تفسير الطبري تفسير الصفحة 317 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 317
318
316
 الآية : 77
وقوله: وَذلكَ جَزاءُ مَنْ تَزَكّى يقول: وهذه الدرجات العُلـى التـي هي جنات عدن علـى ما وصف جلّ جلاله ثواب من تزكى, يعنـي: من تطهر من الذنوب, فأطاع الله فـيـما أمره, ولـم يدنس نفسه بـمعصيته فـيـما نهاه عنه.)
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { وَلَقَدْ أَوْحَيْنَآ إِلَىَ مُوسَىَ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لاّ تَخَافُ دَرَكاً وَلاَ تَخْشَىَ }.
يقول تعالـى ذكره: وَلَقَدْ أوْحَيْنا إلـى نبـينا مُوسَى إذ تابعنا له الـحجج علـى فرعون, فأبى أن يستـجيب لأمر ربه, وطغى وتـمادى فـي طغيانه أنْ أسْرِ لـيلاً بِعبـادِي يعنـي بعبـادي من بنـي إسرائيـل فـاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقا فِـي البَحْرِ يَبَسا يقول: فـاتـخذ لهم فـي البحر طريقا يابسا. والـيَبَس والـيَبْس: يجمع أيبـاس, تقول: وقـفوا فـي أيبـاس من الأرض. والـيَبْس الـمخفف: يجمع يبوس. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك, قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
18277ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله يَبَسا قال: يابسا.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيْج, عن مـجاهد, مثله.
وأما قوله: لا تَـخافُ دَرَكا وَلا تَـخْشَى فإنه يعنـي: لا تـخاف من فرعون وجنوده أن يدركوك من ورائك, ولا تـخشى غرقا من بـين يديك ووَحَلاً. وبنـحو الذي قلنا فـي تأويـل ذلك, قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
18278ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, فـي قوله: لا تـخافُ دَرَكا وَلا تَـخْشَى يقول: لا تـخافُ من آل فرعون دَرَكا وَلا تَـخْشِى مِنَ البَحْرِ غرقا.
18279ـ حدثنا بِشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة لا تَـخافُ دَرَكا وَلا تَـخْشَى يقول: لا تـخاف أن يدركك فرعون من بعدك ولا تـخشى الغرق أمامك.
18280ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, قال: قال ابن جُرَيْج: قال أصحاب موسى: هذا فرعون قد أدركنا, وهذا البحر قد غشينا, فأنزل الله: لا تَـخافُ دَرَكا أصحاب فرعون وَلا تَـخْشَى من البحر وحلاً.
18281ـ حدثنـي أحمد بن الولـيد الرملـي, قال: حدثنا عمرو بن عون, قال: حدثنا هشيـم, عن بعض أصحابه, فـي قوله: لا تَـخافُ دَرَكا وَلا تَـخْشَى قال: الوَحَل.
واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله لا تَـخافُ دَرَكا فقرأته عامّة قرّاء الأمصار غير الأعمش وحمزة: لا تَـخافُ دَرَكا علـى الاستئناف بلا, كما قال: وَاصْطَبِرْ عَلَـيْها لا نَسألُكَ رِزْقا فرفع, وأكثر ما جاء فـي هذا الأمر الـجواب مع «لا». وقرأ ذلك الأعمش وحمزة «لا تَـخَفْ دَرَكا» فجزما لا تـخاف علـى الـجزاء, ورفعا وَلا تَـخْشَى علـى الاستئناف, كما قال جلّ ثناؤه: يُوَلّوكُمُ الأدْبـارَ ثُمّ لا يُنْصَرُونَ فـاستأنف بثم, ولو نوى بقوله: ولاَ تَـخْشَى الـجزم, وفـيه الـياء, كان جائزا, كما قال الراجز:
هُزّي إلَـيْكِ الـجِذْعَ يَجْنِـيكِ الـجَنى
وأعجب القراءتـين إلـيّ أن أقرأ بها: لا تـخافُ علـى وجه الرفع, لأن ذلك أفصح اللغتـين, وإن كانت الأخرى جائزة. وكان بعض نـحويـي البصرة يقول: معنى قوله: لا تَـخافُ دَرَكا اضرب لهم طريقا لا تـخاف فـيه دركا, قال: وحذف فـيه, كما تقول: زيد أكرمت, وأنت تريد: أكرمته, وكما تقول: وَاتّقُوا يَوْما لا تَـجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئا أي لا تـجزى فـيه. وأما نـحويو الكوفة فإنهم ينكرون حذف فـيه إلا فـي الـمواقـيت, لأنه يصلـح فـيها أن يقال: قمت الـيوم وفـي الـيوم, ولا يجيزون ذلك فـي الأسماء.
الآية : 78 و 79
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مّنَ الْيَمّ مَا غَشِيَهُمْ * وَأَضَلّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَىَ }.
