سورة لقمان | للقراءة من المصحف بخط كبير واضح
استماع mp3 | الجلالين&الميسر | تفسير الشوكاني |
إعراب الصفحة | تفسير ابن كثير | تفسير القرطبي |
التفسير المختصر | تفسير الطبري | تفسير السعدي |
تفسير الطبري تفسير الصفحة 411 من المصحف
تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 411
412
410
سورة لقمان مكية
وآياتها أربع وثلاثون
بسم الله الرحمَن الرحيـم
الآية : 1-4
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {الَـمَ * تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ * هُدًى وَرَحْمَةً لّلْمُحْسِنِينَ * الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ بِالاَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ }.
وقد تقدّم بـياننا تأويـل قول الله تعالـى ذكره الـم. وقوله: تِلكَ آياتُ الكِتابِ الـحَكِيـمِ يقول جل ثناؤه: هذه آيات الكتاب الـحكيـم بـيانا وتفصيلاً. وقوله هُدًى ورَحْمَةً يقول: هذه آيات الكتاب بـيانا ورحمة من الله, رحم به من اتبعه, وعمل به من خـلقه وبنصب الهدى والرحمة علـى القطع من آيات الكتاب قرأت قرّاء الأمصار غير حمزة, فإنه قرأ ذلك رفعا علـى وجه الاستئناف, إذ كان منقطعا عن الاَية التـي قبلها بأنه ابتداء آية وأنه مدح, والعرب تفعل ذلك مـما كان من نعوت الـمعارف, وقع موقع الـحال إذا كان فـيه معنى مدح أو ذمّ. وكلتا القراءتـين صواب عندي, وإن كنت إلـى النصب أميـل, لكثرة القراء به.
وقوله: للْـمُـحْسِنِـينَ وهم الذين أحسنوا فـي العمل بـما أنزل الله فـي هذا القرآن, يقول تعالـى ذكره: هذا الكتاب الـحكيـم هدى ورحمة للذين أحسنوا, فعملوا بـما فـيه من أمر الله ونهيه الّذِينَ يُقِـيـمُونَ الصّلاةَ يقول: الذين يقـيـمون الصّلاةَ الـمفروضة بحدودها وَيُؤْتُونَ الزّكاةَ من جعلها الله له الـمفروضة فـي أموالهم وَهُمْ بـالاَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ يقول: يفعلون ذلك وهم بجزاء الله وثوابه لـمن فعل ذلك فـي الاَخرة يوقنون.
الآية : 5
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أُوْلَـَئِكَ عَلَىَ هُدًى مّن رّبّهِمْ وَأُوْلَـَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: هؤلاء الذين وصفت صفتهم علـى بـيان من ربهم ونور وأُولَئِكَ هُمُ الـمُفْلـحونَ يقول: وهؤلاء هم الـمنْـجِحون الـمدركون ما رَجَوا وأملوا من ثواب ربهم يوم القـيامة.
الآية : 6
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَمِنَ النّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلّ عَن سَبِيلِ اللّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتّخِذَهَا هُزُواً أُوْلَـَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مّهِينٌ }.
اختلف أهل التأويـل, فـي تأويـل قوله: وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الـحَدِيث فقال بعضهم: من يشتري الشراء الـمعروف بـالثمن, ورووا بذلك خبرا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ما:
21350ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا وكيع, عن خلاد الصفَـار, عن عبـيد الله بن زَحْر, عن علـيّ بن يزيد, عن القاسم, عن أبـي أُمامة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يَحِلّ بَـيْعُ الـمُغَنّـياتِ, وَلا شِرَاؤُهُنّ, وَلا التّـجارَةُ فِـيهِنّ, وَلا أثمَانُهُنّ, وفـيهنّ نزلت هذه الاَية: وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الـحَدِيثِ».
حدثنا ابن وكيع, قال: ثنـي أبـي, عن خَلاد الصفَـار, عن عبـيد الله بن زَحْر, عن علـيّ بن يزيد, عن القاسم, عن أبـي أُمامة, عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم بنـحوه, إلاّ أنه قال: «أكْلُ ثَمَنِهِنّ حَرَامٌ» وقال أيضا: «وفِـيهِنّ أنْزَلَ اللّهُ علـيّ هَذِهِ الاَيَةَ: وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الـحَدِيثِ لِـيُضِلّ عَنْ سَبِـيـلِ اللّهِ».
حدثنـي عبـيد بن آدم بن أبـي إياس العسقلانـي, قال: حدثنا أبـي, قال: حدثنا سلـيـمان بن حيان, عن عمرو بن قـيس الكلابـي, عن أبـي الـمهلّب, عن عبـيد الله بن زَحْر, عن علـيّ بن يزيد, عن القاسم, عن أبـي أُمامة. قال: وثنا إسماعيـل بن عَياش, عن مُطَرّح بن يزيد, عن عبـيد الله بن زَحْر, عن علـيّ بن زيد, عن القاسم, عن أبـي أُمامة البـاهلـي, قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يحلّ تَعْلِـيـمُ الـمُغَنّـياتِ, وَلا بَـيْعُهُنّ وَلا شِرَاؤُهُنّ, وثَمَنُهُنّ حَرامٌ, وقَدْ نَزَلَ تَصْدِيقُ ذلكَ فِـي كِتابِ اللّهِ وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الـحَدِيثِ إلـى آخر الاَية».
وقال آخرون: بل معنى ذلك: من يختار لهو الـحديث ويستـحبه. ذكر من قال ذلك:
21351ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة, قوله: وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الـحَدِيثِ لِـيُضِلّ عَنْ سَبِـيـلِ اللّهِ بغَيْرِ عِلْـمٍ والله لعله أن لا ينفق فـيه مالاً, ولكن اشتراؤه استـحبـابه, بحسب الـمرء من الضلالة أن يختار حديث البـاطل علـى حديث الـحقّ, وما يضرّ علـى ما ينفع.
