تفسير الطبري تفسير الصفحة 333 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 333
334
332
 الآية : 6 -7
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { ذَلِكَ بِأَنّ اللّهَ هُوَ الْحَقّ وَأَنّهُ يُحْيِـي الْمَوْتَىَ وَأَنّهُ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَأَنّ السّاعَةَ آتِيَةٌ لاّ رَيْبَ فِيهَا وَأَنّ اللّهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ }.
يعنـي تعالـى ذكره بقوله: ذلك هذا الذي ذكرت لكم أيها الناس من بدئنا خـلقكم فـي بطون أمهاتكم, ووصفنا أحوالكم قبل الـميلاد وبعده, طفلاً, وكهلاً, وشيخا هرما وتنبـيهناكم علـى فعلنا بـالأرض الهامدة بـما ننزل علـيها من الغيث لتؤمنوا وتصدّقوا بأن ذلك الذي فعل ذلك الله الذي هو الـحقّ لا شك فـيه, وأن من سواه مـما تعبدون من الأوثان والأصنام بـاطل لأنها لا تقدر علـى فعل شيء من ذلك, وتعلـموا أن القدرة التـي جعل بها هذه الأشياء العجيبة لا يتعذّر علـيها أن يحيـي بها الـموتـى بعد فنائها ودروسها فـي التراب, وأن فـاعل ذلك علـى كلّ ما أراد وشاء من شيء قادر لا يـمتنع علـيه شيء أراده, ولتوقنوا بذلك أن الساعة التـي وعدتكم أن أبعث فـيها الـموتـى من قبورهم جائية لا مـحالة لا رَيْبَ فـيها يقول: لا شك فـي مـجيئها وحدوثها, وأنّ اللّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِـي القُبُورِ حينئذٍ مَن فـيها من الأموات أحياء إلـى موقـف الـحساب, فلا تشكّوا فـي ذلك ولا تـمترُوا فـيه.

الآية : 8
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
{ ومِنَ النّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدًى وَلاَ كِتَابٍ مّنِيرٍ }.
يقول تعالـى ذكره: ومن الناس من يخاصم فـي توحيد الله وإفراده بـالألوهة بغير علـم منه بـما يخاصم به. وَلاَ هُدًى يقول: وبغير بـيان معه لـما يقول ولا بُرْهان. وَلا كِتابٍ مَنِـيرٍ يقول: وبغير كتاب من الله أتاه لصحة ما يقول. منـير يقول بنـير عن حجته, وإنـما يقول ما يقول من الـجهل ظنّا منه وحسبـانا. وذكر أن عُنِـي بهذه الاَية والتـي بعدها النضر بن الـحارث من بنـي عبد الدار.

الآية : 9-10
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلّ عَن سَبِيلِ اللّهِ لَهُ فِي الدّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ * ذَلِكَ بِمَا قَدّمَتْ يَدَاكَ وَأَنّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاّمٍ لّلعَبِيدِ }.
يقول تعالـى ذكره: يجادل هذا الذي يجادل فـي الله بغير علـم ثانِـيَ عِطْفِهِ.
واختلف أهل التأويـل فـي الـمعنى الذي من أجله وصف بأنه يثنـي عطفه وما الـمراد من وصفه إياه بذلك, فقال بعضهم: وصفه بذلك لتكبره وتبختره. وذكر عن العرب أنها تقول: جاءنـي فلان ثانـي عطفه: إذا جاء متبخترا من الكبر ذكر من قال ذلك:
18860ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, فـي قوله: ثانِـيَ عِطْفِهِ يقول: مستكبرا فـي نفسه.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: لاوٍ رقبته. ذكر من قال ذلك:
18861ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: ثانِـي عِطْفِهِ قال: رقبته.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد, مثله.
18862ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قَتادة: ثانِـيَ عِطْفِهِ قال: لاوٍ عنقه.
حدثنا الـحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, عن معمر, عن قَتادة, مثله.
وقال آخرون: معنى ذلك أنه يُعْرِضُ عما يُدْعَى إلـيه فلا يسمع له. ذكر من قال ذلك:
18863ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: ثانِـيَ عِطْفِهِ يقول: يعرض عن ذكري.
18864ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد: ثانِـيَ عِطْفِهِ عَنْ سَبِـيـلِ الله قال: لاويا رأسه, معرضا مولـيا, لا يريد أن يسمع ما قـيـل له. وقرأ: وَإذَا قِـيـلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللّهِ لَوّوْا رُؤُسَهُمْ ورأيْتَهُمْ يَصُدّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ وَإذَا تُتْلَـى عَلَـيْهِ آياتُنا وَلّـى مُسْتَكْبِرا.
