تفسير الطبري تفسير الصفحة 413 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 413
414
412
 الآية : 20
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَلَمْ تَرَوْاْ أَنّ اللّهَ سَخّرَ لَكُمْ مّا فِي السّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدًى وَلاَ كِتَابٍ مّنِيرٍ }.
يقول تعالـى ذكره: ألَـمْ تَرَوْا أيها الناس أنّ اللّهَ سَخّرَ لَكُمْ ما فِـي السّمَوَاتِ من شمس وقمر ونـجم وسحاب وَما فِـي الأرْضِ من دابة وشجر وماء وبحر وفلك وغير ذلك من الـمنافع, يجري ذلك كله لـمنافعكم ومصالـحكم لغذائكم وأقواتكم وأرزاقكم وملاذّكم, تتـمتعون ببعض ذلك كله, وتنتفعون بجميعه, وأسْبَغَ عَلَـيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وبَـاطِنَةً.
واختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك, فقرأه بعض الـمكيـين وعامة الكوفـيـين: «وأسْبَغَ عَلَـيْكُمْ نِعْمَةً» علـى الواحدة, ووجهوا معناها إلـى أنه الإسلام, أو إلـى أنها شهادة أن لا إله إلاّ الله. وقرأته عامة قرّاء الـمدينة والبصرة: نِعَمَهُ علـى الـجماع, ووجّهوا معنى ذلك, إلـى أنها النعم التـي سخرها الله للعبـاد مـما فـي السموات والأرض, واستشهدوا لصحة قراءتهم ذلك كذلك بقوله: شاكِرا لاِءَنْعُمهِ قالوا: فهذا جمع النعم.
والصواب من القول فـي ذلك عندنا أنهما قراءتان مشهورتان فـي قرّاء الأمصار متقاربتا الـمعنى, وذلك أن النعمة قد تكون بـمعنى الواحدة, ومعنى الـجماع, وقد يدخـل فـي الـجماع الواحدة. وقد قال جلّ ثناؤه وَإنْ تَعُدّوا نِعْمَةَ اللّهِ لا تُـحْصُوها فمعلوم أنه لـم يعن بذلك نعمة واحدة. وقال فـي موضع آخر: ولـم يك من الـمشركين شاكرا لأنعمه, فجمعها, فبأيّ القراءتـين قرأ القارىء ذلك فمصيب.
ذكر بعض من قرأ ذلك علـى التوحيد, وفسّره علـى ما ذكرنا عن قارئيه أنهم يفسرونه:
21425ـ حدثنـي أحمد بن يوسف, قال: حدثنا القاسم بن سلام, قال: حدثنا حجاج, قال: ثنـي مستور الهنائي, عن حميد الأعرج, عن مـجاهد, عن ابن عبـاس أنه قرأها: «وأسْبَغَ عَلَـيْكُمْ نِعْمَتَهُ ظاهِرَةً وبَـاطِنَةً» وفسّرها الإسلام.
حُدثت عن الفرّاء قال: ثنـي شريك بن عبد الله, عن خصيف, عن عكرمة, عن ابن عبـاس, أنه قرأ: «نِعْمَةً» واحدة. قال: ولو كانت نعمه, لكانت نعمة دون نعمة, أو نعمة فوق نعمة الشكّ من الفراء.
21426ـ حدثنـي عبد الله بن مـحمد الزهري, قال: حدثنا سفـيان, قال: حدثنا حميد, قال: قرأ مـجاهد وأسْبَغَ عَلَـيْكُمْ نِعْمَتَهُ ظاهرَةً وبَـاطنَةً قال: لا إله إلاّ الله.
حدثنـي العبـاس بن أبـي طالب, قال: حدثنا ابن أبـي بكير, عن شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد وأسْبَغَ عَلَـيْكُمْ نِعْمَتَهُ ظاهِرَةً وَبـاطِنَةً قال: كان يقول: هي لا إله إلاّ الله.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن سفـيان, عن حميد الأعرج, عن مـجاهد وأسْبَغَ عَلَـيْكُمْ نِعْمَتَهُ ظاهِرَةً وَبـاطِنَةً قال: لا إله إلاّ الله.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا ابن عُيـينة, عن حميد الأعرج, عن مـجاهد, قال: لا إله إلاّ الله.
21427ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا يحيى بن آدم, عن سفـيان, عن عيسى, عن قَـيْس, عن ابن عبـاس نِعَمَةً ظاهِرَةً وَبـاطِنَةً قال: لا إله إلاّ الله.
وقوله: ظاهِرَةً يقول: ظاهرة علـى الألسن قولاً, وعلـى الأبدان وجوارج الـجسد عملاً. وقوله: وَبـاطِنَةً يقول: وبـاطنة فـي القلوب اعتقادا ومعرفة.
