سورة الرحمن | للقراءة من المصحف بخط كبير واضح
استماع mp3 | الجلالين&الميسر | تفسير الشوكاني |
إعراب الصفحة | تفسير ابن كثير | تفسير القرطبي |
التفسير المختصر | تفسير الطبري | تفسير السعدي |
تفسير الطبري تفسير الصفحة 531 من المصحف
تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 531
532
530
الآية : 50-52
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَمَآ أَمْرُنَآ إِلاّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ * وَلَقَدْ أَهْلَكْنَآ أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِن مّدّكِرٍ * وَكُلّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزّبُرِ }.
يقول تعالى ذكره: وما أمرنا للشيء إذا أمرناه وأردنا أن نكوّنه إلاّ قولة واحدة: كن فيكون, لا مراجعة فيها ولا مرادّة كَلَمْحِ بالبَصَرِ يقول جلّ ثناؤه: فيوجد ما أمرناه وقلنا له: كن كسرعة اللمح بالبصر لا يُبطىء ولا يتأخر, يقول تعالى ذكره لمشركي قريش الذين كذّبوا رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم: ولقد أهلكنا أشياعكم معشر قريش من الأمم السالفة والقرون الخالية, على مثل الذي أنتم عليه من الكفر بالله, وتكذيب رسله فَهَلْ مِنْ مُدّكرٍ يقول: فهل من مُتّعظ بذلك منزجر ينزجر به. كما:
25412ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: وَلَقَدْ أهْلَكْنا أشْياعُكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدّكرٍ قال: أشياعكم من أهل الكفر من الأمم الماضية, يقول: فهل من أحد يتذكر.
وقوله: وكُلّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزّبُرِ يقول تعالى ذكره: وكل شيء فعله أشياعكم الذين مضوا قبلكم معشر كفّار قريش في الزّبر, يعني في الكتب التي كتبتها الحفظة عليهم. وقد يحتمل أن يكون مرادا به في أمّ الكتاب. كما:
حدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: فِي الزّبُرِ قال: الكُتب.
25413ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: وكُلّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزّبُرِ قال: في الكتاب.
الآية : 53-55
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَكُلّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مّسْتَطَرٌ * إِنّ الْمُتّقِينَ فِي جَنّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مّقْتَدِرِ }.
يقول تعالى ذكره: وكُلّ صَغِيرٍ وكَبِيرٍ من الأشياء مُسْتَطِرٌ يقول: مُثبَت في الكتاب مكتوب. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
25414ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: وكُلّ صَغِيرٍ وكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ يقول: مكتوب, فإذا أراد الله أن ينزل كتابا نَسَخَتْه السّفَرة. قوله: وكُلّ صَغِيرٍ وكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ قال: مكتوب.
25415ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا عبيد الله بن معاذ, عن أبيه, عن عمران بن حُدَير, عن عكرِمة, قال: مكتوب في كلّ سطر.
25416ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة مُسْتَطَرٌ قال: محفوظ مكتوب.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَكُلّ صَغِيرٍ وكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ أي محفوظ.
25417ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول: مُسْتَطَرٌ قال: مكتوب.
25418ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: وكُلّ صَغِيرٍ وكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ قال: مكتوب, وقرأ وَما مِن دَابّةٍ فِي الأرْضِ إلاّ على اللّهِ رِزْقُها وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرّها ومُسْتَوْدَعَها كُلّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ, وقرأ وَما مِنْ دَابّةٍ فِي الأرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إلاّ أُمَمٌ أمْثالُكُمْ ما فَرّطْنا فِي الكِتابِ مِنْ شَيْءٍ إنما هو مفتعل من سطرت: إذا كتبت سطرا.
وقوله: إنّ المُتّقِينَ فِي جَنّاتٍ ونَهَرٍ يقول تعالى ذكره: إن الذين اتقوا عقاب الله بطاعته وأداء فرائضه, واجتناب معاصيه في بساتين يوم القيامة, وأنهار, ووحد النهر في اللفظ, ومعناه الجمع, كما وحد الدّبر, ومعناه الإدبار في قوله: يُوَلّونَ الدّبُرَ وقد قيل: إن معنى ذلك: إن المتقين في سعة يوم القيامة وضياء, فوجّهوا معنى قوله: ونَهَر إلى معنى النهار. وزعم الفرّاء أنه سمع بعض العرب ينشد:
إنْ تَكُ لَيْلِيّا فإنّي نَهِرْمَتى أتى الصّبْحُ فَلا أنْتَظِر
وقوله: «نهر» على هذا التأويل مصدر من قولهم: نهرت أنهر نهرا. وعنى بقوله: «فإني نهر»: أي إني لصاحب نهار: أي لست بصاحب ليلة.
وقوله: فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ يقول: في مجلس حقّ لا لغو فيه ولا تأثيم عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ يقول: عند ذي مُلك مقتدر على ما يشاء, وهو الله ذو القوّة المتين, تبارك وتعالى.
آخر تفسير سورة اقتربت الساعة
نهاية تفسير الإمام الطبري لسورة القمر
سورة الرحمن مدنيّة
وآياتها ثمان وسبعون
بسم الله الرحمَن الرحيـم
الآية : 1-5
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {الرّحْمَـَنُ * عَلّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الإِنسَانَ * عَلّمَهُ البَيَانَ * الشّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ }.
يقول تعالى ذكره: الرحمن أيها الناس برحمته إياكم علمكم القرآن, فأنعم بذلك عليكم, إذ بصّركم به ما فيه رضا ربكم, وعرّفكم ما فيه سخطه, لتطيعوه باتباعكم ما يرضيه عنكم, وعملكم بما أمركم به, وبتجنبكم ما يُسخطه عليكم, فتستوجبوا بذلك جزيل ثوابه, وتنجوا من أليم عقابه. وروي عن قتادة في ذلك ما:
25419ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا محمد بن مروان العقيلي, قال: حدثنا أبو العوام العجلي, عن قتادة, أنه قال في تفسير الرّحْمَنُ عَلّمَ القُرْآنَ قال: نعمة والله عظيمة.
وقوله: خَلَقَ الإنْسانَ يقول تعالى ذكره: خلق آدم وهو الإنسان في قول بعضهم. ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حُمَيد, قال: قال: حدثنا مهران, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة خَلَقَ الإنْسانَ قال: الإنسان: آدم صلى الله عليه وسلم.
25420ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة خَلَقَ الإنْسانَ قال: الإنسان: آدم صلى الله عليه وسلم.
وقال آخرون: بل عنى بذلك الناس جميعا, وإنما وحد في اللفظ لأدائه عن جنسه, كما قيل: إن الإنسان لفي خُسر والقولان كلاهما غير بعيدين من الصواب لاحتمال ظاهر الكلام إياهما.
وقوله: عَلّمَهُ البَيانَ يقول تعالى ذكره: علّم الإنسان البيان.
ثم اختلف أهل التأويل في المعنيّ بالبيان في هذا الموضع, فقال بعضهم: عنى به بيان الحلال والحرام. ذكر من قال ذلك:
25421ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قولهعَلّمَهُ البَيانَ: علمه الله بيان الدنيا والاَخرة بين حلاله وحرامه, ليحتجّ بذلك على خلقه.
حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن سعيد, عن قتادة عَلّمَهُ البَيانَ الدنيا والاَخرة ليحتجّ بذلك عليه.
25422ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا محمد بن مروان, قال: حدثنا أبو العوّام, عن قتادة, في قوله: عَلّمَهُ البَيانَ قال: تَبَيّنَ له الخيرُ والشرّ, وما يأتي, وما يدع.
وقال آخرون: عنى به الكلام: أي أن الله عزّ وجلّ علم الإنسان البيان. ذكر من قال ذلك:
25423ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: عَلّمَهُ البَيانَ قال: البيان: الكلام.
والصواب من القول في ذلك أن يقال: معنى ذلك: أن الله علّم الإنسان ما به الحاجة إليه من أمر دينه ودُنياه من الحلال والحرام, والمعايش والمنطق, وغير ذلك مما به الحاجة إليه, لأن الله جلّ ثناؤه لم يخصص بخبره ذلك, أنه علّمه من البيان بعضا دون بعض, بل عمّ فقال: علّمه البيان, فهو كما عمّ جلّ ثناؤه.
وقوله: الشّمْسُ والقَمَرُ بحُسْبانٍ اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك, فقال بعضهم: معناه: الشمس والقمر بحسبان, ومنازل لها يجريان ولا يعدوانها. ذكر من قال ذلك:
25424ـ حدثنا محمد بن خلف العسقلاني, قال: حدثنا الفريابي, قال: حدثنا إسرائيل, قال: حدثنا سماك بن حرب, عن عكرِمة, عن ابن عباس, في قوله: الشّمْسُ والقَمَرُ بِحُسْبانٍ قال: بحساب ومنازل يرسلان.
حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: الشّمْسُ والقَمَرُ بِحُسْبانٍ قال: يجريان بعدد وحساب.
25425ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن إسماعيل بن أبي خالد, عن أبي مالك الشّمْسُ والقَمَرُ بِحُسْبانٍ قال: بحساب ومنازل.
25426ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة الشّمْسُ والقَمَرُ بِحُسْبانٍ: أي بحساب وأجل.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله: الشّمْسُ والقَمَرُ بِحُسْبانٍ قال: يجريان في حساب.
