تفسير الطبري تفسير الصفحة 27 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 27
028
026
 الآية : 177
القول في تأويل قوله تعالى: {لّيْسَ الْبِرّ أَن تُوَلّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـَكِنّ الْبِرّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنّبِيّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىَ حُبّهِ ذَوِي الْقُرْبَىَ وَالْيَتَامَىَ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السّبِيلِ وَالسّآئِلِينَ وَفِي الرّقَابِ وَأَقَامَ الصّلاةَ وَآتَى الزّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصّابِرِينَ فِي الْبَأْسَآءِ والضّرّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـَئِكَ الّذِينَ صَدَقُوآ وَأُولَـَئِكَ هُمُ الْمُتّقُونَ }
حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: حدثنـي أبـي, قال: حدثنـي عمي, قال: حدثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس قوله: لَـيْسَ البِرّ أنْ تُوَلوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الـمَشْرِقِ وَالـمَغْرِبِ يعنـي الصلاة. يقول: لـيس البر أن تصلوا ولا تعملوا, فهذا منذ تـحوّل من مكة إلـى الـمدينة, ونزلت الفرائض, وحدّ الـحدود, فأمر الله بـالفرائض والعمل بها.
1997ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: لَـيْسَ البرّ أنْ تُوَلّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الـمَشْرِقِ والـمغرِبِ ولكنّ البرّ ما ثبت فـي القلوب من طاعة الله.
1998ـ حدثنـي القاسم, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
1999ـ حدثنـي القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن ابن عبـاس, قال: هذه الآية نزلت بـالـمدينة: لَـيْسَ البِرّ أنْ تُوَلّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الـمَشْرق وَالـمَغْرِبِ يعنـي الصلاة, يقول: لـيس البرّ أن تصلوا ولا تعملوا غير ذلك. قال ابن جريج وقال مـجاهد: لَـيْسَ البِرّ أنْ تُوَلّوا وجوهَكم قِبَل الـمشرِق والـمغرِبِ يعنـي السجود ولكنّ البرّ ما ثبت فـي القلب من طاعة الله.
2000ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا أبو نـميـلة, عن عبـيد بن سلـيـمان, عن الضحاك بن مزاحم أنه قال فـيها, قال يقول: لـيس البرّ أن تصلوا ولا تعملوا غير ذلك. وهذا حين تـحوّل من مكة إلـى الـمدينة, فأنزل الله الفرائض وحدّ الـحدود بـالـمدينة, وأمر بـالفرائض أن يؤخذ بها.
وقال آخرون: عنى الله بذلك الـيهود والنصارى, وذلك أن الـيهود تصلـي فتوجّه قبل الـمغرب, والنصارى تصلـي فتوجّه قبل الـمشرق, فأنزل الله فـيهم هذه الآية يخبرهم فـيها أن البرّ غير العمل الذي يعملونه ولكنه ما بـيناه فـي هذه الآية. ذكر من قال ذلك:
2001ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر عن قتادة, قال: كانت الـيهود تصلـي قبل الـمغرب, والنصارى تصلـي قبل الـمشرق, فنزلت: لَـيْسَ البِرّ أنْ تُوَلوا وُجُوهَكُمْ قِبَل الـمَشْرِق وَالـمَغْرِبِ.
2002ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد بن زريع, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: لَـيْسَ البِرّ أنْ تُوَلّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الـمَشْرِقِ وَالـمَغْرِبِ وَلَكِنّ البِرّ مَنْ آمَنَ بـاللّهِ وَالـيَوْمِ الاَخِرِ ذكر لنا أن رجلاً سأل نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم عن البرّ, فأنزل الله هذه الآية, وذكر لنا أن نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم دعا الرجل فتلاها علـيه. وقد كان الرجل قبل الفرائض إذا شهد أن لا إله إلا الله وأن مـحمدا عبده ورسوله ثم مات علـى ذلك يُرْجَى له ويطمع له فـي خير فأنزل الله: لَـيْسَ البِرّ أنْ تُوَلّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الـمَشْرِقِ وَالـمَغْرِبِ وكانت الـيهود توجهت قِبَل الـمغرب, والنصارى قِبَل الـمشرق وَلَكِنّ البِرّ مَنْ آمَنَ بـاللّهِ وَالـيَوْمِ الاَخِر الآية.
2003ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع بن أنس قال: كانت الـيهود تصلـي قِبَل الـمغرب, والنصارى قِبَل الـمشرق, فنزلت: لَـيْسَ البِرّ أنْ تُوَلّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الـمَشْرِقِ وَالـمَغْرِبِ.
وأولـى هذين القولـين بتأويـل الآية القول الذي قاله قتادة والربـيع بن أنس أن يكون عنى بقوله: لَـيْسَ البِرّ أنْ تُوَلوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الـمَشْرِقِ وَالـمَغْرِبِ الـيهود والنصارى, لأن الاَيات قبلها مضت بتوبـيخهم ولومهم والـخبر عنهم وعما أعدّ لهم من ألـيـم العذاب, وهذا فـي سياق ما قبلها, إذ كان الأمر كذلك, لـيس البرّ أيها الـيهود والنصارى أن يولـي بعضكم وجهه قِبَل الـمشرق وبعضكم قِبَل الـمغرب, وَلَكِنّ البِرّ مَنْ آمَنَ بـاللّهِ وَالـيَوْمِ الاَخِرِ وَالـمَلائِكَةِ وَالكِتابِ الآية.
فإن قال قائل: فكيف قـيـل: وَلَكِنّ البِرّ مَنْ آمَنِ بـاللّهِ وقد علـمت أن البرّ فعل, و«مَنْ» اسم, فكيف يكون الفعل هو الإنسان؟ قـيـل: إن معنى ذلك غير ما توهمته, وإنـما معناه: ولكن البر كمن آمن بـالله والـيوم الاَخر, فوضع «مَنْ» موضع الفعل اكتفـاء بدلالته ودلالة صلته التـي هي له صفة من الفعل الـمـحذوف كما تفعله العرب فتضع الأسماء مواضع أفعالها التـي هي بها مشهورة, فتقول: «الـجود حاتـم, والشجاعة عنترة» و«إنـما الـجود حاتـم, والشجاعة عنترة», ومعناها: الـجود جود حاتـم, فتستغنـي بذكر حاتـم إذ كان معروفـا بـالـجود من إعادة ذكر الـجود بعد الذي قد ذكرته فتضعه موضع جوده لدلالة الكلام علـى ما حذفته استغناء بـما ذكرته عما لـم تذكره, كما قـيـل: واسْألِ الْقَرْيَةَ الّتِـي كُنّا فِـيهَا والـمعنى: أهل القرية, وكما قال الشاعر, وهو ذو الـخِرَق الطهوي:
حَسِبْتُ بُغامَ رَاحِلَتِـي عَناقاوَما هِيَ وَيْبَ غَيْرِكَ بـالعنَاقِ
يريد بغام عناق أو صوت (عناق) كما يقال: حسبت صياحي أخاك, يعنـي به حسبت صياحي صياح أخيك. وقد يجوز أن يكون معنى الكلام: ولكن البـارّ من آمن بـالله, فـيكون البرّ مصدرا وضع موضع الاسم.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وآتـى الـمَالَ علـى حُبّهِ ذَوِي القُرْبَى والـيتَامَى وَالـمَساكِينَ وَابْنَ السّبِـيـلِ وَالسّائِلِـينَ وَفِـي الرّقابِ}.
يعنـي تعالـى ذكره بقوله: وآتـى الـمَالَ علـى حُبّهِ وأعطى ماله فـي حين مـحبته إياه وضنه به وشحه علـيه. كما:
2004ـ حدثنا أبو كريب وأبو السائب, قالا: حدثنا ابن إدريس, قال: سمعت لـيثا, عن زبـيد, عن مرة بن شراحيـل البكيـلـي, عن عبد الله بن مسعود: وآتـى الـمَالَ علـى حُبّهِ أي يؤتـيه وهو صحيح شحيح يأمل العيش ويخشى الفقر.
2005ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, وحدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قالا جميعا, عن سفـيان, عن زبـيد الـيامي, عن مرة, عن عبد الله: وآتـى الـمَالَ علـى حُبّهِ قال: وأنت صحيح تأمل العيش وتـخشى الفقر.
2006ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن زبـيد الـيامي, عن عبد الله أنه قال فـي هذه الآية: وآتـى الـمَالَ علـى حُبّهِ قال: وأنت حريص شحيح تأمل الغنى وتـخشى الفقر.
2007ـ حدثنا أحمد بن نعمة الـمصري, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: حدثنا اللـيث, قال: حدثنا إبراهيـم بن أعين, عن شعبة بن الـحجاج, عن زبـيد الـيامي, عن مرة الهمدانـي, قال: قال عبد الله بن مسعود فـي قول الله: وآتـى الـمَالَ علـى حُبّهِ ذوي القربى, قال: حريصا شحيحا يأمل الغنى ويخشى الفقر.
2008ـ حدثنا أبو كريب ويعقوب بن إبراهيـم قالا: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا إسماعيـل بن سالـم, عن الشعبـي سمعته يسأل: هل علـى الرجل حق فـي ماله سوى الزكاة؟ قال: نعم, وتلا هذه الآية: وآتـى الـمَالَ علـى حُبّهِ ذَوِي القُرْبَى والـيَتامَى وَالـمَساكِينَ وَابْنَ السّبِـيـلِ وَالسّائِلِـينَ وفِـي الرّقابِ وأقامَ الصّلاةَ وآتـى الزّكاة.
2009ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا سويد بن عمرو الكلبـي, قال: حدثنا حماد بن سلـمة, قال: أخبرنا أبو حمزة قال: قلت للشعبـي: إذا زكى الرجل ماله أيطيب له ماله؟ فقرأ هذه الآية: لَـيْسَ البِرّ أنْ تُوَلّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الـمَشْرِقِ وَالـمَغْرِبِ إلـى وآتـى الـمَالَ علـى حُبّهِ إلـى آخرها. ثم قال: حدثتنـي فـاطمة بنت قـيس أنها قالت: يا رسول الله إن لـي سبعين مثقالاً من ذهب, فقال: «اجْعَلِـيها فِـي قَرابَتِكِ».
2010ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا يحيى بن آدم, عن شريك, قال: حدثنا أبو حمزة فـيـما أعلـم عن عامر, عن فـاطمة بنت قـيس أنها سمعته يقول: إن فـي الـمال لـحقّا سوى الزكاة.
2011ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا ابن علـية, عن أبـي حيان, قال: حدثنـي مزاحم بن زفر, قال: كنت جالسا عند عطاء, فأتاه أعرابـي فقال له: إن لـي أبلاً فهل علـيّ فـيها حقّ بعد الصدقة؟ قال: نعم قال: ماذا؟ قال: عارية الذلول, وطروق الفحل, والـحلب.
2012ـ حدثنـي موسى بن هارون, حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي, ذكره عن مرة الهمدانـي فـي: وآتـى الـمَالَ علـى حُبّهِ قال: قال عبد الله بن مسعود: تعطيه وأنت صحيح شحيح تطيـل الأمل وتـخاف الفقر. وذكر أيضا عن السدي أن هذا شيء واجب فـي الـمال حقّ علـى صاحب الـمال أن يفعله سوى الذي علـيه من الزكاة.
2013ـ حدثنا الربـيع بن سلـيـمان, قال: حدثنا أسد, قال: حدثنا سويد بن عبد الله, عن أبـي حمزة, عن عامر, عن فـاطمة بن قـيس, عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «فِـي الـمَال حَقّ سوَى الزّكاة» وتلا هذه الآية: لَـيْسَ البِرّ إلـى آخر الآية.
2014ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن منصور, عن زبـيد الـيامي, عن مرة بن شراحيـل, عن عبد الله فـي قوله: وآتـى الـمَالَ علـى حُبّهِ قال: أن يعطى الرجل وهو صحيح شحيح به يأمل العيش ويخاف الفقر.
فتأويـل الآية: وأعطى الـمال وهو له مـحبّ حريص علـى جمعه, شحيح به ذوي قرابته فوصل به أرحامهم.
وإنـما قلت: عنى بقوله: ذَوِي القُرْبَى ذوي قرابة مؤدّي الـمال علـى حبه للـخبر الذي ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمره فـاطمة بنت قـيس, وقوله صلى الله عليه وسلم حين سئل: أيّ الصدقة أفضل؟ قال: «جُهْدُ الـمُقلّ علـى ذِي القَرَابَةِ الكاشِح».
وأما الـيتامى والـمساكين فقد بـينا معانـيهما فـيـما مضى. وأما ابن السبـيـل فإنه الـمـجتاز بـالرجل.
ثم اختلف أهل العلـم فـي صفته, فقال بعضهم: هو الضيفُ من ذلك. ذكر من قال ذلك:
2015ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: وابْنَ السّبِـيـلِ قال: هو الضيف قال: قد ذكر لنا أن نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «مَنْ كانَ يُؤْمِنَ بـاللّهِ وَالـيَوْمِ الاَخِرِ فَلْـيقُلْ خَيْرا أوْ لِـيَسْكُتْ» قال: وكان يقول: «حَقّ الضّيافَةِ ثَلاثُ لَـيالٍ, فَكُلّ شَيْءٍ أضَافَهُ بَعْدَ ذَلِكَ صَدقَةٌ».
وقال بعضهم: هو الـمسافر يـمرّ علـيك. ذكر من قال ذلك:
2016ـ حدثنا سفـيان بن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن سفـيان, عن جابر, عن أبـي جعفر: وابْنَ السّبِـيـل قال: الـمـجتاز من أرض إلـى أرض.
2017ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الرزاق, عن معمر, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد وقتادة فـي قوله: وَابْنَ السّبِـيـلِ قال: الذي يـمرّ علـيك وهو مسافر.
2018ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا سويد بن نصر, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, عمن ذكره, عن ابن جريج, عن مـجاهد وقتادة مثله.
وإنـما قـيـل للـمسافر ابن السبـيـل لـملازمته الطريق, والطريق هو السبـيـل, فقـيـل لـملازمته إياه فـي سفره ابنه كما يقال لطير الـماء ابن الـماء لـملازمته إياه, وللرجل الذي أتت علـيه الدهور ابن الأيام واللـيالـي والأزمنة, ومنه قول ذي الرمة:
وَرَدْتُ اعْتِسافـا والثّرَيّا كأنّهاعلـى قِمّةِ الرأسِ ابْنُ ماءٍ مُـحَلّقُ
وأما قوله وَالسّائِلِـينَ فإنه يعنـي به: الـمستطعمين الطالبـين. كما:
2019ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا ابن إدريس, عن حصين, عن عكرمة فـي قوله: وَالسّائِلـينَ قال: الذي يسألك.
وأما قوله: وَفِـي الرّقابِ فإنه يعنـي بذلك: وفـي فكّ الرقاب من العبودة, وهم الـمكاتَبُون الذين يسعون فـي فكّ رقابهم من العبودة بأداء كتابـاتهم التـي فـارقوا علـيها ساداتهم.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وأقامَ الصّلاةَ وآتـى الزّكاةَ والـمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إذَا عاهَدُوا.
يعنـي تعالـى ذكره بقوله: وأقامَ الصّلاةَ أدام العمل بها بحدودها, وبقوله: وآتـى الزّكاةَ أعطاها علـى ما فرضها الله علـيه.
فإن قال قائل: وهل من حقّ يجب فـي مال إيتاؤه فرضا غير الزكاة؟ قـيـل: قد اختلف أهل التأويـل فـي ذلك, فقال بعضهم: فـيه حقوق تـجب سوى الزكاة واعتلوا لقولهم ذلك بهذه الآية, وقالوا: لـما قال الله تبـارك وتعالـى: وآتـى الـمَالَ علـى حُبّهِ ذَوِي القُرْبَى ومن سمى الله معهم, ثم قال بعد: وأقامَ الصّلاةَ وآتـى الزّكاةَ علـمنا أن الـمال الذي وصف الـمؤمنـين به أنهم يؤتونه ذوي القربى, ومن سمى معهم غير الزكاة التـي ذكر أنهم يؤتونها لأن ذلك لو كان مالاً واحدا لـم يكن لتكريره معنى مفهوم. قالوا: فلـما كان غير جائز أن يقول تعالـى ذكره قولاً لا معنى له, علـمنا أن حكم الـمال الأول غير الزكاة, وأن الزكاة التـي ذكرها بعد غيره. قالوا: وبعد فقد أبـان تأويـل أهل التأويـل صحة ما قلنا فـي ذلك.
وقال آخرون: بل الـمال الأول هو الزكاة, ولكن الله وصف إيتاء الـمؤمنـين من آتوه ذلك فـي أول الآية, فعرّف عبـاده بوصفه ما وصف من أمرهم الـمواضع التـي يجب علـيهم أن يضعوا فـيها زكواتهم ثم دلهم بقوله بعد ذلك: وآتـى الزّكاة أن الـمال الذي آتاه القوم هو الزكاة الـمفروضة كانت علـيهم, إذ كان أهل سهمانهم الذين أخبر فـي أول الآية أن القوم آتوهم أموالهم.
