تفسير الطبري تفسير الصفحة 310 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 310
311
309
 الآية : 65
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { رّبّ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً }.
يقول تعالـى ذكره: لـم يكن ربك يا مـحمد ربّ السموات والأرض وما بـينهما نسيا, لأنه لو كان نسيا لـم يستقم ذلك, ولهلك لولا حفظه إياه, فـالربّ مرفوع ردّا علـى قوله رَبّكَ.
وقوله: فـاعْبُدْه يقول: فـالزم طاعته, وذلّ لأمره ونهيه وَاصْطَبِرْ لِعِبـادَتِهِ يقول: واصبر نفسك علـى النفوذ لأمره ونهيه, والعمل بطاعته, تفز برضاه عنك, فإنه الإله الذي لا مثل له ولا عدل ولا شبـيه فـي جوده وكرمه وفضله هَلْ تَعْلَـمُ لَهُ سَمِيّا يقول: هل تعلـم يا مـحمد لربك هذا الذي أمرناك بعبـادته, والصبر علـى طاعته مثلاً فـي كرمه وجوده, فتعبده رجاء فضله وطوله دونه؟ كلا, ما ذلك بـموجود. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
17964ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: هَلْ تَعْلَـمُ لَهُ سَمِيّا يقول: هل تعلـم للربّ مثلاً أو شبـيها.
حدثنـي سعيد بن عثمان التنوخي, قال: حدثنا إبراهيـم بن مهدي, عن عبـاد بن عوّام, عن شعبة, عن الـحسن بن عمارة, عن رجل, عن ابن عبـاس, فـي قوله هَلْ تَعْلَـمُ لَهُ سَمِيّا قال: شبـيها.
17965ـ حدثنـي يحيى بن إبراهيـم الـمسعودي, قال: حدثنا أبـي, عن أبـيه, عن جدّه, عن الأعمش, عن مـجاهد فـي هذه الاَية هَلْ تَعْلَـمُ لَهُ سَمِيّا قال: هل تعلـم له شبـيها, هل تعلـم له مثلاً تبـارك وتعالـى.
17966ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: هَلْ تَعْلَـمُ لَهُ سَمِيّا لا سميّ لله ولا عِدل له, كلّ خـلقه يقرّ له, ويعترف أنه خالقه, ويعرف ذلك, ثم يقرأ هذه الاَية: وَلَئِنْ سألْتَهُمْ مَنْ خَـلَقَهُمْ لَـيَقُولُنّ اللّهُ.
17967ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, فـي قوله: هَلْ تَعْلَـمُ لَهُ سَمِيّا قال: يقول: لا شريك له ولا مثل.
الآية : 66 و 67
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { وَيَقُولُ الإِنْسَانُ أَإِذَا مَا مِتّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً * أَوَلاَ يَذْكُرُ إلإِنْسَانُ أَنّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً }.
يقول تعالـى ذكره: ويقولُ الإنسانُ الكافر الذي لا يصدق بـالبعث بعد الـموت: أخرج حيا, فأُبعث بعد الـمـمات وبعد البلاء والفناء إنكارا منه ذلك. يقول الله تعالـى ذكره: أَوَ لاَ يذكرُ الإنسانُ الـمتعجب من ذلك الـمنكر قدرة الله علـى إحيائه بعد فنائه, وإيجاده بعد عدمه فـي خـلق نفسه, أن الله خـلقه من قبل مـماته, فأنشأه بشرا سويا من غير شيء ولـمْ يكُ من قبل إنشائه إياه شَيئا فـيعتبر بذلك ويعلـم أن من أنشأه من غير شيء لا يعجز عن إحيائه بعد مـماته, وإيجاده بعد فنائه.
وقد اختلفت القرّاء فـي قراءة قوله أوَلا يَذْكُرُ الإنْسانُ فقرأه بعض قرّاء الـمدينة والكوفة: أوَلا يَذْكُرُ بتـخفـيف الذال, وقد قرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة والبصرة والـحجاز: «أوَلا يَذّكّرُ» بتشديد الذال والكاف, بـمعنى: أو لا يتذكر, والتشديد أعجب إلـيّ, وإن كانت الأخرى جائزة, لأن معنى ذلك: أو لا يتفكر فـيعتبر.
الآية : 68
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { فَوَرَبّكَ لَنَحْشُرَنّهُمْ وَالشّيَاطِينَ ثُمّ لَنُحْضِرَنّهُمْ حَوْلَ جَهَنّمَ جِثِيّاً }.
يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: فوربك يا مـحمد لنـحشرنّ هؤلاء القائلـين: أئذا متنا لسوف نـخرج أحياء يوم القـيامة من قبورهم, مقرنـين بأولـيائهم من الشياطين ثُمّ لَنُـحْضِرَنّهُمْ حَوْلَ جَهَنّـمَ جِثِـيّا والـجثـي: جمع الـجاثـي. كما:
17968ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس قوله: ثُمّ لَنُـحْضِرَنّهُمْ حَوْلَ جَهَنّـمَ جِثـيّا يعنـي: القعود, وهو مثل قوله: وَتَرَى كُلّ أُمةٍ جاثِـيَةً.
الآية : 69
لقول فـي تأويـل قوله تعالـى: { ثُمّ لَنَنزِعَنّ مِن كُلّ شِيعَةٍ أَيّهُمْ أَشَدّ عَلَى الرّحْمَـَنِ عِتِيّاً }.
يقول تعالـى ذكره, ثم لنأخذنَ من كلّ جماعة منهم أشدّهم علـى الله عتوّا, وتـمرّدا فلنبدأنّ بهم. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
17969ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن علـيّ بن الأقمر, عن أبـي الأحوص ثُمّ لَنَنْزِعَنّ مِنْ كُلّ شِيعَةٍ أيّهُمْ أشَدّ عَلـى الرّحْمَنِ عِتِـيّا قال: نبدأ بـالأكابر فـالأكابر جرما.
17970ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: ثُمّ لَنَنْزِعَنّ مِنْ كُلّ شِيعَةٍ أيّهُمْ أشَدّ عَلـى الرّحْمَنِ عِتِـيّا يقول: أيهم أشدّ للرحمن معصية, وهي معصيته فـي الشرك.
حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: أيّهُمْ أشَدّ عَلـى الرّحْمَنِ عِتِـيّا يقول: عصيا.
