تفسير الطبري تفسير الصفحة 486 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 486
487
485
 الآية : 23
القول في تأويل قوله تعالى: {ذَلِكَ الّذِي يُبَشّرُ اللّهُ عِبَادَهُ الّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ قُل لاّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاّ الْمَوَدّةَ فِي الْقُرْبَىَ وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنّ اللّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ }.
يقول تعالى ذكره: هذا الذي أخبرتكم أيها الناس أني أعددته للذين آمنوا وعملوا الصالحات في الاَخرة من النعيم والكرامة, البشرى التي يبشر الله عباده الذين آمنوا به في الدنيا, وعملوا بطاعته فيها قُلْ لا أسألُكمْ عَلَيْهِ أجْرا يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد للذين يمارونك في الساعة من مشركي قومك: لا أسألكم أيها القوم على دعايتكم إلى ما أدعوكم إليه من الحقّ الذي جئتكم به, والنصيحة التي أنصحكم ثوابا وجزاءً, وعوضا من أموالكم تعطونَنِيه إلاّ المَوَدّةَ فِي القُرْبى.
واختلف أهل التأويل في معنى قوله: إلاّ المَوَدّةَ فِي القُرْبى فقال بعضهم: معناه: إلا أن تودّوني في قرابتي منكم, وتصلوا رحمي بيني وبينكم. ذكر من قال ذلك:
23676ـ حدثنا أبو كريب ويعقوب, قالا: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم, عن داود بن أبي هند, عن الشعبي, عن ابن عباس, في قوله: لا أسأَلُكُمْ عَلَيْهِ أجْرا إلاّ المَوَدّةَ فِي القُرْبَى قال: لم يكن بطن من بطون قريش إلا وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبينهم إلا قرابة, فقال: «قُل لا أسألكم عليه أجرا أن تودّوني في القرابة التي بيني وبينكم».
23677ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا أبو أسامة, قال: حدثنا شعبة, عن عبد الملك بن ميسرة عن طاوس, في قوله: قُلْ لا أسألُكُمْ عَلَيْهِ أجْرا إلاّ المَوَدّةَ فِي القُرْبَى قال: سئل عنها ابن عباس, فقال ابن جبير: هم قربى آل محمد, فقال ابن عباس: عجلتَ, إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن بطن من بطون قريش إلا وله فيهم قرابة, قال: فنزلت قُلْ لا أسألْكُمْ عَلَيْهِ أجْرا إلاّ المَوَدّةَ فِي القُرْبى قال: «إلا القرابة التي بيني وبينكم أن تصلوها».
23678ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: قُلْ لا أسألُكُمْ عَلَيْهِ أجْرا إلاّ المَوَدّةَ فِي القُرْبَى قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم قرابة في جميع قريش, فلما كذّبوه وأبَوْا أن يبايعوه قال: «يا قوم إذا أبيتم أن تبايعوني فاحفظوا قرابتي فيكم لا يكن غيركم من العرب أولى بحفظي ونُصرتي منكم».
23679ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: قُلْ لا أسألْكُمْ عَلَيْهِ أجْرا إلاّ المَوَدّةَ فِي القُرْبَى يعني محمدا صلى الله عليه وسلم, قال لقريش: «لا أسألكم من أموالكم شيئا, ولكن أسألكم أن لا تؤذوني لقرابة ما بيني وبينكم, فإنكم قومي وأحقّ من أطاعني وأجابني».
23680ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن مغيرة, عن عكرمة, قال: إن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان واسطا من قريش, كان له في كلّ بطن من قريش نسب, فقال: «لا أسألْكُمْ على ما أدْعُوكُمْ إلَيْهِ إلاّ أنْ تَحْفَظُوني في قَرَابَتِي, قُل لا أسألُكُمْ عَلَيْه أجْرا إلاّ المَوَدّةَ في القُرّبَى».
23681ـ حدثني يعقوب, قال: حدثنا هشيم, قال: أخبرنا حصين, عن أَبي مالك, قال: فقال الله عزّ وجلّ: قُلْ لا أسألُكُم عَلَيْهِ أجْرا إلاّ المَوَدّةَ فِي القُرْبَى: «إلا أن تودّوني لقرابتي منكم وتحفظوني».
