـيك بـالقراءة الأولـى.
والصواب من القول فـي تأويـل ذلك عندي أن يقال: إن الله تعالـى ذكره قال: وَابْتَغُوا بـمعنى: اطلبوا ما كتب الله لكم, يعنـي الذي قضى الله تعالـى لكم. وإنـما يريد الله تعالـى ذكره: اطلبوا الذي كتبت لكم فـي اللوح الـمـحفوظ أنه يبـاح فـيطلق لكم وطلب الولد إن طلبه الرجل بجماعه الـمرأة مـما كتب الله له فـي اللوح الـمـحفوظ, وكذلك إن طلب لـيـلة القدر, فهو مـما كتب الله له, وكذلك إن طلب ما أحلّ الله وأبـاحه, فهو مـما كتبه له فـي اللوح الـمـحفوظ.
وقد يدخـل فـي قوله: وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ جميع معانـي الـخير الـمطلوبة, غير أن أشبه الـمعانـي بظاهر الآية قول من قال معناه: وابتغوا ما كتب الله لكم من الولد لأنه عقـيب قوله: فـالاَنَ بـاشِرُوهنّ بـمعنى: جامعوهنّ فلأن يكون قوله: وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ بـمعنى: وابتغوا ما كتب الله فـي مبـاشرتكم إياهنّ من الولد والنسل أشبه بـالآية من غيره من التأويلات التـي لـيس علـى صحتها دلالة من ظاهر التنزيـل, ولا خبر عن الرسول صلى الله عليه وسلم.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وكُلُوا وَاشْرَبُوا حّتـى يَتَبَـيّنَ لَكُمُ الـخَيْطُ الأبْـيَضُ مِنَ الـخَيْطِ الأسْوَدِ مِنَ الفَجْرِ ثُمّ أتِـمّوا الصّيامَ إلـى اللّـيْـلِ .
اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل قوله: حَتّـى يَتَبَـيّنَ لَكُمُ الـخَيْطُ الأبْـيَضُ مِنَ الـخَيْطِ الأسْوَدِ مِنَ الفَجْرِ فقال بعضهم: يعنـي بقوله: الـخيط الأبـيض: ضوء النهار. وبقوله: الـخيط الأسود: سواد اللـيـل.
فتأويـله علـى قول قائل هذه الـمقالة: وكلوا بـاللـيـل فـي شهر صومكم, واشربوا, وبـاشروا نساءكم, مبتغين ما كتب الله لكم من الولد, من أول اللـيـل إلـى أن يقع لكم ضوء النهار بطلوع الفجر من ظلـمة اللـيـل وسواده. ذكر من قال ذلك:
2435ـ حدثنـي الـحسن بن عرفة, قال: حدثنا روح بن عبـادة, قال: حدثنا أشعث, عن الـحسن فـي قول الله تعالـى ذكره: حَتّـى يَتَبَـيّنَ لَكُمْ الـخَيْطُ الأبْـيَضُ مِنَ الـخَيْطِ الأسْوَدِ مِنَ الفَجْرِ قال: اللـيـل من النهار.
2436ـ حدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي: وكُلُوا واشْرَبُوا حّتـى يَتَبَـيّنَ لَكُمُ الـخَيطُ الأبْـيَضُ مِنَ الـخَيْطِ الأسْوَد مِنَ الفَجْر قال: حتـى يتبـين لكم النهار من اللـيـل, ثم أتـموا الصيام إلـى اللـيـل.
2437ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: وكُلُوا وَاشْرَبُوا حتّـى يَتَبَـيّنَ لَكُمُ الـخَيْطُ الأبْـيَضُ مِنَ الـخَيْطِ الأسوَدِ مِنَ الفَجْرِ ثُمّ أتـمّوا الصّيَامَ إلـى اللّـيْـلِ فهما علـمان وحَدّان بـيّنان فلا يـمنعكم أذان مؤذّن مراء أو قلـيـل العقل من سحوركم فإنهم يؤذنون بهجيع من اللـيـل طويـل. وقد يُرى بـياضٌ مّا علـى السحر يقال له الصبح الكاذب كانت تسميه العرب, فلا يـمنعكم ذلك من سحوركم, فإن الصبح لا خفـاء به: طريقةٌ معترضة فـي الأفق, وكلوا واشربوا حتـى يتبـين لكم الصبح, فإذا رأيتـم ذلك فأمسكوا.
2438ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: حدثنـي أبـي, قال: حدثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس: وكُلُوا وَاشْرَبُوا حتّـى يَتَبَـيّنَ لَكُمُ الـخَيْطُ الأبْـيَضُ مِنَ الـخَيْطِ الأسوَدِ مِنَ الفَجْرِ يعنـي اللـيـل من النهار. فأحلّ لكم الـمـجامعة والأكل والشرب حتـى يتبـين لكم الصبح, فإذا تبـين الصبح حرم علـيهم الـمـجامعة والأكل والشرب حتـى يتـموا الصيام إلـى اللـيـل. فأمر بصوم النهار إلـى اللـيـل, وأمر بـالإفطار بـاللـيـل.
2439ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا أبو بكر بن عياش, وقـيـل له: أرأيت قول الله تعالـى: الـخَيْطُ الأبْـيَضُ مِنَ الـخَيْطِ الأسوَدِ مِنَ الفَجْرِ؟ قال: «إنّكَ لعَرِيضُ القَـفَـا», قال: هذا ذهاب اللـيـل ومـجيء النهار. قـيـل له: الشعبـي عن عديّ بن حاتـم؟ قال: نعم, حدثنا حصين.
وعلة من قال هذه الـمقالة وتأوّل الآية هذا التأويـل ما:
2440ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا حفص بن غياث, عن مـجالد بن سعيد, عن الشعبـيّ, عن عدي بن حاتـم, قال: قلت يا رسول الله, قول الله: وكُلُوا وَاشْرَبُوا حتّـى يَتَبَـيّنَ لَكُمُ الـخَيْطُ الأبْـيَضُ مِنَ الـخَيْطِ الأسوَدِ مِنَ الفَجْرِ قال: «هُوَ بَـيَاضُ النّهارِ وَسَوادُ اللّلـيْـلِ».
2441ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن نـمير وعبد الرحيـم بن سلـيـمان, عن مـجالد, عن سعيد, عن عامر, عن عديّ بن حاتـم, قال: أتـيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلـمنـي الإسلام, ونعت لـي الصلوات, كيف أصلـي كل صلاة لوقتها, ثم قال: «إذا جَاءَ رَمَضانُ فَكُلْ واشْرَبْ حتـى يَتَبَـيّنَ لك الـخَيْطُ الأَبْـيَضُ مِنَ الـخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الفَجْرِ, ثُمّ أتِـمّ الصّيَامَ إلـى اللـيـلِ», ولـم أدر ما هو, ففتلت خيطين من أبـيض وأسود, فنظرت فـيهما عند الفجر, فرأيتهما سواء. فأتـيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله كل شيء أوصيتنـي قد حفظت, غير الـخيط الأبـيض من الـخيط الأسود, قال: «وَمَا مَنَعَكَ يا ابنَ حاتـمٍ؟» وتبسم كأنه قد علـم ما فعلت. قلت: فتلت خيطين من أبـيض وأسود فنظرت فـيهما من اللـيـل فوجدتهما سواء. فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتـى رُئي نواجذه, ثم قال: «ألَـمْ أقُلْ لَكَ مِنَ الفَجْرِ؟ إنـمَا هُوَ ضَوْءُ النهَارِ وَظُلْـمَةُ اللّـيْـلِ».
2442ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا مالك بن إسماعيـل, قال: حدثنا داود وابن علـية جميعا, عن مطرف, عن الشعبـي, عن عديّ بن حاتـم, قال: قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ما الـخيط الأبـيض من الـخيط الأسود, أهما خيطان أبـيض وأسود؟ فقال: «إنّكَ لَعرِيضُ القَـفـا إنْ أبْصَرْتَ الـخَيْطَيْن», ثم قال: «لا وَلَكِنّهُ سَوَادُ اللّـيْـلِ وَبَـياضُ النّهار».
2443ـ حدثنـي أحمد بن عبد الرحيـم البرقـي, قال: حدثنا ابن أبـي مريـم, قال: حدثنا أبو غسان, قال: حدثنا أبو حازم عن سهل بن سعد, قال: نزلت هذه الآية: وكُلُوا وَاشْرَبُوا حتّـى يَتَبَـيّنَ لَكُمُ الـخَيْطُ الأبْـيَضُ مِنَ الـخَيْطِ الأسوَدِ فلـم ينزل مِنَ الفَجْرِ قال: فكان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم فـي رجلـيه الـخيط الأسود والـخيط الأبـيض, فلا يزال يأكل ويشرب حتـى يتبـين له فأنزل الله بعد ذلك: مِنَ الفَجْرِ فعلـموا إنـما يعنـي بذلك: اللـيـل والنهار.
وقال متأولو وقول الله تعالـى ذكره: حتّـى يَتَبَـيّنَ لَكُمُ الـخَيْطُ الأبْـيَضُ مِنَ الـخَيْطِ الأسوَدِ مِنَ الفَجْرِ أنه بـياض النهار وسواد اللـيـل, صفة ذلك البـياض أن يكون منتشرا مستفـيضا فـي السماء يـملأ بـياضه وضوءه الطرق, فأما الضوء الساطع فـي السماء فإن ذلك غير الذي عناه الله بقوله: الـخَيْط الأبْـيَضُ مِنَ الـخَيْطِ الأسْوَدِ. ذكر من قال ذلك:
2444ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى الصنعانـي, قال: حدثنا معتـمر بن سلـيـمان, قال: سمعت عمران بن حدير, عن أبـي مـجلز: الضوء الساطع فـي السماء لـيس بـالصبح, ولكن ذاك الصبح الكذاب, إنـما الصبح إذا انفضح الأفق.
