تفسير الطبري تفسير الصفحة 405 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 405
406
404
 الآية : 6
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَعْدَ اللّهِ لاَ يُخْلِفُ اللّهُ وَعْدَهُ وَلَـَكِنّ أَكْثَرَ النّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: وعد الله جلّ ثناؤه, وعد أن الروم ستغلب فـارس من بعد غلبة فـارس لهم. ونصب وَعْدَ اللّهِ علـى الـمصدر من قوله وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ لأن ذلك وعد من الله لهم أنهم سيغلبون, فكأنه قال: وعد الله ذلك الـمؤمنـين وعدا. لا يُخْـلفُ اللّهُ وَعْدَهُ يقول تعالـى ذكره: إن الله يفـي بوعده للـمؤمنـين أن الروم سيغلبون فـارس, لا يخـلفهم وعده ذلك, لأنه لـيس فـي مواعيده خـلف. ولكِنّ أكْثَرَ النّاسِ لا يعْلَـمُونَ يقول: ولكنّ أكثر قريش الذين يكذّبون بأن الله منـجز وعده الـمؤمنـين, من أن الروم تغلب فـارس, لا يعلـمون أن ذلك كذلك, وأنه لا يجوز أن يكون فـي وعد الله إخلاف.
الآية : 7
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مّنَ الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَهُمْ عَنِ الاَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: يعلـم هؤلاء الـمكذّبون بحقـيقة خبر الله أن الروم ستغلب فـارس ظاهرا من حياتهم الدنـيا, وتدبـير معايشهم فـيها, وما يصلـحهم, وهم عن أمر آخرتهم, وما لهم فـيه النـجاة من عقاب الله هنالك غافلون, لا يفكرون فـيه. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
21231ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا أبو تُـمَيْـلة يحيى بن واضح الأنصاري, قال: حدثنا الـحسين بن واقد, قال: حدثنا يزيد النـحوي عن عكرمة, عن ابن عبـاس, فـي قوله يَعْلَـمُونَ ظاهِرا مِنَ الـحَياةِ الدّنْـيا يعنـي معايشهم, متـى يحصدون ومتـى يغرسون.
حدثنـي أحمد بن الولـيد الرملـيّ, قال ثنا: عمرو بن عثمان بن عمر, عن عاصم بن علـيّ, قال: حدثنا أبو تُـمَيْـلة, قال: حدثنا ابن واقد, عن يزيد النـحويّ, عن عكرمة, عن ابن عبـاس, فـي قوله يعْلَـمونَ ظاهِرا من الـحَياةِ الدّنْـيا قال: متـى يَزْرَعون, متـى يَغْرِسون.
21232ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, قال: ثنـي شرقـي, عن عكرمة, فـي قوله يَعْلَـمُونَ ظاهِرا مِنَ الـحَياةِ الدّنْـيا قال: هو السراج أو نـحوه.
حدثنا أبو هريرة مـحمد بن فراس الضبعي, قال: حدثنا أبو قُتَـيبة, قال: حدثنا شعبة, عن شرقـي, عن عكرِمة, فـي قوله يَعْلَـمُونَ ظاهِرا مِنَ الـحَياةِ الدّنْـيا: قال السراجون.
حدثنا أحمد بن الولـيد الرملـي, قال: حدثنا سلـيـمان بن حرب, قال: حدثنا شعبة, عن شرقـي, عن عكرمة, فـي قوله يَعْلَـمُونَ ظاهِرا مِنَ الـحَياةِ الدنْـيا قال: الـخرازون والسراجون.
21233ـ حدثنا بشر بن آدم, قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهديّ, قال: حدثنا سفـيان, عن منصور, عن إبراهيـم يَعْلَـمُونَ ظاهِرا منَ الـحَياةِ الدّنْـيا قال: معايشهم وما يصلـحهم.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهديّ, قال: حدثنا سفـيان, عن منصور, عن إبراهيـم مثله.
