تفسير الطبري تفسير الصفحة 389 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 389
390
388
 الآية : 29
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَلَمّا قَضَىَ مُوسَى الأجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطّورِ نَاراً قَالَ لأهْلِهِ امْكُثُوَاْ إِنّيَ آنَسْتُ نَاراً لّعَلّيَ آتِيكُمْ مّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مّنَ النّارِ لَعَلّكُمْ تَصْطَلُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: فلـما وفّـى موسى صاحبه الأجل الذي فـارقه علـيه, عند إنكاحه إياه ابنته, وذكر أن الذي وفّـاه من الأجلـين, أتـمهما وأكملهما, وذلك العشر الـحجج, علـى أن بعض أهل العلـم قد روى عنه أنه قال: زاد مع العشر عَشْرا أخرى. ذكر من قال: الذي قضى من ذلك هو الـحِجَج العَشْر:
20873ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن عطاء بن السائب, عن سعيد بن جبـير, قال: سألت ابن عبـاس: أيّ الأجلـين قضى موسى؟ قال: خيرهما وأوفـاهما.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن سفـيان, عن عطاء بن السائب, عن سعيد بن جُبَـير, عن ابن عبـاس سئل: أيّ الأجلـين قضى موسى؟ قال: أتـمهما وأخيَرَهما.
حدثنـي مـحمد بن عمارة, قال: حدثنا عبـيد الله بن موسى, قال: حدثنا موسى بن عُبـيدة, عن أخيه, عن سعيد بن جُبَـير, عن ابن عبـاس, قال: قضى موسى آخر الأجلـين.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا ابن عبـيدة, عن الـحكم بن أبـان, عن عكرِمة, سئل ابن عبـاس: أيّ الأجلـين قضى موسى؟ قال: أتـمهما وأوفـاهما.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, قال: ثنـي ابن إسحاق, عن حكيـم بن جُبَـير, عن سعيد بن جبـير, قال: قال يهودي بـالكوفة وأنا أتـجهّز للـحجّ: إنـي أراك رجلاً تتتبع العلـم, أخبرنـي أيّ الأجلـين قضى موسى؟ قلت: لا أعلـم, وأنا الاَن قادم علـى حَبْر العرب, يعنـي ابن عبـاس, فسائله عن ذلك فلـما قدِمت مكة سألت ابن عبـاس عن ذلك وأخبرته بقول الـيهوديّ, فقال ابن عبـاس: قضى أكثرهما وأطيبهما, إن النبـيّ إذا وعد لـم يخـلِف, قال سعيد: فقدمت العراق فلقـيت الـيهودي, فأخبرته, فقال: صدق, وما أنزل علـى موسى هذا, والله العالـم.
قال: ثنا يزيد, قال: حدثنا الأصبغ بن زيد, عن القاسم بن أبـي أيوب, عن سعيد بن جُبَـير, قال: سألنـي رجل من أهل النصرانـية: أيّ الأجلـين قضى موسى؟ قلت: لا أعلـم, وأنا يومئذٍ لا أعلـم, فلقـيت ابن عبـاس, فذكرت له الذي سألنـي عنه النصرانـي, فقال: أما كنت تعلـم أن ثمانـيا واجب علـيه, لـم يكن نبـيّ الله نقص منها شيئا, وتعلـم أن الله كان قاضيا عن موسى عِدَته التـي وعده, فإنه قضى عشر سنـين.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة فَلَـمّا قَضَى مُوسَى الأَجَلَ قال: حدّث ابن عبـاس, قال: رعى علـيه نبـيّ الله أكثرها وأطيبها.
20874ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن أبـي معشر, عن مـحمد بن كعب القُرَظيّ, قال: سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيّ الأجلـين قضى موسى؟ قال: «أوْفـاهُما وأتَـمّهُما».
20875ـ حدثنا أحمد بن مـحمد الطوسي, قال: حدثنا الـحميدي أبو بكر بن عبد الله بن الزّبـير, قال: حدثنا سفـيان, قال: ثنـي إبراهيـم بن يحيى بن أبـي يعقوب, عن الـحكم بن أبـان, عن عكرِمة, عن ابن عبـاس, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «سألْتُ جَبْرَائِيـلَ: أيّ الأَجَلَـيْنِ قَضَى مُوسَى؟ قال: أتَـمّهُما وأكمَلَهُما».