18865ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد, قوله: ثانِـيَ عِطْفِهِ قال: يعرض عن الـحقّ.
قال أبو جعفر: وهذه الأقوال الثلاثة متقاربـات الـمعنى وذلك أن من كان ذا استكبـار فمن شأنه الإعراضُ عما هو مستكبر عنه ولَـيّ عنقه عنه والإعراض.
والصواب من القول فـي ذلك أن يقال: إن الله وصف هذا الـمخاصم فـي الله بغير علـم أنه من كبره إذا دُعي إلـى الله أعرض عن داعيه لوى عنقه عنه ولـم يسمع ما يقال له استكبـارا.
وقوله: لِـيُضِلّ عَنْ سَبِـيـلِ اللّهِ يقول تعالـى ذكره: يجادل هذا الـمشرك فـي الله بغير علـم معرضا عن الـحقّ استكبـارا, لـيصدّ الـمؤمنـين بـالله عن دينهم الذي هداهم له ويستزلهم عنه. لَهُ فِـي الدّنْـيا خِزْيٌ يقول جلّ ثناؤه: لهذا الـمـجادل فـي الله بغير علـم فـي الدنـيا خزي وهو القتل والذلّ والـمهانة بأيدي الـمؤمنـين, فقتله الله بأيديهم يوم بدر. كما:
18866ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, قوله: فِـي الدّنـيْا خِزْيٌ قال: قُتل يوم بدر.
وقوله: وَنُذِيقُهُ يَوْمَ القِـيامَةِ عَذَابَ الـحَرِيقِ يقول تعالـى ذكره: ونـحرقه يوم القـيامة بـالنار. وقوله: ذَلكَ بِـمَا قَدّمَتْ يَدَاكَ يقول جلّ ثناؤه: ويقال له إذا أذيق عذاب النار يوم القـيامة: هذا العذاب الذي نذيقكه الـيوم بـما قدمت يداك فـي الدنـيا من الذنوب والاَثام واكتسبته فـيها من الإجرام. وإنّ اللّهَ لَـيْسَ بِظَلاّمٍ للْعَبِـيدِ يقول: وفعلنا ذلك لأن الله لـيس بظلام للعبـيد فـيعاقب بعض عبـيده علـى جُرْم وهو يغفر مثله من آخر غيره, أو يحمل ذنب مذنب علـى غير مذنب فـيعاقبه به ويعفو عن صاحب الذنب ولكنه لا يعاقب أحدا إلا علـى جرمه ولا يعذب أحدا علـى ذنب يغفر مثله لاَخر إلا بسبب استـحق به منه مغفرته.

الآية : 11
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { وَمِنَ النّاسِ مَن يَعْبُدُ اللّهَ عَلَىَ حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَىَ وَجْهِهِ خَسِرَ الدّنْيَا وَالاَُخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ }.
يعنـي جلّ ذكره بقوله: وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَعْبُد اللّهَ عَلـى حَرْفٍ أعرابـا كانوا يقدمون علـى رسول الله صلى الله عليه وسلم, مهاجرين من بـاديتهم, فإن نالوا رخاء من عيش بعد الهجرة والدخول فـي الإسلام أقاموا علـى الإسلام, وإلا ارتدّوا علـى أعقابهم فقال الله: وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللّهَ علـى شكّ, فإنْ أصابهُ اطمأنّ بهِ وهو السعة من العيش وما يشبهه من أسبـاب الدنـيا اطْمَأَنَ بِهِ يقول: استقرّ بـالإسلام وثبت علـيه. وَإنْ أصَابَتْهُ فِتْنَةٌ وهو الضيق بـالعيش وما يشبهه من أسبـاب الدنـيا انْقَلَبَ عَلـى وَجْهِهِ يقول: ارتدّ فـانقلب علـى وجهه الذي كان علـيه من الكفر بـالله.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
18867ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللّهَ عَلـى حَرْفٍ... إلـى قوله: انْقَلَبَ عَلـى وَجْهِهِ قال: الفتنة البلاء, كان أحدهم إذا قدم الـمدينة وهي أرض وبـيئة, فإن صحّ بها جسمه ونُتِـجت فرسه مُهرا حسنا وولدت امرأته غلاما رضي به واطمأنّ إلـيه وقال: ما أصبت منذ كنت علـي دينـي هذا إلا خيرا وإن أصابه وجع الـمدينة وولدت امرأته جارية وتأخرت عنه الصدقة, أتاه الشيطان فقال: والله ما أصبت منذ كنت علـى دينك هذا إلا شرّا وذلك الفتنة.