25427ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: الشّمْسُ والقَمَرُ بِحُسْبانٍ قال: يحسب بهما الدهر والزمان لولا الليل والنهار, والشمس والقمر لم يدرك أحد كيف يحسب شيئا لو كان الدهر ليلاً كله, كيف يحسب, أو نهارا كله كيف يحسب.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا محمد بن مروان, قال: حدثنا أبو العوّام, عن قتادة الشّمْسُ والقَمَرُ بِحسْبانٍ قال: بحساب وأجل.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: أنهما يجريان بقَدَر. ذكر من قال ذلك:
25428ـ حدثنا أبو هشام الرفاعي, قال: حدثنا عبد الله بن داود, عن أبي الصهباء, عن الضحاك, في قوله: الشّمْسُ والقَمَرُ بِحُسْبانٍ قال: بقدر يجريان.
وقال آخرون: بل معنى ذلك أنهما يدوران في مثل قطب الرحا. ذكر من قال ذلك:
25429ـ حدثني محمد بن خلف العسقلاني, قال: حدثنا محمد بن يوسف, قال: حدثنا إسرائيل, قال: حدثنا أبو يحيى عن مجاهد وقال: حدثنا محمد بن يوسف, قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله: بِحُسْبانٍ قال: كحسبان الرحا.
حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قول الله: بِحُسْبانٍ قال: كحسبان الرحا.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: معناه: الشمس والقمر يجريان بحساب ومنازل, لأن الحسبان مصدر من قول القائل: حسبته حسابا وحسبانا, مثل قولهم: كُفرته كفرانا, وغُفْرته غُفْرانا. وقد قيل: إنه جمع حساب, كما الشهبان: جمع شهاب.
واختلف أهل العربية فيما رفع به الشمس والقمر, فقال بعضهم: رفعا بحسبان: أي بحساب, وأضمر الخبر, وقال: وأظنّ والله أعلم أنه قال: يجريان بحساب وقال بعض من أنكر هذا القول منهم: هذا غلط, بحسبان يرافع الشمس والقمر: أي هما بحساب, قال: والبيان يأتي على هذا: علّمه البيان أن الشمس والقمر بحسبان قال: فلا يحذف الفعل ويُضمر إلاّ شاذّا في الكلام.
الآية : 6-9
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَالنّجْمُ وَالشّجَرُ يَسْجُدَانِ * وَالسّمَآءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ * أَلاّ تَطْغَوْاْ فِي الْمِيزَانِ * وَأَقِيمُواْ الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تُخْسِرُواْ الْمِيزَانَ }.
اختلف أهل التأويل في معنى النجم في هذا الموضع مع إجماعهم على أن الشجر ما قام على ساق, فقال بعضهم: عني بالنجم في هذا الموضع من النبات: ما نجم من الأرض, مما ينبسط عليها, ولم يكن على ساق مثل البقل ونحوه. ذكر من قال ذلك:
25430ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, في قوله: والنّجْمُ قال: ما يُبَسط على الأرض.
25431ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا يعقوب, عن جعفر, عن سعيد, في قوله: والنّجْمُ قال: النجم كلّ شيء ذهب مع الأرض فرشا, قال: والعرب تسمي الثيل نجما.
25432ـ حدثني محمد بن خلف العسقلانيّ, قال: حدثنا رَوّاد بن الجرّاح, عن شريك, عن السديّ والنّجْمُ والشّجَرُ يَسْجَدَانِ قال: النجم: نبات الأرض.
25433ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان والنّجْمُ قال: النجم: الذي ليس له ساق.
وقال آخرون: عُنِي بالنجم في هذا الموضع: نجم السماء. ذكر من قال ذلك:
25434ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله: والنّجْمُ قال: نجم السماء.
25435ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: والنّجْمُ يعني: نجم السماء.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة والنّجْمُ والشّجَرُ يَسْجُدانِ قال: إنما يريد النجم.
25436ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, عن الحسن, نحوه.
وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: عُنِي بالنجم: ما نجم من الأرض من نبت لعطف الشجر عليه, فكان بأن يكون معناه لذلك: ما قام على ساق وما لا يقوم على ساق يسجدان لله, بمعنى: أنه تسجد له الأشياء كلها المختلفة الهيئات من خلقه أشبه وأولى بمعنى الكلام من غيره. وأما قوله: والشّجَرُ فإن الشجر ما قد وصفت صفته قبل. وبالذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
25437ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: والشّجَرُ يَسْجُدانِ قال: الشجر: كل شيء قام على ساق.
25438ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا يعقوب, عن جعفر, عن سعيد, في قوله: والشّجَرُ قال: الشجر: كلّ شيء قام على ساق.
25439ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, في قوله: والشّجَرُ قال: الشجر: شجر الأرض.
25440ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان والشّجَرُ يَسْجُدانِ قال: الشجر الذي له سُوْق.
وأما قوله يَسْجُدانِ فإنه عُني به سجود ظلهما, كما قال جلّ ثناؤه ولِلّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السّمَوَاتِ والأرْضِ طَوْعا وكَرْها وَظِلالُهُمْ بالغُدّوّ والاَصَالِ. كما:
25441ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا تميم بن عبد المؤمن, عن زبرقان, عن أبي رزين وسعيد والنّجْمُ والشّجَرُ يَسْجُدانِ قالا: ظلهما سجودهما.
25442ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا محمد بن مروان, قال: حدثنا أبو العوام, عن قتادة والنّجْمُ والشّجَرُ يَسْجُدَانِ ما نَزّل من السماء شيئا من خلقه إلاّ عَبّده له طوعا وكرها.
25443ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, عن الحسن, وهو قول قتادة.
25444ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قوله: والنّجْمُ والشّجَرُ يَسْجُدانِ قال: يسجد بكرة وعشيا. وقيل والنّجْمُ والشّجَرُ يَسْجُدانِ فثنى وهو خبر عن جمعين.
وقد زعم الفراء أن العرب إذا جمعت الجمعين من غير الناس مثل السدر والنخل, جعلوا فعلهما واحدا, فيقولون الشاء والنعم قد أقبل, والنخل والسدر قد ارتوى, قال: وهذا أكثر كلامهم, وتثنيته جائزة.
وقوله: والسّماءَ رَفَعَها يقول تعالى ذكره: والسماء رفعها فوق الأرض.
وقوله: وَوَضَعَ المِيزَانَ يقول: ووضع العدل بين خلقه في الأرض. وذُكر أن ذلك في قراءة عبد الله «وخَفَضَ المِيزَانَ» والخفض والوضع: متقاربا المعنى في كلام العرب. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
25445ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله: وَوَضَعَ المِيزَانَ قال: العدل.
وقوله: ألاّ تَطْغَوْا فِي المِيزَانِ يقول تعالى ذكره: ألا تظلموا وتبخَسُوا في الوزن. كما:
25446ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ألاّ تَطْغَوْا في المِيزَانِ اعدل يا ابن آدم كما تحبّ أن يعدل عليك, وأوف كما تحبّ أن يُوَفى لك, فإن بالعدل صلاح الناس.
وكان ابن عباس يقول: يا معشر المَوالِي, إنكم قد وليتم أمرين, بهما هلك من كان قبلكم, هذا المكيال والميزان.
25447ـ حدثنا عمرو بن عبد الحميد, قال: حدثنا مروان بن معاوية, عن مغيرة, عن مسلم, عن أبي المغيرة, قال: سمعت ابن عباس يقول في سُوق المدينة: يا معشر الموالي, إنكم قد بُليتم بأمرين أهلك فيهما أمتان من الأمم: المِكْيال, والمِيزان.
25448ـ قال: ثنا مروان, عن مغيرة, قال: رأى ابن عباس رجلاً يزن قد أرجح, فقال: أقم اللسان, أقم اللسان, أليس قد قال الله: وأقِيمُوا الْوَزْنَ بالقِسْط وَلا تُخْسِرُوا المِيزَانَ.
وقوله: وأقِيمُوا الوَزْنَ بالقِسْطِ يقول: وأقيموا لسان الميزان بالعدل.
وقوله: وَلا تُخْسِرُوا المِيزَانَ يقول تعالى ذكره: ولا نتقصوا الوزن إذا وزنتم للناس وتظلموهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
25449ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا محمد بن مروان, قال: حدثنا أبو العوّام, عن قتادة والسّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ المِيزَانَ ألاّ تَطْغَوْا فِي المِيزَانِ وأقِيمُوا الوَزْنَ بالقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا المِيزَانَ قال قتادة قال ابن عباس: يا معشر الموالي إنكم وليتم أمرين بهما هلك من كان قبلكم, اتقى الله رجل عند مِيزانه, اتقى الله رجل عند مكياله, فإنما يعدله شيء يسير, ولا ينقصه ذلك, بل يزيده الله إن شاء الله.
25450ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: وأقِيمُوا الوَزْنَ بالقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا المِيزَانَ قال: نقصه, إذا نقصه فقد خَسّره تخسيره نقصه.
الآية : 10-12
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَالأرْضَ وَضَعَهَا لِلأنَامِ * فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنّخْلُ ذَاتُ الأكْمَامِ * وَالْحَبّ ذُو الْعَصْفِ وَالرّيْحَانُ }.
