تفسير الطبري تفسير الصفحة 412 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 412
413
411
 الآية : 12
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ للّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنّ اللّهَ غَنِيّ حَمِيدٌ }.
يقول تعالـى ذكره: ولقد آتـينا لقمان الفقه فـي الدين, والعقل, والإصابة فـي القول. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك, قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
21376ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: وَلَقَدْ آتَـيْنا لُقْمان الـحِكْمَةَ قال: الفقه والعقل والإصابة فـي القول من غير نُبوّة.
21377ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة, قوله وَلَقَدْ آتَـيْنا لُقْمانَ الـحِكْمَةَ أي الفقه فـي الإسلام. قال قَتادة: ولـم يكن نبـيا, ولـم يُوح إلـيه.
حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا يونس, عن مـجاهد, فـي قوله وَلَقَدْ آتَـيْنا لُقْمانَ الـحِكْمَةَ قال: الـحكمة: الصواب. وقال غير أبـي بشر: الصواب فـي غير النبوّة.
حدثنا ابن الـمثنى, حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن الـحكم, عن مـجاهد, أنه قال: كان لقمان رجلاً صالـحا, ولـم يكن نبـيا.
21378ـ حدثنـي نصر بن عبد الرحمن الأَوْديّ وابن حميد, قالا: حدثنا حَكّام, عن سعيد الزبـيديّ, عن مـجاهد, قال: كان لقمان الـحكيـم عبدا حبشيا, غلـيظ الشفتـين, مصفح القدمين, قاضيا علـى بنـي إسرائيـل.
حدثنـي عيسى بن عثمان بن عيسى الرملـيّ, قال: حدثنا يحيى بن عيسى عن الأعمش, عن مـجاهد, قال: كان لقمان عبدا أسود, عظيـم الشفتـين, مُشقّق القدمين.
21379ـ حدثنـي عبـاس بن مـحمد, قال: حدثنا خالد بن مخـلد, قال: حدثنا سلـيـمان بن بلال, قال: ثنـي يحيى بن سعيد قال: سمعت سعيد بن الـمسيب يقول: كان لقمان الـحكيـم أسود من سودان مصر.
21380ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن سفـيان, عن أشعث, عن عكرمة, عن ابن عبـاس, قال: كان لقمان عبدا حبشيا.
21381ـ حدثنا العبـاس بن الولـيد, قال: أخبرنا أبـي, قال: حدثنا الأوزاعيّ, قال: حدثنا عبد الرحمن بن حَرْملة, قال: جاء أسود إلـى سعيد بن الـمسيب يسأل, فقال له سعيد: لا تـحزن من أجل أنك أسود, فإنه كان من خير الناس ثلاثة من السودان: بِلال, ومهجّع مولـى عمر بن الـخطاب, ولُقمان الـحكيـم, كان أسود نوبـيا ذا مشافر.
21382ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن أبـي الأشهب, عن خالد الرّبَعِيّ, قال: كان لقمان عبدا حبشيا نـجارا, فقال له مولاه: اذبح لنا هذه الشاة, فذبحها. قال: أخرج أطيب مُضْغَتـين فـيها, فأخرج اللسان والقلب. ثم مكث ما شاء الله, ثم قال: اذبح لنا هذه الشاة, فذبحها. فقال: أخرج أخبث مضغتـين فـيها, فأخرج اللسان والقلب, فقال له مولاه: أمرتك أن تـخرج أطيب مضغتـين فـيها فأخرجتهما, وأمرتك أن تـخرج أخبث مضغتـين فـيها فأخرجتهما فقال له لقمان: إنه لـيس من شيء أطيب منهما إذا طابـا, ولا أخبث منهما إذا خَبثا.
21383ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا الـحكم, قال: حدثنا عمرو بن قـيس, قال: كان لقمان عبدا أسود, غلـيظ الشفتـين, مصفح القدمين, فأتاه رجل, وهو فـي مـجلس أناس يحدّثهم, فقال له: ألست الذي كنت ترعى معي الغنـم فـي مكان كذا وكذا؟ قال: نعم, قال: فما بلغ بك ما أرى؟ قال: صدق الـحديث, والصمت عما لا يعنـينـي.
21384ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن سفـيان, عن رجل, عن مـجاهد وَلَقَدْ آتَـيْنا لُقْمانَ الـحِكْمَةَ قال: القرآن.
