تفسير الطبري تفسير الصفحة 376 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 376
377
375
 الآية : 208-212
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَمَآ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاّ لَهَا مُنذِرُونَ * ذِكْرَىَ وَمَا كُنّا ظَالِمِينَ * وَمَا تَنَزّلَتْ بِهِ الشّيَاطِينُ * وَمَا يَنبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ * إِنّهُمْ عَنِ السّمْعِ لَمَعْزُولُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: وَما أهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ من هذه القرى التـي وصفت فـي هذه السور إلاّ لَهَا مُنْذِرُونَ يقول: إلا بعد إرسالنا إلـيهم رسلاً ينذرونهم بأسنا علـى كفرهم وسخطنا علـيهم ذِكْرَى يقول: إلا لها منذرون ينذرونهم, تذكرة لهم وتنبـيها لهم علـى ما فـيه النـجاة لهم من عذابنا. ففـي الذكرى وجهان من الإعراب: أحدهما النصب علـى الـمصدر من الإنذار علـى ما بـيّنْتُ, والاَخر: الرفع علـى الابتداء, كأنه قـيـل: ذكرى. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
20359ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد وَما أهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إلاّ لَهَا مُنْذِرُونَ. ذِكْرَى قال: الرسل. قال ابن جُرَيج: وقوله: ذِكْرَى قال: الرسل.
قوله: وما كُنّا ظالِـمِينَ يقول: وما كنا ظالـميهم فـي تعذيبناهم وإهلاكهم, لأنا إنـما أهلكناهم, إذ عتوا علـينا, وكفروا نعمتنا, وعبدوا غيرنا بعد الإعذار علـيهم والإنذار, ومتابعة الـحجج علـيهم بأن ذلك لا ينبغي أن يفعلوه, فأبوا إلا التـمادي فـي الغيّ.
وقوله: وَما تَنزّلَتْ بِهِ الشّياطِينُ يقول تعالـى ذكره: وما تنزّلت بهذا القرآن الشياطين علـى مـحمد, ولكنه ينزل به الروح الأمين وَما يَنْبَغي لَهُمْ يقول: وما ينبغي للشياطين أن ينزلوا به علـيه, ولا يصلـح لهم ذلك وَما يَسْتَطيعُونَ يقول: وما يستطيعون أن ينزّلوا به, لأنهم لا يصلون إلـى استـماعه فـي الـمكان الذي هو به من السماء إنّهُمْ عَنِ السّمْعِ لَـمَعْزُولُونَ يقول: إن الشياطين عن سمع القرآن من الـمكان الذي هو به من السماء لـمعزولون, فكيف يستطيعون أن يتنزّلوا به. وبنـحو الذي قلنا فـي تأويـل ذلك, قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
20360ـ حدثنا الـحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قَتادة, فـي قوله: وَما تَنزّلَتْ بِهِ الشّياطِينُ قال: هذا القرآن. وفـي قوله إنّهُمْ عَنِ السّمْعِ لَـمَعْزُلُونَ قال: عن سمع السماء.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي أبو سفـيان, عن معمر, عن قَتادة, بنـحوه, إلا أنه قال: عن سمع القرآن.
والقرّاء مـجمعة علـى قراءة وَما تَنزّلَتْ بِهِ الشّياطِينُ بـالتاء ورفع النون, لأنها نون أصلـية, واحدهم شيطان, كما واحد البساتـين بستان. وذُكر عن الـحسن أنه كان يقرأ ذلك: «وَما تَنزّلَتْ بِهِ الشّياطُونَ» بـالواو, وذلك لـحن, وينبغي أن يكون ذلك إن كان صحيحا عنه, أن يكون توهم أن ذلك نظير الـمسلـمين والـمؤمنـين, وذلك بعيد من هذا.

الآية : 213-215
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَلاَ تَدْعُ مَعَ اللّهِ إِلَـَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذّبِينَ * وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ * وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ }.
يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: فَلا تَدْعُ يا مـحمد مَعَ اللّهِ إلَها آخَرَ: أي لا تعبد معه معبودا غيره فَتكُونَ مِنَ الـمُعَذّبِـينَ فـينزل بك من العذاب ما نزل بهؤلاء الذين خالفوا أمرنا وعبدوا غيرنا. وقوله: وأنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِـينَ يقول جلّ ثناؤه لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: وأنذر عشيرتك من قومك الأقربـين إلـيك قرابة, وحذّرهم من عذابنا أن ينزل بهم بكفرهم.
وذُكر أن هذه الاَية لـما نزلت, بدأ ببنـي جده عبد الـمطلب وولده, فحذّرهم وأنذرهم. ذكر الرواية بذلك:
20361ـ حدثنـي أحمد بن الـمقدام, قال: حدثنا مـحمد بن عبد الرحمن, قال: حدثنا هشام بن عروة, عن أبـيه, عن عائشة قالت: لـما نزلت هذه الاَية: وأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِـينَ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا صَفِـيّةُ بِنْتَ عَبْدِ الـمُطّلِبِ, يا فـاطِمَةُ بِنْتَ مْـحَمّد يا بَنِـي عَبْد الـمُطّلِبِ إنّـي لا أمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللّهِ شَيْئا, سَلُونِـي مِنْ مالـي ما شِئْتُـمْ».
حدثنا ابن وكيع, قال: ثنـي أبـي ويونس بن بكير, عن هشام بن عروة, عن أبـيه, عن عائشة, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, بنـحوه.
20362ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, قال: حدثنا عنبسة, عن هشام بن عروة, عن أبـيه, قال: لـما نزلت وأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِـينَ قام النبـيّ صلى الله عليه وسلم فقال: «يا فـاطِمَةُ بِنْتُ مُـحَمّدٍ, وَيا صَفِـيّةُ ابْنَةَ عَبْدِ الـمطّلِبِ» ثم ذكر نـحو حديث ابن الـمقدام.