18868ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, قال: حدثنا عنبسة, عن أبـي بكر, عن مـحمد بن عبد الرحمن بن أبـي لـيـلـى, عن القاسم بن أبـي بَزّة, عن مـجاهد فـي قول الله: وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللّهَ عَلـى حَرْفٍ قال: علـى شكّ.
18869ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: عَلـى حَرْفٍ قال: علـى شكّ. فإنْ أصابهُ خيرٌ رَخاء وعافـية اطمأنّ بهِ: استقرّ. وإن أصَابَتْه فِتْنَةٌ عذاب ومصيبة انْقَلَبَ ارتدّ عَلـى وَجْهِهِ كافرا.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد, بنـحوه.
قال ابن جُرَيج: كان ناس من قبـائل العرب ومـمن حولهم من أهل القرى يقولون: نأتـي مـحمدا صلى الله عليه وسلم, فإن صادفنا خيرا من معيشة الرزق ثبتنا معه, وإلا لـحقنا بأهلنا.
18870ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: مَنْ يَعْبُدُ اللّهَ عَلـى حَرْفٍ قال: شك. فإنْ أصابَهُ خَيْرٌ يقول: أكثر ماله وكثرت ما شيته اطمأنّ قال: لـم يصبنـي فـي دينـي هذا منذ دخـلته إلا خير وَإنْ أصَابَتْهُ فِتْنَةٌ يقول: وإن ذهب ماله, وذهبت ما شيته انْقَلَبَ علـى وَجْهِهِ خَسِرَ الدّنـيْا والاَخِرَةَ.
حدثنا الـحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قَتادة, نـحوه.
18871ـ حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: حدثنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللّهَ عَلـى حَرْفٍ الاَية, كان ناس من قبـائل العرب ومـمن حول الـمدينة من القرى كانوا يقولون: نأتـي مـحمدا صلى الله عليه وسلم فننظر فـي شأنه, فإن صادفنا خيرا ثبتنا معه, وإلا لـحقنا بـمنازلنا وأهلـينا. وكانوا يأتونه فـيقولون: نـحن علـى دينك فإن أصابوا معيشة ونَتَـجُوا خيـلهم وولدت نساؤهم الغلـمان, اطمأنوا وقالوا: هذا دين صدق وإن تأخر عنهم الرزق وأزلقت خيولهم وولدت نساؤهم البنات, قالوا: هذا دين سَوْء فـانقلبوا علـى وجوههم.
18872ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللّهَ عَلـى حَرْفٍ فإنْ أصَابَهُ خَيْرٌ اطْمأَنّ بِهِ وَإنْ أصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلـى وَجْهِهِ خَسِرَ الدّنـيْا والاَخِرَةَ قال: هذا الـمنافق, إن صلـحت له دنـياه أقام علـى العبـادة, وإن فسدت علـيه دنـياه وتغيرت انقلب, ولا يقـيـم علـى العبـادة إلا لـما صَلَـح من دنـياه. وإذا أصابته شدّة أو فتنة أو اختبـار أو ضيق, ترك دينه ورجع إلـى الكفر.
وقوله: خَسِرَ الدّنـيا والاَخِرَةَ يقول: غَبِن هذا الذي وصف جلّ ثناؤه صفته دنـياه لأنه لـم يظفر بحاجته منها بـما كان من عبـادته الله علـى الشك, ووضع فـي تـجارته فلـم يربح والاَخِرَةَ يقول: وخسر الاَخرة, فإنه معذّب فـيها بنار الله الـموقدة. وقوله: ذلكَ هُوَ الـخُسْرَانُ الـمُبِـينُ يقول: وخسارته الدنـيا والاَخرة هي الـخسران, يعنـي الهلاك. الـمُبِـينُ يقول: يبـين لـمن فكّر فـيه وتدبره أنه قد خسر الدنـيا والاَخرة.
واختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك, فقرأته قرّاء الأمصار جميعا غير حميد الأعرج: خَسِرَ الدنـيا والاَخِرَةَ علـى وجه الـمضيّ. وقرأه حميد الأعرج: «خاسِرا» نصبـا علـى الـحال علـى مثال فـاعل.

الآية : 12
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { يَدْعُو مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرّهُ وَمَا لاَ يَنفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضّلاَلُ الْبَعِيدُ }.