21352ـ حدثنـي مـحمد بن خـلف العسقلانـي, قال: حدثنا أيوب بن سويد, قال: حدثنا ابن شوذب, عن مطر, فـي قول الله وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الـحَدِيثِ قال: اشتراؤه: استـحبـابه.
وأولـى التأويـلـين عندي بـالصواب تأويـل من قال: معناه: الشراء, الذي هو بـالثمن, وذلك أن ذلك هو أظهر معنـيـيه.
فإن قال قائل: وكيف يشتري لهو الـحديث؟ قـيـل: يشتري ذات لهو الـحديث, أو ذا لهو الـحديث, فـيكون مشتريا لهو الـحديث.
وأما الـحديث, فإن أهل التأويـل اختلفوا فـيه, فقال بعضهم: هو الغناء والاستـماع له. ذكر من قال ذلك:
21353ـ حدثنـي يونس بن عبد الأعلـى, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرنـي يزيد بن يونس, عن أبـي صخر, عن أبـي معاوية البجلـي, عن سعيد بن جُبَـير, عن أبـي الصهبـاء البكري, أنه سمع عبد الله بن مسعود وهو يُسأل عن هذه الاَية وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الـحَدِيثِ لِـيُضِلّ عَنْ سَبِـيـلِ اللّهِ بغَيْرِ عِلْـمٍ فقال عبد الله: الغناء, والذي لا إله إلاّ هو, يردّدها ثلاث مرّات.
حدثنا عمرو بن علـيّ, قال: حدثنا صفوان بن عيسى, قال: أخبرنا حميد الـخراط, عن عمار, عن سعيد بن جُبَـير, عن أبـي الصهبـاء, أنه سأل ابن مسعود, عن قول الله وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الـحَدِيثِ قال: الغناء.
21354ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا علـيّ بن عابس, عن عطاء, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الـحَدِيثِ قال: الغِناء.
21355ـ حدثنا عمرو بن علـيّ, قال: حدثنا عمران بن عيـينة, قال: حدثنا عطاء بن السائب, عن سعيد بن جُبَـير, عن ابن عبـاس وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الـحَدِيثِ قال: الغناء وأشبـاهه.
حدثنا ابن وكيع, والفضل بن الصبـاح, قالا: حدثنا مـحمد بن فضيـل, عن عطاء, عن سعيد بن جُبَـير عن ابن عبـاس, فـي قوله: وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الـحَدِيثِ قال: هو الغناء ونـحوه.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام بن سلـم, عن عمرو بن أبـي قـيس, عن عطاء, عن سعيد بن جُبَـير عن ابن عبـاس, مثله.
حدثنا الـحسين بن عبد الرحمن الأنـماطي, قال: حدثنا عبـيد الله, قال: حدثنا ابن أبـي لـيـلـى, عن الـحكم, عن مقسم, عن ابن عبـاس, قال: هو الغناء والاستـماع له, يعنـي قوله: وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الـحَدِيثِ.
21356ـ حدثنا الـحسن بن عبد الرحيـم, قال: حدثنا عبـيد الله بن موسى, قال: حدثنا سفـيان, عن قابوس بن أبـي ظبـيان, عن أبـيه, عن جابر, فـي قوله: وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الـحَدِيثِ قال: هو الغناء والاستـماع له.
21357ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن ابن أبـي لـيـلـى, عن الـحكم أو مقسم, عن مـجاهد, عن ابن عبـاس قال: شراء الـمغنـية.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا حفص والـمـحاربـي, عن لـيث, عن الـحكم, عن ابن عبـاس, قال: الغناء.
حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الـحَدِيثِ لِـيُضِلّ عَنْ سَبِـيـلِ اللّهِ قال: بـاطل الـحديث: هو الغناء ونـحوه.
21358ـ حدثنا ابن بشار وابن الـمثنى, قالا: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن حبـيب, عن مـجاهد وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الـحَدِيثِ قال: الغناء.
حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر وعبد الرحمن بن مهدي, عن شعبة, عن الـحكم, عن مـجاهد أنه قال فـي هذه الاَية وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الـحَدِيثِ قال: الغناء.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن سفـيان, عن حبـيب عن مـجاهد قال: الغناء.
قال: ثنا أبـي, عن شعبة, عن الـحكم, عن مـجاهد, مثله.
21359ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا الأشجعي, عن سفـيان, عن عبد الكريـم, عن مـجاهد وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الـحَدِيثِ قال: هو الغناء, وكلّ لعب لهو.
حدثنا الـحسين بن عبد الرحمن الأنـماطي, قال: حدثنا علـيّ بن حفص الهمدانـي, قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الـحَدِيثِ قال: الغناء والاستـماع له وكل لهو.
21360ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قوله وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الـحَدِيثِ قال: الـمغنـي والـمغنـية بـالـمال الكثـير, أو استـماع إلـيه, أو إلـى مثله من البـاطل.
حدثنـي يعقوب وابن وكيع, قالا: حدثنا ابن علـية, عن لـيث, عن مـجاهد, فـي قوله وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الـحَدِيثِ قال: هو الغناء أو الغناء منه, أو الاستـماع له.
21361ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا عثام بن علـيّ, عن إسماعيـل بن أبـي خالد, عن شعيب بن يسار, عن عكرمة قال: لَهْوَ الـحَدِيثِ: الغناء.
21362ـ حدثنـي عبـيد بن إسماعيـل الهَبّـاريّ, قال: حدثنا عَثّام, عن إسماعيـل بن أبـي خالد, عن شعيب بن يسار هكذا قال عكرمة, عن عبـيد مثله.