17971ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى. وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: مِنْ كُلّ شِيعَةٍ قال: أمة. وقوله عِتِـيّا قال: كفرا.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, مثله, وزاد فـيه ابن جريج: فلنبدأنّ بهم.
قال أبو جعفر: والشيعة هم الـجماعة الـمتعاونون علـى الأمر من الأمور, يقال من ذلك: تشايع القوم: إذا تعاونوا ومنه قولهم للرجل الشجاع: إنه لـمشيع: أي معان, فمعنى الكلام: ثم لننزعنّ من كلّ جماعة تشايعت علـى الكفر بـالله, أشدّهم علـى الله عتوّا, فلنبدأنّ بإصلائه جهنـم. والتشايع فـي غير هذا الـموضع: التفرّق ومنه قول الله عزّ ذكره: وكانُوا شيَعا يعنـي: فرقا ومنه قول ابن مسعود أو سعد. إنـي أكره أن آتـي رسول الله صلى الله عليه وسلم, فـيقول: شيّعت بـين أمتـي, بـمعنى: فرّقت.
الآية : 70
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { ثُمّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالّذِينَ هُمْ أَوْلَىَ بِهَا صِلِيّاً }.
يقول تعالـى ذكره: ثم لنـحن أعلـم من هؤلاء الذين ننزعهم من كلّ شيعة أولاهم بشدّة العذاب, وأحقهم بعظيـم العقوبة. وذكر عن ابن جريج أنه كان يقول فـي ذلك ما:
17972ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج ثُمّ لَنَـحْنُ أعْلَـمُ بـالّذِينَ هُمْ أوْلَـى بِها صِلـيّا قال: أولـى بـالـخـلود فـي جهنـم.
قال أبو جعفر: وهذا الذي قاله ابن جريج, قول لا معنى له, لأن الله تعالـى ذكره أخبر أن الذين ينزعهم من كلّ شيعة من الكفرة أشدّهم كفرا, ولا شكّ أنه لا كافر بـالله إلا مخـلّد فـي النار, فلا وجه, وجميعهم مخـلدون فـي جهنـم, لأن يقال: ثم لنـحن أعلـم بـالذين هم أحقّ بـالـخـلود من هؤلاء الـمخـلدين, ولكن الـمعنى فـي ذلك ما ذكرنا. وقد يحتـمل أن يكون معناه: ثم لنـحن أعلـم بـالذين هم أولـى ببعض طبقات جهنـم صلـيا. والصلـيّ: مصدر صلـيت تصلـي صلـيا, والصلـي: فعول, ولكن واوها انقلبت ياء فأدغمت فـي الـياء التـي بعدها التـي هي لام الفعل, فصارت ياء مشدّدة.
الآية : 71
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { وَإِن مّنكُمْ إِلاّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَىَ رَبّكَ حَتْماً مّقْضِيّاً }.
يقول تعالـى ذكره: وإن منكم أيها الناس إلا وارد جهنـم, كان علـى ربك يا مـحمد إيرادهموها قضاء مقضيا, قد قضى ذلك وأوجبه فـي أمّ الكتاب.
واختلف أهل العلـم فـي معنى الورود الذي ذكره الله فـي هذا الـموضع, فقال بعضهم: الدخول. ذكر من قال ذلك:
17973ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا ابن عيـينة عن عمرو, قال: أخبرنـي من سمع ابن عبـاس يخاصم نافع بن الأزرق, فقال ابن عبـاس: الورود: الدخول, وقال نافع: لا, فقرأ ابن عبـاس: إنّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ حَصَبُ جَهَنّـمَ أنْتُـمْ لَهَا وَارِدُونَ أورود هو أم لا؟ وقال: يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ القِـيامَةِ فأوْرَدَهُمُ النّارَ وَبِئْسَ الوِرْدُ الـمَوْرُودُ أورود هو أم لا؟ أما أنا وأنت فسندخـلها, فـانظر هل نـخرج منها أم لا؟ وما أرى الله مخرجك منها بتكذيبك, قال: فضحك نافع.
17974ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن عطاء بن أبـي ربـاح, قال: قال أبو راشد الـحَروريّ: ذكروا هذا فقال الـحروريّ: لا يسمعون حَسيسها, قال ابن عبـاس: ويـلك أمـجنون أنت؟ أين قوله تعالـى: يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ القِـيامَةِ فأوْرَدَهُمُ النّارَ وَبِئْسَ الوِرْدِ الـمَوْرُودُ. وَنَسُوقُ الـمُـجْرِمِينَ إلـى جَهَنّـمَ وِرْدا, وقوله: وَإنْ مِنْكُمْ إلاّ وَارِدُها والله إن كان دعاء من مضى: اللهمّ أخرجنـي من النار سالـما, وأدخـلنـي الـجنة غانـما.
قال ابن جريج: يقول: الورود الذي ذكره الله فـي القرآن: الدخول, لـيردنها كل برّ وفـاجر فـي القرآن أربعة أوراد فأوْرَدَهُمُ النّارَ وَحَصَبُ جَهَنّـمَ أنْتَـمْ لَهَا وَارِدُونَ وَنَسُوقُ الـمُـجْرِمِينَ إلـى جَهَنّـمَ وِرْدا, وقوله: وَإنْ مِنْكُمْ إلاّ وَارِدُها.
حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: وَإنْ مِنْكُمْ إلاّ وَارِدُها كانَ عَلـى رَبّكَ حَتْـما مَقْضِيّا يعرف البرّ والفـاجر, ألـم تسمع إلـى قول الله تعالـى لفرعون: يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ القِـيامَةِ فأوْرَدَهُمُ النّارَ وَبِئْسَ الوِرْدِ الـمَوْرُودُ, وقال وَنَسوق الـمُـجْرِمِينَ إلـى جَهَنّـمَ وِرْدا فسمى الورود فـي النار دخولاً, ولـيس بصادر.
17975ـ حدثنا الـحسن بن عرفة, قال: حدثنا مروان بن معاوية, عن بكار بن أبـي مروان, عن خالد بن معدان, قال: قال أهل الـجنة بعد ما دخـلوا الـجنة: ألـم يعدنا ربنا الورود علـى النار؟ قال: قد مررتـم علـيها وهي خامدة.
قال ابن عرفة, قال مروان بن معاوية, قال بكار بن أبـي مروان, أو قال: جامدة.