20363ـ حدثنـي يونس بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا سلامة, قال: قال عقـيـل: ثنـي الزهري, قال: قال سعيد بن الـمسيب, وأبو سلـمة بن عبد الرحمن: إن أبـا هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزل علـيه وأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِـينَ: «يا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ اشْتَرُوا أنْفُسَكُمْ مِنَ اللّهِ, لا أُغْنِـي عَنْكُمْ مِنَ اللّهِ شَيْئا, يا بَنِـي عَبْدِ مَنافٍ لا أُغْنِـي عَنْكُمْ مِنَ اللّهِ شَيْئا, يا عَبّـاسُ بَنَ عَبْدِ الـمُطّلبِ لا أُغْنِـي عَنْكَ مِنَ اللّهِ شَيْئا, يا فـاطِمَةُ بِنْتَ رَسُولِ الله لا أُغْنِـي عَنْكِ مِنَ اللّهِ شَيْئا, سَلِـيِنـي ما شِئْتِ, لا أُغْنـي عَنْكِ مِنَ اللّهِ شَيْئا».
20364ـ حدثنـي مـحمد بن عبد الـملك, قال: حدثنا أبو الـيـمان, قال: أخبرنا شُعيب عن الزهري, قال: أخبرنـي سعيد بن الـمسيب وأبو سلـمة بن عبد الرحمن أن أبـا هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أُنزل علـيه: وأنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِـينَ قال: «يا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ اشْتَرُوا أنْفُسَكُمْ مِنَ اللّهِ» ثم ذكر نـحو حديث يونس, عن سلامة غير أنه زاد فـيه «يا صَفِـيّةُ عَمّةَ رَسُولِ اللّهِ لا أُغْنِـي عَنْكِ مِنَ اللّهِ شَيْئا» ولـم يذكر فـي حديثه فـاطمة.
20365ـ حدثنـي يونس, قال: حدثنا سلامة بن روح, قال: قال عقـيـل: ثنـي ابن شهاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لـما أنزل علـيه وأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِـينَ جمع قريشا, ثم أتاهم, فقال لهم: «هَلْ فِـيكُمْ غَرِيبٌ؟» فقالوا: لا إلا ابن أخت لنا لا نراه إلا منا, قال: «إنّهُ مِنْكُمْ», فوعظهم رسول الله صلى الله عليه وسلم, ثم قال لهم فـي آخر كلامه: «لا أعْرِفَنّ ما وَرَدَ علـى النّاسِ يَوْمَ القِـيامَةِ يَسُوقُونَ الاَخِرَةَ, وَجِئْتُـمْ إلـيّ تَسُوقُونَ الدّنْـيا».
حدثنـي يونس, قال: أخبرنـي يونس, عن ابن شهاب, أخبرنـي سعيد بن الـمسيب وأبو سلـمة بن عبد الرحمن, أن أبـا هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أُنزل علـيه وأنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِـينَ: «يا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ اشْتَرُوا أنْفُسَكُمْ مِنَ اللّهِ لا أُغْنِـي عَنْكُمْ مِنَ اللّهِ شَيْئا, يا بَنِـي عَبْدِ الـمُطّلِبِ لا أُغْنِـي عَنْكُمْ مِنَ اللّهِ شَيْئا, يا عَبّـاسُ بْنَ عَبْدِ الـمطّلِبِ لا أُغْنِـي عَنْكَ مِنَ اللّهِ شَيْئا, يا صَفِـيّةُ عَمّةَ رَسُولِ اللّهِ لا أُغْنِـي عَنْكِ مِنَ اللّهِ شِيْئا, يا فـاطِمَةُ بِنْتَ مُـحَمّد سَلِـيِنـي ما شِئْتِ لا أُغْنِـي عَنْكِ مِنَ اللّهِ شَيْئا».
20366ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى, قال: حدثنا الـمعتـمر, قال: سمعت الـحجاج يحدّث, عن عبد الـملك بن عمير, عن موسى بن طلـحة, عن أبـي هريرة, عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: لـما أنزل الله: وأنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِـينَ قال نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم: «يا مَعْشَرَ قُرَيْش أنْقِذُوا أنْفُسَكُمْ مِنَ النّار, يا فـاطِمَةُ بِنْتَ مُـحَمّدٍ أنْقِذِي نَفْسَكِ مِنَ النّار, ألا إنّ لَكُمْ رَحِما سأبلّها ببِلالها».
20367ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا أبو أسامة, عن زائدة, عن عبد الـملك بن عمير, عن موسى بن طلـحة, عن أبـي هريرة, قال: لـما نَزَلت هذه الاَية: وأنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِـينَ دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا, فعّم وخَصّ, فقال: «يا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ اشْتَرُوا أنْفُسَكُمْ مِنَ اللّهِ, يا مَعْشَرَ بَنِـي كَعْبٍ بْنِ لُؤَيّ, يا مَعْشَرَ بَنِـي عَبْدَ منافٍ, يا مَعْشَرَ بَنِـي هاشِمٍ, يا مَعْشَرَ بَنِـي عَبْدِ الـمُطّلِبِ», يقول لكلهم: «أنْقِذُوا أنْفُسَكُمْ مِنَ النّارِ, يا فـاطِمَةُ بِنْتِ مُـحَمّدٍ أنْقِذِي نَفْسَكِ مِنَ النّارِ, فإنـي وَاللّهِ ما أمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللّهِ شَيْئا, ألا إنّ لَكُمْ رَحِما سأبلّها ببِلالها».
20368ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى, قال: حدثنا الـمعتـمر, عن أبـيه, قال: حدثنا أبو عثمان, عن زُهير بن عمرو وقَبـيصة بن مُخارق: أنهما قالا: أَنزل الله علـى نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم: وأنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِـينَ, فحدّثنا عن نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم أنه علا صخرة من جبل, فعلا أعلاها حَجَرا, ثم قال: «يا آلَ عَبْدِ مَنافـاه, يا صَبـاحاه, إنّـي نَذِيرٌ, إنّ مَثَلِـي وَمَثَلُكُمْ مَثَلُ رَجُلٍ أَتـى الـجَيْشَ, فَخَشِيَهُمْ عَلـى أهْلِهِ, فَذَهَبَ يَرْبَؤُههمْ, فَخَشِيَ أنْ يَسْبِقُوهُ إلـى أهْلِهِ, فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِهِمْ: يا صَبـاحاه» أو كما قال.