حدثنا الـحسين بن الزبرقان النـخعي, قال: حدثنا أبو أسامة وعبـيد الله, عن أسامة, عن عكرمة, فـي قوله وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الـحَدِيثِ قال: الغناء.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن أسامة بن زيد, عن عكرمة, قال: الغناء.
وقال آخرون: عنى بـاللهو: الطّبل. ذكر من قال ذلك:
21363ـ حدثنـي عبـاس بن مـحمد, قال: حدثنا حجاج الأعور, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد, قال: اللهو: الطبل.
وقال آخرون: عنى بلهو الـحديث: الشرك. ذكر من قال ذلك:
21364ـ حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ, يقول: أخبرنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك يقول, فـي قوله: وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الـحَدِيثِ يعنـي الشرك.
21365ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الـحَدِيثِ لِـيُضِلّ عَنْ سَبِـيـلِ اللّهِ بغَيْرِ عِلْـمٍ, ويَتّـخِذها هُزُوا قال: هؤلاء أهل الكفر, ألا ترى إلـى قوله: وَإذا تُتْلَـى عَلَـيْهِ آياتُنا وَلّـى مُسْتَكْبِرا كأنْ لَـمْ يَسْمَعْها, كأنّ فِـي أُذُنَـيْهِ وَقْرا فلـيس هكذا أهل الإسلام, قال: وناس يقولون: هي فـيكم, ولـيس كذلك, قال: وهو الـحديث البـاطل الذي كانوا يَـلْغَون فـيه.
والصواب من القول فـي ذلك أن يقال: عنى به كلّ ما كان من الـحديث ملهيا عن سبـيـل الله, مـما نهى الله عن استـماعه أو رسولُه, لأن الله تعالـى عَمّ بقوله لَهْوَ الـحَدِيثِ ولـم يخصص بعضا دون بعض, فذلك علـى عمومه, حتـى يأتـي ما يدلّ علـى خصوصه, والغناء والشرك من ذلك.
وقوله: لِـيُضِلّ عَنْ سَبِـيـلِ اللّهِ يقول: لـيصدّ ذلك الذي يشتري من لهم الـحديث عن دين الله وطاعته, وما يقرّب إلـيه من قراءة قرآن, وذكر الله. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
21366ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس لِـيُضِلّ عَنْ سَبِـيـلِ اللّهِ قال: سبـيـل الله: قراءة القرآن, وذكر الله إذا ذكره, وهو رجل من قريش اشترى جارية مغنـية.
وقوله: بغَيْرِ عِلْـمٍ يقول: فعل ما فعل من اشترائه لهو الـحديث, جهلاً منه بـما له فـي العاقبة عند الله من وزر ذلك وإثمه. وقوله وَيَتّـخِذَها هُزُوا اختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك, فقرأته عامة قرّاء الـمدينة والبصرة, وبعض أهل الكوفة: «وَيَتّـخِذُها» رفعا, عطفـا به علـى قوله: يَشْتَرِي كأن معناه عندهم: ومن الناس من يشتري لهو الـحديث, ويتـخذ آيات الله هزوا. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة: وَيَتّـخِذَها نصبـا عطفـا علـى يضلّ, بـمعنى: لـيضلّ عن سبـيـل الله, ولـيتـخذَها هُزُوا.
والصواب من القول فـي ذلك: أنهما قراءتان معروفتان فـي قرّاء الأمصار, متقاربتا الـمعنى, فبأيتهما قرأ القارىء, فمصيب الصواب فـي قراءته, والهاء والألف فـي قوله: ويَتّـخِذَها من ذكر سبـيـل الله. ذكر من قال ذلك:
21375حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قول الله: وَيَتّـخِذَها هُزُوا قال: سبـيـل الله.
وقال آخرون: بل ذلك من ذِكر آيات الكتاب.
21367ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قال: بِحَسْب الـمرء من الضلالة, أن يختار حديث البـاطل علـى حديث الـحقّ, وما يضرّ علـى ما ينفع.
ويَتّـخِذَها هُزُوا يستهزىء بها ويكذّب بها. وهما من أن يكونا من ذكر سبـيـل الله أشبه عندي لقربهما منها, وإن كان القول الاَخر غير بعيد من الصواب. واتـخاذه ذلك هُزُوا هو استهزاؤه به.
وقوله: أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ يقول تعالـى ذكره: هؤلاء الذين وصفنا أنهم يشترون لهو الـحديث لـيضلوا عن سبـيـل الله, لهم يوم القـيامة عذاب مُذِلّ مخزٍ فـي نار جهنـم.
الآية : 7
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِذَا تُتْلَىَ عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلّىَ مُسْتَكْبِراً كَأَن لّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنّ فِيَ أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ }.
يقول تعالـى ذكره: وإذا تُتلـى علـى هذا الذي اشترى لهو الـحديث للإضلال عن سبـيـل الله, آيات كتاب الله, فقرئت علـيه ولّـى مُسْتَكْبرا يقول: أدبر عنها, واستكبر استكبـارا, وأعرض عن سماع الـحقّ والإجابة عنه كأَنْ لَـمْ يَسْمَعْها كأنّ فِـي أُذُنَـيهِ وَقْرا يقول: ثقلاً, فلا يطيق من أجله سماعه, كما:
21368ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قوله: فِـي أُذُنَـيْهِ وَقْرا قال: ثِقْلاً.
وقوله فَبَشّرْهُ بعَذَابٍ ألِـيـمٍ يقول تعالـى ذكره: فبشر هذا الـمعرض عن آيات الله إذا تُلِـيت علـيه استكبـارا بعذاب له من الله يوم القـيامة مُوجع, وذلك عذاب النار.
الآية : 8-9
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِنّ الّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ لَهُمْ جَنّاتُ النّعِيمِ * خَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ اللّهِ حَقّاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }.