21385ـ قال: ثنا أبـي, عن سفـيان, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قال: الـحكمة: الأمانة.
وقال آخرون: كان نبـيا. ذكر من قال ذلك:
21386ـ حدثنا ابن وكيع, قال: ثنـي أبـي, عن إسرائيـل, عن جابر, عن عكرمة, قال: كان لقمان نبـيا.
وقوله: أنِ اشْكُرْ لِلّهِ: يقول تعالـى ذكره: ولقد آتـينا لقمان الـحكمة, أن احمد الله علـى ما آتاك من فضله وجعل قوله أنِ اشْكُرْ ترجمة عن الـحكمة, لأن من الـحكمة التـي كان أوتـيها, كان شكره الله علـى ما آتاه. وقوله: وَمَنْ يَشْكُرْ فإنّـمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ يقول: ومن يشكر الله علـى نعمه عنده فإنـما يشكر لنفسه, لأن الله يُجزل له علـى شكره إياه الثواب, وينقذه به من الهلكة. وَمَنْ كَفَرَ فإنّ اللّهَ غَنِـيّ حَمِيدٌ يقول: ومن كفر نعمة الله علـيه, إلـى نفسه أساء, لأن الله معاقبُه علـى كفرانه إياه, والله غنـيّ عن شكره إياه علـى نعمه, لا حاجة به إلـيه, لأن شكره إياه لا يزيد فـي سلطانه, ولا ينقص كفرانه إياه مِن ملكه. ويعنـي بقوله حَمِيدٌ مـحمود علـى كلّ حال, له الـحمد علـى نعمه, كفر العبد نعمته أو شكره علـيها وهو مصروف من مفعول إلـى فَعِيـل.
الآية : 13
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَبُنَيّ لاَ تُشْرِكْ بِاللّهِ إِنّ الشّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ }.
يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: واذكر يا مـحمد إذْ قالَ لُقْمانُ لاِبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يا بُنَـيّ لا تُشْرِكْ بـاللّهِ, إنّ الشّرْكَ لَظُلْـمٌ عَظِيـمٌ يقول: لـخطأ من القول عظيـم.
الآية : 14
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَوَصّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمّهُ وَهْناً عَلَىَ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيّ الْمَصِيرُ }.
يقول تعالـى ذكره: وأمرنا الإنسان ببرّ والديه حَمَلَتْهُ أُمّهُ وَهْنا عَلـى وَهْنٍ يقول: ضعفـا علـى ضعف, وشدّة علـى شدّة ومنه قول زهير:
فَلَنْ يَقُولُوا بِحَبْلٍ وَاهِنٍ خَـلَقٍلَوْ كانَ قَوْمُكَ فِـي أسْبـابِه هَلَكُوا
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل, غير أنهم اختلفوا فـي الـمعنـيّ بذلك, فقال بعضهم: عنى به الـحمل. ذكر من قال ذلك:
21387ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: وَوَصّيْنا الإنْسانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمّهُ وَهْنا عَلـى وَهْنٍ يقول: شدّة بعد شدّة, وخـلقا بعد خـلق.
21388ـ حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك يقول, فـي قوله: وَهْنا عَلـى وَهْنٍ يقول: ضعفـا علـى ضعف.
21389ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: حَمَلَتْهُ أُمّهُ وَهْنا عَلـى وَهْنٍ أي جهدا علـى جهد.
وقال آخرون: بل عنى به: وهن الولد وضعفه علـى ضعف الأمّ. ذكر من قال ذلك:
21390ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد وَهْنا عَلـى وَهْنٍ قال: وهن الولد علـى وهن الوالدة وضعفها.
وقوله: وَفِصَالُهُ فِـي عامَيْنِ يقول: وفطامه فـي انقضاء عامين. وقـيـل: وَفِصَالُهُ فِـي عامَيْنِ وترك ذكر «انقضاء» اكتفـاء بدلالة الكلام علـيه, كما قـيـل: وَاسأَلِ القَرْيَةَ التـي كُنّا فِـيهَا يراد به أهل القرية.
