تفسير الطبري تفسير الصفحة 311 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 311
312
310
 الآية : 77 و 78
القول فـي تأويـل قوله تعالـى { أَفَرَأَيْتَ الّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لاُوتَيَنّ مَالاً وَوَلَداً * أَطّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتّخَذَ عِندَ الرّحْمَـَنِ عَهْداً }.
يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: أفَرأيْتَ يا مـحمد الّذِي كَفَرَ بآياتِنا حججنا فلـم يصدّق بها, وأنكر وعيدنا من أهل الكفر وَقالَ وهو بـالله كافر وبرسوله لاَوتَـينّ فـي الاَخرة مالاً وَوَلَدا. وذُكر أن هذه الاَيات أنزلت فـي العاص بن وائل السهمي أبـي عمرو بن العاص. ذكر الرواية بذلك:
18018ـ حدثنا أبو السائب وسعيد بن يحيى, قالا: حدثنا أبو معاوية, عن الأعمش, عن مسلـم, عن مسروق, عن خبـاب, قال: كنت رجلاً قَـيْنا, وكان لـي علـى العاص بن وائل دين, فأتـيته أتقاضاه, فقال: والله لا أقضيك حتـى تكفر بـمـحمد, فقلت: والله لا أكفر بـمـحمد حتـى تـموت ثم تبعث, قال: فقال: فإذا أنا متّ ثم بُعثت كما تقول, جئتنـي ولـي مال وولد, قال: فأنزل الله تعالـى: أفَرأيْتَ الّذِي كَفَرَ بآياتِنا وَقالَ لاَوتَـينّ مالاً وَوَلَدا أطّلَعَ الغَيْبَ أمِ اتّـخَذَ عِنْدَ الرّحْمنِ عَهْدا... إلـى قوله: ويَأْتـينا فَرْدا.
حدثنـي به أبو السائب, وقرأ فـي الـحديث: وولدا.
18019ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, أن رجالاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يطلبون العاصَ بن وائل السّهْمِيّ بدين, فأتوه يتقاضونه, فقال: ألستـم تزعمون أن فـي الـجنة فضة وذهبـا وحريرا, ومن كلّ الثمرات؟ قالوا: بلـى, قال: فإن موعدكم الاَخرة, فوالله لأوتـينّ مالاً وولدا, ولأوتـينّ مثل كتابكم الذي جئتـم به, فضرب الله مثله فـي القرآن, فقال: أفَرأيْتَ الّذِي كَفَرَ بآياتِنا وَقالَ لاَوتَـينّ مالاً... إلـى قوله ويَأْتِـينا فَرْدا.
18020ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قول الله: لاَوتَـينّ مالاً وَوَلَدا قال: العاصُ بن وائل يقوله.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, مثله.
18021ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: أفَرأيْتَ الّذِي كَفَرَ بآياتِنا وَقالَ لاَوتَـينّ مالاً وَوَلَدا فذُكر لنا أن رجالاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, أتوا رجلاً من الـمشركين يتقاضونه دينا, فقال: ألـيس يزعم صاحبكم أن فـي الـجنة حريرا وذهبـا؟ قالوا: بلـى, قال فميعادكم الـجنة, فوالله لا أومن بكتابكم الذي جئتـم به, استهزاء بكتاب الله, ولأُوتـينّ مالاً وولدا. يقول الله: أطّلَعَ الغَيْبَ أمِ اتّـخَذَ عِنْدَ الرّحْمَنِ عَهْدا؟
18022ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرّزاق, قال: أخبرنا الثوريّ, عن الأعمش, عن أبـي الضحى, عن مسروق, قال: قال خَبّـاب بن الأَرَتّ: كنت قَـيْنا بـمكة, فكنت أعمل للعاص بن وائل, فـاجتـمعت لـي علـيه دراهم, فجئت لأتقاضاه, فقال لـي: لا أقضيك حتـى تكفر بـمـحمد, قال: قلت: لا أكفر بـمـحمد حتـى تـموت ثم تبعث, قال: فإذا بُعثت كان لـي مال وولد, قال: فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم, فأنزل الله تبـارك وتعالـى: أفَرأيْتَ الّذِي كَفَرَ بآياتِنا وَقالَ لاَوتَـينّ مالاً وَوَلَدا... إلـى وَيأْتِـيَنا فَرْدا.
واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله وَوَلدا فقرأته عامّة قرّاء الـمدينة والبصرة وبعض أهل الكوفة: وَوَلَدا بفتـح الواو من الولد فـي كلّ القرآن, غير أن أبـا عمرو بن العلاء خَصّ التـي فـي سورة نوح بـالضمّ, فقرأها: مالُهُ وَوُلْدُهُ. وأما عامّة قرّاء الكوفة غير عاصم, فإنهم قرأوا من هذه السورة من قوله مالاً وَوَلَدا إلـى آخر السورة, واللتـين فـي الزخرف, والتـي فـي نوح, بـالضمّ وسكون اللام.
وقد اختلف أهل العربـية فـي معنى ذلك إذا ضمت واوه, فقال بعضهم: ضمها وفتـحها واحد, وإنـما هما لغتان, مثل قولهم العُدْم والعَدَم, والـحُزْن والـحَزَن. واستشهدوا لقـيـلهم ذلك بقول الشاعر:
فَلَـيْتَ فُلانا كانَ فـي بَطْنِ أُمّهِوَلَـيْتَ فُلانا كانَ وُلْدَ حِمارِ
ويقول الـحارث بن حِلّزة:
وَلَقَدْ رأيْتُ مَعاشِراقَدْ ثَمّرُوا مالاً وَوُلْدَا
وقول رُؤْبة:
الْـحَمْد لِلّهِ العَزِيزِ فَرْدَالَـمْ يَتّـخِذْ مِنْ وُلْدِ شَيْءٍ وُلْدَا
وتقول العرب فـي مثلها: وُلْدُكِ مِن دَمّى عَقِبَـيْكِ, قال: وهذا كله واحد, بـمعنى الولد. وقد ذُكر لـي أن قـيسا تـجعل الوُلْد جمعا, والوَلد واحدا. ولعلّ الذين قرأوا ذلك بـالضمّ فـيـما اختاروا فـيه الضمّ, إنـما قرأوه كذلك لـيفرقوا بـين الـجمع والواحد.
قال أبو جعفر: والذي هو أولـى بـالصواب من القول فـي ذلك عندي أن الفتـح فـي الواو من الوَلد والضمّ فـيها بـمعنى واحد, وهما لغتان, فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب الصواب, غير أن الفتـح أشهر اللغتـين فـيها. فـالقراءة به أعجبُ إلـيّ لذلك.
وقوله: أطّلَعَ الغَيْبَ يقول عزّ ذكره: أعلِـمَ هذا القائل هذا القول علـم الغيب, فعلـم أن له فـي الاَخرة مالاً وولدا بـاطلاعه علـى علـم ما غاب عنه أمِ اتّـخَذَ عِنْدَ الرّحْمَنِ عَهْدا يقول: أم آمن بـالله وعمل بـما أمر به, وانتهى عما نهاه عنه, فكان له بذلك عند الله عهدا أن يؤتـيه ما يقول من الـمال والولد, كما:
18023ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة أطّلَعَ الغَيْبَ أمِ اتَـخَذَ عِنْدَ الرّحْمَنِ عَهْدا بعمل صالـح قدّمه.
الآية : 79 و 80
القول فـي تأويـل قوله تعالـى{ كَلاّ سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدّاً * وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْداً }.
يعنـي تعالـى ذكره بقوله كلا: لـيس الأمر كذلك, ما اطلع الغيب, فعلـم صدق ما يقول, وحقـيقة ما يذكر, ولا اتـخذ عند الرحمن عهدا بـالإيـمان بـالله ورسوله, والعمل بطاعته, بل كذب وكفر. ثم قال تعالـى ذكره: سَنَكْتُبُ ما يَقُولُ: أي سنكتب ما يقول هذا الكافر بربه, القائل لاَوتـيَنّ فـي الاَخرة مالاً وَوَلَدا ونَـمُدّ لَهُ مِنَ العَذَابِ مَدّا يقول: ونزيده من العذاب فـي جهنـم بقـيـله الكذب والبـاطل فـي الدنـيا, زيادة علـى عذابه بكفره بـالله.
وقوله: وَنَرِثُهُ ما يَقُولُ يقول عزّ ذكره: ونسلب هذا القائل: لأوتـينّ فـي الاَخرة مالاً وولدا, ماله وولده, ويصير لنا ماله وولده دونه, ويأتـينا هو يوم القـيامة فردا, وحدَه لا مال معه ولا ولد. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
18024ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى «ح» وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: وَنَرِثُهُ ما يَقُولُ: ماله وولده, وذلك الذي قال العاصي بن وائل.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, مثله.
