تفسير الطبري تفسير الصفحة 322 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 322
323
321
 سورة الأنبـياء مكيّة
وآياتها اثنتا عشرة ومائة
بِسمِ اللّهِ الرحمَن الرّحِيـمِ

الآية : 1
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { اقْتَرَبَ لِلنّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مّعْرِضُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: دنا حساب الناس علـى أعمالهم التـي عملوها فـي دنـياهم ونعمهم التـي أنعمها علـيهم فـيها فـي أبدانهم, أجسامهم, ومطاعمهم, ومشاربهم, وملابسهم وغير ذلك من نعمه عندهم, ومسئلته إياهم ماذا عملوا فـيها وهل أطاعوه فـيها, فـانتهوا إلـى أمره ونهيه فـي جميعها, أم عصوه فخالفوا أمره فـيها؟ وَهُمْ فـي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ يقول: وهم فـي الدنـيا عما الله فـاعل بهم من ذلك يوم القـيامة, وعن دنوّ مـحاسبته إياهم منهم, واقترابه لهم فـي سهو وغفلة, وقد أعرضوا عن ذلك, فتركوا الفكر فـيه والاستعداد له والتأهب, جهلاً منهم بـما هم لاقوه عند ذلك من عظيـم البلاء وشديد الأهوال.
وبنـحو الذي قلنا فـي تأويـل قوله وَهُمْ فِـي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ قال أهل التأويـل, وجاء الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ذكر من قال ذلك:
18467ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا أبو الولـيد, قال: ثنـي أبو معاوية, قال: أخبرنا الأعمش, عن أبـي صالـح, عن أبـي هريرة, عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم وَهُمْ فِـي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ قال: «فـي الدنـيا»
الآية : 2
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { مَا يَأْتِيهِمْ مّن ذِكْرٍ مّن رّبّهِمْ مّحْدَثٍ إِلاّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: ما يحدث الله من تنزيـل شيء من هذا القرآن للناس ويذكرهم به ويعظهم, إلا استـمعوه وهم يـلعبون لاهية قلوبهم.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
18468ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: ما يَأْتِـيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبّهِمْ مُـحْدَثٍ... الاَية, يقول: ما ينزل علـيهم من شيء من القرآن إلا استـمعوه وهم يـلعبون.

الآية : 3
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { لاَهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرّواْ النّجْوَى الّذِينَ ظَلَمُواْ هَلْ هَـَذَآ إِلاّ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: لاهيَةً قُلُوبُهُمْ غافلة, يقول: ما يستـمع هؤلاء القوم الذين وصف صفتهم هذا القرآن إلا وهم يـلعبون غافلة عنه قلوبهم, لا يتدبرون حكمه ولا يتفكرون فـيـما أودعه الله من الـحجج علـيهم. كما:
18469ـ حدثنا بِشر قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ يقول: غافلة قلوبهم.
وقوله: وأَسَرّوا النّـجْوَى الّذِينَ ظَلَـمُوا يقول: وأسرّ هؤلاء الناس الذين اقتربت الساعة منهم وهم فـي غفلة معرضون, لاهية قلوبهم, النـجوى بـينهم, يقول: وأظهروا الـمناجاة بـينهم فقالوا: هل هذا الذي يزعم أنه رسول من الله أرسله إلـيكم إلاّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ؟ يقولون: هل هو إلا إنسان مثلكم فـي صوركم وخـلقكم؟ يعنون بذلك مـحمدا صلى الله عليه وسلم. وقال الذين ظلـموا فوصفهم بـالظلـم بفعلهم وقـيـلهم الذي أخبر به عنهم فـي هذه الاَيات إنهم يفعلون ويقولون من الإعراض عن ذكر الله والتكذيب برسوله. ول «الّذين» من قوله: وأسَرّوا النّـجْوَى الّذِينَ ظَلَـمُوا فـي الإعراب وجهان: الـخفض علـى أنه تابع للناس فـي قوله: اقْتَرَبَ للنّاسِ حِسابُهُمْ والرفع علـى الردّ علـى الأسماء الذين فـي قوله: وأسَرّوا النّـجْوَى من ذكر الناس, كما قـيـل: ثمّ عَمُوا وَصَمّوا كثِـيرٌ مِنْهُمْ. وقد يحتـمل أن يكون رفعا علـى الابتداء, ويكون معناه: وأسرّوا النـجوى, ثم قال: هم الذين ظلـموا.