يقول تعالـى ذكره: إنّ الّذِينَ آمَنُوا بـالله فوحدوه, وصدّقوا رسوله واتبعوه وعَمِلُوا الصّالِـحَاتِ يقول: فأطاعوا الله, فعملوا بـما أمرهم فـي كتابه وعلـى لسان رسوله, وانتهوا عما نهاهم عنه لَهُمْ جَنّاتُ النّعِيـمِ يقول: لهؤلاء بساتـين النعيـم خالدين فِـيها يقول: ماكثـين فـيها إلـى غير نهاية وَعْدَ اللّهِ حَقّا يقول: وعدهم الله وعدا حقا, لا شكّ فـيه ولا خـلف له وَهُوَ العَزِيزُ يقول: وهو الشديد فـي انتقامه من أهل الشرك به, والصادّين عن سبـيـله, الـحَكِيـمُ فـي تدبـير خـلقه.
الآية : 10
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {خَلَقَ السّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَىَ فِي الأرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثّ فِيهَا مِن كُلّ دَآبّةٍ وَأَنزَلْنَا مِنَ السّمَآءِ مَآءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِن كُلّ زَوْجٍ كَرِيمٍ }.
يقول تعالـى ذكره: ومن حكمته أنه خَـلَقَ السّمَوَاتِ السبع بغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها. وقد ذكرت فـيـما مضى اختلاف أهل التأويـل فـي معنى قوله بغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها وبـيّنا الصواب من القول فـي ذلك عندنا. وقد:
21369ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا معاذ بن معاذ, عن عمران بن حدير, عن عكرمة, عن ابن عبـاس بغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها قال: لعلها بعمد لا ترونها.
21370ـ وقال: ثنا العلاء بن عبد الـجبـار, عن هماد بن سلـمة, عن حميد, عن الـحسن بن مسلـم, عن مـجاهد, قال: إنها بعمد لا ترونها.
قال: ثنا يحيى بن آدم, عن شريك, عن سماك, عن عكرمة, عن ابن عبـاس, قال: لعلها بعمد لا ترونها.
21371ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد, عن سماك, عن عكرمة فـي هذا الـحرف خَـلَقَ السّمَوَاتِ بغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها قال: ترونها بغير عمد, وهي بَعمد.
21372ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة خَـلَقَ السّمَوَاتِ بغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها قال: قال الـحسن وقتادة: إنها بغير عمد ترونها, لـيس لها عمد.
وقال ابن عبـاس بغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا قال: لها عمد لا ترونها.
وقوله: وألْقَـى فِـي الأرْضِ رَوَاسِيَ أنْ تَـمِيدَ بِكُمْ يقول: وجعل علـى ظهر الأرض رواسي, وهي ثوابت الـجبـال أن تـميد بكم أن لا تـميد بكم. يقول: أن لا تضطرب بكم, ولا تتـحرّك يـمنة ولا يسرة, ولكن تستقرّ بكم, كما:
21373ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة وألْقَـى فِـي الأرْضِ رَوَاسِي: أي جبـالاً أنْ تَـمِيدَ بِكُمْ أثبتها بـالـجبـال, ولولا ذلك ما أقرّت علـيها خـلقا, وذلك كما قال الراجز:
(والـمُهْرُ يَأْبَى أنْ يَزَالَ مُلَهّبـا )
بـمعنى: لا يزال.
وقوله: وَبَثّ فِـيها مِنْ كُلّ دَابّةٍ يقول: وفرّق فـي الأرض من كلّ أنواع الدوابّ. وقـيـل الدوابّ اسم لكلّ ما أكل وشرب, وهو عندي لكلّ ما دبّ علـى الأرض. وقوله: وأنْزَلْنا مِنَ السّماءِ ماءً, فأنْبَتْنا فِـيها مِنْ كُلّ زَوْجٍ كَرِيـمٍ يقول تعالـى ذكره: وأنزلنا من السماء مطرا, فأنبتنا بذلك الـمطر فـي الأرض من كلّ زوج, يعنـي: من كل نوع من النبـات كريـم, وهو الـحسن النّبتة, كما:
21374ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة مِنْ كُلّ زَوْجٍ كَرِيـمٍ: أي حسن.
الآية : 11
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {هَـَذَا خَلْقُ اللّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الّذِينَ مِن دُونِهِ بَلِ الظّالِمُونَ فِي ضَلاَلٍ مّبِينٍ }.
يقول تعالـى ذكره: هذا الذي أعددت علـيكم أيها الناس أنـي خـلقته فـي هذه الاَية خـلق الله الذي له ألوهة كل شيء, وعبـادة كل خـلق, الذي لا تصلـح العبـادة لغيره, ولا تنبغي لشيء سواه, فأرونـي أيها الـمشركون فـي عبـادتكم إياه مَن دونه من الاَلهة والأوثان, أيّ شيء خـلق الذين من دونه من آلهتكم وأصنامكم, حتـى استـحقت علـيكم العبـادة فعبدتـموها من دونه, كما استـحقّ ذلك علـيكم خالقكم, وخالق هذه الأشياء التـي عددتها علـيكم. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
21375ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة, قوله: هَذَا خَـلْقُ اللّهِ ما ذكر من خـلق السموات والأرض, وما بثّ من الدوابّ, وما أنبت من كلّ زوج كريـم, فأرونـي ماذا خـلق الذين من دونه الأصنام الذين تدعون من دونه.
وقوله: بَلِ الظّالِـمُونَ فِـي ضَلالٍ مُبِـينٍ يقول تعالـى ذكره: ما عبد هؤلاء الـمشركون الأوثان والأصنام من أجل أنها تـخـلق شيئا, ولكنهم دعاهم إلـى عبـادتها ضلالهم, وذهابهم عن سبـيـل الـحقّ, فهم فـي ضلال. يقول: فهم فـي جور عن الـحقّ, وذهاب عن الاستقامة مبـين يقول: يبـين لـمن تأمله, ونظر فـيه وفكّر بعقل أنه ضلال لا هدى
412
410
سورة لقمان مكية
وآياتها أربع وثلاثون
بسم الله الرحمَن الرحيـم
الآية : 1-4
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {الَـمَ * تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ * هُدًى وَرَحْمَةً لّلْمُحْسِنِينَ * الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ بِالاَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ }.