يقول تعالـى ذكره: فسرى موسى ببنـي إسرائيـل إذا أوحينا إلـيه أن أَسْربهم, فأتبعهم فرعون بجنوده حين قطعوا البحر, فغشي فرعون وجنده من الـيـم ما غشيهم, فغرقوا جميعا وَأضَلّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَما هَدَى يقول جلّ ثناؤه: وجاوز فرعون بقومه عن سواء السبـيـل, وأخذ بهم علـى غير استقامة, وذلك أنه سلك بهم طريق أهل النار, بأمرهم بـالكفر بـالله, وتكذيب رسله وَما هَدَى يقول: وما سلك بهم الطريق الـمستقـيـم, وذلك أنه نهاهم عن اتبـاع رسول الله موسى, والتصديق به, فأطاعوه, فلـم يهدهم بأمره إياهم بذلك, ولـم يهتدوا بـاتبـاعهم إياه.
الآية : 80 و 81
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { يَبَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنجَيْنَاكُمْ مّنْ عَدُوّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطّورِ الأيْمَنَ وَنَزّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنّ وَالسّلْوَىَ * كُلُواْ مِن طَيّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلاَ تَطْغَوْاْ فِيهِ فَيَحِلّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَىَ }.
يقول تعالـى ذكره: فلـما نـجا موسى بقومه من البحر, وغَشِيَ فرعون قومه من الـيـم ما غشيهم, قلنا لقوم موسى: يَا بَنِـي إسْرَائِيـلَ قَدْ أنْـجَيْناكُمْ مِنْ عَدُوّكُمْ فرعون وَوَاعَدْناكُمْ جانِبَ الطّورِ الأيـمَنَ وَنَزّلْنا عَلَـيْكُمُ الـمَنّ والسّلْوَى وقد ذكرنا كيف كانت مواعدة الله موسى وقومه جانب الطور الأيـمن. وقد بـيّنا الـمنّ والسلوى بـاختلاف الـمختلفـين فـيهما, وذكرنا الشواهد علـى الصواب من القول فـي ذلك فـيـما مضى قبل, بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع.
واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: قَدْ أْنْـجَيْناكُمْ فكانت عامة قرّاء الـمدينة والبصرة يقرءونه: قَد أنْـجَيْناكُمْ بـالنون والألف وسائر الـحروف الأخر معه كذلك, وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة: «قَدْ أنْـجَيْتُكُمْ» بـالتاء, وكذلك سائر الـحروف الأخر, إلا قوله: وَنَزّلْنا عَلَـيْكُمُ الـمَنّ والسّلْوَى فإنهم وافقوا الاَخرين فـي ذلك وقرءوه بـالنون والألف.
والقول فـي ذلك عندي أنهما قراءتان معروفتان بـاتفـاق الـمعنى, فبأيتهما قرأ القارىء ذلك فمصيب.
وقوله: كُلُوا مِنْ طَيّبـاتِ ما رَزَقْناكُمْ يقول تعالـى ذكره لهم: كلوا يا بنـي إسرائيـل من شهيات رزقنا الذي رزقناكم, وحلاله الذي طيبناه لكم وَلا تَطْغَوْا فِـيهِ يقول: ولا تعتدوا فـيه, ولا يظلـم فـيه بعضكم بعضا, كما:
18282ـ حدثنا علـيّ, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس قول: وَلا تَطْغَوْا فِـيهِ يقول: ولا تظلـموا.
وقوله: فَـيَحِلّ عَلَـيْكُمْ غَضَبِـي يقول: فـينزل علـيكم عقوبتـي, كما:
18283ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد عن قتادة, قوله: فَـيَحلّ عَلَـيْكُمْ غَضَبِـي يقول: فـينزل علـيكم غضبـي.
واختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك, فقرأته عامة قرّاء الـحجاز والـمدينة والبصرة والكوفة فَـيَحِلّ عَلَـيْكُمْ بكسر الـحاء وَمَنْ يَحْلِلْ بكسر اللام. ووجهوا معناه إلـى: فـيجب علـيكم غضبـي. وقرأ ذلك جماعة من أهل الكوفة: «فَـيَحُلّ عَلَـيْكُمْ» بضم الـحاء, ووجهوا تأويـله إلـى ما ذكرنا عن قَتادة من أنه: فـيقع وينزل علـيكم غضبـي.
قال أبو جعفر: والصواب من القول فـي ذلك أنهما قراءتان مشهورتان قد قرأ بكل واحدة منهما علـماء من القرّاء, وقد حذّر الله الذين قـيـل لهم هذا القول من بنـي إسرائيـل وقوع بأسه بهم ونزوله بـمعصيتهم إياه إن هم عصوه, وخوّفهم وجوبه لهم, فسواء قرىء ذلك بـالوقوع أو بـالوجوب, لأنهم كانوا قد خوّفوا الـمعنـيـين كلـيهما.