17976ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا مرحوم بن عبد العزيز, قال: ثنـي أبو عمران الـجَوْنـيّ, عن أبـي خالد قال: تكون الأرض يوما نارا, فماذا أعددتـم لها؟ قال: فذلك قول الله: وَإنْ مِنْكُمْ إلاّ وَارِدُها كانَ عَلـى رَبّكَ حَتْـما مَقْضِيّا ثُمّ نُنَـجّي الّذِينَ اتّقَوْا وَنَذَرُ الظّالِـمِينَ فِـيها جِثِـيّا.
17977ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا ابن علـية, عن الـجريريّ, عن أبـي السلـيـل, عن غنـيـم بن قـيس, قال: ذكروا ورود النار, فقال كعب: تُـمْسَكُ النارُ للناس كأنها متن إهالة, حتـى يستويَ علـيها أقدام الـخلائق بَرّهم وفـاجرهم, ثم يناديها مناد: أن أمسكي أصحابك, ودعي أصحابـي, قال: فـيُخْسَف بكلّ ولـيّ لها, ولهي أعلـم بهم من الرجل بولده, ويخرج الـمؤمنون ندية أبدانهم. قال: وقال كعب: ما بـين منكبـي الـخازن من خزنتها مسيرة سنة, مع كلّ واحد منهم عمود له شعبتان, يدفع به الدّفْعة, فـيصرع به فـي النار سبع مئة ألف.
17978ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن يـمان, عن مالك بن مغول, عن أبـي إسحاق, قال: كان أبو ميسرة إذا أوى إلـى فراشه, قال: يا لـيت أمي لـم تلدنـي, ثم يبكي, فقـيـل: وما يبكيك يا أبـا ميسرة؟ قال: أَخبرنا أنا واردوها, ولـم يُخبرنا أنا صادرون عنها.
17979ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, عن إسماعيـل, عن قـيس, قال: بكى عبد الله بن رواحة فـي مرضه, فبكت امرأته, فقال: ما يبكيكِ, قالت: رأيتك تبكي فبكيت, قال ابن رواحة: إنـي قد علـمت إنـي وارد النار فما أدري أناج منها أنا أم لا؟.
17980ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا أبو عمرو داود بن الزبرقان, قال: سمعت السديّ يذكر عن مرّة الهمدانـي, عن ابن مسعود وَإنْ مِنْكُمْ إلاّ وَارِدُها قال: داخـلها.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, عن ابن عبـاس, فـي قوله وَإنْ مِنْكُمْ إلاّ وَارِدُها قال: يدخـلها.
حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, عن ابن عيـينة, عن إسماعيـل بن أبـي خالد, عن قـيس بن أبـي حازم, قال: كان عبد الله بن رواحة واضع رأسه فـي حجر امرأته, فبكى, فبكت امرأته, قال: ما يبكيك؟ قالت: رأيتك تبكي فبكيت, قال: إنـي ذكرت قول الله وَإنْ مِنْكُمْ إلاّ وَارِدُها فلا أدري أنـجو منها, أم لا؟.
وقال آخرون: بل هو الـمَرّ علـيها. ذكر من قال ذلك:
17981ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَإنْ مِنْكُمْ إلاّ وَارِدُها يعنـي جهنـم مرّ الناس علـيها.
حدثنا الـحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة فـي قوله وَإنْ مِنْكُمْ إلاّ وَارِدُها قال: هو الـمرّ علـيها.
17982ـ حدثنا خلاد بن أسلـم, قال: أخبرنا النضر, قال: أخبرنا إسرائيـل, قال: أخبرنا أبو إسحاق, عن أبـي الأحوص, عن عبد الله فـي قوله: وَإنْ مِنْكُمْ إلاّ وَارِدُها قال: الصراط علـى جهنـم مثل حدّ السيف, فتـمرّ الطبقة الأولـى كالبرق, والثانـية كالريح, والثالثة كأجود الـخيـل, والرابعة كأجود البهائم. ثم يـمرّون والـملائكة يقولون: اللهمّ سلـم سلـم.
وقال آخرون: بل الورود: هو الدخول, ولكنه عنى الكفـار دون الـمؤمنـين. ذكر من قال ذلك:
17983ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا أبو داود, قال: حدثنا شعبة, قال: أخبرنـي عبد الله بن السائب, عن رجل سمع ابن عبـاس يقرؤها وَإنْ مِنْكُمْ إلاّ وَارِدُها يعنـي الكفـار, قال: لا يردها مؤمن.
17984ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا عمرو بن الولـيد الشّنّـي, قال: سمعت عكرمة يقول وَإنْ مِنْكُمْ إلاّ وَارِدُها يعنـي الكفـار.
وقال آخرون: بل الورود عام لكلّ مؤمن وكافر, غير أن ورود الـمؤمن الـمرور, وورود الكافر الدخول. ذكر من قال ذلك:
17985ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وَإنْ مِنْكُمْ إلاّ وَارِدُها ورود الـمسلـمين الـمرور علـى الـجسر بـين ظهريها وورود الـمشركين أن يدخـلوها, قال: وقال النبـيّ صلى الله عليه وسلم: «الزّالّونَ والزّالاّتُ يَؤْمَئِذٍ كَثِـيرٌ, وَقَدْ أحاطَ الـجِسْرَ سِماطانِ مِنَ الـمَلائكَةِ, دَعْوَاهُمْ يَؤْمَئِذٍ يا أللّهُ سَلّـمْ سَلّـمْ».
وقال آخرون: ورود الـمؤمن ما يصيبه فـي الدنـيا من حمّى ومرض. ذكر من قال ذلك:
17986ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن يـمان, عن عثمان بن الأسود, عن مـجاهد قال: الـحمى حظّ كلّ مؤمن من النار, ثم قرأ: وَإنْ مِنْكُمْ إلاّ وَارِدُها.
17987ـ حدثنـي عمران بن بكار الكلاعي, قال: حدثنا أبو الـمغيرة, قال: حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن تـميـم, قال: حدثنا إسماعيـل بن عبـيد الله, عن أبـي صالـح, عن أبـي هريرة قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يعود رجلاً من أصحابه وبه وعك وأنا معه, ثم قال: «إن الله يقول: هي ناري أسلطها علـى عبدي الـمؤمن, لتكون حظه من النار فـي الاَخرة».
وقال آخرون: يردُها الـجميع, ثم يصدر عنها الـمؤمنون بأعمالهم. ذكر من قال ذلك:
17988ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا يحيى بن سعيد, عن شعبة, قال: ثنـي السدي, عن مرّة, عن عبد الله وَإنْ مِنْكُمْ إلاّ وَارِدُها قال: يردُونها ثم يصدرون عنها بأعمالهم.
حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي, قال: حدثنا شعبة, عن السديّ, عن مرّة, عن عبد الله, بنـحوه.
17989ـ حدثنـي مـحمد بن عبـيد الـمـحاربـي, قال: حدثنا أسبـاط, عن عبد الـملك, عن عبـيد الله, عن مـجاهد, قال: كنت عند ابن عبـاس, فأتاه رجل يقال له أبو راشد, وهو نافع بن الأزرق, فقال له: يا ابن عبـاس أرأيت قول الله وَإنْ مِنْكُمْ إلاّ وَارِدُها كانَ عَلـى رَبّكَ حَتْـما مَقْضِيّا قال: أما أنا وأنت يا أبـا راشد فسنردها, فـانظر هل نصدر عنها أم لا؟.
17990ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا ابن جريج, قال: أخبرنـي أبو الزبـير أنه سمع جابر بن عبد الله يُسأل عن الورود, فقال: «نـحن يوم القـيامة علـى كوى أو كرى, فوق الناس, فتدعي الأمـم بأوثانها, وما كانت تعبد الأوّل فـالأوّل, فـينطلق بهم ويتبعونه, قال: ويعطي كلّ إنسان منافق ومؤمن نورا, ويغشى ظلـمة ثم يتبعونه, وعلـى جسر جهنـم كلالـيب تأخذ من شاء الله, فَـيُطْفأ نور الـمنافق, وينـجو الـمؤمنون, فتنـجو أوّل زمرة كالقمر لـيـلة البدر, وسبعون ألفـا لا حساب علـيهم, ثم الذين يـلونهم كأضوأ نـجم فـي السماء, ثم كذلك, ثم تـحلّ الشفـاعة فـيشفعون, ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله مـمن فـي قلبه وزن شعيرة من خير, ثم يـلقون تلقاء الـجنة, ويهريق علـيهم أهل الـجنة الـماء, فـينبتون نبـات الشيء فـي السيـل, ثم يسألون فـيجعل لهم الدنـيا وعشرة أمثالها».
17991ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن الـمبـارك, عن الـحسن, قال: قال رجل لأخيه: هل أتاك بأنك وارد النار؟ قال: نعم, قال: فهل أتاك أنك صادر عنها؟ قال: لا, قال: ففـيـم الضحك؟ قال: فما رؤي ضاحكا حتـى لـحق بـالله.
17992ـ حدثنا يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرنا عمرو بن الـحارث أن بكيرا حدّثه أنه قال لبسر بن سعيد: إن فلانا يقول: إن ورود النار القـيام علـيها. قال بسر: أما أبو هريرة فسمعته يقول: «إذا كان يوم القـيامة, يجتـمع الناس نادى مناد: لـيـلـحق كل أناس بـما كانوا يعبدون, فـيقوم هذا إلـى الـحجر, وهذا إلـى الفرس, وهذا إلـى الـخشبة حتـى يبقـى الذين يعبدون الله, فـيأتـيهم الله, فإذا رأوه قاموا إلـيه, فـيذهب بهم فـيسلك بهم علـى الصراط, وفـيه علـيق, فعند ذلك يؤذن بـالشفـاعة, فـيـمرّ الناس, والنبـيون يقولون: اللهمّ سلـم سلـم». قال بكير: فكان ابن عميرة يقول: فناج مسلـم ومنكوس فـي جهنـم ومخدوش, ثم ناج.
وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب قول من قال: يردها الـجميع ثم يصدر عنها الـمؤمنون, فـينـجيهم الله, ويهوي فـيها الكفـار وورودهموها هو ما تظاهرت به الأخبـار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من مرورهم علـى الصراط الـمنصوب علـى متن جهنـم, فناج مسلـم ومكدس فـيها.
ذكر الأخبـار الـمروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك:
17993ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن إدريس, عن الأعمش, عن أبـي سفـيان, عن جابر, عن أمّ مبشر امرأة زيد بن حارثة, قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو فـي بـيت حفصة: «لا يَدْخُـلُ النّارَ أحَدٌ شَهِدَ بَدْرا والـحُدَيْبِـيَةَ». قالت: فقالت حفصة: يا رسول الله, ألـيس الله يقول: وَإنْ مِنْكُمْ إلاّ وَارِدُها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فمَهْ ثُمّ يَنَـجّي اللّهُ الّذِين اتّقُوا».
حدثنا الـحسن بن مدرك, قال: حدثنا يحيى بن حماد, قال: حدثنا أبو عوانة, عن الأعمش, عن أبـي سفـيان, عن جابر, عن أمّ مبشر, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, بـمثله.