وقوله: أفَتَأتُونَ السّحْرَ وأنْتُـمْ تُبْصِرُونَ يقول: وأظهروا هذا القول بـينهم, وهي النـجوى التـي أسرّوها بـينهم, فقال بعضهم لبعض: أتقبلون السحر وتصدّقون به وأنتـم تعلـمون أنه سحر؟ يعنون بذلك القرآن كما:
18470ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: أفَتَأُتُونَ السّحْرَ وأنْتُـمْ تُبْصِرُونَ قال: قاله أهل الكفر لنبـيهم لـما جاء به من عند الله, زعموا أنه ساحر, وأن ما جاء به سحر, قالوا: أتأتون السحر وأنتـم تبصرون؟

الآية : 4
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { قَالَ رَبّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السّمَآءِ وَالأرْضِ وَهُوَ السّمِيعُ الْعَلِيمُ }.
اختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: «قُلْ رَبّـي» فقرأ ذلك عامة قرّاء أهل الـمدينة والبصرة وبعض الكوفـيـين: «قُلْ رَبْـي» علـى وجه الأمر. وقرأه بعض قرّاء مكة وعامة قرّاء الكوفة: قالَ رَبّـي علـى وجه الـخبر.
وكأن الذين قرؤوه علـى وجه الأمر أرادوا من تأويـله: قل يا مـحمد للقائلـين أتأْتُونَ السّحْرَ وأنْتُـمْ تُبْصِرُونَ: ربـي يعلـم قول كلّ قائل فـي السماء والأرض, لا يخفـى علـيه منه شيء وهو السميع لذلك كله ولِـما يقولون من الكذب, العلـيـم بصدقـي وحقـيقة ما أدعوكم إلـيه وبـاطل ما تقولون وغير ذلك من الأشياء كلها. وكأن الذين قرءوا ذلك قال علـى وجه الـخبر أرادوا: قال مـحمد: ربـي يعلـم القول خبرا من الله عن جواب نبـيه إياهم.
والقول فـي ذلك أنهما قراءتان مشهورتان فـي قَرَأة الأمصار, قد قرأ بكل واحدة منهما علـماء من القرّاء, وجاءت بهما مصاحف الـمسلـمين متفقتا الـمعنى وذلك أن الله إذا أمر مـحمدا بقـيـل ذلك قاله, وإذا قاله فعن أمر الله قاله, فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب الصواب فـي قراءته.
الآية : 5
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{ بَلْ قَالُوَاْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَآ أُرْسِلَ الأوّلُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: ما صدّقوا بحكمة هذا القرآن ولا أنه من عند الله, ولا أقرّوا بأنه وحي أوْحَى الله إلـى مـحمد صلى الله عليه وسلم بل قال بعضهم: هو أهاويـل رؤيا رآها فـي النوم, وقال بعضهم: هو فرْية واختلاق افتراه واختلقه من قِبَل نفسه, وقال بعضهم: بل مـحمد شاعر, وهذا الذي جاءكم به شعر. فَلْـيَأْتِنا يقول: قالوا فلـيجئنا مـحمد إن كان صادقا فـي قوله إن الله بعثه رسولاً إلـينا وإن هذا الذي يتلوه علـينا وحي من الله أوحاه إلـينا, بآية يقول: بحجة ودلالة علـى حقـيقة ما يقول ويدّعي, كمَا أُرْسِلَ الأوّلُونَ يقول: كما جاءت به الرسل الأوّلون من قبْله من إحياء الـموَتـى وإبراء الأكمه والأبرص وكناقة صالـح, وما أشبه ذلك من الـمعجزات التـي لا يقدر علـيها إلا الله ولا يأتـي بهاإلا الأنبـياء والرسل.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
18471ـ حدثنا بِشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: أضْغاثُ أحْلامٍ أي فعل حالـم, إنـما هي رؤيا رآها. بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ كل هذا قد كان منهم. وقوله» فَلْـيَأْتِنا بآيَةٍ كمَا أُرْسِل الأوّلُونَ يقول: كما جاء عيسى بـالبـيّنات وموسى بـالبـينات, والرسل.
18472ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: أضْغاثُ أحْلامٍ قال: مشتبهة.
18473ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قوله: أضْغاثُ أحْلامٍ قال أهاويـلها.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, مثله.
وقال تعالـى ذكره: بَلْ قَالُوا ولا جحد فـي الكلام ظاهر فـيحقق ب «بَلْ», لأن الـخبر عن أهل الـجحود والتكذيب, فـاجتُزِي بـمعرفة السامعين بـما دلّ علـيه قوله «بل» من ذكر الـخبر عنهم علـى ما قد بـينا.

