سورة طه | للقراءة من المصحف بخط كبير واضح
استماع mp3 | الجلالين&الميسر | تفسير الشوكاني |
إعراب الصفحة | تفسير ابن كثير | تفسير القرطبي |
التفسير المختصر | تفسير الطبري | تفسير السعدي |
تفسير الطبري تفسير الصفحة 313 من المصحف
تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 313
314
312
الآية : 13 و 14
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَىَ * إِنّنِيَ أَنَا اللّهُ لآ إِلَـَهَ إِلآ أَنَاْ فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصّلاَةَ لِذِكْرِيَ }.
اختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك, فقرأته عامة القرّاء الذين قرأوا: «وأنّا» بتشديد النون, و أنا بفتـح الألف من «أنا» ردّا علـى: نودي يا موسى, كأنه معنى الكلام عندهم: نودي يا موسى إنـي أنا ربك, وأنا اخترتك, وبهذه القراءة قرأ ذلك عامّة قرّاء الكوفة. وأما عامة قرّاء الـمدينة والبصرة وبعض أهل الكوفة فقرأوه: وأنا اخْتَرْتُكَ بتـخفـيف النون علـى وجه الـخبر من الله عن نفسه أنه اختاره.
قال أبو جعفر: والصواب من القول فـي ذلك عندي أن يقال: إنهما قراءتان قد قرأ بكلّ واحدة منهما قرّاء أهل العلـم بـالقرآن, مع اتفـاق معنـيـيهما. فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب الصواب فـيه. وتأويـل الكلام: نودي أنّا اخترناك. فـاجتبـيناك لرسالتنا إلـى من نرسلك إلـيه فـاسْتَـمِعْ إلـى ما يُوحَى يقول: فـاستـمع لوحينا الذي نوحيه إلـيك وعه, واعمل به إنّنِـي أنا اللّهُ يقول تعالـى ذكره: إننـي أنا الـمعبود الذي لا تصلـح العبـادة إلاّ له, لا إلَهَ إلاّ أنا فلا تعبد غيري, فإنه لا معبود تـجوز أو تصلـح له العبـادة سواي فـاعْبُدْنِـي يقول: فأخـلص العبـادة لـي دون كلّ ما عبد من دونـي وأقِمِ الصّلاةَ لِذِكْرِي.
واختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك فقال بعضهم: معنى ذلك: أقم الصلاة لـي فإنك إذا أقمتها ذكرتنـي. ذكر من قال ذلك:
18137ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قوله: أقِمِ الصّلاةَ لِذِكْرِي قال: إذا صلـى ذكر ربه.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد, قوله وَأقِمِ الصّلاةَ لِذِكْرِي قال: إذا ذكر عَبَد ربه.
قال آخرون: بل معنى ذلك: وأقم الصلاة حين تذكرها.ذكر من قال ذلك:
18138ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا سفـيان, عن مُغيرة, عن إبراهيـم فـي قوله: وأقِمِ الصّلاةَ لِذِكْرِي قال: يصلـيها حين يذكرها.
18139ـ حدثنـي أحمد بن عبد الرحمن بن وهب, قال: ثنـي عمي عبد الله بن وهب, قال: ثنـي ويونس ومالك بن شهاب, قال: أخبرنـي سعيد بن الـمسيب, عن أبـي هريرة, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ نَسِيَ صَلاةً فَلْـيُصَلّها إذَا ذَكَرَها, قال اللّهُ: أقِمِ الصّلاةَ لِذِكْرِي». وكان الزهري يقرؤها: أقِمِ الصّلاةَ لِذِكْرِي بـمنزلة فعلـى.
قال أبو جعفر: وأولـى التأويـلـين فـي ذلك بـالصواب تأويـل من قال: معناه: أقم الصلاة لتذكرنـي فـيها, لأن ذلك أظهر معنـيـيه ولو كان معناه: حين تذكرها, لكان التنزيـل: أقم الصلاة لذكركها. وفـي قوله: لِذِكْرِي دلالة بـينة علـى صحة ما قال مـجاهد فـي تأويـل ذلك ولو كانت القراءة التـي ذكرناها عن الزهري قراءة مستفـيضة فـي قَراءة الأمصار, كان صحيحا تأويـل من تأوّله بـمعنى: أقم الصلاة حين تذكرها, وذلك أن الزهري وجّه بقراءته أقِمِ الصّلاةَ لِذِكْرَى بـالألف لا بـالإضافة, إلـى أقم لذكراها, لأن الهاء والألف حذفتا, وهما مرادتان فـي الكلام لـيوفق بـينها وبـين سائر رؤوس الاَيات, إذ كانت بـالألف والفتـح. ولو قال قائل فـي قراءة الزهري هذه التـي ذكرنا عنه, إنـما قصد الزهري بفتـحها تصيـيره الإضافة ألفـا للتوفـيق بـينه وبـين رؤوس الاَيات قبله وبعده, لأنه خالف بقراءته ذلك كذلك من قرأه بـالإضافة, وقال: إنـما ذلك كقول الشاعر:
أُطَوّفُ ما أُطَوّفُ ثُمّ آوِيإلـى أُمّا وَيُرْوِينِـي النّقِـيعُ
وهو يريد: إلـى أمي, وكقول العرب: يا أبـا وأما, وهي تريد: يا أبـي وأمي, كان له بذلك مقال.
الآية : 15 و 16
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { إِنّ السّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَىَ كُلّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَىَ * فَلاَ يَصُدّنّكَ عَنْهَا مَن لاّ يُؤْمِنُ بِهَا وَاتّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَىَ }.
يقول تعالـى ذكره: إن الساعة التـي يبعث الله فـيها الـخلائق من قبورهم لـموقـف القـيامة جائية أكادُ أُخْفِـيها فعلـى ضمّ الألف من أخفـيها قراءة جميع قرّاء أمصار الإسلام, بـمعنى: أكاد أخفـيها من نفسي, لئلا يطلع علـيها أحد, وبذلك جاء تأويـل أكثر أهل العلـم. ذكر من قال ذلك:
18140ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: أكادُ أُخْفِـيها يقول: لا أظهر علـيها أحدا غيري.
18141ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: إنّ السّاعَةَ آتِـيَةٌ أكادُ أُخْفِـيها قال: لا تأتـيكم إلاّ بغتة.
18142ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا سفـيان, عن لـيث, عن مـجاهد إنّ السّاعَةَ آتِـيَةٌ أكادُ أُخْفِـيها قال: من نفسي.
حدثنا مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قول الله: أكادُ أُخْفِـيها قال: من نفسي.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, مثله.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن عطاء بن السائب, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس أكادُ أُخْفِـيها قال: من نفسي.
18143ـ حدثنـي عبد الأعلـى بن واصل, قال: حدثنا مـحمد بن عبـيد الطنافسي, قال: حدثنا إسماعيـل بن أبـي خالد, عن أبـي صالـح, فـي قوله: أكادُ أُخْفِـيها قال: يخفـيها من نفسه.
18144ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة, قوله: أكادُ أُخْفِـيها وهي فـي بعض القراءة: «أخفـيها من نفسي». ولعمري لقد أخفـاها الله من الـملائكة الـمقرّبـين, ومن الأنبـياء الـمرسلـين.
حدثنا الـحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قَتادة, قال: فـي بعض الـحروف: «إنّ السّاعَةَ آتِـيَةٌ أكادُ أُخْفِـيها مِنْ نَفْسِي».
وقال آخرون: إنـما هو: «أكادُ أَخْفِـيها» بفتـح الألف من أَخفـيها بـمعنى: أظهرها. ذكر من قال ذلك:
18145ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يحيى بن واضح, قال: حدثنا مـحمد بن سهل, قال: سألنـي رجل فـي الـمسجد عن هذا البـيت.
دَابَ شَهْرَيْنِ ثُمّ شَهْرا دَمِيكابِأرِيكَيْنِ يَخْفـيانِ غَمِيرا
فقلت: يظهران, فقال ورقاء بن إياس وهو خـلفـي: أقرأنـيها سعيد بن جبـير: «أكادُ أَخْفِـيها» بنصب الألف.
وقد رُوي عن سعيد بن جبـير وفـاق لقول الاَخرين الذين قالوا: معناه: أكاد أخفـيها من نفسي. ذكر الرواية عنه بذلك:
18146ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن عطاء, عن سعيد بن جبـير ومنصور, عن مـجاهد, قالا إنّ السّاعَةَ آتِـيَةٌ أكادُ أُخْفِـيها قالا: من نفسي.
حدثنـي عبـيد بن إسماعيـل الهبـاري, قال: حدثنا ابن فضيـل, عن عطاء بن السائب, عن سعيد بن جبـير أكادُ أُخْفِـيها قال: من نفسي.
قال أبو جعفر: والذي هو أولـى بتأويـل الاَية من القول, قول من قال: معناه: أكاد أخفـيها من نفسي, لأن تأويـل أهل التأويـل بذلك جاء. والذي ذُكر عن سعيد بن جبـير من قراءة ذلك بفتـح الألف قراءة لا أستـجيز القراءة بها لـخلافها قراءة الـحجة التـي لا يجوز خلافها فـيـما جاءت به نقلاً مستفـيضا.
