تفسير الطبري تفسير الصفحة 323 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 323
324
322
 الآية : 11 -12
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْماً آخَرِينَ * فَلَمّآ أَحَسّواْ بَأْسَنَآ إِذَا هُمْ مّنْهَا يَرْكُضُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: وكثـيرا قصمنا من قرية. والقصم: أصله الكسر, يقال منه: قصمت ظهر فلان إذا كسرته, وانْقَصَمَتْ سِنّه: إذا انكسرت. وهو ههنا معنـيّ به «أهلكنا», وكذلك تأوّله أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
18486ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: وكَمْ قَصَمْنا قال: أهلكنا.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, قوله: وكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ قال: أهلكناها.
قال ابن جُرَيج: قصمنا من قرية, قال: بـالـيـمن, قصمنا, بـالسيف أُهلكوا.
18487ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قول الله: قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ قال: قصمها أهلكها.
وقوله: مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِـمَةً أجرى الكلام علـى القرية, والـمراد بها أهلها لـمعرفة السامعين بـمعناه. وكأن ظُلْـمَها كُفْرُها بـالله وتكذيبُها رسله. وقوله: وأنْشأْنا بَعْدَهَا قَوْما آخَرِينَ يقول تعالـى ذكره: وأحدثنا بعد ما أهلكنا هؤلاء الظلـمة من أهل هذه القرية التـي قصمناها بظلـمها قوما آخرين سواهم.
وقوله: فَلَـمّا أحَسّوا بأْسَنا يقول: فلـما عاينوا عذابنا قد حلّ بهم ورأوه قد وجدوا مَسّه, يقال منه: قد أحْسَسْتُ من فلان ضعفـا, وأَحَسْتُه منه. إذَا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ يقول: إذا هم مـما أحَسّوا بأسنا النازل بهم يهربون سراعا عَجْلـىَ يَعْدُون منهزمين, يقال منه: ركض فلان فَرَسَهُ: إذا كَدّه بسياقته.
الآية : 13
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { لاَ تَرْكُضُواْ وَارْجِعُوَاْ إِلَىَ مَآ أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلّكُمْ تُسْأَلُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: لا تهربوا وارجعوا إلـى ما أُترفتـم فـيه: يقول: إلـى ما أُنعمتـم فـيه من عيشتكم ومساكنكم كما:
18488ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس قوله: لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إلـى ما أُتْرِفْتُـمْ فِـيهِ ومَسَاكِنِكُمْ تُسْئَلُونَ يعنـي من نزل به العذاب فـي الدنـيا مـمن كان يعصي الله من الأمـم.
18489ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: لا تَرْكُضُوا: لا تفرّوا.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, مثله.
18490ـ حدثنا بِشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة: وَارْجِعُوا إلـى ما أُتْرِفْتُـمْ فِـيهِ يقول: ارجعوا إلـى دنـياكم التـي أُترفتـم فـيها.
18491ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور عن معمر, عن قتادة: وَارْجِعُوا إلـى ما أُتْرِفْتُـمْ فِـيهِ قال: إلـى ما أُترفتـم فـيه من دنـياكم.
واختلف أهل التأويـل فـي معنى قوله: لَعَلّكُمْ تُسْئَلُونَ فقال بعضهم: معناه: لعلكم تفقهون وتفهمون بـالـمسألة. ذكر من قال ذلك:
18492ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي قوله: لَعَلّكُمْ تُسْئَلُونَ قال: تفقهون.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد: لَعَلّكُمْ تُسْئَلُونَ قال: تفقهون.
وقال آخرون: بل معناه لعلكم تُسئلون من دنـياكم شيئا علـى وجه السخرية والاستهزاء. ذكر من قال ذلك:
18493ـ حدثنـي بِشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة: لَعَلّكُمْ تُسْئَلُونَ استهزاء بهم.
حدثنـي مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: لَعَلّكُمْ تُسْئَلُونَ من دنـياكم شيئا, استهزاء بهم.