وقد تقدّم بـياننا تأويـل قول الله تعالـى ذكره الـم. وقوله: تِلكَ آياتُ الكِتابِ الـحَكِيـمِ يقول جل ثناؤه: هذه آيات الكتاب الـحكيـم بـيانا وتفصيلاً. وقوله هُدًى ورَحْمَةً يقول: هذه آيات الكتاب بـيانا ورحمة من الله, رحم به من اتبعه, وعمل به من خـلقه وبنصب الهدى والرحمة علـى القطع من آيات الكتاب قرأت قرّاء الأمصار غير حمزة, فإنه قرأ ذلك رفعا علـى وجه الاستئناف, إذ كان منقطعا عن الاَية التـي قبلها بأنه ابتداء آية وأنه مدح, والعرب تفعل ذلك مـما كان من نعوت الـمعارف, وقع موقع الـحال إذا كان فـيه معنى مدح أو ذمّ. وكلتا القراءتـين صواب عندي, وإن كنت إلـى النصب أميـل, لكثرة القراء به.
وقوله: للْـمُـحْسِنِـينَ وهم الذين أحسنوا فـي العمل بـما أنزل الله فـي هذا القرآن, يقول تعالـى ذكره: هذا الكتاب الـحكيـم هدى ورحمة للذين أحسنوا, فعملوا بـما فـيه من أمر الله ونهيه الّذِينَ يُقِـيـمُونَ الصّلاةَ يقول: الذين يقـيـمون الصّلاةَ الـمفروضة بحدودها وَيُؤْتُونَ الزّكاةَ من جعلها الله له الـمفروضة فـي أموالهم وَهُمْ بـالاَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ يقول: يفعلون ذلك وهم بجزاء الله وثوابه لـمن فعل ذلك فـي الاَخرة يوقنون.
الآية : 5
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أُوْلَـَئِكَ عَلَىَ هُدًى مّن رّبّهِمْ وَأُوْلَـَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: هؤلاء الذين وصفت صفتهم علـى بـيان من ربهم ونور وأُولَئِكَ هُمُ الـمُفْلـحونَ يقول: وهؤلاء هم الـمنْـجِحون الـمدركون ما رَجَوا وأملوا من ثواب ربهم يوم القـيامة.
الآية : 6
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَمِنَ النّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلّ عَن سَبِيلِ اللّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتّخِذَهَا هُزُواً أُوْلَـَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مّهِينٌ }.
اختلف أهل التأويـل, فـي تأويـل قوله: وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الـحَدِيث فقال بعضهم: من يشتري الشراء الـمعروف بـالثمن, ورووا بذلك خبرا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ما:
21350ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا وكيع, عن خلاد الصفَـار, عن عبـيد الله بن زَحْر, عن علـيّ بن يزيد, عن القاسم, عن أبـي أُمامة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يَحِلّ بَـيْعُ الـمُغَنّـياتِ, وَلا شِرَاؤُهُنّ, وَلا التّـجارَةُ فِـيهِنّ, وَلا أثمَانُهُنّ, وفـيهنّ نزلت هذه الاَية: وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الـحَدِيثِ».
حدثنا ابن وكيع, قال: ثنـي أبـي, عن خَلاد الصفَـار, عن عبـيد الله بن زَحْر, عن علـيّ بن يزيد, عن القاسم, عن أبـي أُمامة, عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم بنـحوه, إلاّ أنه قال: «أكْلُ ثَمَنِهِنّ حَرَامٌ» وقال أيضا: «وفِـيهِنّ أنْزَلَ اللّهُ علـيّ هَذِهِ الاَيَةَ: وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الـحَدِيثِ لِـيُضِلّ عَنْ سَبِـيـلِ اللّهِ».
حدثنـي عبـيد بن آدم بن أبـي إياس العسقلانـي, قال: حدثنا أبـي, قال: حدثنا سلـيـمان بن حيان, عن عمرو بن قـيس الكلابـي, عن أبـي الـمهلّب, عن عبـيد الله بن زَحْر, عن علـيّ بن يزيد, عن القاسم, عن أبـي أُمامة. قال: وثنا إسماعيـل بن عَياش, عن مُطَرّح بن يزيد, عن عبـيد الله بن زَحْر, عن علـيّ بن زيد, عن القاسم, عن أبـي أُمامة البـاهلـي, قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يحلّ تَعْلِـيـمُ الـمُغَنّـياتِ, وَلا بَـيْعُهُنّ وَلا شِرَاؤُهُنّ, وثَمَنُهُنّ حَرامٌ, وقَدْ نَزَلَ تَصْدِيقُ ذلكَ فِـي كِتابِ اللّهِ وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الـحَدِيثِ إلـى آخر الاَية».
وقال آخرون: بل معنى ذلك: من يختار لهو الـحديث ويستـحبه. ذكر من قال ذلك:
21351ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة, قوله: وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الـحَدِيثِ لِـيُضِلّ عَنْ سَبِـيـلِ اللّهِ بغَيْرِ عِلْـمٍ والله لعله أن لا ينفق فـيه مالاً, ولكن اشتراؤه استـحبـابه, بحسب الـمرء من الضلالة أن يختار حديث البـاطل علـى حديث الـحقّ, وما يضرّ علـى ما ينفع.