18025ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَنَرِثُهُ ما يَقُولُ ويَأْتِـينا فَرْدا: لا مال له ولا ولد.
18026ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرّزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة, فـي قوله: وَنَرثُهُ ما يَقُولُ قال: ما عنده, وهو قوله لاَوتَـينّ مالاً وَوَلَدا وفـي حرف ابن مسعود: ونرثه ما عنده.
18027ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وَنَرِثُهُ ما يَقُولُ قال: ما جمع من الدنـيا وما عمل فـيها. قال ويَأْتِـينا فَرْدا قال: فردا من ذلك, لا يتبعه قلـيـل ولا كثـير.
18028ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: وَنَرِثُهُ ما يَقُولُ: نرثه.

الآية : 81 و 82
القول فـي تأويـل قوله تعالـى { وَاتّخَذُواْ مِن دُونِ اللّهِ آلِهَةً لّيَكُونُواْ لَهُمْ عِزّاً * كَلاّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً }.
يقول تعالـى ذكره: واتـخذ يا مـحمد هؤلاء الـمشركون من قومك آلهة يعبدونها من دون الله, لتكون هؤلاء الاَلهة لهم عزّا, يـمنعونهم من عذاب الله, ويتـخذون عبـادتهموها عند الله زُلْفَـى.
وقوله: كَلاّ يقول عزّ ذكره: لـيس الأمر كما ظنوا وأمّلُوا من هذه الاَلهة التـي يعبدونها من دون الله, فـي أنها تنقذهم من عذاب الله, وتنـجيهم منه, ومن سوء إن أراده بهم ربّهم. وقوله: سَيَكْفُرُونَ بِعِبـادَتِهِمْ يقول عزّ ذكره: ولكن سيكفر الاَلهة فـي الاَخرة بعبـادة هؤلاء الـمشركين يوم القـيامة إياها, وكفرهم بها قـيـلهم لربهم: تبرأنا إلـيك ما كانوا إيانا يعبدون, فجحدوا أن يكونوا عبدوهم أو أمروهم بذلك, وتبرّأوا منهم, وذلك كفرهم بعبـادتهم. وأما قوله: وَيَكُونُونَ عَلَـيْهِمْ ضِدّا فإن أهل التأويـل اختلفوا فـي تأويـله, فقال بعضهم: معنى ذلك: وتكون آلهتهم علـيهم عونا, وقالوا: الضدّ: العون. ذكر من قال ذلك:
18029ـ حدثنا علـيّ, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله وَيَكُونُونَ عَلَـيْهِمْ ضِدّا يقول: أعوانا.
18030ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى «ح» وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد وَيَكُونُونَ عَلَـيْهِمْ ضِدّا قال: عونا علـيهم تـخاصمهم وتكذّبهم.
18031ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد وَيَكُونُونَ عَلَـيْهِمْ ضِدّا قال: أوثانهم يوم القـيامة فـي النار.
وقال آخرون: بل عنى بـالضدّ فـي هذا الـموضع: القُرَناء. ذكر من قال ذلك:
18032ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله وَيَكُونُونَ عَلَـيْهِمْ ضِدّا يقول: يكونون علـيهم قرناء.
18033ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَيَكُونُونَ عَلَـيْهِمْ ضِدّا قرناء فـي النار, يـلعن بعضهم بعضا, ويتبرأ بعضهم من بعض.
حدثنا الـحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة, فـي قوله ضِدّا قال: قرناء فـي النار.
وقال آخرون: معنى الضدّ ههنا: العدوّ. ذكر من قال ذلك:
18034ـ حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا مُعاذ يقول: أخبرنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله وَيَكُونُونَ عَلَـيْهِمْ ضِدّا قال: أعداء.
وقال آخرون: معنى الضدّ فـي هذا الـموضع: البلاء. ذكر من قال ذلك:
18035ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وَيَكُونُونَ عَلَـيْهِمْ ضِدّا قال: يكونون علـيهم بلاء.
الضدّ: البلاء, والضدّ فـي كلام العرب: هو الـخلاف, يقال: فلان يضادّ فلانا فـي كذا, إذا كان يخالفه فـي صنـيعه, فـيفسد ما أصلـحه, ويصلـح ما أفسده, وإذ كان ذلك معناه, وكانت آلهة هؤلاء الـمشركين الذين ذكرهم الله فـي هذا الـموضع يتبرّؤون منهم, وينتفعون يومئذٍ, صاروا لهم أضدادا, فوصفوا بذلك.