الآية : 82
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { وَإِنّي لَغَفّارٌ لّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحَاً ثُمّ اهْتَدَىَ }.
يقول تعالـى ذكره: ومن يجب علـيه غضبـي, فـينزل به. فقد هوى, يقول فقد تردّى فشقـي, كما:
18284ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: فَقَدْ هَوَى يقول: فقد شقِـي.
وقوله: وإنّـي لَغَفّـارٌ لِـمَنْ تابَ يقول: وإنـي لذو غفر لـمن تاب من شركه, فرجع منه إلـى الإيـمان لـي وآمن, يقول: وأخـلص لـي الألوهة, ولـم يشرك فـي عبـادته إياي غيري. وَعمِلَ صَالِـحا يقول: وأدّى فرائضي التـي افترضتها علـيه, واجتنب معاصيّ. ثُمّ اهْتَدَى يقول: ثم لزم ذلك, فـاستقام ولـم يضيع شيئا منه.
وبنـحو الذي قلنا فـي تأويـل قوله: وإنّـي لَغَفّرٌ لِـمَنْ تابَ وآمَنَ وَعمِلَ صَالِـحا ثُمّ اهْتَدَى قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
18285ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: وإنّـي لَغَفّـارٌ لِـمَنْ تابَ من الشرك وآمَنَ يقول: وحّد الله وَعمِلَ صَالِـحا يقول: أدّى فرائضي.
18286ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وإنّـي لَغَفّـارٌ لِـمَنْ تابَ من ذنبه وآمَنَ به وَعَمِلَ صَالِـحا فـيـما بـينه وبـين الله.
18287ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن أبـي جعفر الرازيّ, عن الربـيع وإنّـي لَغَفـاّرٌ لِـمَنْ تابَ من الشرك وآمَنَ يقول: وأخـلص لله, وعمل فـي إخلاصه.
واختلفوا فـي معنى قوله: ثُمّ اهْتَدَى فقال بعضهم: معناه: لـم يشكُك فـي إيـمانه. ذكر من قال ذلك:
18288ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: ثُمّ اهْتَدَى يقول: لـم يشكُك.
وقال آخرون: معنى ذلك: ثم لزم الإيـمان والعمل الصالـح. ذكر من قال ذلك:
18289ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة ثُمّ اهْتَدَى يقول: ثم لزم الإسلام حتـى يـموت علـيه.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ثم استقام. ذكر من قال ذلك:
18290ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن أبـي جعفر الرازيّ, عن الربـيع بن أنس ثُمّ اهْتَدَى قال: أخذ بسنة نبـيه صلى الله عليه وسلم.
وقال آخرون: بل معناه: أصاب العمل. ذكر من قال ذلك:
18291ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: وَعمِلَ صَالِـحا ثُمّ اهْتَدَى قال: أصاب العمل.
وقال آخرون: معنى ذلك: عرف أمر مُثـيبه. ذكر من قال ذلك:
18292ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, عن عنبسة, عن الكلبـيّ وإنّـي لَغَفّـارٌ لِـمَنْ تابَ من الذنب وآمَنَ من الشرك وَعمِلَ صَالِـحا أدّى ما افترضت علـيه ثُمّ اهْتَدَى عرف مثـيبه إن خيرا فخيرا, وإن شرّا فشرّا. وقال آخرون بـما:
18293ـ حدثنا إسماعيـل بن موسى الفزاريّ, قال: أخبرنا عمر بن شاكر, قال: سمعت ثابتا البُنانـيّ يقول فـي قوله: وإنّـي لَغَفّـارٌ لِـمَنْ تابَ وآمَنَ وَعمِلَ صَالِـحا ثُمّ اهْتَدَى قال: إلـى ولاية أهل بـيت النبـيّ صلى الله عليه وسلم.
قال أبو جعفر: وإنـما اخترنا القول الذي اخترنا فـي ذلك, من أجل أن الاهتداء هو الاستقامة علـى هدى, ولا معنى للاستقامة علـيه إلا وقد جمعه الإيـمان والعمل الصالـح والتوبة, فمن فعل ذلك وثبت علـيه, فلا شكّ فـي اهتدائه.
الآية : 83 و 84
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { وَمَآ أَعْجَلَكَ عَن قَومِكَ يَمُوسَىَ * قَالَ هُمْ أُوْلآءِ عَلَىَ أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبّ لِتَرْضَىَ }.