الآية : 6
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { مَآ آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَآ أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: ما آمن من قبل هؤلاء الـمكذّبـين مـحمدا من مشركي قومه الذين قالوا فلـيأتنا مـحمد بآية كما جاءت به الرسل قبله من أهل قرية عذّبناهم بـالهلاك فـي الدنـيا, إذ جاءهم رسولنا إلـيهم بآية معجزة. أفَهُمْ يُؤْمِنُونَ يقول: أفهؤلاء الـمكذّبون مـحمدا السائلوه الاَية يؤمنون به إن جاءتهم آية ولـم تؤمن قبلهمْ أسلافهم من الأمـم الـخالـية التـي أهلكناها برسلها مع مـجيئها؟
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
18474ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: أهْلَكْناها أفَهُمْ يُؤْمِنُونَ يصدّقون بذلك.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, مثله.
18475ـ حدثنا بِشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أهْلَكْناها أفَهُمْ يُؤْمِنُونَ أي الرسل كانوا إذا جاءوا قومهم بـالبـينات فلـم يؤمنوا لـم يُنْظَرو.
الآية : 7
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاّ رِجَالاً نّوحِيَ إِلَيْهِمْ فَاسْئَلُوَاْ أَهْلَ الذّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }.
يقول تعالـى ذكره لنبـيه: وما أرسلنا يا مـحمد قبلك رسولاً إلـى أمة من الأمـم التـي خـلت قبل أمتك إلا رجالاً مثلهم نوحي إلـيهم ما نريد أن نوحيه إلـيهم من أمرنا ونهينا, لا ملائكة فماذا أنكروا من إرسالنا لك إلـيهم, وأنت رجل كسائر الرسل الذين قبلك إلـى أمـمهم؟ وقوله: فـاسأَلُوا أهْلَ الذّكْرِ إنْ كُنْتُـمْ لا تَعْلَـمُونَ يقول للقائلـين لـمـحمد صلى الله عليه وسلم فـي تناجيهم بـينهم «هل هذا إلا بشر مثلكم»: فإن أنكرتـم وجهلتـم أمر الرسل الذين كانوا من قبل مـحمد, فلـم تعلـموا أيها القوم أمرهم إنسا كانوا أم ملائكة, فـاسألوا أهل الكتب من التوراة والإنـجيـل ما كانوا يخبروكم عنهم كما»:
18476ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة, قوله: فـاسْأَلُوا أهْلَ الذّكْرِ إنْ كُنتُـمْ لا تَعْلَـمُونَ يقول: فـاسألوا أهل التوراة والإنـجيـل قال أبو جعفر: أراه أنا قال: يخبروكم أن الرسل كانوا رجالاً يأكلون الطعام, ويـمشون فـي الأسواق.
وقـيـل: أهلُ الذكر: أهلُ القرآن. ذكر من قال ذلك:
18477ـ حدثنـي أحمد بن مـحمد الطوسيّ, قال: ثنـي عبد الرحمن بن صالـح, قال: ثنـي موسى بن عثمان, عن جابر الـجعفـيّ, قال: لـما نزلت: فـاسْأَلُوا أهْلَ الذّكْرِ إنْ كُنْتُـمْ لا تَعْلَـمُونَ قال علـيّ: نـحن أهل الذّكر.
18478ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: فـاسْأَلُوا أهْلَ الذّكْرِ إنْ كُنْتُـمْ لا تَعْلَـمُونَ قال: أهل القرآن, والذكر: القرآن. وقرأ: إنّا نَـحْنُ نَزّلْنا الذّكْرَ وَإنّا لَهُ لـحَافِظُونَ
الآية : 8
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَداً لاّ يَأْكُلُونَ الطّعَامَ وَمَا كَانُواْ خَالِدِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: وما جعلنا الرسل الذين أرسلناهم من قبلك يا مـحمد إلـى الأمـم الـماضية قبل أمتك, جَسَدا لا يَأْكُلُونَ الطّعامَ يقول: لـم نـجعلهم ملائكة لا يأكلون الطعام, ولكن جعلناهم أجسادا مثلك يأكلون الطعام. كما:
18479ـ حدثنا بِشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة, قوله: وَما جَعَلْناهُمْ جَسَدا لا يَأْكُلُونَ الطّعام يقول: ما جعلناهم جسدا إلا لـيأكلوا الطعام.