يقول تعالى ذكره: وَالأَرْضَ وَضَعَها لِلاْءَنَامِ والأرض وَطّأها وهم الأنام. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
25451ـ حدثنا عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: للأَنامِ يقول: للخلق.
25452ـ حدثني محمد بن سعد, ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: والأرْضَ وَضَعَها للأَنامِ قال: كلّ شيء فيه الروح.
25453ـ حدثني يعقوب, قال: حدثنا ابن عُلَية, قال: أخبرنا أبو رجاء, عن الحسن, في قوله: والأرْضَ وَضَعَها للأَنامِ قال: للخلق الجنّ والإنس.
25454ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله: للأَنامِ قال: للخلائق.
25455ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة للأَنامِ قال: للخلق.
25456ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: وَضَعَها للأَنامِ قال: الأنام: الخلق.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا محمد بن مروان, قال: حدثنا أبو العوّام, عن قتادة والأرْضَ وَضَعَها للأَنامِ قال: للخلق.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, مثله.
وقوله: فِيها فاكِهَةٌ والنّخْلُ ذَاتُ الأكمَامِ يقول تعالى ذكره: في الأرض فاكهة, والهاء والألف فيها من ذكر الأرض. والنّخْلُ ذَاتُ الأكمامِ والأكمام: جمع كمّ, وهو ما تكممت فيه.
واختلف أهل التأويل في معنى ذلك, فقال بعضهم: عنى بذلك تكمم النخل في الليف. ذكر من قال ذلك:
25457ـ حدثني يعقوب, قال: حدثنا ابن علية, عن أبي رجاء, قال: سألت الحسن, عن قوله: والنّخْلُ ذَاتُ الأكمامِ فقال: سَعَفة من ليف عُصِبَتْ بها.
25458ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة والحسن ذَاتُ الأكمامِ أكمامها: ليفها.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة والنّخْلُ ذَاتُ الأكمامِ: الليف الذي يكون عليها.
وقال آخرون: يعني بالأكمام: الرّفَات. ذكر من قال ذلك:
25459ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا محمد بن مروان, قال: حدثنا أبو العوّام, عن قتادة وَالنّخْلُ ذَاتُ الأكمامِ قال: أكمامها رُفاتها.
وقال آخرون: بل معنى الكلام: والنخل ذات الطلع المتكمم في كمامه. ذكر من قال ذلك:
25460ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد في قوله: والنّخْلُ ذَاتُ الأكمامِ وقيل له: هو الطلع, قال: نعم, وهو في كم منه حتى ينفتق عنه قال: والحبّ أيضا في أكمام. وقرأ وَما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أكمامِها.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله وصف النخل بأنها ذات أكمام, وهي متكممة في ليفها, وطلعها متكمم في جُفّهِ, ولم يخصص الله الخبر عنها بتكممها في ليفها ولا تكمم طلعها في جفه, بل عمّ الخبر عنها بأنها ذات أكمام.
والصواب أن يقال: عني بذلك ذان ليف, وهي به مُتَكَممة وذات طَلْع هو في جُفّه متكَمّم فيُعَمّم, كما عَمّ جلّ ثناؤه.
وقوله: والحَبّ ذُو العَصْفِ والرّيحانِ يقول تعالى ذكره: وفيها الحبّ, وهو حبّ البُرّ والشعير ذو الورق, والتبن: هو العَصْف, وإياه عنى علقمة بن عَبَدَة:
تَسْقِي مَذَانِبَ قَدْ مالَتْ عَصِيفَتُهاحَدُورَها مِنْ أتِيّ المَاء مَطْمومُ
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
25461ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: والحَبّ ذُو العَصْفِ والرّيْحانُ يقول: التبن.
25462ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: والحَبّ ذُو العَصْفِ والرّيْحانُ قال: العصف: ورق الزرع الأخضر الذي قطع رؤوسه فهو يسمى العصف إذا يبس.
25463ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا يعقوب, عن جعفر, عن سعيد والحَبّ ذُو العَصْفِ البقل من الزرع.
25464ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: والحَبّ ذُو العَصْفِ وعصفه تبنه.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, قال: العصف: التبن.
25465ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن الضحاك والحَبّ ذِو العَصْفِ قال: الحبّ البرّ والشعير, والعصف: التّبن.
25466ـ حدثنا سعيد بن يحيى, قال: حدثنا عبد الله بن المبارك الخُراسانيّ, عن إسماعيل بن أبي خالد, عن أبي مالك قوله: والحَبّ ذُو العَصْفِ والرّيْحانُ قال: الحبّ أوّل ما ينبت.
25467ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا روقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قوله: والحَبّ ذُو العَصْفِ والرّيْحانُ قال: العصف: الورق من كل شيء. قال: يقال للزرع إذا قُطع: عصافة, وكلّ ورق فهو عصافة.
حدثنا الحسن بن عرفة, قال: ثني يونس بن محمد, قال: حدثنا عبد الواحد, قال: حدثنا أبو روق عطية بن الحارث, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: والحَبّ ذُو العَصْفِ قال: العصف: التبن.
25468ـ حدثنا سليمان بن عبد الجبار, قال: حدثنا محمد بن الصلت, قال: حدثنا أبو كُدَينة, عن عطاء, عن سعيد, عن ابن عباس ذُو العَصْفِ قال: العصف: الزرع.
وقال بعضهم: العصف: هو الحبّ من البرّ والشعير بعينه. ذكر من قال ذلك:
25469ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: والحَبّ ذُو العَصْفِ والرّيْحانُ أما العصف: فهو البرّ والشعير.
وأما قوله: والرّيْحانُ فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله, فقال بعضهم: هو الرزق. ذكر من قال ذلك:
25470ـ حدثني زيد بن أخزم الطائي, قال: حدثنا عامر بن مدرك, قال: حدثنا عتبة بن يقظان, عن عكرِمة, عن ابن عباس, قال: كلّ ريحان في القرآن فهو رزق.
25471ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد والرّيْحانُ قال: الرزق.
25472ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن الضحاك والرّيْحانُ: الرزق, ومنهم من يقول: ريحاننا.
25473ـ حدثني سليمان بن عبد الجبار, قال: حدثنا محمد بن الصلت, قال: حدثنا أبو كدينة, عن عطاء, عن سعيد بن جُبير, عن ابن عباس والرّيْحانُ قال: الريح.
حدثنا الحسن بن عرفة, قال: ثني يونس بن محمد, قال: حدثنا عبد الواحد, قال: حدثنا أبو روق عطية بن الحارث, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وَالرّيْحانُ قال: الرزق والطعام.
وقال آخرون: هو الريحان الذي يشمّ. ذكر من قال ذلك:
25474ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قال: الرّيْحانُ ما تنبت الأرض من الريحان.
25475ـ حدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: والرّيْحانُ أما الريحان: فما أنبتت الأرض من ريحان.
25476ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, عن الحسن والرّيْحانُ قال: ريحانكم هذا.
25477ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: والرّيْحانُ: الرياحين التي توجد ريحها.
وقال آخرون: هو خُضرة الزرع. ذكر من قال ذلك:
25478ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: والرّيْحانُ يقول: خُضرة الزرع.
وقال آخرون: هو ما قام على ساق. ذكر من قال ذلك:
25479ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا يعقوب, عن جعفر, عن سعيد, قال: الرّيْحانُ ما قام على ساق.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: عُنِي به الرزق, وهو الحبّ الذي يؤكل منه.
وإنما قلنا ذلك أولى الأقوال في ذلك بالصواب, لأن الله جلّ ثناؤه أخبر عن الحبّ أنه ذو العصف, وذلك ما وصفنا من الورق الحادث منه, والتبن إذا يبس, فالذي هو أولى بالريحان, أن يكون حبه الحادث منه, إذ كان من جنس الشيء الذي منه العصف, ومسموع من العرب تقول: خرجنا نطلب رَيْحان الله ورزقه, ويقال: سبحانَك وريحانَك: أي ورزقك, ومنه قول النْمر بن تَوْلب:
سَلامُ الإلهِ وَرَيْحانُهُوجَنّتُهُ وسَماءٌ دِرَرْ
وذُكر عن بعضهم أنه كان يقول: العصف: المأكول من الحبّ والريحان: الصحيح الذي لم يؤكل.
واختلفت القراء في قراءة قوله: والرّيْحانُ فقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة والبصرة وبعض المكيين وبعض الكوفيين بالرفع عطفا به على الحبّ, بمعنى: وفيها الحبّ ذو العصف, وفيها الريحان أيضا. وقرأ ذلك عامة قراء الكوفيين «والرّيْحانِ» بالخفض عطفا به على العصف, بمعنى: والحبّ ذو العصف وذو الريحان.
وأولى القراءتين في ذلك بالصواب: قراءة من قرأه بالخفص للعلة التي بينت في تأويله, وأنه بمعنى الرزق. وأما الذين قرأوه رفعا, فإنهم وجّهوا تأويله فيما أرى إلى أنه الريحان الذي يشمّ, فلذلك اختاروا الرفع فيه وكونه خفضا بمعنى: وفيها الحبّ ذو الورق والتبن, وذو الرزق المطعوم أولى وأحسن لما قد بيّناه قبل.
الآية : 13-16
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {فَبِأَيّ آلآءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَالْفَخّارِ * وَخَلَقَ الْجَآنّ مِن مّارِجٍ مّن نّارٍ * فَبِأَيّ آلآءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ }.