وقوله: أنِ اشْكُرْ لـي وَلِوَالِدَيْكَ يقول: وعهدنا إلـيه أن اشكر لـي علـى نعمي علـيك, ولوالديك تربـيتهما إياك, وعلاجهما فـيك ما عالـجا من الـمشقة حتـى استـحكم قواك. وقوله: إلـيّ الـمَصِيرُ يقول: إلـى الله مصيرك أيها الإنسان, وهو سائلك عما كان من شكرك له علـى نعمه علـيك, وعما كان من شكرك لوالديك, وبرّك بهما علـى ما لقـيا منك من العناء والـمشقة فـي حال طفولـيتك وصبـاك, وما اصطنعا إلـيك فـي برّهما بك, وتـحننهما علـيك.
وذُكر أن هذه الاَية نزلت فـي شأن سعد بن أبـي وقاص وأمه. ذكر الرواية الواردة فـي ذلك:
21391ـ حدثنا هناد بن السريّ, قال: حدثنا أبو الأحوص, عن سماك بن حرب, عن مصعب بن سعد, قال: حلفت أمّ سعد أن لا تأكل ولا تشرب, حتـى يتـحوّل سعد عن دينه. قال: فأبى علـيها. فلـم تزل كذلك حتـى غشي علـيها. قال: فأتاها بنوها فسقوها. قال: فلـما أفـاقت دعت الله علـيه, فنزلت هذه الاَية: وَوَصيْنا الإنْسانَ بِوَالِدَيْهِ... إلـى قوله: فِـي الدّنْـيا مَعْرُوفـا.
21392ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة, عن سماك بن حرب, عن مصعب بن سعد, عن أبـيه, قال: قالت أمّ سعد لسعد: ألـيس الله قد أمر بـالبرّ, فوالله لا أطعم طعاما ولا أشرب شرابـا حتـى أموت أو تكفر قال: فكانوا إذا أرادوا أن يطعموها شجروا فـاها بعصا, ثم أوجروها, فنزلت هذه الاَية: وَوَصّيْنا الإنْسانَ بِوَالِدَيْهِ.
21393ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا عبد الأعلـى, قال: حدثنا داود, عن سماك بن حرب, قال: قال سعد بن مالك: نزلت فـيّ: وَإنْ جاهَدَاكَ عَلـى أنْ تُشْرِكَ بِـي ما لَـيْسَ لَكَ بِهِ عِلْـمٌ فَلا تُطِعْهُما, وَصَاحِبْهُما فِـي الدّنْـيا مَعْرُوفـا قال: لـما أسلـمت, حلفت أمي لا تأكل طعاما ولا تشرب شرابـا, قال: فناشدتها أوّل يوم, فأبت وصبرت فلـما كان الـيوم الثانـي ناشدتها, فأبت فلـما كان الـيوم الثالث ناشدتها فأبت, فقلت: والله لو كانت لك مئة نفس لـخرجت قبل أن أدع دينـي هذا فلـما رأت ذلك, وعرفت أنـي لست فـاعلاً أكلت.
21394ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن أبـي إسحاق, قال: سمعت أبـا هبـيرة يقول: قال: نزلت هذه الاَية فـي سعد بن أبـي وقاص وَإنْ جاهَداكَ عَلـى أنْ تُشْرِكَ بِـي ما لَـيْسَ لَكَ بِهِ عِلْـمٌ فَلا تُطِعْهُمَا... الاَية.
الآية : 15
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىَ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيّ ثُمّ إِلَيّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: وإن جاهدك أيها الإنسان والداك علـى أن تشرك بـي فـي عبـادتك إياي معي غيري مـما لا تعلـم أنه لـي شريك, ولا شريك له تعالـى ذكره علوّا كبـيرا, فلا تطعهما فـيـما أراداك علـيه من الشرك بـي, وَصَاحِبْهُما فِـي الدّنْـيا مَعْرُوفـا يقول: وصاحبهما فـي الدنـيا بـالطاعة لهما فـيـما لا تبعة علـيك فـيه فـيـما بـينك وبـين ربك ولا إثم. وقوله: وَاتّبِعْ سَبِـيـلَ مَنْ أنابَ إلـيّ يقول: واسلك طريق من تاب من شركه, ورجع إلـى الإسلام, واتبع مـحمدا صلى الله عليه وسلم. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
21395ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَاتّبِعْ سَبِـيـلَ مَنْ أنابَ إلـيّ: أي من أقبل إلـيّ.
وقوله: إلـيّ مَرْجِعُكُمْ فأُنَبّئُكُمْ بِـمَا كُنْتُـمْ تَعْمَلُونَ فإن إلـيّ مصيركم ومعادكم بعد مـماتكم فأخبركم بجميع ما كنتـم فـي الدنـيا تعملون من خير وشرّ, ثم أجازيكم علـى أعمالكم, الـمـحسن منكم بإحسانه, والـمسيء بإساءته.