يقول تعالـى ذكره: وإن أصابت هذا الذي يعبد الله علـى حرف فتنة, ارتدّ عن دين الله, يدعو من دون الله آلهة لا تضرّه إن لـم يعبدها فـي الدنـيا ولا تنفعه فـي الاَخرة إن عبدها. ذلكَ هُوَ الضّلالُ البَعِيدُ يقول: ارتداده ذلك داعيا من دون الله هذه الاَلهة هو الأخذ علـى غير استقامة والذهاب عن دين الله ذهابـا بعيدا.
18873ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: يَدْعُو مِنْ دُونِ اللّهِ ما لا يَضُرّهُ وَما لا يَنْفَعُهُ يكفر بعد إيـمانه ذلكَ هُوَ الضّلالُ البَعِيدُ.

الآية : 13
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { يَدْعُو لَمَنْ ضَرّهُ أَقْرَبُ مِن نّفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَىَ وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ }.
يقول تعالـى ذكره: يدعو هذا الـمنقلب علـى وجهه من أن أصابته فتنة آلهة لضرّها فـي الاَخرة له, أقرب وأسرع إلـيه من نفعها. وذكر أن ابن مسعود كان يقرؤه: «يدعو مَنْ ضَرّه أقرب من نفعه».
واختلف أهل العربـية فـي موضع «مَنْ», فكان بعض نـحوّيـي البصرة يقول: موضعه نصب ب «يدعو», ويقول: معناه: يدعو لاَلهة ضرّها أقرب من نفعها, ويقول: هو شاذّ لأنه لـم يوجد فـي الكلام: يدعو لزيدا. وكان بعض نـحويّـي الكوفة يقول: اللام من صلة «ما» بعد «مَنْ» كأن معنى الكلام عنده: يدعو من لَضَرّه أقرب من نفعه وحُكي عن العرب سماعا منها: عندي لَـمَا غيرُه خير منه, بـمعنى: عندي ما لغيره خير منه وأعطيتك لـما غيرُه خير منه, بـمعنى: ما لغيره خير منه. وقال: جائز فـي كلّ ما لـم يتبـين فـيه الإعراب الاعتراض بـاللام دون الاسم.
وقال آخرون منهم: جائز أن يكون معنى ذلك: هو الضلال البعيد يدعو فـيكون «يدعو» صلة «الضلال البعيد», وتضمر فـي «يدعو» الهاء ثم تستأنف الكلام بـاللام, فتقول لـمن ضرّه أقرب من نفعه: لبئس الـمولـى كقولك فـي الكلام فـي مذهب الـجزاء: لَـمَا فَعَلْتَ لَهُو خَيْر لك. فعلـى هذا القول «من» فـي موضع رفع بـالهاء فـي قوله «ضَرّه», لأن «مَنْ» إذا كانت جزاء فإنـما يعربها ما بعدها, واللام الثانـية فـي «لبئس الـمولـى» جواب اللام الأولـى. وهذا القول الاَخر علـى مذهب العربـية أصحّ, والأوّل إلـى مذهب أهل التأويـل أقرب.
وقوله: لَبِئْسَ الـمَوْلَـى يقول: لبئس ابن العمّ هذا الذي يعبد الله علـى حرف. وَلَبِئْسَ العَشِيرُ يقول: ولبئس الـخـلـيط الـمعاشر والصاحب, هو, كما:
18874ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وَلَبِئْسَ العَشِيرُ قال: العشير: هو الـمعاشر الصاحب.
وقد قـيـل: عنـي بـالـمولـى فـي هذا الـموضع: الولـيّ الناصر.
وكان مـجاهد يقول: عُنـي بقوله: لَبِئْسَ الـمَوْلَـى وَلَبِئْسَ العَشِيرُ الوثن.
18875ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قول الله»: وَلَبِئْسَ العَشِيرُ قال: الوثن.

الآية : 14
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { إِنّ اللّهَ يُدْخِلُ الّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ جَنَاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ إِنّ اللّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ }.
يقول تعالـى ذكره: إن الله يدخـل الذين صدقوا الله ورسوله, وعملوا بـما أمرهم الله فـي الدنـيا, وانتهوا عما نهاهم عنه فـيها جَنّاتٍ يعنـي بساتـين, تَـجْرِي مِنْ تَـحْتِها الأنهارُ يقول: تـجري الأنهار من تـحت أشجارها. إنّ اللّهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ فـيعطي ما شاء من كرامته أهل طاعته وما شاء من الهوان أهل معصيته