فإن قال قائل: ولـم وجهت تأويـل قوله أكادُ أُخْفِـيها بضم الألف إلـى معنى: أكاد أخفـيها من نفسي, دون توجيهه إلـى معنى: أكاد أظهرها, وقد علـمت أن للإخفـاء فـي كلام العرب وجهين: أحدهما الإظهار, والاَخر الكتـمان وأن الإظهار فـي هذا الـموضع أشبه بـمعنى الكلام, إذ كان الإخفـاء من نفسه يكاد عند السامعين أن يستـحيـل معناه, إذ كان مـحالاً أن يخفـي أحد عن نفسه شيئا هو به عالـم, والله تعالـى ذكره لا يخفـى علـيه خافـية؟ قـيـل: الأمر فـي ذلك بخلاف ما ظننت, وإنـما وجّهنا معنى أُخْفِـيها بضمّ الألف إلـى معنى: أسترها من نفسي, لأن الـمعروف من معنى الإخفـاء فـي كلام العرب: الستر. يقال: قد أخفـيت الشيء: إذا سترته. وأن الذين وجّهوا معناه إلـى الإظهار, اعتـمدوا علـى بـيت لامرىء القـيس ابن عابس الكندي.
18147ـ حُدثت عن معمر بن الـمثنى أنه قال: أنشدنـيه أبو الـخطاب, عن أهله فـي بلده:
فإنْ تُدْفِنُوا الدّاءَ لا نُـخْفِهِوإنْ تَبْعَثُوا الـحَرْبَ لا نَقْعُدُ
بضمّ النون من لا نـخفه, ومعناه: لا نظهره, فكان اعتـمادهم فـي توجيه الإخفـاء فـي هذا الـموضع إلـى الإظهار علـى ما ذكروا من سماعهم هذا البـيت, علـى ما وصفت من ضم النون من نـخفه. وقد أنشدنـي الثقة عن الفرّاء:
فإنْ تَدْفِنُوا الدّاءَ لا نَـخْفِهِ
بفتـح النون من نـخفه, من خفـيته أخفـيه, وهو أولـى بـالصواب لأنه الـمعروف من كلام العرب. فإذا كان ذلك كذلك, وكان الفتـح فـي الألف من أَخفـيها غير جائز عندنا لـما ذكرنا, ثبت وصحّ الوجه الاَخر, وهو أن معنى ذلك: أكاد استرها من نفسي.
وأما وجه صحة القول فـي ذلك, فهو أن الله تعالـى ذكره خاطب بـالقرآن العرب علـى ما يعرفونه من كلامهم وجرى به خطابهم بـينهم فلـما كان معروفـا فـي كلامهم أن يقول أحدهم إذا أراد الـمبـالغة فـي الـخبر عن إخفـائه شيئا هو له مسرّ: قد كدت أن أخفـي هذا الأمر عن نفسي من شدّة استسراري به, ولو قدرت أخفـيه عن نفسي أخفـيته, خاطبهم علـى حسب ما قد جرى به استعمالهم فـي ذلك من الكلام بـينهم, وما قد عرفوه فـي منطقهم. وقد قـيـل فـي ذلك أقوال غير ما قلنا, وإنـما اخترنا هذا القول علـى غيره من الأقوال لـموافقة أقوال أهل العلـم من الصحابة والتابعين, إذ كنا لا نستـجيز الـخلاف علـيهم, فـيـما استفـاض القول به منهم, وجاء عنهم مـجيئا يقطع العذر. فأما الذين قالوا فـي ذلك غير قولنا مـمن قال فـيه علـى وجه الانتزاع من كلام العرب, من غير أن يعزوه إلـى إمام من الصحابة أو التابعين, وعلـى وجه يحتـمل الكلام غير وجهه الـمعروف, فإنهم اختلفوا فـي معناه بـينهم, فقال بعضهم: يحتـمل معناه: أريد أخفـيها قال: وذلك معروف فـي اللغة. وذُكر أنه حُكي عن العرب أنهم يقولون: أولئك أصحابـي الذين أكاد أنزل علـيهم, وقال: معناه: لا أنزل إلاّ علـيهم. قال: وحُكي: أكاد أبرح منزلـي: أي ما أبرح منزلـي, واحتـجّ ببـيت أنشده لبعض الشعراء:
كادَتْ وكِدْتُ وَتِلكَ خَيْرُ إرَادَةٍلَوْ عادَ مِنْ عَهْد الصّبـابَةِ ما مَضَى
وقال: يريد: بكادت: أرادت قال: فـيكون الـمعنى: أريد أخفـيها لتـجزى كلّ نفس بـما تسعى. قال: ومـما يُشبه ذلك قول زيد الـخيـل:
سَرِيعٌ إلـى الهَيْجاءِ شاكٍ سِلاحُهُفَمَا إنْ يَكادُ قِرْنُهُ يَتَنَفّسُ
وقال: كأنه قال: فما يتنفس قرنه, وإلا ضعف الـمعنى قال: وقال ذو الرّمّة:
إذا غَيّرَ النّأْيُ الـمُـحِبّـينَ لَـمْ يَكَدْرَسِيسُ الهَوَى مِنْ حُبّ مَيّةَ يَبْرَحُ
قال: ولـيس الـمعنى: لـم يكد يبرح: أي بعد يُسر, ويبرح بعد عُسر وإنـما الـمعنى: لـم يبرح, أو لـم يرد يبرح, وإلا ضعف الـمعنى قال: وكذلك قول أبـي النـجم:
وَإنْ أتاكَ نَعِيّ فـانْدُبَنّ أبـاقَدْ كادَ يَضْطَلِعُ الأعْداءَ والـخُطَبَـا
وقال: يكون الـمعنى: قد اضطلع الأعداء, وإلاّ لـم يكن مدحا إذا أراد كاد ولـم يرد يفعل.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: إن الساعة آتـية أكاد, قال: وانتهى الـخبر عند قوله أكاد لأن معناه: أكاد أن آتـي بها قال: ثم ابتدأ فقال: ولكنـي أخفـيها لتـجزى كلّ نفس بـما تسعى. قال: وذلك نظير قول ابن ضابىء:
هَمَـمْتُ ولَـمْ أفْعَلْ وكِدْتُ ولَـيْتَنِـيتَرَكْتُ علـى عُثمانَ تَبْكِي أقارِبُهُ
فقال: كدت, ومعناه: كدت أفعل.
وقال آخرون: معنى أُخفـيها: أظهرها, وقالوا: الإخفـاء والإسرار قد توجههما العرب إلـى معنى الإظهار, واستشهد بعضهم لقـيـله ذلك ببـيت الفرزدق:
فَلَـمّا رأى الـحَجّاجَ جَرّدَ سَيْفَهُأسَرّ الـحَرُورِيّ الّذِي كانَ أضْمَرَا
وقال: عَنَى بقوله: أسرّ: أظهر. قال: وقد يجوز أن يكون معنى قوله: وأسَرّوا النّدَامَةَ وأظهروها. قال: وذلك أنهم قالوا: يا لَـيْتَنا نُرَدّ وَلا نُكَذّبَ بآياتِ رَبّنا. وقال جميع هؤلاء الذين حكينا قولهم جائز أن يكون قول من قال: معنى ذلك: أكاد أخفـيها من نفسي, أن يكون أراد: أخفـيها من قِبلـي ومن عندي. وكلّ هذه الأقوال التـي ذكرنا عمن ذكرنا توجيه منهم للكلام إلـى غير وجهه الـمعروف, وغير جائز توجيه معانـي كلام الله إلـى غير الأغلب علـيه من وجوهه عند الـمخاطبـين به, ففـي ذلك مع خلافهم تأويـل أهل العلـم فـيه شاهد عدل علـى خطأ ما ذهبوا إلـيه فـيه.
وقوله: لِتُـجْزَى كُلّ نَفْسٍ بِـمَا تَسْعَى يقول تعالـى ذكره: إن الساعة آتـية لتـجزى كلّ نفس يقول: لتثاب كلّ نفس امتـحنها ربها بـالعبـادة فـي الدنـيا بـما تسعى, يقول: بـما تعمل من خير وشرّ, وطاعة ومعصية. وقوله: فَلاَ يَصُدّنّكَ عَنْها يقول تعالـى ذكره: فلا يردّنك يا موسى عن التأهّب للساعة, من لا يؤمن بها, يعنـي: من لا يقرّ بقـيام الساعة, ولا يصدّق بـالبعث بعد الـمـمات, ولا يرجو ثوابـا, ولا يخاف عقابـا. وقوله: وَاتّبَعَ هَوَاهُ يقول: اتبع هوى نفسه, وخالف أمر الله ونهيه فَترْدَى يقول: فتهلك إن أنت أنصددت عن التأهّب للساعة, وعن الإيـمان بها, وبأن الله بـاعث الـخـلق لقـيامها من قبورهم بعد فنائهم بصدّ من كفر بها. وكان بعضهم يزعم أن الهاء والألف من قوله فَلا يَصُدّنّك عَنْها كناية عن ذكر الإيـمان, قال: وإنـما قـيـل عنها وهي كناية عن الإيـمان كما قـيـل إنّ رَبّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيـمٌ يذهب إلـى الفعلة, ولـم يجر للإيـمان ذكر فـي هذا الـموضع, فـيجعل ذلك من ذكره, وإنـما جرى ذكر الساعة, فهو بأن يكون من ذكرها أولـى.
الآية : 17
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَمُوسَىَ }.
يقول تعالـى ذكره: وما هذه التـي فـي يـمينك يا موسى؟ فـالبـاء فـي قوله بِـيَـمِينِكَ من صلة تلك, والعرب تصل تلك وهذه كما تصل الذي ومنه قول يزيد بن مفرغ:
عَدسْ ما لِعَبّـادٍ عَلَـيْكِ إمارَةٌأمِنْتِ وَهَذَا تَـحْمَلِـينَ طَلِـيقُ
كأنه قال: والذي تـحملـين طلـيق.