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا أبو معاوية, عن الأعمش, عن أبـي سفـيان, عن جابر, عن أمّ مبشر, عن حفصة, قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّـي لاَءَرْجُو أنْ لا يَدْخُـلَ النّارَ أَحَدٌ شَهِدَ بَدْرا والـحُدَيْبِـيَةَ», قالت: فقلت يا رسول الله, ألـيس الله يقول وَإنْ مِنْكُمْ إلاّ وَارِدُها؟ قال: «فَلَـمْ تَسْمَعِيهِ يَقُولُ: ثُمّ نُنَـجّي الّذِينَ اتّقَوْا وَنَذَرُ الظّالِـمِينَ فِـيها جِثِـيّا»؟
17994ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا ابن عُلَـية, عن مـحمد بن إسحاق, قال: ثنـي عبـيد الله بن الـمغيرة بن معيقب, عن سلـيـمان بن عمرو بن عبد العِتْواريّ, أحد بنـي لـيث, وكان فـي حجر أبـي سعيد, قال: سمعت أبـا سعيد الـخُدريّ يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يُوضَعُ الصّرَاطُ بـينَ ظَهْرَيْ جَهَنّـمَ, عَلَـيْهِ حَسكٌ كحَسكِ السّعْدانِ, ثُمّ يَسْتَـجِيزُ النّاسُ, فنَاجٍ مُسْلِـمٌ ومَـجْرُوحٌ بِهِ, ثمّ ناجٍ ومُـحْتَبِسٌ ومُكَدّسٌ فِـيها, حتـى إذَا فَرَغَ اللّهُ مِنَ القَضَاءِ بـينَ العِبـادِ تَفَقّدَ الـمُؤْمِنُونَ رِجالاً كانُوا مَعَهُمْ فِـي الدّنْـيا يُصَلّونَ صَلاَتَهُمْ, وَيُزَكّونَ زَكاتَهُمْ وَيَصُومُون صِيامَهُمْ, ويَحُجّونَ حَجّهُمْ, ويَغْزُونَ غَزْوَهُمْ, فَـيَقُولُونَ: أيّ رَبّنا عِبـادٌ مِنْ عِبـادِكَ كانُوا مَعَنا فِـي الدنْـيا, يُصَلّونَ صَلاتَنا, وَيُزَكّونَ زَكاتَنا, وَيَصُومُونَ صِيامَنا, ويَحُجّونَ حَجّنا, ويَغْزُونَ غَزْونا, لا نَرَاهُمْ, فَـيَقُولُ: اذْهَبُوا إلـى النّارِ, فَمَنْ وَجَدْتُـمْ فِـيها مِنْهُمْ فأخْرِجُوهُ, فَـيَجِدُونَهُمْ قَدْ أخَذَتْهُمُ النّارُ عَلـى قَدْرِ أعمالِهمْ, فَمِنْهُمْ مَنْ أخَذَتْهُ النّارُ إلـى قَدَمَيْهِ, وَمِنْهُمْ مَنْ أخَذَتْهُ إلـى نِصْفِ ساقَـيهِ, وَمِنْهُمْ مَنْ أخَذَتْهُ إلـى رُكْبَتَـيْهِ, وَمِنْهُمْ مَنْ أخَذَتْهُ إلـى ثَدِيَـيْهِ, وَمِنْهُمْ مَنْ أخَذَتْهُ إلـى عُنُقِهِ ولَـمْ تَغْشَ الوُجُوهَ, فَـيَسْتَـخْرِجُونَهُمْ مِنْها, فَـيَطْرَحُونَهُمْ فِـي ماءِ الـحَياةِ» قِـيـلَ: وَما ماءُ الـحَياةِ يا رَسول اللّهِ؟ قال: «غُسْلُ أهْلِ الـجَنّةِ, فَـيَنْبُتُونَ كمَا تَنْبُتُ الزّرْعَةُ فِـي غُثاءِ السّيْـلِ, ثُمّ تَشْفَعُ الأنْبِـياءُ فِـي كُلّ مَنْ كانَ يَشْهَدُ أنْ لا إلهَ إلاّ اللّهُ مُخْـلِصا, فَـيَسْتَـخْرِجُونَهُمْ مِنْها, ثُمّ يَتَـحَننُ اللّهُ برحْمَتِهِ عَلـى مَنْ فِـيها, فَمَا يَتْرُكُ فِـيها عَبْدا فِـي قَلْبِهِ مِثْقالُ ذَرّةٍ مِنَ الإِيـمَانِ إلاّ أخْرَجَهُ مِنْها».
17995ـ حدثنـي مـحمد بن عبد الله بن عبد الـحكم, قال: حدثنا أبـي وشعيب بن اللـيث, عن اللـيث بن خالد, عن يزيد بن أبـي هلال, عن زيد بن أسلـم, عن عطاء بن يسار, عن أبـي سعيد الـخُدريّ, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يُؤْتَـى بـالـجِسْرِ يعنـي يوم القـيامة فَـيُجْعَلُ بـينَ ظَهْرَيْ جَهَنـمَ» قلنا: يا رسول الله وما الـجسر؟ قال: «مَدحَضَةٌ مزَلّةٌ, عَلَـيْهِ خَطاطِيفُ وكَلالِـيبُ وحَسْكَةٌ مُفَلْطَحَةٌ لها شَوْكة عُقَـيْفـاءُ تَكُونُ بِنَـجْدٍ, يُقالُ لَهَا السّعْدانُ, يَـمُرّ الـمُؤْمِنُونَ عَلَـيْها كالطّرْفِ والبَرْقِ وكالرّيحِ, وكأجاوِدِ الـخَيْـلِ والرّكابِ, فَناجٍ مُسْلِـم, ومَخْدُوشٌ مُسْلِـمٌ, ومَكْدُوسٌ فِـي جَهَنّـمَ, ثُمّ يَـمُرّ آخِرُهُمْ يُسْحَبُ سَحْبـا, فَمَا أنْتُـمْ بأشَدّ مُناشَدَةٍ لـي فِـي الـحَقّ قَد تبَـيّنَ لَكُمْ, مِنَ الـمُؤْمِنِـينَ يَوْمَئِذٍ للـجَبّـارِ تَبـارَك وَتَعالـى, إذَا رأوْهُمْ قَدْ نَـجَوا وَبَقِـيَ إخْوانُهُمْ».
17996ـ حدثنـي أحمد بن عيسى, قال: حدثنا سعيد بن كثـير بن عُفَـير, قال: حدثنا ابن لَهيعة, عن أبـي الزبـير, قال: سألت جابر بن عبد الله عن الورود, فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «هُوَ الدّخولُ, يَردُونَ النّارَ حتـى يَخْرُجُوا مِنْها, فآخِرُ مَنْ يَبْقَـى رَجُلٌ عَلـى الصّراطِ يَزْحَفُ, فَـيرْفَعُ اللّهُ لَهُ شَجَرَةً, قالَ: فَـيَقُولُ: أيْ رَبّ أدْنَنِـي مِنْها, قالَ: فَـيُدْنِـيهِ اللّهُ تَبـارَكَ وتَعَالـى مِنْها, قالَ: ثُمّ يَقُولُ: أيْ رَبّ أدْخِـلْنِـي الـجَنّةَ, قالَ: فَـيَقُولُ: سَلْ, قالَ: فَـيَسألُ, قال: فَـيَقُولُ: ذلكَ لَكَ وَعَشْرَةُ أضْعافِهِ أوْ نَـحْوُها قالَ: فَـيَقُولُ: يا رَبّ تَسْتَهْزِىءُ بِـي؟ قالَ: فَـيَضْحَكُ حتـى تَبْدُو لَهْوَاتُهُ وأضْرَاسُهُ».