20369ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا عبد الوهاب ومـحمد بن جعفر, عن عوف, عن قَسامة بن زهير, قال: بلغنـي أنه لـما نزل علـى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِـينَ جاء فوضع أصبعه فـي أذنه, ورفع من صوته, وقال: «يا بَنِـي عَبْدِ مَنافٍ وَاصَبـاحاهُ» 20370ـ قال: ثنـي أبو عاصم, قال: حدثنا عوف, عن قسامة بن زهير, قال: أظنه عن الأشعريّ, عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم, بنـحوه.
حدثنـي عبد الله بن أبـي زياد, قال: حدثنا أبو زيد الأنصاريّ سعد بن أوس, عن عوف, قال: قال قسامة بن زهير, حدثنـي الأشعريّ, قال: لـما نزلت, ثم ذكر نـحوه إلا أنه قال: وضع أصبعيه فـي أذنـيه.
20371ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا ابن نُـمير, عن الأعمش, عن عمرو بن مرّة, عن سعيد بن جُبـير, عن ابن عبـاس, قال: لـما نزلت هذه الاَية وأنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِـينَ قام رسول الله صلى الله عليه وسلم علـى الصفـا, ثم نادى: «يا صَبـاحاهُ», فـاجتـمع الناس إلـيه, فبـينَ رجل يجيء, وبـين آخر يبعث رسوله, فقال: «يا بَنِـي هاشِمٍ, يا بَنِـي عَبْدِ الـمُطّلبِ, يا بَنِـي فِهْرٍ, يا بَنِـي يا بَنِـي, أرأيْتَكُمْ لَوْ أخْبَرْتُكُمْ أنّ خَيْلاً بِسَفْحِ هَذَا الـجَبَلِ تُرِيدُ أنْ تُغِيرَ عَلَـيْكُمْ صَدّقْتُـمُونِـي؟» قالوا: نعم, قالَ: «فإنّـي نَذِيرٌ لَكُمْ بـينَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ» فقال أبو لهب: تَبّـا لكم سائَر الـيوم, ما دعوتـمونـي إلا لهذا؟ فنزلت: تَبّتْ يَدَا أبِـي لَهَبِ وَتَبّ.
حدثنا أبو كُرَيب وأبو السائب, قالا: حدثنا أبو معاوية, عن الأعمش, عن عمرو بن مُرّة, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس, قال: صَعِد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم الصفـا, فقال: «يا صبـاحاهُ» فـاجتـمعت إلـيه قريش, فقالوا له: مالَك؟ فقال: «أرأيْتَكُمْ إنْ أخْبَرْتُكُمْ أنّ العَدُوّ مُصَبّحُكُمْ أوْ مـمَسّيكُمْ ألا كُنْتُـمْ تُصَدّقونَنِـي؟» قالوا: بلـى, قال: «فإنّـي نَذِيرٌ لَكُمْ بـينَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ». قال أبو لهب: تَبّـا لك, ألهذا دعوتنا أو جمعتنا, فأنزل الله: تَبّتْ يَدَا أبـي لَهَب... إلـى آخر السورة.
حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا أبو أُسامة, عن الأعمش, عن عمرو بن مُرّة, عن سعيد بن جُبَـير, عن ابن عبـاس, قال: لـمّا نزلت هذه الاَية: وأنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِـينَ ورهطك منهم الـمخـلصين, خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتـى صَعِد الصفـا, فهتف: «يا صَبـاحاهُ» فقالوا: من هذا الذي يهتف؟ فقالوا: مـحمد, فـاجتـمعوا إلـيه, فقال: «يا بَنِـي فُلانٍ, يا بَنِـي فُلانً, يا بَنِـي عَبدِ الـمُطّلِبِ, يا بَنِـي عَبْدِ مَنافٍ», فـاجتـمعوا إلـيه, فقال: «أَرَأَيْتَكُمْ إنْ أخْبَرْتُكُمْ أنّ خَيْلاً تَـخْرُجُ بِسَفْحِ هَذَا الـجَبَلِ أكُنْتُـمْ مُصَدّقـيّ؟» قالُوا: ما جرّبنا علـيك كذبـا, قال: «فإنـي نَذِيرٌ لَكُمْ بـينَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ», فقال أبو لهب: تبـا لك, ما جمعتنا إلا لهذا؟ ثم قام فنزلت هذه السورة: تَبّتْ يَدَا أبـي لَهَبٍ وقد تبّ, كذا قرأ الأعمش, إلـى آخر السورة.
حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا أبو معاوية بن هشام, عن سفـيان, عن حبـيب, عن سعيد, عن ابن عبـاس, قال: لـما نزلت وأنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِـينَ خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقام علـى الصفـا, فقال: «يا صَبـاحاهُ»
قال: ثنا خالد بن عمرو, قال: حدثنا سفـيان الثوريّ, عن حبـيب بن أبـي ثابت, عن سعيد بن جُبَـير, عن ابن عبـاس, قال: لـما نزلت وأنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِـينَ, قام رسول الله صلى الله عليه وسلم علـى الصفـا, فقال: «يا صَبـاحاهُ» فجعل يُعَدّدُهم: «يا بَنِـي فُلانٍ, وَيا بَنِـي فُلانٍ, وَيا بَنِـي عَبْدِ مَنافٍ».