ولعلّ قائلاً أن يقول: وما وجه استـخبـار الله موسى عما فـي يده؟ ألـم يكن عالـما بأن الذي فـي يده عصا؟ قـيـل له: إن ذلك علـى غير الذي ذهبتَ إلـيه, وإنـما قال ذلك عزّ ذكره له إذا أراد أن يحوّلها حية تسعى, وهي خشبة, فنبهه علـيها, وقرّره بأنها خشبة يتوكأ علـيها, ويهشّ بها علـى غنـمه, لـيعرّفه قُدرته علـى ما يشاء, وعظم سلطانه, ونفـاذ أمره فـيـما أحبّ بتـحويـله إياها حيّة تسعى, إذا أراد ذلك به لـيجعل ذلك لـموسى آية مع سائر آياته إلـى فرعون وقومه.
الآية : 18
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشّ بِهَا عَلَىَ غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَىَ }.
يقول تعالـى ذكره مخبرا عن موسى: قال موسى مـجيبـا لربه: هِيَ عَصَايَ أتَوَكّأُ عَلَـيْها وأهُشّ بِها عَلـى غَنَـمِي يقول: أضرب بها الشجر الـيابس فـيسقط ورقها وترعاه غنـمي, يقال منه: هشّ فلان الشجر يهشّ هشا: إذا اختبط ورق أغصانها فسقط ورقها كما قال الراجز:
أهُشّ بـالْعْصَا عَلـى أغْنامِيمِنْ ناعِمِ الأَرَاكِ والْبَشامِ
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك, قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
18148ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قَتادة, فـي قوله: وأهُشّ بِها عَلـى غَنَـمِي قال: أخبط بها الشجر.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وأهُشّ بِها عَلـى غَنَـمِي قال: أخبط.
حدثنا بِشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وأهُشّ بِها عَلـى غَنَـمي قال: كان نبـيّ الله موسى صلى الله عليه وسلم يهشّ علـى غنـمه ورق الشجر.
18149ـ حدثنـي موسى, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ وأَهُشّ بِها عَلـى غَنَـمِي يقول: أضرب بها الشجر للغنـم, فـيقع الورق.
18150ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: هيَ عَصَايَ أتَوَكّأُ عَلَـيْها وأهُشّ بِها عَلـى غَنَـمي قال: يتوكأ علـيها حين يـمشي مع الغنـم, ويهشّ بها, ويحرّك الشجر حتـى يسقط الورق الـحبَلة وغيرها.
18151ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يحيى بن واضح, قال: حدثنا الـحسن, عن عكرمة وأهُشّ بِها عَلـى غَنَـمِي قال: أضرب بها الشجر, فـيسقط من ورقها علـيّ.
حدثنـي عبد الله بن أحمد بن شبويه, قال: حدثنا علـيّ بن الـحسن, قال: حدثنا حسين, قال: سمعت عكرِمة يقول وأهُشّ بِها عَلـى غَنَـمِي قال: أضرب بها الشجر, فـيتساقط الورق علـى غنـمي.
18152ـ حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا مُعاذ يقول: حدثنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله وأهُشّ بِـا عَلـى غَنَـمِي يقول: أضرب بها الشجر حتـى يسقط منه ما تأكل غنـمي.
وقوله: وَلـيَ فـيها مآرِبُ أُخْرَى يقول: ولـي فـي عصاي هذه حوائج أخرى, وهي جمع مأربة, وفـيها للعرب لغات ثلاث: مأرُبة بضم الراء, ومأرَبة بفتـحها, ومأرِبه بكسرها, وهي مفعلة من قولهم: لا أرب لـي فـي هذا الأمر: أي لا حاجة لـي فـيه. وفـيـل «أخرى» وهن مآرب جمع, ولـم يقل أُخر, كما قـيـل: لَهُ الأسْماءُ الـحُسْنَى وقد بـيّنت العلة فـي توجيه ذلك هنالك. وبنـحو الذي قلنا فـي معنى الـمآرب, قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
18153ـ حدثنا أحمد بن عبدة الضبـي, قال: حدثنا حفص بن جميع, قال: حدثنا سماك بن حرب, عن عكرِمة, عن ابن عبـاس, فـي قوله: وَلـي فِـيها مآرِبُ أُخْرَى قال: حوائج أخرى قد علـمتها.
حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله وَلـي فِـيها مآرِبُ أُخْرَى يقول: حاجة أخرى.
18154ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى عن ابن أبـي نـجيح عن مـجاهد وَلِـيَ فِـيها مآرِبُ أُخْرَى قال: حاجات.
18155ـ حدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبـي نـجيح وَلـيَ فِـيها مآرِبُ أُخْرَى قال: حاجات ومنافع.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد وَلـيَ فِـيها مآرِبُ أُخْرَى قال: حاجات.
18156ـ حدثنا موسى, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ وَلـيَ فِـيها مآرِبُ أُخْرَى يقول: حوائج أخرى أحمل علـيها الـمزود والسقاء.
18157ـ حدثنا بِشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَلـيَ فِـيها مآرِبُ أُخْرَى قال: حوائج أخرى.
حدثنا الـحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قَتادة, فـي قوله وَلـيَ فِـيها مآرِبُ أُخْرَى قال: حاجات منافع أخرى.
18158ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, عن وهب بن منبه وَلـيَ فِـيها مآرِبُ أُخْرَى: أي منافع أخرى.
18159ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وَلـيَ فِـيها مآرِبُ أُخْرَى قال: حوائج أخرى سوى ذلك.
18160ـ حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: حدثنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله مآرِبُ أُخْرَى قال: حاجات أخرى.
الآية : 19 - 21
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { قَالَ أَلْقِهَا يَمُوسَىَ * فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيّةٌ تَسْعَىَ * قَالَ خُذْهَا وَلاَ تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيَرتَهَا الاُولَىَ }.
يقول تعالـى ذكره: قال الله لـموسى: ألق عصاك التـي بـيـمينك يا موسى, يقول الله جل جلاله: فألقاها موسى, فجعلها الله حية تسعى, وكانت قبل ذلك خشبة يابسة, وعصا يتوكأ علـيها ويهشّ بها علـى غنـمه, فصارت حية بأمر الله, كما:
18161ـ حدثنا أحمد بن عبدة الضبـي, قال: حدثنا حفص بن جميع, قال: حدثنا سماك بن حرب, عن عكرِمة, عن ابن عبـاس قال: لـما قـيـل لـموسى: ألقها يا موسى, ألقاها فإذَا هِيَ حَيّةٌ تَسْعَى ولـم تكن قبل ذلك حية قال: فمرّت بشجرة فأكلتها, ومرّت بصخرة فـابتلعتها قال: فجعل موسى يسمع وقع الصخرة فـي جوفها قال: فولـى مدبرا, فنودي أن يا موسى خذها, فلـم يأخذها ثم نودي الثانـية: أن خُذْهَا وَلا تـخفْ, فلـم يأخذها فقـيـل له فـي الثالثة: إنّكَ مِنَ الاَمِنِـين فأخذها.
18162ـ حدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, قال: قال له, يعنـي لـموسى ربه: ألْقِها يا مُوسَى يعنـي فألْقاها فإذَا هِيَ حَيّةٌ تَسْعَى فلَـمّا رآها تَهْتَزّ كأنّها جانّ وَلّـى مُدْبِرا ولَـمْ يُعَقّبْ فنودي: يا مُوسَى لا تَـخَفّ إنّـي لا يَخافُ لَدَيّ الـمُرْسَلُونَ.
18163ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, عن وهب بن منبه, قال ألْقِها يا مُوسَى فألْقاها فإذَا هِيَ حَيّةٌ تَسْعَى تهتزّ, لها أنـياب وهيئة كما شاء الله أن تكون, فرأى أمرا فظيعا, فولـى مُدْبِرا, ولَـم يُعقّب فناداه ربه: يا مُوسَى أقبلْ وَلا تـخفْ سَنُعِيدُها سِيرَتها الأُولـى.
وقوله: قالَ خُذْها وَلا تَـخَفْ يقول تعالـى ذكره قال الله لـموسى: خذ الـحية, والهاء والألف من ذكر الـحية. وَلا تَـخَفْ يقول: ولا تـخف من هذه الـحية سَنُعِيدُها سِيرَتها الأُولـى يقول: فإنا سنعيدها لهيئتها الأولـى التـي كانت علـيها قبل أن نصيّرها حية, ونردّها عصا كما كانت. يقال لكل من كان علـى أمر فتركه, وتـحوّل عنه ثم راجعه: عاد فلان سيرته الأولـى, وعاد لسيرته الأولـى, وعاد إلـى سيرته الأولـى. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك, قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
18164ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله سِيرَتها الأُولـى يقول: حالتها الأولـى.
18165ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد سِيرَتها الأُولـى قال: هيئتها.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد, مثله.
18166ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, عن وهب بن منبه سَنُعِيدُها سِيرَتها الأُولـى أي سنردّها عصا كما كانت.
18167ـ حدثنا بِشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة سَنُعِيدُها سِيرَتها الأُولـى قال: إلـى هيئتها الأولـى.
الآية : 22 و 23
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَىَ جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوَءٍ آيَةً أُخْرَىَ * لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَىَ }.