2445ـ حدثنـي مسلـم بن جنادة السوائي, قال: حدثنا أبو معاوية, عن الأعمش, عن مسلـم, قال: لـم يكونوا يعدّون الفجر فجركم هذا, كانوا يعدّون الفجر الذي يـملأ البـيوت والطرق.
2446ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا عثام, عن الأعمش, عن مسلـم: ما كانوا يرون إلا أن الفجر الذي يستفـيض فـي السماء.
2447ـ حدثنا الـحسن بن عرفة, قال: حدثنا روح بن عبـادة, قال: حدثنا ابن جريج, قال: أخبرنـي عطاء أنه سمع ابن عبـاس يقول: هما فجران, فأما الذي يسطع فـي السماء فلـيس يحلّ ولا يحرّم شيئا, ولكن الفجر الذي يستبـين علـى رءوس الـجبـال هو الذي يحرّم الشراب.
2448ـ حدثنا الـحسن بن الزبرقان النـخعي, قال: حدثنا أبو أسامة, عن مـحمد بن أبـي ذؤيب, عن الـحرث بن عبد الرحمن, عن مـحمد بن عبد الرحمن بن ثوبـان, قال: «الفَجْرُ فَجْرَانِ, فـالّذَي كأنه ذَنَبُ السّرْحَانِ لا يُحَرّمُ شَيْئا, وأما الـمُسْتَطِيرُ الذي يَأْخُذُ الأُفُقَ فإنّه يُحِلّ الصّلاةَ ويُحَرّمُ الصّوْمَ».
2449ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع وإسماعيـل بن صبـيح وأبو أسامة, عن أبـي هلال, عن سوادة بن حنظلة, عن سمرة بن جندب, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لاَ يَـمْنَعْكُمْ مِنَ سُحْورِكُمْ أذَانُ بِلالٍ وَلا الفَجْرُ الـمُسْتَطِيـلُ, وَلَكِنِ الفَجْرُ الـمُسْتَطِيرُ فِـي الأُفُقِ».
2450ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا معاوية بن هشام الأسدي, قال: حدثنا شعبة, عن سوادة قال: سمعت سمرة بن جندب يذكر عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم أنه سمعه وهو يقول: «لا يَغُرّنّكُمْ نِدَاءُ بِلالٍ وَلا هَذَا البَـياضُ حتّـى يَبْدُوَ الفَجْرُ وَيَنفَجِرَ.
وقال آخرون: الـخيط الأبـيض: هو ضوء الشمس, والـخيط الأسود: هو سواد اللـيـل. ذكر من قال ذلك:
2451ـ حدثنا هشام بن السري, قال: حدثنا عبـادة بن حميد, عن الأعمش, عن إبراهيـم التـيـمي, قال: سافر أبـي مع حذيفة قال: فسار حتـى إذا خشينا أن يفجأنا الفجر, قال: هل منكم من أحد آكل أو شارب؟ قال: قلت له: أما من يريد الصوم فلا. قال: بلـى قال: ثم سار حتـى إذا استبطأنا الصلاة نزل فتسحّر.
2452ـ حدثنا هناد وأبو السائب, قالا: حدثنا أبو معاوية, عن الأعمش, عن إبراهيـم التـيـمي, عن أبـيه, قال: خرجت مع حذيفة إلـى الـمدائن فـي رمضان, فلـما طلع الفجر, قال: هل منكم من أحد آكل أو شارب؟ قلنا: أما رجل يريد أن يصوم فلا. قال: لكنـي قال: ثم سرنا حتـى استبطأنا الصلاة, قال: هل منكم أحد يريد أن يتسحر؟ قال: قلنا أما من يريد الصوم فلا. قال: لكنّـي ثم نزل فتسحّر, ثم صلـى.
2453ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا أبو بكر, قال: ربـما شربت بعد قول الـمؤذّن يعنـي فـي رمضان قد قامت الصلاة. قال: وما رأيت أحدا كان أفعل له من الأعمش, وذلك لـما سمع, قال: حدثنا إبراهيـم التـيـمي عن أبـيه قال: كنا مع حذيفة نسير لـيلاً, فقال: هل منكم متسحر الساعة؟ قال: ثم سار, ثم قال حذيفة: هل منكم متسحر الساعة؟ قال: ثم سار حتـى استبطأنا الصلاة, قال: فنزل فتسحّر.
2454ـ حدثنا هارون بن إسحاق الهمدانـي, قال: حدثنا مصعب بن الـمقدام, قال: حدثنا إسرائيـل, قال: حدثنا أبو إسحاق عن هبـيرة, عن علـيّ, أنه لـما صلـى الفجر, قال: هذا حين يتبـين الـخيط الأبـيض من الـخيط الأسود من الفجر.
2455ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن الصلت, قال: حدثنا إسحاق بن حذيفة العطار, عن أبـيه, عن البراء, قال: تسحرت فـي شهر رمضان, ثم خرجت, فأتـيت ابن مسعود, فقال: اشرب فقلت: إنـي قد تسحرت. فقال: اشرب فشربنا ثم خرجنا والناس فـي الصلاة.
2456ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا أبو معاوية, عن الشيبـانـي, عن جبلة بن سحيـم, عن عامر بن مطر, قال أتـيت عبد الله بن مسعود فـي داره, فأخرج فضلاً من سحوره, فأكلنا معه, ثم أقـيـمت الصلاة فخرجنا فصلـينا.
2457ـ حدثنا خلاد بن أسلـم, قال: حدثنا أبو بكر بن عياش, عن أبـي إسحاق, عن عبد الله بن معقل, عن سالـم مولـى أبـي حذيفة قال: كنت أنا وأبو بكر الصديق فوق سطح واحد فـي رمضان, فأتـيت ذات لـيـلة فقلت: ألا تأكل يا خـلـيفة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فأومأ بـيده أن كفّ, ثم أتـيته مرة أخرى, فقلت له: ألا تأكل يا خـلـيفة رسول الله؟ فأومأ بـيده أن كفّ. ثم أتـيته مرة أخرى, فقلت: ألا تأكل يا خـلـيفة رسول الله؟ فنظر إلـى الفجر ثم أومأ بـيده أن كفّ. ثم أتـيته فقلت: ألا تأكل يا خـلـيفة رسول الله؟ قال: هات غداءك قال: فأتـيته به فأكل ثم صلـى ركعتـين, ثم قام إلـى الصلاة.
2458ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي, قال: حدثنا شعبة, عن مغيرة, عن إبراهيـم, قال: الوتر بـاللـيـل والسحور بـالنهار.
وقد روي عن إبراهيـم غير ذلك.
2459ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, عن حماد, عن إبراهيـم, قال: السحور بلـيـل, والوتر بلـيـل.
2460ـ حدثنا حكام عن ابن أبـي جعفر, عن الـمغيرة, عن إبراهيـم, قال: السحور والوتر ما بـين التثويب والإقامة.
2461ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن شبـيب بن غرقدة, عن عروة, عن حبـان, قال: تسحرنا مع علـيّ ثم خرجنا وقد أقـيـمت الصلاة فصلـينا.
2462ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا مؤمل, قال: حدثنا سفـيان, عن شبـيب, عن حبـان بن الـحرث, قال: مررت بعلـيّ وهو فـي دار أبـي موسى وهو يتسحر, فلـما انتهيت إلـى الـمسجد أقـيـمت الصلاة.
2463ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن منصور, عن أبـي إسحاق, عن أبـي السفر, قال: صلـى علـيّ بن أبـي طالب الفجر, ثم قال: هذا حين يتبـين الـخيط الأبـيض من الـخيط الأسود من الفجر.
وعلة من قال هذا القول أن القول إنـما هو النهار دون اللـيـل. قالوا: وأول النهار طلوع الشمس, كما أن آخره غروبها. قالوا: ولو كان أوله طلوع الفجر لوجب أن يكون آخره غروب الشفق. قالوا: وفـي إجماع الـحجة علـى أن آخر النهار غروب الشمس دلـيـل واضح, علـى أن أوله طلوعها. قالوا: وفـي الـخبر عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم أنه تسحر بعد طلوع الفجر أوضح الدلـيـل علـى صحة قولنا.
ذكر الأخبـار التـي رويت عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم فـي ذلك:
2464ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا أبو بكر, عن عاصم, عن زر, عن حذيفة, قال: قلت: تسحرتَ مع النبـيّ صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم, قال: لو أشاء لأقول هو النهار إلا أن الشمس لـم تطلع.
2465ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا أبو بكر, قال: ما كذب عاصم علـى زر, ولا زر علـى حذيفة, قال: قلت له: يا أبـا عبد الله تسحرتَ مع النبـيّ صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم هو النهار إلا أن الشمس لـم تطلع.
2466ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا مؤمل, قال: حدثنا سفـيان, عن عاصم, عن زر, عن حذيفة قال: كان النبـيّ صلى الله عليه وسلم يتسحر وأنا أرى مواقع النبل. قال: قلت أبعد الصبح؟ قال: هو الصبح إلا أنه لـم تطلع الشمس.
2467ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا الـحكم بن بشير, قال: حدثنا عمرو بن قـيس وخلاد الصفـار, عن عاصم بن بهدلة, عن زر بن حبـيش, قال: أصبحت ذات يوم فغدوت إلـى الـمسجد, فقلت: لو مررت علـى بـاب حذيفة ففتـح لـي فدخـلت, فإذا هو يُسخّن له طعام, فقال: اجلس حتـى تَطعَم فقلت: إنـي أريد الصوم. فقرب طعامه فأكل وأكلت معه, ثم قام إلـى لِقْحة فـي الدار, فأخذ يحلب من جانب وأحلب أنا من جانب, فناولنـي, فقلت: ألا ترى الصبح؟ فقال: اشرب فشربت, ثم جئت إلـى بـاب الـمسجد فأقـيـمت الصلاة, فقلت له: أخبرنـي بآخر سحور تسحرته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هو الصبح إلا أنه لـم تطلع الشمس.