23682ـ حدثنا أبو حصين عبد الله بن أحمد بن يونس, قال: حدثنا عبثر, قال: حدثنا حصين, عن أبي مالك في هذه الاَية: قُلْ لا أسألُكُمْ عَلَيْهِ أجْرا إلاّ المَوَدّةَ فِي القُرْبَى قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من بني هاشم وأمه من بني زهرة وأم أبيه من بني مخزوم, فقال: «احفظوني في قرابتي».
23683ـ حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا حرمى, قال: حدثنا شعبة, قال: أخبرني عمارة, عن عكرمة, في قوله: قُلْ لا أسألُكُمْ عَلَيْهِ أجْرا إلاّ المَوَدّةَ فِي القُرْبَى قال: تعرفون قرابتي, وتصدّقونني بما جئت به, وتمنعوني.
23684ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: قُلْ لا أسألُكُمْ عَلَيْهِ أجْرا إلاّ المَوَدّةَ فِي القُرْبَى وإن الله تبارك وتعالى أمر محمدا صلى الله عليه وسلم أن لا يسأل الناس على هذا القرآن أجرا إلا أن يصلوا ما بينه وبينهم من القرابة, وكلّ بطون قريش قد ولدته وبينه وبينهم قرابة.
23685ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: إلاّ المَوَدّةَ فِي القُرْبَى أن تتبعوني, وتصدقوني وتصلوا رحمي.
23686ـ حدثنا محمد, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ, في قوله: قُلْ لا أسألُكُمْ عَلَيْهِ أجْرا إلاّ المَوَدّةَ فِي القُرْبَى قال لم يكن بطن من بطون قريش إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم ولادة, فقال: قل لا أسألكم عليه أجرا إلا أن تودّوني لقرابتي منكم.
23687ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: قُلْ لا أسألُكُمْ عَلَيْهِ أجْرا إلاّ المَودّةَ فِي القُرْبَى يعني قريشا. يقول: إنما أنا رجل منكم, فأعينوني على عدوّي, واحفظوا قرابتي, وإن الذي جئتكم به لا أسألكم عليه أجرا إلا المودّة في القُربى, أن تودّوني لقرابتي, وتعينوني على عدوي.
23688ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: قُلْ لا أسألُكُمْ عَلَيْهِ أجْرا إلاّ المَوَدّةَ فِي القُرْبى قال: يقول: إلا أن تودّوني لقرابتي كما توادّون في قرابتكم وتواصلون بها, ليس هذا الذي جئت به يقطع ذلك عني, فلست أبتغي على الذي جئت به أجرا آخذه على ذلك منكم.
23689ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب قال: أخبرني سعيد بن أبي أيوب, عن عطاء بن دينار, في قوله: قُلْ لا أسألُكُمْ عَلَيْهِ أجْرا إلاّ المَوَدّةَ فِي القُرْبَى يقول: لا أسألكم على ما جئتكم به أجرا, إلا أن تودّوني في قرابتي منكم, وتمنعوني من الناس.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى, قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله: قُلْ لا أسألُكمْ عَلَيْهِ أجْرا إلاّ المَوَدّةَ فِي القُرْبَى قال: كل قريش كانت بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم قرابة, فقال: قل لا أسألكم عليه أجرا إلا أن تودّوني بالقرابة التي بيني وبينكم.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: قل لمن تبعك من المؤمنين: لا أسألكم على ما جئتكم به أجرا إلا أن تودّوا قرابتي. ذكر من قال ذلك:
23690ـ حدثني محمد بن عمارة, قال: حدثنا إسماعيل بن أبان, قال: حدثنا الصباح بن يحيى المريّ, عن السديّ, عن أبي الديلم قال: لما جيء بعليّ بن الحسين رضي الله عنهما أسيرا, فأقيم على درج دمشق, قام رجل من أهل الشأم فقال: الحمد لله الذي قتلكم واستأصلكم, وقطع قربى الفتنة, فقال له عليّ بن الحسين رضي الله عنه: أقرأت القرآن؟ قال: نعم, قال: أقرأت آل حم؟ قال: قرأت القرآن ولم أقرأ آل حم, قال: ما قرأت قُلْ لا أسألُكُمْ عَلَيْهِ أجرا إلاّ المَوَدّةَ فِي القُرْبَى؟ قال: وإنكم لأنتم هم؟ قال: نعم.