20876ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, قال: قال مـجاهد: إن النبـيّ صلى الله عليه وسلم سأل جبرائيـل: «أيّ الأَجَلَـيْنِ قَضَى مُوسَى؟ قال سَوْفَ أسأَلُ إسْرَافِـيـلَ, فَسألَهُ فَقالَ: سَوْفَ أسأَلُ اللّهَ تَبـارَكَ وَتَعالـى, فَسأَلَهُ, فَقالَ: أبَرّهُما وأوْفـاهُما». ذكر من قال: قضى العَشْر الـحِجَج وزاد علـى العشْر عشرا أخرى:
20877ـ حدثنا مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: فَلَـمّا قَضَى مُوسَى الأَجَلَ قال: عشر سنـين, ثم مكث بعد ذلك عشرا أخرى.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد قَضَى موسَى الأجَلَ عشر سنـين, ثم مكث بعد ذلك عشرا أخرى.
20878ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا معاذ بن هشام, قال: حدثنا أبـي, عن قَتادة, قال: حدثنا أنس, قال: لـما دعا نبـيّ الله موسى صاحبه إلـى الأجل الذي كان بـينهما, قال له صاحبه: كلّ شاة ولدت علـى غير لونها فلك ولد, فعمد, فرفع خيالاً علـى الـماء, فلـما رأت الـخيال, فزعت, فجالت جولة فولدن كلهنّ بُلقا, إلاّ شاة واحدة, فذهب بأولادهنّ ذلك العام.
وقوله: وَسارَ بأهْلِهِ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطورِ نارا يقول تعالـى ذكره: فَلَـمّا قَضَى موسَى الأجَلَ وَسَارَ بِأهْلِهِ شاخصا بهم إلـى منزله من مصر آنَسَ مِنْ جانِبِ الطّورِ يعنـي بقوله: آنس: أبصر وأحسّ كما قال العجّاج:
آنَسَ خِرْبـانَ فَضَاءٍ فـانْكَدَرْدَانَى جَناحَيْهِ مِنَ الطّورِ فَمَرّ
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. وقد ذكرناالرواية بذلك فـيـما مضى قبل, غير أنا نذكر ههنا بعض ما لـم نذكر قبل. ذكر من قال ذلك:
20879ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة آنَسَ مِنْ جانِبِ الطّورِ نارا قالَ لأَهْلِهِ: امْكُثُوا إنّـي آنَسْتُ نارا: أي أحسست نارا.
وقد بـيّنا معنى الطور فـيـما مضى بشواهده, وما فـيه من الرواية عن أهل التأويـل.
وقوله: لأَهْلِهِ امْكُثُوا إنّـي آنَسْتُ نارا يقول: قال موسى لأهله: تـمهّلوا وانتظروا: إنّـي أبصرت نارا لَعَلّـي آتِـيكُمْ مِنْها يعنـي من النار بِخَبرٍ أو جَذْوَةٍ مِنَ النّارِ يقول: أو آتـيكم بقطعة غلـيظة من الـحطب فـيها النار, وهي مثل الـجِذْمة من أصل الشجرة ومنه قول ابن مقبل:
بـاتَتْ حَوَاطِبُ لَـيْـلَـى يَـلْتَـمِسْنَ لَهَاجَزْلَ الـجِذَا غيرَ خَوّارٍ وَلا دَعِرِ
وفـي الـجِذوة لغات للعرب ثلاث: جِذوة بكسر الـجيـم, وبها قرأت قرّاء الـحجاز والبصرة وبعض أهل الكوفة, وهي أشهر اللغات الثلاث فـيها: وجَذوة بفتـج الـجيـم, وبها قرأ أيضا بعض قرّاء الكوفة. وهذه اللغات الثلاث وإن كنّ مشهورات فـي كلام العرب, فـالقراءة بأشهرها أعجب إلـيّ, وإن لـم أنكر قراءة من قرأ بغير الأشهر منهنّ. وبنـحو الذي قلنا فـي معنى الـجَذوة قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
20880ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية عن علـي, عن ابن عبـاس, قوله أوْ جَذْوَةٍ مِنَ النّارِ يقول شهاب.