وقوله: وَمِنَ النّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِـي اللّهِ بِغَيْرِ عِلْـمٍ وَلا هُدًى يقول تعالـى ذكره: ومن الناس من يخاصم فـي توحيد الله, وإخلاص الطاعة والعبـادة له بغير علـم عنده بـما يخاصم, ولا هدى يقول: ولا بـيان يبـين به صحة ما يقول وَلا كِتابٍ مُنِـيرٍ يقول: ولا بتنزيـل من الله جاء بـما يدعى, يبـين حقـية دعواه, كما:
21428ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة وَمِنَ النّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِـي اللّهِ بغَيْرِ عِلْـمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتابٍ مُنِـيرٍ لـيس معه من الله برهان ولا كتاب.
الآية : 21
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتّبِعُواْ مَآ أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَآءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَىَ عَذَابِ السّعِيرِ }.
يقول تعالـى ذكره: وإذا قـيـل لهؤلاء الذين يجادلون فـي توحيد الله جهلاً منهم بعظمة الله: اتبعوا أيها القوم ما أنزل الله علـى رسوله, وصدّقوا به, فإنه يفرق بـين الـمـحقّ منا والـمبطل, ويفصل بـين الضّالّ والـمهتدى, فقالوا: بل نتبع ما وجدنا علـيه آبـاءنا من الأديان, فإنهم كانوا أهل حقّ. قال الله تعالـى ذكره أوَ لَوْ كانَ الشّيْطانُ يَدْعُوهُمْ بتزيـينه لهم سوء أعمالهم, واتبـاعهم إياه علـى ضلالتهم, وكفرهم بـالله وتركهم اتبـاع ما أنزل الله من كتابه علـى نبـيه إلـى عَذَابِ السّعِيرِ يعنـي: عذاب النار التـي تتسعر وتلتهب.
الآية : 22
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ وَإِلَىَ اللّهِ عَاقِبَةُ الأمُورِ }.
يقول تعالـى ذكره: ومن يعبد وجهه متذللاً بـالعبودة, مقرّا له بـالألوهة وَهُوَ مُـحْسِنٌ يقول: وهو مطيع لله فـي أمره ونهيه فَقَدِ اسْتَـمْسَكَ بـالعُرْوَةِ الوُثْقَـى يقول: فقد تـمسك بـالطرف الأوثق الذي لا يخاف انقطاعه من تـمسك به وهذا مثل إنـما يعنـي بذلك أنه قد تـمسك من رضا الله بإسلامه وجهه إلـيه وهو مـحسن, ما لا يخاف معه عذاب الله يوم القـيامة. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
21429ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن سفـيان, عن أبـي السوداء, عن جعفر بن أبـي الـمغيرة, عن سعيد بن جُبـير, عن ابن عبـاس وَمَن يُسْلِـمْ وَجْهَهُ إلـى اللّهِ وَهُوَ مُـحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَـمْسَكَ بـالعُرْوَةِ الوُثْقَـى قال: لا إله إلاّ الله.
وقوله وَإلـى اللّهِ عاقِبَةُ الأُمُورِ يقول: وإلـى الله مرجع عاقبة كلّ أمر خيره وشرّه, وهو الـمسائل أهله عنه, ومـجازيهم علـيه.
الآية : 23-24
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَمَن كَفَرَ فَلاَ يَحْزُنكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبّئُهُم بِمَا عَمِلُوَاْ إِنّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصّدُورِ * نُمَتّعُهُمْ قَلِيلاً ثُمّ نَضْطَرّهُمْ إِلَىَ عَذَابٍ غَلِيظٍ }.
يقول تعالـى ذكره: ومن كفر بـالله فلا يحزنك كفره, ولا تذهب نفسك علـيهم حسرة, فإنّ مرجعهم ومصيرهم يوم القـيامة إلـينا, ونـحن نـخبرهم بأعمالهم الـخبـيثة التـي عملوها فـي الدنـيا, ثم نـجازيهم علـيها جزاءهم إنّ اللّهَ عَلِـيـمٌ بِذَاتِ الصّدُرِ يقول: إن الله ذو علـم بـما تكنه صدورهم من الكفر بـالله, وإيثار طاعة الشيطان. وقوله: نُـمَتّعُهُمْ قَلِـيلاً يقول: نـمهلهم فـي هذه الدنـيا مهلاً قلـيلاً يتـمتعون فـيها ثُمّ نَضْطّرّهُمْ إلـى عَذَاب غَلِـيظٍ يقول: ثم نوردهم علـى كره منهم عذابـا غلـيظا, وذلك عذاب النار, نعوذ بـالله منها, ومن عمل يقرّب منها.