يقول تعالـى ذكره: وما أعجلك؟ وأيّ شيء أعجلك عن قومك يا موسى, فتقدمتهم وخـلّفتهم وراءك, ولـم تكن معهم؟ قال هُمْ أُولاءِ عَلـى أَثَرَي يقول: قومي علـى أثري يَـلْـحَقُون بـي. وَعَجِلْتُ إلَـيْكَ رَبّ لِتَرْضَى يقول: وعجلت أنا فسبقتهم ربّ, كيـما ترضى عنـي.
وإنـما قال الله تعالـى ذكره لـموسى: ما أعجلك عن قومك؟ لأنه جلّ ثناؤه, فـيـما بلغنا, حين نـجاه وبنـي إسرائيـل من فرعون وقومه, وقطع بهم البحر, وعدَهم جانب الطور الأيـمن, فتعجّل موسى إلـى ربه, وأقام هارون من بنـي إسرائيـل, يسير بهم علـى أثر موسى. كما:
18294ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, قال: وعد الله موسى حين أهلك فرعون وقومه ونـجاه وقومه, ثلاثـين لـيـلة, ثم أتـمها بعشر, فتـمّ ميقات ربه أربعين لـيـلة, تلقاه فـيها بـما شاء, فـاستـخـلف موسى هارون من بنـي إسرائيـل, ومعه السامريّ, يسير بهم علـى أثر موسى لـيـلـحقهم به, فلـما كلـم الله موسى, قال له ما أعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا موسى قالَ هُمْ أُولاءِ عَلـى أثَرِي وَعَجِلْتُ إلَـيْكَ رَبّ لِتَرْضَى.
18295ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: وَعَجِلْتُ إلَـيْكَ رَبّ لِتَرْضَى قال: لأرضيك.

الآية : 85 و 86
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { قَالَ فَإِنّا قَدْ فَتَنّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وَأَضَلّهُمُ السّامِرِيّ * فَرَجَعَ مُوسَىَ إِلَىَ قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ يَقَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدتّمْ أَن يَحِلّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مّن رّبّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مّوْعِدِي }.
يقول الله تعالـى ذكره قال الله لـموسى: فإنا يا موسى قد ابتلـينا قومك من بعدك بعبـادة العجل, وذلك كان فتنتهم من بعد موسى. ويعنـي بقوله: مِنْ بَعْدِكَ: من بعد فراقك إياهم. يقول الله تبـارك وتعالـى: وأضَلّهُمُ السّامِرِيّ وكان إضلال السامريّ إياهم دعاءه إياهم إلـى عبـادة العجل.
وقوله: فَرَجَعَ مُوسَى إلـى قومه يقول: فـانصرف موسى إلـى قومه من بنـي إسرائيـل بعد انقضاء الأربعين لـيـلة غَضْبـانَ أسِفـا متغيظا علـى قومه, حزينا لـما أحدثوه بعده من الكفر بـالله. كما:
18296ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس قوله: غَضْبـانَ أسِفـا يقول: حزينا. وقال فـي الزخرف: فَلَـمّا آسَفُونا يقول: أغضبونا, والأسف علـى وجهين: الغضب, والـحزن.
18297ـ حدثنـي موسى, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ غَضْبـانَ أسِفـا يقول: حزينا.
18298ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَلَـمّا رَجَعَ مُوسَى إلـى قَوْمِهِ غَضْبـانَ أسِفـا: أي حزينا علـى ما صنع قومه من بعده.
18299ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: أسِفـا قال: حزينا.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج عن ابن جريج, عن مـجاهد, مثله.
وقوله: قالَ يا قَوْمِ أَلْـم يَعِدْكُمْ رَبّكُمْ وَعْدا حَسَنا يقول: ألـم يعدكم ربكم أنه غفـار لـمن تاب وآمن وعمل صالـحا ثم اهتدى, ويعدكم جانب الطور الأيـمن, وينزل علـيكم الـمنّ والسلوى, فذلك وعد الله الـحسن بنـي إسرائيـل الذي قال لهم موسى: ألـم يعدكموه ربكم. وقوله: أفَطالَ عَلَـيْكُمُ الْعَهْدُ أمْ أرَدْتُـمْ أنْ يَحِلّ عَلَـيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبّكُمْ يقول: أفطال علـيكم العهد بـي, وبجميـل نعم الله عندكم, وأياديه لديكم, أم أردتـم أن يحلّ علـيكم غضب من ربكم: يقول: أم أردتـم أن يجب علـيكم غضب من ربكم فتستـحقوه بعبـادتكم العجل, وكفركم بـالله, فأخـلفتـم موعدي. وكان إخلافهم موعده, عكوفهم علـى العجل, وتركهم السير علـى أثر موسى للـموعد الذي كان الله وعدهم, وقولهم لهارون إذ نهاهم عن عبـادة العجل, ودعاهم إلـى السير معه فـي أثر موسى: لَنْ نَبْرَحَ عَلَـيْهِ عاكِفِـينَ حتـى يَرْجِعَ إلَـيْنا مُوسَى