20881ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة أوْ جَذْوَةٍ والـجذوة: أصل شجرة فـيها نار.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا أبو سفـيان, عن معمر, عن قَتادة, قوله إنّـي آنَسْتُ نارا لَعَلّـي آتِـيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أوْ جَذْوَةٍ مِنَ النّارِ قال: أصل الشجرة فـي طَرَفها النار, فذلك قوله أوْ جَذْوَةٍ قال: السّعف فـيه النار. قال مَعْمر, وقال قتادة أوْ جَذْوَةٍ: أو شُعلة من النار.
20882ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله أوْ جَذْوَةٍ مِنَ النّارِ قال: أصل شجرة.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد أوْ جَذْوَةٍ مِنَ النّارِ قال: أصل شجرة.
20883ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله أوْ جَذْوَةٍ مِنَ النّارِ قال: الـجَذوة: العود من الـحطب الذي فـيه النار, ذلك الـجذوة.
وقوله: لَعَلّكُمْ تَصْطَلُونَ يقول: لعلكم تسخَنون بها من البرد, وكان فـي شتاء.
الآية : 30
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَلَمّآ أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِىءِ الْوَادِي الأيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشّجَرَةِ أَن يَمُوسَىَ إِنّيَ أَنَا اللّهُ رَبّ الْعَالَمِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: فلـما أتـى موسى النارَ التـي آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطّورِ نُودِيَ مِنْ شَاطِىء الْوَادِ الأَيـمَنِ يعنـي بـالشاطىء: الشطّ, وهو جانب الوادي وعدوته, والشاطىء يجمع شواطىء وشطآن. والشطّ: الشُطوطَ. والأيـمن: نعت من الشاطىء عن يـمين موسى. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
20884ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله مِنْ شاطِىءِ الوَادِ الأيـمَنِ قال ابن عمرو فـي حديثه عند الطور. وقال الـحارث فـي حديثه من شاطىء الوادي الأيـمن عند الطور عن يـمين موسى.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد فَلَـمّا أتاها نُودِيَ مِنْ شاطِىءِ الوَادِ الأيـمَنِ قال: شِقّ الوادي عن يـمين موسى عند الطور.
وقوله: فـي البُقْعة الـمبـاركة من صلة الشاطىء.
وتأويـل الكلام: فلـما أتاها نادى الله موسى من شاطىءِ الوادي الأيـمن فـي البقعة الـمبـاركة منه من الشجرة: أنْ يا مُوسَى إنّـي أنا اللّهُ رَبّ العالَـمِينَ.
وقـيـل: إن معنى قوله مِنَ الشّجَرَةِ: عند الشجرة. ذكر من قال ذلك:
20885ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة, قوله فَلَـمّا أتاها نُودِيَ مِنْ شاطىءِ الوَادِ الأيـمَنِ فِـي البُقْعَةِ الـمُبـارَكَةِ مِنَ الشّجَرَةِ قال: نودي من عند الشجرة أنْ يا مُوسَى إنـي أنا اللّهُ رَبّ العالَـمِينَ.
وقـيـل: إن الشجرة التـي نادى موسى منها ربه: شجرة عَوْسَج. وقال بعضهم: بل كانت شجرة العُلّـيق. ذكر من قال ذلك:
20886ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي أبو سفـيان, عن معمر, عن قَتادة, فـي قوله الْبُقْعَة الـمبـارَكَةِ مِنَ الشّجَرَةِ قال: الشجرة عوسج. قال معمر, عن قَتادة: عصا موسى من العَوْسج والشجرة من العَوْسَج.
20887ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, عن بعض من لايتهم, عن بعض أهل العلـم إنّـي آنَسْتُ نارا قال: خرج نـحوها, فإذا هي شجرة من العُلّـيق, وبعض أهل الكتاب يقول: هي عَوْسجة.