20372ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن مغيرة, عن عمرو بن مرّة الـجَمَلـيّ, قال: لـما نزلت: وأنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِـينَ قال: أتـى جبلاً, فجعل يهتف: يا صَبـاحاهُ», فأتاه مَنْ خَفّ من الناس, وأرسل إلـيه الـمتثاقلون من الناس رُسُلاً, فجعلوا يجيئون يتّبعون الصوت فلـما انتهوا إلـيه قال: «إنّ مِنْكُمْ مَنْ جاءَ لِـيَنْظُرَ, وَمِنْكُمْ مَنْ أَرْسلَ لـينظرَ مَن الهاتفُ», فلـما اجتـمعوا وكثروا قال: «أرأيْتَكُمْ لَوْ أخْبَرْتُكُمْ أنّ خَيْلاً مُصَبّحَتُكُمْ مِنْ هَذَا الـجَبَل, أكُنْتُـمْ مُصَدّقـيّ؟» قالوا: نعم, ما جرّبنا علـيك كذبـا, فقرأ علـيهم هذه الاَيات التـي أنزلن, وأنذرهم كما أُمِر, فجعل ينادي: «يا قُرَيْشُ, يا بَنِـي هاشِمٍ» حتـى قالَ: «يا بَنِـي عَبْدِ الـمُطّلِبِ, إنّـي نَذِيرٌ لَكُمْ بـينَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ».
20373ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن عمرو: أنه كان يقرأ: وأنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِـينَ ورَهْطَكَ الـمُخْـلِصين.
20374ـ قال: ثنا سَلَـمة, قال: ثنـي مـحمد بن إسحاق, عن عبد الغفـار بن القاسم, عن الـمِنهال بن عمرو, عن عبد الله بن الـحارث بن نوفل بن الـحارث بن عبد الـمطلب, عن عبد الله بن عبـاس, عن علـيّ بن أبـي طالب: لـما نزلت هذه الاَية علـى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِـينَ دعانـي رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال لـي: «يا علـيّ, إنّ اللّهَ أمَرَنِـي أنْ أنْذِرْ عَشِيرَتِـي الأقْرَبِـينَ», قال: «فضقت بذلك ذَرْعا, وعرفت أنى متـى ما أنادهم بهذا الأمر أَرَ منهم ما أكره, فصمتّ حتـى جاء جبرائيـل, فقال: يا مـحمد, إنك إلاّ تفعلْ ما تؤمر به يعذّبْك ربك. فـاصنع لنا صاعا من طعام, واجعل علـيه رجل شاة, واملأ لنا عُسّا من لبن, ثم اجمع لـي بنـي عبد الـمطّلب, حتـى أكلـمّهم, وأبلغهم ما أمرت به», ففعلت ما أمرنـي به, ثم دعوتهم له, وهم يومئذ أربعون رجلاً, يزيدون رجلاً أو ينقصونه, فـيهم أعمامه: أبو طالب, وحمزة, والعبـاس, وأبو لهب فلـما اجتـمعوا إلـيه دعانـي بـالطعام الذي صنعت لهم, فجئت به. فلـما وضعته تناول رسول الله صلى الله عليه وسلم حِذْية من اللـحم, فشقها بأسنانه, ثم ألقاها فـي نواحي الصّحفة, قال: «خُذُوا بـاسم الله», فأكل القوم حتـى ما لهم بشيء حاجة, وما أرى إلا مواضع أيديهم وَايْـمُ الله الذي نفس علـيّ بـيده إن كان الرجل الواحد لـيأكل ما قدّمتُ لـجميعهم, ثم قال: «اسْقِ النّاسَ», فجِئْتُهُمْ بذلك العُسّ, فشربوا حتـى رَوُوا منه جميعا, وايـمُ الله إن كان الرجل الواحد منهم لـيشرب مثله فلـما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكلـمهم, بَدَرَه أبو لهَب إلـى الكلام, فقال: لَهَدّ ما سحركم به صاحبكم, فتفرّق القوم ولـم يكلـمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال: «الغَدَ يا علـيّ, إنّ هَذَا الرّجُلَ قَد سَبَقَنِـي إلـى ما قَدْ سَمِعْتَ مِنَ القَوْلِ, فَتفرّق القوم قبلَ أنْ أُكَلّـمَهُمْ, فَأعِدّ لَنا مِنَ الطّعامِ مِثْلَ الّذِي صَنَعْتَ, ثُمّ اجمَعْهُمْ لـي», قال: ففعلت ثم جمعتهم, ثم دعانـي بـالطعام, فقرّبته لهم, ففعل كما فعل بـالأمس, فأكلوا حتـى ما لهم بشيء حاجة, قال: «اسْقِهِمْ», فجئتهم بذلك العسّ فشربوا حتـى رَوُوا منه جميعا, ثم تكلـم رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال: «يا بَنِـي عَبْدِ الـمُطلِبِ, إنّـي وَاللّهِ ما أعْلَـمُ شابـا فِـي العَرَبِ جاءَ قَوْمَهُ بأفْضَلَ مِـمّا جِئْتُكُمْ بِهِ, إنّـي قَدْ جِئْتُكُمْ بِخَيْرِ الدّنْـيا والاَخِرَةِ, وَقَدْ أمَرَنِـي اللّهُ أنْ أدْعُوَكُمْ إلَـيْهِ, فَأيّكُمْ يُؤَازِرُنِـي عَلـى هَذَا الأَمْرِ, عَلـى أنْ يَكُونَ أخِي» وكَذَ وكَذَا؟ قال: فأحجم القوم عنها جميعا, وقلت وإنـي لأحدَثهم سنا, وأرمصهم عينا, وأعظمهم بطنا, وأخمشهم ساقا. أنا يا نبـيّ الله أكونُ وزيرك, فأخذ برقبتـي, ثم قال: «إن هذا أخي» وكذا وكذا, «فـاسمعوا له وأطيعوا», قال: فقام القوم يضحكون, ويقولون لأبـي طالب: قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع.
20375ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, قال: ثنـي إسحاق, عن عمرو بن عبـيد, عن الـحسن بن أبـي الـحسن, قال: لـما نزلت هذه الاَية علـى رسول الله صلى الله عليه وسلم: وأنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِـينَ قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بـالأبطح, ثم قال: «يا بَنِـي عَبْدِ الـمُطّلِبِ, يا بَنِـي عَبْدِ مَنافٍ, يا بَنِـي قُصَيّ», قال: ثم فَخّذ قريشا قبـيـلة قبـيـلة, حتـى مرّ علـى آخرهم, «إنّـي أدْعُوكُمْ إلـى اللّهِ, وأُنْذِرُكُمْ عَذَابَهُ».