2468ـ حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي, قال: حدثنا روح بن جنادة, قال: حدثنا حماد, عن مـحمد بن عمرو, عن أبـي سلـمة, عن أبـي هريرة, عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذَا سَمِعَ أحَدُكُمُ النّدَاءَ وَالإناءُ علـى يَدِهِ فَلا يَضَعْهُ حتّـى يَقْضِيَ حاجَتَهُ مِنُهُ».
2469ـ حدثنا أحمد بن إسحاق, قال: حدثنا روح بن جنادة, قال: حدثنا حماد, عن عمار بن أبـي عمار, عن أبـي هريرة, عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم مثله, وزاد فـيه: وكان الـمؤذّن يؤذّن إذا بزغ الفجر.
2470ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يحيى بن واضح, قال: حدثنا الـحسين. وحدثنا مـحمد بن علـيّ بن الـحسن بن شقـيق, قال: سمعت أبـي قال: أخبرنا الـحسين بن واقد قالا جميعا, عن أبـي غالب, عن أبـي أمامة قال: أقـيـمت الصلاة والإناء فـي يد عمر, قال: أشربها يا رسول الله؟ قال: «نَعَمْ», فشربها.
2471ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يحيى بن واضح, قال: حدثنا يونس, عن أبـيه, عن عبد الله, قال: قال بلال: أتـيت النبـيّ صلى الله عليه وسلم أؤذنه بـالصلاة وهو يريد الصوم, فدعا بإناء فشرب, ثم ناولنـي فشربت, ثم خرج إلـى الصلاة.
2472ـ حدثنـي مـحمد بن أحمد الطوسي, قال: حدثنا عبـيد الله بن موسى, قال: أخبرنا إسرائيـل, عن أبـي إسحاق عن عبد الله بن مغفل, عن بلال قال: أتـيت النبـيّ صلى الله عليه وسلم أؤذنه بصلاة الفجر وهو يريد الصيام, فدعا بإناء فشرب, ثم ناولنـي فشربت, ثم خرجنا إلـى الصلاة.
وأولـى التأويـلـين بـالآية, التأويـل الذي رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال «الـخَيْطُ الأبْـيَضُ: بَـياضُ النهارِ, والـخَيْطُ الأسْوَدُ: سَوَادُ اللّـيْـلِ» وهو الـمعروف فـي كلام العرب, قال أبو دؤاد الإيادي:
فَلَـمّا أضَاءَتْ لَنا سُدْفَةٌولاحَ منَ الصّبْحِ خَيْطٌ أنارَا
وأما الأخبـار التـي رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه شرب أو تسحر ثم خرج إلـى الصلاة, فإنه غير دافع صحة ما قلنا فـي ذلك لأنه غير مستنكر أن يكون صلى الله عليه وسلم شرب قبل الفجر, ثم خرج إلـى الصلاة, إذ كانت الصلاة صلاة الفجر هي علـى عهده كانت تصلـى بعد ما يطلع الفجر ويتبـين طلوعه ويؤذن لها قبل طلوعه.
وأما الـخبر الذي رُوي عن حذيفة أن النبـيّ صلى الله عليه وسلم كان يتسحر وأنا أرى مواقع النبل, فإنه قد اسْتُثبت فـيه, فقـيـل له: أبعد الصبح؟ فلـم يجب فـي ذلك بأنه كان بعد الصبح, ولكنه قال: هو الصبح. وذلك من قوله يحتـمل أن يكون معناه هو الصبح لقربه منه وإن لـم يكن هو بعينه, كما تقول العرب: «هذا فلان شبها», وهي تشير إلـى غير الذي سمته, فتقول: «هو هو» تشبـيها منها له به, فكذلك قول حذيفة: هو الصبح, معناه: هو الصبح شبها به وقربـا منه.
وقال ابن زيد فـي معنى الـخيط الأبـيض والأسود ما:
2473ـ حدثنـي به يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد: حتّـى يَتَبَـيّنَ لَكُمُ الـخَيْطُ الأبْـيَضُ مِنَ الـخَيْطِ الأسوَدِ مِنَ الفَجْرِ قال: الـخيط الأبـيض الذي يكون من تـحت اللـيـل يكشف اللـيـل, والأسود: ما فوقه.
وأما قوله: مِنَ الفَجْر فإنه تعالـى ذكره يعنـي: حتـى يتبـين لكم الـخيط الأبـيض من الـخيط الأسود الذي هو من الفجر. ولـيس ذلك هو جميع الفجر, ولكنه إذا تبـين لكم أيها الـمؤمنون من الفجر ذلك الـخيط الأبـيض الذي يكون من تـحت اللـيـل الذي فوقه سواد اللـيـل, فمن حينئذٍ فصوموا, ثم أتـموا صيامكم من ذلك إلـى اللـيـل. وبـمثل ما قلنا فـي ذلك كان ابن زيد يقول:
2474ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: مِنَ الفَجْر قال: ذلك الـخيط الأبـيض هو من الفجر نسبة إلـيه, ولـيس الفجر كله, فإذا جاء هذا الـخيط وهو أوله فقد حلت الصلاة وحرم الطعام والشراب علـى الصائم.
وفـي قوله تعالـى ذكره: وكُلُوا وَاشْرَبُوا حتّـى يَتَبَـيّنَ لَكُمُ الـخَيْطُ الأبْـيَضُ مِنَ الـخَيْطِ الأسوَدِ مِنَ الفَجْرِ ثُمّ أتـمّوا الصّيَامَ إلـى اللّـيْـلِ أوضح الدلالة علـى خطأ قول من قال: حلال الأكل والشرب لـمن أراد الصوم إلـى طلوع الشمس لأن الـخيط الأبـيض من الفجر يتبـين عند ابتداء طلوع أوائل الفجر, وقد جعل الله تعالـى ذكره ذلك حدّا لـمن لزمه الصوم فـي الوقت الذي أبـاح إلـيه الأكل والشرب والـمبـاشرة. فمن زعم أن له أن يتـجاوز ذلك الـحد, قـيـل له: أرأيت إن أجاز له آخر ذلك ضحوة أو نصف النهار؟ فإن قال: إن قائل ذلك مخالف للأمة قـيـل له: وأنت لـما دلّ علـيه كتاب الله ونقل الأمة مخالف, فما الفرق بـينك وبـينه من أصل أو قـياس؟ فإن قال: الفرق بـينـي وبـينه أن الله أمر بصوم النهار دون اللـيـل, والنهار من طلوع الشمس. قـيـل له: كذلك يقول مخالفوك: والنهار عندهم أوله طلوع الفجر, وذلك هو ضوء الشمس وابتداء طلوعها دون أن يتتامّ طلوعها, كما أن آخر النهار ابتداء غروبها دون أن يتتامّ غروبها. ويقال لقائلـي ذلك: إن كان النهار عندكم كما وصفتـم هو ارتفـاع الشمس, وتكامل طلوعها وذهاب جميع سدفة اللـيـل وغبس سواده, فكذلك عندكم اللـيـل هو تتامّ غروب الشمس وذهاب ضيائها وتكامل سواد اللـيـل وظلامه.
فإن قالوا: ذلك كذلك. قـيـل لهم: فقد يجب أن يكون الصوم إلـى مغيب الشفق وذهاب ضوء الشمس وبـياضها من أفق السماء.
فإن قالوا: ذلك كذلك, أوجبوا الصوم إلـى مغيب الشفق الذي هو بـياض. وذلك قول إن قالوه مدفوع بنقل الـحجة التـي لا يجوز فـيـما نقلته مـجمعة علـيه الـخطأ والسهو علـى تـخطئته.
وإن قالوا: بل أول اللـيـل ابتداء سُدْفته وظلامه ومغيب عين الشمس عنا. قـيـل لهم: وكذلك أول النهار: طلوع أول ضياء الشمس ومغيب أوائل سدفة اللـيـل. ثم يعكس علـيه القول فـي ذلك, ويسئل الفرق بـين ذلك, فلن يقول فـي أحدهما قولاً إلا ألزم فـي الاَخر مثله.
وأما الفجر, فإنه مصدر من قول القائل: تفجر الـماء يتفجر فجرا: إذا انبعث وجرى, فقـيـل للطالع من تبـاشير ضياء الشمس من مطلع الشمس فجر, لانبعاث ضوئه علـيهم وتورّده علـيهم بطرقهم ومـحاجهم تفجر الـماء الـمنفجر من منبعه.
وأما قوله: ثُمّ أتِـمُوا الصيّامَ إلـى اللّـيْـلِ فإنه تعالـى ذكره حدّ الصوم بأن آخر وقته إقبـال اللـيـل, كما حدّ الإفطار وإبـاحة الأكل والشرب والـجماع وأول الصوم بـمـجيء أول النهار وأول إدبـار آخر اللـيـل, فدل بذلك علـى أن لا صوم بـاللـيـل كما لا فطر بـالنهار فـي أيام الصوم, وعلـى أن الـمواصل مـجوّع نفسه فـي غير طاعة ربه. كما:
2475ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا أبو معاوية ووكيع وعبدة, عن هشام بن عروة, عن أبـيه, عن عاصم بن عمر, عن عمر, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذَا أقْبَلَ اللّـيْـلُ وأدْبَرَ النّهارُ وَغابَتِ الشّمْسُ فَقَدْ أفْطَرَ الصّائمُ».