يعني تعالى ذكره بقوله: فَبِأيّ آلاءِ رَبّكُما تُكَذّبانِ: فبأيّ نِعَم ربكما معشر الجنّ والإنس من هذه النعم تكذّبان. كما:
25480ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سهل السراج, عن الحسن فَبِأيّ آلاءِ رَبّكُما تُكَذّبانِ فبأيّ نعمة ربكما تكذّبان.
25481ـ قال عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن الأعمش, عن مجاهد, عن ابن عباس, في قوله: فَبِأيّ آلاءِ رَبّكُما تُكَذّبانِ قال: لا بأيتها يا ربّ.
25482ـ حدثنا محمد بن عباد بن موسى وعمرو بن مالك النضري, قالا: حدثنا يحيى بن سليمان الطائفي, عن إسماعيل بن أمية, عن نافع, عن ابن عمر, قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ سورة الرحمن, أو قُرئت عنده, فقال: «ما لِي أسْمَعُ الجِنّ أحْسَنَ جَوَابا لِرَبّها مِنْكُمْ؟» قالوا: ماذا يا رسول الله؟ قال: «ما أتَيْتُ على قَوْلِ اللّهِ: فَبِأيّ آلاءِ رَبّكُما تكَذّبانِ؟ إلاّ قالَتِ الجِنّ»: لا بِشَيْءٍ مِنْ نِعْمَةِ رَبّنا نُكَذّبُ».
25483ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: فَبِأيّ آلاءِ رَبّكُما تُكَذّبانِ يقول: فبأيّ نعمة الله تكذّبان.
25484ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة فَبِأيّ آلاءِ رَبّكُما تُكَذّبانِ يقول للجنّ والإنس: بأيّ نِعم الله تكذّبان.
حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن الأعمش وغيره, عن مجاهد, عن ابن عباس أنه كان إذا قرأ فَبِأيّ آلاءِ رَبّكُما تُكَذّبانِ قال: لا بأيتها ربنا.
25485ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد في قوله: فَبِأيّ آلاءِ رَبّكُما تُكَذّبانِ قال: الاَلاء: القدرة, فبأيّ آلائه تكذّب خلقكم كذا وكذا, فبأيّ قُدرة الله تكذّبان أيها الثّقَلان, الجنّ والإنس.
فإن قال لنا قائل: وكيف قيل: فَبِأيّ آلاءِ رَبّكُما تُكَذّبانِ فخاطب اثنين, وإنما ذكر في أوّل الكلام واحد, وهو الإنسان؟ قيل: عاد بالخطاب في قوله: فَبِأيّ آلاءِ رَبّكُما تُكَذّبانِ إلى الإنسان والجانّ, ويدلّ على أن ذلك كذلك ما بعد هذا من الكلام, وهو قوله: خَلَقَ الإنْسانَ مِنْ صَلْصَالٍ كالفَخّارِ وَخَلَقَ الجانّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ. وقد قيل: إنما جعل الكلام خطابا لاثنين, وقد ابتدىء الخبر عن واحد, لما قد جرى من فعل العرب, تفعل ذلك وهو أن يخاطبوا الواحد بفعل الاثنين, فيقولون: خلياها يا غلام, وما أشبه ذلك مما قد بيّناه من كتابنا هذا في غير موضع.
وقوله: خَلَقَ الإنْسانَ مِنْ صَلْصَالٍ كالفَخّارِ يقول تعالى ذكره: خلق الله الإنسان وهو آدم من صلصال: وهو الطين اليابس الذي لم يطبخ, فإنه من يبسه له صلصلة إذا حرّك ونقر كالفخار يعني أنه من يُبسه وإن لم يكن مطبوخا, كالذي قد طُبخ بالنار, فهو يصلصل كما يصلصل الفخار, والفخار: هو الذي قد طُبخ من الطين بالنار. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
25486ـ حدثني عبيد الله بن يوسف الجبيريّ, قال: حدثنا محمد بن كثير, قال: حدثنا مسلم, يعني الملائيّ, عن مجاهد, عن ابن عباس, قوله: مِنْ صَلْصَالٍ كالفَخّارِ قال: هو من الطين الذي إذا مطرت السماء فيبست الأرض كأنه خزف رقاق.
25487ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا عثمان بن سعيد, قال: حدثنا بشر بن عمارة, عن أبي روق, عن الضحاك, عن ابن عباس, قال: خلق الله آدم من طين لازب, واللازب: اللّزِج الطيب من بعد حمأ مسنون مُنْتن. قال: وإنما كان حَمَأً مسنونا بعد التراب, قال: فخلق منه آدم بيده, قال: فمكث أربعين ليلة جسدا ملقًى, فكان إبليس يأتيه فيضربه برجله, فيصلصل فيصوّت, قال: فهو قول الله تعالى: كالفَخّارِ يقول: كالشيء المنفرج الذي ليس بمصمت.
25488ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا محمد بن سعيد وعبد الرحمن, قالا: حدثنا سفيان, عن الأعمش, عن مسلم البطين, عن سعيد بن جُبَير, عن ابن عباس قال: الصلصال: التراب المدقق.
حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قال: الصّلصال: التراب المدقّق.
حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: خَلَقَ الإنْسانَ مِنْ صَلْصَالٍ كالفَخّارِ يقول: الطين اليابس.
25489ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا أبو الأحوص, عن سماك, عن عكرِمة, في قوله: مِنْ صَلْصَالٍ كالفَخّارِ قال: الصلصال: طين خُلط برمل فكان كالفخار.
25490ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: مِنْ صَلْصَالٍ كالفَخّارِ والصلصال: التراب اليابس الذي يُسمع له صلصلة فهو كالفخار, كما قال الله عزّ وجلّ.
25491ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله: مِنْ صَلْصَالٍ كالفَخّارِ قال: من طين له صلصلة كان يابسا, ثم خلق الإنسان منه.
25492ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: مِنْ صَلْصَالٍ كالفَخّارِ قال: يبس آدم في الطين في الجنة, حتى صار كالصلصال, وهو الفخار, والحمأ المسنون: المنتن الريح.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا محمد بن مروان, قال: حدثنا أبو العوّام, عن قتادة خَلَقَ الإنْسانَ مِنْ صَلْصَالٍ كالفَخّارِ قال: من تراب يابس له صلصلة.
25493ـ قال: ثنا أبو عاصم, قال: حدثنا شبيب, عن عكرِمة, عن ابن عباس خَلَقَ الإنْسانَ مِنْ صَلْصَالٍ كالفَخّارِ قال: ما عُصِر, فخرج من بين الأصابع, ولو وجّه موجّه قوله: صلصال إلى أنه فعلال من قولهم صلّ اللحم: إذا أنتن وتغيرت ريحه, كما قيل من صرّ الباب صرصر, وكبكب من كَبّ, كان وجها ومذهبا.
وقوله: وَخَلَقَ الجانّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ يقول تعالى ذكره: وخلق الجانّ من مارج من نار, وهو ما اختلط بعضه ببعض, من بين أحمر وأصفر وأخضر, من قولهم: مَرِج أمر القوم: إذا اختلط, ومن قول النبيّ صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو: «كَيْفَ بِكَ إذَا كُنْتَ فِي حُثالَةٍ مِنَ النّاسِ قَدْ مَرِجَتْ عُهُودُهُمْ وأماناتُهُمْ» وَذلكَ هُوَ لَهَبُ النّارِ وَلِسانُهُ.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
25494ـ حدثنا عبد الله بن يوسف الجبيريّ أبو حفص, قال: حدثنا محمد بن كثير, قال: حدثنا مسلم, عن مجاهد, عن ابن عباس, في قوله: مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ قال: من أوسطها وأحسنها.
حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: وَخَلَقَ الجانّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ يقول: خلقه من لهب النار من أحسن النار.
حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ يقول: خالص النار.
25495ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا عثمان بن سعيد, قال: حدثنا بشر بن عمارة, عن أبي روق, عن الضحاك عن ابن عباس, قال: خلقت الجنّ الذين ذكروا في القرآن من مارج من نار, وهو لسان النار الذي يكون في طرفها إذا ألهبت.
25496ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا أبو الأحوص, عن سماك, عن عكرِمة, في قوله: مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ قال: من أحسن النار.
25497ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله: مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ قال: اللهب الأصفر والأخضر الذي يعلو النار إذا أوقدت.
وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد مثله, إلاّ أنه قال: والأحمر.
25498ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن منصور, عن مجاهد وَخَلَقَ الجانّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ قال: هو اللّهب المنقطع الأحمر.
25499ـ قال: ثنا مهران, عن سفيان, عن الضحاك, في قوله: وَخَلَقَ الجانّ مِنْ مارجٍ مِنْ نارٍ قال: أحسن النار.
25500ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ قال: من لهب النار.
25501ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَخَلَقَ الجانّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ: أي من لهب النار.
25502ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن الحسن, في قوله: مِنْ مارِجٍ مِنْ نار قال: من لهب النار.
25503ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: وَخَلَقَ الجانّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ قال: المارج: اللهب.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا محمد بن مروان, قال: حدثنا أبو العوّام, عن قتادة وَخَلَقَ الجانّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ قال: من لهب من نار.