20376ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله وأنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِـينَ قال: أُمِر مـحمد أن ينذر قومه, ويبدأ بأهل بـيته وفصيـلته, قال: وَكَذّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الـحَقّ.
20377ـ حدثنا الـحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا مَعْمَر, عن هشام بن عروة, عن أبـيه, قال: وَلـما نزلت: وأنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِـينَ قال النبـيّ صلى الله عليه وسلم: «يا فـاطِمَةُ بِنْتُ مُـحَمّدٍ, يا صَفِـيّةُ بِنْتَ عَبْدِ الـمُطّلِبِ, اتّقُوا النّارَ وَلَوْ بِشِقّ تَـمْرَةٍ».
20378ـ حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: وأنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِـينَ بدأ بأهل بـيته وفصيـلته.
20379ـ حدثنا الـحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة, قال: لـما نزلت: وأنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِـينَ جمع النبـيّ صلى الله عليه وسلم بنـي هاشم, فقال: «يا بنـي هاشم, ألا لا ألْفِـيَنّكُمْ تَأْتُونِـي تَـحْمِلُونَ الدّنْـيا, وَيأتِـي النّاسُ يَحْمِلُونَ الاَخِرَةَ, ألا إنّ أوْلـيائي مِنْكُمُ الـمُتّقُونَ, فـاتّقُوا النّارَ وَلَوْ بِشقّ تَـمْرَةٍ».
20380ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, قال: لـما نزلت هذه الاَية بدأ بأهل بـيته وفصيـلته قال: وشقّ ذلك علـى الـمسلـمين, فأنزل الله تعالـى: وَاخْفِضْ جَناحَكَ لَـمنِ اتّبَعَكَ مِنَ الـمُؤْمِنِـينَ.
وقوله: وَاخْفِضْ جَناحَكَ يقول: وألن جانبك وكلامك لَـمِنَ اتّبَعَكَ مِنَ الـمُؤْمِنِـينَ كما.
20381ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وَاخْفِضْ جَناحَكَ لَـمِنِ اتّبَعَكَ مِنَ الـمُؤْمِنِـينَ قال: يقول: لِنْ لهم.
الآية : 216-220
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنّي بَرِيَءٌ مّمّا تَعْمَلُونَ * وَتَوكّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرّحِيمِ * الّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلّبَكَ فِي السّاجِدِينَ * إِنّهُ هُوَ السّمِيعُ الْعَلِيمُ }.
يقول تعالـى ذكره: فإن عصتك يا مـحمد عشيرتك الأقربون الذين أمرتك بإنذارهم, وأبوا إلا الإقامة علـى عبـادة الأوثان, والإشراك بـالرحمن, فقل لهم: إنّـي بَرِيءٌ مِـمّا تَعْمَلُونَ من عبـادة الأصنام ومعصية بـاريء الأنام وَتَوَكّلْ عَلـى العَزِيزِ فـي نقمته من أعدائه الرّحِيـمِ بـمن أناب إلـيه وتاب من معاصيه, الّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ يقول: الذي يراك حين تقوم إلـى صلاتك. وكان مـجاهد يقول فـي تأويـل ذلك ما:
20382ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج عن مـجاهد, قوله: الّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ قال: أينـما كنت.
وَتَقَلّبَكَ فِـي السّاجِدِينَ اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك, فقال بعضهم: معنى ذلك: ويرى تقلبك فـي صلاتك حين تقوم, ثم تركع, وحين تسجد. ذكر من قال ذلك:
20383ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس قوله: وَتَقَلّبَكَ فِـي السّاجِدِينَ يقول: قـيامك وركوعك وسجودك.
20384ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, قال: سمعت أبـي وعلـيّ بن بذيـمة يحدّثان عن عكرِمة فـي قوله: يَراكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلّبَكَ فِـي السّاجِدِينَ قال: قـيامه وركوعه وسجوده.
حدثنا الـحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, قال: قال عكرِمة, فـي قوله: وَتَقَلّبَكَ فِـي السّاجِدِينَ قال: قائما وساجدا وراكعا وجالسا.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ويرى تقلبك فـي الـمصلـين, وإبصارك منهم من هو خـلفك, كما تبصر من هو بـين يديك منهم. ذكر من قال ذلك:
20385ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن لـيث, عن مـجاهد وَتَقَلّبَكَ فِـي السّاجِدِينَ كان يرى من خـلفه, كما يرى من قدّامه.
حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قوله وَتَقَلّبَكَ فِـي السّاجِدِينَ قال: الـمصلـين كان يرى مَن خـلفه فـي الصلاة.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد, قوله وَتَقَلّبَكَ فِـي السّاجِدِينَ قال: الـمصلـين, قال: كان يرى فـي الصلاة من خـلفه.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: وتقلبك مع الساجدين: أي تصرفك معهم فـي الـجلوس والقـيام والقعود. ذكر من قال ذلك:
20386ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, قال: قال ابن جُرَيج: أخبرنـي عطاء الـخراسانـي عن ابن عبـاس, قال: وَتَقَلّبَكَ فِـي السّاجِدِينَ قال: يراك وأنت مع الساجدين تَقَلّب وتقوم وتقعد معهم.
20387ـ حدثنا الـحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قَتادة, فـي قوله: وَتَقَلّبَكَ فِـي السّاجِدِينَ قال: فـي الـمصلـين.
20388ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وَتَقَلّبَكَ فِـي السّاجِدِينَ قال: فـي الساجدين: الـمصلـين.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ويرى تصرّفك فـي الناس. ذكر من قال ذلك:
20389ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا يحيى, قال: حدثنا ربـيعة بن كلثوم, قال: سألت الـحسن عن قوله: وَتَقَلّبَكَ فِـي السّاجِدِينَ قال: فـي الناس.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: وتصرّفك فـي أحوالك كما كانت الأنبـياء من قبلك تفعله, والساجدون فـي قول قائل هذا القول: الأنبـياء. ذكر من قال ذلك:
20390ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا ابن يـمان, عن أشعث, عن جعفر, عن سعيد, فـي قوله: الّذِي يَرَاكَ... الاَية, قال: كما كانت الأنبـياء من قبلك.