وأما قوله: وَالـمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إذَا عاهَدُوا فإن يعنـي تعالـى ذكره: والذين لا ينقضون عهد الله بعد الـمعاهدة, ولكن يوفون به ويتـمونه علـى ما عاهدوا علـيه من عاهدوه علـيه. كما:
2020ـ حدثت عن عمار بن الـحسن, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع بن أنس فـي قوله: وَالـمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إذَا عاهَدُوا قال: فمن أعطى عهد الله ثم نقضه فـالله ينتقم منه, ومن أعطى ذمة النبـيّ صلى الله عليه وسلم ثم غدر بها فـالنبـيّ صلى الله عليه وسلم خصمه يوم القـيامة. وقد بـينت العهد فـيـما مضى بـما أغنى عن إعادته ههنا.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَالّصابِرِينَ فِـي البَأساءِ وَالضّرّاءِ.
قد بـينا تأويـل الصبر فـيـما مضى قبل. فمعنى الكلام: والـمانعين أنفسهم فـي البأساء والضرّاء وحين البأس مـما يكرهه الله لهم الـحابسيها علـى ما أمرهم به من طاعته.
ثم قال أهل التأويـل فـي معنى البأساء والضرّاء بـما:
2021ـ حدثنـي به الـحسين بن عمرو بن مـحمد العنقزي, قال: حدثنـي أبـي, وحدثنـي موسى, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قالا جميعا: حدثنا أسبـاط, عن السدي, عن مرة الهمدانـي, عن ابن مسعود أنه قال: أما البأساء فـالفقر, وأما الضرّاء فـالسقم.
2022ـ حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا أبـي, وحدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا الـحمانـي, قالا جميعا: حدثنا شريك, عن السدي, عن مرة, عن عبد الله فـي قوله: وَالصّابِرِينَ فِـي البَأساءِ وَالضّرّاءِ قال: البأساء الـجوع, والضراء الـمرض.
2023ـ حدثنا أحمد بن إسحاق, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا شريك, عن السدي, عن مرة, عن عبد الله, قال: البأساء: الـحاجة, والضرّاء: الـمرض.
2024ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قال: كنا نـحدّث أن البأساء: البؤس والفقر, وأن الضرّاء: السقم, وقد قال النبـيّ أيوب صلى الله عليه وسلم: أنّـي مَسّنِـيَ الضّرّ وأنْتَ أرْحَمُ الرّاحِمِين.
2025ـ حدثت عن عمار بن الـحسن, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع فـي قوله: وَالصّابِرِينَ فِـي البأساءِ وَالضّرّاءِ قال: البؤس: الفـاقة والفقر, والضرّاء فـي النفس من وجع أو مرض يصيبه فـي جسده.
2026ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة فـي قوله: البأساءِ وَالضراءِ قال: البأساء: البؤس, والضرّاء: الزمانة فـي الـجسد.
2027ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو نعيـم, قال: حدثنا عبـيد, عن الضحاك, قال: البأساء والضرّاء: الـمرض.
2028ـ حدثنـي القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنـي حجاج, عن ابن جريج: وَالصّابِرينَ فِـي البَأْساءِ وَالضّرّاءِ قال: البأساء: البؤس والفقر, والضرّاء: السقم والوجع.
2029ـ حدثنا أحمد بن إسحاق, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا عبـيد بن الطفـيـل, قال: سمعت الضحاك بن مزاحم يقول فـي هذه الآية: وَالصّابِرِينَ فِـي البأساءِ وَالضّرّاءِ أما البأساء: الفقر, والضرّاء: الـمرض.
وأما أهل العربـية: فإنهم اختلفوا فـي ذلك, فقال بعضهم: البأساء والضرّاء مصدر جاء علـى فعلاء لـيس له أفعل لأنه اسم, كما قد جاء أفعل فـي الأسماء لـيس له فعلاء نـحو أحمد, وقد قالوا فـي الصفة أفعل ولـم يجىء له فعلاء, فقالوا: أنت من ذلك أوجل, ولـم يقولوا وجلاء. وقال بعضهم: هو اسم للفعل, فإن البأساء البؤس, والضرّاء الضر, وهو اسم يقع إن شئت لـمؤنث وإن شئت لـمذكر, كما قال زهير:
فتُنْتِـجْ لَكُمْ غِلْـمانَ أشْأمَ كُلّهُمْكأحْمَر عادٍ ثُمّ تُرْضِعْ فتَفْطِمِ
يعنـي فتنتـج لكم غلـمان شؤم.
وقال بعضهم: لو كان ذلك اسما يجوز صرفه إلـى مذكر ومؤنث لـجاز إجراء أفعل فـي النكرة, ولكنه اسم قام مقام الـمصدر والدلـيـل علـى ذلك قولهم: «لئن طلبت نصرتهم لتـجدنهم غير أبْعَدَ» بغير إجراء وقال: إنـما كان اسما للـمصدر لأنه إذا ذكر علـم أنه يراد به الـمصدر. وقال غيره: لو كان ذلك مصدرا فوقع بتأنـيث لـم يقع بتذكير, ولو وقع بتذكير لـم يقع بتأنـيث لأن من سُمي بأفعل لـم يصرف إلـى فعلـى, ومن سُمي بفعلـى لـم يصرف إلـى أفعل, لأن كل اسم يبقـى بهيئته لا يصرف إلـى غيره, ولكنهما لغتان, فإذا وقع بـالتذكير كان بأمر أشأم, وإذا وقع البأساء والضرّاء, وقع الـخـلة البأساء والـخـلة الضراء, وإن كان لـم يبن علـى الضراء الأضر ولا علـى الأشأم الشأماء, لأنه لـم يرد من تأنـيثه التذكير ولا من تذكيره التأنـيث, كما قالوا: امرأة حسناء, ولـم يقولوا: رجل أحسن, وقالوا: رجل أمرد, ولـم يقولوا: امرأة مرداء فإذا قـيـل الـخصلة الضراء والأمر الأشأم دل علـى الـمصدر, ولـم يحتـج إلـى أن يكون اسما, وإن كان قد كفـى من الـمصدر. وهذا قول مخالف تأويـل من ذكرنا تأويـله من أهل العلـم فـي تأويـل البأساء والضراء وإن كان صحيحا علـى مذهب العربـية وذلك أن أهل التأويـل تأوّلوا البأساء بـمعنى البؤس, والضرّاء بـمعنى الضرّ فـي الـجسد, وذلك من تأويـلهم مبنـي علـى أنهم وجهوا البأساء والضراء إلـى أسماء الأفعال دون صفـات الأسماء ونعوتها. فـالذي هو أولـى بـالبأساء والضراء علـى قول أهل التأويـل أن تكون البأساء والضراء أسماء أفعال, فتكون البأساء اسما للبؤس, والضراء اسما للضر. وأما الصابرين فنصبٌ, وهو من نعت «مَنْ» علـى وجه الـمدح, لأن من شأن العرب إذا تطاولت صفة الواحد الاعتراض بـالـمدح والذمّ بـالنصب أحيانا وبـالرفع أحيانا, كما قال الشاعر:
إلـى الـمَلِك القَرْم وَابْن الهُمامولَـيْثَ الكَتِـيبَة فـي الـمُزْدَحَمْ
وذَا الرأي حِينَ تُغَمّ الأمُورُبِذَات الصّلِـيـل وَذَات اللّـجُمْ
فنصب لـيث الكتـيبة وذا الرأي علـى الـمدح, والاسم قبلهما مخفوض لأنه من صفة واحد. ومنه قول الاَخر:
فَلَـيْتَ الّتِـي فِـيها النّـجومُ تَوَاضَعَتُ
علـى كُلّ غَثَ مِنْهُمُ وَسمينِ
غُيُوثُ الَوَرى فـي كُلّ مَـحْلٍ وأزْمَةٍ
أُسُودُ الشّرَى يَحْمينَ كلّ عَرين
وقد زعم بعضهم أن قوله: وَالصّابِرِينَ فِـي البَأساءِ نصب عطفـا علـى السائلـين, كأن معنى الكلام كان عنده: وآتـى الـمال علـى حبه ذوي القربى والـيتامى والـمساكين وابن السبـيـل والسائلـين والصابرين فـي البأساء والضراء. وظاهر كتاب الله يدل علـى خطأ هذا القول, وذلك أن الصابرين فـي البأساء والضراء هم أهل الزمانة فـي الأبدان وأهل الإقتار فـي الأموال, وقد مضى وصف القوم بإيتاء من كان ذلك صفته الـمال فـي قوله: وَالَـمساكينَ وَابْنَ السّبِـيـلِ وَالسّائِلِـينَ وأهل الفـاقة والفقر هم أهل البأساء والضراء, لأن من لـم يكن من أهل الضراء ذا بأساء لـم يكن مـمن له قبول الصدقة, وإنـما له قبولها إذا كان جامعا إلـى ضرائه بأساء, وإذا جمع إلـيها بأساء كان من أهل الـمسكنة الذين قد دخـلوا فـي جملة الـمساكين الذين قد مضى ذكرهم قبل قوله: وَالصّابرِينَ فـي البأساء. وإذا كان كذلك ثم نصب الصابرين فـي البأساء بقوله: وآتـى الـمالَ علـى حُبّهِ كان الكلام تكريرا بغير فـائدة معنى, كأنه قـيـل: وآتـى الـمال علـى حبه ذوي القربى والـيتامى والـمساكين, والله يتعالـى عن أن يكون ذلك فـي خطابه عبـاده ولكن معنى ذلك: ولكنّ البرّ من آمن بـالله والـيوم الاَخر, والـموفون بعهدهم إذا عاهدوا, والصابرين فـي البأساء والضراء. والـموفون رفع لأنه من صفة «مَنْ», و«مَنْ» رفعٌ فهو معرب بإعرابه, والصابرين نصب وإن كان من صفته علـى وجه الـمدح الذي وصفنا قبل.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَحِينَ البَأْسِ.
يعنـي تعالـى ذكره بقوله: وَحِينَ البأْسِ والصابرين فـي وقت البأس, وذلك وقت شدة القتال فـي الـحرب. كما:
2030ـ حدثنـي الـحسين بن عمرو بن مـحمد العبقري, قال: حدثنا أبـي, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي, عن مرة, عن عبد الله فـي قول الله: وَحِينَ البأسِ قال: حين القتال.
2031ـ حدثنـي موسى, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي, عن مرة, عن عبد الله, مثله.
2032ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: وَحِين البَأْسِ القتال.
2033ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, عن سعيد, عن قتادة قوله: وَحِينَ البأّسِ أي عند مواطن القتال.
2034ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: حدثنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة: وَحِين البَأْسِ القتال.
2035ـ حدثت عن عمار بن الـحسن, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع: وَحِينَ البَأْسِ عند لقاء العدوّ.
2036ـ حدثنـي الـمثنى قال: حدثنا أبو نعيـم, قال: حدثنا عبـيد, عن الضحاك: وَحِينَ البأْسِ القتال.
2037ـ حدثنا أحمد بن إسحاق, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا عبـيد بن الطفـيـل أبو سيدان, قال: سمعت الضحاك بن مزاحم يقول فـي قوله: وَحِينَ البأْس قال: القتال.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: أُولَئِكَ الّذِينَ صَدَقُوا وأُولَئِكَ هُمُ الـمُتّقُون.
يعنـي تعالـى ذكره بقوله: أُولَئِكَ الّذِينَ صَدَقُوا من آمن بـالله والـيوم الاَخر, ونعتهم النعتَ الذي نعتهم به فـي هذه الآية, يقول: فمن فعل هذه الأشياء فهم الذين صدقوا الله فـي إيـمانهم وحققوا قولهم بأفعالهم, لا من ولّـى وجهه قِبَل الـمشرق والـمغرب وهو يخالف الله فـي أمره وينقض عهده وميثاقه ويكتـم الناس بـيان ما أمره الله ببـيانه ويكذّب رسله.
وأما قوله: وأؤُلَئِكَ هُمُ الـمُتّقُون فإنه يعنـي: وأؤلئك الذين اتقوا عقاب الله فتـجنبوا عصيانه وحذروا وعده فلـم يتعدّوا حدوده وخافوه, فقاموا بأداء فرائضه.
وبـمثل الذي قلنا فـي قوله: أُولَئِكَ الّذِينَ صَدَقُوا كان الربـيع بن أنس يقول.
2038ـ حدثت عن عمار بن الـحسن, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع: أُولَئِكَ الّذِينَ صَدَقُوا قال: فتكلـموا بكلام الإيـمان, فكانت حقـيقته العمل صدقوا الله. قال: وكان الـحسن يقول: هذا كلام الإيـمان وحقـيقته العمل, فإن لـم يكن مع القول عمل فلا شيء.
الآية : 178
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرّ بِالْحُرّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالاُنثَىَ بِالاُنْثَىَ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَآءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مّن رّبّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَىَ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ }
يعنـي تعالـى ذكره بقوله: كُتِبَ عَلَـيْكُمُ القِصَاصُ فِـي القَتْلَـى فرض علـيكم.
فإن قال قائل: أفرض علـى ولـيّ القتـيـل القصاص من قاتل ولـيه؟ قـيـل: لا ولكنه مبـاح له ذلك, والعفو, وأخذ الدية.
فإن قال قائل: وكيف قال: كُتِبَ عَلَـيْكُم القِصَاصُ؟ قـيـل: إن معنى ذلك علـى خلاف ما ذهبت إلـيه, وإنـما معناه: يا أيها الذين آمنوا كتب علـيكم القصاص فـي القتلـى, الـحرّ بـالـحرّ, والعبد بـالعبد, والأنثى بـالأنثى. أي أن الـحرّ إذا قتل الـحرّ, فدم القاتل كفء لدم القتـيـل, والقصاص منه دون غيره من الناس, فلا تـجاوزوا بـالقتل إلـى غيره مـمن لـم يقتل, فإنه حرام علـيكم أن تقتلوا بقتـيـلكم غير قاتله. والفرض الذي فرض الله علـينا فـي القصاص هو ما وصفت من ترك الـمـجاوزة بـالقصاص قتل القاتل بقتـيـله إلـى غيره لا أنه وجب علـينا القصاص فرضا وجوب فرض الصلاة والصيام حتـى لا يكون لنا تركه, ولو كان ذلك فرضا لا يجوز لنا تركه لـم يكن لقوله: فَمَنْ عُفِـيَ لَهُ مِنْ أخِيهِ شَيْءٌ معنى مفهوم, لأنه لا عفو بعد القصاص فـيقال: فمن عفـي له من أخيه شيء.
وقد قـيـل: إن معنى القصاص فـي هذه الآية مقاصة ديات بعض القتلـى بديات بعض وذلك أن الآية عندهم نزلت فـي حزبـين تـحاربوا علـى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتل بعضهم بعضا, فأمر النبـيّ صلى الله عليه وسلم أن يصلـح بـينهم, بأن تسقط ديات نساء أحد الـحزبـين بديات نساء الاَخرين, وديات رجالهم بديات رجالهم, وديات عبـيدهم بديات عبـيدهم قصاصا, فذلك عندهم معنى القصاص فـي هذه الآية.
فإن قال قائل: فإنه تعالـى ذكره قال: كُتِبَ عَلَـيْكُمُ القِصَاصُ فِـي القَتْلَـى الـحُرّ بـالـحُرّ والعَبْدُ بـالعَبْدِ والأُنَثى بـالأُنَثى فما لنا أن نقتصّ للـحرّ إلا من الـحرّ, ولا للأنثى إلا من الأنثى؟ قـيـل: بل لنا أن نقتصّ للـحرّ من العبد وللأنثى من الذكر, بقول الله تعالـى ذكره: وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوما فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِـيّهِ سُلْطانا وبـالنقل الـمستفـيض عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الـمسلـمونَ تتكافأُ دِماؤُهُمْ».
فإن قال: فإذ كان ذلك, فما وجه تأويـل هذه الآية؟ قـيـل: اختلف أهل التأويـل فـي ذلك, فقال بعضهم: نزلت هذه الآية فـي قوم كانوا إذا قتل الرجل منهم عبد قوم آخرين لـم يرضوا من قتـيـلهم بدم قاتله من أجل أنه عبد حتـى يقتلوا به سيده, وإذا قتلت الـمرأة من غيرهم رجلاً لـم يرضوا من دم صاحبهم بـالـمرأة القاتلة, حتـى يقتلوا رجلاً من رهط الـمرأة وعشيرتها, فأنزل الله هذه الآية, فأعلـمهم أن الذي فرض لهم من القصاص أن يقتلوا بـالرجل الرجل القاتل دون غيره, وبـالأنثى الأنثى القاتلة دون غيرها من الرجال, وبـالعبد العبد القاتل دون غيره من الأحرار, فنهاهم أن يتعدّوا القاتل إلـى غيره فـي القصاص. ذكر من قال ذلك:
2039ـ حدثنـي مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا أبو الولـيد, وحدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا الـحجاج, قالا: حدثنا حماد, عن داود بن أبـي هند, عن الشعبـي فـي قوله: الـحُرّ بـالـحُرّ وَالَعبْدُ بـالعَبْدِ والأُنْثَى بـالأُنْثَى قال: نزلت فـي قبـيـلتـين من قبـائل العرب اقتتلتا قتال عمية, فقالوا: نقتل بعبدنا فلان ابن فلان, وبفلانة فلان ابن فلان, فأنزل الله: الـحُرّ بـالـحُرّ وَالعَبْدُ بـالعَبْدِ وَالأنْثَى بـالأنْثَى.