23691ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا مالك بن إسماعيل, قال: حدثنا عبد السلام, قال: حدثنا يزيد بن أبي زياد, عن مقسم, عن ابن عباس, قال: قالت الأنصار: فعلنا وفعلنا, فكأنهم فخروا, فقال ابن عباس, أو العباس, شكّ عبد السلام: لنا الفضل عليكم, فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم, فأتاهم في مجالسهم, فقال: «يا مَعْشَرَ الأنْصَارِ أَلَمْ تَكُونُوا أذِلّةً فأعَزّكُمُ اللّهُ بِي؟» قالوا: بلى يا رسول الله, قال: «أَلَمْ تَكُونُوا ضُلاّلاً فَهَداكُمُ اللّهُ بِي؟» قالوا: بلى يا رسول الله, قال: «أفَلاَ تُجِيبُونِي؟» قالوا: ما نقول يا رسول الله؟ قال: «ألا تقولونَ: أَلَمْ يُخْرِجْكَ قَوْمُكَ فآوَيْناكَ, أوَ لَمْ يُكَذّبوكَ فَصَدّقْناكَ, أوَ لَمْ يَخْذُلُوكَ فَنَصَرْناكَ؟» قال: فما زال يقول حتى جثوا على الركب, وقالوا: أموالنا وما في أيدينا لله ولرسوله, قال: فنزلت قُلْ لا أسألُكُمْ عَلَيْهِ أجْرا إلاّ المَوَدّةَ فِي القُرْبَى.
23692ـ حدثني يعقوب, قال: حدثنا مروان, عن يحيى بن كثير, عن أبي العالية, عن سعيد بن جُبير, في قوله: قُلْ لا أسألُكُمْ عَلَيْهِ أجْرا إلاّ المَوَدّةَ فِي القُرْبَى قال: هي قُربى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
23693ـ حدثني محمد بن عمارة الأسدي ومحمد بن خلف قالا: حدثنا عبيد الله قال أخبرنا إسرائيل, عن أبي إسحاق قال: سألت عمرو بن شعيب, عن قول الله عزّ وجلّ: قُلْ لا أسألْكُمْ عَلَيه أجْرا إلاّ الموَدّةَ فِي القُرْبَى قال: قُربى النبيّ صلى الله عليه وسلم.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: قل لا أسألكم أيها الناس على ما جئتكم به أجرا إلا أن تَوَدّدوا إلى الله, وتتقرّبوا بالعمل الصالح والطاعة. ذكر من قال ذلك:
23694ـ حدثني عليّ بن داود ومحمد بن داود أخوه أيضا قالا: حدثنا عاصم بن علي, قال: حدثنا قزعة بن سويد, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, عن ابن عباس, عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: «قُلْ لا أسألُكُمْ على ما أتَيْتُكُمْ بِهِ مِنَ البَيّناتِ وَالهُدَى أجْرا إلاّ أنُ تَوَدّدُوا للّهِ, وتَتَقَرّبُوا إلَيْهِ بطاعَتِهِ».
23695ـ حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا محمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن منصور بن زاذان, عن الحسن أنه قال في هذه الاَية قُلْ لا أسألُكُمْ عَلَيْه أجْرا إلاّ المَوَدّةَ فِي القُرْبَى قال: القُربى إلى الله.
حدثني يعقوب, قال: حدثنا هشيم, قال: أخبرنا عوف, عن الحسن, في قوله: قُلْ لا أسألُكُمْ عَلَيْهِ أجْرا إلاّ المَوَدّةَ فِي القُرْبَى قال: إلا التقرّب إلى الله, والتودّد إليه بالعمل الصالح.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قال: قال الحسن: في قوله: قُلْ لا أسألُكُمْ عَلَيْهِ أجْرا إلاّ المَوَدّةَ فِي القُرْبَى قل لا أسألكم على ما جئتكم به, وعلى هذا الكتاب أجرا, إلا المودّة في القربى, إلا أن تودّدوا إلى الله بما يقرّبكم إليه, وعمل بطاعته.