وقوله: فَبِأيّ آلاءِ رَبّكُما تُكَذّبان يقول تعالى ذكره فبأيّ نعمة ربكما معشر الثقلين من هذه النعم تكذّبان؟
532
530
الآية : 50-52
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَمَآ أَمْرُنَآ إِلاّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ * وَلَقَدْ أَهْلَكْنَآ أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِن مّدّكِرٍ * وَكُلّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزّبُرِ }.
يقول تعالى ذكره: وما أمرنا للشيء إذا أمرناه وأردنا أن نكوّنه إلاّ قولة واحدة: كن فيكون, لا مراجعة فيها ولا مرادّة كَلَمْحِ بالبَصَرِ يقول جلّ ثناؤه: فيوجد ما أمرناه وقلنا له: كن كسرعة اللمح بالبصر لا يُبطىء ولا يتأخر, يقول تعالى ذكره لمشركي قريش الذين كذّبوا رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم: ولقد أهلكنا أشياعكم معشر قريش من الأمم السالفة والقرون الخالية, على مثل الذي أنتم عليه من الكفر بالله, وتكذيب رسله فَهَلْ مِنْ مُدّكرٍ يقول: فهل من مُتّعظ بذلك منزجر ينزجر به. كما:
25412ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: وَلَقَدْ أهْلَكْنا أشْياعُكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدّكرٍ قال: أشياعكم من أهل الكفر من الأمم الماضية, يقول: فهل من أحد يتذكر.
وقوله: وكُلّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزّبُرِ يقول تعالى ذكره: وكل شيء فعله أشياعكم الذين مضوا قبلكم معشر كفّار قريش في الزّبر, يعني في الكتب التي كتبتها الحفظة عليهم. وقد يحتمل أن يكون مرادا به في أمّ الكتاب. كما:
حدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: فِي الزّبُرِ قال: الكُتب.
25413ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: وكُلّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزّبُرِ قال: في الكتاب.
الآية : 53-55
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَكُلّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مّسْتَطَرٌ * إِنّ الْمُتّقِينَ فِي جَنّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مّقْتَدِرِ }.
يقول تعالى ذكره: وكُلّ صَغِيرٍ وكَبِيرٍ من الأشياء مُسْتَطِرٌ يقول: مُثبَت في الكتاب مكتوب. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
25414ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: وكُلّ صَغِيرٍ وكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ يقول: مكتوب, فإذا أراد الله أن ينزل كتابا نَسَخَتْه السّفَرة. قوله: وكُلّ صَغِيرٍ وكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ قال: مكتوب.
25415ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا عبيد الله بن معاذ, عن أبيه, عن عمران بن حُدَير, عن عكرِمة, قال: مكتوب في كلّ سطر.
25416ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة مُسْتَطَرٌ قال: محفوظ مكتوب.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَكُلّ صَغِيرٍ وكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ أي محفوظ.
25417ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول: مُسْتَطَرٌ قال: مكتوب.
25418ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: وكُلّ صَغِيرٍ وكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ قال: مكتوب, وقرأ وَما مِن دَابّةٍ فِي الأرْضِ إلاّ على اللّهِ رِزْقُها وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرّها ومُسْتَوْدَعَها كُلّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ, وقرأ وَما مِنْ دَابّةٍ فِي الأرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إلاّ أُمَمٌ أمْثالُكُمْ ما فَرّطْنا فِي الكِتابِ مِنْ شَيْءٍ إنما هو مفتعل من سطرت: إذا كتبت سطرا.
وقوله: إنّ المُتّقِينَ فِي جَنّاتٍ ونَهَرٍ يقول تعالى ذكره: إن الذين اتقوا عقاب الله بطاعته وأداء فرائضه, واجتناب معاصيه في بساتين يوم القيامة, وأنهار, ووحد النهر في اللفظ, ومعناه الجمع, كما وحد الدّبر, ومعناه الإدبار في قوله: يُوَلّونَ الدّبُرَ وقد قيل: إن معنى ذلك: إن المتقين في سعة يوم القيامة وضياء, فوجّهوا معنى قوله: ونَهَر إلى معنى النهار. وزعم الفرّاء أنه سمع بعض العرب ينشد:
إنْ تَكُ لَيْلِيّا فإنّي نَهِرْمَتى أتى الصّبْحُ فَلا أنْتَظِر
وقوله: «نهر» على هذا التأويل مصدر من قولهم: نهرت أنهر نهرا. وعنى بقوله: «فإني نهر»: أي إني لصاحب نهار: أي لست بصاحب ليلة.
وقوله: فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ يقول: في مجلس حقّ لا لغو فيه ولا تأثيم عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ يقول: عند ذي مُلك مقتدر على ما يشاء, وهو الله ذو القوّة المتين, تبارك وتعالى.
آخر تفسير سورة اقتربت الساعة
نهاية تفسير الإمام الطبري لسورة القمر
سورة الرحمن مدنيّة
وآياتها ثمان وسبعون
بسم الله الرحمَن الرحيـم
الآية : 1-5
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {الرّحْمَـَنُ * عَلّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الإِنسَانَ * عَلّمَهُ البَيَانَ * الشّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ }.
يقول تعالى ذكره: الرحمن أيها الناس برحمته إياكم علمكم القرآن, فأنعم بذلك عليكم, إذ بصّركم به ما فيه رضا ربكم, وعرّفكم ما فيه سخطه, لتطيعوه باتباعكم ما يرضيه عنكم, وعملكم بما أمركم به, وبتجنبكم ما يُسخطه عليكم, فتستوجبوا بذلك جزيل ثوابه, وتنجوا من أليم عقابه. وروي عن قتادة في ذلك ما:
25419ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا محمد بن مروان العقيلي, قال: حدثنا أبو العوام العجلي, عن قتادة, أنه قال في تفسير الرّحْمَنُ عَلّمَ القُرْآنَ قال: نعمة والله عظيمة.
وقوله: خَلَقَ الإنْسانَ يقول تعالى ذكره: خلق آدم وهو الإنسان في قول بعضهم. ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حُمَيد, قال: قال: حدثنا مهران, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة خَلَقَ الإنْسانَ قال: الإنسان: آدم صلى الله عليه وسلم.
25420ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة خَلَقَ الإنْسانَ قال: الإنسان: آدم صلى الله عليه وسلم.
وقال آخرون: بل عنى بذلك الناس جميعا, وإنما وحد في اللفظ لأدائه عن جنسه, كما قيل: إن الإنسان لفي خُسر والقولان كلاهما غير بعيدين من الصواب لاحتمال ظاهر الكلام إياهما.
وقوله: عَلّمَهُ البَيانَ يقول تعالى ذكره: علّم الإنسان البيان.
ثم اختلف أهل التأويل في المعنيّ بالبيان في هذا الموضع, فقال بعضهم: عنى به بيان الحلال والحرام. ذكر من قال ذلك:
25421ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قولهعَلّمَهُ البَيانَ: علمه الله بيان الدنيا والاَخرة بين حلاله وحرامه, ليحتجّ بذلك على خلقه.
حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن سعيد, عن قتادة عَلّمَهُ البَيانَ الدنيا والاَخرة ليحتجّ بذلك عليه.
25422ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا محمد بن مروان, قال: حدثنا أبو العوّام, عن قتادة, في قوله: عَلّمَهُ البَيانَ قال: تَبَيّنَ له الخيرُ والشرّ, وما يأتي, وما يدع.
وقال آخرون: عنى به الكلام: أي أن الله عزّ وجلّ علم الإنسان البيان. ذكر من قال ذلك:
25423ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: عَلّمَهُ البَيانَ قال: البيان: الكلام.
والصواب من القول في ذلك أن يقال: معنى ذلك: أن الله علّم الإنسان ما به الحاجة إليه من أمر دينه ودُنياه من الحلال والحرام, والمعايش والمنطق, وغير ذلك مما به الحاجة إليه, لأن الله جلّ ثناؤه لم يخصص بخبره ذلك, أنه علّمه من البيان بعضا دون بعض, بل عمّ فقال: علّمه البيان, فهو كما عمّ جلّ ثناؤه.
وقوله: الشّمْسُ والقَمَرُ بحُسْبانٍ اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك, فقال بعضهم: معناه: الشمس والقمر بحسبان, ومنازل لها يجريان ولا يعدوانها. ذكر من قال ذلك:
25424ـ حدثنا محمد بن خلف العسقلاني, قال: حدثنا الفريابي, قال: حدثنا إسرائيل, قال: حدثنا سماك بن حرب, عن عكرِمة, عن ابن عباس, في قوله: الشّمْسُ والقَمَرُ بِحُسْبانٍ قال: بحساب ومنازل يرسلان.
حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: الشّمْسُ والقَمَرُ بِحُسْبانٍ قال: يجريان بعدد وحساب.
25425ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن إسماعيل بن أبي خالد, عن أبي مالك الشّمْسُ والقَمَرُ بِحُسْبانٍ قال: بحساب ومنازل.
25426ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة الشّمْسُ والقَمَرُ بِحُسْبانٍ: أي بحساب وأجل.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله: الشّمْسُ والقَمَرُ بِحُسْبانٍ قال: يجريان في حساب.