حدثنـي بشر بن آدم, قال: حدثنا الضحاك بن مخـلد, عن سفـيان, عن أبـيه, عن عكرِمة, وعن منصور عن إبراهيـم يَعْلَـمُونَ ظاهرا مِنَ الـحَياةِ الدّنْـيا قال: معايشَهم.
21234ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: ظاهِرا مِنَ الـحَياةِ الدّنْـيا يعنـي الكفـار, يعرفون عُمران الدنـيا, وهم فـي أمر الدين جهال.
21235ـ حدثنـي ابن وكيع, قال: ثنـي أبـي, عن سفـيان, عن أبـيه, عن عكرِمة يَعْلَـمُونَ ظاهِرا مِنَ الـحَياةِ الدّنْـيا قال: معايشَهم, وما يصلـحهم.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن سفـيان, عن منصور, عن إبرهيـم, مثله.
21236ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة, قوله يَعْلَـمُونَ ظاهِرا مِنَ الـحَياةِ الدّنْـيا من حِرْفتها وتصرّفها وبغيتها وَهُمْ عَنِ الاَخِرَةِ هُمْ غافِلونَ.
21237ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن سفـيان, عن رجل, عن الـحسن, قال: يعلـمون متـى زَرْعُهم, ومتـى حَصادهم.
قال: ثنا حفص بن راشد الهلالـيّ, عن شعبة, عن شَرْقـيّ, عن عكرِمة يَعْلَـمُونَ ظاهِرا مِنَ الـحَياةِ الدّنْـيا قال: السرّاج ونـحوه.
21238ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن أبـي جعفر, عن الربـيع, عن أبـي العالـية, قال: صرفها فـي معيشتها.
21239ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله يَعْلَـمُونَ ظاهِرا منَ الـحَياةِ الدّنْـيا, وَهُمْ عَنِ الاَخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ.
وقال آخرون فـي ذلك ما:
21240ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يعقوب القُمّي, عن جعفر, عن سعيد, فـي قوله يَعْلَـمُونَ ظاهِرا مِنَ الـحَياةِ الدّنْـيا قال: تسترق الشياطين السمع, فـيسمعون الكلـمة التـي قد نزلت, ينبغي لها أن تكون فـي الأرض, قال: ويُرْمَوْن بـالشّهب, فلا ينـجو أن يحترق, أو يصيبه شرر منه قال: فـيسقط فلا يعود أبدا قال: ويرمى بذلك الذي سمع إلـى أولـيائه من الإنس, قال: فـيحملون علـيه ألف كذبة, قال: فما رأيت الناس يقولون: يكون كذا وكذا, قال: فـيجيء الصحيح منه كما يقولون, الذي سمعوه من السماء, ويعقبه من الكذب الذي يخوضون فـيه.
الآية : 8
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَوَلَمْ يَتَفَكّرُواْ فِيَ أَنفُسِهِمْ مّا خَلَقَ اللّهُ السّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاّ بِالْحَقّ وَأَجَلٍ مّسَمّى وَإِنّ كَثِيراً مّنَ النّاسِ بِلِقَآءِ رَبّهِمْ لَكَافِرُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: أو لـم يتفكّر هؤلاء الـمكذّبون بـالبعث يا مـحمد من قومك فـي خـلق الله إياهم, وأنه خـلقهم ولـم يكونوا شيئا, ثم صرفهم أحوالاً وتارات حتـى صاروا رجالاً, فـيعلـموا أن الذي فعل ذلك قادر أن يعيدهم بعد فنائهم خـلقا جديدا, ثم يجازي الـمـحسن منهم بإحسانه, والـمسيء بإساءته, لا يظلـم أحدا منهم فـيعاقبه بجرم غيره, ولا يحرم أحدا منهم جزاء عمله, لأنه العدل الذي لا يجور ما خـلق الله السموات والأرض وما بـينهما إلاّ بـالعدل, وإقامة الـحقّ, وأجل مسمى يقول: وبأجل مؤقت مسمى, إذا بلغت ذلك الوقت أفنى ذلك كله, وبدّل الأرض غير الأرض والسموات, وبرزوا لله الواحد القهّار, وإن كثـيرا من الناس بلقاء ربهم جاحدون منكرون, جهلاً منهم بأن معادهم إلـى الله بعد فنائهم, وغفلة منهم عن الاَخرة.