2040ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: كُتِبَ عَلَـيْكُم القِصَاصُ فِـي القَتْلَـى الـحُرّ بـالـحُرّ وَالعَبْدُ بـالعَبْدِ والأُنْثَى بـالأُنْثَى قال: كان أهل الـجاهلـية فـيهم بغي وطاعة للشيطان, فكان الـحي إذا كان فـيهم عدّة ومنعة, فقتل عبد قوم آخرين عبدا لهم, قالوا: لا نقتل به إلا حرا تعززا لفضلهم علـى غيرهم فـي أنفسهم, وإذا قتلت لهم امرأة قتلتها امرأة قوم آخرين, قالوا: لا نقتل بها إلا رجلاً. فأنزل الله هذه الآية يخبرهم أن العبد بـالعبد والأنثى بـالأنثى, فنهاهم عن البغي. ثم أنزل الله تعالـى ذكره فـي سورة الـمائدة بعد ذلك فقال: وكَتَبْنا عَلَـيْهِمْ فِـيهَا أنّ النّفْسَ بـالنّفْسِ وَالعَيْنَ بـالعَيْن وَالأنْفَ بـالأنْفِ وَالأُذُنَ بـالأذُنِ وَالسّنّ بـالسّنّ والـجُروحَ قِصَاصٌ.
حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة فـي قوله: كُتِبَ عَلَـيْكُم القِصَاص فِـي القُتْلَـى قال: لـم يكن لـمن قبلنا دية إنـما هو القتل أو العفو إلـى أهله, فنزلت هذه الآية فـي قوم كانوا أكثر من غيرهم, فكانوا إذا قتل من الـحي الكثـير عبد, قالوا: لا نقتل به إلا حرا, وإذا قتلت منهم امرأة قالوا: لا نقتل بها إلا رجلاً, فأنزل الله: الـحُرّ بـالـحُر والعَبْدُ بـالعَبْد وَالأنْثَى بـالأنْثَى.
2041ـ حدثنـي مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا الـمعتـمر, قال: سمعت داود, عن عامر فـي هذه الآية: كُتِبَ عَلَـيْكُم القِصَاص فِـي القَتْلَـى الـحُرّ بـالـحُرّ وَالعَبْدُ بـالعَبْدِ وَالأُنْثَى بـالأُنْثَى قال: إنـما ذلك فـي قتال عمية إذا أصيب من هؤلاء عبد ومن هؤلاء عبد تكافآ, وفـي الـمرأتـين كذلك, وفـي الـحرين كذلك, هذا معناه إن شاء الله.
2042ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قال: دخـل فـي قول الله تعالـى ذكره: الـحُرّ بـالـحُرّ الرجل بـالـمرأة, والـمرأة بـالرجل. وقال عطاء: لـيس بـينهما فضل.
وقال آخرون: بل نزلت هذه الآية فـي فريقـين كان بـينهم قتال علـى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتل من كلا الفريقـين جماعة من الرجال والنساء, فأمر النبـيّ صلى الله عليه وسلم أن يصلـح بـينهم بأن يجعل ديات النساء من كل واحد من الفريقـين قصاصا بديات النساء من الفريق الاَخر, وديات الرجال بـالرجال, وديات العبـيد بـالعبـيد فذلك معنى قوله: كُتِب عَلَـيْكُم القِصَاص فِـي القَتْلَـى. ذكر من قال ذلك:
2043ـ حدثنا موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي قوله: كُتِبَ عَلْـيكُم القِصَاصُ فِـي القَتْلَـى الـحُرّ بـالـحُرّ وَالعَبْدُ بـالعَبْدِ وَالأُنْثَى بـالأُنْثَى قال: اقتتل أهل ملّتـين من العرب أحدهما مسلـم والاَخر معاهد فـي بعض ما يكون بـين العرب من الأمر, فأصلـح بـينهم النبـيّ صلى الله عليه وسلم, وقد كانوا قتلوا الأحرار والعبـيد والنساء علـى أن يؤدي الـحرّ دية الـحرّ, والعبد دية العبد, والأنثى دية الأنثى, فقاصهم بعضهم من بعض.
2044ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا سويد بن نصر, قال: أخبرنا عبد الله بن الـمبـارك, عن سفـيان, عن السدي عن أبـي مالك قال: كان بـين حيـين من الأنصار قتال, كان لأحدهما علـى الاَخر الطّوْل, فكأنهم طلبوا الفضل, فجاء النبـيّ صلى الله عليه وسلم لـيصلـح بـينهم, فنزلت هذه الآية: الـحُرّ بـالـحُرّ وَالعَبْدُ بـالعَبْد والأُنْثَى بـالأُنْثَى فجعل النبـيّ صلى الله عليه وسلم الـحرّ بـالـحرّ والعبد بـالعبد, والأنثى بـالأنثى.
2045ـ حدثنا الـمثنى, قال: حدثنا سويد بن نصر, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, عن شعبة, عن أبـي بشر, قال: سمعت الشعبـي يقول فـي هذه الآية: كُتِبَ عَلَـيْكُمُ القِصَاصُ فِـي القَتْلَـى قال: نزلت فـي قتال عمية قال شعبة: كأنه فـي صلـح قال: اصطلـحوا علـى هذا.
حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن أبـي بشر, قال: سمعت الشعبـي يقول فـي هذه الآية: كُتِبَ عَلَـيْكُمُ القِصَاصُ فِـي القَتْلَـى الـحُرّ بـالـحُرّ وَالعَبْدُ بـالعَبْدِ والأُنْثَى بـالأُنْثَى قال: نزلت فـي قتال عمية, قال: كان علـى عهد النبـيّ صلى الله عليه وسلم.
وقال آخرون: بل ذلك أمر من الله تعالـى ذكره بـمقاصة دية الـحر ودية العبد ودية الذكر ودية الأنثى فـي قتل العمد إن اقتص للقتـيـل من القاتل, والتراجع بـالفضل والزيادة بـين ديتـي القتـيـل والـمقتص منه. ذكر من قال ذلك:
2046ـ حدثت عن عمار بن الـحسن, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع قوله: يا أيّها الّذينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَـيْكُمُ القِصَاصُ فِـي القَتْلَـى الـحُرّ بـالـحُرّ وَالعَبْدُ بـالعَبْدِ والأُنْثَى بـالأُنْثَى قال: حُدثنا عن علـي بن أبـي طالب أنه كان يقول: أيـما حر قتل عبدا فهو قَوَدٌ به, فإن شاء موالـي العبد أن يقتلوا الـحر قتلوه, وقاصّوهم بثمن العبد من دية الـحر, وأدوا إلـى أولـياء الـحر بقـية ديته. وإن عبد قتل حرا فهو به قود, فإن شاء أولـياء الـحر قتلوا العبد, وقاصّوهم بثمن العبد وأخذوا بقـية دية الـحر, وإن شاءوا أخذوا الدية كلها واستـحيوا العبد. وأيّ حرّ قتل امرأة فهو بها قود, فإن شاء أولـياء الـمرأة قتلوه وأدّوا نصف الدية إلـى أولـياء الـحرّ. وإن امرأة قتلت حرّا فهي به قود, فإن شاء أولـياء الـحرّ قتلوها, وأخذوا نصف الدية, وإن شاءوا أخذوا الدية كلها واستـحيوها وإن شاءوا عفوا.
2047ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا هشام بن عبد الـملك, قال: حدثنا حماد بن سلـمة, عن قتادة, عن الـحسن أن علـيا قال فـي رجل قتل امرأته, قال: إن شاءوا قتلوه وغرموا نصف الدية.
2048ـ حدثنا مـحمد بن بشار قال: حدثنا يحيى, عن سعيد, عن عوف, عن الـحسن, قالا: لا يقتل الرجل بـالـمرأة حتـى يعطوا نصف الدية.
2049ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن مغيرة, عن سماك, عن الشعبـي, قال فـي رجل قتل امرأته عمدا, فأتوا به علـيا, فقال: إن شئتـم فـاقتلوه, وردّوا فضل دية الرجل علـى دية الـمرأة.
وقال آخرون: بل نزلت هذه الآية فـي حال ما نزلت والقوم لا يقتلون الرجل بـالـمرأة, ولكنهم كانوا يقتلون الرجل بـالرجل والـمرأة بـالـمرأة حتـى سوّى الله بـين حكم جميعهم بقوله: وكَتَبْنا عَلَـيْهِمْ فِـيها أنّ النّفْسَ بـالنّفْسِ فجعل جميعهم قود بعضهم ببعض. ذكر من قال ذلك:
2050ـ حدثنا الـمثنى قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية بن صالـح, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس قوله: والأُنْثَى بـالأُنْثَى وذلك أنهم كانوا لا يقتلون الرجل بـالـمرأة, ولكن يقتلون الرجل بـالرجل والـمرأة بـالـمرأة, فأنزل الله تعالـى: النّفْسَ بـالنّفْس فجعل الأحرار فـي القصاص, سواء فـيـما بـينهم فـي العمد رجالهم ونساؤهم فـي النفس وما دون النفس, وجعل العبـيد مستوين فـيـما بـينهم فـي العمد فـي النفس وما دون النفس, رجالهم ونساؤهم.
فإذ كان مختلفـا الاختلاف الذي وصفت فـيـما نزلت فـيه هذه الآية, فـالواجب علـينا استعمالها فـيـما دلت علـيه من الـحكم بـالـخبر القاطع العذر. وقد تظاهرت الأخبـار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بـالنقل العام أن نفس الرجل الـحرّ قود قصاصا بنفس الـمرأة الـحرّة, فإذ كان ذلك كذلك, وكانت الأمة مختلفة فـي التراجع بفضل ما بـين دية الرجل والـمرأة علـى ما قد بـينا من قول علـيّ وغيره وكان واضحا فساد قول من قال بـالقصاص فـي ذلك والتراجع بفضل ما بـين الديتـين بإجماع جميع أهل الإسلام علـى أن حراما علـى الرجل أن يتلف من جسده عضوا بعوض يأخذه علـى إتلافه فدع جميعه, وعلـى أن حراما علـى غيره إتلاف شيء منه مثل الذي حرم من ذلك بعوض يعطيه علـيه, فـالواجب أن تكون نفس الرجل الـحرّ بنفس الـمرأة الـحرّة قودا. وإذا كان ذلك كذلك كان بـيّنا بذلك أنه لـم يرد بقوله تعالـى ذكره: الـحُرّ بـالـحُرّ وَالعَبْدُ بـالعَبْدِ والأُنْثَى بـالأُنْثَى أن لا يقاد العبد بـالـحرّ, وأن لا تقتل الأنثى بـالذكر, ولا الذكر بـالأنثى. وإذا كان ذلك كذلك كان بـينا أن الآية معنـيّ بها أحد الـمعنـيـين الاَخرين: إما قولنا من أن لا يتعدى بـالقصاص إلـى غير القاتل والـجانـي, فـيؤخذ بـالأنثى الذكر, وبـالعبد الـحرّ. وإما القول الاَخر وهو أن تكون الآية نزلت فـي قوم بأعيانهم خاصة أمر النبـيّ صلى الله عليه وسلم أن يجعل ديات قتلاهم قصاصا بعضها من بعض, كما قاله السدي ومن ذكرنا قوله. وقد أجمع الـجميع لا خلاف بـينهم علـى أن الـمقاصة فـي الـحقوق غير واجبة, وأجمعوا علـى أن الله لـم يقض فـي ذلك قضاء ثم نسخه وإذا كان كذلك, وكان قوله تعالـى ذكره: كُتِبَ عَلَـيْكُمُ القصاص ينبىء عن أنه فرض كان معلوما أن القول خلاف ما قاله قائل هذه الـمقالة, لأن ما كان فرضا علـى أهل الـحقوق أن يفعلوه فلا خيار لهم فـيه, والـجميع مـجمعون علـى أن لأهل الـحقوق الـخيار فـي مقاصتهم حقوقهم بعضها من بعض, فإذا تبـين فساد هذا الوجه الذي ذكرنا, فـالصحيح من القول فـي ذلك هو ما قلنا.
فإن قال قائل إذ ذكرت أن معنى قوله: كُتِب عَلَـيْكُمُ القِصَاصُ بـمعنى: فرض علـيكم القِصاصُ: لا يعرف لقول القائل «كُتب» معنى إلا معنى خط ذلك فرسم خطا وكتابـا, فما برهانك علـى أن معنى قوله «كتب» فرض؟ قـيـل: إن ذلك فـي كلام العرب موجود, وفـي أشعارهم مستفـيض, ومنه قول الشاعر:
كُتِبَ القَتْلُ وَالقِتالُ عَلَـيْناوَعَلـى الـمُـحْصَناتِ جَرّ الذّيُولِ
وقول نابغة بنـي جعدة:
يا بِنْتَ عَمّي كِتابُ اللّهِ أخْرَجَنِـيعَنْكُمْ فَهَلْ أمْنَعَنّ اللّهَ ما فَعَلا
وذلك أكثر فـي أشعارهم وكلامهم من أن يحصى. غير أن ذلك وإن كان بـمعنى فرض, فإنه عندي مأخوذ من الكتاب الذي هو رسم وخط, وذلك أن الله تعالـى ذكره قد كتب جميع ما فرض علـى عبـاده وما هم عاملوه فـي اللوح الـمـحفوظ, فقال تعالـى ذكره فـي القرآن: بَلْ هُوَ قُرآنٌ مَـجيدٌ فِـي لَوْحٍ مَـحْفُوظٍ وقال: إنّهُ لَقُرآنٌ كَريـمٌ فِـي كِتابٍ مَكْنُونٍ فقد تبـين بذلك أن كل ما فرضه علـينا ففـي اللوح الـمـحفوظ مكتوب.
فمعنى قول إذْ كان ذلك كذلك: كُتِبَ عَلَـيْكُمُ القِصَاصُ كتب علـيكم فـي اللوح الـمـحفوظ القصاص فـي القتلـى فرضا أن لا تقتلوا بـالـمقتول غير قاتله.
وأما القِصاص فإنه من قول القائل: قاصصت فلانا حقـيّ قِبَله من حقه قِبَلـي, قصاصا ومُقاصّةً فَقْتُل القاتل بـالذي قتله قصاص, لأنه مفعول به مثل الذي فعل بـمن قتله, وإن كان أحد الفعلـين عدوانا والاَخر حقّا, فهما وإن اختلفـا من هذا الوجه, فهما متفقان فـي أن كل واحد قد فعل بصاحبه مثل الذي فعل صاحبه به, وجعل فعل ولـيّ القتـيـل الأول إذا قتل قاتل ولـيه قصاصا, إذ كان بسبب قتله استـحقّ قتل من قتله, فكأنّ ولـيه الـمقتول هو الذي ولـى قتل قاتله فـاقتصّ منه.
وأما القتلـى, فإنها جمع قتـيـل, كما الصرعى جمع صريع, والـجرحى جمع جريح. وإنـما يجمع الفعيـل علـى الفعلـى, إذا كان صفة للـموصوف به بـمعنى الزمانة والضرر الذي لا يقدر معه صاحبه علـى البراح من موضعه ومصرعه, نـحو القتلـى فـي معاركهم, والصرعى فـي مواضعهم, والـجرحى وما أشبه ذلك.
فتأويـل الكلام إذن: فرض علـيكم أيها الـمؤمنون القصاص فـي القتلـى أن يقتصّ الـحرّ بـالـحرّ, والعبد بـالعبد, والأنثى بـالأنثى. ثم ترك ذكر أن يقتص اكتفـاء بدلالة قوله: كُتِبَ عَلَـيْكُمُ القِصَاصُ علـيه.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: فَمَنْ عُفِـيَ لَهُ مِنْ أخِيه شَيْءٌ فـاتّبـاعٌ بـالـمَعْرُوفِ وأداءٌ إلَـيْه بإحسانٍ.
اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك, فقال بعضهم: تأويـله: فمن ترك له من القتل ظلـما من الواجب كان لأخيه علـيه من القصاص, وهو الشيء الذي قال الله: فَمَنْ عُفِـيَ لَهُ مِنْ أخِيهِ شَيْءٌ فـاتّبـاعٌ من العافـي للقاتل بـالواجب له قِبَله من الدية, وأداء من الـمعفوّ عنه ذلك إلـيه بإحسان. ذكر من قال ذلك:
2051ـ حدثنا أبو كريب وأحمد بن حماد الدولابـي, قال: حدثنا سفـيان بن عيـينة, عن عمرو, عن مـجاهد, عن ابن عبـاس: فَمَنْ عُفِـيَ لَهُ مِنْ أخِيهِ شَيْءٌ فـالعفو أن يقبل الدية فـي العمد, واتبـاع بـالـمعروف أن يطلب هذا بـمعروف ويؤدي هذا بإحسان.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا حجاج بن الـمنهال, قال: حدثنا حماد بن سلـمة, قال: حدثنا عمرو بن دينار, عن جابر بن زيد, عن ابن عبـاس أنه قال فـي قوله: فَمَنْ عُفِـيَ لَهُ مِنْ أخِيهِ شَيْءٌ فـاتّبـاعٌ بـالـمَعْرُوفِ وأداءٌ إلَـيْه بإحْسانِ فقال: هو العمد يرضى أهله بـالدية وَاتّبـاعٌ بـالـمَعْرُوفِ أمر به الطالب وأدَاءٌ إلـيه بـاحْسانٍ من الـمطلوب.
حدثنا مـحمد بن علـيّ بن الـحسن بن سفـيان, قال: حدثنا أبـي, وحدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا سويد بن نصر قالا جميعا: أخبرنا ابن الـمبـارك, عن مـحمد بن مسلـم, عن عمرو بن دينار, عن مـجاهد, عن ابن عبـاس, قال: الذي يقبل الدية ذلك منه عفو, واتبـاع بـالـمعروف, ويؤدي إلـيه الذي عفـي له من أخيه بإحسان.
حدثنـي مـحمد بن سعد قال: حدثنـي أبـي, قال: حدثنـي عمي, قال: حدثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس قوله: فَمَنْ عُفِـيَ لَهُ مِنْ أخِيه شَيْءٌ فـاتّبـاعٌ بـالـمَعْرُوف وأدَاءٌ إلـيْه بإحْسانٍ وهي الدية أن يحسن الطالب الطلب وأدَاءٌ إلَـيْهِ بإحْسانٍ وهو أن يحسن الـمطلوب الأداء.
2052ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: فَمَنْ عُفِـيَ لَهُ مِنْ أخِيه شَيْءٌ فـاتّبـاعٌ بـالـمَعْرُوف وأدَاءٌ إلَـيْهِ بإحْسانٍ والعفوّ الذي يعفو عن الدم, ويأخذ الدية.
حدثنا سفـيان, قال: حدثنا أبـي, عن سفـيان, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: فَمَنْ عُفِـيَ لَهُ مِنْ أخِيهِ شَيْءٌ قال: الدية.
2053ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن يزيد, عن إبراهيـم, عن الـحسن:وأدَاءٌ إلَـيْه بإحْسانٍ قال: علـى هذا الطالب أن يطلب بـالـمعروف, وعلـى هذا الـمطلوب أن يؤدي بإحسان.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: فَمَنْ عُفِـيَ لَهُ مِنْ أخِيه شَيْءٌ فـاتّبـاعٌ بـالـمَعْروُفِ والعَفْوّ: الذي يعفو عن الدم, ويأخذ الدية.
2054ـ حدثنـي مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا أبو الولـيد, قال: حدثنا حماد, عن داود بن أبـي هند, عن الشعبـي فـي قوله: فَمَنْ عُفِـيَ لَهُ مِنْ أخِيه شَيْءٌ فـاتّبـاعٌ بـالـمَعْرُوفِ وأدَاءٌ إلَـيْه بإحْسانٍ قال: هو العمد يرضى أهله بـالدية.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا الـحجاج, قال: حدثنا حماد, عن داود, عن الشعبـي, مثله.
2055ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: فَمَنْ عُفِـيَ لَهُ مِنْ أخِيه شَيْءٌ فـاتّبـاعٌ بـالـمَعْرُوفِ وأدَاءٌ إلَـيْه بإحْسانٍ يقول: قتل عمدا فعفـى عنه, وقبلت منه الدية, يقول: فـاتّبـاعٌ بـالـمَعْرُوفِ فأمر الـمتبع أن يتبع بـالـمعروف, وأمر الـمؤدي أن يؤدي بإحسان, والعمد قود إلـيه قصاص, لا عَقْل فـيه إلا أن يرضوا بـالدية, فإن رضوا بـالدية فمائة خَـلِفَة, فإن قالوا: لا نرضى إلا بكذا وكذا فذاك لهم.
2056ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة فـي قوله: فـاتّبـاعٌ بـالـمَعْرُوفِ وأدَاءٌ إلَـيْه بإحْسانٍ قال: يتبع به الطالب بـالـمعروف, ويؤدي الـمطلوب بإحسان.
2057ـ حدثت عن عمار, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع فـي قوله: فَمَنْ عُفِـيَ لَهُ مِنْ أخِيه شَيْءٌ فـاتّبـاعٌ بـالـمَعْرُوفِ وأدَاءٌ إلَـيْه بإحْسانٍ يقول: فمن قتل عمدا فعفـي عنه وأخذت منه الدية, يقول: فـاتّبـاعٌ بـالـمَعْرُوفِ: أمر صاحب الدية التـي يأخذها أن يتبع بـالـمعروف, وأمر الـمؤدي أن يؤدي بإحسان.
2058ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنـي حجاج, عن ابن جريج, قال: قلت لعطاء قوله: فَمَنْ عُفِـيَ لَهُ مِنْ أخِيه شَيْءٌ فـاتّبـاعٌ بـالـمَعْرُوفِ وأدَاءٌ إلَـيْه بإحْسانٍ قال: ذلك إذا أخذ الدية فهو عفو.
2059ـ حدثنا الـحسن, قال: حدثنـي حجاج, عن ابن جريج, قال: أخبرنـي القاسم بن أبـي بزة, عن مـجاهد قال: إذا قبل الدية فقد عفـا عن القصاص, فذلك قوله: فَمَنْ عُفِـيَ لَهُ مِنْ أخِيه شَيْءٌ فـاتّبـاعٌ بـالـمَعْرُوفِ وأدَاءٌ إلَـيْه بإحْسانٍ. قال ابن جريج: وأخبرنـي الأعرج عن مـجاهد مثل ذلك, وزاد فـيه: فإذا قبل الدية فإن علـيه أن يتبع بـالـمعروف, وعلـى الذي عفـى عنه أن يؤدي بإحسان.
حدثنا الـمثنى قال: حدثنا مسلـم بن إبراهيـم قال: حدثنا أبو عقـيـل قال: قال الـحسن: أخذ الدية عفو حسن.
2060ـ حدثنا يونس قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد: وأدَاءٌ إلَـيْهِ بإحْسانٍ قال: أنت أيها الـمعفوّ عنه.
حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: حدثنـي أبـي, قال: حدثنـي عمي, قال: حدثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس قوله: فَمَنْ عُفِـيَ لَهُ مِنْ أخِيه شَيْءٌ فـاتّبـاعٌ بـالـمَعْرُوفِ وأدَاءٌ إلَـيْه بإحْسانٍ وهو الدية أن يحسن الطالب, وأداء إلـيه بإحسان: هو أن يحسن الـمطلوب الأداء.
وقال آخرون معنى قوله: فَمَنْ عُفِـيَ فمن فضل له فضل وبقـيت له بقـية. وقالوا: معنى قوله: مِنْ أخِيهِ شَيْءٌ من دية أخيه شيء, أو من أَرْش جراحته فـاتبـاع منه القاتل أو الـجارح الذي بقـي ذلك قبله بـمعروف وأداء من القاتل أو الـجارح إلـيه ما بقـي قبله له من ذلك بإحسان.
وهذا قول من زعم أن الآية نزلت, أعنـي قوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَـيْكُمُ القِصَاصُ فِـي القَتْلَـى فـي الذين تـحاربوا علـى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم, فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلـح بـينهم فـيقاص ديات بعضهم من بعض ويردّ بعضهم علـى بعض بفضل إن بقـي لهم قبل الاَخرين. وأحسب أن قائلـي هذا القول وجهوا تأويـل العفو فـي هذا الـموضع إلـى الكثرة من قول الله تعالـى ذكره: حَتـى عَفَوْا, فكان معنى الكلام عندهم: فمن كثر له قِبَل أخيه القاتل. ذكر من قال ذلك:
2061ـ حدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي: فَمَنْ عُفِـيَ لَهُ مِنْ أخِيه شَيْءٌ يقول: بقـي له من دية أخيه شيء أو من أرش جراحته, فلـيتبع بـمعروف ولـيؤدّ الاَخر إلـيه بإحسان.
والواجب علـى تأويـل القول الذي روينا عن علـيّ والـحسن فـي قوله: كُتِبَ عَلَـيْكُمُ القِصَاصُ أنه بـمعنى مقاصة دية النفس الذكر من دية النفس الأنثى, والعبد من الـحرّ, والتراجع بفضل ما بـين ديتـي أنفسهما أن يكون معنى قوله: فَمَنْ عُفِـيَ لَهُ مِنْ أخِيه شَيْءٌ فمن عفـي له من الواجب لأخيه علـيه من قصاص دية أحدهما بدية نفس الاَخر إلـى الرضى بدية نفس الـمقتول, فـاتبـاع من الولـيّ بـالـمعروف, وأداء من القاتل إلـيه ذلك بإحسان.
وأولـى الأقوال عندي بـالصواب فـي قوله: فَمَنْ عُفِـيَ لَهُ مِنْ أخِيه شَيْءٌ فمن صفح له من الواجب كان لأخيه علـيه من القود عن شيء من الواجب علـى دية يأخذها منه, فـاتبـاع بـالـمعروف من العافـي عن الدم الراضي بـالدية من دم ولـيه, وأداء إلـيه من القاتل ذلك بإحسان لـما قد بـينا من العلل فـيـما مضى قبل من أن معنى قول الله تعالـى ذكره: كُتِبَ عَلَـيْكُمُ القِصَاصُ إنـما هو القصاص من النفوس القاتلة أو الـجارحة والشاجة عمدا, كذلك العفو أيضا عن ذلك.
وأما معنى قوله: فـاتّبـاعٌ بـالـمَعْرُوفِ فإنه يعنـي: فـاتبـاع علـى ما أوجبه الله له من الـحق قِبَل قاتل ولـيه من غير أن يزداد علـيه ما لـيس له علـيه فـي أسنان الفرائض أو غير ذلك, أو يكلفه ما لـم يوجبه الله له علـيه. كما:
2062ـ حدثنـي بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قال: بلغنا عن نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «مَن زَادَ أو ازدَادَ بَعِيرا» يعنـي فـي إبل الديات وفرائضها «فمِنْ أمْرِ الـجاهِلِـيةِ».
وأما إحسان الاَخر فـي الأداء, فهو أداء ما لزمه بقتله لولـي القتـيـل علـى ما ألزمه الله وأوجبه علـيه من غير أن يبخسه حقا له قِبَله بسبب ذلك, أو يُحْوجه إلـى اقتضاء ومطالبة.
فإن قال لنا قائل: وكيف قـيـل: فـاتّبـاعٌ بـالـمَعْرُوفِ وأدَاءٌ إلَـيْه بإحْسانٍ ولـم يقل: فـاتبـاعا بـالـمعروف وأداء إلـيه بإحسان, كما قال: فإذَا لَقِـيُتـمُ الّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرّقاب؟ قـيـل: لو كان التنزيـل جاء بـالنصب, وكان: فـاتبـاعا بـالـمعروف وأداءً إلـيه بإحسان, كان جائزا فـي العربـية صحيحا علـى وجه الأمر, كما يقال: ضربـا ضربـا, وإذا لقـيت فلانا فتبجيلاً وتعظيـما غير أنه جاء رفعا, وهو أفصح فـي كلام العرب من نصبه, وكذلك ذلك فـي كل ما كان نظيرا له مـما يكون فرضا عاما فـيـمن قد فعل وفـيـمن لـم يفعل إذا فعل, لا ندبـا وحَثّا. ورفعه علـى معنى: فمن عفـي له من أخيه شيء فـالأمر فـيه اتبـاع بـالـمعروف, وأداء إلـيه بإحسان, أو: فـالقضاء والـحكم فـيه اتبـاع بـالـمعروف. وقد قال بعض أهل العربـية: رفع ذلك علـى معنى: فمن عفـي له من أخيه شيء فعلـيه اتبـاع بـالـمعروف. وهذا مذهبـي, والأول الذي قلناه هو وجه الكلام, وكذلك كل ما كان من نظائر ذلك فـي القرآن فإنّ رفعه علـى الوجه الذي قلناه, وذلك مثل قوله: وَمَن قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمّدا فَجَزَاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النّعَم وقوله: فإمساكٌ بـمَعْرُوفٍ أو تَسْريحٌ بإحْسانٍ.
وأما قوله: فَضَرْبَ الرّقابِ فإن الصواب فـيه النصب, وهو وجه الكلام لأنه علـى وجه الـحثّ من الله تعالـى ذكره عبـاده علـى القتل عند لقاء العدوّ كما يقال: إذا لقـيتـم العدوّ فتكبـيرا وتهلـيلاً, علـى وجه الـحضّ علـى التكبـير لا علـى وجه الإيجاب والإلزام.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: ذَلِكَ تَـخْفـيفٌ مِن رَبّكُم وَرَحَمةٌ.
يعنـي تعالـى ذكره بقوله ذلك: هذا الذي حكمت به وسننته لكم من إبـاحتـي لكم أيتها الأمة العفو عن القصاص من قاتل قتـيـلكم علـى دية تأخذونها فتـملكونها ملككم سائر أموالكم التـي كنت منعتها مَن قبلكم من الأمـم السالفة, تَـخْفـيفٌ مِنْ رَبّكم يقول: تـخفـيف منـي لكم مـما كنت ثقلته علـى غيركم بتـحريـم ذلك علـيهم ورحمة منـي لكم. كما:
2063ـ حدثنا أبو كريب وأحمد بن حماد الدولابـي, قالا: حدثنا سفـيان, عن عمرو بن دينار, عن مـجاهد, عن ابن عبـاس, قال: كان فـي بنـي إسرائيـل القصاصُ ولـم تكن فـيهم الدية, فقال الله فـي هذه الآية: كُتِبَ عَلَـيْكُمُ القِصَاصُ فِـي القَتْلَـى الـحُرّ بـالـحُرّ إلـى قوله: فَمَنْ عُفِـىَ لَهُ مِنْ أخِيه شَيْءٌ فـالعفو أن يقبل الدية فـي العمد, ذَلِكَ تَـخْفِـيفٌ مِن رَبّكُمْ يقول: خفف عنكم ما كان علـى من كان قبلكم أن يطلب هذا بـمعروف ويؤدي هذا بإحسان.
2064ـ حدثنا مـحمد بن علـيّ بن الـحسن بن شقـيق, قال: حدثنا أبـي, قال: حدثنا عبد الله بن الـمبـارك, عن مـحمد بن مسلـم, عن عمرو بن دينار, عن مـجاهد, عن ابن عبـاس, قال: كان من قبلكم يقتلون القاتل بـالقتـيـل لا تقبل منهم الدية, فأنزل الله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَـيْكُمُ القِصَاصُ فِـي القَتْلَـى الـحُرّ بـالـحُرّ إلـى آخر الآية ذَلِكَ تَـخْفِـيفٌ مِنْ رَبّكُمْ يقول: خفف عنكم وكان علـى من قبلكم أن الدية لـم تكن تقبل, فـالذي يقبل الدية ذلك منه عفو.
2065ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا الـحجاج بن الـمنهال, قال: حدثنا حماد بن سلـمة, قال: أخبرنا عمرو بن دينار, عن جابر بن زيد, عن ابن عبـاس: ذَلِكَ تَـخْفِـيفٌ مِن رَبّكُم وَرَحَمةٌ مـما كان علـى بنـي إسرائيـل, يعنـي من تـحريـم الدية علـيهم.
2066ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, عن ابن عبـاس قال: كان علـى بنـي إسرائيـل قصاص فـي القتل لـيس بـينهم دية فـي نفس ولا جرح, وذلك قول الله: وكَتَبْنا عَلَـيْهِم فِـيها أنّ النّفْسَ بـالنّفْسِ وَالعَيْنَ بـالعَيْن الآية كلها. وخفف الله عن أمة مـحمد صلى الله عليه وسلم, فقبل منهم الدية فـي النفس وفـي الـجراحة, وذلك قوله تعالـى: ذَلِكَ تَـخْفِـيفٌ مِن رَبّكُم بـينكم.
2067ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: ذَلِكَ تَـخْفِـيف مِن رَبكُم وَرَحَمَةٌ وإنـما هي رحمة رحم الله بها هذه الأمة أطعمهم الدية, وأحلها لهم, ولـم تـحلّ لأحد قبلهم. فكان أهل التوراة إنـما هو القصاص أو العفو, ولـيس بـينهما أرش. وكان أهل الإنـجيـل إنـما هو عفو أمروا به, فجعل الله لهذه الأمة القود والعفو والدية إن شاءوا أحلها لهم, ولـم تكن لأمة قبلهم.
2068ـ حدثت عن عمار بن الـحسن, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع بـمثله سواء, غير أنه قال: لـيس بـينهما شيء.
