تفسير الطبري تفسير الصفحة 396 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 396
397
395
 الآية : 85
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِنّ الّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَآدّكَ إِلَىَ مَعَادٍ قُل رّبّيَ أَعْلَمُ مَن جَآءَ بِالْهُدَىَ وَمَنْ هُوَ فِي ضَلاَلٍ مّبِينٍ }.
يقول تعالـى ذكره: إن الذي أنزل علـيك يا مـحمد القرآن. كما:
21060ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد, فـي قوله إنّ الّذِي فَرَضَ عَلَـيْكَ القُرآنَ قال: الذي أعطاك القرآن.
حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قول الله إنّ الّذِي فَرَضَ عَلَـيْكَ القُرآنَ قال: الذي أعطاكه.
واختلف أهل التأويـل فـي تأويـل قوله: لَرَادّكَ إلـى مَعادٍ فقال بعضهم: معناه: لـمصيرك إلـى الـجنة. ذكر من قال ذلك:
21061ـ حدثنـي إسحاق بن إبراهيـم بن حبـيب بن الشهيد, قال: حدثنا عتاب بن بشر, عن خَصِيف, عن عكرِمة, عن ابن عبـاس لَرَادّكَ إلـى مَعادٍ قال: إلـى معدِنِك من الـجنة.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا ابن مهدي, عن سفـيان, عن الأعمش, عن رجل, عن سعيد بن جُبَـير عن ابن عبـاس, قال: إلـى الـجنة.
21062ـ حدثنا ابن وكيع, قال: ثنـي أبـي, عن إبراهيـم بن حبـان, سمعت أبـا جعفر, عن ابن عبـاس, عن أبـي سعيد الـخدريّ لَرَادّكَ إلـى مَعادٍ قال: معاده آخرته الـجنة.
21063ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن يـمان, عن سفـيان, عن السديّ, عن أبـي مالك, فـي إِنّ الّذي فَرَضَ عَلَـيْكَ الْقُرآن لرَادّكَ إلـى مَعادٍ قال: إلـى الـجنة لـيسألك عن القرآن.
21064ـ حدثنا أبو كُرَيب وابن وكيع, قالا: حدثنا ابن يـمان, عن سفـيان, عن السديّ, عن أبـي صالـح, قال: الـجنة.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا ابن مهدي, عن سفـيان, عن السديّ, عن أبـي صالـح لَرَادّكَ إلـى مَعادٍ قال: إلـى الـجنة.
حدثنا يحيى بن يـمان, عن سفـيان, عن السديّ, عن أبـي مالك, قال: يردّك إلـى الـجنة, ثم يسألك عن القرآن.
21065ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا يحيى بن يـمان, عن سفـيان, عن جابر, عن عكرمة ومـجاهد, قالا: إلـى الـجنة.
21066ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا أبو تُـمَيـلة, عن أبـي حمزة, عن جابر, عن عكرِمة وعطاء ومـجاهد وأبـي قَزعة والـحسن, قالوا: يوم القـيامة.
21067ـ قال: ثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد لَرَادّكَ إلـى مَعادٍ قال: يجيء بك يوم القـيامة.
21068ـ قال: ثنا الـحسين, قال: حدثنا أبو سفـيان, عن معمر, عن الـحسن والزهري, قالا: معاده يوم القـيامة.
حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد قوله لَرَادّكَ إلـى مَعادٍ قال: يجيء بك يوم القـيامة.
21069ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا هوذة, قال: حدثنا عون, عن الـحسن, فـي قوله لَرَادّكَ إلـى مَعادٍ قال: معادُك من الاَخرة.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة, فـي قوله لَرَادّكَ إلـى مَعادٍ قال: كان الـحسن يقول: إيْ والله, إن له لـمعادا يبعثه الله يوم القـيامة, ويدخـله الـجنة.
وقال آخرون: معنى ذلك: لرادّك إلـى الـموت. ذكر من قال ذلك:
21070ـ حدثنـي إسحاق بن وهب الواسطي, قال: حدثنا مـحمد بن عبد الله الزبـيري, قال: حدثنا سفـيان بن سعيد الثوري, عن الأعمش, عن سعيد بن جُبَـير, عن ابن عبـاس لَرَادّكَ إلـى مَعادٍ قال: الـموت.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا يحيى بن يـمان, عن سفـيان, عن السديّ, عن رجل, عن ابن عبـاس, قال: إلـى الـموت.
21071ـ قال: ثنا أبـي, عن إسرائيـل, عن جابر, عن أبـي جعفر, عن سعيد لَرَادّكَ إلـى مَعادٍ قال: إلـى الـموت.
حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا ابن يـمان, عن سفـيان, عن السديّ عمن سمع ابن عبـاس, قال إلـى الـموت.
حدثنا أبو كُرَيب وابن وكيع, قالا: حدثنا ابن يـمان, عن سفـيان, عن الأعمش, عن سعيد بن جُبَـير, قال: إلـى الـموت.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن الأعمش, عن رجل, عن سعيد بن جُبَـير فـي قوله لَرَادّكَ إلـى مَعادٍ قال: الـموت.
21072ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا أبو تُـمَيـلة, عن أبـي حمزة, عن جابر, عن عديّ بن ثابت, عن سعيد بن جُبَـير, عن ابن عبـاس, قال: إلـى الـموت, أو إلـى مكة.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: لرَادّك إلـى الـموضع الذي خرجت منه, وهو مكة. ذكر من قال ذلك:
21073ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا يعلـى بن عبـيد, عن سفـيان العصفريّ, عن عكرمة, عن ابن عبـاس لَرَادّكَ إلـى مَعادٍ قال: إلـى مكة.
حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس لَرَادّكَ إلـى مَعَادٍ قال: يقول: لرادّك إلـى مكة, كما أخرجك منها.
حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا ابن يـمان, قال: أخبرنا موسى بن أبـي إسحاق, عن مـجاهد, قال: مولده بـمكة.
21074ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي عن يونس ابن أبـي إسحاق, قال: سمعت مـجاهدا يقول: لَرَادّكَ إلَـى مَعَادٍ قال: إلـى مولدك بـمكة.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يحيى بن واضح, قال: حدثنا يونس بن عمرو, وهو ابن أبـي إسحاق, عن مـجاهد, فـي قوله: إنّ الّذِي فَرَضَ عَلَـيْكَ القُرآنَ لَرَادّكَ إلـى مَعادٍ قال: إلـى مولدك بـمكة.
حدثنـي الـحسين بن علـيّ الصدائي, قال: حدثنا أبـي, عن الفضيـل بن مرزوق, عن مـجاهد أبـي الـحجاج, فـي قوله: إنّ الّذِي فَرَضَ عَلَـيْكَ القُرآنَ لَرَادّكَ إلـى مَعادٍ قال: إلـى مولده بـمكة.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي عيسى بن يونس, عن أبـيه, عن مـجاهد قال: إلـى مولدك بـمكة.
والصواب من القول فـي ذلك عندي: قول من قال: لرادّك إلـى عادتك من الـموت, أو إلـى عادتك حيث وُلدت, وذلك أن الـمعاد فـي هذا الـموضع: الـمَفْعَل من العادة, لـيس من العَوْد, إلاّ أن يوجّه مُوَجّه تأويـل قوله: لَرَادّكَ لـمصيرك, فـيتوجه حينئذٍ قوله إلـى مَعادٍ إلـى معنى العود, ويكون تأويـله: إن الذي فرض علـيك القرآن لـمُصَيّرك إلـى أن تعود إلـى مكة مفتوحة لك.
فإن قال قائل: فهذه الوجوه التـي وصفت فـي ذلك قد فهمناها, فما وجه تأويـل من تأوّله بـمعنى: لرادّك إلـى الـجنة؟ قـيـل: ينبغي أن يكون وجه تأويـله ذلك كذلك علـى هذا الوجه الاَخر, وهو لـمصيرك إلـى أن تعود إلـى الـجنة.
فإن قال قائل: أوَ كان أُخرج من الـجنة, فـيقالَ له: نـحن نعيدك إلـيها؟ قـيـل: لذلك وجهان: أحدهما: أنه إن كان أبوه آدم صلّـى الله علـيهما أخرج منها, فكأن ولده بإخراج الله إياه منها, قد أخرجوا منها, فمن دخـلها فكأنـما يُرد إلـيها بعد الـخروج. والثانـي أن يُقال: إنه كان صلى الله عليه وسلم دخـلها لـيـلة أُسرِي به, كما رُوي عنه أنه قال: «دَخَـلْتُ الـجَنّةَ, فَرأيْتُ فِـيها قَصْرا, فَقُلْتُ لِـمَنْ هَذَا؟ فَقالُوا لعُمَرَ بنِ الـخطّابِ», ونـحو ذلك من الأخبـار التـي رُويت عنه بذلك, ثم رُدّ إلـى الأرض, فـيقال له: إن الذي فرض علـيك القرآن لرادّك لـمصيرك إلـى الـموضع الذي خرجت منه من الـجنة, إلـى أن تعود إلـيه, فذلك إن شاء الله قول من قال ذلك.