يقول تعالـى ذكره: واضمـم يا موسى يدك, فضعها تـحت عضدك والـجناحان هما الـيدان, كذلك رُوي الـخبر عن أبـي هُريرة وكعب الأحبـار. وأما أهل العربـية, فإنهم يقولون: هما الـجنبـان. وكان بعضهم يستشهد لقوله ذلك بقول الراجز:
أضُمّهُ للصّدْرِ والـجَناحِ
وبنـحو الذي قلنا فـي تأويـل ذلك, قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
18168ـ حدثنا مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: إلـى جَناحِكَ قال: كفه تـحت عضده.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد, مثله.
الآية : 24 - 30
وقوله: تَـخْرُجْ بَـيْضَاءَ مِنْ غيرِ سُوءٍ ذكر أن موسى علـيه السلام كان رجلا آدم, فأدخـل يده فـي جيبه, ثم أخرجها بـيضاء من غير سوء, من غير برص, مثل الثلـج, ثم ردّها, فخرجت كما كانت علـى لونه.
18169ـ حدثنا بذلك ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, عن وهب بن منبه.
18170ـ حدثنا إسماعيـل بن موسى الفزاري, قال: حدثنا شريك, عن يزيد بن أبـي زياد, عن مقسم, عن ابن عبـاس, فـي قوله تَـخْرُجْ بَـيْضَاءَ مِنْ غيرِ سُوءٍ قال: من غير برص.
18171ـ حدثنا مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد مِنْ غيرِ سُوءٍ قال: من غير برص.
18172ـ حدثنا الـحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, عن معمر, عن قَتادة, فـي قوله بَـيْضاءَ مِنْ غيرِ سُوءٍ قال: من غير برص.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد, مثله.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة مِنْ غيرِ سُوءٍ قال: من غير برص.
18173ـ حدثنا موسى, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ تَـخْرُجْ بَـيْضَاءَ مِنْ غيرِ سُوءٍ قال: من غير برص.
18174ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله مِنْ غيرِ سُوءٍ قال: من غير برص.
18175ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا حماد بن مسعدة, قال: حدثنا قرة, عن الـحسن فـي قول الله: بَـيْضَاءَ مِنْ غيرِ سُوءٍ قالَ: أخرجها الله من غير سوء, من غير برص, فعلـم موسى أنه لقـي ربه.
وقوله: آيَةً أُخْرَى يقول: وهذه علامة ودلالة أخرى غير الاَية التـي أريناك قبلها من تـحويـل العصا حية تسعى علـى حقـيقة ما بعثناك به من الرسالة لـمن بعثناك إلـيه. ونصب آية علـى اتصالها بـالفعل, إذ لـم يظهر لها ما يرفعها من هذه أو هي. وقوله: لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنا الكُبْرَى يقول تعالـى ذكره: واضمـم يدك يا موسى إلـى جناحك, تـخرج بـيضاء من غير سوء, كي نريك من أدلتنا الكبرى علـى عظيـم سلطاننا وقُدرتنا. وقال: الكبرى, فوحّد, وقد قال: مِنْ آياتِنا كما قال: لَهُ الأسْماءُ الـحُسْنَى وقد بـيّنا ذلك هنالك. وكان بعض أهل البصرة يقول: إنـما قـيـل الكبرى, لأنه أريد بها التقديـم, كأن معناها عنده: لنريك الكبرى من آياتنا.) القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { اذْهَبْ إِلَىَ فِرْعَوْنَ إِنّهُ طَغَىَ * قَالَ رَبّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسّرْ لِيَ أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مّن لّسَانِي * يَفْقَهُواْ قَوْلِي * وَاجْعَل لّي وَزِيراً مّنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي }.
يقول تعالـى ذكره لنبـيه موسى صلوات الله علـيه: اذْهَبْ يا موسى إلـى فِرْعَوْنَ إنّهُ طَغَى يقول: إنه تـجاوز قدره, وتـمرّد علـى ربه وقد بـيّنا معنى الطغيان بـما مضى بـما أغنى عن إعادته, فـي هذا الـموضع وفـي الكلام مـحذوف استغنـي بفهم السامع بـما ذكر منه, وهو قوله: اذْهَبْ إلـى فِرْعَوْنَ إنّهُ طَغَى فـادعه إلـى توحيد الله وطاعته, وإرسال بنـي إسرائيـل معك قالَ رَبّ اشْرَحْ لـي صَدْرِي يقول: ربّ اشرح لـي صدري, لأعي عنك ما تودعه من وحيك, وأجترىء به علـى خطاب فرعون وَيَسّرْ لـي أمْرِي يقول: وسهل علـيّ القـيام بـما تكلفنـي من الرسالة, وتـحملنـي من الطاعة. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك, قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
18176ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قول الله: رَبّ اشْرَحْ لـي صَدْرِي قال: جرأة لـي.
وقوله: وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِـي يقول: وأطلق لسانـي بـالـمنطق, وكانت فـيه فـيـما ذكر عُجمة عن الكلام الذي كان من إلقائه الـجمرة إلـى فـيه يوم همّ فرعون بقتله. ذكر الرواية بذلك عمن قاله:
18177ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن سعيد بن جبـير, فـي قوله: عُقْدَةً مِنْ لِسانِـي قال: عجمة لـجمرة نار أدخـلها فـي فـيه عن أمر امرأة فرعون, تردّ به عنه عقوبة فرعون, حين أخذ موسى بلـحيته وهو لا يعقل, فقال: هذا عدوّ لـي, فقالت له: إنه لا يعقل.
حدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِـي لـجمرة نار أدخـلها فـي فـيه عن أمر امرأة فرعون, تدرأ به عنه عقوبة فرعون, حين أخذ موسى بلـحيته وهو لا يعقل, فقال: هذا عدوّ لـي, فقالت له: إنه لا يعقل, هذا قول سعيد بن جبـير.
18178ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جرَيج, عن مـجاهد, قوله: وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِـي قال: عجمة الـجمرة نار أدخـلها فـي فـيه, عن أمر امرأة فرعون تردّ به عنه عقوبة فرعون حين أخذ بلـحيته.
18179ـ حدثنا موسى, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, قال: لـما تـحرّك الغلام, يعنـي موسى, أورته أمه آسية صبـيا, فبـينـما هي ترقصه وتلعب به, إذ ناولته فرعون, وقالت: خذه فلـما أخذه إلـيه أخذ موسى بلـحيته فنتفها, فقال فرعون: علـيّ بـالذبـاحين, قالت آسية: لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أنْ يَنْفَعَنا أوْ نَتّـخِذَهُ وَلَدا إنـما هو صبـيّ لا يعقل, وإنـما صنع هذا من صبـاه, وقد علـمتَ أنه لـيس فـي أهل مصر أحلـى منى أنا أضع له حلـيا من الـياقوت, وأضع له جمرا, فإن أخذ الـياقوت فهو يعقل فـاذبحه, وإن أخذ الـجمر فإنـما هو صبـيّ فأخرجت له ياقوتها ووضعت له طستا من جمر, فجاء جبرائيـل صلى الله عليه وسلم, فطرح فـي يده جمرة, فطرحها موسى فـي فـيه, فأحرقت لسانه, فهو الذي يقول الله عزّ وجلّ وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِـي يَفْقَهُوا قَوْلـي, فزالت عن موسى من أجل ذلك.
وقوله: يَفْقَهُوا قَوْلـي يقول: يفقهوا عنـي ما أخاطبهم وأراجعهم به من الكلام وَاجْعَلْ لـي وَزِيرا مِنْ أهْلِـي يقول: واجعلـي لـي عونا من أهل بـيتـي هارُون أخِي. وفـي نصب هارون وجهان: أحدهما أن يكون هارون منصوبـا علـى الترجمة عن الوزير.
18180ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, قال: قال ابن عبـاس: كان هارون أكبر من موسى.
الآية : 31 - 35
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِيَ أَمْرِي * كَيْ نُسَبّحَكَ كَثِيراً * وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً * إِنّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيراً }.
يقول تعالـى ذكره مخبرا عن موسى أنه سأل ربه أن يشدد أزره بأخيه هارون. وإنـما يعنـي بقوله: اشْدُدْ بِهِ أزْرِي قوّ ظهري, وأعنّـي به. يقال منه: قد أزر فلان فلانا: إذا أعانه وشدّ ظهره. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك, قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
18181ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: اشْدُدْ بِهِ أزْرِي يقول: أشدد به ظهري.
18182ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: اشْدُدْ بِهِ أزْرِي يقول: اشدد به أمري, وقوّنـي به, فإن لـي به قوّة.
وقوله: وأشْرِكْهُ فِـي أمْرِي يقول: واجعله نبـيا مثل ما جعلتنـي نبـيا, وأرسله معي إلـى فرعون كَيْ نُسَبّحكَ كَثِـيرا يقول: كي نعظمك بـالتسبـيح لك كثـيرا وَنَذكُرَكَ كَثِـيرا فنـحمدك إنّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيرا يقول: إنك كنت ذا بصر بنا لا يخفـى علـيك من أفعالنا شيء.
وذُكر عن عبد الله بن أبـي إسحاق أنه كان يقرأ: «أَشْدُد بِهِ أزْرِي» بفتـح الألف من أشدد «وأُشْرِكْه فِـي أمْرِي» بضم الألف من أشركه, بـمعنى الـخبر من موسى عن نفسه, أنه يفعل ذلك, لا علـى وجه الدعاء. وإذا قرىء ذلك كذلك جزم أشدد وأشرك علـى الـجزاء, أو جواب الدعاء, وذلك قراءة لا أرى القراءة بها, وإن كان لها وجه مفهوم, لـخلافها قراءة الـحجة التـي لا يجوز خلافها
314
312
الآية : 13 و 14
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَىَ * إِنّنِيَ أَنَا اللّهُ لآ إِلَـَهَ إِلآ أَنَاْ فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصّلاَةَ لِذِكْرِيَ }.
اختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك, فقرأته عامة القرّاء الذين قرأوا: «وأنّا» بتشديد النون, و أنا بفتـح الألف من «أنا» ردّا علـى: نودي يا موسى, كأنه معنى الكلام عندهم: نودي يا موسى إنـي أنا ربك, وأنا اخترتك, وبهذه القراءة قرأ ذلك عامّة قرّاء الكوفة. وأما عامة قرّاء الـمدينة والبصرة وبعض أهل الكوفة فقرأوه: وأنا اخْتَرْتُكَ بتـخفـيف النون علـى وجه الـخبر من الله عن نفسه أنه اختاره.
قال أبو جعفر: والصواب من القول فـي ذلك عندي أن يقال: إنهما قراءتان قد قرأ بكلّ واحدة منهما قرّاء أهل العلـم بـالقرآن, مع اتفـاق معنـيـيهما. فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب الصواب فـيه. وتأويـل الكلام: نودي أنّا اخترناك. فـاجتبـيناك لرسالتنا إلـى من نرسلك إلـيه فـاسْتَـمِعْ إلـى ما يُوحَى يقول: فـاستـمع لوحينا الذي نوحيه إلـيك وعه, واعمل به إنّنِـي أنا اللّهُ يقول تعالـى ذكره: إننـي أنا الـمعبود الذي لا تصلـح العبـادة إلاّ له, لا إلَهَ إلاّ أنا فلا تعبد غيري, فإنه لا معبود تـجوز أو تصلـح له العبـادة سواي فـاعْبُدْنِـي يقول: فأخـلص العبـادة لـي دون كلّ ما عبد من دونـي وأقِمِ الصّلاةَ لِذِكْرِي.
واختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك فقال بعضهم: معنى ذلك: أقم الصلاة لـي فإنك إذا أقمتها ذكرتنـي. ذكر من قال ذلك:
18137ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قوله: أقِمِ الصّلاةَ لِذِكْرِي قال: إذا صلـى ذكر ربه.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد, قوله وَأقِمِ الصّلاةَ لِذِكْرِي قال: إذا ذكر عَبَد ربه.
قال آخرون: بل معنى ذلك: وأقم الصلاة حين تذكرها.ذكر من قال ذلك:
18138ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا سفـيان, عن مُغيرة, عن إبراهيـم فـي قوله: وأقِمِ الصّلاةَ لِذِكْرِي قال: يصلـيها حين يذكرها.
18139ـ حدثنـي أحمد بن عبد الرحمن بن وهب, قال: ثنـي عمي عبد الله بن وهب, قال: ثنـي ويونس ومالك بن شهاب, قال: أخبرنـي سعيد بن الـمسيب, عن أبـي هريرة, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ نَسِيَ صَلاةً فَلْـيُصَلّها إذَا ذَكَرَها, قال اللّهُ: أقِمِ الصّلاةَ لِذِكْرِي». وكان الزهري يقرؤها: أقِمِ الصّلاةَ لِذِكْرِي بـمنزلة فعلـى.
قال أبو جعفر: وأولـى التأويـلـين فـي ذلك بـالصواب تأويـل من قال: معناه: أقم الصلاة لتذكرنـي فـيها, لأن ذلك أظهر معنـيـيه ولو كان معناه: حين تذكرها, لكان التنزيـل: أقم الصلاة لذكركها. وفـي قوله: لِذِكْرِي دلالة بـينة علـى صحة ما قال مـجاهد فـي تأويـل ذلك ولو كانت القراءة التـي ذكرناها عن الزهري قراءة مستفـيضة فـي قَراءة الأمصار, كان صحيحا تأويـل من تأوّله بـمعنى: أقم الصلاة حين تذكرها, وذلك أن الزهري وجّه بقراءته أقِمِ الصّلاةَ لِذِكْرَى بـالألف لا بـالإضافة, إلـى أقم لذكراها, لأن الهاء والألف حذفتا, وهما مرادتان فـي الكلام لـيوفق بـينها وبـين سائر رؤوس الاَيات, إذ كانت بـالألف والفتـح. ولو قال قائل فـي قراءة الزهري هذه التـي ذكرنا عنه, إنـما قصد الزهري بفتـحها تصيـيره الإضافة ألفـا للتوفـيق بـينه وبـين رؤوس الاَيات قبله وبعده, لأنه خالف بقراءته ذلك كذلك من قرأه بـالإضافة, وقال: إنـما ذلك كقول الشاعر:
أُطَوّفُ ما أُطَوّفُ ثُمّ آوِيإلـى أُمّا وَيُرْوِينِـي النّقِـيعُ
وهو يريد: إلـى أمي, وكقول العرب: يا أبـا وأما, وهي تريد: يا أبـي وأمي, كان له بذلك مقال.
الآية : 15 و 16
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { إِنّ السّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَىَ كُلّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَىَ * فَلاَ يَصُدّنّكَ عَنْهَا مَن لاّ يُؤْمِنُ بِهَا وَاتّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَىَ }.
يقول تعالـى ذكره: إن الساعة التـي يبعث الله فـيها الـخلائق من قبورهم لـموقـف القـيامة جائية أكادُ أُخْفِـيها فعلـى ضمّ الألف من أخفـيها قراءة جميع قرّاء أمصار الإسلام, بـمعنى: أكاد أخفـيها من نفسي, لئلا يطلع علـيها أحد, وبذلك جاء تأويـل أكثر أهل العلـم. ذكر من قال ذلك:
18140ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: أكادُ أُخْفِـيها يقول: لا أظهر علـيها أحدا غيري.
18141ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: إنّ السّاعَةَ آتِـيَةٌ أكادُ أُخْفِـيها قال: لا تأتـيكم إلاّ بغتة.
18142ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا سفـيان, عن لـيث, عن مـجاهد إنّ السّاعَةَ آتِـيَةٌ أكادُ أُخْفِـيها قال: من نفسي.
حدثنا مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قول الله: أكادُ أُخْفِـيها قال: من نفسي.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, مثله.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن عطاء بن السائب, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس أكادُ أُخْفِـيها قال: من نفسي.
18143ـ حدثنـي عبد الأعلـى بن واصل, قال: حدثنا مـحمد بن عبـيد الطنافسي, قال: حدثنا إسماعيـل بن أبـي خالد, عن أبـي صالـح, فـي قوله: أكادُ أُخْفِـيها قال: يخفـيها من نفسه.
18144ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة, قوله: أكادُ أُخْفِـيها وهي فـي بعض القراءة: «أخفـيها من نفسي». ولعمري لقد أخفـاها الله من الـملائكة الـمقرّبـين, ومن الأنبـياء الـمرسلـين.
حدثنا الـحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قَتادة, قال: فـي بعض الـحروف: «إنّ السّاعَةَ آتِـيَةٌ أكادُ أُخْفِـيها مِنْ نَفْسِي».
وقال آخرون: إنـما هو: «أكادُ أَخْفِـيها» بفتـح الألف من أَخفـيها بـمعنى: أظهرها. ذكر من قال ذلك:
18145ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يحيى بن واضح, قال: حدثنا مـحمد بن سهل, قال: سألنـي رجل فـي الـمسجد عن هذا البـيت.
دَابَ شَهْرَيْنِ ثُمّ شَهْرا دَمِيكابِأرِيكَيْنِ يَخْفـيانِ غَمِيرا
فقلت: يظهران, فقال ورقاء بن إياس وهو خـلفـي: أقرأنـيها سعيد بن جبـير: «أكادُ أَخْفِـيها» بنصب الألف.
وقد رُوي عن سعيد بن جبـير وفـاق لقول الاَخرين الذين قالوا: معناه: أكاد أخفـيها من نفسي. ذكر الرواية عنه بذلك:
18146ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن عطاء, عن سعيد بن جبـير ومنصور, عن مـجاهد, قالا إنّ السّاعَةَ آتِـيَةٌ أكادُ أُخْفِـيها قالا: من نفسي.
حدثنـي عبـيد بن إسماعيـل الهبـاري, قال: حدثنا ابن فضيـل, عن عطاء بن السائب, عن سعيد بن جبـير أكادُ أُخْفِـيها قال: من نفسي.
قال أبو جعفر: والذي هو أولـى بتأويـل الاَية من القول, قول من قال: معناه: أكاد أخفـيها من نفسي, لأن تأويـل أهل التأويـل بذلك جاء. والذي ذُكر عن سعيد بن جبـير من قراءة ذلك بفتـح الألف قراءة لا أستـجيز القراءة بها لـخلافها قراءة الـحجة التـي لا يجوز خلافها فـيـما جاءت به نقلاً مستفـيضا.