2069ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة فـي قوله: كُتِبَ عَلَـيْكُمُ القِصَاص فِـي القَتْلَـى قال: لـم يكن لـمن قبلنا دية, إنـما هو القتل أو العفو إلـى أهله, فنزلت هذه الآية فـي قوم كانوا أكثر من غيرهم.
2070ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنـي حجاج, عن ابن جريج, قال: وأخبرنـي عمرو بن دينار, عن ابن عبـاس, قال: إن بنـي إسرائيـل كان كتب علـيهم القصاص, وخفف عن هذه الأمة. وتلا عمرو بن دينار: ذَلِكَ تَـخْفِـيفٌ مِنْ رَبّكُمْ وَرَحْمَة.
وأما علـى قول من قال: القصاص فـي هذه الآية معناه: قصاص الديات بعضها من بعض علـى ما قاله السدي, فإنه ينبغي أن يكون تأويـله: هذا الذي فعلت بكم أيها الـمؤمنون من قصاص ديات قتلـى بعضكم بديات بعض وترك إيجاب القود علـى البـاقـين منكم بقتـيـله الذي قتله وأخذه بديته, تـخفـيف منـي عنكم ثقل ما كان علـيكم من حكمي علـيكم بـالقود أو الدية ورحمة منـي لكم.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ ألِـيـمٌ.
يعنـي تعالـى ذكره بقوله: فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فمن تـجاوز ما جعله الله له بعد أخذه الدية اعتداء وظلـما إلـى ما لـم يجعل له من قتل قاتل ولـيه وسفك دمه, فله بفعله ذلك وتعدّيه إلـى ما قد حرمته علـيه عذاب ألـيـم. وقد بـينت معنى الاعتداء فـيـما مضى بـما أغنى عن إعادته. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
2071ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فقتل, فَلَهُ عَذَابٌ ألِـيـمٌ.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: فمن اعتدى بعد أخذ الدية فله عذاب ألـيـم.
2072ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد بن زريع, عن سعيد, عن قتادة قوله: فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ ألِـيـمٌ يقول: فمن اعتدى بعد أخذه الدية فقتل, فله عذاب ألـيـم. قال: وذُكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «لا أعُافِـي رَجُلاً قَتَلَ بَعْدَ أخْذِهِ الدّيَة».
حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة فـي قوله: فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ قال: هو القتل بعد أخذ الدية, يقول: من قتل بعد أن يأخذ الدية فعلـيه القتل لا تقبل منه الدية.
2073ـ حدثت عن عمار بن الـحسن, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع قوله: فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ ألِـيـمٌ يقول: فمن اعتدى بعد أخذه الدية فله عذاب ألـيـم.
2074ـ حدثنا سفـيان بن وكيع, قال: حدثنـي أبـي, عن يزيد بن إبراهيـم, عن الـحسن, قال: كان الرجل إذا قتل قتـيلاً فـي الـجاهلـية فرّ إلـى قومه, فـيجيء قومه فـيصالـحون عنه بـالدية. قال: فـيخرج الفـارّ وقد أمن علـى نفسه. قال: فـيقتل ثم يرمى إلـيه بـالدية, فذلك الاعتداء.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا مسلـم بن إبراهيـم, قال: حدثنا أبو عقـيـل قال: سمعت الـحسن فـي هذه الآية: فَمَنْ عُفِـيَ لَهُ مِنْ أخِيه شَيْءٌ قال: القاتل إذا طلب فلـم يقدر علـيه, وأخذ من أولـيائه الدية, ثم أمن فأخذ فقتل, قال الـحسن: ما أكل عدوان.
2075ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا مسلـم, قال: حدثنا القاسم, قال: حدثنا هارون بن سلـيـمان, قال: قلت لعكرمة: من قتل بعد أخذه الدية؟ قال: إذا يقتل, أما سمعت الله يقول: فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ ألِـيـمٌ.
2076ـ حدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي: فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ بعد ما يأخذ الدية فـيقتل, فَلَهُ عَذَابٌ ألِـيـمٌ.
2077ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: حدثنـي عمي, قال: حدثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس: فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ يقول: فمن اعتدى بعد أخذه الدية,فَلَهُ عَذَابٌ ألِـيـمٌ.
2078ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ ألِـيـمٌ قال: أخذ العقل ثم قتل بعد أخذ العقل قاتل قتـيـله فله عذاب ألـيـم.
واختلفوا فـي معنى العذاب الألـيـم الذي جعله الله لـمن اعتدى بعد أخذه الدية من قاتل ولـيه, فقال بعضهم: ذلك العذاب هو القتل بـمن قتله بعد أخذ الدية منه وعفوه عن القصاص منه بدم ولـيه. ذكر من قال ذلك:
2079ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم الدورقـي, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا جويبر, عن الضحاك فـي قوله: فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ ألِـيـمٌ قال: يقتل, وهو العذاب الألـيـم, يقول: العذاب الـموجع.
2080ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنـي هشيـم, قال: حدثنا أبو إسحاق, عن سعيد بن جبـير أنه قال ذلك.
2081ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا مسلـم بن إبراهيـم, قال: حدثنا القاسم, قال: حدثنا هارون بن سلـيـمان, عن عكرمة: فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ ألِـيـمٌ قال: القتل.
وقال بعضهم: ذلك العذاب عقوبة يعاقبه بها السلطان علـى قدر ما يرى من عقوبته. ذكر من قال ذلك:
2082ـ حدثنـي القاسم بن الـحسن, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنـي حجاج, قال: قال ابن جريج: أخبرنـي إسماعيـل بن أمية, عن اللـيث غير أنه لـم ينسبه, وقال: ثقة: أن النبـيّ صلى الله عليه وسلم أوجب بقسم أو غيره أن لا يُعفـى عن رجل عفـا عن الدم وأخذ الدية ثم عدا فقتل.
قال ابن جريج: وأخبرنـي عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز, قال: فـي كتاب لعمر عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم قال: «والاعتداء» الذي ذكر الله أن الرجل يأخذ العقل أو يقتصّ, أو يقضي السلطان فـيـما بـين الـجراح, ثم يعتدي بعضهم من بعد أن يستوعب حقه, فمن فعل ذلك فقد اعتدى, والـحكم فـيه إلـى السلطان بـالذي يرى فـيه من العقوبة. قال: ولو عفـا عنه لـم يكن لأحد من طلبة الـحق أن يعفو, لأن هذا من الأمر الذي أنزل الله فـيه قوله: فإنْ تَنازَعْتُـمْ فِـي شَيْءٍ فَرُدّوهِ إلـى اللّهِ وَالرّسُولِ وَإلـى أُولـي الأمْرِ مِنْكُمْ.
2083ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا عبد الواحد بن زياد, عن يونس, عن الـحسن فـي رجل قتل فأخذت منه الدية, ثم إن ولـيه قتل به القاتل, قال الـحسن: تؤخذ منه الدية التـي أخذ ولا يقتل به.
وأولـى التأويـلـين بقوله: فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ ألِـيـمٌ تأويـل من قال: فمن اعتدى بعد أخذه الدية, فقتل قاتل ولـيه, فله عذاب ألـيـم فـي عاجل الدنـيا وهو القتل لأن الله تعالـى جعل لكل ولـيّ قتـيـل قتل ظلـما سلطانا علـى قاتل ولـيه, فقال تعالـى ذكره: وَمنْ قُتِلَ مَظْلُوما فقدْ جَعَلْنا لوَلِـيّه سُلْطانا فَلا يُسْرفْ فِـي القَتْلِ. فإذْ كان ذلك كذلك, وكان الـجميع من أهل العلـم مـجمعين علـى أن من قتل قاتل ولـيه بعد عفوه عنه وأخذه منه دية قتـيـله أنه بقتله إياه له ظالـم فـي قتله, كان بـينا أن لا يولّـي من قتله ظلـما كذلك السلطان علـيه فـي القصاص والعفو وأخذ الدية, أيّ ذلك شاء. وإذا كان ذلك كذلك كان معلوما أن ذلك عذابه, لأن من أقـيـم علـيه حده فـي الدنـيا كان ذلك عقوبته من ذنبه ولـم يكن به متبعا فـي الاَخرة, علـى ما قد ثبت به الـخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأما ما قاله ابن جريج من أن حكم من قتل قاتل ولـيه بعد عفوه عنه وأخذه دية ولـيه الـمقتول إلـى الإمام دون أولـياء الـمقتول, فقول خلاف لـما دلّ علـيه ظاهر كتاب الله وأجمع علـيه علـماء الأمة. وذلك أن الله جعل لولـيّ كل مقتول ظلـما السلطان دون غيره من غير أن يخصّ من ذلك قتـيلاً دون قتـيـل, فسواء كان ذلك قتـيـل ولـي من قتله أو غيره. ومن خصّ من ذلك شيئا سئل البرهان علـيه من أصل أو نظير وعكس علـيه القول فـيه, ثم لن يقول فـي شيء من ذلك قولاً إلا ألزم فـي الاَخر مثله. ثم فـي إجماع الـحجة علـى خلافه ما قاله فـي ذلك مكتفـى فـي الاستشهاد علـى فساده بغيره.
الآية : 179
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَأُولِي الألْبَابِ لَعَلّكُمْ تَتّقُونَ }
يعنـي تعالـى ذكره بقوله: وَلَكُمْ فِـي القِصَاصِ حَياةٌ يا أُولـي الألْبـاب ولكم يا أولـي العقول فـيـما فرضت علـيكم وأوجبت لبعضكم علـى بعض من القصاص فـي النفوس والـجراح والشجاج ما منع به بعضكم من قتل بعض وقَدَع بعضكم عن بعض فحيـيتـم بذلك فكان لكم فـي حكمي بـينكم بذلك حياة.
واختلف أهل التأويـل فـي معنى ذلك, فقال بعضهم فـي ذلك نـحو الذي قلنا فـيه. ذكر من قال ذلك:
2084ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي قوله: وَلَكُمْ فِـي القِصَاصِ حَياةٌ يا أُولـي الألْبـاب قال: نكالٌ, تناهٍ.
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن أبـي زائدة, عن ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي قوله: وَلَكُمْ فِـي القِصَاصِ حَياةٌ قال: نكالٌ, تناهٍ.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد مثله.
2085ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, عن سعيد, عن قتادة: وَلَكُمْ فِـي القِصَاصِ حَياةٌ جعل الله هذا القصاص حياة ونكالاً وعظة لأهل السفه والـجهل من الناس. وكم من رجل قد همّ بداهية لولا مخافة القصاص لوقع بها, ولكن الله حجز بـالقصاص بعضهم عن بعض. وما أمر الله بأمر قط إلا وهو أمر صلاح فـي الدنـيا والاَخرة ولا نهى الله عن أمر قط إلا وهو أمر فساد فـي الدنـيا والدين, والله أعلـم بـالذي يصلـح خـلقه.
2086ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة فـي قوله: وَلَكُمْ فِـي القِصَاصِ حَياةٌ يا أُولـي الألْبـاب قال: قد جعل الله فـي القصاص حياة, إذا ذكره الظالـم الـمتعدّي كفّ عن القتل.
2087ـ حدثت عن عمار بن الـحسن, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع قوله: وَلَكُمْ فِـي القِصَاصِ حَياةٌ الآية, يقول: جعل الله هذا القصاص حياة وعبرة لكم, كم من رجل قد همّ بداهية فمنعه مخافة القصاص أن يقع بها, وإن الله قد حجز عبـاده بعضهم عن بعض بـالقصاص.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد قوله: وَلَكُمْ فِـي القِصَاصِ حَياةٌ قال: نكالٌ, تناهٍ. قال ابن جريج: حياة: منعة.
2088ـ حدثنـي يونس قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: وَلَكُمْ فِـي القِصَاصِ حَياةٌ قال: حياة: بقـية إذا خاف هذا أن يقتل بـي كفّ عنـي, لعله يكون عدوّا لـي يريد قتلـي, فـيتذكر أن يقتل فـي القصاص, فـيخشى أن يقتل بـي, فـيكف بـالقصاص الذي خاف أن يقتل لولا ذلك قتل هذا.
2089ـ حدثت عن يعلـى بن عبـيد, قال: حدثنا إسماعيـل, عن أبـي صالـح فـي قوله: وَلَكُمْ فِـي القِصَاصِ حَياةٌ قال: بقاء.
وقال آخرون: معنى ذلك: ولكم فـي القصاص من القاتل بقاء لغيره لأنه لا يقتل بـالـمقتول غير قاتله فـي حكم الله. وكانوا فـي الـجاهلـية يقتلون بـالأنثى الذكر, وبـالعبد الـحر. ذكر من قال ذلك:
2090ـ حدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط عن السدي: وَلَكُمْ فِـي القِصَاصِ حَياةٌ يقول: بقاء, لا يقتل إلا القاتل بجنايته.
وأما تأويـل قوله: يا أُولـي الألْبـابِ فإنه: يا أولـي العقول. والألبـاب جمع اللبّ, واللبّ العقل. وخص الله تعالـى ذكره بـالـخطاب أهل العقول, لأنهم هم الذين يعقلون عن الله أمره ونهيه ويتدبرون آياته وحججه دون غيرهم.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: لَعَلّكُمْ تَتّقُونَ.
وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَأُولِي الألْبَابِ لَعَلّكُمْ تَتّقُونَ وتأويـل قوله: لَعَلّكُمْ تَتّقُونَ أي تتقون القصاص فتنتهون عن القتل. كما:
2091ـ حدثنـي به يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: لَعَلّكُمْ تَتّقُونَ قال: لعلك تتقـي أن تقتله فتقتل به.
الآية : 180
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
{كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتّقِينَ }
يعنـي بقوله تعالـى ذكره: كتب علـيكم: فرض علـيكم أيها الـمؤمنون الوصية إذا حضر أحدكم الـموت إنْ تَرَكَ خَيْرا والـخير: الـمال, للْوَالِدَيْن وَالأقْرَبـينَ الذين لا يرثونه, بـالـمَعْرُوفِ وهو ما أذن الله فـيه وأجازه فـي الوصية مـما لـم يجاوز الثلث, ولـم يتعمد الـموصي ظلـم ورثته, حَقّا علـى الـمُتّقـين, يعنـي بذلك: فرض علـيكم هذا وأوجبه, وجعله حقّا واجبـا علـى من اتقـى الله فأطاعه أن يعمل به.
فإن قال قائل: أَوَ فرض علـى الرجل ذي الـمال أن يوصي لوالديه وأقربـيه الذين لا يرثونه؟ قـيـل: نعم.
فإن قال: فإن هو فرّط فـي ذلك فلـم يوص لهم أيكون مضيعا فرضا يحرج بتضيـيعه؟ قـيـل: نعم.
فإن قال: وما الدلالة علـى ذلك؟ قـيـل: قول الله تعالـى ذكره: كُتِبَ عَلَـيكُمْ إذَا حَضَرَ أحَدَكُمُ الـمَوْتُ إنْ تَرَكَ خَيْرا الوَصِيّةُ للْوَالِدَيْنِ والأقْرَبِـين فأعلـم أنه قد كتبه علـينا وفرضه, كما قال: كُتِبَ عَلَـيْكُمُ الصّيامُ ولا خلاف بـين الـجميع أن تارك الصيام وهو علـيه قادر مضيع بتركه فرضا لله علـيه, فكذلك هو بترك الوصية لوالديه وأقربـيه وله ما يوصي لهم فـيه, مضيعٌ فرض الله عز وجل.
فإن قال: فإنك قد علـمت أن جماعة من أهل العلـم قالوا: الوَصِيّةُ للْوَالِدَيْن وَالأقْرَبـينَ منسوخة بآية الـميراث؟ قـيـل له: وخالفهم جماعة غيرهم فقالوا: هي مـحكمة غير منسوخة: وإذا كان فـي نسخ ذلك تنازع بـين أهل العلـم لـم يكن لنا القضاء علـيه بأنه منسوخ إلا بحجة يجب التسلـيـم لها, إذ كان غير مستـحيـل اجتـماع حكم هذه الآية وحكم آية الـمواريث فـي حال واحدة علـى صحة بغير مدافعة حكم إحداهما حكم الأخرى وكان الناسخ والـمنسوخ هما الـمعنـيان اللذان لا يجوز اجتـماع حكمهما علـى صحة فـي حالة واحدة لنفـي أحدهما صاحبه.
وبـما قلنا فـي ذلك قال جماعة من الـمتقدمين والـمتأخرين. ذكر من قال ذلك:
2092ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا هشيـم, عن جويبر, عن الضحاك أنه كان يقول: من مات ولـم يوصِ لذوي قرابته فقد ختـم عمله بـمعصية.
2093ـ حدثنـي سالـم بن جنادة, قال: حدثنا أبو معاوية, عن الأعمش, عن مسلـم, عن مسروق: أنه حضر رجلاً فوصى بأشياء لا تنبغي, فقال له مسروق: إن الله قد قسم بـينكم فأحسن القسم, وإنه من يرغب برأيه عن رأي الله يضله, أوص لذي قرابتك مـمن لا يرثك, ثم دع الـمال علـى ما قسمه الله علـيه.