2476ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا أبو بكر بن عياش, قال: حدثنا أبو إسحاق الشيبـانـي, وحدثنا هناد بن السري, قال: حدثنا أبو عبـيدة وأبو معاوية, عن شيبـان, وحدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا أبو معاوية, وحدثنـي أبو السائب, قال: حدثنا ابن إدريس, عن الشيبـانـي قالوا جميعا فـي حديثهم عن عبد الله بن أبـي أوفـى قال: كنا مع النبـيّ صلى الله عليه وسلم فـي مسير وهو صائم, فلـما غربت الشمس قال لرجل: «انْزِلْ فـاجْدَحْ لـي» قالوا: لو أمسيت يا رسول الله فقال: «انْزِلْ فـاجْدَحْ لـي» فقال الرجل: يا رسول الله لو أمسيت قال: «انْزِلْ فـاجْدَحْ لِـي» قال: يا رسول الله إن علـينا نهارا فقال له الثالثة, فنزل فجدح له. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذَا أقْبَلَ اللّـيْـلُ مِنْ هَهُنا» وضرب بـيده نـحو الـمشرق «فَقَدْ أفْطَرَ الصّائمُ».
2477ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا عبد الوهاب, قال: حدثنا داود, عن رفـيع, قال: فرض الله الصيام إلـى اللـيـل, فإذا جاء اللـيـل فأنت مفطر إن شئت فكل, وإن شئت فلا تأكل.
2478ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الأعلـى, قال: حدثنا داود, عن أبـي العالـية أنه سئل عن الوصال فـي الصوم فقال: افترض الله علـى هذه الأمة صوم النهار, فإذا جاء اللـيـل فإن شاء أكل وإن شاء لـم يأكل.
2479ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنـي ابن علـية, عن داود بن أبـي هند, قال: قال أبو العالـية فـي الوصال فـي الصوم, قال: قال الله: ثُمّ أتِـموا الصّيامَ إلـى اللّـيْـلِ فإذا جاء اللـيـل فهو مفطر, فإن شاء أكل, وإن شاء لـم يأكل.
2480ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا ابن دكين, عن مسعر, عن قتادة, قال: قالت عائشة: أتِـمّوا الصّيامَ إلـى اللّـيْـلِ يعنـي أنها كرهت الوصال.
فإن قال قائل: فما وجه وصال من واصل؟ فقد علـمت بـما:
2481ـ حدثكم به أبو السائب, قال: حدثنا حفص, عن هشام بن عروة, قال: كان عبد الله بن الزبـير يواصل سبعة أيام, فلـما كبر جعلها خمسا, فلـما كبر جدا جعلها ثلاثا.
2482ـ حدثنا أبو السائب, قال: حدثنا حفص, عن عبد الـملك, قال: كان ابن أبـي يعمر يفطر فـي كل شهر مرة.
2483ـ حدثنا ابن أبـي بكر الـمقدمي, قال: حدثنا الفروي, قال: سمعت مالكا يقول: كان عامر بن عبد الله بن الزبـير يواصل لـيـلة ست عشرة ولـيـلة سبع عشرة من رمضان لا يفطر بـينهما, فلقـيته فقلت له: يا أبـا الـحرث ماذا تـجده يقوّيك فـي وصالك؟ قال: السمن أشربه أجده يبلّ عروقـي, فأما الـماء فإنه يخرج من جسدي.
وما أشبه ذلك مـمن فعل ذلك, مـمن يطول بذكرهم الكتاب؟ قـيـل: وجه من فعل ذلك إن شاء الله تعالـى علـى طلب الـخموصة لنفسه والقوّة, لا علـى طلب البرّ بفعله. وفعلهم ذلك نظير ما كان عمر بن الـخطاب يأمرهم به بقوله: «اخشوشنوا وتـمعددوا وانزوا علـى الـخيـل نزوا واقطعوا الرّكُب وامشوا حفـاة», يأمرهم فـي ذلك بـالتـخشن فـي عيشهم لئلا يتنعموا فـيركنوا إلـى خفض العيش ويـميـلوا إلـى الدعة فـيجبنوا ويحتـموا عن أعدائهم, وقد رغب لـمن واصل عن الوصال كثـير من أهل الفضل.
2484ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي, قال: حدثنا سفـيان, عن أبـي إسحاق: أن ابن أبـي نعيـم كان يواصل من الأيام حتـى لا يستطيع أن يقوم, فقال عمرو بن ميـمون: لو أدرك هذا أصحاب مـحمد صلى الله عليه وسلم رجموه.
ثم فـي الأخبـار الـمتواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بـالنهي عن الوصال التـي يطول بإحصائها الكتاب تركنا ذكر أكثرها استغناء بذكر بعضها, إذ كان فـي ذكر ما ذكرنا مكتفـى عن الاستشهاد علـى كراهة الوصال بغيره.
2485ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا يحيى بن سعيد, عن عبد الله, قال: أخبرنـي نافع, عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الوصال, قالوا: إنك تواصل يا رسول الله قال: «إنّـي لَسْتُ كأحَدٍ مِنْكُمْ, إنّـي أبِـيتُ أُطْعَمُ وأُسْقَـى».
وقد رُوي عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم الإذن بـالوصال من السحر إلـى السحر.
2486ـ حدثنـي مـحمد بن عبد الله بن عبد الـحكم الـمصري, قال: حدثنا أبو شعيب, عن اللـيث, عن يزيد بن الهاد عن عبد الله بن خبـاب, عن أبـي سعيد الـخدري أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تُوَاصِلُوا فأيّكُمْ أرَادَ أنْ يُواصِلَ فَلْـيُوَاصِلْ حتّـى السّحَرِ», قالوا: يا رسول الله إنك تواصل, قال: «إنّـي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ إنّـي أبِـيتُ لـي مُطْعِمٌ يُطْعِمُنِـي وَساقٍ يَسْقِـينـي».
2487ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا أبو نعيـم, قال: حدثنا أبو إسرائيـل العبسي, عن أبـي بكر بن حفص, عن أم ولد حاطب بن أبـي بلتعة أنها مرّت برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتسحر, فدعاها إلـى الطعام فقالت: إنـي صائمة, قال: «وَكَيْفَ تَصُومِينَ»؟ فذكرت ذلك للنبـيّ صلى الله عليه وسلم, فقال: «أيْنَ أنْتِ من وِصَالِ آل مُـحَمّدِ صلى الله عليه وسلم, مِنَ السّحَرِ إلـى السّحَرِ»؟.
فتأول الآية إذن: ثم أتـموا الكفّ عما أمركم الله بـالكفّ عنه, من حين يتبـين لكم الـخيط الأبـيض من الـخيط الأسود من الفجر إلـى اللـيـل, ثم حلّ لكم ذلك بعده إلـى مثل ذلك الوقت. كما:
2488ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: ثُمّ أتِـمّوا الصيّامَ إلـى اللـيْـلِ قال: من هذه الـحدود الأربعة, فقرأ: أُحِلّ لَكُمْ لَـيْـلَة الصّيامِ الرّفَثُ إلـى نِسائِكُم فقرأ حتـى بلغ: ثُم أتـمّوا الصيّامَ إلـى اللّـيْـلِ وكان أبـي وغيره من مشيختنا يقولون هذا ويتلونه علـينا.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَلا تُبـاشِرُوهُنّ وأنْتُـمْ عاكِفُونَ فِـي الـمَساجِد.
يعنـي تعالـى ذكره بقوله: وَلا تُبـاشِرُوهُنّ لا تـجامعوا نساءكم, وبقوله: وأنْتُـمْ عاكِفُونَ فِـي الـمَساجِدِ يقول: فـي حال عكوفكم فـي الـمساجد, وتلك حال حبسهم أنفسهم علـى عبـادة الله فـي مساجدهم. والعكوف أصله الـمقام, وحبس النفس علـى الشيء, كما قال الطرمّاح بن حكيـم:
فبـاتَ بَناتُ اللّـيْـلِ حَوْلِـيَ عُكّفـاعُكُوفَ البَوَاكِي بَـيْنَهُنّ صَريعُ
يعنـي بقوله عكفـا: مقـيـمة. وكما قال الفرزدق:
تَرَى حَوْلهنّ الـمُعْتَفِـينَ كأنّهُمْعَلـى صَنـمٍ فِـي الـجاهِلَـيّةِ عُكّفُ
وقد اختلف أهل التأويـل فـي معنى الـمبـاشرة التـي عنى الله بقوله: وَلا تُبـاشِرُوهُنّ فقال بعضهم: معنى ذلك الـجماع دون غيره من معانـي الـمبـاشرة. ذكر من قال ذلك:
2489ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: حدثنـي معاوية بن صالـح, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس فـي قوله: وَلا تُبـاشِرُوهُنّ وأنْتُـمْ عاكِفُونَ فِـي الـمَساجِدِ فـي رمضان أو فـي غير رمضان, فحرم الله أن ينكح النساء لـيلاً ونهارا حتـى يقضي اعتكافه.
2490ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا سويد, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, عن ابن جريج, قال: قال لـي عطاء: وَلا تُبـاشِرُوهُنّ وأنْتُـمْ عاكِفُونَ فِـي الـمَساجِدِ قال: الـجماع.
2491ـ حدثنا سفـيان بن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن سفـيان, عن علقمة بن مرثد, عن الضحاك, قال: كانوا يجامعون وهم معتكفون, حتـى نزلت: وَلا تُبـاشِرُوهُنّ وأنْتُـمْ عاكِفُونَ فِـي الـمَساجِدِ.