الآية : 14 - 15
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { قَالُواْ يَوَيْلَنَآ إِنّا كُنّا ظَالِمِينَ * فَمَا زَالَت تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتّىَ جَعَلْنَاهُمْ حَصِيداً خَامِدِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: قال هؤلاء الذين أحلّ الله بهم بأسه بظلـمهم لـما نزل بهم بأس الله: يا ويـلنا إنا كنا ظالـمين بكفرنا بربنا فما زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ يقول: فلـم تزل دعواهم, حين أتاهم بأس الله, بظلـمهم أنفسهم: يا وَيْـلَنا إنّا كُنّا ظالِـمِينَ حتـى قتلهم الله, فحصدهم بـالسيف كما يُحْصَد الزرع ويستأصل قَطْعا بـالـمناجل. وقوله: خامِدِينَ يقول: هالكين قد انطفأت شرارتهم, وسكنت حركتهم, فصاروا همودا كما تـخمد النار فتطفأ.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
18494ـ حدثنا بِشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ... الاَية. فلـما رأوا العذاب وعاينوه لـم يكن لَهُمْ هِجّيرَي إلا قولهم: يا وَيْـلَنا إنّا كُنّا ظالِـمِينَ حتـى دمّر الله علـيهم وأهلكهم.
حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: قالُوا يا وَيْـلَنا إنّا كُنّا ظالِـمِينَ فمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حتـى جَعَلْناهُمْ حَصِيدا خامِدِينَ يقول: حتـى هلكوا.
18495ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قال ابن عبـاس: حَصِيدا الـحصاد. خامدين خمود النار إذا طفئت.
18496ـ حدثنا سعيد بن الربـيع, قال: حدثنا سفـيان, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قال: إنهم كانوا أهل حصون, وإن الله بعث علـيهم بختنصر, فبعث إلـيهم جيشا فقتلهم بـالسيف, وقتلوا نبـيّا لهم فحُصِدوا بـالسيف وذلك قوله: فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حتـى جَعَلْناهُمْ حَصِيدا خامِدِينَ بـالسيف.

الآية : 16
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { وَمَا خَلَقْنَا السّمَآءَ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: ومَا خَـلَقْنَا السّماءَ والأرْض ومَا بَـيْنَهُما إلا حجة علـيكم أيها الناس, ولتعتبروا بذلك كله, فتعلـموا أن الذي دبره وخـلقه لا يشبهه شيء, وأنه لا تكون الألوهة إلا له, ولا تصلـح العبـادة لشيء غيره, ولـم يَخْـلق ذلك عبثا ولعبـا. كما:
18497ـ حدثنا بِشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَما خَـلَقْنا السّماءَ والأرْضَ ومَا بَـيْنَهُما لاعِبِـينِ يقول: ما خـلقناهما عَبَثا ولا بـاطلاً.
الآية : 17
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { لَوْ أَرَدْنَآ أَن نّتّخِذَ لَهْواً لاّتّخَذْنَاهُ مِن لّدُنّآ إِن كُنّا فَاعِلِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: لو أردنا أن نتـخذ زوجة وولدا لاتـخذنا ذلك من عندنا, ولكنا لا نفعل ذلك, ولا يصلـح لنا فعله ولا ينبغي لأنه لا ينبغي أن يكون لله ولد ولا صاحبة.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
18498ـ حدثنـي مـحمد بن سلـيـمان بن عبـيد الله الغيدانـي, قال: حدثنا أبو قُتـيبة, قال: حدثنا سلام بن مسكين, قال: حدثنا عقبة بن أبـي حمزة, قال: شهدت الـحسن بـمكة, قال: وجاءه طاوس وعطاء ومـجاهد, فسألوه عن قول الله تبـارك وتعالـى: لَوْ أرَدْنا أنْ نَتّـخِذَ لَهْوا لاتّـخَدْناهُ قال الـحسن: اللهو: الـمرأة.
18499ـ حدثنـي سعيد بن عمرو السكونـي, قال: حدثنا بقـية بن الولـيد, عن علـيّ بن هارون, عن مـحمد, عن لـيث, عن مـجاهد فـي قوله: لَوْ أرَدْنا أنْ نَتّـخِذَ لَهْوا قال: زوجة.
18500ـ حدثنا بِشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة, قوله: لَوْ أرَدْنا أنْ نَتّـخِذَ لَهْوا... الاَية, أي أن ذلك لا يكون ولا ينبغي. واللهو بلغة أهل الـيـمن: الـمرأة.
حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قَتادة: لَوْ أرَدْنا أنْ نَتّـخِذَ لَهْوا قال: اللهو فـي بعض لغة أهل الـيـمن: الـمرأة. لاتّـخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنّا. وقوله: إنْ كنّا فـاعِلِـينَ.
18501ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قَتادة, قوله: إنْ كُنّا فـاعِلِـينَ يقول: ما كنا فـاعلـين.