20888ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبو معاوية, عن الأعمش, عن عمرو بن مرّة, عن أبـي عبـيدة, عن عبد الله قال: رأيت الشجرة التـي نودي منها موسى علـيه السلام, شجرة سَمْراء خضراء ترفّ.
الآية : 31 -32
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمّا رَآهَا تَهْتَزّ كَأَنّهَا جَآنّ وَلّىَ مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقّبْ يَمُوسَىَ أَقْبِلْ وَلاَ تَخَفْ إِنّكَ مِنَ الاَمِنِينَ * اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوَءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رّبّكَ إِلَىَ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: نُودي موسى: أن يا موسى إنّـي أنا اللّهُ ربّ العَالَـمِين. وأنْ ألْقِ عَصَاكَ فألقاها موسى, فصارت حية تسعى فَلَـمّا رآها موسى تَهْتَزّ يقول: تتـحرّك وتضطرب كأنّها جانّ والـجانّ: واحد الـجِنّان, وهي نوع معروف من أنواع الـحيات, وهي منها عظام. ومعنى الكلام: كأنها جانّ من الـحيات وَلّـى مُدْبِرا يقول: ولـى موسى هاربـا منها. كما:
20889ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة وَلّـى مُدْبِرا فـارا منهَا, ولَـمْ يُعَقّبْ يقول: ولـم يرجع علـى عقبه.
وقد ذكرنا الرواية فـي ذلك, وما قاله أهل التأويـل فـيـما مضى, فكرهنا إعادته, غير أنا نذكر فـي ذلك بعض ما لـم نذكره هنالك.
20890ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة ولَـمْ يُعَقّبْ يقول: ولـم يعقب, أي لـم يـلتفت من الفرق.
20891ـ حدثنا موسى, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ ولَـم يُعَقّبْ يقول: لـم ينتظر.
وقوله: يا مُوسَى أقْبِلْ وَلا تَـخَفْ يقول تعالـى ذكره: فنودي موسى: يا موسى أقبل إلـيّ ولا تـخف من الذي تهرب منه إنّكَ مِنَ الاَمِنِـينَ من أن يضرّك, إنـما هو عصاك.
وقوله: اسْلُكْ يَدَكَ فِـي جَيْبِكَ يقول: أدخـل يدك. وفـيه لغتان: سلكته, وأسلكته فِـي جَيْبِكَ يقول: فـي جيب قميصك. كما:
20892ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة اسْلُكْ يَدَكَ فِـي جَيْبِكَ: أي فـي جيب قميصك.
وقد بـيّنا فـيـما مضى السبب الذي من أجله أُمر أن يدخـل يده فـي الـجيب دون الكمّ.
وقوله: تَـخْرُجْ بَـيْضَاءَ مِنْ غيرِ سُوءٍ يقول: تـخرج بـيضاء من غير برص. كما:
20893ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا ابن الـمفضل, قال: حدثنا قرة بن خالد, عن الـحسن, فـي قوله: اسْلُكْ يَدَكَ فِـي جَيْبِكَ تَـخْرُجْ بَـيْضَاءَ مِنْ غيرِ سُوءٍ قال: فخرجت كأنها الـمصبـاح, فأيقن موسى أنه لقـي ربه.
وقوله: وَاضْمُـمْ إلَـيْكَ جَناحَكَ يقول: واضمـم إلـيك يدك. كما:
20894ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, قال: قال ابن عبـاس وَاضْمُـمْ إلَـيْكَ جَناحَكَ قال: يدك.
20895ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن لـيث, عن مـجاهد وَاضْمُـمْ إلَـيْكَ جَناحَكَ قال: وجناحاه: الذراع. والعضد: هو الـجناح. والكفّ: الـيد, اضْمُـمْ يَدَكَ إلَـى جَنَاحِك تَـخْرُجْ بَـيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ.
وقوله: مِنَ الرّهْبِ يقول: من الـخوف والفرَق الذي قد نالك من معاينتك ما عاينت من هول الـحية. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
20896ـ حدثنا مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قوله مِنَ الرّهْبِ قال: الفَرَق.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد, مثله.
20897ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة وَاضْمُـمْ إلَـيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرّهْبِ: أي من الرعب.