وقد اختلف أهل العربـية فـي وجه توحيد الضدّ, وهو صفة لـجماعة. فكان بعض نـحويّـي البصرة يقول: وحد لأنه يكون جماعة, وواحدا مثل الرصد والأرصاد. قال: ويكون الرّصَد أيضا لـجماعة. وقال بعض نـحويـي الكوفة وحّد, لأن معناه عونا, وذكر أن أبـا نهيك كان يقرأ ذلك, كما:
18036ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يحيى بن واضح, قال: حدثنا عبد الـمؤمن, قال: سمعت أبـا نهيك الأزدي يقرأ: كَلاّ سَيَكْفُرُون يعنـي الاَلهة كلها أنهم سيكفرون بعبـادتهم.

الآية : 83 و 84
القول فـي تأويـل قوله تعالـى { أَلَمْ تَرَ أَنّآ أَرْسَلْنَا الشّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزّهُمْ أَزّاً * فَلاَ تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنّمَا نَعُدّ لَهُمْ عَدّاً }.
يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: ألـم تر يا مـحمد أنا أرسلنا الشياطين علـى أهل الكفر بـالله تَوزّهُمْ يقول: تـحرّكهم بـالإغواء والإضلال, فتزعجهم إلـى معاصي الله, وتغريهم بها حتـى يواقعوها أزّا إزعاجا وإغواء. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
18037ـ حدثنا علـيّ, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: أزّا يقول: تغريهم إغراء.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قال: قال ابن عبـاس: تؤز الكافرين إغراء فـي الشرك: امضِ امضِ فـي هذا الأمر, حتـى توقعهم فـي النار, امضوا فـي الغيّ امضوا.
18038ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا أبو إدريس, عن جويبر, عن الضحاك, فـي قوله تَوزّهُمْ أزّا قال: تغريهم إغراء.
18039ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: تَوزّهُمْ أزّا قال: تزعجهم إزعاجا فـي معصية الله.
حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا ابن عثمة, قال: حدثنا سعيد بن بشير, عن قتادة فـي قول الله تَوزّهُمْ أزّا قال: تزعجهم إلـى معاصي الله إزعاجا.
حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة, فـي قوله تَوزّهُمْ أزّا قال تزعجهم إزعاجا فـي معاصي الله.
18040ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: ألَـمْ تَرَ أنّا أرْسَلْنا الشّياطِينَ علـى الكافرِينَ تَوزّهُمْ أزّا فقرأ: وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرّحْمَنِ نُقَـيّضْ لَهُ شَيْطانا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ قال: توزّهم أزّا, قال: تشلـيهم إشلاءً علـى معاصي الله تبـارك وتعالـى, وتغريهم علـيها, كما يغري الإنسان الاَخر علـى الشيء.
يقال منه: أزَزْت فلانا بكذا, إذا أغريته به أؤزّه أزّا وأزيزا, وسمعت أزيز القدر: وهو صوت غلـيانها علـى النار ومنه حديث مطرف عن أبـيه, أنه انتهى إلـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم وهو يصلـي, ولـجوفه أزيز كأزيز الـمرجل.
وقوله: فَلا تَعْجَلْ عَلَـيْهِمْ إنّـمَا نَعُدّ لَهُمْ عَدّا يقول عزّ ذكره: فلا تعجل علـى هؤلاء الكافرين بطلب العذاب لهم والهلاك, يا مـحمد إنـما تعدّ لهم عدّا يقول: فإنـما نؤخر إهلاكهم لـيزدادوا إثما, ونـحن نعدّ أعمالهم كلها ونـحصيها حتـى أنفـاسهم لنـجازيهم علـى جميعها, ولـم نترك تعجيـل هلاكهم لـخير أردناه بهم. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
18041ـ حدثنا علـيّ, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: إنّـما تَعُدّ لَهُمْ عَدّا يقول: أنفـاسهم التـي يتنفسون فـي الدنـيا, فهي معدودة كسنهم وآجالهم.

الآية : 85 و 86
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتّقِينَ إِلَى الرّحْمَـَنِ وَفْداً * وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَىَ جَهَنّمَ وِرْداً }.