18502ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, قال: قالوا مريـم صاحبته, وعيسى ولده, فقال تبـارك وتعالـى: لَوْ أرَدْنا أن نَتّـخِذَ لَهْوا نساء وولدا, لاتـخَذْناهُ مِنْ لَدُنّا إنْ كُنّا فـاعِلِـينَ قال: من عندنا, ولا خـلقنا جنة ولا نارا ولا موتا ولا بعثا ولا حسابـا.
18503ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قوله: لاتّـخَذْناهُ مِنْ لَدُنّا من عندنا, وما خـلقنا جنة ولا نارا ولا موتا ولا بعثا.
الآية : 18
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمّا تَصِفُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: ولكن ننزل الـحقّ من عندنا, وهو كتاب الله وتنزيـله علـى الكفر به وأهله, فـيَدْمَغُهُ يقول: فـيهلكه كما يدمغ الرجل الرجل بأن يشجّه علـى رأسه شجة تبلغ الدماغ, وإذا بلغت الشجة ذلك من الـمشجوج لـم يكن له بعدها حياة.
وقوله فإذَا هُوَ زَاهِقٌ يقول: فإذا هو هالك مضمـحلّ كما:
18504ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قَتادة: فإذَا هَوَ زَاهِقٌ قال: هالك.
حدثنا بِشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: فإذَا هُوَ زَاهِقٌ قال: ذاهب. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
18505ـ حدثنا بِشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: بَلْ نَقْذِفُ بـالـحَقّ عَلـى البـاطِلِ فَـيَدْمَغُهُ فإذَا هُوَ زَاهِقٌ والـحقّ كتاب الله القرآن, والبـاطل: إبلـيس, فَـيدْمَغُهُ فإذَا هُوَ زَاهِقٌ أي ذاهب.
وقوله: وَلَكُمُ الوَيْـلُ مِـمّا تَصِفُونَ يقول: ولكم الويـل من وصفكم ربكم بغير صفته, وقِـيـلكم إنه اتـخذ زوجة وولدا, وفِريتكم علـيه.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل, إلا أن بعضهم قال: معنى تصفون تكذبون. وقال آخرون: معنى ذلك: تشركون. وذلك وإن اختلفت به الألفـاظ فمتفقة معانـيه لأن من وصف الله بأن له صاحبة فقد كذب فـي وصفه إياه بذلك, وأشرك به, ووصفه بغير صفته. غير أن أولـى العبـارات أن يُعَبر بها عن معانـي القرآن أقربها إلـى فهم سامعيه. ذكر من قال ما قلنا فـي ذلك:
18506ـ حدثنا بِشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَلَكُمْ الوَيْـلُ مِـمّا تَصِفُونَ أي تكذبون.
18507ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج: وَلَكُمُ الوَيْـلُ مِـمّا تَصِفونَ قال: تشركون وقوله عَمّا يَصِفُونَ قال: يشركون قال: وقال مـجاهد: سيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ قال: قولَهم الكذب فـي ذلك.
الآية : 19
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { وَلَهُ مَن فِي السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: وكيف يجوز أن يتـخذ الله لهوا, وله مُلك جميع من فـي السموات والأرض, والذين عنده من خـلقه لا يستنكفون عن عبـادتهم إياه ولا يَعْيَون من طول خدمتهم له, وقد علـمتـم أنه لا يستعبد والد ولده ولا صاحبته, وكل من فـي السموات والأرض عبـيده, فأنى يكون له صاحبة وولد يقول: أولا تتفكرون فـيـما تفترون من الكذب علـى ربكم؟
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
18508ـ حدثنا علـيّ, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: وَلا يَسْتَـحْسِرُونَ لا يرجعون.
18509ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: وَلا يَسْتَـحْسِرُونَ لا يحسَرون.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, مثله.
18510ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة, قوله: وَلا يَسْتَـحْسِرُونَ قال: لا يُعيون.
حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قَتادة, قوله: وَلا يَسْتَـحْسِرُونَ قال: لا يعيون.
حدثنا ابن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة مثله.
18511ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: لا يَسْتَكْبِرونَ عَنْ عِبـادَتِهِ وَلا يَسْتَـحْسِرُون قال: لا يستـحسرون, لا يـملّون ذلك الاستـحسار, قال: ولا يفترون, ولا يسأَمون.