17997ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرنـي يحيى بن أيوب «ح» وحدثنا أبو كريب, قال: حدثنا مـحمد بن زيد, عن رشدين, جميعا عن زياد بن فـائد, عن سهل بن معاذ, عن أبـيه, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «مَنْ حَرَسَ وَرَاءَ الـمُسْلِـمِينَ فِـي سَبِـيـلِ اللّهِ مُتَطَوّعا, لا يأْخُذُهُ سُلْطانٌ بحرَسٍ, لَـمْ يَرَ النّارَ بعَيْنِهِ إلاّ تَـحِلّةَ القَسَمِ, فإنّ اللّهَ تَعالـى يَقُولُ وَإنْ مِنْكُمْ إلاّ وَارِدُها».
17998ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرّزاق, قال: أخبرنا معمر, أخبرنـي الزهريّ, عن ابن الـمسيب عن أبـي هريرة, أن النبـيّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ ماتَ لَهُ ثَلاثَةٌ لَـمْ تَـمَسّهُ النّارُ إلاّ تَـحِلّةَ القَسَمِ» يعنـي: الورود.
وأما قوله: كانَ عَلَـى رَبّكَ حَتْـما مَقْضِيّا فإن أهل التأويـل اختلفوا فـي تأويـله, فقال بعضهم معناه: كان علـى ربك قضاء مقضيا. ذكر من قال ذلك:
17999ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: حَتْـما قال: قضاء.
18000ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج حَتْـما مَقْضِيّا قال: قضاء.
وقال آخرون: بل معناه: كان علـى ربك قسما واجبـا. ذكر من قال ذلك:
18001ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا أبو عمرو داود بن الزّبْرِقان, قال: سمعت السديّ يذكر عن مرّة الهمدانـيّ, عن ابن مسعود كانَ عَلـى رَبّكَ حَتْـما مَقْضِيّا قال: قسما واجبـا.
18002ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة كانَ عَلـى رَبّكَ حَتْـما مَقْضِيّا يقول: قسما واجبـا.
قال أبو جعفر: وقد بـيّنت القول فـي ذلك.
الآية : 72
القول فـي تأويـل قوله تعالـى { ثُمّ نُنَجّي الّذِينَ اتّقَواْ وّنَذَرُ الظّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً }.
يقول تعالـى ذكره: ثم ننـجي من النار بعد ورود جميعهم إياها, الذين اتقوا فخافوه, بأداء فرائضه واجتناب معاصيه وَنَذَرُ الظّالِـمِينَ فِـيها جِثِـيّا يقول جلّ ثناؤه: وندع الذين ظلـموا أنفسهم, فعبدوا غير الله, وعصَوا ربهم, وخالفوا أمره ونهيه من النار, جثـيا, يقول: بروكا علـى ركبهم. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك, قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
18003ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَنَذَرُ الظّالِـمِينَ فِـيها جثِـيا علـى ركبهم.
حدثنا الـحسن ابن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزّاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة وَنَذَرُ الظّالِـمينَ فِـيها جِثِـيّا علـى ركبهم.
18004ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: وَنَذَرُ الظّالِـمِينَ فِـيها جِثِـيّا قال: الـجُثِـيّ: شرّ الـجلوس, لا يجلس الرجل جاثـيا إلاّ عند كرب ينزل به.
18005ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله ثُمّ نُنَـجّي الّذِينَ اتّقَوْا وَنَذَرُ الظّالِـمِينَ فِـيها جِثِـيّا إن الناس وردوا جهنـم وهي سوداء مظلـمة, فأما الـمؤمنون فأضاءت لهم حسناتهم, فأنـجوا منها. وأما الكفـار فأوبقتهم أعمالهم, واحْتُبِسوا بذنوبهم.
الآية : 73
القول فـي تأويـل قوله تعالـى { وَإِذَا تُتْلَىَ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بِيّنَاتٍ قَالَ الّذِينَ كَفَرُواْ لِلّذِينَ آمَنُوَاْ أَيّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مّقَاماً وَأَحْسَنُ نَدِيّاً }.
يقول تعالـى ذكره: وإذا تتلـى علـى الناس آياتنا التـي أنزلناها علـى رسولنا مـحمد بـينات, يعنـي واضحات لـمن تأمّلها وفكّر فـيها أنها أدلة علـى ما جعلها الله أدلة علـيه لعبـاده, قال الذين كفروا بـالله وبكتابه وآياته, وهم قريش, للذين آمنوا فصدّقوا به, وهم أصحاب مـحمد أيّ الفَرِيقَـيْنِ خَيْرٌ مَقاما يَعْنـي بـالـمَقام: موضع إقامتهم, وهي مساكنهم ومنازلهم وأحْسَنُ نَدِيّا وهو الـمـجلس, يقال منه: ندوت القوم أندوهم نَدْوا: إذا جمعتهم فـي مـجلس, ويقال: هو فـي نديّ قومه وفـي ناديهم: بـمعنى واحد. ومن النديّ قول حاتـم:
ودُعِيتُ فِـي أُولـى النّدِيّ ولَـمْيُنْظَرْ إلـيّ بأعْيُنٍ خُزْرِ
وتأويـل الكلام: وإذا تُتلـى علـيهم آياتنا بـيّنات, قال الذين كفروا للذين آمنوا: أيّ الفريقـين منا ومنكم أوسع عيشا, وأنعم بـالاً, وأفضل مسكنا, وأحسن مـجلسا, وأجمع عددا وغاشية فـي الـمـجلس, نـحن أم أنتـم؟ وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك, قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
18006ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا مؤمل, قال: حدثنا سفـيان, عن الأعمش, عن أبـي ظبـيان, عن ابن عبـاس, قوله: خَيْرٌ مَقاما وأحْسَنُ نَدِيّا قال: الـمقام: الـمنزل, والنديّ: الـمـجلس.
حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا ابن أبـي عديّ, عن شعبة, عن سلـيـمان, عن أبـي ظَبْـيان, عن ابن عبـاس بـمثله.
18007ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس وَإذَا تُتْلَـى عَلَـيْهِمْ آياتُنا بَـيّناتٍ قالَ الّذِينَ كَفَرُوا للّذِينَ آمَنُوا أيّ الفَرِيقَـيْنِ خَيْرٌ مَقاما وَأَحْسَنُ نَدِيّا؟ قال: الـمقام: الـمسكن, والنديّ: الـمـجلس والنّعمة والبهجة التـي كانوا فـيها, وهو كما قال الله لقوم فرعون, حين أهلكهم وقصّ شأنهم فـي القرآن فقال: كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنّاتِ وَعُيُونٍ وكُنُوزٍ وَمَقامٍ كَرِيـمٍ وَنَعْمَةٍ كانُوا فِـيها فـاكِهِينَ فـالـمقام: الـمسكن والنعيـم, والنديّ: الـمـجلس والـمـجمع الذي كانوا يجتـمعون فـيه, وقال الله فـيـما قصّ علـى رسوله فـي أمر لوط إذ قال وَتأتُونَ فِـي نادِيكُمُ الـمُنْكُرَ, والعرب تسمي الـمـجلس: النادي.
حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله وأحْسَن نَدِيّا يقول: مـجلسا.
18008ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قول الله: أيّ الفَرِيقَـيْنِ قال: قريش تقولها لأصحاب مـحمد صلى الله عليه وسلم وأحْسَنُ نَدِيّا قال: مـجالسهم, يقولونه أيضا.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, نـحوه.
18009ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَإذَا تُتْلَـى عَلَـيْهمْ آياتُنا بَـيّناتٍ قالَ الّذِينَ كَفَرُوا للّذِينَ آمَنُوا أيّ الفَرِيقَـينِ خَيْرٌ مَقاما وأحْسَنُ نَدِيّا رأوا أصحاب مـحمد صلى الله عليه وسلم فـي عيشهم خشونة, وفـيهم قَشافة, فَعَرّض أهل الشرك بـما تسمعون قوله وأحْسَنُ نَدِيّا يقول: مـجلسا.
حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرّزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة, فـي قوله: أيّ الفَرِيقَـيْنِ خَيْرٌ مَقاما وأحْسَنُ نَدِيّا قال: النديّ: الـمـجلس, وقرأ قول الله تعالـى: فَلْـيَدْعُ نادِيَهْ قال: مـجلسه.
الآية : 74
القول فـي تأويـل قوله تعالـى { وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مّن قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثاً وَرِءْياً }.
يقول تعالـى ذكره: وكم أهلكنا يا مـحمد قبل هؤلاء القائلـين من أهل الكفر للـمؤمنـين, إذا تُتلـى علـيهم آيات الرحمن, أيّ الفريقـين خير مقاما, وأحسن نديا, مـجالس من قرن هم أكثر متاع منازل من هؤلاء, وأحسن منهم منظرا وأجمل صورا, فأهلكنا أموالهم, وغيرنا صورهم ومن ذلك قول علقمة بن عبدة:
كُمَيْتٌ كَلَوْنِ الأُرْجُوَانِ نَشَرْتهُلبَـيْعِ الرّئيِ فِـي الصّوَانِ الـمُكَعّبِ
يعنـي بـالصوان: التـخت الذي تصان فـيه الثـياب. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك, قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
18010ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا مؤمل, قال: حدثنا سفـيان, عن الأعمش, عن أبـي ظبـيان, عن ابن عبـاس أحْسَنُ أثاثا وَرِئْيا قال: الرئي: الـمنظر, والأثاث: الـمتاع.
حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا ابن أبـي عديّ عن شعبة عن سلـيـمان عن أبـي ظبـيان عن ابن عبـاس قال: الرئي الـمنظر.
حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله أحْسَنُ أثاثا وَرِئْيا يقول: منظرا.
حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: حدثنا عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس أحْسَنُ أثاثا وَرِئْيا الأثاث: الـمال, والرّئي: الـمنظر.
18011ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا هوذة, قال: حدثنا عوف, عن الـحسن, فـي قوله أثاثا وَرِئْيا قال: الأثاث: أحسن الـمتاع, والرّئي: قال: الـمال.
18012ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, يقول الله تبـارك وتعالـى: وكَمْ أهْلَكْنا قَبْلَهُمْ منْ قَرْنٍ هُمْ أحْسَنُ أثاثا وَرِئْيا: أي أكثر متاعا وأحسن منزلة ومستقرّا, فأهلك الله أموالهم, وأفسد صورهم علـيهم تبـارك وتعالـى.
حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة, قوله أحْسَنُ أثاثا وَرِئْيا قال: أحسن صورا, وأكثر أموالاً.
18013ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد أثاثا قال: الـمتاع وَرِئْيا قال: فـيـما يرى الناس.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, بنـحوه.
حدثنا ابن حميد وبشر بن معاذ, قالا: حدثنا جرير بن قابوس, عن أبـيه, عن ابن عبـاس: الأثاث: الـمال, والرّئي: الـمنظر الـحسن.
حدثنا القاسم, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن عطاء الـخراسانـي, عن ابن عبـاس وَرِئْيا: منظرا فـي اللون والـحسن.
حدثنا القاسم, قال: ثنـي حجاح, عن ابن جريج, عن عطاء الـخراسانـي, عن ابن عبـاس وَرِئيا منظرا فـي اللون والـحسن.
18014ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: أحْسَنُ أثاثا وَرِئْيا قال: الرئي: الـمنظر, والأثاث: الـمتاع, أحسن متاعا, وأحسن منظرا.
18015ـ حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ يقول فـي قوله: أحْسَنُ أثاثا يعنـي الـمال وَرِئْيا يعنـي: الـمنظر الـحسن.
واختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك, فقرأته عامة قرّاء أهل الـمدينة: «وَرِيّا» غير مهموز, وذلك إذا قرىء كذلك يتوجه لوجهين: أحدهما: أن يكون قارئه أراد الهمزة, فأبدل منها ياء, فـاجتـمعت الـياء الـمُبدلة من الهمز والـياء التـي هي لام الفعل, فأدغمتا, فجعلتا ياء واحدة مشددة لـيُـلْـحِقُوا ذلك, إذ كان رأس آية, بنظائره من سائر رؤوس الاَيات قبله وبعده والاَخر أن يكون من رويت أروي روية وريّا, وإذا أريد به ذلك كان معنى الكلام: وكم أهلكنا قبلهم من قرن, هم أحسن متاعا, وأحسن نظرا لـماله, ومعرفة لتدبـيره وذلك أن العرب تقول: ما أحسن رؤية فلان فـي هذا الأمر إذا كان حسن النظر فـيه والـمعرفة به. وقرأ ذلك عامة قرّاء العراق والكوفة والبصرة وَرِئْيا بهمزها, بـمعنى: رؤية العين, كأنه أراد: أحسن متاعا ومَرآة. وحُكي عن بعضهم أنه قرأ: «أحسن أثاثا وزيا», بـالزاي, كأنه أراد أحسن متاعا وهيئة ومنظرا, وذلك أن الزيّ هو الهيئة والـمنظر من قولهم: زيّـيت الـجارية, بـمعنى: زينتها وهيأتها.