يقول تعالـى ذكره: يوم نـجمع الذين اتقوا فـي الدنـيا فخافوا عقابه, فـاجتنبوا لذلك معاصيه, وأدّوا فرائضه إلـى ربهم وَفْدا يعنـي بـالوفد: الركبـان. يقال: وفدت علـى فلان: إذا قدمت علـيه, وأوفد القوم وفدا علـى أميرهم, إذا بعثوا من قبلهم بعثا. والوفد فـي هذا الـموضع بـمعنى الـجمع, ولكنه واحد, لأنه مصدر واحدهم وافد, وقد يجمع الوفد: الوفود, كما قال بعض بنـي حنـيفة:
إنّـي لَـمُـمْتَدِحٌ فَمَا هُوَ صَانِعٌرأسُ الُوفُودِ مُزاحمُ بنَ جِساسِ
وقد يكون الوفود فـي هذا الـموضع جمع وافد, كما الـجلوس جمع جالس. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
18042ـ حدثنـي زكريا بن يحيى بن أبـي زائدة, قال: حدثنا ابن فضيـل, عن عبد الرحمن بن إسحاق, عن النعمان بن سعد, عن علـيّ, فـي قوله: يَوْمَ نَـحْشُرُ الـمُتّقِـينَ إلـى الرّحْمَنِ وَفْدا قال: أما والله ما يحشر الوفد علـى أرجلهم, ولا يساقون سوقا, ولكنهم يؤتون بنوق لـم ير الـخلائق مثلها, علـيها رِحال الذهب, وأزمتها الزبرجد, فـيركبون علـيها حتـى يضربوا أبواب الـجنة.
18043ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي, عن شعبة, عن إسماعيـل, عن رجل, عن أبـي هريرة يَوْمَ نَـحْشُرُ الـمُتّقِـينَ إلـى الرّحْمَنِ وَفْدا قال: علـى الإبل.
18044ـ حدثنا علـيّ, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: يَوْمَ نَـحْشُرُ الـمُتّقِـينَ إلـى الرّحْمَنِ وَفْدا يقول: ركبـانا.
18045ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا الـحكم بن بشير, قال: حدثنا عمرو بن قـيس الـملائي, قال: إن الـمؤمن إذا خرج من قبره استقبله أحسن صورة, وأطيبها ريحا, فـيقول: هل تعرفنـي؟ فـيقول: لا إلا أن طيب ريحك وحسّن صورتك, فـيقول: كذلك كنت فـي الدنـيا أنا عملك الصالـح طالـما ركبتك فـي الدنـيا, فـاركبنـي أنت الـيوم, وتلا: يَوْمَ نَـحْشُرُ الـمُتّقِـينَ إلـى الرّحْمَنِ وَفْدا.
18046ـ حدثنا الـحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة إلـى الرّحْمَنِ وَفْدا قال: وفدا إلـى الـجنة.
18047ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, فـي قوله: يَوْمَ نَـحْشُرُ الـمُتّقِـينَ إلـى الرّحْمَنِ وَفْدا قال: علـى النـجائب.
18048ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, قال: سمعت سفـيان الثوري يقول: يَوْمَ نَـحْشُرُ الـمُتّقِـينَ إلـى الرّحْمَنِ وَفْدا قال: علـى الإبل النوق.
وقوله: وَنَسُوقُ الـمُـجْرِمينَ إلـى جَهَنّـمَ وِرْدا يقول تعالـى ذكره: ونسوق الكافرين بـالله الذين أجرموا إلـى جهنـم عطاشا. والوِرد: مصدر من قول القائل: وردت كذا أرِده وِردا, ولذلك لـم يجمع, وقد وصف به الـجمع. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
18049ـ حدثنـي علـيّ, قال: ثنـي عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: وَنَسُوقُ الـمُـجْرِمينَ إلـى جَهَنّـمَ وِرْدا يقول: عطاشا.
18050ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي, عن شعبة, عن إسماعيـل, عن رجل, عن أبـي هريرة وَنَسُوقُ الـمُـجْرِمينَ إلـى جَهَنّـمَ وِرْدا قال: عطاشا.
18051ـ حدثنـي يعقوب والفضل بن صبـاح, قالا: حدثنا إسماعيـل بن عُلَـيّة, عن أبـي رجاء, قال: سمعت الـحسن يقول فـي قوله: وَنَسُوقُ الـمُـجْرِمينَ إلـى جَهَنّـمَ وِرْدا قال: عطاشا.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن يونس, عن الـحسن, مثله.
18052ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة, فـي قوله: إلـى جَهَنّـمَ وِرْدا قال: ظماء إلـى النار.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَنَسُوقُ الـمُـجْرِمينَ إلـى جَهَنّـمَ وِرْدا سوقوا إلـيها وهم ظمء عطاش.