25427ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: الشّمْسُ والقَمَرُ بِحُسْبانٍ قال: يحسب بهما الدهر والزمان لولا الليل والنهار, والشمس والقمر لم يدرك أحد كيف يحسب شيئا لو كان الدهر ليلاً كله, كيف يحسب, أو نهارا كله كيف يحسب.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا محمد بن مروان, قال: حدثنا أبو العوّام, عن قتادة الشّمْسُ والقَمَرُ بِحسْبانٍ قال: بحساب وأجل.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: أنهما يجريان بقَدَر. ذكر من قال ذلك:
25428ـ حدثنا أبو هشام الرفاعي, قال: حدثنا عبد الله بن داود, عن أبي الصهباء, عن الضحاك, في قوله: الشّمْسُ والقَمَرُ بِحُسْبانٍ قال: بقدر يجريان.
وقال آخرون: بل معنى ذلك أنهما يدوران في مثل قطب الرحا. ذكر من قال ذلك:
25429ـ حدثني محمد بن خلف العسقلاني, قال: حدثنا محمد بن يوسف, قال: حدثنا إسرائيل, قال: حدثنا أبو يحيى عن مجاهد وقال: حدثنا محمد بن يوسف, قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله: بِحُسْبانٍ قال: كحسبان الرحا.
حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قول الله: بِحُسْبانٍ قال: كحسبان الرحا.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: معناه: الشمس والقمر يجريان بحساب ومنازل, لأن الحسبان مصدر من قول القائل: حسبته حسابا وحسبانا, مثل قولهم: كُفرته كفرانا, وغُفْرته غُفْرانا. وقد قيل: إنه جمع حساب, كما الشهبان: جمع شهاب.
واختلف أهل العربية فيما رفع به الشمس والقمر, فقال بعضهم: رفعا بحسبان: أي بحساب, وأضمر الخبر, وقال: وأظنّ والله أعلم أنه قال: يجريان بحساب وقال بعض من أنكر هذا القول منهم: هذا غلط, بحسبان يرافع الشمس والقمر: أي هما بحساب, قال: والبيان يأتي على هذا: علّمه البيان أن الشمس والقمر بحسبان قال: فلا يحذف الفعل ويُضمر إلاّ شاذّا في الكلام.
الآية : 6-9
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَالنّجْمُ وَالشّجَرُ يَسْجُدَانِ * وَالسّمَآءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ * أَلاّ تَطْغَوْاْ فِي الْمِيزَانِ * وَأَقِيمُواْ الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تُخْسِرُواْ الْمِيزَانَ }.
اختلف أهل التأويل في معنى النجم في هذا الموضع مع إجماعهم على أن الشجر ما قام على ساق, فقال بعضهم: عني بالنجم في هذا الموضع من النبات: ما نجم من الأرض, مما ينبسط عليها, ولم يكن على ساق مثل البقل ونحوه. ذكر من قال ذلك:
25430ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, في قوله: والنّجْمُ قال: ما يُبَسط على الأرض.
25431ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا يعقوب, عن جعفر, عن سعيد, في قوله: والنّجْمُ قال: النجم كلّ شيء ذهب مع الأرض فرشا, قال: والعرب تسمي الثيل نجما.
25432ـ حدثني محمد بن خلف العسقلانيّ, قال: حدثنا رَوّاد بن الجرّاح, عن شريك, عن السديّ والنّجْمُ والشّجَرُ يَسْجَدَانِ قال: النجم: نبات الأرض.
25433ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان والنّجْمُ قال: النجم: الذي ليس له ساق.
وقال آخرون: عُنِي بالنجم في هذا الموضع: نجم السماء. ذكر من قال ذلك:
25434ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله: والنّجْمُ قال: نجم السماء.
25435ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: والنّجْمُ يعني: نجم السماء.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة والنّجْمُ والشّجَرُ يَسْجُدانِ قال: إنما يريد النجم.
25436ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, عن الحسن, نحوه.
وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: عُنِي بالنجم: ما نجم من الأرض من نبت لعطف الشجر عليه, فكان بأن يكون معناه لذلك: ما قام على ساق وما لا يقوم على ساق يسجدان لله, بمعنى: أنه تسجد له الأشياء كلها المختلفة الهيئات من خلقه أشبه وأولى بمعنى الكلام من غيره. وأما قوله: والشّجَرُ فإن الشجر ما قد وصفت صفته قبل. وبالذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
25437ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: والشّجَرُ يَسْجُدانِ قال: الشجر: كل شيء قام على ساق.
25438ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا يعقوب, عن جعفر, عن سعيد, في قوله: والشّجَرُ قال: الشجر: كلّ شيء قام على ساق.
25439ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, في قوله: والشّجَرُ قال: الشجر: شجر الأرض.
25440ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان والشّجَرُ يَسْجُدانِ قال: الشجر الذي له سُوْق.
وأما قوله يَسْجُدانِ فإنه عُني به سجود ظلهما, كما قال جلّ ثناؤه ولِلّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السّمَوَاتِ والأرْضِ طَوْعا وكَرْها وَظِلالُهُمْ بالغُدّوّ والاَصَالِ. كما:
25441ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا تميم بن عبد المؤمن, عن زبرقان, عن أبي رزين وسعيد والنّجْمُ والشّجَرُ يَسْجُدانِ قالا: ظلهما سجودهما.
25442ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا محمد بن مروان, قال: حدثنا أبو العوام, عن قتادة والنّجْمُ والشّجَرُ يَسْجُدَانِ ما نَزّل من السماء شيئا من خلقه إلاّ عَبّده له طوعا وكرها.
25443ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, عن الحسن, وهو قول قتادة.
25444ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قوله: والنّجْمُ والشّجَرُ يَسْجُدانِ قال: يسجد بكرة وعشيا. وقيل والنّجْمُ والشّجَرُ يَسْجُدانِ فثنى وهو خبر عن جمعين.
وقد زعم الفراء أن العرب إذا جمعت الجمعين من غير الناس مثل السدر والنخل, جعلوا فعلهما واحدا, فيقولون الشاء والنعم قد أقبل, والنخل والسدر قد ارتوى, قال: وهذا أكثر كلامهم, وتثنيته جائزة.
وقوله: والسّماءَ رَفَعَها يقول تعالى ذكره: والسماء رفعها فوق الأرض.
وقوله: وَوَضَعَ المِيزَانَ يقول: ووضع العدل بين خلقه في الأرض. وذُكر أن ذلك في قراءة عبد الله «وخَفَضَ المِيزَانَ» والخفض والوضع: متقاربا المعنى في كلام العرب. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
25445ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله: وَوَضَعَ المِيزَانَ قال: العدل.
وقوله: ألاّ تَطْغَوْا فِي المِيزَانِ يقول تعالى ذكره: ألا تظلموا وتبخَسُوا في الوزن. كما:
25446ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ألاّ تَطْغَوْا في المِيزَانِ اعدل يا ابن آدم كما تحبّ أن يعدل عليك, وأوف كما تحبّ أن يُوَفى لك, فإن بالعدل صلاح الناس.
وكان ابن عباس يقول: يا معشر المَوالِي, إنكم قد وليتم أمرين, بهما هلك من كان قبلكم, هذا المكيال والميزان.
25447ـ حدثنا عمرو بن عبد الحميد, قال: حدثنا مروان بن معاوية, عن مغيرة, عن مسلم, عن أبي المغيرة, قال: سمعت ابن عباس يقول في سُوق المدينة: يا معشر الموالي, إنكم قد بُليتم بأمرين أهلك فيهما أمتان من الأمم: المِكْيال, والمِيزان.
25448ـ قال: ثنا مروان, عن مغيرة, قال: رأى ابن عباس رجلاً يزن قد أرجح, فقال: أقم اللسان, أقم اللسان, أليس قد قال الله: وأقِيمُوا الْوَزْنَ بالقِسْط وَلا تُخْسِرُوا المِيزَانَ.
وقوله: وأقِيمُوا الوَزْنَ بالقِسْطِ يقول: وأقيموا لسان الميزان بالعدل.
وقوله: وَلا تُخْسِرُوا المِيزَانَ يقول تعالى ذكره: ولا نتقصوا الوزن إذا وزنتم للناس وتظلموهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
25449ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا محمد بن مروان, قال: حدثنا أبو العوّام, عن قتادة والسّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ المِيزَانَ ألاّ تَطْغَوْا فِي المِيزَانِ وأقِيمُوا الوَزْنَ بالقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا المِيزَانَ قال قتادة قال ابن عباس: يا معشر الموالي إنكم وليتم أمرين بهما هلك من كان قبلكم, اتقى الله رجل عند مِيزانه, اتقى الله رجل عند مكياله, فإنما يعدله شيء يسير, ولا ينقصه ذلك, بل يزيده الله إن شاء الله.
25450ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: وأقِيمُوا الوَزْنَ بالقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا المِيزَانَ قال: نقصه, إذا نقصه فقد خَسّره تخسيره نقصه.
الآية : 10-12
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَالأرْضَ وَضَعَهَا لِلأنَامِ * فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنّخْلُ ذَاتُ الأكْمَامِ * وَالْحَبّ ذُو الْعَصْفِ وَالرّيْحَانُ }.
يقول تعالى ذكره: وَالأَرْضَ وَضَعَها لِلاْءَنَامِ والأرض وَطّأها وهم الأنام. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
25451ـ حدثنا عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: للأَنامِ يقول: للخلق.