قال أبو جعفر: وأولـى القراءات فـي ذلك بـالصواب, قراءة من قرأ أثاثا وَرِئْيا بـالراء والهمز, لإجماع الـحجة من أهل التأويـل علـى أن معناه: الـمنظر, وذلك هو من رؤية العين, لا من الروية, فلذلك كان الـمهموز أولـى به, فإن قرأ قارىء ذلك بترك الهمز, وهو يريد هذا الـمعنى, فغير مخطىء فـي قراءته. وأما قراءته بـالزاي فقراءة خارجة, عن قراءة القرّاء, فلا أستـجيز القراءة بها لـخلافها قراءتهم, وإن كان لهم فـي التأويـل وجه صحيح.
واختلف أهل العربـية فـي الأثاث أجمع هو أم واحد, فكان الأحمر فـيـما ذُكر لـي عنه يقول: هو جمع, واحدتها أثاثه, كما الـحمام جمع واحدتها حمامة, والسحاب جمع واحدتها سحابة. وأما الفراء فإنه كان يقول: لا واحد له, كما أن الـمتاع لا واحد له. قال: والعرب تـجمع الـمتاع: أمتعة, وأماتـيع, ومتع. قال: ولو جمعت الأثاث لقلت: ثلاثة آثّةٍ وأثث. وأما الرئي فإن جمعه: آراء.
الآية : 75
القول فـي تأويـل قوله تعالـى { قُلْ مَن كَانَ فِي الضّلاَلَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرّحْمَـَنُ مَدّاً حَتّىَ إِذَا رَأَوْاْ مَا يُوعَدُونَ إِمّا العَذَابَ وَإِمّا السّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرّ مّكَاناً وَأَضْعَفُ جُنداً }.
يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: قل يا مـحمد لهؤلاء الـمشركين بربهم, القائلـين: إذا تتلـى علـيهم آياتنا, أيّ الفريقـين منا ومنكم خير مقاما وأحسن نديا, من كان منا ومنكم فـي الضلالة جائرا عن طريق الـحقّ. سالكا غير سبـيـل الهدى, فلـيـمدد له الرحمن مدّا يقول: فلـيطوّل له الله فـي ضلالته, ولـيـمله فـيها إملاء. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك, قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
18016ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قوله: فِـي الضّلالَةِ فَلْـيَـمْدُدْ لَهُ الرّحْمَنُ مَدّا فلـيَدعْه الله فـي طغيانه.
وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, مثله.
وقوله: حتـى إذَا رَأوْا ما يُوعَدُونَ إمّا العَذَابَ وإمّا السّاعَةَ يقول تعالـى ذكره: قل لهم: من كان منا ومنكم فـي الضلالة, فلـيـمدد له الرحمن فـي ضلالته إلـى أن يأتـيهم أمر الله, إما عذاب عاجل, أو يـلقوا ربهم عند قـيام الساعة التـي وعد الله خـلقه أن يجمعهم لها, فإنهم إذا أتاهم وعد الله بأحد هذين الأمرين فَسَيَعْلَـمُونَ مَنْ هُوَ شَرّ مَكانا ومسكنا منكم ومنهم وأضْعَفُ جُنْدا أهم أم أنتـم؟ ويتبـينون حينئذٍ أيّ الفريقـين خير مقاما, وأحسن نديا.
الآية : 76
القول فـي تأويـل قوله تعالـى { وَيَزِيدُ اللّهُ الّذِينَ اهْتَدَواْ هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ مّرَدّاً }.
يقول تعالـى ذكره: ويزيد الله من سلك قصد الـمـحجة, واهتدى لسبـيـل الرشد, فآمن بربه, وصدّق بآياته, فعمل بـما أمره به, وانتهى عما نهاه عنه هدى بـما يتـجدّد له من الإيـمان بـالفرائض التـي يفرضها علـيه. ويقرّ بلزوم فرضها إياه, ويعمل بها, فذلك زيادة من الله فـي اهتدائه بآياته هدى علـى هداه, وذلك نظير قوله: وإذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أيّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إيـمانا فأمّا الّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إيـمَانا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ. وقد كان بعضهم يتأوّل ذلك: ويزيد الله الذين اهتدوا هُدىً بناسخ القرآن ومنسوخه, فـيؤمن بـالناسخ, كما آمن من قبل بـالـمنسوخ, فذلك زيادة هدىً من الله له علـى هُداه من قبل وَالبـاقِـياتُ الصّالـحات خَيْرٌ عِنْدَ رَبّكَ ثَوَابـا يقول تعالـى ذكره: والأعمال التـي أمر الله بها عبـاده ورضيها منهم. البـاقـيات لهم غير الفـانـيات الصالـحات, خير عند ربك جزاء لأهلها وَخَيْرٌ مَرَدّا علـيهم من مقامات هؤلاء الـمشركين بـالله, وأنديتهم التـي يفتـخرون بها علـى أهل الإيـمان فـي الدنـيا.
وقد بـيّنا معنى البـاقـيات الصالـحات, وذكرنا اختلاف الـمختلفـين فـي ذلك, ودللنا علـى الصواب من القول فـيه فـيـما مضى بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع.
18017ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا عمر بن راشد, عن يحيى بن أبـي كثـير عن أبـي سلـمة بن عبد الرحمن بن عوف, قال: جلس النبـيّ صلى الله عليه وسلم ذات يوم, فأخذ عودا يابسا, فحطّ ورقه ثم قال: «إنّ قَوْلَ لا إلهَ إلاّ اللّهُ, وَاللّهُ أكْبَرُ, والـحَمْدُ لِلّهِ وَسُبْحانَ اللّهِ, تَـحطّ الـخَطايا, كمَا تَـحُطّ وَرَقَ هَذِهِ الشّجَرَةِ الرّيحُ, خُذْهُنّ يا أبـا الدّرْدَاءِ قَبْلَ أنْ يُحالَ بَـيْنَكَ وَبَـيْنَهُنّ, هُنّ البـاقِـياتُ الصّالِـحاتُ, وَهُنّ مِنْ كُنُوزِ الـجَنّةِ», قال أبو سلـمة: فكان أبو الدرداء إذا ذكر هذا الـحديث قال: لأهللنّ الله, ولأكبرنّ الله, ولأسبحنّ الله, حتـى إذا رآنـي الـجاهل حسب أنـي مـجنون