18053ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, قال: سمعت سفـيان يقول فـي قوله: وَنَسُوقُ الـمُـجْرِمينَ إلـى جَهَنّـمَ وِرْدا قال: عطاشا.

الآية : 87
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { لاّ يَمْلِكُونَ الشّفَاعَةَ إِلاّ مَنِ اتّخَذَ عِندَ الرّحْمَـَنِ عَهْداً }.
يقول تعالـى ذكره: لا يـملك هؤلاء الكافرون بربهم يا مـحمد, يوم يحشر الله الـمتقـين إلـيه وفدا الشفـاعة, حين يشفع أهل الإيـمان بعضهم لبعض عند الله, فـيشفع بعضهم لبعض إلاّ مَنِ اتّـخَذَ منهم عِنْدَ الرّحْمَنِ فـي الدنـيا عَهْدا بـالإيـمان به, وتصديق رسوله, والإقرار بـما جاء به, والعمل بـما أمر به. كما:
18054ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: إلاّ مَنِ اتّـخَذَ عِنْدَ الرّحْمَنِ عَهْدا قال: العهد: شهادة أن لا إله إلا الله, ويتبرأ إلـى الله من الـحول والقوّة ولا يرجو إلا الله.
18055ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, قوله: لا يَـمْلِكُونَ الشّفـاعةَ إلاّ مَنِ اتّـخَذَ عِنْدَ الرّحْمَنِ عَهْدا قال: الـمؤمنون يومئذ بعضهم لبعض شفعاء إلاّ مَنِ اتّـخَذَ عِنْدَ الرّحْمَنِ عَهْدا قال: عملاً صالـحا.
18056ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: لا يَـمْلِكُونَ الشّفـاعَةَ إلاّ مَنِ اتّـخَذَ عِنْدَ الرّحْمَنِ عَهْدا: أي بطاعته, وقال فـي آية أخرى: لا تَنْفَعُ الشّفـاعَةُ إلاّ مَنْ أذِنَ لَهُ الرّحْمَنُ وَرَضي لَهُ قَوْلاً لـيعلـموا أن الله يوم القـيامة يشفع الـمؤمنـين بعضهم فـي بعض, ذكر لنا أن نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «إنّ فِـي أُمّتِـي رَجُلاً لَـيُدْخِـلَنّ اللّهُ بِشَفـاعَتِهِ الـجَنّةَ أكْثَرَ مِنْ بنـي تـمِيـمِ», وكنّا نـحدّث أن «الشهيد يشفع فـي سبعين من أهل بـيته».
18057ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, عن أبـي الـملـيح, عن عوف بن مالك, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ شفَـاعَتِـي لِـمَنْ ماتَ مِنْ أُمّتِـي لا يُشْرِكُ بـاللّهِ شَيْئا».
و «مَن» فـي قوله: إلاّ مَنْ فـي موضع نصب علـى الاستثناء, ولا يكون خفضا بضمير اللام, ولكن قد يكون نصبـا فـي الكلام فـي غير هذا الـموضع, وذلك كقول القائل: أردت الـمرور الـيوم إلا العدوّ, فإنـي لا أمر به, فـيستثنى العدوُ من الـمعنى, ولـيس ذلك كذلك فـي قوله: لا يَـمْلِكُونَ الشّفـاعَةَ إلاّ مَنِ اتّـخَذَ عِنْدَ الرّحْمَنِ عَهْدا لأن معنى الكلام: لا يـملك هؤلاء الكفـار إلا من آمن بـالله, فـالـمؤمنون لـيسوا من أعداد الكافرين, ومن نصبه علـى أن معناه إلا لـمن اتـخذ عند الرحمن عهدا, فإنه ينبغي أن يجعل قوله لا يـملكون الشفـاعة للـمتقـين, فـيكون معنى الكلام حينئذ يوم نـحشر الـمتقـين إلـى الرحمن وفدا, لا يـملكون الشفـاعة, إلا من اتـخذ عند الرحمن عهدا. فـيكون معناه عند ذلك: إلا لـمن اتـخذ عند الرحمن عهدا. فأما إذا جعل لا يـملكون الشفـاعة خبرا عن الـمـجرمين, فإن «من» تكون حينئذ نصبـا علـى أنه استثناء منقطع, فـيكون معنى الكلام: لا يـملكون الشفـاعة, لكن من اتـخذ عند الرحمن عهدا يـملكه.