فإن قال لنا قائل: ما وجه اعتراض هذا الكلام بـين الـخبر عن وصيتـي لقمان ابنه؟ قـيـل ذلك أيضا, وإن كان خبرا من الله تعالـى ذكره عن وصيته عبـاده به, وأنه إنـما أوصى به لقمان ابنه, فكان معنى الكلام: وَإذْ قالَ لُقْمانُ لاِبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ: يا بُنَـيّ لا تُشْرِكْ بـاللّهِ إنّ الشّرْكَ لَظُلْـمٌ عَظِيـمٌ ولا تطع فـي الشرك به والديك وَصَاحِبْهُما فِـي الدّنْـيا مَعْرُوفـا فإن الله وصّى بهما, فـاستؤنف الكلام علـى وجه الـخبر من الله, وفـيه هذا الـمعنى, فذلك وجه اعتراض ذلك بـين الـخبرين عن وصيته.
الآية : 16
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَبُنَيّ إِنّهَآ إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبّةٍ مّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السّمَاوَاتِ أَوْ فِي الأرْضِ يَأْتِ بِهَا اللّهُ إِنّ اللّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ }.
اختلف أهل العربـية فـي معنى الهاء والألف اللتـين فـي قوله إنّها فقال بعض نـحويـي البصرة: ذلك كناية عن الـمعصية والـخطيئة. ومعنى الكلام عنده: يا بنـيّ إن الـمعصية إن تك مثقال حبة من خردل, أو إن الـخطيئة. وقال بعض نـحويـي الكوفة: وهذه الهاء عماد. وقال: أنّث تك, لأنه يراد بها الـحبة, فذهب بـالتأنـيث إلـيها, كما قال الشاعر:
وَتَشْرَقُ بـالقَوْلِ الّذِي قَدْ أذَعْتَهُكمَا شَرِقَتْ صَدْرُ القَناةِ مِنَ الدّمِ
وقال صاحب هذه الـمقالة: يجوز نصب الـمثقال ورفعه قال: فمن رفع رفعه بتك, واحتـملت الننكرة أن لا يكون لها فعل فـي كان ولـيس وأخواتها, ومن نصب جعل فـي تكن اسما مضمرا مـجهولاً مثل الهاء التـي فـي قوله إنّها إنْ تَكُ قال: ومثله قوله: فإنّها لا تَعْمَى الأَبْصَارُ قال: ولو كان إن يك مثقال حبة كان صوابـا, وجاز فـيه الوجهان. وأما صاحب الـمقالة الأولـى, فإن نصب مثقال فـي قوله, علـى أنه خبر, وتـمام كان, وقال: رفع بعضهم فجعلها كان التـي لا تـحتاج إلـى خبر.
وأولـى القولـين بـالصواب عندي, القول الثانـي: لأن الله تعالـى ذكره لـم يعد عبـاده أن يوفـيهم جزاء سيئاتهم دون جزاء حسناتهم, فـيقال: إن الـمعصية إن تك مثقال حبة من خردل يأت الله بها, بل وعد كلا العاملـين أن يوفـيه جزاء أعمالهما. فإذا كان ذلك كذلك, كانت الهاء فـي قوله إنّها بأن تكون عمادا أشبه منها بأن تكون كناية عن الـخطيئة والـمعصية. وأما النصب فـي الـمثقال, فعلـى أن فـي «تك» مـجهولاً, والرفع فـيه علـى أن الـخبر مضمر, كأنه قـيـل: إن تك فـي موضع مثقال حبة, لأن النكرات تضمر أخبـارها, ثم يترجم عن الـمكان الذي فـيه مثقال الـحبة.
وعنى بقوله: مِثْقالَ حَبّةٍ: زنة حبة. فتأويـل الكلام إذن: إن الأمر إن تك زنة حبة من خردل من خير أو شرّ عملته, فتكن فـي صخرة, أو فـي السموات, أو فـي الأرض, يأت بها الله يوم القـيامة, حتـى يوفـيك جزاءه. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
21396ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة, قوله: يا بُنَـيّ إنّها إنْ تَكُ مِثْقالَ حَبّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ من خير أو شرّ.