2492ـ حدثنا الـمثنى, قال: حدثنا سويد, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, عن سفـيان, عن علقمة بن مرثد, عن الضحاك فـي قوله: وَلا تُبـاشِرُوهُنّ وأنْتُـمْ عاكِفُونَ فِـي الـمَساجِدِقال: كان الرجل إذا اعتكف فخرج من الـمسجد جامع إن شاء, فقال الله وَلا تُبـاشِرُوهُنّ وأنْتُـمْ عاكِفُونَ فِـي الـمَساجِدِ يقول: لا تقربوهن ما دمتـم عاكفـين فـي مسجد أو غيره.
2493ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا سويد, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك عن جويبر عن الضحاك نـحوه.
2494ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع, قال: كان أناس يصيبون نساءهم وهم عاكفون فـيها فنهاهم الله عن ذلك.
2495ـ وحدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: وَلا تُبـاشِرُوهُنّ وأنْتُـمْ عاكِفُونَ فِـي الـمَساجِدِ قال: كان الرجل إذا خرج من الـمسجد وهو معتكف ولقـي امرأته بـاشرها إن شاء, فنهاهم الله عزّ وجل عن ذلك, وأخبرهم أن ذلك لا يصلـح حتـى يقضي اعتكافه.
2496ـ حدثنا موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي: وَلا تُبـاشِرُوهُنّ وأنْتُـمْ عاكِفُونَ فِـي الـمَساجِدِ يقول: من اعتكف فإنه يصوم ولا يحلّ له النساء ما دام معتكفـا.
2497ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: وَلا تُبـاشِرُوهُنّ وأنْتُـمْ عاكِفُونَ فِـي الـمَساجِدِقال: الـجوار, فإذا خرج أحدكم من بـيته إلـى بـيت الله فلا يقرب النساء.
2498ـ حدثنا الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد قال: كان ابن عبـاس يقول: من خرج من بـيته إلـى بـيت الله فلا يقرب النساء.
2499ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة فـي قوله: وَلا تُبـاشِرُوهُنّ وأنْتُـمْ عاكِفُونَ فِـي الـمَساجِدِ قال: كان الناس إذا اعتكفوا يخرج الرجل فـيبـاشر أهله ثم يرجع إلـى الـمسجد, فنهاهم الله عن ذلك.
2500ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنـي حجاج, عن ابن جريج, قال: قال ابن عبـاس: كانوا إذا اعتكفوا فخرج الرجل إلـى الغائط جامع امرأته, ثم اغتسل, ثم رجع إلـى اعتكافه, فنهوا عن ذلك.
قال ابن جريج: قال مـجاهد, نهوا عن جماع النساء فـي الـمساجد حيث كانت الأنصار تـجامع, فقال: وَلا تُبـاشِرُوهُنّ وأنْتُـمْ عاكِفُونَ قال: عاكفون الـجوار. قال ابن جريج: فقلت لعطاء: الـجماع الـمبـاشرة؟ قال: الـجماع نفسه, فقلت له: فـالقُبلة فـي الـمسجد والـمسة؟ فقال: أما ما حرم فـالـجماع, وأنا أكره كل شيء من ذلك فـي الـمسجد.
2501ـ حدثت عن حسين بن الفرج, قال: حدثنا الفضل بن خالد, قال: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان, عن الضحاك: وَلا تُبَـاشِرُوهُنّ يعنـي الـجماع.
وقال آخرون: معنى ذلك علـى جميع معانـي الـمبـاشرة من لـمس وقبلة وجماع. ذكر من قال ذلك:
2502ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال مالك بن أنس: لا يـمسّ الـمعتكف امرأته ولا يبـاشرها ولا يتلذّذ منها بشيء, قبلة ولا غيرها.
2503ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: وَلا تُبـاِشُروهُنّ وأنْتُـمْ عاكِفُونَ فِـي الـمَساجِد قال: الـمبـاشرة: الـجماع وغير الـجماع كله مـحرّم علـيه, قال: الـمبـاشرة بغير جماع: إلصاق الـجلد بـالـجلد.
وعلة من قال هذا القول, أن الله تعالـى ذكره عمّ بـالنهي عن الـمبـاشرة ولـم يخصص منها شيئا دون شيء فذلك علـى ما عمه حتـى تأتـي حجة يجب التسلـيـم لها بأنه عنى به مبـاشرة دون مبـاشرة.
وأولـى القولـين عندي بـالصواب قول من قال: معنى ذلك الـجماع أو ما قام مقام الـجماع مـما أوجب غسلاً إيجابه وذلك أنه لا قول فـي ذلك إلا أحد قولـين: أما من جعل حكم الآية عاما, أو جعل حكمها فـي خاصّ من معانـي الـمبـاشرة. وقد تظاهرت الأخبـار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نساءه كن يرجلنه وهو معتكف, فلـما صحّ ذلك عنه, علـم أن الذي عنى به من معانـي الـمبـاشرة البعض دون الـجميع.
2504ـ حدثنا علـيّ بن شعيب, قال: حدثنا معن بن عيسى القزاز, قال: أخبرنا مالك, عن الزهري, عن عروة, عن عمرة, عن عائشة: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اعتكف يدنـي إلـيّ رأسه فأرجّله».
2505ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرنـي يونس, عن ابن شهاب, عن عروة بن الزبـير وعمرة أن عائشة قالت: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لـم يكن يدخـل البـيت إلا لـحاجة الإنسان, وكان يُدخـل علـيّ رأسه وهو فـي الـمسجد فأرجّله».
2506ـ حدثنا سفـيان بن وكيع, قال: حدثنا أبـي عن هشام بن عروة, عن أبـيه, عن عائشة, قالت: «كان النبـيّ صلى الله عليه وسلم يدنـي إلـيّ رأسه وهو مـجاور فـي الـمسجد وأنا فـي حجرتـي وأنا حائض, فأغسله وأرجله».
2507ـ حدثنا سفـيان, قال: حدثنا ابن فضيـل, ويعلـى بن عبـيد, عن الأعمش, عن تـميـم بن سلـمة, عن عروة عن عائشة قالت: «كان النبـيّ صلى الله عليه وسلم يعتكف فـيخرج إلـيّ رأسه من الـمسجد وهو عاكف فأغسله وأنا حائض».
2508ـ حدثنـي مـحمد بن معمر, قال: حدثنا حماد بن مسعدة, قال: حدثنا مالك بن أنس, عن الزهري وهشام بن عروة جميعا, عن عروة, عن عائشة: «أن النبـيّ صلى الله عليه وسلم كان يخرج رأسه فأرجله وهو معتكف».
فإذا كان صحيحا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ذكرنا من غسل عائشة رأسه وهو معتكف, فمعلوم أن الـمراد بقوله: وَلا تُبـاشِروهُن وأنْتُـمْ عاكِفُونَ فِـي الـمَساجِدِ غير جميع ما لزمه اسم الـمبـاشرة وأنه معنـيّ به البعض من معانـي الـمبـاشرة دون الـجميع. فإذا كان ذلك كذلك, وكان مـجمعا علـى أن الـجماع مـما عنى به كان واجبـا تـحريـم الـجماع علـى الـمعتكف وما أشبهه, وذلك كل ما قام فـي الالتذاذ مقامه من الـمبـاشرة.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلا تَقْرَبُوها.
يعنـي تعالـى ذكره بذلك هذه الأشياء التـي بـينتها من الأكل والشرب والـجماع فـي شهر رمضان نهارا فـي غير عذر, وجماع النساء فـي الاعتكاف فـي الـمساجد.
يقول: هذه الأشياء حددتها لكم, وأمرتكم أن تـجتنبوها فـي الأوقات التـي أمرتكم أن تـجتنبوها وحرّمتها فـيها علـيكم, فلا تقربوها وابعدوا منها أن تركبوها, فتستـحقوا بها من العقوبة ما يستـحقه من تعدى حدودي وخالف أمري وركب معاصيّ.
وكان بعض أهل التأويـل يقول: حدود الله: شروطه. وذلك معنى قريب من الـمعنى الذي قلنا, غير أن الذي قلنا فـي ذلك أشبه بتأويـل الكلـمة, وذلك أن حدّ كل شيء ما حصره من الـمعانـي وميز بـينه وبـين غيره, فقوله: تِلْكَ حُدوُدُ اللّهِ من ذلك, يعنـي به الـمـحارم التـي ميزها من الـحلال الـمطلق فحددها بنعوتها وصفـاتها وعرّفها عبـاده. ذكر من قال ذلك بـمعنى الشروط:
2509ـ حدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي, قال: أما حدود الله فشروطه.
وقال بعضهم: حدود الله: معاصيه. ذكر من قال ذلك:
2510ـ حدثت عن الـحسين بن الفرج, قال: سمعت الفضل بن خالد, قال: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان, عن الضحاك: تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ يقول: معصية الله, يعنـي الـمبـاشرة فـي الاعتكاف.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: كَذِلَكَ يُبَـيّنُ اللّهُ آياتِهِ للنّاسِ لَعَلّهُمْ يَتّقُون.
يعنـي تعالـى ذكره بذلك: كما بـينت لكم أيها الناس واجب فرائضي علـيكم من الصوم, وعرّفتكم حدوده وأوقاته, وما علـيكم منه فـي الـحضر, وما لكم فـيه فـي السفر والـمرض, وما اللازم لكم تـجنبه فـي حال اعتكافكم فـي مساجدكم, فأوضحت جميع ذلك لكم, فكذلك أبـين أحكامي وحلالـي وحرامي وحدودي ونهيـي فـي كتابـي وتنزيـلـي, وعلـى لسان رسولـي وصلـى الله علـيه وسلـم للناس.
ويعنـي بقوله: ولَعَلَهُمْ يَتَقُونَ يقول: أبـين ذلك لهم لـيتقوا مـحارمي ومعاصيّ, ويتـجنبوا سخطي وغضبـي بتركهم ركوب ما أبـين لهم فـي أياتـي أنـي قد حرمته علـيهم, وأمرتهم بهجره وتركه.