هذا كله معناه واحد والكلام مختلف, وهو من قولهم: بعير حَسِير: إذا أعيا وقام ومنه قول علقمة بن عبدة:
بِها جِيَفُ الـحَسْرَى فأمّا عِظامُها فَبِـيضٌ, وأمّا جِلْدُها فَصَلِـيبُ

الآية : 20 و21
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { يُسَبّحُونَ الْلّيْلَ وَالنّهَارَ لاَ يَفْتُرُونَ * أَمِ اتّخَذُوَاْ آلِهَةً مّنَ الأرْضِ هُمْ يُنشِرُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: يسبح هؤلاء الذين عنده من ملائكة ربهم اللـيـل والنهار لا يفترون من تسبـيحهم إياه. كما:
18512ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا ابن عُلَـية, قال: أخبرنا حميد, عن إسحاق بن عبد الله بن الـحارث, عن أبـيه أن ابن عبـاس سأل كعبـا عن قوله: يُسَبّحُون اللّـيْـلَ وَالنّهَارَ لاَ يَفْتُرُونَ و «يسبحون اللـيـل والنهار لا يسأمون» فقال: هل يَئُودك طرفك؟ هل يَئُودك نَفَسُك؟ قال: لا قال: فإنهم أُلهموا التسبـيح كما أُلهمتـم الطّرْف والنّفَس.
18513ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي أبو معاوية, عن أبـي إسحاق الشيبـانـي, عن حسان بن مخارق, عن عبد الله بن الـحرث, قال: قلت: لكعب الأحبـار: يُسَبّحُونَ اللّـيْـلَ والنّهارَ لا يَفْتُرونَ أما يشغلهم رسالة أو عمل؟ قال: يا ابن أخي إنهم جُعل لهم التسبـيح كما جُعل لكم النفس, ألست تأكل وتشرب وتقوم وتقعد وتـجيء وتذهب وأنت تنفّس؟ قلت: بلـى قال: فكذلك جُعل لهم التسبـيح.
18514ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن وأبو داود, قالا: حدثنا عمران القطان, عن قتادة, عن سالـم بن أبـي الـجعد, عن معدان بن أبـي طلـحة, عن عمرو البكالـي, عن عبد الله بن عمر, قال: إن الله خـلق عشرة أجزاء, فجعل تسعة أجزاء الـملائكة وجزءا سائر الـخـلق. وجَزّأ الـملائكة عشرة أجزاء, فجعل تسعة أجزاء يسبحون اللـيـل والنهار لا يفترون وجزءا لرسالته. وجَزّأ الـخـلق عشرة أجزاء, فجعل تسعة أجزاء الـجنّ وجزءا سائر بنـي آدم. وجَزّأ بنـي آدم عشرة أجزاء, فجعل يأجوج ومأجوج تسعة أجزاء وجزءا سائر بنـي آدم.
18515ـ حدثنا بِشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة, قوله: يُسَبّحُونَ اللّـيْـلَ والنّهارَ لا يَفْتُرُون يقول: الـملائكة الذين هم عند الرحمن لا يستكبرون عن عبـادته ولا يسأمون فـيها. وذُكر لنا أن نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم بـينـما هو جالس مع أصحابه, إذ قال: «تَسْمَعُونَ ما أسْمَعُ؟» قالوا: ما نسمع من شيء يا نبـيّ الله قال: «إنّـي لأسْمَعُ أطِيطَ السّماءِ, ومَا تُلامُ أنْ تَئِطّ وَلَـيْسَ فِـيها مَوْضِعُ رَاحَةٍ إلاّ وَفِـيهِ مَلَكٌ ساجِدٌ أو قَائمٌ».
وقوله: أم اتـخَذُوا آلِهَةً مِنَ الأرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ يقول تعالـى ذكره: أتـخذ هؤلاء الـمشركون آلهة من الأرض هم ينشرون يعنـي بقوله «هم»: الاَلهة. يقول: هذه الاَلهة التـي اتـخذوها تنشر الأموات يقول: يحيون الأموات, وينشرون الـخـلق, فإن الله هو الذي يحيـي ويـميت. كما:
18516ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: ثنـي عيسى «ح» وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: يُنْشِرُونَ يقول: يُحيون.
18517ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: أمِ اتّـخَذُوا آلهَةً مِنَ الأرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ يقول: أفـي آلهتـم أحد يحيـي ذلك يُنْشِرُون؟ وقرأ قول الله: قُلْ مَنْ يَرْزقُكمْ مِنَ السّماءِ والأرْضِ... إلـى قوله: ما لَكُمْ كَيْفَ تَـحْكُمُونَ.