واختلف أهل التأويـل فـي معنى قوله فَتَكُنْ فِـي صَخْرَةٍ فقال بعضهم: عنى بها الصخرة التـي علـيها الأرض وذلك قول رُوي عن ابن عبـاس وغيره, وقالوا: هي صخرة خضراء. ذكر من قال ذلك:
21397ـ حدثنـي أبو السائب, قال: حدثنا ابن إدريس, عن الأعمش, عن الـمنهال, عن عبد الله بن الـحارث, قال: الصخرة خضراء علـى ظهر حوت.
21398ـ حدثنا موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ فـي خبر ذكره عن أبـي مالك عن أبـي صالـح, عن ابن عبـاس, وعن مرّة, عن عبد الله, وعن ناس من أصحاب النبـيّ صلى الله عليه وسلم: خـلق الله الأرض علـى حوت, والـحوت هو النون الذي ذكر الله فـي القرآن نَ والقلـم وما يسطرون والـحوت فـي الـماء, والـماء علـى ظهر صفـاة, والصفـاة علـى ظهر ملك, والـملك علـى صخرة, والصخرة فـي الريح, وهي الصخرة التـي ذكر لقمان لـيست فـي السماء, ولا فـي الأرض.
وقال آخرون: عنى بها الـجبـال, قالوا: ومعنى الكلام: فتكن فـي جبل. ذكر من قال ذلك:
21399ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة, فـي قوله: فَتَكُنْ فِـي صَخْرَةٍ: أي جبل.
وقوله: يَأْتِ بِها اللّهُ كان بعضهم يوجه معناه إلـى يعلـمه الله, ولا أعرف يأتـي به, بـمعنى يعلـمه, إلاّ أن يكون قائل ذلك أراد أن لقمان, إنـما وصف الله بذلك, لأن الله يعلـم أماكنه, لا يخفـى علـيه مكان شيء منه فـيكون وجها. ذكر من قال ذلك:
21400ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن ويحيى, قالا: حدثنا أبو سفـيان, عن السديّ, عن أبـي مالك فَتَكُنْ فِـي صَخْرَةٍ أوْ فِـي السّمَوَاتِ, أوْ فِـي الأرْضِ يَأْتِ بِها اللّهُ قال: يعلـمها الله.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا ابن مهدي, عن سفـيان, عن السديّ, عن أبـي مالك, مثله.
وقوله: إنّ اللّهَ لَطيفٌ خَبِـيرٌ يقول: إن الله لطيف بـاستـخراج الـحبة من موضعها حيث كانت خبـير بـموضعها. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
21401ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة إنّ اللّهَ لَطِيفٌ خَبِـيرٌ: أي لطيف بـاستـخراجها خبـير بـمستقرّها.
الآية : 17
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَبُنَيّ أَقِمِ الصّلاَةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَىَ مَآ أَصَابَكَ إِنّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الاُمُورِ }.
يقول تعالـى ذكره مخبرا عن قـيـل لقمان لابنه يا بُنَـيّ أقِمِ الصّلاةَ بحدودها وأمُرْ بـالـمَعْرُوفِ يقول: وأمر الناس بطاعة الله, واتبـاع أمره وَانْهَ عَنِ الـمُنْكَرِ يقول: وانه الناس عن معاصي الله ومواقعة مـحارمه وَاصْبِرْ عَلـى ما أصَابَكَ يقول: واصبر علـى ما أصابك من الناس فـي ذات الله إذا أنت أمرتهم بـالـمعروف, ونهيتهم عن الـمنكر, ولا يصدّنك عن ذلك ما نالك منهم إنّ ذلكَ مِنْ عَزْمِ الأمُورِ يقول: إن ذلك مـما أمر الله به من الأمور عزما منه. وبنـحو ما قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
21402ـ حدثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, فـي قوله: يا بُنَـي أقِمِ الصلاةَ وأْمرْ بـالـمَعْروفِ وَانْهَ عَنِ الـمُنْكَرِ وَاصْبِرْ علـى ما أصَابَكَ قال: اصبر علـى ما أصابك من الأذى فـي ذلك إنّ ذَلكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ قال: إن ذلك مـما عزم الله علـيه من الأمور, يقول: مـما أمر الله به من الأمور.
الآية : 18
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلاَ تُصَعّرْ خَدّكَ لِلنّاسِ وَلاَ تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحاً إِنّ اللّهَ لاَ يُحِبّ كُلّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ }.
اختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: وَلا تُصَعّرْ فقرأه بعض قراء الكوفة والـمدنـيـين والكوفـيـين: ولا تصعر علـى مثال تفعل. وقرأ ذلك بعض الـمكيـين وعامة قرّاء الـمدينة والكوفة والبصرة: «وَلا تُصَاعِرْ» علـى مثال تفـاعل.
والصواب من القول فـي ذلك أن يقال إنهما قراءتان قد قرأ بكل واحدة منهما علـماء من القرّاء, فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب. وتأويـل الكلام: ولا تعرض بوجهك عمن كلـمته تكبرا واستـحقارا لـمن تكلـمه وأصل الصعر داء يأخذ الإبل فـي أعناقها أو رؤوسها حتـى تلفت أعناقها عن رؤوسها, فـيشبه به الرجل الـمتكبر علـى الناس, ومنه قول عمرو بن حُنَـيَ الثّعلبِـيّ:
وكُنّا إذَا الـجَبّـارُ صَعّرَ خَدّهُأقَمْنا لَهُ مِنْ مَيْـلِهِ فَتَقَوّما
واختلف أهل التأويـل فـي تأويـله, فقال بعضهم نـحو الذي قلنا فـيه. ذكر من قال ذلك:
21403ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس وَلا تُصَعّرْ خَدّكَ للنّاس يقول: ولا تتكبر فتـحقر عبـاد الله, وتعرض عنهم بوجهك إذا كلـموك.
حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله وَلا تُصَعّرْ خَدّكَ للنّاسِ يقول: لا تعرض بوجهك عن الناس تكبرا.
21404ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد وَلا تُصَعّرْ قال: الصدود والإعراض بـالوجه عن الناس.
21405ـ حدثنـي علـيّ بن سهل, قال: حدثنا زيد بن أبـي الزرقاء, عن جعفر بن برقان, عن يزيد فـي هذه الاَية وَلا تُصَعّرْ خَدّكَ للنّاسِ قال: إذا كلـمك الإنسان لويت وجهك, وأعرضت عنه مـحقرة له.
21406ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا خالد بن حيان الرقـي, عن جعفر بن ميـمون بن مهران, قال: هو الرجل يكلـم الرجل فـيـلوي وجهه.
21407ـ حدثنا عبد الرحمن بن الأسود, قال: حدثنا مـحمد بن ربـيعة, قال: حدثنا أبو مكين, عن عكرمة, فـي قوله وَلا تُصَعّرْ خَدّكَ للنّاسِ قال: لا تُعْرض بوجهك.
21408ـ حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك يقول, فـي قوله وَلا تُصَعّرْ خَدّكَ للنّاس يقول: لا تعرض عن الناس, يقول: أقبل علـى الناس بوجهك وحسن خـلقك.
21409ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله وَلا تُصَعّرْ خَدّكَ للنّاسِ قال: تصعير الـخدّ: التـجبر والتكبر علـى الناس ومـحقرتهم.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن أبـي مكين, عن عكرمة, قال: الإعراض.
وقال آخرون: إنـما نهاه عن ذلك أن يفعله لـمن بـينه وبـينه صعر, لا علـى وجه التكبر. ذكر من قال ذلك:
21410ـ حدثنا ابن وكيع وابن حميد, قالا: حدثنا جرير, عن منصور, عن مـجاهد وَلا تُصَعّرْ خَدّكَ للنّاسِ قال: الرجل يكون بـينه وبـين أخيه الـحنة, فـيراه فـيعرض عنه.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا سفـيان, عن منصور, عن مـجاهد, فـي قوله وَلا تُصَعّرْ خَدّكَ للنّاس قال: هو الرجل بـينه وبـين أخيه حنة فـيعرض عنه.
وقال آخرون: هو التشديق. ذكر من قال ذلك:
21411ـ حدثنا ابن وكيع, قال: ثنـي أبـي, عن جعفر الرازي, عن مغيرة, عن إبراهيـم, قال: هو التشديق.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا سفـيان, عن الـمغيرة, عن إبراهيـم, قال: هو التشديق أو التشدّق «الطبري يشكّ».
حدثنا يحيى بن طلـحة, قال: حدثنا فضيـل بن عياض, عن منصور, عن إبراهيـم بـمثله.
وقوله وَلا تَـمْشِ فِـي الأرْضِ مَرَحا يقول: ولا تـمش فـي الأرض مختالاً. كما:
21412ـ حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك, يقول فِـي قوله وَلا تَـمْشِ فِـي الأرْضِ مَرَحا يقول: بـالـخيلاء.