قال أبو جعفر: وأولـى الأقوال فـي ذلك بتأويـله قول من قال تأويـله: ويرى تقلبك مع الساجدين فـي صلاتهم معك, حين تقوم معهم وتركع وتسجد, لأن ذلك هو الظاهر من معناه. فأما قول من وجّهه إلـى أن معناه: وتقلبك فـي الناس, فإنه قول بعيد من الـمفهوم بظاهر التلاوة, وإن كان له وجه, لأنه وإن كان لا شيء إلا وظله يسجد لله, فإنه لـيس الـمفهوم من قول القائل: فلان مع الساجدين, أو فـي الساجدين, أنه مع الناس أو فـيهم, بل الـمفهوم بذلك أنه مع قوم سجود, السجودَ الـمعروف, وتوجيه معانـي كلام الله إلـى الأغلب أولـى من توجيهه إلـى الأنكر. وكذلك أيضا فـي قول من قال: معناه: تتقلّب فـي أبصار الساجدين, وإن كان له وجه, فلـيس ذلك الظاهر من معانـيه.
فتأويـل الكلام إذن: وتوكل علـى العزيز الرحيـم, الذي يراك حين تقوم إلـى صلاتك, ويرى تقلبك فـي الـمؤتـمين بك فـيها بـين قـيام وركوع وسجود وجلوس.
وقوله: إنّهُ هُوَ السّمِيعُ الَعلِـيـمُ يقول تعالـى ذكره: إن ربك هو السميع تلاوتك يا مـحمد, وذكرك فـي صلاتك ما تتلو وتذكر, العلـيـم بـما تعلـم فـيها ويعمل فـيها من يتقلّب فـيها معك مؤتـما بك, يقول: فرتل فـيها القرآن, وأقم حدودها, فإنك بـمرأى من ربك ومسمع.

الآية : 221-227
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {هَلْ أُنَبّئُكُمْ عَلَىَ مَن تَنَزّلُ الشّيَاطِينُ * تَنَزّلُ عَلَىَ كُلّ أَفّاكٍ أَثِيمٍ * يُلْقُونَ السّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ }. يقول تعالـى ذكره: هَلْ أُنَبّئُكُمْ أيها الناس عَلـى مَنْ تَنزّلُ الشّيَاطِينُ من الناس؟ تَنزّلُ عَلـى كُلّ أفّـاكٍ يعنـي كذّاب بهّات أثِـيـمٍ يعنـي: آثم. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
20391ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قوله: كُلّ أفّـاكٍ أثِـيـمٍ قال: كلّ كذّاب من الناس.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد تَنزّلُ عَلـى كُلّ أفّـاكٍ أثِـيـمٍ قال: كذّاب من الناس.
20392ـ حدثنا الـحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قَتادة, فـي قوله: كُلّ أفّـاكٍ أثِـيـمٍ قال: هم الكهنة تسترق الـجنّ السمع, ثم يأتون به إلـى أولـيائهم من الإنس.
20393ـ حدثنـي مـحمد بن عمارة الأسدي, قال: حدثنا عبـيد الله بن موسى, قال: أخبرنا إسرائيـل, عن أبـي إسحاق, عن سعيد بن وهب, قال: كنت عند عبد الله بن الزبـير, فقـيـل له: إن الـمختار يزعم أنه يوحى إلـيه, فقال: صدق, ثم تلا: هَلْ أُنَبّئُكُمْ عَلـى مَنْ تَنزّلُ الشّياطينُ تَنزّلُ عَلـى كُلّ أفّـاكٍ أثِـيـمٍ.
وقوله: يُـلْقُونَ السّمْعَ يقول تعالـى ذكره: يُـلقـي الشياطين السمع, وهو ما يسمعون مـما استرقوا سمعه من حين حدث من السماء, إلـى كُلّ أفـاكٍ أثِـيـمٍ من أولـيائهم من بنـي آدم. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك, قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
20394ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: يُـلْقُونَ السّمْعَ قال: الشياطين ما سمعته ألقته علـى كلّ أفّـاك كذّاب.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد يُـلْقُونَ السّمْعَ الشياطين ما سمعته ألقته عَلـى كُلّ أفّـاكٍ قال: يـلقون السمع, قال: القول.
وقوله: وأكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ يقول: وأكثر من تنزّل علـيه الشياطين كاذبون فـيـما يقولون ويخبرون. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
20395ـ حدثنا الـحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن الزهري, فـي قوله وأكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ عن عروة, عن عائشة قالت: الشياطين تسترق السمع, فتـجيء بكلـمة حقّ فـيقذفها فـي أذن ولـيه قال: ويزيد فـيها أكثر من مئة كذبة. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَالشّعَرَآءُ يَتّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنّهُمْ فِي كُلّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ * إِلاّ الّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ وَذَكَرُواْ اللّهَ كَثِيراً وَانتَصَرُواْ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ وَسَيَعْلَمْ الّذِينَ ظَلَمُوَاْ أَيّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: والشعراء يتبعهم أهل الغيّ لا أهل الرشاد والهدى.
واختلف أهل التأويـل فـي الذين وصفوا بـالغيّ فـي هذا الـموضع فقال بعضهم: رواة الشعر. ذكر من قال ذلك:
20396ـ حدثنـي الـحسن بن يزيد الطحان, قال: حدثنا إسحاق بن منصور, قال: حدثنا قـيس, عن يعلـى, عن عكرمة, عن ابن عبـاس وحدّثنـي أبو كُرَيب, قال: حدثنا طلق بن غنام, عن قـيس وحدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن عطيّة, عن قـيس, عن يعلـى بن النعمان, عن عكرمة, عن ابن عبـاس والشّعَرَاءُ يَتّبِعُهُمُ الغاوُونَ قال: الرواة.