21352ـ حدثنـي مـحمد بن خـلف العسقلانـي, قال: حدثنا أيوب بن سويد, قال: حدثنا ابن شوذب, عن مطر, فـي قول الله وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الـحَدِيثِ قال: اشتراؤه: استـحبـابه.
وأولـى التأويـلـين عندي بـالصواب تأويـل من قال: معناه: الشراء, الذي هو بـالثمن, وذلك أن ذلك هو أظهر معنـيـيه.
فإن قال قائل: وكيف يشتري لهو الـحديث؟ قـيـل: يشتري ذات لهو الـحديث, أو ذا لهو الـحديث, فـيكون مشتريا لهو الـحديث.
وأما الـحديث, فإن أهل التأويـل اختلفوا فـيه, فقال بعضهم: هو الغناء والاستـماع له. ذكر من قال ذلك:
21353ـ حدثنـي يونس بن عبد الأعلـى, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرنـي يزيد بن يونس, عن أبـي صخر, عن أبـي معاوية البجلـي, عن سعيد بن جُبَـير, عن أبـي الصهبـاء البكري, أنه سمع عبد الله بن مسعود وهو يُسأل عن هذه الاَية وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الـحَدِيثِ لِـيُضِلّ عَنْ سَبِـيـلِ اللّهِ بغَيْرِ عِلْـمٍ فقال عبد الله: الغناء, والذي لا إله إلاّ هو, يردّدها ثلاث مرّات.
حدثنا عمرو بن علـيّ, قال: حدثنا صفوان بن عيسى, قال: أخبرنا حميد الـخراط, عن عمار, عن سعيد بن جُبَـير, عن أبـي الصهبـاء, أنه سأل ابن مسعود, عن قول الله وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الـحَدِيثِ قال: الغناء.
21354ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا علـيّ بن عابس, عن عطاء, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الـحَدِيثِ قال: الغِناء.
21355ـ حدثنا عمرو بن علـيّ, قال: حدثنا عمران بن عيـينة, قال: حدثنا عطاء بن السائب, عن سعيد بن جُبَـير, عن ابن عبـاس وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الـحَدِيثِ قال: الغناء وأشبـاهه.
حدثنا ابن وكيع, والفضل بن الصبـاح, قالا: حدثنا مـحمد بن فضيـل, عن عطاء, عن سعيد بن جُبَـير عن ابن عبـاس, فـي قوله: وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الـحَدِيثِ قال: هو الغناء ونـحوه.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام بن سلـم, عن عمرو بن أبـي قـيس, عن عطاء, عن سعيد بن جُبَـير عن ابن عبـاس, مثله.
حدثنا الـحسين بن عبد الرحمن الأنـماطي, قال: حدثنا عبـيد الله, قال: حدثنا ابن أبـي لـيـلـى, عن الـحكم, عن مقسم, عن ابن عبـاس, قال: هو الغناء والاستـماع له, يعنـي قوله: وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الـحَدِيثِ.
21356ـ حدثنا الـحسن بن عبد الرحيـم, قال: حدثنا عبـيد الله بن موسى, قال: حدثنا سفـيان, عن قابوس بن أبـي ظبـيان, عن أبـيه, عن جابر, فـي قوله: وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الـحَدِيثِ قال: هو الغناء والاستـماع له.
21357ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن ابن أبـي لـيـلـى, عن الـحكم أو مقسم, عن مـجاهد, عن ابن عبـاس قال: شراء الـمغنـية.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا حفص والـمـحاربـي, عن لـيث, عن الـحكم, عن ابن عبـاس, قال: الغناء.
حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الـحَدِيثِ لِـيُضِلّ عَنْ سَبِـيـلِ اللّهِ قال: بـاطل الـحديث: هو الغناء ونـحوه.
21358ـ حدثنا ابن بشار وابن الـمثنى, قالا: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن حبـيب, عن مـجاهد وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الـحَدِيثِ قال: الغناء.
حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر وعبد الرحمن بن مهدي, عن شعبة, عن الـحكم, عن مـجاهد أنه قال فـي هذه الاَية وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الـحَدِيثِ قال: الغناء.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن سفـيان, عن حبـيب عن مـجاهد قال: الغناء.
قال: ثنا أبـي, عن شعبة, عن الـحكم, عن مـجاهد, مثله.
21359ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا الأشجعي, عن سفـيان, عن عبد الكريـم, عن مـجاهد وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الـحَدِيثِ قال: هو الغناء, وكلّ لعب لهو.
حدثنا الـحسين بن عبد الرحمن الأنـماطي, قال: حدثنا علـيّ بن حفص الهمدانـي, قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الـحَدِيثِ قال: الغناء والاستـماع له وكل لهو.
21360ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قوله وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الـحَدِيثِ قال: الـمغنـي والـمغنـية بـالـمال الكثـير, أو استـماع إلـيه, أو إلـى مثله من البـاطل.
حدثنـي يعقوب وابن وكيع, قالا: حدثنا ابن علـية, عن لـيث, عن مـجاهد, فـي قوله وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الـحَدِيثِ قال: هو الغناء أو الغناء منه, أو الاستـماع له.
21361ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا عثام بن علـيّ, عن إسماعيـل بن أبـي خالد, عن شعيب بن يسار, عن عكرمة قال: لَهْوَ الـحَدِيثِ: الغناء.
21362ـ حدثنـي عبـيد بن إسماعيـل الهَبّـاريّ, قال: حدثنا عَثّام, عن إسماعيـل بن أبـي خالد, عن شعيب بن يسار هكذا قال عكرمة, عن عبـيد مثله.
حدثنا الـحسين بن الزبرقان النـخعي, قال: حدثنا أبو أسامة وعبـيد الله, عن أسامة, عن عكرمة, فـي قوله وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الـحَدِيثِ قال: الغناء.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن أسامة بن زيد, عن عكرمة, قال: الغناء.