وقوله: قُلْ رَبّـي أعْلَـمُ مَنْ جاءَ بـالهُدَى وَمَنْ هُوَ فِـي ضَلالٍ مُبـين يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: قل يا مـحمد لهؤلاء الـمشركين: ربـي أعلـم مَن جاء بـالهُدى الذي من سلكه نـجا, ومن هو فـي جور عن قصد السبـيـل منا ومنكم. وقوله: مُبِـينٌ يعنـي أنه يُبِـين للـمفكر الفهم إذا تأمّله وتدبّره, أنه ضلال وجور عن الهدى.

الآية : 86
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَمَا كُنتَ تَرْجُوَ أَن يُلْقَىَ إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلاّ رَحْمَةً مّن رّبّكَ فَلاَ تَكُونَنّ ظَهيراً لّلْكَافِرِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: وما كنت ترجو يا مـحمد أن ينزل علـيك هذا القرآن, فتعلـم الأنبـاء والأخبـار عن الـماضين قبلك, والـحادثة بعدك, مـما لـم يكن بعدُ, مـما لـم تشهده ولا تشهده, ثم تتلو ذلك علـى قومك من قريش, إلاّ أن ربك رحمك, فأنزله علـيك, فقوله: إلاّ رَحْمَةً مِنْ رَبّكَ استثناء منقطع.
وقوله: فَلا تَكُونَنّ ظَهِيرا للْكافِرِينَ يقول: فـاحمَدْ ربك علـى ما أنعم به علـيك من رحمته إياك, بإنزاله علـيك هذا الكتاب, ولا تكوننّ عونا لـمن كفر بربك علـى كفره به. وقـيـل: إن ذلك من الـمؤخر الذي معناه التقديـم, وإن معنى اللام: إن الذي فرض علـيك القرآن, فأنزله علـيك, وما كنت ترجو أن ينزل علـيك, فتكون نبـيا قبلَ ذلك, لرادّك إلـى مَعاد.

الآية : 87
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلاَ يَصُدّنّكَ عَنْ آيَاتِ اللّهِ بَعْدَ إِذْ أُنزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلَىَ رَبّكَ وَلاَ تَكُونَنّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: ولا يصرفنّك عن تبلـيغ آيات الله وحججه بعد أن أنزلها إلـيك ربك يا مـحمد هؤلاء الـمشركون بقولهم: لَوْلا أُوتِـيَ مِثْلَ ما أُوتِـيَ مُوسَى وادع إلـى ربك وبلغ رسالته إلـى من أرسلك إلـيه بها وَلا تَكُونَنّ مِنَ الـمُشْرِكِينَ يقول: ولا تتركنّ الدعاء إلـى ربك, وتبلـيغ الـمشركين رسالته, فتكون مـمن فعل فِعل الـمشركين بـمعصيته ربه, وخلافه أمره.


الآية : 88
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلاَ تَدْعُ مَعَ اللّهِ إِلَـَهاً آخَرَ لاَ إِلَـَهَ إِلاّ هُوَ كُلّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاّ وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: ولا تعبد يا مـحمد مع معبودك الذي له عبـادة كلّ شيء معبودا آخر سواه. وقوله: لا إلَهَ إلاّ هُوَ يقول: لا معبود تصلـح له العبـادة إلاّ الله الذي كلّ شيء هالك إلاّ وجهه.
واختلف فـي معنى قوله: إلاّ وَجْهَهُ فقال بعضهم: معناه: كلّ شيء هالك إلاّ هو.
وقال آخرون: معنى ذلك: إلاّ ما أريد به وجهه, واستشهدوا لتأويـلهم ذلك كذلك بقولالشاعر:
أسْتَغْفِرُ اللّهَ ذَنْبـا لَسْتُ مُـحْصِيَهُرَبّ العِبـادِ إلَـيْهِ الوَجْهُ والعَمَلُ
وقوله: لَهُ الـحُكْمُ يقول: له الـحكم بـين خـلقه دون غيره, لـيس لأحد غيره معه فـيهم حكم وَإلَـيْهِ تُرْجَعُونَ يقول: وإلـيه تردّون من بعد مـماتكم, فـيقضي بـينكم بـالعدل, فـيجازي مؤمنـيكم جزاءهم, وكفـاركم ما وعدهم.