الآية : 25-26
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مّنْ خَلَقَ السّمَاوَاتِ وَالأرْضَ لَيَقُولُنّ اللّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ * لِلّهِ مَا فِي السّمَاوَاتِ وَالأرْضَ إِنّ اللّهَ هُوَ الْغَنِيّ الْحَمِيدُ }.
يقول تعالـى ذكره: ولئن سألت يا مـحمد هؤلاء الـمشركين بـالله من قومك مَنْ خَـلَقَ السّمَوَاتِ والأرْضِ لَـيَقُولُنّ اللّهُ, قُلِ الـحَمْدُ لِلّهِ يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد, فإذا قالوا ذلك, فقل لهم: الـحمد لله الذي خـلق ذلك, لا لـمن لا يخـلق شيئا وهم يخـلقون. ثم قال تعالـى ذكره: بَلْ أكْثَرُهُمْ لا يعْلَـمون يقول: بل أكثر هؤلاء الـمشركون لا يعلـمون من الذي له الـحمد, وأين موضع الشكر. وقوله: لِلّهِ ما فِـي السّمَوَاتِ والأرْضِ يقول تعالـى ذكره: لله كلّ ما فـي السموات والأرض من شيء ملكا كائنا ما كان ذلك الشيء من وثن وصنـم وغير ذلك, مـما يعبد أو لا يعبد إنّ الله هُوَ الغَنِـيّ الـحَمِيدُ يقول: إن الله هو الغنـيّ عن عبـادة هؤلاء الـمشركين به الأوثان والأنداد, وغير ذلك منهم ومن جميع خـلقه, لأنهم ملكه وله, وبهم الـحاجة إلـيه. الـحميد يعنـي الـمـحمود علـى نعمه التـي أنعمها علـى خـلقه.
الآية : 27
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَوْ أَنّمَا فِي الأرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ وَالْبَحْرُ يَمُدّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللّهِ إِنّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }.
يقول تعالـى ذكره: ولو أن شجر الأرض كلها بريت أقلاما والبَحْرُ يَـمُدّهُ يقول: والبحر له مداد, والهاء فـي قوله يَـمُدّهُ عائدة علـى البحر. وقوله منْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِـماتُ اللّهِ وفـي هذا الكلام مـحذوف استغنى بدلالة الظاهر علـيه منه, وهو يكتب كلام الله بتلك الأقلام وبذلك الـمداد, لتكسرت تلك الأقلام, ولنفد ذلك الـمداد, ولـم تنفد كلـمات الله. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
21430ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا ابن علـية, عن أبـي رجاء, قال: سألت الـحسن عن هذه الاَية وَلَوْ أنّ ما فِـي الأرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أقْلامٌ قال: لو جعل شجر الأرض أقلاما, وجعل البحور مدادا, وقال الله: إن من أمري كذا, ومن أمري كذا, لنفد ماء البحور, وتكسّرت الأقلام.
21431ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا الـحكم, قال: حدثنا عمرو, فـي قوله وَلَوْ أنّ ما فـي الأرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أقْلامٌ قال: لو بريت أقلاما والبحر مدادا, فكتب بتلك الأقلام منه ما نَفِدَتْ كَلِـماتُ اللّهِ ولو مدّه سبعة أبحر.
21432ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة, قوله وَلَوْ أنّ ما فِـي الأرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أقْلامٌ, والبَحْرُ يَـمُدّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِـماتُ اللّهِ قال: قال الـمشركون: إنـما هذا كلام يوشك أن ينفد, قال: لو كان شجر البرّ أقلاما, ومع البحر سبعة أبحر ما كان لتنفد عجائب ربـي وحكمته وخـلقه وعلـمه.
وذُكر أن هذه الاَية نزلت علـى رسول الله صلى الله عليه وسلم فـي سبب مـجادلة كانت من الـيهود له. ذكر من قال ذلك:
21433ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا يونس بن بكير, قال: حدثنا ابن إسحاق, قال: ثنـي رجل من أهل مكة, عن سعيد بن جُبَـير, عن ابن عبـاس, أن أخبـار يهود قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم بـالـمدينة: يا مـحمد أرأيت قوله وَما أُوتِـيتُـمْ مِنَ العِلْـمِ إلاّ قَلِـيلاً إيانا تريد أم قومك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كُلاّ», فقالوا: ألست تتلو فـيـما جاءك: أنا قد أوتـينا التوراة فـيها تبـيان كلّ شيء؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّها فـي عِلْـمِ اللّهِ قَلِـيـلٌ وَعِنْدَكُمْ مِنْ ذلكَ ما يكْفِـيكُمْ», فأنزل الله علـيه فـيـما سألوه عنه من ذلك: وَلَوْ أنّ ما فـي الأرْض مِنْ شَجَرَةٍ أقْلامٌ وَالبَحْرُ يَـمُدّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِـماتُ اللّهِ: أي أن التوراة فـي هذا من علـم الله قلـيـل.