وقال آخرون: عنى بـاللهو: الطّبل. ذكر من قال ذلك:
21363ـ حدثنـي عبـاس بن مـحمد, قال: حدثنا حجاج الأعور, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد, قال: اللهو: الطبل.
وقال آخرون: عنى بلهو الـحديث: الشرك. ذكر من قال ذلك:
21364ـ حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ, يقول: أخبرنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك يقول, فـي قوله: وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الـحَدِيثِ يعنـي الشرك.
21365ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الـحَدِيثِ لِـيُضِلّ عَنْ سَبِـيـلِ اللّهِ بغَيْرِ عِلْـمٍ, ويَتّـخِذها هُزُوا قال: هؤلاء أهل الكفر, ألا ترى إلـى قوله: وَإذا تُتْلَـى عَلَـيْهِ آياتُنا وَلّـى مُسْتَكْبِرا كأنْ لَـمْ يَسْمَعْها, كأنّ فِـي أُذُنَـيْهِ وَقْرا فلـيس هكذا أهل الإسلام, قال: وناس يقولون: هي فـيكم, ولـيس كذلك, قال: وهو الـحديث البـاطل الذي كانوا يَـلْغَون فـيه.
والصواب من القول فـي ذلك أن يقال: عنى به كلّ ما كان من الـحديث ملهيا عن سبـيـل الله, مـما نهى الله عن استـماعه أو رسولُه, لأن الله تعالـى عَمّ بقوله لَهْوَ الـحَدِيثِ ولـم يخصص بعضا دون بعض, فذلك علـى عمومه, حتـى يأتـي ما يدلّ علـى خصوصه, والغناء والشرك من ذلك.
وقوله: لِـيُضِلّ عَنْ سَبِـيـلِ اللّهِ يقول: لـيصدّ ذلك الذي يشتري من لهم الـحديث عن دين الله وطاعته, وما يقرّب إلـيه من قراءة قرآن, وذكر الله. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
21366ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس لِـيُضِلّ عَنْ سَبِـيـلِ اللّهِ قال: سبـيـل الله: قراءة القرآن, وذكر الله إذا ذكره, وهو رجل من قريش اشترى جارية مغنـية.
وقوله: بغَيْرِ عِلْـمٍ يقول: فعل ما فعل من اشترائه لهو الـحديث, جهلاً منه بـما له فـي العاقبة عند الله من وزر ذلك وإثمه. وقوله وَيَتّـخِذَها هُزُوا اختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك, فقرأته عامة قرّاء الـمدينة والبصرة, وبعض أهل الكوفة: «وَيَتّـخِذُها» رفعا, عطفـا به علـى قوله: يَشْتَرِي كأن معناه عندهم: ومن الناس من يشتري لهو الـحديث, ويتـخذ آيات الله هزوا. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة: وَيَتّـخِذَها نصبـا عطفـا علـى يضلّ, بـمعنى: لـيضلّ عن سبـيـل الله, ولـيتـخذَها هُزُوا.
والصواب من القول فـي ذلك: أنهما قراءتان معروفتان فـي قرّاء الأمصار, متقاربتا الـمعنى, فبأيتهما قرأ القارىء, فمصيب الصواب فـي قراءته, والهاء والألف فـي قوله: ويَتّـخِذَها من ذكر سبـيـل الله. ذكر من قال ذلك:
21375حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قول الله: وَيَتّـخِذَها هُزُوا قال: سبـيـل الله.
وقال آخرون: بل ذلك من ذِكر آيات الكتاب.
21367ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قال: بِحَسْب الـمرء من الضلالة, أن يختار حديث البـاطل علـى حديث الـحقّ, وما يضرّ علـى ما ينفع.
ويَتّـخِذَها هُزُوا يستهزىء بها ويكذّب بها. وهما من أن يكونا من ذكر سبـيـل الله أشبه عندي لقربهما منها, وإن كان القول الاَخر غير بعيد من الصواب. واتـخاذه ذلك هُزُوا هو استهزاؤه به.
وقوله: أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ يقول تعالـى ذكره: هؤلاء الذين وصفنا أنهم يشترون لهو الـحديث لـيضلوا عن سبـيـل الله, لهم يوم القـيامة عذاب مُذِلّ مخزٍ فـي نار جهنـم.
الآية : 7
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِذَا تُتْلَىَ عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلّىَ مُسْتَكْبِراً كَأَن لّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنّ فِيَ أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ }.
يقول تعالـى ذكره: وإذا تُتلـى علـى هذا الذي اشترى لهو الـحديث للإضلال عن سبـيـل الله, آيات كتاب الله, فقرئت علـيه ولّـى مُسْتَكْبرا يقول: أدبر عنها, واستكبر استكبـارا, وأعرض عن سماع الـحقّ والإجابة عنه كأَنْ لَـمْ يَسْمَعْها كأنّ فِـي أُذُنَـيهِ وَقْرا يقول: ثقلاً, فلا يطيق من أجله سماعه, كما:
21368ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قوله: فِـي أُذُنَـيْهِ وَقْرا قال: ثِقْلاً.
وقوله فَبَشّرْهُ بعَذَابٍ ألِـيـمٍ يقول تعالـى ذكره: فبشر هذا الـمعرض عن آيات الله إذا تُلِـيت علـيه استكبـارا بعذاب له من الله يوم القـيامة مُوجع, وذلك عذاب النار.
الآية : 8-9
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِنّ الّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ لَهُمْ جَنّاتُ النّعِيمِ * خَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ اللّهِ حَقّاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }.