23696ـ قال بشر: قال يزيد: وحدثنيه يونس, عن الحسن, حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله: قُلْ لا أسألُكُمْ عَلَيْهِ أجْرا إلاّ المَوَدّةَ فِي القُرْبى إلا أن تودّدوا إلى الله فيما يقرّبكم إليه.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: إلا أن تصلوا قرابتكم. ذكر من قال ذلك:
23697ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا أبو عامر, قال: حدثنا قرة, عن عبد الله بن القاسم, في قوله: إلاّ المَوَدّةَ فِي القُرْبَى قال: أمرت أن تصل قرابتك.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب, وأشبهها بظاهر التنزيل قول من قال: معناه: قل لا أسألكم عليه أجرا يا معشر قريش, إلا أن تودّوني في قرابتي منكم, وتصلوا الرحم التي بيني وبينكم.
وإنما قلت: هذا التأويل أولى بتأويل الاَية لدخول «في» في قوله: إلاّ المَوَدَةَ فِي القُرْبَى, ولو كان معنى ذلك على ما قاله من قال: إلا أن تودّوا قرابتي, أو تقربوا إلى الله, لم يكن لدخول «في» في الكلام في هذا الموضع وجه معروف, ولكان التنزيل: إلا مودّة القربى إن عُنِيَ به الأمر بمودّة قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم, أو إلا المودّة بالقُرْبَى, أو ذا القربَى إن عُنِيَ به التودّد والتقرّب. وفي دخول «في» في الكلام أوضح الدليل على أن معناه: إلا مودّتي في قرابتي منكم, وأن الألف واللام في المودّة أدخلتا بدلاً من الإضافة, كما قيل: فَإنّ الجَنّةَ هِيَ المَأوَى. وقوله: «إلا» في هذا الموضع استثناء منقطع. ومعنى الكلام: قل لا أسألكم عليه أجرا, لكن أسألكم المودّة في القُربى, فالمودّة منصوبة على المعنى الذي ذكرت. وقد كان بعض نحويي البصرة يقول: هي منصوبة بمضمر من الفعل, بمعنى: إلا أن أذكر مودّة قرابتي.
وقوله: وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْنا يقول تعالى ذكره: ومن يعمل حسنة, وذلك أن يعمل عملاً يطيع الله فيه من المؤمنين نَزِدْ لَهُ فيها حُسْنا يقول: نضاعف عمله ذلك الحسن, فنجعل له مكان الواحد عشرا إلى ما شئنا من الجزاء والثواب. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
23698ـ حدثني محمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ, في قول الله عزّ وجلّ: وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً قال: يعمل حسنة.
23699ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْنا قال: من يعمل خيرا نزد له. الاقْتراف: العمل.
وقوله: إنّ اللّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ يقول: إن الله غفور لذنوب عباده, شكور لحسناتهم وطاعتهم إياه. كما:
23700ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: إنّ اللّهَ غَفُورٌ للذنوب شَكُورٌ للحسنات يضاعفها.
23701ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: إنّ اللّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ قال: غفر لهم الذنوب, وشكر لهم نعما هو أعطاهم إياها, وجعلها فيهم.
الآية : 24
القول في تأويل قوله تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَىَ عَلَى اللّهِ كَذِباً فَإِن يَشَإِ اللّهُ يَخْتِمْ عَلَىَ قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقّ الْحَقّ بِكَلِمَاتِهِ إِنّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصّدُورِ }.
يقول تعالى ذكره: أم يقول هؤلاء المشركون بالله: افْتَرَى محمد على اللّهِ كَذِبا فجاء بهذا الذي يتلوه علينا اختلاقا من قِبَل نفسه. وقوله: فَإنْ يَشأِ اللّهُ يا محمد يطبع على قلبك, فتنس هذا القرآن الذي أُنزل إليك. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
23702ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: أمْ يَقُولُونَ افْتَرَى على الله كَذِبا, فإنْ يَشأ اللّهُ يَختْم على قَلْبكَ فينسيك القرآن.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله: فإنْ يَشأ اللّهُ يَخْتمْ على قَلْبكَ قال: إن يشأ الله أنساك ما قد أتاك.