18480ـ حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: ومَا جَعَلْناهُمْ جَسَدا لا يَأْكُلُونَ الطّعامَ يقول: لـم أجعلهم جسدا لـيس فـيهم أرواح لا يأكلون الطعام, ولكن جعلناهم جسدا فـيها أرواح يأكلون الطعام.
قال أبو جعفر: وقال وما جَعَلْنَاهُمْ جَسَدا فوحّد «الـجسد» وجعله موحدا, وهو من صفة الـجماعة, وإنـما جاز ذلك لأن الـجسد بـمعنى الـمصدر, كما يقال فـي الكلام: وما جعلناهم خَـلْقا لا يأكلون.
وقوله: ومَا كانُوا خالِدِينَ يقول: ولا كانوا أربـابـا لا يـموتون ولا يفنون, ولكنهم كانوا بشرا أجسادا فماتوا وذلك أنهم قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم, كما قد أخبر الله عنهم: لَنْ نُؤْمنَ لَكَ حتـى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الأرْضِ يَنْبُوعا... إلـى قوله: أوْ تَأَتِـيَ بـاللّهِ وَالـمَلائِكَةِ قَبِـيلاً قال الله تبـارك وتعالـى لهم: ما فعلنا ذلك بأحد قبلكم فنفعل بكم, وإنـما كنا نرسل إلـيهم رجالاً نوحي إلـيهم كما أرسلنا إلـيكم رسولاً نوحي إلـيه أمرنا ونهينا.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
18481ـ حدثنا بِشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ومَا كانُوا خالِدِينَ: أي لا بد لهم من الـموت أن يـموتوا.
الآية : 9
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { ثُمّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنجَيْنَاهُمْ وَمَن نّشَآءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرفِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: ثم صدقنا رسلنا الذين كذبتهم أمـمهم وسألتهم الاَيات, فأتـيناهم ما سألوه من ذلك ثم أقاموا علـى تكذيبهم إياها, وأصرّوا علـى جحودهم نبوّتها بعد الذي أتتهم به من آيات ربها, وعدَنا الذي وعدناهم من الهلاك علـى إقامتهم علـى الكفر بربهم بعد مـجيء الاَية التـي سألوا. وذلك كقوله جلّ ثناؤه: فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فإنّـي أُعَذّبُهُ عَذَابـا لا أُعَذّبُهُ أحَدا مِنَ العالَـمِينَ وكقوله: وَلا تَـمَسّوها بِسُوءٍ فَـيَأْخْذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ ونـحو ذلك من الـمواعيد التـي وعد الأمـم مع مـجيء الاَيات. وقوله: فَأَنْـجَيْناهُمْ يقول تعالـى ذكره: فأنـجينا الرسل عند إصرار أمـمها علـى تكذيبها بعد الاَيات, وَمَنْ نَشاءُ وهم أتبـاعها الذين صدّقوها وآمنوا بها. وقوله»: وأهْلَكنا الـمسْرِفِـينَ يقول تعالـى ذكره»: وأهلكنا الذين أسرفوا علـى أنفسهم بكفرهم بربهم, كما:
18482ـ حدثنا بِشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: وأهلَكْنا الـمُسْرِفِـين والـمسرفون: هم الـمشركون.

الآية : 10
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { لَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }.
اختلف أهل التأويـل فـي معنى ذلك, فقال بعضهم: معناه, لقد أنزلنا إلـيكم كتابـا فـيه ذكركم, فـيه حديثكم. ذكر من قال ذلك:
18483ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح عن مـجاهد, قوله: فِـيهِ ذِكْرُكُمْ قال: حديثكم.
18484ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد: لَقَدْ أنْزَلْنا إلَـيْكُمْ كَتابـا فـيه ذِكْرُكُمْ قال: حديثكم: أفَلا تَعْقِلونَ قال: «قد أفلـح» بَلْ أتَـيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ.
18485ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا سفـيان: نزل القرآن بـمكارم الأخلاق, ألـم تسمعه يقول: لَقَدْ أنْزَلْنا إلَـيْكُمْ كِتابـا فِـيهِ ذِكْرُكُمْ أفَلا تَعْقِلُونَ؟
وقال آخرون: بل عُنـي بـالذكر فـي هذا الـموضع: الشرفُ, وقالوا: معنى الكلام: لقد أنزلنا إلـيكم كتابـا فـيه شرفكم.
قال أبو جعفر: وهذا القول الثانـي أشبه بـمعنى الكلـمة, وهو نـحو مـما قال سفـيان الذي حكينا عنه, وذلك أنه شرفٌ لـمن اتبعه وعمل بـما فـيه