2094ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا أبو تـميـلة يحيى بن واضح, قال: حدثنا عبـيد, عن الضحاك, قال: لا تـجوز وصية لوارث ولا يوصي إلا لذي قرابة, فإن أوصى لغير ذي قرابة فقد عمل بـمعصية, إلا أن لا يكون قرابة فـيوصي لفقراء الـمسلـمين.
2095ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن مغيرة, قال: العجبُ لأبـي العالـية أعتقته امرأة من بنـي رياح وأوصى بـماله لبنـي هاشم.
2096ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن رجل, عن الشعبـي, قال: لـم يكن له حال ولا كرامة.
2097ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا ابن علـية, قال: حدثنا أيوب, عن مـحمد, قال: قال عبد الله بن معمر فـي الوصية: من سَمّى جعلناها حيث سَمّى, ومن قال حيث أمر الله جعلناها فـي قرابته.
2098ـ حدثنـي مـحمد بن عبد الأعلـى الصنعانـي, قال: حدثنا الـمعتـمر, قال: حدثنا عمران بن جرير, قال: قلت لأبـي مـجلز: الوصية علـى كل مسلـم واجبة؟ قال: علـى من ترك خيرا.
2099ـ حدثنا سوّار بن عبد الله, قال: حدثنا عبد الـملك بن الصبـاح, قال: حدثنا عمران بن حرير قال: قلت للاحق بن حميد: الوصية حق علـى كل مسلـم؟ قال: هي حق علـى من ترك خيرا.
واختلف أهل العلـم فـي حكم هذه الآية, فقال بعضهم: لـم ينسخ الله شيئا من حكمها, وإنـما هي آية ظاهرها ظاهر عموم فـي كل والد ووالدة والقريب, والـمراد بها فـي الـحكم البعض منهم دون الـجميع, وهو من لا يرث منهم الـميت دون من يرث. وذلك قول من ذكرت قوله, وقول جماعة آخرين غيرهم معهم. ذكر قول من لـم يذكر قوله منهم فـي ذلك:
2100ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا معاذ بن هشام, قال: حدثنـي أبـي, عن قتادة, عن جابر بن زيد فـي رجل أوصى لغير ذي قرابة, وله قرابة مـحتاجون, قال: يردّ ثلثا الثلث علـيهم, وثلث الثلث لـمن أوصى له به.
2101ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا معاذ, قال: حدثنا أبـي, عن قتادة, عن الـحسن وجابر بن زيد وعبد الـملك بن يعلـى أنهم قالوا فـي الرجل يوصي لغير ذي قرابته وله قرابة مـمن لا يرثه قال: كانوا يجعلون ثلثـي الثلث لذوي القرابة, وثلث الثلث لـمن أوصى له به.
2102ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا حميد, عن الـحسن أنه كان يقول: إذا أوصى الرجل لغير ذي قرابته بثلثه فلهم ثلث الثلث, وثلثا الثلث لقرابته.
2103ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن ابن طاوس, عن أبـيه قال: من أوصى لقوم وسماهم وترك ذوي قرابته مـحتاجين انتزعت منهم وردّت إلـى ذوي قرابته.
وقال آخرون: بل هي آية قد كان الـحكم بها واجبـا وعمل به برهة, ثم نسخ الله منها بآية الـمواريث الوصية لوالدي الـموصي وأقربـائه الذين يرثونه, وأقرّ فرض الوصية لـمن كان منهم لا يرثه. ذكر من قال ذلك:
2104ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد بن زريع, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة فـي قوله: كُتِبَ عَلَـيكُمْ إذَا حَضَرَ أحَدَكُمُ الـمَوْتُ إنْ تَرَكَ خَيْرا الوَصِيّةُ للْوَالِدَيْنِ والأقْرَبِـينَ فجعلت الوصية للوالدين والأقربـين, ثم نسخ ذلك بعد ذلك فجعل لهما نصيب مفروض, فصارت الوصية لذوي القرابة الذين لا يرثون, وجعل للوالدين نصيب معلوم, ولا تـجوز وصية لوارث.
2105ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة فـي قوله: إنْ تَرَكَ خَيْرا الوَصِيّةُ للْوَالِدَيْن وَالأقْرَبـينَ قال: نسخ الوالدان منها, وترك الأقربون مـمن لا يرث.
2106ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنـي حجاج عن ابن جريج, عن عكرمة, عن ابن عبـاس قوله: إنْ تَرَكَ خَيْرا الوَصِيّةُ للْوَالِدَيْن وَالأقْرَبـينَ قال: نسخ من يرث ولـم ينسخ الأقربـين الذين لا يرثون.
2107ـ حدثنا يحيى بن نصر, قال: حدثنا يحيى بن حسان, قال: حدثنا سفـيان, عن ابن طاوس, عن أبـيه, قال: كانت الوصية قبل الـميراث للوالدين والأقربـين, فلـما نزل الـميراث نسخ الـميراث من يرث وبقـي من لا يرث, فمن أوصى لذي قرابته لـم تـجز وصيته.
2108ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا سويد بن نصر, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, عن إسماعيـل الـمكي, عن الـحسن فـي قوله: إنْ تَرَكَ خَيْرا الوَصِيّةُ للْوَالِدَيْن وَالأقْرَبـينَ قال: نسخ الوالدين وأثبت الأقربـين الذين يحرمون فلا يرثون.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا سويد, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, عن مبـارك بن فضالة, عن الـحسن فـي هذه الآية: الوَصِيّةُ للْوَالِدَيْن وَالأقْرَبـينَ قال: للوالدين منسوخة, والوصية للقرابة وإن كانوا أغنـياء.
2109ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: حدثنـي معاوية بن صالـح, عن علـيّ بن أبـي طلـحة عن ابن عبـاس قوله: إنْ تَرَكَ خَيْرا الوَصِيّةُ للْوَالِدَيْن وَالأقْرَبـينَ فكان لا يرث مع الوالدين غيرهم إلا وصية إن كانت للأقربـين, فأنزل الله بعد هذا: ولأبَوَيْهِ لِكُلّ وَاحِدٍ مِنْهُما السّدسُ مـمّا تَرَكَ إنْ كانَ لَه وَلَدٌ فإنْ لَـمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَه أبَوَاه فَلأُمّهِ الثّلُثُ فبـين الله سبحانه ميراث الوالدين, وأقرّ وصية الأقربـين فـي ثلث مال الـميت.
2110ـ حدثنـي علـيّ بن داود, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: حدثنـي معاوية بن صالـح, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس قوله: إنْ تَرَكَ خَيْرا الوَصِيّةُ للْوَالِدَيْن وَالأقْرَبـينَ فنسخ الوصية للوالدين وأثبت الوصية للأقربـين الذين لا يرثون.
2111ـ حدثت عن عمار, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع قوله: كُتِبَ عَلَـيكُمْ إذَا حَضَرَ أحَدَكُمُ الـمَوْتُ إنْ تَرَكَ خَيْرا الوَصِيّةُ للْوَالِدَيْنِ والأقْرَبِـين بـالـمعروف. قال: كان هذا من قبل أن تنزل سورة النساء, فلـما نزلت آية الـميراث نسخ شأن الوالدين, فألـحقهما بأهل الـميراث وصارت الوصيةُ لأهل القرابة الذين لا يرثون.
2112ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا الـحجاج بن الـمنهال, قال: حدثنا حماد بن سلـمة, قال: أخبرنا عطاء بن أبـي ميـمونة, قال: سألت مسلـم بن يسار, والعلاء بن زياد, عن قول الله تبـارك وتعالـى: إنْ تَرَكَ خَيْرا الوَصِيّةُ للْوَالِدَيْن وَالأقْرَبـينَ قالا: فـي القرابة.
2113ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا الـحجاج, قال: حدثنا حماد, عن إياس بن معاوية, قال: فـي القرابة.
وقال آخرون: بلـى نسخ الله ذلك كله, وفرض الفرائض والـمواريث, فلا وصية تـجب لأحد علـى أحد قريب ولا بعيد. ذكر من قال ذلك:
2114ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: إنْ تَرَكَ خَيْرا الوَصِيّةُ للْوَالِدَيْن وَالأقْرَبـينَ الآية, قال: فنسخ الله ذلك كله وفرض الفرائض.
2115ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا ابن علـية, عن يونس, عن ابن سيرين, عن ابن عبـاس: أنه قام فخطب الناس ههنا, فقرأ علـيهم سورة البقرة لـيبـين لهم منها, فأتـى علـى هذه الآية: إنْ تَرَكَ خَيْرا الوَصِيّةُ للْوَالِدَيْن وَالأقْرَبـينَ قال: نسخت هذه.
حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: حدثنـي أبـي, قال: حدثنـي عمي, قال: حدثنـي أبـي عن أبـيه, عن ابن عبـاس قوله: إنْ تَرَكَ خَيْرا الوَصِيّةُ للْوَالِدَيْن وَالأقْرَبـينَ نسخت الفرائض التـي للوالدين والأقربـين الوصية.
2116ـ حدثنـي مـحمد بن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي, قال: حدثنا سفـيان, عن جهضم, عن عبد الله بن بدر, قال: سمعت ابن عمر يقول فـي قوله: إنْ تَرَكَ خَيْرا الوَصِيّةُ للْوَالِدَيْن وَالأقْرَبـينَ قال: نسختها آية الـميراث. قال ابن بشار: قال عبد الرحمن: فسألت جهضما عنه فلـم يحفظه.
2117ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يحيى بن واضح, قال: حدثنا الـحسين بن واقد, عن يزيد النـحوي, عن عكرمة والـحسن البصري, قالا: إنْ تَرَكَ خَيْرا الوَصِيّةُ للْوَالِدَيْن وَالأقْرَبـينَ فكانت الوصية كذلك حتـى نسختها آية الـميراث.
2118ـ حدثنـي أحمد بن الـمقدام, قال: حدثنا الـمعتـمر, قال: سمعت أبـي, قال: زعم قتادة, عن شريح فـي هذه الآية: إنْ تَرَكَ خَيْرا الوَصِيّةُ للْوَالِدَيْن وَالأقْرَبـينَ قال: كان الرجل يوصي بـماله كله حتـى نزلت آية الـميراث.
2119ـ حدثنا أحمد بن الـمقدام, قال: حدثنا الـمعتـمر, قال: سمعت أبـي, قال: زعم قتادة أنه نسخت آيتا الـمواريث فـي سورة النساء الآية فـي سورة البقرة فـي شأن الوصية.
2120ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي قول الله: إنْ تَرَكَ خَيْرا الوَصِيّةُ للْوَالِدَيْن وَالأقْرَبـينَ قال: كان الـميراث للولد والوصية للوالدين والأقربـين, وهي منسوخة.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قال: كان الـميراث للولد, والوصية للوالدين والأقربـين, وهي منسوخة نسختها آية فـي سورة النساء: يُوصيكُمُ اللّهُ فِـي أوْلادِكُم.
2121ـ حدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي: كُتِبَ عَلَـيكُمْ إذَا حَضَرَ أحَدَكُمُ الـمَوْتُ إنْ تَرَكَ خَيْرا الوَصِيّةُ للْوَالِدَيْنِ والأقْرَبِـين أما الوالدان والأقربون فـيومَ نزلت هذه الآية كان الناس لـيس لهم ميراث معلوم, إنـما يوصي الرجل لوالده ولأهله فـيقسم بـينهم حتـى نسختها النساء فقال: يُوصِيكُمُ اللّهُ فِـي أوْلاَدِكُمْ.
2122ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا ابن علـية, قال: حدثنا أيوب, عن نافع أن ابن عمر لـم يوص وقال: أما مالـي فـالله أعلـم ما كنت أصنع فـيه فـي الـحياة, وأما رِبـاعي فما أحبّ أن يشرك ولدي فـيها أحد.
2123ـ حدثنـي مـحمد بن خـلف العسقلانـي, قال: حدثنا مـحمد بن يوسف, قال: حدثنا سفـيان, عن نسير بن ذعلوق قال: قال عروة: يعنـي ابن ثابت لربـيع بن خُيْثَم: أوص لـي بـمصحفك قال: فنظر إلـى أبـيه فقال: وأُولُو الأرْحامِ بَعْضهُمْ أوْلـى بِبَعْضٍ فِـي كِتابِ اللّهِ.
2124ـ حدثنا علـيّ بن سهل, قال: حدثنا يزيد, عن سفـيان, عن الـحسن بن عبد الله, عن إبراهيـم, قال: ذكرنا له أن زيدا وطلـحة كانا يشددان فـي الوصية, فقال: ما كان علـيهما أن يفعلا, مات النبـيّ صلى الله عليه وسلم ولـم يوص, وأوصى أبو بكر, أيّ ذلك فعلتَ فحسن.
حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا الثوري, عن الـحسن بن عبد الله, عن إبراهيـم, قال: ذكر عنده طلـحة وزيد, فذكر مثله.
وأما الـخير الذي إذا تركه تارك وجب علـيه الوصية فـيه لوالديه وأقربـيه الذين لا يرثون فهو الـمال. كما:
2125ـ حدثنـي الـمثنى بن إبراهيـم, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, عن معاوية بن صالـح, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس قوله: إنْ تَرَكَ خَيْرا يعنـي مالاً.
2126ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي قول الله: إنْ تَرَكَ خَيْرا مالاً.
2127ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: إنْ تَرَكَ خَيْرا كان يقول: الـخير فـي القرآن كله الـمال لـحبّ الـخيرِ لَشديدٌ الـخير الـمال وأحبَبْتُ حُبّ الـخيرِ عَنْ ذِكْرِ رَبـي الـمال فَكاتِبُوهُم إن عَلِـمْتُـم فِـيهِمْ خَيْرا الـمال وإنْ تَرَكَ خَيْرا الوَصِيّةُ الـمال.
2128ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد بن زريع, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: إنْ تَرَكَ خَيْرا الوَصِيّةُ أي مالاً.
2129ـ حدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي: إنْ تَرَكَ خَيْرا الوَصِيّةُ أما خيرا فـالـمال.
2130ـ حدثت عن عمار بن الـحسن, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع: إنْ تَرَكَ خَيْرا قال إن ترك مالاً.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن عكرمة, عن ابن عبـاس قوله: إنْ تَرَكَ خَيْرا قال: الـخير: الـمال.
2131ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا سويد, قال: أخبرنـي ابن الـمبـارك, عن الـحسن بن يحيى, عن الضحاك فـي قوله: إنْ تَرَكَ خَيْرا الوَصِيّةُ قال: الـمال, ألا ترى أنه يقول: قال شعيب لقومه: إنّـي أرَاكُمْ بِخَيْرٍ يعنـي الغنى.
2132ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرنا مـحمد بن عمرو الـيافعي, عن ابن جريج, عن عطاء بن أبـي ربـاح قال: كُتِبَ عَلَـيكُمْ إذَا حَضَرَ أحَدَكُمُ الـمَوْتُ إنْ تَرَكَ خَيْرا قال عطاء: الـخير فـيـما يرى الـمال.
ثم اختلفوا فـي مبلغ الـمال الذي إذا تركه الرجل كان مـمن لزمه حكم هذه الآية, فقال بعضهم: ذلك ألف درهم. ذكر من قال ذلك:
2133ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا الـحجاج بن الـمنهال, قال: حدثنا همام بن يحيى, عن قتادة فـي هذه الآية: إنْ تَرَكَ خَيْرا الوَصِيّةُ قال: الـخير: ألف فما فوقه.
2134ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا الـحجاج, قال: حدثنا حماد, قال: أخبرنا هشام بن عروة, عن عروة: أن علـيّ بن أبـي طالب دخـل علـى ابن عم له يعوده, فقال: إنـي أريد أن أوصي, فقال علـيّ: لا توص فإنك لـم تترك خيرا فتوصي. قال: وكان ترك من السبعمائة إلـى تسعمائة.
حدثنـي يونس بن عبد الأعلـى, قال: أخبرنا ابن وهب قال: حدثنـي عثمان بن الـحكم الـحزامي وابن أبـي الزناد عن هشام بن عروة, عن أبـيه, عن علـيّ بن أبـي طالب: أنه دخـل علـى رجل مريض, فذكر له الوصية, فقال: لا توص إنـما قال الله: إنْ تَرَكَ خَيْرا وأنت لـم تترك خيرا. قال ابن أبـي الزناد فـيه: فدع مالك لبنـيك.
2135ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن منصور بن صفـية, عن عبد الله بن عيـينة أو عتبة, الشك منـي: أن رجلاً أراد أن يوصي وله ولد كثـير, وترك أربعمائة دينار, فقالت عائشة: ما أرى فـيه فضلاً.
حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن هشام بن عروة, عن أبـيه قال: دخـل علـيّ علـى مولـى لهم فـي الـموت وله سبعمائة درهم أو ستـمائة درهم, فقال: ألا أوصي؟ فقال: لا, إنـما قال الله إنْ تَرَكَ خَيْرا ولـيس لك كثـير مال.