يقول تعالـى ذكره: إنّ الّذِينَ آمَنُوا بـالله فوحدوه, وصدّقوا رسوله واتبعوه وعَمِلُوا الصّالِـحَاتِ يقول: فأطاعوا الله, فعملوا بـما أمرهم فـي كتابه وعلـى لسان رسوله, وانتهوا عما نهاهم عنه لَهُمْ جَنّاتُ النّعِيـمِ يقول: لهؤلاء بساتـين النعيـم خالدين فِـيها يقول: ماكثـين فـيها إلـى غير نهاية وَعْدَ اللّهِ حَقّا يقول: وعدهم الله وعدا حقا, لا شكّ فـيه ولا خـلف له وَهُوَ العَزِيزُ يقول: وهو الشديد فـي انتقامه من أهل الشرك به, والصادّين عن سبـيـله, الـحَكِيـمُ فـي تدبـير خـلقه.
الآية : 10
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {خَلَقَ السّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَىَ فِي الأرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثّ فِيهَا مِن كُلّ دَآبّةٍ وَأَنزَلْنَا مِنَ السّمَآءِ مَآءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِن كُلّ زَوْجٍ كَرِيمٍ }.
يقول تعالـى ذكره: ومن حكمته أنه خَـلَقَ السّمَوَاتِ السبع بغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها. وقد ذكرت فـيـما مضى اختلاف أهل التأويـل فـي معنى قوله بغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها وبـيّنا الصواب من القول فـي ذلك عندنا. وقد:
21369ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا معاذ بن معاذ, عن عمران بن حدير, عن عكرمة, عن ابن عبـاس بغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها قال: لعلها بعمد لا ترونها.
21370ـ وقال: ثنا العلاء بن عبد الـجبـار, عن هماد بن سلـمة, عن حميد, عن الـحسن بن مسلـم, عن مـجاهد, قال: إنها بعمد لا ترونها.
قال: ثنا يحيى بن آدم, عن شريك, عن سماك, عن عكرمة, عن ابن عبـاس, قال: لعلها بعمد لا ترونها.
21371ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد, عن سماك, عن عكرمة فـي هذا الـحرف خَـلَقَ السّمَوَاتِ بغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها قال: ترونها بغير عمد, وهي بَعمد.
21372ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة خَـلَقَ السّمَوَاتِ بغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها قال: قال الـحسن وقتادة: إنها بغير عمد ترونها, لـيس لها عمد.
وقال ابن عبـاس بغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا قال: لها عمد لا ترونها.
وقوله: وألْقَـى فِـي الأرْضِ رَوَاسِيَ أنْ تَـمِيدَ بِكُمْ يقول: وجعل علـى ظهر الأرض رواسي, وهي ثوابت الـجبـال أن تـميد بكم أن لا تـميد بكم. يقول: أن لا تضطرب بكم, ولا تتـحرّك يـمنة ولا يسرة, ولكن تستقرّ بكم, كما:
21373ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة وألْقَـى فِـي الأرْضِ رَوَاسِي: أي جبـالاً أنْ تَـمِيدَ بِكُمْ أثبتها بـالـجبـال, ولولا ذلك ما أقرّت علـيها خـلقا, وذلك كما قال الراجز:
(والـمُهْرُ يَأْبَى أنْ يَزَالَ مُلَهّبـا )
بـمعنى: لا يزال.
وقوله: وَبَثّ فِـيها مِنْ كُلّ دَابّةٍ يقول: وفرّق فـي الأرض من كلّ أنواع الدوابّ. وقـيـل الدوابّ اسم لكلّ ما أكل وشرب, وهو عندي لكلّ ما دبّ علـى الأرض. وقوله: وأنْزَلْنا مِنَ السّماءِ ماءً, فأنْبَتْنا فِـيها مِنْ كُلّ زَوْجٍ كَرِيـمٍ يقول تعالـى ذكره: وأنزلنا من السماء مطرا, فأنبتنا بذلك الـمطر فـي الأرض من كلّ زوج, يعنـي: من كل نوع من النبـات كريـم, وهو الـحسن النّبتة, كما:
21374ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة مِنْ كُلّ زَوْجٍ كَرِيـمٍ: أي حسن.
الآية : 11
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {هَـَذَا خَلْقُ اللّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الّذِينَ مِن دُونِهِ بَلِ الظّالِمُونَ فِي ضَلاَلٍ مّبِينٍ }.
يقول تعالـى ذكره: هذا الذي أعددت علـيكم أيها الناس أنـي خـلقته فـي هذه الاَية خـلق الله الذي له ألوهة كل شيء, وعبـادة كل خـلق, الذي لا تصلـح العبـادة لغيره, ولا تنبغي لشيء سواه, فأرونـي أيها الـمشركون فـي عبـادتكم إياه مَن دونه من الاَلهة والأوثان, أيّ شيء خـلق الذين من دونه من آلهتكم وأصنامكم, حتـى استـحقت علـيكم العبـادة فعبدتـموها من دونه, كما استـحقّ ذلك علـيكم خالقكم, وخالق هذه الأشياء التـي عددتها علـيكم. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
21375ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة, قوله: هَذَا خَـلْقُ اللّهِ ما ذكر من خـلق السموات والأرض, وما بثّ من الدوابّ, وما أنبت من كلّ زوج كريـم, فأرونـي ماذا خـلق الذين من دونه الأصنام الذين تدعون من دونه.
وقوله: بَلِ الظّالِـمُونَ فِـي ضَلالٍ مُبِـينٍ يقول تعالـى ذكره: ما عبد هؤلاء الـمشركون الأوثان والأصنام من أجل أنها تـخـلق شيئا, ولكنهم دعاهم إلـى عبـادتها ضلالهم, وذهابهم عن سبـيـل الـحقّ, فهم فـي ضلال. يقول: فهم فـي جور عن الـحقّ, وذهاب عن الاستقامة مبـين يقول: يبـين لـمن تأمله, ونظر فـيه وفكّر بعقل أنه ضلال لا هدى
الصفحة رقم 411 من المصحف تحميل و استماع mp3