نهاية تفسير الإمام الطبري لسورة القصص

سورة العنكبوت مكيّة
وآياتها تسع وستون
بسم الله الرحمَن الرحيـم

الآية : 1 - 2
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {الَـمَ * أَحَسِبَ النّاسُ أَن يُتْرَكُوَاْ أَن يَقُولُوَاْ آمَنّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ }.
قال أبو جعفر: وقد بـيّنا معنى قول الله تعالـى ذكره الـم وذكرنا أقوال أهل التأويـل فـي تأويـله, والذي هو أولـى بـالصواب من أقوالهم عندنا, بشواهده فـيـما مضى, بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع.
وأما قوله: أحَسِبَ النّاسُ أنْ يُتْرَكُوا أنْ يَقُولُوا آمَنّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ فإن معناه: أظَنّ الذين خرجوا يا مـحمد من أصحابك من أذى الـمشركين إياهم, أن نتركَهم بغير اختبـار, ولا ابتلاء امتـحان, بأن قالوا: آمنا بك يا مـحمد, فصدّقناك فـيـما جئتنا به من عند الله, كَلاّ لنـختبرهم, لـيتبـين الصادق منهم من الكاذب. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
21075ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قول الله آمّنا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ قال: يُبْتلَون فـي أنفسهم وأموالهم.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد, مثله.
21076ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ: أي لا يُبْتَلَون.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا مؤمل, قال: حدثنا سفـيان, عن أبـي هاشم, عن مـجاهد, فـي قوله وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ قال: لا يُبْتَلَون.
فَأَنِ الأولـى منصوبة بحسب, والثانـية منصوبة فـي قول بعض أهل العربـية, بتعلق يتركوا بها, وأن معنى الكلام علـى قوله أحَسِبَ النّاسُ أنْ يُتْرَكُوا لأن يقولوا آمنا فلـما حذفت اللام الـخافضة من لأَنْ, نصبت علـى ما ذكرت. وأما علـى قول غيره فهي فـي موضع خفض بإضمار الـخافض, ولا تكاد العرب تقول: تركت فلانا أن يذهب, فتدخـل أنْ فـي الكلام, وإنـما تقول: تركته يذهب, وإنـما أدخـلت أن هاهنا لاكتفـاء الكلام بقوله أنْ يُتْرَكُوا إذ كان معناه: أحسب الناس أن يُتركوا وهم لا يفتنون, من أجل أن يقولوا آمنا, فكان قوله: أنْ يُتْرَكُوا مكتفـية بوقوعها علـى الناس, دون أخبـارهم. وإن جعلت «أن» فـي قوله أنْ يَقُولُوا منصوبة بنـية تكرير أحسب, كان جائزا, فـيكون معنى الكلام: أحسب الناس أن يُتركوا: أحسبوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون.
الآية : 3
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَقَدْ فَتَنّا الّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنّ اللّهُ الّذِينَ صَدَقُواْ وَلَيَعْلَمَنّ الْكَاذِبِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: ولقد اختبرنا الذين من قبلهم من الأمـم, مـمن أرسلنا إلـيهم رسلنا, فقالوا مثل ما قالته أمتك يا مـحمد بأعدائهم, وتـمكيننا إياهم من أذاهم, كموسى إذا أرسلناه إلـى بنـي إسرائيـل, فـابتلـيناهم بفرعون وملئهم, وكعيسى إذ أرسلناه إلـى بنـي إسرائيـل, فـابتلَـينا من اتبعه بـمن توَلـى عنه, فكذلك ابتلـينا أتبـاعك بـمخالفـيك من أعدائك فَلَـيَعْلَـمَنّ اللّهُ الّذِينَ صَدَقُوا منهم فـي قـيـلهم آمنا وَلَـيَعْلَـمَنّ الكاذِبِـين منهم فـي قـيـلهم ذلك, والله عالـم بذلك منهم قبل الاختبـار, وفـي حال الاختبـار, وبعد الاختبـار, ولكن معنى ذلك: ولَـيُظْهِرَنّ الله صدق الصادق منهم فـي قـيـله آمنا بـالله من كذب الكاذب منهم بـابتلائه إياه بعدوّه, لـيعلـم صدقه من كذبه أولـياؤه, علـى نـحو ما قد بـيّناه فـيـما مضى قبلُ.