21413ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة, قوله وَلا تُصَعّرْ خَدّكَ للنّاسِ ولا تَـمْشِ فِـي الأرْضِ مَرَحا إنّ اللّهَ لا يُحِبّ كُلّ مُخْتالٍ فَخُورٍ قال: نهاه عن التكبر.
وقوله إنّ اللّهَ لا يُحِبّ كُلّ مُخْتالٍ متكبر ذي فخر. كما:
21414ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: كُلّ مُخْتالٍ فَخُورٍ قال: متكبر. وقوله: فخور: قال: يعدّد ما أعطى الله, وهو لا يشكر الله.
الآية : 19
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنّ أَنكَرَ الأصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ }.
يقول: وتواضع فـي مشيك إذا مشيت, ولا تستكبر, ولا تستعجل, ولكن اتئد. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل, غير أن منهم من قال: أمره بـالتواضع فـي مشيه, ومنهم من قال: أمره بترك السرعة فـيه. ذكر من قال: أمره بـالتواضع فـي مشيه:
21415ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يحيى بن واضح, قال: حدثنا أبو حمزة, عن جابر, عن مـجاهد وَاقْصِدْ فِـي مَشْيِكَ قال: التواضع.
21416ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة وَاقْصِدْ فِـي مَشْيِكَ قال: نهاه عن الـخيلاء. ذكر من قال: نهاه عن السرعة:
21417ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا ابن الـمبـارك, عن عبد الله بن عقبة, عن يزيد بن أبـي حبـيب, فـي قوله: وَاقْصِدْ فِـي مَشْيِكَ قال: من السرعة.
قوله: وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ يقول: واخفض من صوتك, فـاجعله قصدا إذا تكلـمت, كما:
21418ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ قال: أمره بـالاقتصاد فـي صوته.
21419ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ قال: أخفض من صوتك.
واختلف أهل التأويـل فـي تأويـل قوله: إنّ أنْكَرَ الأصْوَاتِ لَصَوْتُ الـحَمِيرِ فقال بعضهم: معناه: إن أقبح الأصوات. ذكر من قال ذلك:
21420ـ حدثنا ابن بشار وابن الـمثنى, قالا: حدثنا ابن أبـي عديّ, عن شعبة وأبـان بن تغلب, قالا: حدثنا أبو معاوية عن جُوَيبر, عن الضحاك إنّ أنْكَرَ الأصْوَاتِ قال: إن أقبح الأصوات لَصَوْتُ الـحَمِيرِ.
21421ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة إنّ أنْكَرَ الأصْوَاتِ لَصَوْتُ الـحَمِيرِ أي أقبح الأصوات لصوت الـحمير, أوّله زفـير, وآخره شهيق أمره بـالاقتصاد فـي صوته.
21422ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا مؤمل, قال: حدثنا سفـيان, قال: سمعت الأعمش يقول: إنّ أنْكَرَ الأصْوَاتِ صوت الـحمير.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: إن أشرّ الأصوات. ذكر من قال ذلك:
21423ـ حُدثت عن يحيى بن واضح, عن أبـي حمزة, عن جابر, عن عكرمة والـحكم بن عُتـيبة إنّ أنْكَرَ الأصْوَاتِ قال: أشرّ الأصوات.
قال جابر: وقال الـحسن بن مسلـم: أشدّ الأصوات.
21424ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله إنّ أنْكَرَ الأصْوَاتِ لَصَوْتُ الـحَمِيرِ قال: لو كان رفع الصوت هو خيرا ما جعله للـحمير.
وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب قول من قال: معناه: إن أقبح أو أشرّ الأصوات, وذلك نظير قولهم, إذا رأوا وجها قبـيحا, أو منظرا شنـيعا: ما أنكر وجه فلان, وما أنكر منظره.
وأما قوله: لَصَوْتُ الـحَمِيرِ فأضيف الصوت وهو واحد إلـى الـحمير وهي جماعة, فإن ذلك لوجهين إن شئت, قلت: الصوت بـمعنى الـجمع, كما قـيـل لَذَهَبَ بسَمْعهمْ وإن شئت قلت: معنى الـحمير: معنى الواحد, لأن الواحد فـي مثل هذا الـموضع يؤدّي عما يؤدّي عنه الـجمع