وقال آخرون: هم الشياطين. ذكر من قال ذلك:
20397ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: وَالشّعَرَاءُ يَتّبِعُهُمُ الغاوُونَ: الشياطين.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد, مثله.
20398ـ حدثنا الـحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قَتادة, فـي قوله: يَتّبِعُهُمُ الْغاوُونَ قال: يتبعهم الشياطين.
20399ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا يحيى بن سعيد وعبد الرحمن, قالا: حدثنا سفـيان, عن سلـمة بن كهيـل, عن عكرِمة, فـي قوله وَالشّعَرَاءُ يَتّبِعُهُمُ الغاوُونَ قال: عصاة الـجنّ.
وقال آخرون: هم السفهاء, وقالوا: نزل ذلك فـي رجلـين تهاجيا علـى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. ذكر من قال ذلك:
20400ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: وَالشّعَرَاءُ يَتّبِعُهُمُ الغاوُونَ... إلـى آخر الاَية, قال: كان رجلان علـى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحدهما من الأنصار, والاَخر من قوم آخرين, وأنهما تهاجيا, وكان مع كل واحد منهما غواة من قومه, وهم السفهاء, فقال الله: وَالشّعَرَاءُ يَتّبِعُهُمُ الغاوونَ, ألَـمْ تَرَ أنّهُمْ فِـي كُلّ وَادٍ يَهِيـمُونَ.
20401ـ حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: وَالشّعَرَاءُ يَتّبِعُهُمُ الغاوُونَ قال: كان رجلان علـى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحدهما من الأنصار, والاَخر من قوم آخرين, تهاجيا, مع كلّ واحد منهما غواة من قومه, وهم السّفهاء.
وقال آخرون: هم ضلال الـجنّ والإنس. ذكر من قال ذلك:
20402ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس وَالشّعَرَاءُ يَتّبِعُهُمُ الْغاوُونَ قال: هم الكفـار يتبعهم ضلال الـجنّ والإنس.
20403ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قول الله: وَالشّعَرَاءُ يَتّبِعُهُمُ الْغاوُونَ قال: الغاوونَ الـمشركون.
قال أبو جعفر: وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب أن يقال فـيه ما قال الله جلّ ثناؤه: إن شعراء الـمشركين يتبعهم غواة الناس, ومردة الشياطين, وعصاة الـجنّ, وذلك أن الله عمّ بقوله: وَالشّعَرَاءُ يَتّبِعُهُمُ الْغاوُونَ فلـم يخصص بذلك بعض الغواة دون بعض, فذلك علـى جميع أصناف الغواة التـي دخـلت فـي عموم الاَية. قوله: ألَـمْ تَرَ أنّهُمْ فِـي كُلّ وَادٍ يَهِيـمونَ يقول تعالـى ذكره: ألـم تر يا مـحمد أنهم, يعنـي الشعراء فـي كلّ وادٍ يذهبون, كالهائم علـى وجهه علـى غير قصد, بل جائزا علـى الـحقّ, وطريق الرشاد, وقصد السبـيـل. وإنـما هذا مثل ضربه الله لهم فـي افتنانهم فـي الوجوه التـي يفتنون فـيها بغير حقّ, فـيـمدحون بـالبـاطل قوما ويهجون آخرين كذلك بـالكذب والزور. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
20404ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس ألَـمْ تَرَ أنّهُمْ فِـي كُلّ وَادٍ يَهِيـمُونَ يقول: فـي كلّ لغو يخوضون.
20405ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فِـي كُلّ وَادٍ يَهِيـمُونَ قال: فـي كّل فنّ يَفْتَنّون.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد, قوله ألَـمْ تَرَ أنّهُمْ فِـي كُلّ وَادٍ قال: فن يَهِيـمُونَ قال: يقولون.
20406ـ حدثنا الـحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قَتادة, فـي قوله فِـي كُلّ وَادٍ يَهِيـمُونَ قال: يـمدحون قوما ببـاطل, ويشتـمون قوما ببـاطل.
وقوله: وَأنّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ يقول: وأن أكثر قـيـلهم بـاطل وكذب. كما:
20407ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس: وَأنّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ يقول: أكثر قولهم يكذبون, وعنـي بذلك شعراء الـمشركين. كما:
20408ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال عبد الرحمن بن زيد: قال رجل لأبـي: يا أبـا أسامة, أرأيت قول الله جلّ ثناؤه: وَالشّعَرَاءُ يَتّبِعُهُمُ الْغاوُونَ ألَـمْ تَرَ أنّهُمْ فِـي كُلّ وَادٍ يَهِيـمُونَ وَأنّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ فقال له أبـي: إنـما هذا لشعراء الـمشركين, ولـيس شعراء الـمؤمنـين, ألا ترى أنه يقول: إلاّ الّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِـحاتِ... الـخ. فقال: فَرّجت عنـي يا أبـا أسامة فرّج الله عنك.
وقوله: إلاّ الّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِـحاتِ وهذا استثناء من قوله وَالشّعَرَاءُ يَتّبِعُهُمُ الْغاوُونَ إلاّ الّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِـحاتِ. وذُكر أن هذا الاستثناء نزل فـي شعراء رسول الله صلى الله عليه وسلم, كحسان بن ثابت, وكعب بن مالك, ثم هو لكلّ من كان بـالصفة التـي وصفه الله بها. وبـالذي قلنا فـي ذلك جاءت الأخبـار. ذكر من قال ذلك:
20409ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة وعلـيّ بن مـجاهد, وإبراهيـم بن الـمختار, عن ابن إسحاق, عن يزيد بن عبد الله بن قُسَيط, عن أبـي الـحسن سالـم البرّاد مولـى تـميـم الداري, قال: لـما نزلت: وَالشّعَرَاءُ يَتّبِعُهُمُ الْغاوُونَ قال: جاء حسان بن ثابت وعبد الله بن رواحة, وكعب بن مالك إلـى رسول الله صلى الله عليه وسلم, وهم يبكون, فقالوا: قد علـم الله حين أنزل هذه الاَية أنّا شعراء, فتلا النبـيّ صلى الله عليه وسلم: إلاّ الّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِـحاتِ, وَذَكَرُوا اللّهَ كَثـيرا, وانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِـمُوا, وَسَيَعْلَـمُ الّذِينَ ظَلَـمُوا أيّ مُنْقَلَب يَنْقَلِبُونَ.