وذكر أن هذه الاَية نزلت فـي قوم من الـمسلـمين عذّبهم الـمشركون, ففتن بعضهم, وصبر بعضهم علـى أذاهم حتـى أتاهم الله بفرج من عنده. ذكر الرواية بذلك:
21077ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, قال: سمعت عبد الله بن عبـيد بن عمير يقول: نزلت, يعنـي هذه الاَية الـم. أحَسِبَ الناسُ أنْ يُتْرَكُوا أنْ يَقُولُوا آمَنّا... إلـى قوله وَلَـيَعْلَـمَنّ الكاذِبِـينَ فـي عمّار بن ياسر, إذ كان يعذّب فـي الله.
وقال آخرون: بل نزل ذلك من أجل قوم كانوا قد أظهروا الإسلام بـمكة, وتـخـلفوا عن الهجرة, والفتنة التـي فتن بها هؤلاء القوم علـى مقالة هؤلاء, هي الهجرة التـي امتـحنوا بها. ذكر من قال ذلك:
21078ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن مطر, عن الشعبـيّ, قال: إنها نزلت, يعنـي الـم. أحَسِبَ النّاسُ أنْ يُترَكُوا الاَيتـين فـي أناس كانوا بـمكة أقرّوا بـالإسلام, فكتب إلـيهم أصحاب مـحمد نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم من الـمدينة: إنه لا يقبل منكم إقرارا بـالإسلام حتـى تهاجروا, فخرجوا عامدين إلـى الـمدينة, فـاتبعهم الـمشركون, فردّوهم, فنزلت فـيهم هذه الاَية, فكتبوا إلـيهم: إنه قد نزلت فـيكم آية كذا وكذا, فقالوا: نـخرج, فإن اتبعنا أحد قاتلناه قال: فخرجوا فـاتبعهم الـمشركون فقاتلوهم ثم, فمنهم من قتل, ومنهم من نـجا, فأنزل الله فـيهم: ثُمّ إنّ رَبّكَ لِلّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا, ثُمّ جاهَدُوا وَصَبرُوا إنّ رَبّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رحِيـمٌ.
21079ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله وَلَقَدْ فَتَنّا قال: ابتلـينا.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد, مثْله.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا مؤمل, قال: حدثنا سفـيان, عن أبـي هاشم, عن مـجاهد وَلَقَدْ فَتَنّا الّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قال: ابتلـينا الذين من قبلهم.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن سفـيان, عن أبـي هاشم, عن مـجاهد, مثله.
21080ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة, قوله وَلَقَدْ فَتَنّا الّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أي ابتلـينا.
الآية : 4
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَمْ حَسِبَ الّذِينَ يَعْمَلُونَ السّيّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: أم حسب الذين يشركون بـالله فـيعبدون معه غيره, وهم الـمعنـيون بقوله الّذِينَ يَعْمَلُونَ السّيّئاتِ أنْ يَسْبَقُونا يقول: أن يعجزونا فـيفوتونا بأنفسهم, فلا نقدر علـيهم فننتقم منهم لشركهم بـالله؟ وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
21081ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة, قوله أمْ حَسِبَ الّذِينَ يَعْمَلُونَ السّيّئاتِ أي الشرك أن يسبقونا.
21082ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد أنْ يَسْبِقُونا أن يعجزونا.
وقوله: ساءَ ما يَحْكُمونَ يقول تعالـى ذكره: ساء حكمهم الذي يحكمون بأن هؤلاء الذين يعملون السيئات يسبقوننا بأنفسهم.
الآية : 5 - 6
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {مَن كَانَ يَرْجُو لِقَآءَ اللّهِ فَإِنّ أَجَلَ اللّهِ لاَتٍ وَهُوَ السّمِيعُ الْعَلِيمُ * وَمَن جَاهَدَ فَإِنّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنّ اللّهَ لَغَنِيّ عَنِ الْعَالَمِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: من كان يرجو الله يوم لقائه, ويطمع فـي ثوابه, فإن أجل الله الذي أجله لبعث خـلقه للـجزاء والعقاب لاَت قريبـا, وهو السميع, يقول: والله الذي يرجو هذا الراجي بلقائه ثوابه, السميع لقوله: آمنا بـالله, العلـيـم بصدق قـيـله, إنه قد آمن من كذبه فبه. وقوله: وَمَنْ جاهَدَ فإنّـمَا يُجاهِدُ لنَفْسِهِ يقول: ومن يجاهد عدوّه من الـمشركين فإنـما يجاهد لنفسه, لأنه يفعل ذلك ابتغاء الثواب من الله علـى جهاده, والهرب من العقاب, فلـيس بـالله إلـى فعله ذلك حاجة, وذلك أن الله غنـيّ عن جميع خـلقه, له الـملك والـخـلق والأمر