فإن قال قائل: ولـم وجهت تأويـل قوله أكادُ أُخْفِـيها بضم الألف إلـى معنى: أكاد أخفـيها من نفسي, دون توجيهه إلـى معنى: أكاد أظهرها, وقد علـمت أن للإخفـاء فـي كلام العرب وجهين: أحدهما الإظهار, والاَخر الكتـمان وأن الإظهار فـي هذا الـموضع أشبه بـمعنى الكلام, إذ كان الإخفـاء من نفسه يكاد عند السامعين أن يستـحيـل معناه, إذ كان مـحالاً أن يخفـي أحد عن نفسه شيئا هو به عالـم, والله تعالـى ذكره لا يخفـى علـيه خافـية؟ قـيـل: الأمر فـي ذلك بخلاف ما ظننت, وإنـما وجّهنا معنى أُخْفِـيها بضمّ الألف إلـى معنى: أسترها من نفسي, لأن الـمعروف من معنى الإخفـاء فـي كلام العرب: الستر. يقال: قد أخفـيت الشيء: إذا سترته. وأن الذين وجّهوا معناه إلـى الإظهار, اعتـمدوا علـى بـيت لامرىء القـيس ابن عابس الكندي.
18147ـ حُدثت عن معمر بن الـمثنى أنه قال: أنشدنـيه أبو الـخطاب, عن أهله فـي بلده:
فإنْ تُدْفِنُوا الدّاءَ لا نُـخْفِهِوإنْ تَبْعَثُوا الـحَرْبَ لا نَقْعُدُ
بضمّ النون من لا نـخفه, ومعناه: لا نظهره, فكان اعتـمادهم فـي توجيه الإخفـاء فـي هذا الـموضع إلـى الإظهار علـى ما ذكروا من سماعهم هذا البـيت, علـى ما وصفت من ضم النون من نـخفه. وقد أنشدنـي الثقة عن الفرّاء:
فإنْ تَدْفِنُوا الدّاءَ لا نَـخْفِهِ
بفتـح النون من نـخفه, من خفـيته أخفـيه, وهو أولـى بـالصواب لأنه الـمعروف من كلام العرب. فإذا كان ذلك كذلك, وكان الفتـح فـي الألف من أَخفـيها غير جائز عندنا لـما ذكرنا, ثبت وصحّ الوجه الاَخر, وهو أن معنى ذلك: أكاد استرها من نفسي.
وأما وجه صحة القول فـي ذلك, فهو أن الله تعالـى ذكره خاطب بـالقرآن العرب علـى ما يعرفونه من كلامهم وجرى به خطابهم بـينهم فلـما كان معروفـا فـي كلامهم أن يقول أحدهم إذا أراد الـمبـالغة فـي الـخبر عن إخفـائه شيئا هو له مسرّ: قد كدت أن أخفـي هذا الأمر عن نفسي من شدّة استسراري به, ولو قدرت أخفـيه عن نفسي أخفـيته, خاطبهم علـى حسب ما قد جرى به استعمالهم فـي ذلك من الكلام بـينهم, وما قد عرفوه فـي منطقهم. وقد قـيـل فـي ذلك أقوال غير ما قلنا, وإنـما اخترنا هذا القول علـى غيره من الأقوال لـموافقة أقوال أهل العلـم من الصحابة والتابعين, إذ كنا لا نستـجيز الـخلاف علـيهم, فـيـما استفـاض القول به منهم, وجاء عنهم مـجيئا يقطع العذر. فأما الذين قالوا فـي ذلك غير قولنا مـمن قال فـيه علـى وجه الانتزاع من كلام العرب, من غير أن يعزوه إلـى إمام من الصحابة أو التابعين, وعلـى وجه يحتـمل الكلام غير وجهه الـمعروف, فإنهم اختلفوا فـي معناه بـينهم, فقال بعضهم: يحتـمل معناه: أريد أخفـيها قال: وذلك معروف فـي اللغة. وذُكر أنه حُكي عن العرب أنهم يقولون: أولئك أصحابـي الذين أكاد أنزل علـيهم, وقال: معناه: لا أنزل إلاّ علـيهم. قال: وحُكي: أكاد أبرح منزلـي: أي ما أبرح منزلـي, واحتـجّ ببـيت أنشده لبعض الشعراء:
كادَتْ وكِدْتُ وَتِلكَ خَيْرُ إرَادَةٍلَوْ عادَ مِنْ عَهْد الصّبـابَةِ ما مَضَى
وقال: يريد: بكادت: أرادت قال: فـيكون الـمعنى: أريد أخفـيها لتـجزى كلّ نفس بـما تسعى. قال: ومـما يُشبه ذلك قول زيد الـخيـل:
سَرِيعٌ إلـى الهَيْجاءِ شاكٍ سِلاحُهُفَمَا إنْ يَكادُ قِرْنُهُ يَتَنَفّسُ
وقال: كأنه قال: فما يتنفس قرنه, وإلا ضعف الـمعنى قال: وقال ذو الرّمّة:
إذا غَيّرَ النّأْيُ الـمُـحِبّـينَ لَـمْ يَكَدْرَسِيسُ الهَوَى مِنْ حُبّ مَيّةَ يَبْرَحُ
قال: ولـيس الـمعنى: لـم يكد يبرح: أي بعد يُسر, ويبرح بعد عُسر وإنـما الـمعنى: لـم يبرح, أو لـم يرد يبرح, وإلا ضعف الـمعنى قال: وكذلك قول أبـي النـجم:
وَإنْ أتاكَ نَعِيّ فـانْدُبَنّ أبـاقَدْ كادَ يَضْطَلِعُ الأعْداءَ والـخُطَبَـا
وقال: يكون الـمعنى: قد اضطلع الأعداء, وإلاّ لـم يكن مدحا إذا أراد كاد ولـم يرد يفعل.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: إن الساعة آتـية أكاد, قال: وانتهى الـخبر عند قوله أكاد لأن معناه: أكاد أن آتـي بها قال: ثم ابتدأ فقال: ولكنـي أخفـيها لتـجزى كلّ نفس بـما تسعى. قال: وذلك نظير قول ابن ضابىء:
هَمَـمْتُ ولَـمْ أفْعَلْ وكِدْتُ ولَـيْتَنِـيتَرَكْتُ علـى عُثمانَ تَبْكِي أقارِبُهُ
فقال: كدت, ومعناه: كدت أفعل.
وقال آخرون: معنى أُخفـيها: أظهرها, وقالوا: الإخفـاء والإسرار قد توجههما العرب إلـى معنى الإظهار, واستشهد بعضهم لقـيـله ذلك ببـيت الفرزدق:
فَلَـمّا رأى الـحَجّاجَ جَرّدَ سَيْفَهُأسَرّ الـحَرُورِيّ الّذِي كانَ أضْمَرَا
وقال: عَنَى بقوله: أسرّ: أظهر. قال: وقد يجوز أن يكون معنى قوله: وأسَرّوا النّدَامَةَ وأظهروها. قال: وذلك أنهم قالوا: يا لَـيْتَنا نُرَدّ وَلا نُكَذّبَ بآياتِ رَبّنا. وقال جميع هؤلاء الذين حكينا قولهم جائز أن يكون قول من قال: معنى ذلك: أكاد أخفـيها من نفسي, أن يكون أراد: أخفـيها من قِبلـي ومن عندي. وكلّ هذه الأقوال التـي ذكرنا عمن ذكرنا توجيه منهم للكلام إلـى غير وجهه الـمعروف, وغير جائز توجيه معانـي كلام الله إلـى غير الأغلب علـيه من وجوهه عند الـمخاطبـين به, ففـي ذلك مع خلافهم تأويـل أهل العلـم فـيه شاهد عدل علـى خطأ ما ذهبوا إلـيه فـيه.
وقوله: لِتُـجْزَى كُلّ نَفْسٍ بِـمَا تَسْعَى يقول تعالـى ذكره: إن الساعة آتـية لتـجزى كلّ نفس يقول: لتثاب كلّ نفس امتـحنها ربها بـالعبـادة فـي الدنـيا بـما تسعى, يقول: بـما تعمل من خير وشرّ, وطاعة ومعصية. وقوله: فَلاَ يَصُدّنّكَ عَنْها يقول تعالـى ذكره: فلا يردّنك يا موسى عن التأهّب للساعة, من لا يؤمن بها, يعنـي: من لا يقرّ بقـيام الساعة, ولا يصدّق بـالبعث بعد الـمـمات, ولا يرجو ثوابـا, ولا يخاف عقابـا. وقوله: وَاتّبَعَ هَوَاهُ يقول: اتبع هوى نفسه, وخالف أمر الله ونهيه فَترْدَى يقول: فتهلك إن أنت أنصددت عن التأهّب للساعة, وعن الإيـمان بها, وبأن الله بـاعث الـخـلق لقـيامها من قبورهم بعد فنائهم بصدّ من كفر بها. وكان بعضهم يزعم أن الهاء والألف من قوله فَلا يَصُدّنّك عَنْها كناية عن ذكر الإيـمان, قال: وإنـما قـيـل عنها وهي كناية عن الإيـمان كما قـيـل إنّ رَبّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيـمٌ يذهب إلـى الفعلة, ولـم يجر للإيـمان ذكر فـي هذا الـموضع, فـيجعل ذلك من ذكره, وإنـما جرى ذكر الساعة, فهو بأن يكون من ذكرها أولـى.
الآية : 17
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَمُوسَىَ }.
يقول تعالـى ذكره: وما هذه التـي فـي يـمينك يا موسى؟ فـالبـاء فـي قوله بِـيَـمِينِكَ من صلة تلك, والعرب تصل تلك وهذه كما تصل الذي ومنه قول يزيد بن مفرغ:
عَدسْ ما لِعَبّـادٍ عَلَـيْكِ إمارَةٌأمِنْتِ وَهَذَا تَـحْمَلِـينَ طَلِـيقُ
كأنه قال: والذي تـحملـين طلـيق.