25452ـ حدثني محمد بن سعد, ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: والأرْضَ وَضَعَها للأَنامِ قال: كلّ شيء فيه الروح.
25453ـ حدثني يعقوب, قال: حدثنا ابن عُلَية, قال: أخبرنا أبو رجاء, عن الحسن, في قوله: والأرْضَ وَضَعَها للأَنامِ قال: للخلق الجنّ والإنس.
25454ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله: للأَنامِ قال: للخلائق.
25455ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة للأَنامِ قال: للخلق.
25456ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: وَضَعَها للأَنامِ قال: الأنام: الخلق.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا محمد بن مروان, قال: حدثنا أبو العوّام, عن قتادة والأرْضَ وَضَعَها للأَنامِ قال: للخلق.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, مثله.
وقوله: فِيها فاكِهَةٌ والنّخْلُ ذَاتُ الأكمَامِ يقول تعالى ذكره: في الأرض فاكهة, والهاء والألف فيها من ذكر الأرض. والنّخْلُ ذَاتُ الأكمامِ والأكمام: جمع كمّ, وهو ما تكممت فيه.
واختلف أهل التأويل في معنى ذلك, فقال بعضهم: عنى بذلك تكمم النخل في الليف. ذكر من قال ذلك:
25457ـ حدثني يعقوب, قال: حدثنا ابن علية, عن أبي رجاء, قال: سألت الحسن, عن قوله: والنّخْلُ ذَاتُ الأكمامِ فقال: سَعَفة من ليف عُصِبَتْ بها.
25458ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة والحسن ذَاتُ الأكمامِ أكمامها: ليفها.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة والنّخْلُ ذَاتُ الأكمامِ: الليف الذي يكون عليها.
وقال آخرون: يعني بالأكمام: الرّفَات. ذكر من قال ذلك:
25459ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا محمد بن مروان, قال: حدثنا أبو العوّام, عن قتادة وَالنّخْلُ ذَاتُ الأكمامِ قال: أكمامها رُفاتها.
وقال آخرون: بل معنى الكلام: والنخل ذات الطلع المتكمم في كمامه. ذكر من قال ذلك:
25460ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد في قوله: والنّخْلُ ذَاتُ الأكمامِ وقيل له: هو الطلع, قال: نعم, وهو في كم منه حتى ينفتق عنه قال: والحبّ أيضا في أكمام. وقرأ وَما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أكمامِها.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله وصف النخل بأنها ذات أكمام, وهي متكممة في ليفها, وطلعها متكمم في جُفّهِ, ولم يخصص الله الخبر عنها بتكممها في ليفها ولا تكمم طلعها في جفه, بل عمّ الخبر عنها بأنها ذات أكمام.
والصواب أن يقال: عني بذلك ذان ليف, وهي به مُتَكَممة وذات طَلْع هو في جُفّه متكَمّم فيُعَمّم, كما عَمّ جلّ ثناؤه.
وقوله: والحَبّ ذُو العَصْفِ والرّيحانِ يقول تعالى ذكره: وفيها الحبّ, وهو حبّ البُرّ والشعير ذو الورق, والتبن: هو العَصْف, وإياه عنى علقمة بن عَبَدَة:
تَسْقِي مَذَانِبَ قَدْ مالَتْ عَصِيفَتُهاحَدُورَها مِنْ أتِيّ المَاء مَطْمومُ
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
25461ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: والحَبّ ذُو العَصْفِ والرّيْحانُ يقول: التبن.
25462ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: والحَبّ ذُو العَصْفِ والرّيْحانُ قال: العصف: ورق الزرع الأخضر الذي قطع رؤوسه فهو يسمى العصف إذا يبس.
25463ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا يعقوب, عن جعفر, عن سعيد والحَبّ ذُو العَصْفِ البقل من الزرع.
25464ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: والحَبّ ذُو العَصْفِ وعصفه تبنه.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, قال: العصف: التبن.
25465ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن الضحاك والحَبّ ذِو العَصْفِ قال: الحبّ البرّ والشعير, والعصف: التّبن.
25466ـ حدثنا سعيد بن يحيى, قال: حدثنا عبد الله بن المبارك الخُراسانيّ, عن إسماعيل بن أبي خالد, عن أبي مالك قوله: والحَبّ ذُو العَصْفِ والرّيْحانُ قال: الحبّ أوّل ما ينبت.
25467ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا روقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قوله: والحَبّ ذُو العَصْفِ والرّيْحانُ قال: العصف: الورق من كل شيء. قال: يقال للزرع إذا قُطع: عصافة, وكلّ ورق فهو عصافة.
حدثنا الحسن بن عرفة, قال: ثني يونس بن محمد, قال: حدثنا عبد الواحد, قال: حدثنا أبو روق عطية بن الحارث, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: والحَبّ ذُو العَصْفِ قال: العصف: التبن.
25468ـ حدثنا سليمان بن عبد الجبار, قال: حدثنا محمد بن الصلت, قال: حدثنا أبو كُدَينة, عن عطاء, عن سعيد, عن ابن عباس ذُو العَصْفِ قال: العصف: الزرع.
وقال بعضهم: العصف: هو الحبّ من البرّ والشعير بعينه. ذكر من قال ذلك:
25469ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: والحَبّ ذُو العَصْفِ والرّيْحانُ أما العصف: فهو البرّ والشعير.
وأما قوله: والرّيْحانُ فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله, فقال بعضهم: هو الرزق. ذكر من قال ذلك:
25470ـ حدثني زيد بن أخزم الطائي, قال: حدثنا عامر بن مدرك, قال: حدثنا عتبة بن يقظان, عن عكرِمة, عن ابن عباس, قال: كلّ ريحان في القرآن فهو رزق.
25471ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد والرّيْحانُ قال: الرزق.
25472ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن الضحاك والرّيْحانُ: الرزق, ومنهم من يقول: ريحاننا.
25473ـ حدثني سليمان بن عبد الجبار, قال: حدثنا محمد بن الصلت, قال: حدثنا أبو كدينة, عن عطاء, عن سعيد بن جُبير, عن ابن عباس والرّيْحانُ قال: الريح.
حدثنا الحسن بن عرفة, قال: ثني يونس بن محمد, قال: حدثنا عبد الواحد, قال: حدثنا أبو روق عطية بن الحارث, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وَالرّيْحانُ قال: الرزق والطعام.
وقال آخرون: هو الريحان الذي يشمّ. ذكر من قال ذلك:
25474ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قال: الرّيْحانُ ما تنبت الأرض من الريحان.
25475ـ حدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: والرّيْحانُ أما الريحان: فما أنبتت الأرض من ريحان.
25476ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, عن الحسن والرّيْحانُ قال: ريحانكم هذا.
25477ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: والرّيْحانُ: الرياحين التي توجد ريحها.
وقال آخرون: هو خُضرة الزرع. ذكر من قال ذلك:
25478ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: والرّيْحانُ يقول: خُضرة الزرع.
وقال آخرون: هو ما قام على ساق. ذكر من قال ذلك:
25479ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا يعقوب, عن جعفر, عن سعيد, قال: الرّيْحانُ ما قام على ساق.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: عُنِي به الرزق, وهو الحبّ الذي يؤكل منه.
وإنما قلنا ذلك أولى الأقوال في ذلك بالصواب, لأن الله جلّ ثناؤه أخبر عن الحبّ أنه ذو العصف, وذلك ما وصفنا من الورق الحادث منه, والتبن إذا يبس, فالذي هو أولى بالريحان, أن يكون حبه الحادث منه, إذ كان من جنس الشيء الذي منه العصف, ومسموع من العرب تقول: خرجنا نطلب رَيْحان الله ورزقه, ويقال: سبحانَك وريحانَك: أي ورزقك, ومنه قول النْمر بن تَوْلب:
سَلامُ الإلهِ وَرَيْحانُهُوجَنّتُهُ وسَماءٌ دِرَرْ
وذُكر عن بعضهم أنه كان يقول: العصف: المأكول من الحبّ والريحان: الصحيح الذي لم يؤكل.
واختلفت القراء في قراءة قوله: والرّيْحانُ فقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة والبصرة وبعض المكيين وبعض الكوفيين بالرفع عطفا به على الحبّ, بمعنى: وفيها الحبّ ذو العصف, وفيها الريحان أيضا. وقرأ ذلك عامة قراء الكوفيين «والرّيْحانِ» بالخفض عطفا به على العصف, بمعنى: والحبّ ذو العصف وذو الريحان.
وأولى القراءتين في ذلك بالصواب: قراءة من قرأه بالخفص للعلة التي بينت في تأويله, وأنه بمعنى الرزق. وأما الذين قرأوه رفعا, فإنهم وجّهوا تأويله فيما أرى إلى أنه الريحان الذي يشمّ, فلذلك اختاروا الرفع فيه وكونه خفضا بمعنى: وفيها الحبّ ذو الورق والتبن, وذو الرزق المطعوم أولى وأحسن لما قد بيّناه قبل.
الآية : 13-16
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {فَبِأَيّ آلآءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَالْفَخّارِ * وَخَلَقَ الْجَآنّ مِن مّارِجٍ مّن نّارٍ * فَبِأَيّ آلآءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ }.