الآية : 188
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلاَ تَأْكُلُوَاْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقاً مّنْ أَمْوَالِ النّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ }
يعنـي تعالـى ذكره بذلك: ولا يأكل بعضكم مال بعض بـالبـاطل. فجعل تعالـى ذكره بذلك أكل مال أخيه بـالبـاطل كالاَكل مال نفسه بـالبـاطل, ونظير ذلك قوله تعالـى: وَلا تَلْـمِزُوا أنْفُسَكُمْ وقوله: وَلا تَقْتُلُوا أنْفُسَكُمْ بـمعنى: لا يـلـمز بعضكم بعضا, ولا يقتل بعضكم بعضا لأن الله تعالـى ذكره جعل الـمؤمنـين إخوة, فقاتل أخيه كقاتل نفسه, ولامزه كلامز نفسه, وكذلك تفعل العرب تكنـي عن أنفسها بأخواتها, وعن أخواتها بأنفسها, فتقول: أخي وأخوك أينا أبطش, تعنـي أنا وأنت نصطرع فننظر أينا أشد, فـيكنـي الـمتكلـم عن نفسه بأخيه, لأن أخا الرجل عندها كنفسه ومن ذلك قول الشاعر:
أخي وأخُوكَ بِبَطْن النّسَيْرِلَـيْسَ لنَا مِنْ مَعَدّ عَرِيْب
فتأويـل الكلام: ولا يأكل بعضكم أموال بعض فـيـما بـينكم بـالبـاطل, وأكله بـالبـاطل أكله من غير الوجه الذي أبـاحه الله لاَكلـيه.
وأما قوله: وَتُدْلُوا بها إلـى الـحُكّام فإنه يعنـي: وتـخاصموا بها, يعنـي بأموالكم إلـى الـحكام لتأكلوا فريقا, طائفة من أموال الناس بـالإثم وأنتـم تعلـمون.
ويعنـي بقوله: بـالإثْم بـالـحرام الذي قد حرمه الله علـيكم, وأنْتُـمْ تَعْلَـمُونَ أي وأنتـم تتعمدون أكل ذلك بـالإثم علـى قصد منكم إلـى ما حرم الله علـيكم منه, ومعرفة بأن فعلكم ذلك معصية لله وإثم. كما:
2511ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية بن صالـح, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس: وَلا تأكُلُوا أمْوَالَكُمْ بَـيْنكُمْ بـالبـاطِلِ وَتُدْلُوا بها إلـى الـحُكّامِ فهذا فـي الرجل يكون علـيه مال ولـيس علـيه فـيه بـينة فـيجحد الـمال فـيخاصمهم إلـى الـحكام وهو يعرف أن الـحق علـيه, وهو يعلـم أنه آثم آكل حراما.
2512ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي قول الله: وَتُدْلُوا بها إلـى الـحُكّامِ قال: لا تـخاصم وأنت ظالـم.
2513ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
2514ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: وَلا تأكُلُوا أمْوَالَكُمْ بَـيْنكُمْ بـالبـاطِلِ وَتُدْلُوا بها إلـى الـحُكّامِ وكان يقال: من مشى مع خصمه وهو له ظالـم فهو آثم حتـى يرجع إلـى الـحقّ. واعلـم يا ابن آدم أن قضاء القاضي لا يحلّ لك حراما ولا يحقّ لك بـاطلاً, وإنـما يقضي القاضي بنـحو ما يرى ويشهد به الشهود, والقاضي بشر يخطىء ويصيب. واعلـموا أنه من قد قضي له بـالبـاطل, فإن خصومته لـم تنقض حتـى يجمع الله بـينهما يوم القـيامة, فـيقضي علـى الـمبطل للـمـحق, ويأخذ مـما قضي به للـمبطل علـى الـمـحق فـي الدنـيا.
2515ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة فـي قوله: وَتُدْلُوا بها إلـى الـحُكّامِ قال: لا تدل بـمال أخيك إلـى الـحاكم وأنت تعلـم أنك ظالـم, فإن قضاءه لا يحل لك شيئا كان حراما علـيك.
2516ـ حدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي: وَلا تأكُلُوا أمْوَالَكُمْ بَـيْنكُمْ بـالبـاطِلِ وَتُدْلُوا بها إلـى الـحُكّامِ لتِأكُلُوا فَريقا مِنْ أمْوَالِ النّاسِ بـالإثْمِ وأنْتُـمْ تَعْلَـمُونَ أما البـاطل, يقول: يظلـم الرجل منكم صاحبه, ثم يخاصمه لـيقطع ماله وهو يعلـم أنه ظالـم, فذلك قوله: وَتُدْلُوا بها إلـى الـحُكّامِ.
2517ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي خالد الواسطي, عن داود بن أبـي هند, عن عكرمة قوله: وَلا تأكُلُوا أمْوَالَكُمْ بَـيْنكُمْ بـالبـاطِلِ قال: هو الرجل يشتري السلعة فـيردّها ويردّ معها دراهم.
2518ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: وَلا تأكُلُوا أمْوَالَكُمْ بَـيْنكُمْ بـالبـاطِلِ وَتُدْلُوا بها إلـى الـحُكّامِ يقول: يكون أجدل منه وأعرف بـالـحجة, فـيخاصمه فـي ماله بـالبـاطل لـيأكل ماله بـالبـاطل. وقرأ: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا وَلا تأكُلُوا أمْوَالَكُمْ بَـيْنكُمْ بـالبـاطِلِ إلاّ أنْ تَكُونَ تِـجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ قال: هذا القمار الذي كان يعمل به أهل الـجاهلـية.
وأصل الإدلاء: إرسال الرجل الدلو فـي سبب متعلقا به فـي البئر, فقـيـل للـمـحتـجّ بدعواه أدلـى بحجة كيت وكيت إذ كان حجته التـي يحتـجّ بها سببـا له هو به متعلق فـي خصومته كتعلق الـمستقـي من بئر بدلو قد أرسلها فـيها بسببها الذي الدلو به متعلقة, يقال فـيها جميعا, أعنـي من الاحتـجاج, ومن إرسال الدلو فـي البئر بسبب: أدلـى فلان بحجته فهو يدلـي بها إدلاء, وأدلـى دلوه فـي البئر فهو يدلـيها إدلاء.
فأما قوله: وَتُدْلُوا بِها إلـى الـحُكّامِ فإن فـيه وجهين من الإعراب, أحدهما: أن يكون قوله: وَتُدْلُوا جزما عطفـا علـى قوله: وَلا تأكُلُوا أمْوَالَكُمْ بَـيْنكُمْ بـالبـاطِلِ أي ولا تدلوا بها إلـى الـحكام, وقد ذكر أن ذلك كذلك فـي قراءة أبـيّ بتكرير حرف النهي, ولا تدلوا بها إلـى الـحكام. والاَخر منهما النصب علـى الظرف, فـيكون معناه حينئذ: لا تأكلوا أموالكم بـينكم بـالبـاطل وأنتـم تدلون بها إلـى الـحكام, كما قال الشاعر:
لا تَنْهَ عَنْ خُـلُقٍ وتَأتِـيَ مِثْلَهُعارٌ عَلَـيْكُ إذَا فَعَلْتَ عَظِيـمُ
يعنـي: لا تنه عن خـلق وأنت تأتـي مثله, وهو أن يكون فـي موضع جزم علـى ما ذكر فـي قراءة أبـيّ أحسن منه أن يكون نصبـا.
الآية : 189
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنّاسِ وَالْحَجّ وَلَيْسَ الْبِرّ بِأَن تَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَـَكِنّ الْبِرّ مَنِ اتّقَىَ وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتّقُواْ اللّهَ لَعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ }
ذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن زيادة الأهلة ونقصانها واختلاف أحوالها, فأنزل الله تعالـى ذكره هذه الآية جوابـا لهم فـيـما سألوا عنه. ذكر الأخبـار بذلك:
2519ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: يَسألُونَكَ عَنِ الأهِلّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِـيتُ للنّاسَ قال قتادة: سألوا نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك: لـم جعلت هذه الأهلة؟ فأنزل الله فـيها ما تسمعون: هِيَ مَوَاقِـيتُ للنّاسِ فجعلها لصوم الـمسلـمين ولإفطارهم ولـمناسكهم وحجهم ولعدّة نسائهم ومـحلّ دَينهم فـي أشياء, والله أعلـم بـما يصلـح خـلقه.
2520ـ حدثنـي الـمثنى,, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع, قال: ذكر لنا أنهم قالوا للنبـيّ صلى الله عليه وسلم: لـم خـلقت الأهلة؟ فأنزل الله تعالـى:يَسألُونَكَ عَنِ الأهِلّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِـيتُ للّناسِ وَالـحَجّ جعلها الله مواقـيت لصوم الـمسلـمين وإفطارهم ولـحجهم ومناسكهم وعدّة نسائهم وحلّ ديونهم.
2521ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة فـي قوله: مَوَاقِـيتُ للّناسِ وَالـحَجّ قال: هي مواقـيت للناس فـي حجهم وصومهم وفطرهم ونسكهم.
2522ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنـي حجاج, عن ابن جريج, قال: قال الناس: لـم خـلقت الأهلة؟ فنزلت: يَسألُونَكَ عَنِ الأهِلّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِـيتُ للّناسِ لصومهم وإفطارهم وحجهم ومناسكهم. قال: قال ابن عبـاس: ووقت حجهم, وعدة نسائهم, وحلّ دينهم.
2523ـ حدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي: يَسألُونَكَ عَنِ الأهِلّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِـيتُ للّناسِ فهي مواقـيت الطلاق والـحيض والـحج.