23703ـ حدثنا محمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ, في قول الله عزّ وجلّ: فإنْ يَشأ اللّهُ يَخْتمْ على قَلْبكَ قال: يطبع.
وقوله: ويَمْحُ اللّهُ الباطِلَ يقول: ويذهب الله بالباطل فيمحقه ويُحِقّ الحَقّ بكَلِماتِهِ التي أنزلها إليك يا محمد فيثبته.
وقوله: وَيمْحُ اللّهُ الباطِلَ في موضع رفع بالابتداء, ولكنه حُذفت منه الواو في المصحف, كما حُذفت من قوله: سَنَدْعُ الزّبانيَةَ ومن قوله: وَيَدْعُ الإنْسانُ بالشّرّ وليس بجزم على العطف على يختم.
وقوله: إنّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصّدُورِ يقول تعالى ذكره: إن الله ذو علم بما في صدور خلقه, وما تنطوي عليه ضمائرهم, لا يخفى عليه من أمورهم شيء, يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم: لو حدّثت نفسك أن تفتري على الله كذبا, لطبعت على قلبك, وأذهبت الذي آتيتك من وحيي, لأني أمحو الباطل فأذهبه, وأحقّ الحقّ, وإنما هذا إخبار من الله الكافرين به, الزاعمين أن محمدا افترى هذا القرآن من قِبل نفسه, فأخبرهم أنه إن فعل لفعل به ما أخبر به في هذه الاَية.
الآية : 25
القول في تأويل قوله تعالى: {وَهُوَ الّذِي يَقْبَلُ التّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُواْ عَنِ السّيّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ }.
يقول تعالى ذكره: والله الذي يقبل مراجعة العبد إذا رجع إلى توحيد الله وطاعته من بعد كفره وَيَعْفُوا عَنِ السّيّئاتِ يقول: ويعفو أن يعاقبه على سيئاته من الأعمال, وهي معاصيه التي تاب منها وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ اختلفت القرّاء في قراءة ذلك, فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة «يَفْعَلُونَ» بالياء, بمعنى: ويعلم ما يفعل عباده, وقرأته عامة قرّاء الكوفة تَفْعَلُونَ بالتاء على وجه الخطاب.
والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان مشهورتان في قَرَأة الأمصار متقاربتا المعنى, فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب, غير أن الياء أعجب إليّ, لأن الكلام من قبل ذلك جرى على الخبر, وذلك قوله: وَهُوَ الّذِي يَقْبَلُ التّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ ويعني جلّ ثناؤه بقوله: وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ ويعلم ربكم أيها الناس ما تفعلون من خير وشرّ, لا يخفى عليه من ذلك شيء, وهو مجازيكم على كل ذلك جزاءه, فاتقوا الله في أنفسكم, واحذروا أن تركبوا ما تستحقون به منه العقوبة.
23704ـ حدثنا تميم بن المنتصر, قال: أخبرنا إسحاق بن يوسف, عن شريك عن إبراهيم بن مهاجر, عن إبراهيم النخعي, عن همام بن الحارث, قال: أتينا عبد الله نسأله عن هذه الاَية: وَهُوَ الّذِي يَقْبَلُ التّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السّيّئاتِ وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ قال: فوجدنا عنده أناسا أو رجالاً يسألونه عن رجل أصاب من امرأة حراما, ثم تزوّجها, فتلا هذه الاَية وَهُوَ الّذِي يَقْبَلُ التّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ, وَيَعْفُو عَنِ السّيّئاتِ, وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ.
الآية : 26
القول في تأويل قوله تعالى: {وَيَسْتَجِيبُ الّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُم مّن فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ }.
يقول تعالى ذكره: ويجيب الذين آمنوا بالله ورسوله, وعملوا بما أمرهم الله به, وانتهوا عما نهاهم عنه لبعضهم دعاء بعض. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
23705ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا عثام, قال: حدثنا الأعمش, عن شقيق بن سلمة, عن سلمة بن سبرة, قال: خطبنا معاذ, فقال: أنتم المؤمنون, وأنتم أهل الجنة, والله إني لأرجو أن من تصيبون من فارس والروم يدخلون الجنة, ذلك بأن أحدهم إذا عمل لأحدكم العمل قال: أحسنت رحمك الله, أحسنت غفر الله لك, ثم قرأ: وَيَسْتَجِيبُ الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ.