20898ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله مِنَ الرّهْبِ قال: مـما دخـله من الفَرَق من الـحية والـخوف, وقال: ذلك الرهب, وقرأ قول الله يَدْعُونَنا رَغَبـا وَرَهَبـا قال: خوفـا وطمعا.
واختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك, فقرأته عامة قرّاء أهل الـحجاز والبصرة: «مِنَ الرّهَب» بفتـح الراء والهاء. وقرأته عامة قرّاء الكوفة: «مِنَ الرّهْبِ» بضم الراء وتسكين الهاء, والقول فـي ذلك أنهما قراءتان متفقتا الـمعنى مشهورتان فـي قرّاء الأمصار, فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب.
وقوله: فَذَانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبّكَ يقول تعالـى ذكره: فهذان اللذان أريتكهما يا موسى من تـحوّل العصا حية, ويدك وهي سمراء, بـيضاء تلـمع من غير برص, برهانان: يقول: آيتان وحجتان وأصل البرهان: البـيان, ويقال للرجل يقول القول إذا سئل الـحجة علـيه: هات برهانك علـى ما تقول: أي هات تبـيان ذلك ومصداقه. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك, قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
20899ـ حدثنا موسى, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ فَذَانِكَ برهانانِ مِنْ رَبّكَ العصا والـيد آيتان.
20900ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قول الله فَذَانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبّكَ تبـيانان من ربك.
20901ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق فَذَانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبّكَ هذان برهانان.
20902ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله فَذَانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبكَ فقرأ: هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ علـى ذلك آية نعرفها, وقال: برهانان آيتان من الله.
واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: فَذَانِكَ فقرأته عامة قرّاء الأمصار, سوى ابن كثـير وأبـي عمرو: فَذَانِكَ بتـخفـيف النون, لأنها نون الاثنـين, وقرأه ابن كثـير وأبو عمرو: «فَذَانّكَ» بتشديد النون.
واختلف أهل العربـية فـي وجه تشديدها, فقال بعض نـحويّـي البصرة: ثقل النون من ثقلها للتوكيد, كما أدخـلوا اللام فـي ذلك. وقال بعض نـحويّـي الكوفة: شددت فرقا بـينها وبـين النون التـي تسقط للإضافة, لأن هاتان وهذان لا تضاف. وقال آخر منهم: هو من لغة من قال: هذا قال ذلك, فزاد علـى الألف ألفـا, كذا زاد علـى النون نونا لـيفصل بـينهما وبـين الأسماء الـمتـمكنة, وقال فـي ذانك إنـما كانت ذلك فـيـمن قال: هذان يا هذا, فكرهوا تثنـية الإضافة فأعقبوها بـاللام, لأن الإضافة تعقب بـاللام. وكان أبو عمرو يقول: التشديد فـي النون فـي ذَانِكَ من لغة قريش إلـى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ يقول: إلـى فرعون وأشراف قومه, حجة علـيهم, ودلالة علـى حقـيقة نبوّتك يا موسى إنّهُمْ كانُوا قَوْما فـاسِقِـينَ يقول: إن فرعون وملأه كانوا قوما كافرين.

الآية : 33 - 34
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ رَبّ إِنّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ * وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنّي لِسَاناً فَأَرْسِلْهِ مَعِيَ رِدْءاً يُصَدّقُنِي إِنّيَ أَخَافُ أَن يُكَذّبُونِ }.
يقول تعالـى ذكره: قال موسى: ربّ إنـي قتلت من قوم فرعون نفسا, فأخاف إن أتـيتهم فلـم أبن عن نفسي بحجة أن يقتلون, لأن فـي لسانـي عقدة, ولا أبـين معها ما أريد من الكلام. وأخي هارون هو أفصح منـي لسانا, يقول: أحسن بـيانا عما يريد أن يبـينه فَأرْسِلْهُ مَعِيَ رَدْءا يقول: عونا. يصدّقنـي: أي يبـين لهم عنـي ما أخاطبهم به. كما:
20903ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق وأخِي هارُونُ هُوَ أفْصَحُ مِنّـي لِسانا, فَأرْسِلْهُ مَعِي رِدْءا يُصَدّقُنِـي: أي يبـين لهم عنـي ما أكلـمهم به, فإنه يفهم ما لا يفهمون. وقـيـل: إنـما سأل موسى ربه يؤيده بأخيه, لأن الاثنـين إذا اجتـمعا علـى الـخبر, كانت النفس إلـى تصديقهما, أسكن منها إلـى تصديق خبر الواحد. ذكر من قال ذلك:
20904ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله فَأرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءا يُصَدقُنِـيّ لأن الاثنـين أحرى أن يصدّقا من واحد. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
20905ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله فَأرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءا يُصَدّقُنِـي قال عونا.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, مثله.