2524ـ حدثت عن الـحسين بن الفرج, قال: حدثنا الفضل بن خالد, قال: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان, عن الضحاك: يَسألُونَكَ عَنِ الأهِلّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِـيتُ للّناسِ يعنـي حل دَينهم, ووقت حجهم, وعدّة نسائهم.
2525ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: حدثنـي أبـي, قال: حدثنـي عمي, قال: حدثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قال: سأل الناس رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن الأهلة, فنزلت هذه الآية: يَسألُونَكَ عَنِ الأهِلّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِـيتُ للّناسِ يعلـمون بها حل دينهم, وعدّة نسائهم, ووقت حجهم.
2526ـ حدثنا أحمد بن إسحاق, قال: حدثنا أبو أحمد عن شريك, عن جابر, عن عبد الله بن يحيى, عن علـيّ أنه سئل عن قوله: مَوَاقِـيتُ للّناسِ قال: هي مواقـيت الشهر هكذا وهكذا وهكذا وقبض إبهامه فإذا رأيتـموه فصوموا, وإذا رأيتـموه فأفطروا, فإن غمّ علـيكم فأتـموا ثلاثـين.
فتأويـل الآية إذا كان الأمر علـى ما ذكرنا عمن ذكرنا عنه قوله فـي ذلك: يسألونك يا مـحمد عن الأهلة ومـحاقها وسِرارها وتـمامها واستوائها وتغير أحوالها بزيادة ونقصان ومـحاق واستسرار, وما الـمعنى الذي خالف بـينه وبـين الشمس التـي هي دائمة أبدا علـى حال واحدة لا تتغير بزيادة ولا نقصان, فقل يا مـحمد خالف بـين ذلك ربكم لتصيـيره الأهلة التـي سألتـم عن أمرها ومخالفة ما بـينها وبـين غيرها فـيـما خالف بـينها وبـينه مواقـيت لكم ولغيركم من بنـي آدم فـي معايشهم, ترقبون بزيادتها ونقصانها ومـحاقها واستسرارها وإهلالكم إياها أوقات حل ديونكم, وانقضاء مدة إجارة من استأجرتـموه, وتصرّم عدة نسائكم, ووقت صومكم وإفطاركم, فجعلها مواقـيت للناس.
وأما قوله: وَالـحَجّ فإنه يعنـي وللـحج, يقول: وجعلها أيضا ميقاتا لـحجكم تعرفون بها وقت مناسككم وحجكم.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَلَـيْسَ الْبِرّ بِأنْ تَأتُوا البُـيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلَكِنّ البِرّ مَنِ اتّقَـى وأتْوُا البُـيُوتَ مِنْ أبْوَابِها وَاتّقُوا اللّهَ لَعَلّكُمْ تُفْلِـحُون.
قـيـل: نزلت هذه الآية فـي قوم كانوا لا يدخـلون إذا أحرموا بـيوتهم من قبل أبوابها. ذكر من قال ذلك:
2527ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, عن شعبة, عن أبـي إسحاق, قال: سمعت البراء يقول: كانت الأنصار إذا حجوا ورجعوا لـم يدخـلوا البـيوت إلا من ظهورها. قال: فجاء رجل من الأنصار فدخـل من بـابه, فقـيـل له فـي ذلك, فنزلت هذه الآية: وَلَـيْسَ البِرّ بِأنْ تَأتُوا البُـيُوتَ مِنْ ظُهُورِها.
2528ـ حدثنـي سفـيان بن وكيع, قال: حدثنـي أبـي, عن إسرائيـل, عن أبـي إسحاق, عن البراء قال: كانوا فـي الـجاهلـية إذا أحرموا أتوا البـيوت من ظهورها, ولـم يأتوا من أبوابها, فنزلت: وَلَـيْسَ البِرّ بِأنْ تَأتُوا البُـيُوتَ مِنْ ظُهُورِها... الآية.
2529ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا الـمعتـمر بن سلـيـمان, قال: سمعت داود, عن قـيس بن حبـير: أن ناسا كانوا إذا أحرموا لـم يدخـلوا حائطا من بـابه ولا دارا من بـابها أو بـيتا, فدخـل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه دارا. وكان رجل من الأنصار يقال له رفـاعة بن تابوت, فجاء فتسوّر الـحائط, ثم دخـل علـى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فلـما خرج من بـاب الدار أو قال من بـاب البـيت خرج معه رفـاعة, قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما حَمَلَكَ عَلـى ذَلِكَ؟» قال: يا رسول الله رأيتك خرجت منه, فخرجت منه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّـي رَجلٌ أحْمَسُ», فقال: إن تكن رجلاً أحمس فإن ديننا واحد. فأنزل الله تعالـى ذكره: وَلَـيْسَ الْبِرّ بِأنْ تَأتُوا البُـيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلَكِنّ البِرّ مَنِ اتّقَـى وأتْوُا البُـيُوتَ مِنْ أبْوَابِها.
2530ـ حدثنا مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي قول الله تعالـى ذكره: وَلَـيْسَ البِرّ بِأنْ تَأتُوا البُـيُوتَ مِنْ ظُهُورِها يقول: لـيس البرّ بأن تأتوا البـيوت من كوّات فـي ظهور البـيوت وأبواب فـي جنوبها تـجعلها أهل الـجاهلـية. فنهوا أن يدخـلوا منها وأمروا أن يدخـلوا من أبوابها.
2531ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
2532ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن مغيرة, عن إبراهيـم, قال: كان ناس من أهل الـحجاز إذا أحرموا لـم يدخـلوا من أبواب بـيوتهم ودخـلوا من ظهورها, فنزلت: وَلَكِنّ البِرّ مَنِ اتّقَـى الآية.
2533ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن منصور, عن مـجاهد فـي قوله: وَلَـيْسَ الْبِرّ بِأنْ تَأتُوا البُـيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلَكِنّ البِرّ مَنِ اتّقَـى وأتْوُا البُـيُوتَ مِنْ أبْوَابِها قال: كان الـمشركون إذا أحرم الرجل منهم نقب كوّة فـي ظهر بـيته فجعل سلـما فجعل يدخـل منها. قال: فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ومعه رجل من الـمشركين, قال: فأتـى البـاب لـيدخـل, فدخـل منه. قال: فـانطلق الرجل لـيدخـل من الكوّة. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما شأنكَ؟» فقال: أنـي أحمس, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وأنا أحْمَسُ».
2534ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن الزهري, قال: كان ناس من الأنصار إذا أهلوا بـالعمرة لـم يحل بـينهم وبـين السماء شيء يتـحرّجون من ذلك, وكان الرجل يخرج مُهلاّ بـالعمرة فتبدو له الـحاجة بعد ما يخرج من بـيته فـيرجع ولا يدخـل من بـاب الـحجرة من أجل سقـف البـاب أن يحول بـينه وبـين السماء, فـيفتـح الـجدار من ورائه, ثم يقوم فـي حجرته فـيأمر بحاجته فُتـخرج إلـيه من بـيته. حتـى بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهلّ زمن الـحديبـية بـالعمرة, فدخـل حجرة, فدخـل رجل علـى أثره من الأنصار من بنـي سلـمة, فقال له النبـيّ صلى الله عليه وسلم: «إنّـي أحْمَسُ».
2535ـ قال الزهري: وكان الـحمس لا يبـالون ذلك. فقال الأنصاري: وأنا أحمس, يقول: وأنا علـى دينك. فأنزل الله تعالـى ذكره: وَلَـيْسَ البِرّ بِأنْ تَأتُوا البُـيُوتَ مِنْ ظُهُورِها.
2536ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: وَلَـيْسَ البِرّ بِأنْ تَأتُوا البُـيُوتَ الآية كلها. قال قتادة: كان هذا الـحيّ من الأنصار فـي الـجاهلـية إذا أهلّ أحدهم بحجّ أو عمرة لا يدخـل دارا من بـابها إلا أن يتسوّر حائطا تسوّرا, وأسلـموا وهم كذلك. فأنزل الله تعالـى ذكره فـي ذلك ما تسمعون, ونهاهم عن صنـيعهم ذلك, وأخبرهم أنه لـيس من البرّ صنـيعهم ذلك, وأمرهم أن يأتوا البـيوت من أبوابها.
2537ـ حدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي قوله: وَلَـيْسَ البِرّ بِأنْ تَأتُوا البُـيُوتَ مِنْ ظُهُورِها فإن ناسا من العرب كانوا إذا حجوا لـم يدخـلوا بـيوتهم من أبوابها كانوا ينقبون فـي أدبـارها, فلـما حجّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع أقبل يـمشي ومعه رجل من أولئك وهو مسلـم. فلـما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم بـاب البـيت احتبس الرجل خـلفه وأبى أن يدخـل قال: يا رسول الله إنـي أحمس يقول: إنـي مـحرم وكان أولئك الذين يفعلون ذلك يسمون الـحُمْس. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وأنا أيْضا أحْمَسُ فـادْخُـلْ» فدخـل الرجل, فأنزل الله تعالـى ذكره: وأتْوُا البُـيُوتَ مِنْ أبْوَابِها.
2538ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: حدثنـي أبـي, قال: حدثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس: وَلَـيْسَ الْبِرّ بِأنْ تَأتُوا البُـيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلَكِنّ البِرّ مَنِ اتّقَـى وأتْوُا البُـيُوتَ مِنْ أبْوَابِها. وإن رجالاً من أهل الـمدينة كانوا إذا خاف أحدهم من عدوّه شيئا أحرم فأمن, فإذا أحرم لـم يـلـج من بـاب بـيته واتـخذ نقبـا من ظهر بـيته. فلـما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم الـمدينة كان بها رجل مـحرم كذلك, وإن أهل الـمدينة كانوا يسمون البستان: الـحُشّ. وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخـل بستانا, فدخـله من بـابه, ودخـل معه ذلك الـمـحرم, فناداه رجل من ورائه: يا فلان إنك مـحرم وقد دخـلت فقال: «أَنا أحْمَسُ», فقال: يا رسول الله إن كنتَ مـحرما فأنا مـحرم, وإن كنتَ أحمس فأنا أحمس. فأنزل الله تعالـى ذكره:وَلَـيْسَ البِرّ بِأنْ تَأتُوا البُـيُوتَ مِنْ ظُهُورِها إلـى آخر الآية. فأحلّ الله للـمؤمنـين أن يدخـلوا من أبوابها.