يعني تعالى ذكره بقوله: فَبِأيّ آلاءِ رَبّكُما تُكَذّبانِ: فبأيّ نِعَم ربكما معشر الجنّ والإنس من هذه النعم تكذّبان. كما:
25480ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سهل السراج, عن الحسن فَبِأيّ آلاءِ رَبّكُما تُكَذّبانِ فبأيّ نعمة ربكما تكذّبان.
25481ـ قال عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن الأعمش, عن مجاهد, عن ابن عباس, في قوله: فَبِأيّ آلاءِ رَبّكُما تُكَذّبانِ قال: لا بأيتها يا ربّ.
25482ـ حدثنا محمد بن عباد بن موسى وعمرو بن مالك النضري, قالا: حدثنا يحيى بن سليمان الطائفي, عن إسماعيل بن أمية, عن نافع, عن ابن عمر, قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ سورة الرحمن, أو قُرئت عنده, فقال: «ما لِي أسْمَعُ الجِنّ أحْسَنَ جَوَابا لِرَبّها مِنْكُمْ؟» قالوا: ماذا يا رسول الله؟ قال: «ما أتَيْتُ على قَوْلِ اللّهِ: فَبِأيّ آلاءِ رَبّكُما تكَذّبانِ؟ إلاّ قالَتِ الجِنّ»: لا بِشَيْءٍ مِنْ نِعْمَةِ رَبّنا نُكَذّبُ».
25483ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: فَبِأيّ آلاءِ رَبّكُما تُكَذّبانِ يقول: فبأيّ نعمة الله تكذّبان.
25484ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة فَبِأيّ آلاءِ رَبّكُما تُكَذّبانِ يقول للجنّ والإنس: بأيّ نِعم الله تكذّبان.
حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن الأعمش وغيره, عن مجاهد, عن ابن عباس أنه كان إذا قرأ فَبِأيّ آلاءِ رَبّكُما تُكَذّبانِ قال: لا بأيتها ربنا.
25485ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد في قوله: فَبِأيّ آلاءِ رَبّكُما تُكَذّبانِ قال: الاَلاء: القدرة, فبأيّ آلائه تكذّب خلقكم كذا وكذا, فبأيّ قُدرة الله تكذّبان أيها الثّقَلان, الجنّ والإنس.
فإن قال لنا قائل: وكيف قيل: فَبِأيّ آلاءِ رَبّكُما تُكَذّبانِ فخاطب اثنين, وإنما ذكر في أوّل الكلام واحد, وهو الإنسان؟ قيل: عاد بالخطاب في قوله: فَبِأيّ آلاءِ رَبّكُما تُكَذّبانِ إلى الإنسان والجانّ, ويدلّ على أن ذلك كذلك ما بعد هذا من الكلام, وهو قوله: خَلَقَ الإنْسانَ مِنْ صَلْصَالٍ كالفَخّارِ وَخَلَقَ الجانّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ. وقد قيل: إنما جعل الكلام خطابا لاثنين, وقد ابتدىء الخبر عن واحد, لما قد جرى من فعل العرب, تفعل ذلك وهو أن يخاطبوا الواحد بفعل الاثنين, فيقولون: خلياها يا غلام, وما أشبه ذلك مما قد بيّناه من كتابنا هذا في غير موضع.
وقوله: خَلَقَ الإنْسانَ مِنْ صَلْصَالٍ كالفَخّارِ يقول تعالى ذكره: خلق الله الإنسان وهو آدم من صلصال: وهو الطين اليابس الذي لم يطبخ, فإنه من يبسه له صلصلة إذا حرّك ونقر كالفخار يعني أنه من يُبسه وإن لم يكن مطبوخا, كالذي قد طُبخ بالنار, فهو يصلصل كما يصلصل الفخار, والفخار: هو الذي قد طُبخ من الطين بالنار. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
25486ـ حدثني عبيد الله بن يوسف الجبيريّ, قال: حدثنا محمد بن كثير, قال: حدثنا مسلم, يعني الملائيّ, عن مجاهد, عن ابن عباس, قوله: مِنْ صَلْصَالٍ كالفَخّارِ قال: هو من الطين الذي إذا مطرت السماء فيبست الأرض كأنه خزف رقاق.
25487ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا عثمان بن سعيد, قال: حدثنا بشر بن عمارة, عن أبي روق, عن الضحاك, عن ابن عباس, قال: خلق الله آدم من طين لازب, واللازب: اللّزِج الطيب من بعد حمأ مسنون مُنْتن. قال: وإنما كان حَمَأً مسنونا بعد التراب, قال: فخلق منه آدم بيده, قال: فمكث أربعين ليلة جسدا ملقًى, فكان إبليس يأتيه فيضربه برجله, فيصلصل فيصوّت, قال: فهو قول الله تعالى: كالفَخّارِ يقول: كالشيء المنفرج الذي ليس بمصمت.
25488ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا محمد بن سعيد وعبد الرحمن, قالا: حدثنا سفيان, عن الأعمش, عن مسلم البطين, عن سعيد بن جُبَير, عن ابن عباس قال: الصلصال: التراب المدقق.
حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قال: الصّلصال: التراب المدقّق.
حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: خَلَقَ الإنْسانَ مِنْ صَلْصَالٍ كالفَخّارِ يقول: الطين اليابس.
25489ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا أبو الأحوص, عن سماك, عن عكرِمة, في قوله: مِنْ صَلْصَالٍ كالفَخّارِ قال: الصلصال: طين خُلط برمل فكان كالفخار.
25490ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: مِنْ صَلْصَالٍ كالفَخّارِ والصلصال: التراب اليابس الذي يُسمع له صلصلة فهو كالفخار, كما قال الله عزّ وجلّ.
25491ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله: مِنْ صَلْصَالٍ كالفَخّارِ قال: من طين له صلصلة كان يابسا, ثم خلق الإنسان منه.
25492ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: مِنْ صَلْصَالٍ كالفَخّارِ قال: يبس آدم في الطين في الجنة, حتى صار كالصلصال, وهو الفخار, والحمأ المسنون: المنتن الريح.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا محمد بن مروان, قال: حدثنا أبو العوّام, عن قتادة خَلَقَ الإنْسانَ مِنْ صَلْصَالٍ كالفَخّارِ قال: من تراب يابس له صلصلة.
25493ـ قال: ثنا أبو عاصم, قال: حدثنا شبيب, عن عكرِمة, عن ابن عباس خَلَقَ الإنْسانَ مِنْ صَلْصَالٍ كالفَخّارِ قال: ما عُصِر, فخرج من بين الأصابع, ولو وجّه موجّه قوله: صلصال إلى أنه فعلال من قولهم صلّ اللحم: إذا أنتن وتغيرت ريحه, كما قيل من صرّ الباب صرصر, وكبكب من كَبّ, كان وجها ومذهبا.
وقوله: وَخَلَقَ الجانّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ يقول تعالى ذكره: وخلق الجانّ من مارج من نار, وهو ما اختلط بعضه ببعض, من بين أحمر وأصفر وأخضر, من قولهم: مَرِج أمر القوم: إذا اختلط, ومن قول النبيّ صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو: «كَيْفَ بِكَ إذَا كُنْتَ فِي حُثالَةٍ مِنَ النّاسِ قَدْ مَرِجَتْ عُهُودُهُمْ وأماناتُهُمْ» وَذلكَ هُوَ لَهَبُ النّارِ وَلِسانُهُ.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
25494ـ حدثنا عبد الله بن يوسف الجبيريّ أبو حفص, قال: حدثنا محمد بن كثير, قال: حدثنا مسلم, عن مجاهد, عن ابن عباس, في قوله: مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ قال: من أوسطها وأحسنها.
حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: وَخَلَقَ الجانّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ يقول: خلقه من لهب النار من أحسن النار.
حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ يقول: خالص النار.
25495ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا عثمان بن سعيد, قال: حدثنا بشر بن عمارة, عن أبي روق, عن الضحاك عن ابن عباس, قال: خلقت الجنّ الذين ذكروا في القرآن من مارج من نار, وهو لسان النار الذي يكون في طرفها إذا ألهبت.
25496ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا أبو الأحوص, عن سماك, عن عكرِمة, في قوله: مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ قال: من أحسن النار.
25497ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله: مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ قال: اللهب الأصفر والأخضر الذي يعلو النار إذا أوقدت.
وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد مثله, إلاّ أنه قال: والأحمر.
25498ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن منصور, عن مجاهد وَخَلَقَ الجانّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ قال: هو اللّهب المنقطع الأحمر.
25499ـ قال: ثنا مهران, عن سفيان, عن الضحاك, في قوله: وَخَلَقَ الجانّ مِنْ مارجٍ مِنْ نارٍ قال: أحسن النار.
25500ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ قال: من لهب النار.
25501ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَخَلَقَ الجانّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ: أي من لهب النار.
25502ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن الحسن, في قوله: مِنْ مارِجٍ مِنْ نار قال: من لهب النار.
25503ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: وَخَلَقَ الجانّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ قال: المارج: اللهب.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا محمد بن مروان, قال: حدثنا أبو العوّام, عن قتادة وَخَلَقَ الجانّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ قال: من لهب من نار.
وقوله: فَبِأيّ آلاءِ رَبّكُما تُكَذّبان يقول تعالى ذكره فبأيّ نعمة ربكما معشر الثقلين من هذه النعم تكذّبان؟