ولعلّ قائلاً أن يقول: وما وجه استـخبـار الله موسى عما فـي يده؟ ألـم يكن عالـما بأن الذي فـي يده عصا؟ قـيـل له: إن ذلك علـى غير الذي ذهبتَ إلـيه, وإنـما قال ذلك عزّ ذكره له إذا أراد أن يحوّلها حية تسعى, وهي خشبة, فنبهه علـيها, وقرّره بأنها خشبة يتوكأ علـيها, ويهشّ بها علـى غنـمه, لـيعرّفه قُدرته علـى ما يشاء, وعظم سلطانه, ونفـاذ أمره فـيـما أحبّ بتـحويـله إياها حيّة تسعى, إذا أراد ذلك به لـيجعل ذلك لـموسى آية مع سائر آياته إلـى فرعون وقومه.
الآية : 18
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشّ بِهَا عَلَىَ غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَىَ }.
يقول تعالـى ذكره مخبرا عن موسى: قال موسى مـجيبـا لربه: هِيَ عَصَايَ أتَوَكّأُ عَلَـيْها وأهُشّ بِها عَلـى غَنَـمِي يقول: أضرب بها الشجر الـيابس فـيسقط ورقها وترعاه غنـمي, يقال منه: هشّ فلان الشجر يهشّ هشا: إذا اختبط ورق أغصانها فسقط ورقها كما قال الراجز:
أهُشّ بـالْعْصَا عَلـى أغْنامِيمِنْ ناعِمِ الأَرَاكِ والْبَشامِ
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك, قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
18148ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قَتادة, فـي قوله: وأهُشّ بِها عَلـى غَنَـمِي قال: أخبط بها الشجر.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وأهُشّ بِها عَلـى غَنَـمِي قال: أخبط.
حدثنا بِشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وأهُشّ بِها عَلـى غَنَـمي قال: كان نبـيّ الله موسى صلى الله عليه وسلم يهشّ علـى غنـمه ورق الشجر.
18149ـ حدثنـي موسى, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ وأَهُشّ بِها عَلـى غَنَـمِي يقول: أضرب بها الشجر للغنـم, فـيقع الورق.
18150ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: هيَ عَصَايَ أتَوَكّأُ عَلَـيْها وأهُشّ بِها عَلـى غَنَـمي قال: يتوكأ علـيها حين يـمشي مع الغنـم, ويهشّ بها, ويحرّك الشجر حتـى يسقط الورق الـحبَلة وغيرها.
18151ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يحيى بن واضح, قال: حدثنا الـحسن, عن عكرمة وأهُشّ بِها عَلـى غَنَـمِي قال: أضرب بها الشجر, فـيسقط من ورقها علـيّ.
حدثنـي عبد الله بن أحمد بن شبويه, قال: حدثنا علـيّ بن الـحسن, قال: حدثنا حسين, قال: سمعت عكرِمة يقول وأهُشّ بِها عَلـى غَنَـمِي قال: أضرب بها الشجر, فـيتساقط الورق علـى غنـمي.
18152ـ حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا مُعاذ يقول: حدثنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله وأهُشّ بِـا عَلـى غَنَـمِي يقول: أضرب بها الشجر حتـى يسقط منه ما تأكل غنـمي.
وقوله: وَلـيَ فـيها مآرِبُ أُخْرَى يقول: ولـي فـي عصاي هذه حوائج أخرى, وهي جمع مأربة, وفـيها للعرب لغات ثلاث: مأرُبة بضم الراء, ومأرَبة بفتـحها, ومأرِبه بكسرها, وهي مفعلة من قولهم: لا أرب لـي فـي هذا الأمر: أي لا حاجة لـي فـيه. وفـيـل «أخرى» وهن مآرب جمع, ولـم يقل أُخر, كما قـيـل: لَهُ الأسْماءُ الـحُسْنَى وقد بـيّنت العلة فـي توجيه ذلك هنالك. وبنـحو الذي قلنا فـي معنى الـمآرب, قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
18153ـ حدثنا أحمد بن عبدة الضبـي, قال: حدثنا حفص بن جميع, قال: حدثنا سماك بن حرب, عن عكرِمة, عن ابن عبـاس, فـي قوله: وَلـي فِـيها مآرِبُ أُخْرَى قال: حوائج أخرى قد علـمتها.
حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله وَلـي فِـيها مآرِبُ أُخْرَى يقول: حاجة أخرى.
18154ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى عن ابن أبـي نـجيح عن مـجاهد وَلِـيَ فِـيها مآرِبُ أُخْرَى قال: حاجات.
18155ـ حدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبـي نـجيح وَلـيَ فِـيها مآرِبُ أُخْرَى قال: حاجات ومنافع.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد وَلـيَ فِـيها مآرِبُ أُخْرَى قال: حاجات.
18156ـ حدثنا موسى, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ وَلـيَ فِـيها مآرِبُ أُخْرَى يقول: حوائج أخرى أحمل علـيها الـمزود والسقاء.
18157ـ حدثنا بِشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَلـيَ فِـيها مآرِبُ أُخْرَى قال: حوائج أخرى.
حدثنا الـحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قَتادة, فـي قوله وَلـيَ فِـيها مآرِبُ أُخْرَى قال: حاجات منافع أخرى.
18158ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, عن وهب بن منبه وَلـيَ فِـيها مآرِبُ أُخْرَى: أي منافع أخرى.
18159ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وَلـيَ فِـيها مآرِبُ أُخْرَى قال: حوائج أخرى سوى ذلك.
18160ـ حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: حدثنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله مآرِبُ أُخْرَى قال: حاجات أخرى.
الآية : 19 - 21
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { قَالَ أَلْقِهَا يَمُوسَىَ * فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيّةٌ تَسْعَىَ * قَالَ خُذْهَا وَلاَ تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيَرتَهَا الاُولَىَ }.
يقول تعالـى ذكره: قال الله لـموسى: ألق عصاك التـي بـيـمينك يا موسى, يقول الله جل جلاله: فألقاها موسى, فجعلها الله حية تسعى, وكانت قبل ذلك خشبة يابسة, وعصا يتوكأ علـيها ويهشّ بها علـى غنـمه, فصارت حية بأمر الله, كما:
18161ـ حدثنا أحمد بن عبدة الضبـي, قال: حدثنا حفص بن جميع, قال: حدثنا سماك بن حرب, عن عكرِمة, عن ابن عبـاس قال: لـما قـيـل لـموسى: ألقها يا موسى, ألقاها فإذَا هِيَ حَيّةٌ تَسْعَى ولـم تكن قبل ذلك حية قال: فمرّت بشجرة فأكلتها, ومرّت بصخرة فـابتلعتها قال: فجعل موسى يسمع وقع الصخرة فـي جوفها قال: فولـى مدبرا, فنودي أن يا موسى خذها, فلـم يأخذها ثم نودي الثانـية: أن خُذْهَا وَلا تـخفْ, فلـم يأخذها فقـيـل له فـي الثالثة: إنّكَ مِنَ الاَمِنِـين فأخذها.
18162ـ حدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, قال: قال له, يعنـي لـموسى ربه: ألْقِها يا مُوسَى يعنـي فألْقاها فإذَا هِيَ حَيّةٌ تَسْعَى فلَـمّا رآها تَهْتَزّ كأنّها جانّ وَلّـى مُدْبِرا ولَـمْ يُعَقّبْ فنودي: يا مُوسَى لا تَـخَفّ إنّـي لا يَخافُ لَدَيّ الـمُرْسَلُونَ.
18163ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, عن وهب بن منبه, قال ألْقِها يا مُوسَى فألْقاها فإذَا هِيَ حَيّةٌ تَسْعَى تهتزّ, لها أنـياب وهيئة كما شاء الله أن تكون, فرأى أمرا فظيعا, فولـى مُدْبِرا, ولَـم يُعقّب فناداه ربه: يا مُوسَى أقبلْ وَلا تـخفْ سَنُعِيدُها سِيرَتها الأُولـى.
وقوله: قالَ خُذْها وَلا تَـخَفْ يقول تعالـى ذكره قال الله لـموسى: خذ الـحية, والهاء والألف من ذكر الـحية. وَلا تَـخَفْ يقول: ولا تـخف من هذه الـحية سَنُعِيدُها سِيرَتها الأُولـى يقول: فإنا سنعيدها لهيئتها الأولـى التـي كانت علـيها قبل أن نصيّرها حية, ونردّها عصا كما كانت. يقال لكل من كان علـى أمر فتركه, وتـحوّل عنه ثم راجعه: عاد فلان سيرته الأولـى, وعاد لسيرته الأولـى, وعاد إلـى سيرته الأولـى. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك, قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
18164ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله سِيرَتها الأُولـى يقول: حالتها الأولـى.
18165ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد سِيرَتها الأُولـى قال: هيئتها.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد, مثله.
18166ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, عن وهب بن منبه سَنُعِيدُها سِيرَتها الأُولـى أي سنردّها عصا كما كانت.
18167ـ حدثنا بِشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة سَنُعِيدُها سِيرَتها الأُولـى قال: إلـى هيئتها الأولـى.
الآية : 22 و 23
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَىَ جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوَءٍ آيَةً أُخْرَىَ * لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَىَ }.
يقول تعالـى ذكره: واضمـم يا موسى يدك, فضعها تـحت عضدك والـجناحان هما الـيدان, كذلك رُوي الـخبر عن أبـي هُريرة وكعب الأحبـار. وأما أهل العربـية, فإنهم يقولون: هما الـجنبـان. وكان بعضهم يستشهد لقوله ذلك بقول الراجز:
أضُمّهُ للصّدْرِ والـجَناحِ
وبنـحو الذي قلنا فـي تأويـل ذلك, قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
18168ـ حدثنا مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: إلـى جَناحِكَ قال: كفه تـحت عضده.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد, مثله.