2539ـ حدثت عن عمار بن الـحسن, قال: حدثنا عبد الله بن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيّع قوله: وَلَـيْسَ الْبِرّ بِأنْ تَأتُوا البُـيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلَكِنّ البِرّ مَنِ اتّقَـى وأتْوُا البُـيُوتَ مِنْ أبْوَابِها قال: كان أهل الـمدينة وغيرهم إذا أحرموا لـم يدخـلوا البـيوت إلا من ظهورها, وذلك أن يتسوروها, فكان إذا أحرم أحدهم لا يدخـل البـيت إلا أن يتسوّره من قبل ظهره. وإن النبـيّ صلى الله عليه وسلم دخـل ذات يوم بـيتا لبعض الأنصار, فدخـل رجل علـى أثره مـمن قد أحرم, فأنكروا ذلك علـيه, وقالوا: هذا رجل فـاجر فقال له النبـيّ صلى الله عليه وسلم: «لِـمَ دَخَـلْتَ مِنَ البـابِ وَقَدْ أحْرَمْتَ؟» فقال: رأيتك يا رسول الله دخـلت فدخـلت علـى أثرك. فقال النبـيّ صلى الله عليه وسلم: «إنّـي أحْمَسُ» وقريش يومئذ تدعى الـحمس فلـما أن قال ذلك النبـيّ صلى الله عليه وسلم قال الأنصاريّ: إن دينـي دينك. فأنزل الله تعالـى ذكره: وَلَـيْسَ البِرّ بِأنْ تَأتُوا البُـيُوتَ مِنْ ظُهُورِها... الآية.
2540ـ حدثنا القاسم قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنـي حجاج, قال: قال ابن جريج, قلت لعطاء قوله: وَلَـيْسَ البِرّ بِأنْ تَأتُوا البُـيُوتَ مِنْ ظُهُورِها قال: كان أهل الـجاهلـية يأتون البـيوت من ظهورها ويرونه برّا, فقال «البرّ», ثم نعت البرّ, وأمر بأن يأتوا البـيوت من أبوابها.
قال ابن جريج: وأخبرنـي عبد الله بن كثـير أنه سمع مـجاهدا يقول: كانت هذه الآية فـي الأنصار يأتون البـيوت من ظهورها يتبررون بذلك.
فتأويـل الآية إذا: ولـيس البر أيها الناس بأن تأتوا البـيوت فـي حال إحرامكم من ظهورها, ولكن البرّ من اتقـى الله فخافه, وتـجنب مـحارمه, وأطاعه بأداء فرائضه التـي أمره بها, فأما إتـيان البـيوت من ظهورها فلا برّ لله فـيه, فأتوها من حيث شئتـم من أبوابها وغير أبوابها, ما لـم تعتقدوا تـحريـم إتـيانها من أبوابها فـي حال من الأحوال, فإن ذلك غير جائز لكم اعتقاده, لأنه مـما لـم أحرّمه علـيكم.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَاتّقُوا اللّهَ لَعَلّكُمْ تُفْلِـحُون.
يعنـي تعالـى ذكره بذلك: واتقوا الله أيها الناس فـاحذروه وارهبوه بطاعته فـيـما أمركم من فرائضه واجتناب ما نهاكم عنه لتفلـحوا فتنـجحوا فـي طلبـاتكم لديه وتدركوا به البقاء فـي جناته والـخـلود فـي نعيـمه. وقد بـينا معنى الفلاح فـيـما مضى قبل بـما يدلّ علـيه.
الآية : 190
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوَاْ إِنّ اللّهَ لاَ يُحِبّ الْمُعْتَدِينَ }
اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل هذه الآية, فقال بعضهم: هذه الآية هي أول آية نزلت فـي أمر الـمسلـمين بقتال أهل الشرك. وقالوا: أمر فـيها الـمسلـمون بقتال من قاتلهم من الـمشركين, والكفّ عمن كفّ عنهم, ثم نسخت ببراءة. ذكر من قال ذلك:
2541ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الرحمن بن سعد, وابن أبـي جعفر, عن أبـي جعفر, عن الربـيع فـي قوله: وَقاتِلُوا فِـي سَبِـيـلِ اللّهِ الّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إنّ اللّهَ لا يُحِبّ الـمُعْتَدِينَ قال: هذه أول آية نزلت فـي القتال بـالـمدينة, فلـما نزلت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقاتل من يقاتله ويكفّ عمن كفّ عنه حتـى نزلت براءة. ولـم يذكر عبد الرحمن «الـمدينة».
2542ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: وَقاتِلُوا فِـي سَبِـيـلِ اللّهِ الّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ إلـى آخر الآية. قال: قد نسخ هذا, وقرأ قول الله: قاتِلُوا الـمُشْرِكِينَ كافّةً كمَا يُقاتِلَونَكُمْ كافّةً وهذه الناسخة, وقرأ: بَرَاءَةٌ مِنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ حتـى بلغ: فإذَا انْسَلَـخَ الأشْهُرُ الـحُرُمُ فـاقْتُلُوا الـمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدَتْـمُوُهُمْ إلـى: إنّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيـم.
وقال آخرون: بل ذلك أمر من الله تعالـى ذكره للـمسلـمين بقتال الكفـار لـم ينسخ, وإنـما الاعتداء الذي نهاهم الله عنه هو نهيه عن قتل النساء والذراري. قالوا: والنهي عن قتلهم ثابت حكمه الـيوم. قالوا: فلا شيء نسخ من حكم هذه الآية. ذكر من قال ذلك:
2543ـ حدثنا سفـيان بن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن صدقة الدمشقـي, عن يحيى بن يحيى الغسانـي, قال: كتبت إلـى عمر بن العزيز أسأله عن قوله: وَقاتِلُوا فِـي سَبِـيـلِ اللّهِ الّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إنّ اللّهَ لا يُحِبّ الـمُعْتَدِينَ قال: فكتب إلـيّ أن ذلك فـي النساء والذرية ومن لـم ينصب لك الـحرب منهم.
2544ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي قول الله تعالـى ذكره: وَقاتِلُوا فـي سَبِـيـلِ اللّهِ الّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ لأصحاب مـحمد صلى الله عليه وسلم أمروا بقتال الكفـار.
2545ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
2546ـ حدثنـي علـيّ بن داود, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس: وَقاتِلُوا فِـي سَبِـيـلِ اللّهِ الّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إنّ اللّهَ لا يُحِبّ الـمُعْتَدِينَ يقول: لا تقتلوا النساء ولا الصبـيان ولا الشيخ الكبـير ولا من ألقـى إلـيكم السلـم وكفّ يده, فإن فعلتـم هذا فقد اعتديتـم.
2547ـ حدثنـي ابن البرقـي, قال: حدثنا عمرو بن أبـي سلـمة, عن سعيد بن عبد العزيز, قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلـى عديّ بن أرطاة: إنـي وجدت آية فـي كتاب الله: وَقاتِلُوا فِـي سَبِـيـلِ اللّهِ الّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إنّ اللّهَ لا يُحِبّ الـمُعْتَدِينَ أي لا تقاتل من لا يقاتلك, يعنـي النساء والصبـيان والرهبـان.
وأولـى هذين القولـين بـالصواب, القول الذي قاله عمر بن عبد العزيز لأن دعوى الـمدعي نسخ آية يحتـمل أن تكون غير منسوخة بغير دلالة علـى صحة دعواه تـحكم, والتـحكم لا يعجز عنه أحد.
وقد دللنا علـى معنى النسخ والـمعنى الذي من قبله يثبت صحة النسخ بـما قد أغنى عن إعادته فـي هذه الـموضع.
فتأويـل الآية إذا كان الأمر علـى ما وصفنا: وقاتلوا أيها الـمؤمنون فـي سبـيـل الله وسبـيـله: طريقه الذي أوضحه ودينه الذي شرعه لعبـاده. يقول لهم تعالـى ذكره: قاتلوا فـي طاعتـي, وعلـى ما شرعت لكم من دينـي, وادعوا إلـيه من ولـىّ عنه, واستكبر بـالأيدي والألسن, حتـى ينـيبوا إلـى طاعتـي, أو يعطوكم الـجزية صغارا إن كانوا أهل كتاب. وأمرهم تعالـى ذكره بقتال من كان منه قتال من مقاتلة أهل الكفر دون من لـم يكن منه قتال من نسائهم وذراريهم, فإنهم أموال وخول لهم إذا غلب الـمقاتلون منهم فقهروا, فذلك معنى قوله: وَقاتِلُوا فِـي سَبِـيـلِ اللّهِ الّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ لأنه أبـاح الكفّ عمن كفّ, فلـم يقاتل من مشركي أهل الأوثان والكافـين عن قتال الـمسلـمين من كفـار أهل الكتاب علـى إعطاء الـجزية صَغارا.
فمعنى قوله: وَلا تَعْتَدُوا لا تقتلوا ولـيدا ولا امرأة ولا من أعطاكم الـجزية من أهل الكتابـين والـمـجوس, إنّ اللّهَ لا يُحِبّ الـمُعْتَدِين الذين يجاوزون حدوده, فـيستـحلون ما حرّمه الله علـيهم من قتل هؤلاء الذين حرم قتلهم من نساء الـمشركين وذراريهم