الآية : 88 -90
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { وَقَالُواْ اتّخَذَ الرّحْمَـَنُ وَلَداً * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً * تَكَادُ السّمَاوَاتُ يَتَفَطّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقّ الأرْضُ وَتَخِرّ الْجِبَالُ هَدّاً }.
يقول تعالـى ذكره: وقال هؤلاء الكافرون بـالله اتّـخَذَ الرّحْمَنُ وَلَدا لَقَدْ جِئْتُـمْ شَيْئا إدّا يقول تعالـى ذكره للقائلـين ذلك من خـلقه: لقد جئتـم أيها الناس شيئا عظيـما من القول منكرا. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
18058ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: شَيْئا إدّا يقول: قولاً عظيـما.
حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس قوله: لَقَدْ جِئْتُـمْ شَيْئا إدّا يقول: لقد جئتـم شيئا عظيـما وهو الـمنكر من القول.
18059ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله شَيْئا إدّا قال: عظيـما.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, مثله.
18060ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة, فـي قوله شَيْئا إدّا قال: عظيـما.
18061ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: لَقَدْ جِئْتُـمْ شَيْئا إدّا قال: جئتـم شيئا كبـيرا من الأمر حين دعوا للرحمن ولدا.
وفـي الإدّ لغات ثلاث, يقال: لقد جئت شيئا إدّا, بكسر الألف, وأدّا بفتـح الألف, ومدّها, علـى مثال مادّ فـاعل. وقرأ قرّاء الأمصار, وبها نقرأ, وقد ذكر عن أبـي عبد الرحمن السلـمي أنه قرأ ذلك بفتـح الألف, ولا أرى قراءته كذلك لـخلافها قراءة قرّاء الأمصار, والعرب تقول لكلّ أمر عظيـم: إدّ, وإمر, ونكر ومنه قوله الراجز:
قَدْ لَقِـيَ الأعْدَاءُ مِنّـي نُكْرَادَاهِيَةٌ دَهْياءَ إدّا إمْرا
ومنه قول الاَخر:
فِـي لَهَثٍ مِنْهُ وَحَثْلِ إدا
وقوله: تَكَادُ السّمَوَاتُ يَتَفَطّرْنَ مِنْهُ يقول تعالـى ذكره: تكاد السموات يتشّقْقن قطعا من قـيـلهم: اتّـخَذَ الرّحْمَنُ وَلَدا, ومنه قـيـل: فَطَر نابُه: إذا انشقّ. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
18062ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: تَكَادُ السّمَوَاتُ يَتَفَطّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقّ الأرْضُ وتَـخِرّ الـجِبـالُ هَدّا أنْ دَعُوْا للرّحْمَنِ وَلَدا قال: إن الشرك فزعت منه السموات والأرض والـجبـال, وجميع الـخلائق إلا الثقلـين, وكادت أن تزول منه لعظمة الله, وكما لا ينفع مع الشرك إحسان الـمشرك, كذلك نرجو أن يغفر الله ذنوب الـموحّدين. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَقّنُوا مَوْتاكُمْ شَهادَةَ أنْ لا إلهَ إلاّ اللّهُ, فَمَنْ قَالَها عِنْدَ مَوْتِهِ وَجَبَتْ لَهُ الـجَنّةُ» قالُوا: يا رسول الله, فمن قالها فـي صحته؟ قال: «تلكَ أوْجَبُ وأوْجَبُ». ثم قال: «وَالّذِي نَفْسِي بـيَدِهِ لَوْ جِيءَ بـالسّمَوَاتِ والأرَضِينَ وَما فـيهِنّ وَما بَـيْنَهُنّ وَما تَـحْتَهُنّ, فَوُضِعْنَ فـي كِفّةِ الـمِيزَانِ, وَوُضِعَتْ شَهادَةُ أنْ لا إلهَ إلاّ اللّهُ فِـي الكِفّةِ الأُخْرَى, لَرَجَحَتْ بِهِنّ».
18063ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد تَكَادُ السّمَوَاتُ يَتَفَطّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقّ الأرْضُ وتَـخِرّ الـجِبـالُ هَدّا ذُكر لنا أن كعبـا كان يقول: غضبت الـملائكة, واستعرت جهنـم, حين قالوا ما قالوا.