وقوله: وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ يقول تعالى ذكره: ويزيد الذين آمنوا وعملوا الصالحات مع إجابته إياهم دعاءهم, وإعطائه إياهم مسألتهم من فضله على مسألتهم إياه, بأن يعطيهم ما لم يسألوه. وقيل: إن ذلك الفضل الذي ضمن جلّ ثناؤه أن يزيدهموه, هو أن يشفعهم في إخوان إخوانهم إذا هم شفعوا في إخوانهم, فشفعوا فيهم. ذكر من قال ذلك:
23706ـ حدثنا عبيد الله بن محمد الفريابيّ, قال: حدثنا عمرو بن أبي سلمة, عن سعيد بن بشر, عن قتادة, عن إبراهيم النخعيّ في قول الله عزّ وجلّ: وَيَسْتَجِيبُ الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ قال: يُشَفّعون في إخوانهم, ويزدهم من فضله, قال: يشفعون في إخوان إخوانهم.
وقوله: والكافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ يقول جلّ ثناؤه: والكافرون بالله لهم يوم القيامة عذاب شديد على كفرهم به.
واختلف أهل العربية في معنى قوله: وَيَسْتَجِيبُ الّذِينَ آمَنُوا فقال بعضهم: أي استجاب فجعلهم هم الفاعلين, فالذين في قوله رفع, والفعل لهم. وتأويل الكلام على هذا المذهب: واستجاب الذين آمنوا وعملوا الصالحات لربهم إلى الإيمان به, والعمل بطاعته إذ دعاهم إلى ذلك.
وقال آخر منهم: بل معنى ذلك: ويجيب الذين آمنوا. وهذا القول يحتمل وجهين: أحدهما الرفع, بمعنى: ويجيب الله الذين آمنوا. والاَخر ما قاله صاحب القول الذي ذكرنا.
وقال بعض نحويي الكوفة: وَيَسْتَجِيبُ الّذِينَ آمَنُوا يكون «الذين» في موضع نصب بمعنى: ويجيب الله الذين آمنوا. وقد جاء في التنزيل: فاسْتَجابَ لَهُمْ رَبّهُمْ والمعنى: فأجاب لهم ربهم, إلا أنك إذا قلت استجاب, أدخلت اللام في المفعول وإذا قلت أجاب حذفت اللام, ويكون استجابهم, بمعنى: استجاب لهم, كما قال جلّ ثناؤه: وَإذَا كالُوهُمْ أوْ وَزَنُوهُمْ والمعنى والله أعلم: وإذا كالوا لهم, أو وزنوا لهم يُخْسِرُونَ. قال: ويكون «الذين» في موضع رفع إن يجعل الفعل لهم, أي الذين آمنوا يستجيبون لله, ويزيدهم على إجابتهم, والتصديق به من فضله. وقد بيّنا الصواب في ذلك من القول على ما تأوّله ومن ذكرنا قوله فيه.
الآية : 27
القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَوْ بَسَطَ اللّهُ الرّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْاْ فِي الأرْضِ وَلَـَكِن يُنَزّلُ بِقَدَرٍ مّا يَشَآءُ إِنّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرُ بَصِيرٌ }.
ذكر أن هذه الاَية نزلت من أجل قوم من أهل الفاقة من المسلمين تمنوا سعة الدنيا والغنى, فقال جلّ ثناؤه: ولو بسط الله الرزق لعباده, فوسعه وكثره عندهم لبغوا, فتجاوزوا الحدّ الذي حدّه الله لهم إلى غير الذي حدّه لهم في بلاده بركوبهم في الأرض ما حظره عليهم, ولكنه ينزل رزقهم بقدر لكفايتهم الذي يشاء منه. ذكر من قال ذلك:
23707ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال أبو هانىء: سمعت عمرو بن حريث وغيره يقولون: إنما أنزلت هذه الاَية في أصحاب الصفّة وَلَوْ بَسَطَ اللّهُ الرّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الأرْضِ, وَلَكِنْ يُنَزّلُ بقَدَرٍ ما يَشاءُ ذلك بأنهم قالوا: لو أن لنا, فتمنوا.