الآية : 9
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَوَلَمْ يَسيرُواْ فِي الأرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوَاْ أَشَدّ مِنْهُمْ قُوّةً وَأَثَارُواْ الأرْضَ وَعَمَرُوهَآ أَكْثَرَ مِمّا عَمَرُوهَا وَجَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيّنَاتِ فَمَا كَانَ اللّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَـَكِن كَانُوَاْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: أَوَ لـم يسر هؤلاء الـمكذّبون بـالله, الغافلون عن الاَخرة من قريش فـي البلاد التـي يسلكونها تـجرا, فـينظروا إلـى آثار الله فـيـمن كان قبلهم من الأمـم الـمكذّبة, كيف كان عاقبة أمرها فـي تكذيبها رسلها, فقد كانوا أشدّ منهم قوّة, وأثاروا الأرض يقول: واستـخرجوا الأرض, وحرثوها وعمروها أكثر مـما عمر هؤلاء, فأهلكهم الله بكفرهم وتكذيبهم رسلهم, فلـم يقدروا علـى الامتناع, مع شدّة قواهم مـما نزل بهم من عقاب الله, ولا نفعتهم عمارتهم ما عمروا من الأرض, إذ جاءتهم رسلهم بـالبـينات من الاَيات, فكذّبوهم, فأحلّ الله بهم بأسه, فما كان الله لـيظلـمهم بعقابه إياهم علـى تكذيبهم رسله وجحودهم آياته, ولكن كانوا أنفسهم يظلـمون بـمعصيتهم ربهم. وبنـحو الذي قلنا فـي تأويـل قوله وأثارُوا الأرْضَ قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
21241ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: أوَ لَـمْ يَسِيرُوا فِـي الأرْضِ فَـيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أشَدّ مِنْهُمْ قُوّةً, وأثارُوا الأرْضَ وَعَمرُوها أكْثَرَ مِـمّا عَمَرُوها قال: ملكوا الأرض وعمروها.
21242ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد وأثارُوا الأرْضَ قال: حرثوها.
21243ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة أو لَـمْ يَسِيرُوا فِـي الأرْضِ... إلـى قوله وأثارُوا الأرْضَ وَعمَرُوها كقوله: وآثارا فِـي الأرْضِ, قوله: وَعمَرُوها أكثر مـما عمر هؤلاء وَجاءَتهُمْ رُسُلُهُمْ بـالْبَـيّناتِ.
الآية : 10
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: حسر سورة الروم {ثُمّ كَانَ عَاقِبَةَ الّذِينَ أَسَاءُواْ السّوَءَىَ أَن كَذّبُواْ بِآيَاتِ اللّهِ وَكَانُواْ بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: ثم كان آخر أمر من كفر من هؤلاء الذين أثاروا الأرض وعمروها, وجاءتهم رسلهم بـالبـينات بـالله, وكذّبوا رسلهم, فأساءوا بذلك فـي فعلهم. السوأى: يعنـي الـخـلة التـي هي أسوأ من فعلهم أما فـي الدنـيا, فـالبوار والهلاك, وأما فـي الاَخرة فـالنار لا يخرجون منها.
حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا أبو صالـح قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله ثُمّ كانَ عاقِبَةَ الّذِينَ أساءُوا السّوأَى يقول: الذين كفروا جزاؤهم العذاب.