21434ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: ثنـي ابن عبد الأعلـى, قال: حدثنا داود, عن عكرمة, قال: سأل أهل الكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الروح, فأنزل الله وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرّوحِ, قُلِ الرّوحُ مِنْ أمْرِ رَبّـي, وَما أُتِـيتُـمْ مِنَ العِلْـم إلاّ قَلِـيلاً فقالوا: تزعم أنا لـم نؤت من العلـم إلاّ قلـيلاً, وقد أوتـينا التوراة, وهي الـحكمة وَمَنْ يُؤْتَ الـحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِـيَ خَيْرا كَثِـيرا قال: فنزلت وَلَوْ أنّ ما فِـي الأرْضِ من شَجَرَةٍ أقْلامٌ والبَحْرُ يَـمُدّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِـماتُ اللّهِ قال: ما أوتـيتـم من علـم فنـجاكم الله به من النار وأدخـلكم الـجنة, فهو كثـير طيب, وهو فـي علـم الله قلـيـل.
21435ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, قال: ثنـي مـحمد بن إسحاق, عن بعض أصحابه, عن عطاء بن يسار, قال: لـما نزلت بـمكة وَما أُوتِـيتُـمْ مِنَ العِلْـمِ إلاّ قَلِـيلاً يعنـي الـيهود فلـما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلـى الـمدينة, أتاه أحبـار يهود, فقالوا: يا مـحمد ألـم يبلغنا أنك تقول وَما أُوتِـيتُـمْ مِنَ العِلْـمِ إلاّ قَلِـيلاً أفتعنـينا أم قومك؟ قال: «كُلاّ قَدْ عَنَـيتُ», قالوا: فإنك تتلو: أنا قد أوتـينا التوراة, وفـيها تبـيان كلّ شيء, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هِيَ فِـي عِلـمِ اللّهِ قَلِـيـلٌ, وَقَدْ آتاكُمُ اللّهُ ما إنْ عَمِلْتُـمْ بِهِ انْتَفَعْتُـمْ», فأنزل الله وَلَوْ أنّ ما فِـي الأرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أقْلامٌ, والبَحْرُ يَـمُدّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أبْحُرٍ... إلـى قوله إنّ اللّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ.
واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله والبَحْرُ يَـمُدّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أبْحُرٍ فقرأته عامّة قرّاء الـمدينة والكوفة والبحر رفعا علـى الابتداء, وقرأته قرّاء البصرة نصبـا, عطفـا به علـى «ما» فـي قوله: وَلَوْ أنّ ما فِـي الأرْضِ وبأيتهما قرأ القارىء فمصيب عندي. وقوله: إنّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيـمٌ يقول: إن الله ذو عزّة فـي انتقامه مـمن أشرك به, وادّعى معه إلها غيره, حكيـم فـي تدبـيره خـلقه.
الآية : 28
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {مّا خَلْقُكُمْ وَلاَ بَعْثُكُمْ إِلاّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنّ اللّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ }.
يقول تعالـى ذكره: ما خـلقكم أيها الناس ولا بعثكم علـى الله إلاّ كخـلق نفس واحدة وبعثها, وذلك أن الله لا يتعذّر علـيه شيء أراده, ولا يـمتنع منه شيء شاءه إنّـما أَمْرُهُ إذَا أرَادَ شَيْئا أنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَـيَكُونُ فسواء خَـلْق واحد وبعثه, وخـلق الـجميع وبعثهم. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
21436ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: ثنـي أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ يقول: كن فـيكون, للقلـيـل والكثـير.
21437ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة, قوله ما خَـلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إلاّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ قال: يقول: إنـما خَـلْقُ الله الناسَ كلّهم وبعثُهم كخـلق نفس واحدة وبعثها, وإنـما صلـح أن يقال: إلاّ كنفس واحدة, والـمعنى: إلاّ كخـلق نفس واحدة, لأن الـمـحذوف فعل يدلّ علـيه قوله ما خَـلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ والعرب تفعل ذلك فـي الـمصادر, ومنه قول الله: تَدُورُ أعْيُنُهُمْ كالّذِي يُغْشَى عَلَـيْهِ مِنَ الـمَوْتِ والـمعنى: كدوران عين الذي يغشى علـيه من الـموت, فلـم يذكر الدوران والعين لـما وصفت.
وقوله: إنّ اللّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ يقول تعالـى ذكره: إن الله سميع لـما يقول هؤلاء الـمشركون ويفترونه علـى ربهم, من ادّعائهم له الشركاء والأنداد وغير ذلك من كلامهم وكلام غيرهم, بصير بـما يعملونه وغيرهم من الأعمال, وهو مـجازيهم علـى ذلك جزاءهم