وقال بعضهم: ذلك ما بـين الـخمسمائة درهم إلـى الألف. ذكر من قال ذلك:
2136ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة, عن أبـان بن إبراهيـم النـخعي فـي قوله: إنْ تَرَكَ خَيْرا قال: ألف درهم إلـى خمسمائة.
وقال بعضهم: الوصية واجبة من قلـيـل الـمال وكثـيره. ذكر من قال ذلك:
2137ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر عن الزهري, قال: جعل الله الوصية حقا مـما قل منه أو كثر.
وأولـى هذه الأقوال بـالصواب فـي تأويـل قوله: كُتِبَ عَلَـيكُمْ إذَا حَضَرَ أحَدَكُمُ الـمَوْتُ إنْ تَرَكَ خَيْرا الوَصِيّةُ ما قال الزهري لأن قلـيـل الـمال وكثـيره يقع علـيه خير, ولـم يحدّ الله ذلك بحدّ ولا خصّ منه شيئا فـيجوز أن يحال ظاهر إلـى بـاطن, فكل من حضرته منـيته وعنده مال قلّ ذلك أو كثر فواجب علـيه أن يوصى منه لـمن لا يرثه من آبـائه وأمهاته وأقربـائه الذين لا يرثونه بـمعروف, كما قال الله جل ذكره وآمره به.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَمَن بَدّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنّمَا إِثْمُهُ عَلَى الّذِينَ يُبَدّلُونَهُ إِنّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
يعنـي تعالـى ذكره بذلك: فمن غيّر ما أوصى به الـموصي من وصيته بـالـمعروف لوالديه أو أقربـيه الذين لا يرثونه بعد ما سمع الوصية فإنـما إثم التبديـل علـى من بدّل وصيته.
فإن قال لنا قائل: وعلام عادت الهاء التـي فـي قوله فمن بدّله؟ قـيـل: علـى مـحذوف من الكلام يدلّ علـيه الظاهر, وذلك هو أمر الـميت وإيصاؤه إلـى من أوصى إلـيه بـما أوصى به لـمن أوصى له. ومعنى الكلام: كُتِبَ عَلَـيكُمْ إذَا حَضَرَ أحَدَكُمُ الـمَوْتُ إنْ تَرَكَ خَيْرا الوَصِيّةُ للْوَالِدَيْنِ والأقْرَبِـين بـالـمَعْروفِ حَقّا علـى الـمُتّقِـين فأوصوا لهم فمن بدل ما أوصيتـم به لهم بعد ما سمعكم توصون لهم, فإنـما إثم ما فعل من ذلك علـيه دونكم. وإنـما قلنا إن الهاء فـي قوله: فَمَنْ بَدّلَهُ عائدة علـى مـحذوف من الكلام يدل علـيه الظاهر لأن قوله: كُتِبَ عَلَـيكُمْ إذَا حَضَرَ أحَدَكُمُ الـمَوْتُ إنْ تَرَكَ خَيْرا الوَصِيّةُ من قوله الله, وإن تبديـل الـمبدل إنـما يكون لوصية الـموصي, فأما أمر الله بـالوصية فلا يقدر هو ولا غيره أن يبدله, فـيجوز أن تكون الهاء فـي قوله: فَمَنْ بَدّلَهُ عائده علـى الوصية. وأما الهاء فـي قوله: بَعْدَ مَا سمِعَهُ فعائدة علـى الهاء الأولـى فـي قوله: فَمَنْ بَدّلَهُ وأما الهاء التـي فـي قوله: فَإنـمَا إثْمُهُ فإنها مكنـي التبديـل كأنه قال: فإنـما إثم ما بدّل من ذلك علـى الذين يبدلونه.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
2138ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: فَمَنْ بَدّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ قال: الوصية.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
2139ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: حدثنـي معاوية بن صالـح, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس فـي قوله: فَمَنْ بَدّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فإنّـمَا إثْمُهُ علـى الّذِينَ يُبَدّلُونَهُ وقد وقع أجر الـموصي علـى الله وبريء من إثمه, وأن كان أوصى فـي ضرار لـم تـجز وصيته, كما قال الله: غيرَ مُضَارّ.
2140ـ حدثنا الـحسين بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة فـي قوله: فَمَنْ بَدّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ قال: من بدّل الوصية بعد ما سمعها فإثم ما بدل علـيه.
2141ـ حدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي: فَمَنْ بَدّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فإنّـمَا إثْمُهُ علـى الّذِينَ يُبَدّلُونَهُ فمن بدل الوصية التـي أوصى بها وكانت بـمعروف, فإنـما إثمها علـى من بدلها أنه قد ظلـم.
2142ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا حجاج بن الـمنهال, قال: حدثنا حماد, عن قتادة أن عطاء بن أبـي ربـاح قال فـي قوله: فَمَنْ بَدّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فإنّـمَا إثْمُهُ علـى الّذِينَ يُبَدّلُونَهُ قال: يُـمْضَي كما قال.
2143ـ حدثنا سفـيان بن وكيع, قال: حدثنا أبـي عن يزيد بن إبراهيـم, عن الـحسن: فَمَنْ بَدّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ قال: من بدل وصية بعد ما سمعها.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا حجاج, قال: حدثنا يزيد بن إبراهيـم, عن الـحسن فـي هذه الآية: فَمَنْ بَدّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فإنّـمَا إثْمُهُ علـى الّذِينَ يُبَدّلُونَهُ قال: هذا فـي الوصية من بدلها من بعد ما سمعها, فإنـما إثمه علـى من بدله.
2144ـ حدثنا ابن بشار وابن الـمثنى, قالا: حدثنا معاذ بن هشام, قال: حدثنـي أبـي, عن قتادة, عن عطاء وسالـم بن عبد الله وسلـيـمان بن يسار أنهم قالوا: تُـمْضَى الوصية لـمن أَوْصَى له به إلـى ههنا انتهى حديث ابن الـمثنى, وزاد ابن بشار فـي حديثه قال قتادة: وقال عبد الله بن معمر: أعجب إلـيّ لو أوصى لذوي قرابته, وما يعجبنـي أن ننزعه مـمن أوصى له به. قال قتادة: وأعجبه إلـيّ لـمن أوصى له به, قال الله عز وجل: فَمَنْ بَدّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فإنّـمَا إثْمُهُ علـى الّذِينَ يُبَدّلُونَهُ.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: إنّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِـيـمٌ يعنـي تعالـى ذكره بذلك: إن الله سميع لوصيتكم التـي أمرتكم أن توصوا بها لاَبـائكم وأمهاتكم وأقربـائكم حين توصون بها, أتعدلون فـيها علـى ما أذنت لكم من فعل ذلك بـالـمعروف, أم تـحيفون فتـميـلون عن الـحق وتـجورون عن القصد علـيـم بـما تـخفـيه صدوركم من الـميـل إلـى الـحقّ والعدل, أم الـجور والـحيف.
الآية : 181
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
{كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتّقِينَ }
يعنـي بقوله تعالـى ذكره: كتب علـيكم: فرض علـيكم أيها الـمؤمنون الوصية إذا حضر أحدكم الـموت إنْ تَرَكَ خَيْرا والـخير: الـمال, للْوَالِدَيْن وَالأقْرَبـينَ الذين لا يرثونه, بـالـمَعْرُوفِ وهو ما أذن الله فـيه وأجازه فـي الوصية مـما لـم يجاوز الثلث, ولـم يتعمد الـموصي ظلـم ورثته, حَقّا علـى الـمُتّقـين, يعنـي بذلك: فرض علـيكم هذا وأوجبه, وجعله حقّا واجبـا علـى من اتقـى الله فأطاعه أن يعمل به.
فإن قال قائل: أَوَ فرض علـى الرجل ذي الـمال أن يوصي لوالديه وأقربـيه الذين لا يرثونه؟ قـيـل: نعم.
فإن قال: فإن هو فرّط فـي ذلك فلـم يوص لهم أيكون مضيعا فرضا يحرج بتضيـيعه؟ قـيـل: نعم.
فإن قال: وما الدلالة علـى ذلك؟ قـيـل: قول الله تعالـى ذكره: كُتِبَ عَلَـيكُمْ إذَا حَضَرَ أحَدَكُمُ الـمَوْتُ إنْ تَرَكَ خَيْرا الوَصِيّةُ للْوَالِدَيْنِ والأقْرَبِـين فأعلـم أنه قد كتبه علـينا وفرضه, كما قال: كُتِبَ عَلَـيْكُمُ الصّيامُ ولا خلاف بـين الـجميع أن تارك الصيام وهو علـيه قادر مضيع بتركه فرضا لله علـيه, فكذلك هو بترك الوصية لوالديه وأقربـيه وله ما يوصي لهم فـيه, مضيعٌ فرض الله عز وجل.
فإن قال: فإنك قد علـمت أن جماعة من أهل العلـم قالوا: الوَصِيّةُ للْوَالِدَيْن وَالأقْرَبـينَ منسوخة بآية الـميراث؟ قـيـل له: وخالفهم جماعة غيرهم فقالوا: هي مـحكمة غير منسوخة: وإذا كان فـي نسخ ذلك تنازع بـين أهل العلـم لـم يكن لنا القضاء علـيه بأنه منسوخ إلا بحجة يجب التسلـيـم لها, إذ كان غير مستـحيـل اجتـماع حكم هذه الآية وحكم آية الـمواريث فـي حال واحدة علـى صحة بغير مدافعة حكم إحداهما حكم الأخرى وكان الناسخ والـمنسوخ هما الـمعنـيان اللذان لا يجوز اجتـماع حكمهما علـى صحة فـي حالة واحدة لنفـي أحدهما صاحبه.
وبـما قلنا فـي ذلك قال جماعة من الـمتقدمين والـمتأخرين. ذكر من قال ذلك:
2092ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا هشيـم, عن جويبر, عن الضحاك أنه كان يقول: من مات ولـم يوصِ لذوي قرابته فقد ختـم عمله بـمعصية.
2093ـ حدثنـي سالـم بن جنادة, قال: حدثنا أبو معاوية, عن الأعمش, عن مسلـم, عن مسروق: أنه حضر رجلاً فوصى بأشياء لا تنبغي, فقال له مسروق: إن الله قد قسم بـينكم فأحسن القسم, وإنه من يرغب برأيه عن رأي الله يضله, أوص لذي قرابتك مـمن لا يرثك, ثم دع الـمال علـى ما قسمه الله علـيه.
2094ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا أبو تـميـلة يحيى بن واضح, قال: حدثنا عبـيد, عن الضحاك, قال: لا تـجوز وصية لوارث ولا يوصي إلا لذي قرابة, فإن أوصى لغير ذي قرابة فقد عمل بـمعصية, إلا أن لا يكون قرابة فـيوصي لفقراء الـمسلـمين.
2095ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن مغيرة, قال: العجبُ لأبـي العالـية أعتقته امرأة من بنـي رياح وأوصى بـماله لبنـي هاشم.
2096ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن رجل, عن الشعبـي, قال: لـم يكن له حال ولا كرامة.
2097ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا ابن علـية, قال: حدثنا أيوب, عن مـحمد, قال: قال عبد الله بن معمر فـي الوصية: من سَمّى جعلناها حيث سَمّى, ومن قال حيث أمر الله جعلناها فـي قرابته.
2098ـ حدثنـي مـحمد بن عبد الأعلـى الصنعانـي, قال: حدثنا الـمعتـمر, قال: حدثنا عمران بن جرير, قال: قلت لأبـي مـجلز: الوصية علـى كل مسلـم واجبة؟ قال: علـى من ترك خيرا.
2099ـ حدثنا سوّار بن عبد الله, قال: حدثنا عبد الـملك بن الصبـاح, قال: حدثنا عمران بن حرير قال: قلت للاحق بن حميد: الوصية حق علـى كل مسلـم؟ قال: هي حق علـى من ترك خيرا.
واختلف أهل العلـم فـي حكم هذه الآية, فقال بعضهم: لـم ينسخ الله شيئا من حكمها, وإنـما هي آية ظاهرها ظاهر عموم فـي كل والد ووالدة والقريب, والـمراد بها فـي الـحكم البعض منهم دون الـجميع, وهو من لا يرث منهم الـميت دون من يرث. وذلك قول من ذكرت قوله, وقول جماعة آخرين غيرهم معهم. ذكر قول من لـم يذكر قوله منهم فـي ذلك:
2100ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا معاذ بن هشام, قال: حدثنـي أبـي, عن قتادة, عن جابر بن زيد فـي رجل أوصى لغير ذي قرابة, وله قرابة مـحتاجون, قال: يردّ ثلثا الثلث علـيهم, وثلث الثلث لـمن أوصى له به.
2101ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا معاذ, قال: حدثنا أبـي, عن قتادة, عن الـحسن وجابر بن زيد وعبد الـملك بن يعلـى أنهم قالوا فـي الرجل يوصي لغير ذي قرابته وله قرابة مـمن لا يرثه قال: كانوا يجعلون ثلثـي الثلث لذوي القرابة, وثلث الثلث لـمن أوصى له به.
2102ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا حميد, عن الـحسن أنه كان يقول: إذا أوصى الرجل لغير ذي قرابته بثلثه فلهم ثلث الثلث, وثلثا الثلث لقرابته.
2103ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن ابن طاوس, عن أبـيه قال: من أوصى لقوم وسماهم وترك ذوي قرابته مـحتاجين انتزعت منهم وردّت إلـى ذوي قرابته.
وقال آخرون: بل هي آية قد كان الـحكم بها واجبـا وعمل به برهة, ثم نسخ الله منها بآية الـمواريث الوصية لوالدي الـموصي وأقربـائه الذين يرثونه, وأقرّ فرض الوصية لـمن كان منهم لا يرثه. ذكر من قال ذلك:
2104ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد بن زريع, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة فـي قوله: كُتِبَ عَلَـيكُمْ إذَا حَضَرَ أحَدَكُمُ الـمَوْتُ إنْ تَرَكَ خَيْرا الوَصِيّةُ للْوَالِدَيْنِ والأقْرَبِـينَ فجعلت الوصية للوالدين والأقربـين, ثم نسخ ذلك بعد ذلك فجعل لهما نصيب مفروض, فصارت الوصية لذوي القرابة الذين لا يرثون, وجعل للوالدين نصيب معلوم, ولا تـجوز وصية لوارث.
2105ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة فـي قوله: إنْ تَرَكَ خَيْرا الوَصِيّةُ للْوَالِدَيْن وَالأقْرَبـينَ قال: نسخ الوالدان منها, وترك الأقربون مـمن لا يرث.
2106ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنـي حجاج عن ابن جريج, عن عكرمة, عن ابن عبـاس قوله: إنْ تَرَكَ خَيْرا الوَصِيّةُ للْوَالِدَيْن وَالأقْرَبـينَ قال: نسخ من يرث ولـم ينسخ الأقربـين الذين لا يرثون.
2107ـ حدثنا يحيى بن نصر, قال: حدثنا يحيى بن حسان, قال: حدثنا سفـيان, عن ابن طاوس, عن أبـيه, قال: كانت الوصية قبل الـميراث للوالدين والأقربـين, فلـما نزل الـميراث نسخ الـميراث من يرث وبقـي من لا يرث, فمن أوصى لذي قرابته لـم تـجز وصيته.
2108ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا سويد بن نصر, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, عن إسماعيـل الـمكي, عن الـحسن فـي قوله: إنْ تَرَكَ خَيْرا الوَصِيّةُ للْوَالِدَيْن وَالأقْرَبـينَ قال: نسخ الوالدين وأثبت الأقربـين الذين يحرمون فلا يرثون.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا سويد, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, عن مبـارك بن فضالة, عن الـحسن فـي هذه الآية: الوَصِيّةُ للْوَالِدَيْن وَالأقْرَبـينَ قال: للوالدين منسوخة, والوصية للقرابة وإن كانوا أغنـياء.
2109ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: حدثنـي معاوية بن صالـح, عن علـيّ بن أبـي طلـحة عن ابن عبـاس قوله: إنْ تَرَكَ خَيْرا الوَصِيّةُ للْوَالِدَيْن وَالأقْرَبـينَ فكان لا يرث مع الوالدين غيرهم إلا وصية إن كانت للأقربـين, فأنزل الله بعد هذا: ولأبَوَيْهِ لِكُلّ وَاحِدٍ مِنْهُما السّدسُ مـمّا تَرَكَ إنْ كانَ لَه وَلَدٌ فإنْ لَـمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَه أبَوَاه فَلأُمّهِ الثّلُثُ فبـين الله سبحانه ميراث الوالدين, وأقرّ وصية الأقربـين فـي ثلث مال الـميت.
2110ـ حدثنـي علـيّ بن داود, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: حدثنـي معاوية بن صالـح, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس قوله: إنْ تَرَكَ خَيْرا الوَصِيّةُ للْوَالِدَيْن وَالأقْرَبـينَ فنسخ الوصية للوالدين وأثبت الوصية للأقربـين الذين لا يرثون.