وكان بعض أهل العربـية يقول: السوأى فـي هذا الـموضع: مصدر, مثل البُقوى, وخالفه فـي ذلك غيره فقال: هي اسم.
وقوله: أنْ كَذّبُوا بآياتِ اللّهِ يقول: كانت لهم السوأى, لأنهم كذّبوا فـي الدنـيا بآيات الله, وكانوا بها يستهزءون: يقول: وكانوا بحجج الله وهم أنبـياؤه ورسله يسخرون.
الآية : 11
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {اللّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمّ يُعِيدُهُ ثُمّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: الله تعالـى يبدأ إنشاء جميع الـخـلق منفردا بإنشائه من غير شريك ولا ظهير, فـيحدثه من غير شيء, بل بقدرته عزّ وجل, ثم يعيد خـلقا جديدا بعد إفنائه وإعدامه, كما بدأه خـلقا سويا, ولـم يك شيئا ثُمّ إلَـيْهِ تُرْجَعُونَ يقول: ثم إلـيه من بعد إعادتهم خـلقا جديدا يردّون, فـيحشرون لفصل القضاء بـينهم و لِـيَجْزِيَ الّذِينَ أسَاءُوا بِـمَا عَمِلُوا, وَيَجْزِيَ الّذِينَ أحْسَنُوا بـالـحُسْنَى.
الآية : 12 -13
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ * وَلَمْ يَكُن لّهُمْ مّن شُرَكَآئِهِمْ شُفَعَاءُ وَكَانُواْ بِشُرَكَآئِهِمْ كَافِرِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: ويوم تـجِيء الساعة التـي فـيها يفصل الله بـين خـلقه, وينشر فـيها الـموتـى من قبورهم, فـيحشرهم إلـى موقـف الـحساب يُبْلِسُ الـمُـجْرِمُونَ يقول: يـيأس الذين أشركوا بـالله, واكتسبوا فـي الدنـيا مساوىء الأعمال من كلّ شرّ, ويكتئبون ويتندمون, كما قال العجاج:
يا صَاحِ هلْ تعْرِفُ رَسما مُكْرَساقالَ نَعَمْ أعْرِفُهُ وأبْلَسا
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
21244ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله يُبْلِسُ قال: يكتئب.
21245ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عَن قَتادة, قوله يُبْلِسُ الـمُـجْرِمُونَ أي فـي النار.
21246ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قول الله وَيَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ يُبْلِسُ الـمُـجْرِمُونَ قال: الـمبلس: الذي قد نزل به الشرّ, إذا أبلس الرجل, فقد نزل به بلاء.
وقوله: ولَـمْ يكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكائهِمْ شُفَعاءُ يقول تعالـى ذكره: ويوم تقوم الساعة لـم يكن لهؤلاء الـمـجرمين الذين وصف جلّ ثناؤه صفتهم من شركائهم الذين كانوا يتبعونهم, علـى ما دعوهم إلـيه من الضلالة, فـيشاركونهم فـي الكفر بـالله, والـمعاونة علـى أذى رسله, شفعاء يشفعون لهم عند الله, فـيستنقذوهم من عذابه. وكانُوا بِشُرَكائهِمْ كافِرِينَ يقول: وكانوا بشركائهم فـي الضلالة والـمعاونة فـي الدنـيا علـى أولـياء الله كافرين, يجحدون ولايتهم, ويتبرّءون منهم, كما قال جلّ ثناؤه: إذْ تَبرّأَ الّذِينَ اتّبِعُوا مِنَ الّذِينَ اتّبَعُوا, ورأَوُا العَذَابَ وَتَقَطّعَتْ بِهِمُ الأسْبـابُ. وَقالَ الّذِينَ اتّبَعُوا لَوْ أنّ لَنا كَرّةً فَنَتَبرّأَ مِنْهُمْ كما تَبرّءُوا مِنّا.