الآية : 22
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاّ اللّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللّهِ رَبّ الْعَرْشِ عَمّا يَصِفُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: لو كان فـي السموات والأرض آلهة تصلـح لهم العبـادة سوى الله الذي هو خالق الأشياء, وله العبـادة والألوهة التـي لا تصلـح إلا له لَفَسَدَتا يقول: لفسد أهل السموات والأرض. فَسُبْحانَ اللّهِ رَبّ العَرْشِ عَمّا يَصِفُونَ يقول جلّ ثناؤه: فتنزيه لله وتبرئة له مـما يفتري به علـيه هؤلاء الـمشركون به من الكذب. كما:
18518ـ حدثنا بِشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة, قوله: لَوْ كانَ فِـيهِما آلِهَةٌ إلاّ اللّهُ لَفَسَدَتا فَسُبْحانَ اللّهِ رَبّ العَرْشِ عَمّا يَصِفُونَ يسبح نفسه إذْ قـيـل علـيه البهتان.
الآية : 23
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { لاَ يُسْأَلُ عَمّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: لا سائل يسأل ربّ العرش عن الذي يفعل بخـلقه من تصريفهم فـيـما شاء من حياة وموت وإعزاز وإذلال وغير ذلك من حكمه فـيهم لأنهم خـلقه وعبـيده, وجميعهم فـي ملكه وسلطانه, والـحكم حكمه, والقضاء قضاؤه, لا شيء فوقه يسأله عما يفعل فـيقول له لـم فعلت؟ ولـمَ لـم تفعل؟ وَهُمْ يُسْئَلُونَ يقول جلّ ثناؤه: وجميع من فـي السموات والأرض من عبـاده مسؤولون عن أفعالهم, ومـحاسبون علـى أعمالهم, وهو الذي يسألهم عن ذلك ويحاسبهم علـيه لأنه فوقهم ومالكهم, وهم فـي سلطانه.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
18519ـ حدثنا بِشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: لا يُسْئَلُ عَمّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ يقول: لا يسئل عما يفعل بعبـاده, وهم يُسئلون عن أعمالهم.
18520ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قال: قوله: لا يُسْئَلُ عَمّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ قال: لا يسئل الـخالق عن قضائه فـي خـلقه, وهو يسأل الـخـلق عن عملهم.
18521ـ حدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: لا يُسْئَلُ عَمّا يَفْعَل وَهُمْ يُسْئَلُونَقال: لا يسئل الـخالق عما يقضي فـي خـلقه, والـخـلق مسؤولون عن أعمالهم.
الآية : 24
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { أَمِ اتّخَذُواْ مِن دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ هَـَذَا ذِكْرُ مَن مّعِيَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ الْحَقّ فَهُمْ مّعْرِضُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: أتـخذ هؤلاء الـمشركون من دون الله آلهة تنفع وتضرّ وتـخـلق وتـحيـي وتـميت؟ قل يا مـحمد لهم: هاتوا برهانكم يعنـي حجتكم يقول: هاتوا إن كنتـم تزعمون أنكم مـحقون فـي قـيـلكم ذلك حجة ودلـيلاً علـى صدقكم. كما:
18522ـ حدثنا بِشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة, قوله: قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ يقول: هاتوا بـينتكم علـى ما تقولون.
وقوله: هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ يقول: هذا الذي جئتكم به من عند الله من القرآن والتنزيـل, ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ يقول: خبر من معي مـما لهم من ثواب الله علـى إيـمانهم به وطاعتهم إياه وما علـيهم من عقاب الله علـى معصيتهم إياه وكفرهم به. وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِـي يقول: وخبر من قبلـي من الأمـم التـي سلفت قبلـي, وما فعل الله بهم فـي الدنـيا وهو فـاعل بهم فـي الاَخرة.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
18523ـ حدثنـي بِشْر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة, قوله: هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ يقول: هذا القرآن فـيه ذكر الـجلال والـحرام. وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِـي يقول: ذكر أعمال الأمـم السالفة وما صنع الله بهم وإلـى ما صاروا.
18524ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج» هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ قال: حديث من معي, وحديث من قبلـي.
وقوله: بَلْ أكْثَرُهُمْ لا يَعْلَـمُونَ الـحَقّ يقول: بل أكثر هؤلاء الـمشركين لا يعلـمون الصواب فـيـما يقولون ولا فـيـما يأتون ويذرون, فهم معرضون عن الـحقّ جهلاً منهم به وقلّة فهم.
وكان قَتادة يقول فـي ذلك ما:
18525ـ حدثنا بِشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة: بَلْ أكْثَرُهُمْ لا يَعْلَـمُونَ الـحَقّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ عن كتاب الله