2111ـ حدثت عن عمار, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع قوله: كُتِبَ عَلَـيكُمْ إذَا حَضَرَ أحَدَكُمُ الـمَوْتُ إنْ تَرَكَ خَيْرا الوَصِيّةُ للْوَالِدَيْنِ والأقْرَبِـين بـالـمعروف. قال: كان هذا من قبل أن تنزل سورة النساء, فلـما نزلت آية الـميراث نسخ شأن الوالدين, فألـحقهما بأهل الـميراث وصارت الوصيةُ لأهل القرابة الذين لا يرثون.
2112ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا الـحجاج بن الـمنهال, قال: حدثنا حماد بن سلـمة, قال: أخبرنا عطاء بن أبـي ميـمونة, قال: سألت مسلـم بن يسار, والعلاء بن زياد, عن قول الله تبـارك وتعالـى: إنْ تَرَكَ خَيْرا الوَصِيّةُ للْوَالِدَيْن وَالأقْرَبـينَ قالا: فـي القرابة.
2113ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا الـحجاج, قال: حدثنا حماد, عن إياس بن معاوية, قال: فـي القرابة.
وقال آخرون: بلـى نسخ الله ذلك كله, وفرض الفرائض والـمواريث, فلا وصية تـجب لأحد علـى أحد قريب ولا بعيد. ذكر من قال ذلك:
2114ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: إنْ تَرَكَ خَيْرا الوَصِيّةُ للْوَالِدَيْن وَالأقْرَبـينَ الآية, قال: فنسخ الله ذلك كله وفرض الفرائض.
2115ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا ابن علـية, عن يونس, عن ابن سيرين, عن ابن عبـاس: أنه قام فخطب الناس ههنا, فقرأ علـيهم سورة البقرة لـيبـين لهم منها, فأتـى علـى هذه الآية: إنْ تَرَكَ خَيْرا الوَصِيّةُ للْوَالِدَيْن وَالأقْرَبـينَ قال: نسخت هذه.
حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: حدثنـي أبـي, قال: حدثنـي عمي, قال: حدثنـي أبـي عن أبـيه, عن ابن عبـاس قوله: إنْ تَرَكَ خَيْرا الوَصِيّةُ للْوَالِدَيْن وَالأقْرَبـينَ نسخت الفرائض التـي للوالدين والأقربـين الوصية.
2116ـ حدثنـي مـحمد بن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي, قال: حدثنا سفـيان, عن جهضم, عن عبد الله بن بدر, قال: سمعت ابن عمر يقول فـي قوله: إنْ تَرَكَ خَيْرا الوَصِيّةُ للْوَالِدَيْن وَالأقْرَبـينَ قال: نسختها آية الـميراث. قال ابن بشار: قال عبد الرحمن: فسألت جهضما عنه فلـم يحفظه.
2117ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يحيى بن واضح, قال: حدثنا الـحسين بن واقد, عن يزيد النـحوي, عن عكرمة والـحسن البصري, قالا: إنْ تَرَكَ خَيْرا الوَصِيّةُ للْوَالِدَيْن وَالأقْرَبـينَ فكانت الوصية كذلك حتـى نسختها آية الـميراث.
2118ـ حدثنـي أحمد بن الـمقدام, قال: حدثنا الـمعتـمر, قال: سمعت أبـي, قال: زعم قتادة, عن شريح فـي هذه الآية: إنْ تَرَكَ خَيْرا الوَصِيّةُ للْوَالِدَيْن وَالأقْرَبـينَ قال: كان الرجل يوصي بـماله كله حتـى نزلت آية الـميراث.
2119ـ حدثنا أحمد بن الـمقدام, قال: حدثنا الـمعتـمر, قال: سمعت أبـي, قال: زعم قتادة أنه نسخت آيتا الـمواريث فـي سورة النساء الآية فـي سورة البقرة فـي شأن الوصية.
2120ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي قول الله: إنْ تَرَكَ خَيْرا الوَصِيّةُ للْوَالِدَيْن وَالأقْرَبـينَ قال: كان الـميراث للولد والوصية للوالدين والأقربـين, وهي منسوخة.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قال: كان الـميراث للولد, والوصية للوالدين والأقربـين, وهي منسوخة نسختها آية فـي سورة النساء: يُوصيكُمُ اللّهُ فِـي أوْلادِكُم.
2121ـ حدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي: كُتِبَ عَلَـيكُمْ إذَا حَضَرَ أحَدَكُمُ الـمَوْتُ إنْ تَرَكَ خَيْرا الوَصِيّةُ للْوَالِدَيْنِ والأقْرَبِـين أما الوالدان والأقربون فـيومَ نزلت هذه الآية كان الناس لـيس لهم ميراث معلوم, إنـما يوصي الرجل لوالده ولأهله فـيقسم بـينهم حتـى نسختها النساء فقال: يُوصِيكُمُ اللّهُ فِـي أوْلاَدِكُمْ.
2122ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا ابن علـية, قال: حدثنا أيوب, عن نافع أن ابن عمر لـم يوص وقال: أما مالـي فـالله أعلـم ما كنت أصنع فـيه فـي الـحياة, وأما رِبـاعي فما أحبّ أن يشرك ولدي فـيها أحد.
2123ـ حدثنـي مـحمد بن خـلف العسقلانـي, قال: حدثنا مـحمد بن يوسف, قال: حدثنا سفـيان, عن نسير بن ذعلوق قال: قال عروة: يعنـي ابن ثابت لربـيع بن خُيْثَم: أوص لـي بـمصحفك قال: فنظر إلـى أبـيه فقال: وأُولُو الأرْحامِ بَعْضهُمْ أوْلـى بِبَعْضٍ فِـي كِتابِ اللّهِ.
2124ـ حدثنا علـيّ بن سهل, قال: حدثنا يزيد, عن سفـيان, عن الـحسن بن عبد الله, عن إبراهيـم, قال: ذكرنا له أن زيدا وطلـحة كانا يشددان فـي الوصية, فقال: ما كان علـيهما أن يفعلا, مات النبـيّ صلى الله عليه وسلم ولـم يوص, وأوصى أبو بكر, أيّ ذلك فعلتَ فحسن.
حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا الثوري, عن الـحسن بن عبد الله, عن إبراهيـم, قال: ذكر عنده طلـحة وزيد, فذكر مثله.
وأما الـخير الذي إذا تركه تارك وجب علـيه الوصية فـيه لوالديه وأقربـيه الذين لا يرثون فهو الـمال. كما:
2125ـ حدثنـي الـمثنى بن إبراهيـم, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, عن معاوية بن صالـح, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس قوله: إنْ تَرَكَ خَيْرا يعنـي مالاً.
2126ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي قول الله: إنْ تَرَكَ خَيْرا مالاً.
2127ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: إنْ تَرَكَ خَيْرا كان يقول: الـخير فـي القرآن كله الـمال لـحبّ الـخيرِ لَشديدٌ الـخير الـمال وأحبَبْتُ حُبّ الـخيرِ عَنْ ذِكْرِ رَبـي الـمال فَكاتِبُوهُم إن عَلِـمْتُـم فِـيهِمْ خَيْرا الـمال وإنْ تَرَكَ خَيْرا الوَصِيّةُ الـمال.
2128ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد بن زريع, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: إنْ تَرَكَ خَيْرا الوَصِيّةُ أي مالاً.
2129ـ حدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي: إنْ تَرَكَ خَيْرا الوَصِيّةُ أما خيرا فـالـمال.
2130ـ حدثت عن عمار بن الـحسن, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع: إنْ تَرَكَ خَيْرا قال إن ترك مالاً.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن عكرمة, عن ابن عبـاس قوله: إنْ تَرَكَ خَيْرا قال: الـخير: الـمال.
2131ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا سويد, قال: أخبرنـي ابن الـمبـارك, عن الـحسن بن يحيى, عن الضحاك فـي قوله: إنْ تَرَكَ خَيْرا الوَصِيّةُ قال: الـمال, ألا ترى أنه يقول: قال شعيب لقومه: إنّـي أرَاكُمْ بِخَيْرٍ يعنـي الغنى.
2132ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرنا مـحمد بن عمرو الـيافعي, عن ابن جريج, عن عطاء بن أبـي ربـاح قال: كُتِبَ عَلَـيكُمْ إذَا حَضَرَ أحَدَكُمُ الـمَوْتُ إنْ تَرَكَ خَيْرا قال عطاء: الـخير فـيـما يرى الـمال.
ثم اختلفوا فـي مبلغ الـمال الذي إذا تركه الرجل كان مـمن لزمه حكم هذه الآية, فقال بعضهم: ذلك ألف درهم. ذكر من قال ذلك:
2133ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا الـحجاج بن الـمنهال, قال: حدثنا همام بن يحيى, عن قتادة فـي هذه الآية: إنْ تَرَكَ خَيْرا الوَصِيّةُ قال: الـخير: ألف فما فوقه.
2134ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا الـحجاج, قال: حدثنا حماد, قال: أخبرنا هشام بن عروة, عن عروة: أن علـيّ بن أبـي طالب دخـل علـى ابن عم له يعوده, فقال: إنـي أريد أن أوصي, فقال علـيّ: لا توص فإنك لـم تترك خيرا فتوصي. قال: وكان ترك من السبعمائة إلـى تسعمائة.
حدثنـي يونس بن عبد الأعلـى, قال: أخبرنا ابن وهب قال: حدثنـي عثمان بن الـحكم الـحزامي وابن أبـي الزناد عن هشام بن عروة, عن أبـيه, عن علـيّ بن أبـي طالب: أنه دخـل علـى رجل مريض, فذكر له الوصية, فقال: لا توص إنـما قال الله: إنْ تَرَكَ خَيْرا وأنت لـم تترك خيرا. قال ابن أبـي الزناد فـيه: فدع مالك لبنـيك.
2135ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن منصور بن صفـية, عن عبد الله بن عيـينة أو عتبة, الشك منـي: أن رجلاً أراد أن يوصي وله ولد كثـير, وترك أربعمائة دينار, فقالت عائشة: ما أرى فـيه فضلاً.
حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن هشام بن عروة, عن أبـيه قال: دخـل علـيّ علـى مولـى لهم فـي الـموت وله سبعمائة درهم أو ستـمائة درهم, فقال: ألا أوصي؟ فقال: لا, إنـما قال الله إنْ تَرَكَ خَيْرا ولـيس لك كثـير مال.
وقال بعضهم: ذلك ما بـين الـخمسمائة درهم إلـى الألف. ذكر من قال ذلك:
2136ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة, عن أبـان بن إبراهيـم النـخعي فـي قوله: إنْ تَرَكَ خَيْرا قال: ألف درهم إلـى خمسمائة.
وقال بعضهم: الوصية واجبة من قلـيـل الـمال وكثـيره. ذكر من قال ذلك:
2137ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر عن الزهري, قال: جعل الله الوصية حقا مـما قل منه أو كثر.
وأولـى هذه الأقوال بـالصواب فـي تأويـل قوله: كُتِبَ عَلَـيكُمْ إذَا حَضَرَ أحَدَكُمُ الـمَوْتُ إنْ تَرَكَ خَيْرا الوَصِيّةُ ما قال الزهري لأن قلـيـل الـمال وكثـيره يقع علـيه خير, ولـم يحدّ الله ذلك بحدّ ولا خصّ منه شيئا فـيجوز أن يحال ظاهر إلـى بـاطن, فكل من حضرته منـيته وعنده مال قلّ ذلك أو كثر فواجب علـيه أن يوصى منه لـمن لا يرثه من آبـائه وأمهاته وأقربـائه الذين لا يرثونه بـمعروف, كما قال الله جل ذكره وآمره به.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَمَن بَدّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنّمَا إِثْمُهُ عَلَى الّذِينَ يُبَدّلُونَهُ إِنّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
يعنـي تعالـى ذكره بذلك: فمن غيّر ما أوصى به الـموصي من وصيته بـالـمعروف لوالديه أو أقربـيه الذين لا يرثونه بعد ما سمع الوصية فإنـما إثم التبديـل علـى من بدّل وصيته.
فإن قال لنا قائل: وعلام عادت الهاء التـي فـي قوله فمن بدّله؟ قـيـل: علـى مـحذوف من الكلام يدلّ علـيه الظاهر, وذلك هو أمر الـميت وإيصاؤه إلـى من أوصى إلـيه بـما أوصى به لـمن أوصى له. ومعنى الكلام: كُتِبَ عَلَـيكُمْ إذَا حَضَرَ أحَدَكُمُ الـمَوْتُ إنْ تَرَكَ خَيْرا الوَصِيّةُ للْوَالِدَيْنِ والأقْرَبِـين بـالـمَعْروفِ حَقّا علـى الـمُتّقِـين فأوصوا لهم فمن بدل ما أوصيتـم به لهم بعد ما سمعكم توصون لهم, فإنـما إثم ما فعل من ذلك علـيه دونكم. وإنـما قلنا إن الهاء فـي قوله: فَمَنْ بَدّلَهُ عائدة علـى مـحذوف من الكلام يدل علـيه الظاهر لأن قوله: كُتِبَ عَلَـيكُمْ إذَا حَضَرَ أحَدَكُمُ الـمَوْتُ إنْ تَرَكَ خَيْرا الوَصِيّةُ من قوله الله, وإن تبديـل الـمبدل إنـما يكون لوصية الـموصي, فأما أمر الله بـالوصية فلا يقدر هو ولا غيره أن يبدله, فـيجوز أن تكون الهاء فـي قوله: فَمَنْ بَدّلَهُ عائده علـى الوصية. وأما الهاء فـي قوله: بَعْدَ مَا سمِعَهُ فعائدة علـى الهاء الأولـى فـي قوله: فَمَنْ بَدّلَهُ وأما الهاء التـي فـي قوله: فَإنـمَا إثْمُهُ فإنها مكنـي التبديـل كأنه قال: فإنـما إثم ما بدّل من ذلك علـى الذين يبدلونه.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
2138ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: فَمَنْ بَدّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ قال: الوصية.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
2139ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: حدثنـي معاوية بن صالـح, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس فـي قوله: فَمَنْ بَدّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فإنّـمَا إثْمُهُ علـى الّذِينَ يُبَدّلُونَهُ وقد وقع أجر الـموصي علـى الله وبريء من إثمه, وأن كان أوصى فـي ضرار لـم تـجز وصيته, كما قال الله: غيرَ مُضَارّ.
2140ـ حدثنا الـحسين بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة فـي قوله: فَمَنْ بَدّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ قال: من بدّل الوصية بعد ما سمعها فإثم ما بدل علـيه.
2141ـ حدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي: فَمَنْ بَدّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فإنّـمَا إثْمُهُ علـى الّذِينَ يُبَدّلُونَهُ فمن بدل الوصية التـي أوصى بها وكانت بـمعروف, فإنـما إثمها علـى من بدلها أنه قد ظلـم.
2142ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا حجاج بن الـمنهال, قال: حدثنا حماد, عن قتادة أن عطاء بن أبـي ربـاح قال فـي قوله: فَمَنْ بَدّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فإنّـمَا إثْمُهُ علـى الّذِينَ يُبَدّلُونَهُ قال: يُـمْضَي كما قال.
2143ـ حدثنا سفـيان بن وكيع, قال: حدثنا أبـي عن يزيد بن إبراهيـم, عن الـحسن: فَمَنْ بَدّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ قال: من بدل وصية بعد ما سمعها.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا حجاج, قال: حدثنا يزيد بن إبراهيـم, عن الـحسن فـي هذه الآية: فَمَنْ بَدّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فإنّـمَا إثْمُهُ علـى الّذِينَ يُبَدّلُونَهُ قال: هذا فـي الوصية من بدلها من بعد ما سمعها, فإنـما إثمه علـى من بدله.
2144ـ حدثنا ابن بشار وابن الـمثنى, قالا: حدثنا معاذ بن هشام, قال: حدثنـي أبـي, عن قتادة, عن عطاء وسالـم بن عبد الله وسلـيـمان بن يسار أنهم قالوا: تُـمْضَى الوصية لـمن أَوْصَى له به إلـى ههنا انتهى حديث ابن الـمثنى, وزاد ابن بشار فـي حديثه قال قتادة: وقال عبد الله بن معمر: أعجب إلـيّ لو أوصى لذوي قرابته, وما يعجبنـي أن ننزعه مـمن أوصى له به. قال قتادة: وأعجبه إلـيّ لـمن أوصى له به, قال الله عز وجل: فَمَنْ بَدّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فإنّـمَا إثْمُهُ علـى الّذِينَ يُبَدّلُونَهُ.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: إنّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِـيـمٌ يعنـي تعالـى ذكره بذلك: إن الله سميع لوصيتكم التـي أمرتكم أن توصوا بها لاَبـائكم وأمهاتكم وأقربـائكم حين توصون بها, أتعدلون فـيها علـى ما أذنت لكم من فعل ذلك بـالـمعروف, أم تـحيفون فتـميـلون عن الـحق وتـجورون عن القصد علـيـم بـما تـخفـيه صدوركم من الـميـل إلـى الـحقّ والعدل, أم الـجور والـحيف