الآية : 14 -15
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرّقُونَ * فَأَمّا الّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: ويوم تـجيء الساعة التـي يحشر فـيها الـخـلق إلـى الله يومئذٍ, يقول فـي ذلك الـيوم يتفرّقون يعنـي: يتفرّق أهل الإيـمان بـالله, وأهل الكفر به فأما أهل الإيـمان, فـيؤخذ بهم ذات الـيـمين إلـى الـجنة, وأما أهل الكفر فـيؤخذ بهم ذات الشمال إلـى النار, فهنالك يـميز الله الـخبـيث من الطيّب. كما:
21247ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة, فـي قوله: وَيَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرّقُونَ قال: فرقة والله لا اجتـماع بعدها.
فأمّا الّذِينَ آمَنُوا بـالله ورسوله وعَمِلُوا الصّالِـحاتِ يقول: وعملوا بـما أمرهم الله به, وانتهوا عما نهاهم عنه فَهُمْ فِـي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ يقول: فهم فـي الرياحين والنبـاتات الـملتفة, وبـين أنواع الزهر فـي الـجنان يسرون, ويـلذّذون بـالسماع وطيب العيش الهنـيّ. وإنـما خصّ جلّ ثناؤه ذكر الروضة فـي هذا الـموضع, لأنه لـم يكن عند الطرفـين أحسن منظرا, ولا أطيب نشرا من الرياض, ويدل علـى أن ذلك كذلك قول أعشى بنـي ثعلبة:
ما رَوْضَةٌ مِن رِياضِ الـحُسْن مُعْشِبَةٌ خَضْرَاءُ جادَ عَلَـيْها مُسْبِلٌ هَطِلُ
يُضَاحكُ الشّمسَ منها كَوْكَبٌ شَرِقٌ مُؤَزّرٌ بعَمِيـمِ النّبْتِ مُكْتَهِلُ
يَوْما بأطْيَبَ مِنْها نَشْرَ رائحَةٍ وَلا بأحْسَنَ مِنْها إذ دنَا الأُصُلُ
فأعلـمهم بذلك تعالـى, أن الذين آمنوا وعملوا الصالـحات من الـمنظر الأنـيق, واللذيذ من الأرايـيح, والعيش الهنـيّ فـيـما يحبون, ويسرّون به, ويغبطون علـيه. والـحبرة عند العرب: السرور والغبطة قال العجاج:
فـالْـحَمْدُ لِلّهِ الّذِي أعْطَى الـحَبَرْمَوَالِـيَ الـحَقّ إنّ الـمَوْلـى شَكَرْ
واختلف أهل التأويـل فـي معنى ذلك, فقال بعضهم: معنى ذلك: فهم فـي روضة يكرمون. ذكر من قال ذلك:
21248ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله فَهم فِـي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ قال: يكرمون.
وقال آخرون: معناه: ينعمون. ذكر من قال ذلك:
21249ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قوله يُحْبَرُون قال: ينعمون.
21250ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة, فـي قوله فَهُمْ فِـي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ قال: ينعمون.
وقال آخرون: يـلذذون بـالسماع والغناء. ذكر من قال ذلك:
21251ـ حدثنـي مـحمد بن موسى الـحرسي, قال: ثنـي عامر بن يساف, قال: سألت يحيى بن أبـي كثـير, عن قول الله فَهُمْ فِـي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ قال: الـحبرة: اللذة والسماع.
21252ـ حدثنا عبـيد الله بن مـحمد الفريابـي, قال: حدثنا ضمرة بن ربـيعة, عن الأوزاعي, عن يحيى بن أبـي كثـير فـي قوله يُحْبَرُونَ قال: السماع فـي الـجنة.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عيسى بن يونس, عن الأوزاعي, عن يحيى بن أبـي كثـير, مثله.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن عامر بن يِساف, عن يحيى بن أبـي كثـير, مثله.
وكل هذه الألفـاظ التـي ذكرنا عمن ذكرناها عنه تعود إلـى معنى ما قلنا