الآية : 24 - 30
وقوله: تَـخْرُجْ بَـيْضَاءَ مِنْ غيرِ سُوءٍ ذكر أن موسى علـيه السلام كان رجلا آدم, فأدخـل يده فـي جيبه, ثم أخرجها بـيضاء من غير سوء, من غير برص, مثل الثلـج, ثم ردّها, فخرجت كما كانت علـى لونه.
18169ـ حدثنا بذلك ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, عن وهب بن منبه.
18170ـ حدثنا إسماعيـل بن موسى الفزاري, قال: حدثنا شريك, عن يزيد بن أبـي زياد, عن مقسم, عن ابن عبـاس, فـي قوله تَـخْرُجْ بَـيْضَاءَ مِنْ غيرِ سُوءٍ قال: من غير برص.
18171ـ حدثنا مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد مِنْ غيرِ سُوءٍ قال: من غير برص.
18172ـ حدثنا الـحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, عن معمر, عن قَتادة, فـي قوله بَـيْضاءَ مِنْ غيرِ سُوءٍ قال: من غير برص.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد, مثله.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة مِنْ غيرِ سُوءٍ قال: من غير برص.
18173ـ حدثنا موسى, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ تَـخْرُجْ بَـيْضَاءَ مِنْ غيرِ سُوءٍ قال: من غير برص.
18174ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله مِنْ غيرِ سُوءٍ قال: من غير برص.
18175ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا حماد بن مسعدة, قال: حدثنا قرة, عن الـحسن فـي قول الله: بَـيْضَاءَ مِنْ غيرِ سُوءٍ قالَ: أخرجها الله من غير سوء, من غير برص, فعلـم موسى أنه لقـي ربه.
وقوله: آيَةً أُخْرَى يقول: وهذه علامة ودلالة أخرى غير الاَية التـي أريناك قبلها من تـحويـل العصا حية تسعى علـى حقـيقة ما بعثناك به من الرسالة لـمن بعثناك إلـيه. ونصب آية علـى اتصالها بـالفعل, إذ لـم يظهر لها ما يرفعها من هذه أو هي. وقوله: لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنا الكُبْرَى يقول تعالـى ذكره: واضمـم يدك يا موسى إلـى جناحك, تـخرج بـيضاء من غير سوء, كي نريك من أدلتنا الكبرى علـى عظيـم سلطاننا وقُدرتنا. وقال: الكبرى, فوحّد, وقد قال: مِنْ آياتِنا كما قال: لَهُ الأسْماءُ الـحُسْنَى وقد بـيّنا ذلك هنالك. وكان بعض أهل البصرة يقول: إنـما قـيـل الكبرى, لأنه أريد بها التقديـم, كأن معناها عنده: لنريك الكبرى من آياتنا.) القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { اذْهَبْ إِلَىَ فِرْعَوْنَ إِنّهُ طَغَىَ * قَالَ رَبّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسّرْ لِيَ أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مّن لّسَانِي * يَفْقَهُواْ قَوْلِي * وَاجْعَل لّي وَزِيراً مّنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي }.
يقول تعالـى ذكره لنبـيه موسى صلوات الله علـيه: اذْهَبْ يا موسى إلـى فِرْعَوْنَ إنّهُ طَغَى يقول: إنه تـجاوز قدره, وتـمرّد علـى ربه وقد بـيّنا معنى الطغيان بـما مضى بـما أغنى عن إعادته, فـي هذا الـموضع وفـي الكلام مـحذوف استغنـي بفهم السامع بـما ذكر منه, وهو قوله: اذْهَبْ إلـى فِرْعَوْنَ إنّهُ طَغَى فـادعه إلـى توحيد الله وطاعته, وإرسال بنـي إسرائيـل معك قالَ رَبّ اشْرَحْ لـي صَدْرِي يقول: ربّ اشرح لـي صدري, لأعي عنك ما تودعه من وحيك, وأجترىء به علـى خطاب فرعون وَيَسّرْ لـي أمْرِي يقول: وسهل علـيّ القـيام بـما تكلفنـي من الرسالة, وتـحملنـي من الطاعة. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك, قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
18176ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قول الله: رَبّ اشْرَحْ لـي صَدْرِي قال: جرأة لـي.
وقوله: وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِـي يقول: وأطلق لسانـي بـالـمنطق, وكانت فـيه فـيـما ذكر عُجمة عن الكلام الذي كان من إلقائه الـجمرة إلـى فـيه يوم همّ فرعون بقتله. ذكر الرواية بذلك عمن قاله:
18177ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن سعيد بن جبـير, فـي قوله: عُقْدَةً مِنْ لِسانِـي قال: عجمة لـجمرة نار أدخـلها فـي فـيه عن أمر امرأة فرعون, تردّ به عنه عقوبة فرعون, حين أخذ موسى بلـحيته وهو لا يعقل, فقال: هذا عدوّ لـي, فقالت له: إنه لا يعقل.
حدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِـي لـجمرة نار أدخـلها فـي فـيه عن أمر امرأة فرعون, تدرأ به عنه عقوبة فرعون, حين أخذ موسى بلـحيته وهو لا يعقل, فقال: هذا عدوّ لـي, فقالت له: إنه لا يعقل, هذا قول سعيد بن جبـير.
18178ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جرَيج, عن مـجاهد, قوله: وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِـي قال: عجمة الـجمرة نار أدخـلها فـي فـيه, عن أمر امرأة فرعون تردّ به عنه عقوبة فرعون حين أخذ بلـحيته.
18179ـ حدثنا موسى, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, قال: لـما تـحرّك الغلام, يعنـي موسى, أورته أمه آسية صبـيا, فبـينـما هي ترقصه وتلعب به, إذ ناولته فرعون, وقالت: خذه فلـما أخذه إلـيه أخذ موسى بلـحيته فنتفها, فقال فرعون: علـيّ بـالذبـاحين, قالت آسية: لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أنْ يَنْفَعَنا أوْ نَتّـخِذَهُ وَلَدا إنـما هو صبـيّ لا يعقل, وإنـما صنع هذا من صبـاه, وقد علـمتَ أنه لـيس فـي أهل مصر أحلـى منى أنا أضع له حلـيا من الـياقوت, وأضع له جمرا, فإن أخذ الـياقوت فهو يعقل فـاذبحه, وإن أخذ الـجمر فإنـما هو صبـيّ فأخرجت له ياقوتها ووضعت له طستا من جمر, فجاء جبرائيـل صلى الله عليه وسلم, فطرح فـي يده جمرة, فطرحها موسى فـي فـيه, فأحرقت لسانه, فهو الذي يقول الله عزّ وجلّ وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِـي يَفْقَهُوا قَوْلـي, فزالت عن موسى من أجل ذلك.
وقوله: يَفْقَهُوا قَوْلـي يقول: يفقهوا عنـي ما أخاطبهم وأراجعهم به من الكلام وَاجْعَلْ لـي وَزِيرا مِنْ أهْلِـي يقول: واجعلـي لـي عونا من أهل بـيتـي هارُون أخِي. وفـي نصب هارون وجهان: أحدهما أن يكون هارون منصوبـا علـى الترجمة عن الوزير.
18180ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, قال: قال ابن عبـاس: كان هارون أكبر من موسى.
الآية : 31 - 35
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِيَ أَمْرِي * كَيْ نُسَبّحَكَ كَثِيراً * وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً * إِنّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيراً }.
يقول تعالـى ذكره مخبرا عن موسى أنه سأل ربه أن يشدد أزره بأخيه هارون. وإنـما يعنـي بقوله: اشْدُدْ بِهِ أزْرِي قوّ ظهري, وأعنّـي به. يقال منه: قد أزر فلان فلانا: إذا أعانه وشدّ ظهره. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك, قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
18181ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: اشْدُدْ بِهِ أزْرِي يقول: أشدد به ظهري.
18182ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: اشْدُدْ بِهِ أزْرِي يقول: اشدد به أمري, وقوّنـي به, فإن لـي به قوّة.
وقوله: وأشْرِكْهُ فِـي أمْرِي يقول: واجعله نبـيا مثل ما جعلتنـي نبـيا, وأرسله معي إلـى فرعون كَيْ نُسَبّحكَ كَثِـيرا يقول: كي نعظمك بـالتسبـيح لك كثـيرا وَنَذكُرَكَ كَثِـيرا فنـحمدك إنّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيرا يقول: إنك كنت ذا بصر بنا لا يخفـى علـيك من أفعالنا شيء.
وذُكر عن عبد الله بن أبـي إسحاق أنه كان يقرأ: «أَشْدُد بِهِ أزْرِي» بفتـح الألف من أشدد «وأُشْرِكْه فِـي أمْرِي» بضم الألف من أشركه, بـمعنى الـخبر من موسى عن نفسه, أنه يفعل ذلك, لا علـى وجه الدعاء. وإذا قرىء ذلك كذلك جزم أشدد وأشرك علـى الـجزاء, أو جواب الدعاء, وذلك قراءة لا أرى القراءة بها, وإن كان لها وجه مفهوم, لـخلافها قراءة الـحجة التـي لا يجوز خلافها
الصفحة رقم 313 من المصحف تحميل و استماع mp3