20410ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, قال: حدثنا مـحمد بن إسحاق, عن بعض أصحابه, عن عطاء بن يسار, قال: نزلت وَالشّعَرَاءُ يَتّبِعُهُمُ الْغاوُونَ إلـى آخر السورة فـي حسّان بن ثابت, وعبد الله بن رواحة وكعب بن مالك.
20411ـ قال: ثنا يحيى بن واضح, عن الـحسين, عن يزيد, عن عكرمة وطاوس, قالا: قال وَالشّعَرَاءُ يَتّبِعُهُمُ الْغاوُونَ ألَـمْ تَرَ أنّهُمْ فِـي كُلّ وَادٍ يَهِيـمُونَ وَأنّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يفْعَلُونَ, فنسخ من ذلك واستثنى, قال: إلاّ الّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِـحاتِ... الاَية.
20412ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قال: ثم استثنى الـمؤمنـين منهم, يعنـي الشعراء, فقال: إلاّ الّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِـحاتِ.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, قال: قال ابن عبـاس, فذكر مثله.
20413ـ حدثنا الـحسن قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قَتادة إلاّ الّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِـحاتِ وَذَكَرُوا اللّهَ كَثِـيرا, وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِـمُوا قال: هم الأنصار الذين هاجروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
20414ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا عيسى بن يونس, عن مـحمد بن إسحاق, عن يزيد بن عبد الله بن قسيط, عن أبـي حسن البراد, قال: لـما نزلت: وَالشّعَرَاءُ يَتّبِعُهُمُ الْغاوُونَ ثم ذكر نـحو حديث ابن حميد عن سلـمة.
وقوله: وَذَكَرُوا اللّهَ كَثِـيرا اختلف أهل التأويـل فـي حال الذكر الذي وصف الله به هؤلاء الـمستثنـين من الشعراء, فقال بعضهم: هي حال منطقهم ومـحاورتهم الناس, قالوا: معنى الكلام: وذكروا الله كثـيرا فـي كلامهم. ذكر من قال ذلك:
20415ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس إلاّ الّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِـحاتِ, وَذَكَرُوا اللّهَ كَثِـيرا فـي كلامهم.
وقال آخرون: بل ذلك فـي شعرهم. ذكر من قال ذلك:
20416ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله وَذَكَرُوا اللّهَ كَثِـيرا قال: ذكروا الله فـي شعرهم.
قال أبو جعفر: وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب أن يقال: إن الله وصف هؤلاء الذين استثناهم من شعراء الـمؤمنـين بذكر الله كثـيرا, ولـم يخص ذكرهم الله علـى حال دون حال فـي كتابه, ولا علـى لسان رسوله, فصفتهم أنهم يذكرون الله كثـيرا فـي كلّ أحوالهم.
وقوله: وانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِـمُوا يقول: وانتصروا مـمن هجاهم من شعراء الـمشركين ظلـما بشعرهم وهجائهم إياهم, وإجابتهم عما هجوهم به. وبنـحو الذي قلنا فـي تأويـل ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
20417ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس وانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِـمُوا قال: يردّون علـى الكفـار الذين كانوا يهجون الـمؤمنـين.
20418ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وانْتَصَرُوا من الـمشركين مِنْ بَعْدِ ما ظُلِـمُوا.
وقـيـل: عنـي بذلك كله الرهط الذين ذكرت. ذكر من قال ذلك:
20419ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا علـيّ بن مـجاهد وإبراهيـم بن الـمختار, عن ابن إسحاق, عن يزيد بن عبد الله بن قسيط, عن أبـي الـحسن سالـم البرّاد مولـى تـميـم الداري, قال: لـما نزلت: وَالشّعَرَاءُ يَتّبِعُهُمُ الغاوُونَ جاء حسّان بن ثابت وعبد الله بن رواحة, وكعب بن مالك إلـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم وهم يبكون, فقالوا: قد علـم الله حين أنزل هذه الاَية أنا شعراء, فتلا النبـيّ صلى الله عليه وسلم: إلاّ الّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِـحاتِ, وَذَكَرُوا اللّهَ كَثـيرا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِـمُوا.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا عيسى بن يونس, عن مـحمد بن إسحاق, عن يزيد بن عبد الله بن قسيط, عن أبـي حسن البرّاد, قال: لـما نزلت وَالشّعَرَاءُ يَتّبِعُهُمُ الغاوُونَ ثم ذكر نـحوه.
20420ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِـمُوا قال عبد الله بن رواحة وأصحابه.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِـمُوا قال: عبد الله بن رواحة.
وقوله: وَسَيَعْلَـمُ الّذِينَ ظَلَـمُوا يقول تعالـى ذكره: وسيعلـم الذين ظلـموا أنفسهم بشركهم بـالله من أهل مكة أيّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ يقول: أيّ مرجع يرجعون إلـيه, وأيّ معاد يعودون إلـيه بعد مـماتهم, فإنهم يصيرون إلـى نار لا يُطفأ سعيرها, ولا يَسْكُن لهبها. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك, قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
20421ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, وعلـيّ بن مـجاهد, وإبراهيـم بن الـمختار, عن ابن إسحاق, عن يزيد بن عبد الله بن قسيط, عن أبـي الـحسن سالـم البرّاد مولـى تـميـم الداري وَسَيَعْلَـمُ الّذِينَ ظَلَـمُوا أيّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ يعنـي: أهل مكة.
20422ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وَسَيَعْلَـمُ الّذِينَ ظَلَـمُوا أيّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ قال: وسيعلـم الذين ظلـموا من الـمشركين أيّ منقلب ينقلبون.
آخر تفسير سورة الشعراء

نهاية تفسير الإمام الطبري لسورة الشعراء