وقوله: وَتَنْشَقّ الأرْضُ يقول: وتكاد الأرض تنشقّ, فتنصدع من ذلك وتَـخِرّ الـجبـالُ هَدّا يقول: وتكاد الـجبـال يسقط بعضها علـى بعض سقوطا. والهدّ: السقوط, وهو مصدر هددت, فأنا أهدّ هدّا. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
18064ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: وتَـخِرّ الـجِبـالُ هَدّا يقول: هدما.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُريج, قال: قال ابن عبـاس: وتَـخِرّ الـجِبـالُ هَدّا قال: الهدّ: الانقضاض.
18065ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وتَـخِرّ الـجِبـالُ هَدّا قال: غضبـا لله. قال: ولقد دعا هؤلاء الذين جعلوا لله هذا الذي غضبت السموات والأرض والـجبـال من قولهم, لقد استتابهم ودعاهم إلـى التوبة, فقال: لَقَدْ كَفَرَ الّذِينَ قالُوا إنّ اللّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ قالوا: هو وصاحبته وابنه, جعلوها إلهين معه وَما مِنْ إله إلاّ إلهٌ وَاحِدٌ... إلـى قوله: وَيَسْتَغْفِرُنَهُ وَاللّهُ غَفُورٌ رَحيـمٌ.


الآية : 91 - 93
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { أَن دَعَوْا لِلرّحْمَـَنِ وَلَداً * وَمَا يَنبَغِي لِلرّحْمَـَنِ أَن يَتّخِذَ وَلَداً * إِن كُلّ مَن فِي السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ إِلاّ آتِي الرّحْمَـَنِ عَبْداً }.
يقول تعالـى ذكره: وتكاد الـجبـال أن تـخرّ انقضاضا, لأنْ دَعَوا للرحمن ولدا. ف «أن» فـي موضع نصب فـي قول بعض أهل العربـية, لاتصالها بـالفعل, وفـي قول غيره فـي موضع خفض بضمير الـخافض وقد بـيّنا الصواب من القول فـي ذلك فـي غير موضع من كتابنا هذا بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع.
وقال: أنْ دَعَوْا للرّحْمَنِ وَلَدا يعنـي بقوله: أنْ دَعَوْا: أن جعلوا له ولدا, كما قال الشاعر:
ألا رُبّ مَنْ تَدْعُو نَصِيحا وَإنْ تَغِبْتَـجِدْهُ بغَيْبٍ غيرَ مُنْتَصِحِ الصّدْرِ
وقال ابن أحمر:
أهْوَى لَهَا مِشْقَصا حَشْرا فَشَبْرَقَهاوكنتُ أدْعُو قَذَاها الإثمِدَ القَرِدَا
وقوله: وَما يَنْبَغِي للرّحْمَنِ أنْ يَتّـخِذَ وَلَدا يقول: وما يصلـح لله أن يتـخذ ولدا, لأنه لـيس كالـخـلق الذين تغلبهم الشهوات, وتضطرهم اللذّات إلـى جماع الإناث, ولا ولد يحدث إلا من أنثى, والله يتعالـى عن أن يكون كخـلقه, وذلك كقول ابن أحمر:
فِـي رأسِ خَـلْقاءَ مِنْ عَنْقاءَ مُشْرِفَةٍما ينبغي دُونَها سَهْلٌ وَلا جَبَلُ
يعنـي: لا يصلـح ولا يكون.
إنْ كُلّ مَنْ فِـي السّمَوَاتِ والأرْضِ إلاّ آتـى الرّحْمَنِ عَبْدا يقول: ما جميع من فـي السموات من الـملائكة, وفـي الأرض من البشر والإنس والـجنّ إلاّ آتـى الرّحْمَنِ عَبْدا يقول: إلا يأتـي ربه يوم القـيامة عبدا له, ذلـيلاً خاضعا, مقرّا له بـالعبودية, لا نسب بـينه وبـينه. وقوله: آتـى الرّحْمَنِ إنـما هو فـاعل من أتـيته, فأنا آتـيه.

الآية : 94 و 95
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { لّقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدّهُمْ عَدّاً * وَكُلّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً }.
يقول تعالـى ذكره: لقد أحصى الرحمن خـلقه كلهم, وعدّهم عدا, فلا يخفـى علـيه مبلغ جميعهم, وعرف عددهم, فلا يعزب عنه منهم أحد وكُلّهُمْ آتِـيهِ يَوْمَ القِـيامَةِ فَرْدا يقول: وجميع خـلقه سوف يرد علـيه يوم تقوم الساعة وحيدا لا ناصر له من الله, ولا دافع عنه, فـيقضي الله فـيه ما هو قاض, ويصنع به ما هو صانع