20906ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة, قوله رِدْءا يُصَدّقُنِـي: أي عونا.
وقال آخرون: معنى ذلك: كيـما يصدقنـي. ذكر من قال ذلك:
20907ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس رِدْءا يُصَدّقُنِـي يقول: كي يصدّقنـي.
20908ـ حدثنا موسى, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءا يُصَدّقُنِـي يقول: كيـما يصدّقنـي.
حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس: رِدْءا يُصَدّقُنِـي يقول: كيـما يصدّقنـي. والردء فـي كلام العرب: هو العون, يقال منه: قد أردأت فلانا علـى أمره: أي أكفـيته وأعنته.
واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: يُصَدّقُنِـي فقرأته عامة قرّاء الـحجاز والبصرة: «رِدْءا يُصَدّقْنِـي» بجزم يصدقنـي. وقرأ عاصم وحمزة: «يَصْدُقُنِـي» برفعه, فمن رفعه جعله صلة للردء, بـمعنى: فأرسله معي ردءا من صفته يصدّقنـي ومن جزمه جعله جوابـا لقوله فأرسله, فإنك إذا أرسلته صدّقنـي, علـى وجه الـخبر. والرفع فـي ذلك أحبّ القراءتـين إلـيّ, لأنه مسألة من موسى ربه أن يرسل أخاه عونا له بهذه الصفة.
وقوله: إنّـي أخافُ أنْ يُكَذّبُونِ يقول: إنـي أخاف أن لا يصدقون علـى قولـي لهم إنـي أرسلت إلـيكم.

الآية : 35
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ سَنَشُدّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَاناً فَلاَ يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَآ أَنتُمَا وَمَنِ اتّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: قال الله لـموسى سَنَشُدّ عَضُدَكَ أي نقوّيك ونُعينك بأخيك. تقول العرب إذا أعزّ رجل رجلاً, وأعانه ومنعه مـمن أراده بظلـم: قد شَدّ فلان علـى عَضُد فلان, وهو مِن عاضده علـى أمره: إذا أعانه, ومنه قول ابن مقبل:
عاضَدْتُها بِعَتُودٍ غيرِ مُعْتَلَثٍكأنّهُ وَقْـفُ عاجٍ بـاتَ مَكْنُونا
يعنـي بذلك: قوسا عاضدها بسهم. وفـي العضُد لغات أربع: أجودها: العَضُد, ثم العَضْدُ, ثم العُضُد, والعُضْد. يجمع جميع ذلك علـى أعضاد.
وقوله: ونَـجْعَلُ لَكما سُلْطانا يقول: ونـجعل لكما حجة. كما:
20909ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله لَكُما سُلْطانا حجة.
حدثنا القاسم قال: قال: حدثنا الـحسين قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, مثله.
20910ـ حدثنا موسى, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ ونَـجْعَلُ لَكُما سُلْطانا والسلطان: الـحجة.
وقوله: فَلا يَصِلُونَ إلَـيْكُما يقول تعالـى ذكره: فلا يصل إلـيكما فرعون وقومه بسوء. وقوله: بِآياتِنا يقول تعالـى ذكره: فَلاَ يَصِلُونَ إلَـيْكُمَا فرعون وقومه بِآياتِنا أنْتُـما وَمَنِ اتّبَعَكُما الغالِبُونَ فـالبـاء فِـي قوله بآياتنا من صلة غالبون. ومعنى الكلام: أنتـما ومن اتبعكما الغالبون فرعون وملأه بآياتنا أي بحجتنا وسلطاننا الذي نـجعله لكما