حدثنا محمد بن سنان القزاز, قال: حدثنا أبو عبد الرحمن المقري, قال: حدثنا حيوة, قال: أخبرني أبو هانىء, أنه سمع عمرو بن حريث يقول: إنما نزلت هذه الاَية, ثم ذكر مثله.
23708ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة ولَوْ بَسَطَ اللّهُ الرّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوا فِي الأرْضِ الاَية... قال: كان يقال: خير الرزق ما لا يُطغيك ولا يُلهيك.
وذُكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم قال: «أخْوَفُ ما أخافُ على أُمّتِي زَهْرَةُ الدّنيْا وكَثْرَتُها». فقال له قائل: يا نبي الله: هل يأتي الخير بالشرّ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هَلْ يَأَتِي الخَيْرُ بالشّرّ؟» فأنزل الله عليه عند ذلك, وكان إذا نزل عليه كرب لذلك, وتربّد وجهه, حتى إذا سرّي عن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: «هَلْ يَأَتِي الخَيْرُ بالشّرّ» يقولها ثلاثا: «إنّ الخَيْرَ لا يأتِي إلاّ بالخَيْرِ», يقولها ثلاثا. وكان صلى الله عليه وسلم وتر الكلام: «ولكنه والله ما كان ربيع قط إلا أحبط أو ألمّ فأما عبد أعطاه الله مالاً, فوضعه في سبيل الله التي افترض وارتضى, فذلك عبد أريد به خير, وعزم له على الخير, وأما عبد أعطاه الله مالاً فوضعه في شهواته ولذّاته, وعدل عن حقّ الله عليه, فذلك عبد أريد به شرّ, وعزم له على شرّ».
وقوله: إنّهُ بعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ يقول تعالى ذكره: إن الله بما يصلح عباده ويفسدهم من غنى وفقر وسعة وإقتار, وغير ذلك من مصالحهم ومضارّهم, ذو خبرة, وعلم, بصير بتدبيرهم, وصرفهم فيما فيه صلاحهم.
الآية : 28
القول في تأويل قوله تعالى: {وَهُوَ الّذِي يُنَزّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُواْ وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيّ الْحَمِيدُ }.
يقول تعالى ذكره: والله الذي ينزل المطر من السماء فيغيثكم به أيها الناس مِنْ بَعْدِما قَنَطُوا يقول: من بعد ما يئس من نزوله ومجيئه وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ يقول: وينشر في خلقه رحمته, ويعني بالرحمة: الغيث الذي ينزله من السماء. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
23709ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة: أنه قيل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: أجدبت الأرض, وقنط الناس, قال: مطروا إذن.
23710ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا قال: يئسوا.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة قال: ذُكر لنا أن رجلاً أتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه, فقال: يا أمير المؤمنين قحط المطر, وقنط الناس قال: مطرتم وَهُوَ الّذِي يُنَزّلُ الغَيْثَ مِنْ بَعْدِما قَنَطُوا, وَيَنْشُرَ رَحْمَتَهُ.
وقوله: وَهُوَ الوَلِيّ الحَميدُ يقول: وهو الذي يليكم بإحسانه وفضله, الحميد بأياديه عندكم, ونعمه عليكم في خلقه.
الآية : 29
القول في تأويل قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَثّ فِيهِمَا مِن دَآبّةٍ وَهُوَ عَلَىَ جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَآءُ قَدِيرٌ }.
يقول تعالى ذكره: ومن حججه عليكم أيها الناس أنه القادر على إحيائكم بعد فنائكم, وبعثكم من قبوركم من بعد بلائكم, خلقه السموات والأرض, وما بثّ فيهما من دابة. يعني وما فرّق في السموات والأرض من دابة. كما:
23711ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: وَما بَثّ فِيهِما مِنْ دَابّةٍ قال: الناس والملائكة وَهُوَ على جَمْعِهِمْ إذَا يَشاءُ قَدِيرٌ يقول: وهو على جمع ما بثّ فيهما من دابة إذا شاء جمعه, ذو قدرة لا يتعذّر عليه, كما لم يتعذر عليه خلقه وتفريقه, يقول تعالى ذكره: فكذلك هو القادر على جمع خلقه بحشر يوم القيامة بعد تفرّق أوصالهم في القبور.
الآية : 30-31
القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَآ أَصَابَكُمْ مّن مّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ * وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الأرْضِ وَمَا لَكُمْ مّن دُونِ اللّهِ مِن وَلِيّ وَلاَ نَصِيرٍ }.
يقول تعالى ذكره: وما يصيبكم أيها الناس من مصيبة في الدنيا في أنفسكم وأهليكم وأموالكم فَبِما كَسَبَتْ أيْدِيكُمْ يقول: فإنما يصيبكم ذلك عقوبة من الله لكم بما اجترمتم من الاَثام فيما بينكم وبين ربكم ويعفو لكم ربكم عن كثير من إجرامكم, فلا يعاقبكم بها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
23712ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: حدثنا ابن علية, قال: حدثنا أيوب, قال: قرأت في كتاب أبي قلابة, قال: نزلت: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرّةٍ خَيْرا يَرَهُ. وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرّةٍ شَرا يَرَهُ وأبو بكر رضي الله عنه يأكل, فأمسك فقال: يا رسول الله إني لراءٍ ما عملت من خير أو شر؟ فقال: «أرأيْتَ ما رأيْتَ مِمّا تَكْرَهُ فَهُوَ مِنْ مَثاقِيل ذَرّ الشّرّ, وَتَدّخِرُ مَثاقِيلَ الخَيْرِ حتى تُعْطاهُ يَوْمَ القِيامَةِ», قال: قال أبو إدريس: فأرى مصداقها في كتاب الله, قال: وَما أصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أيْدِيكُمْ, وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ.
قال أبو جعفر: حدّث هذا الحديث الهيثم بن الربيع, فقال فيه أيوب عن أبي قلابة, عن أنس, أن أبا بكر رضي الله عنه كان جالسا عند النبيّ صلى الله عليه وسلم, فذكر الحديث, وهو غلط, والصواب عن أبي إدريس.
23713ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَما أصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أيْدِيكُمْ... الاَية «ذُكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «لا يُصِيبُ ابْن آدَمَ خَدْشُ عُودٍ, وَلا عَثْرَةُ قَدَم, وَلا اخْتِلاجُ عِرْقٍ إلاّ بذَنْب, وَما يَعْفُو عَنْهُ أكْثرُ».
23714ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: وَما أصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أيديكم... الاَية, قال: يعجل للمؤمنين عقوبتهم بذنوبهم ولا يؤاخذون بها في الاَخرة.
وقال آخرون: بل عنى بذلك: وما عوقبتم في الدنيا من عقوبة بحدّ حُددِتموه على ذنب استوجبتموه عليه فبما كسبت أيديكم: يقول: فبما عملتم من معصية الله وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ فلا يوجب عليكم فيها حدّا. ذكر من قال ذلك:
23715ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن الحسن وَما أصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ... الاَية, قال: هذا في الحدود. وقال قتادة: بلغنا أنه ما من رجل يصيبه عثرة قدم ولا خدش عود أو كذا وكذا إلا بذنب, أو يعفو, وما يعفو أكثر.
وقوله: وَما أنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الأرْضِ يقول: وما أنتم أيها الناس بمفيتي ربكم بأنفسكم إذا أراد عقوبتكم على ذنوبكم التي أذنبتموها, ومعصيتكم إياه التي ركبتموها هربا في الأرض, فمعجزيه, حتى لا يقدر عليكم, ولكنكم حيث كنتم في سلطانه وقبضته, جارية فيكم مشيئته وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ مِنْ وَلِيّ يليكم بالدفاع عنكم إذا أراد عقوبتكم على معصيتكم إياه ولا نَصِيرٍ يقول: ولا لكم من دونه نصير ينصركم إذا هو عاقبكم, فينتصر لكم منه, فاحذروا أيها الناس معاصيه, واتقوه أن تخالفوه فيما أمركم أو نهاكم, فإنه لا دافع لعقوبته عمن أحلها به