تفسير الطبري تفسير الصفحة 532 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 532
533
531
 الآية : 17-21
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {رَبّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبّ الْمَغْرِبَيْنِ * فَبِأَيّ آلآءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ * مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاّ يَبْغِيَانِ * فَبِأَيّ آلآءِ رَبّكُمَا تِكَذّبَانِ }.
يقول تعالى ذكره: ذلكم أيها الثقلان رَبّ المَشْرِقَينِ يعني بالمشرقين: مشرق الشمس في الشتاء, ومشرقها في الصيف.
وقوله: وَرَبّ المَغْرِبَينِ يعني: وربّ مغرب الشمس في الشتاء, ومغربها في الصيف. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
25504ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا يعقوب القمي, عن جعفر, عن ابن أبزى, قوله: رَبّ المَشْرقَينِ وَرَبّ المَغْرِبَينِ قال: مشارق الصيف ومغارب الصيف, مشرقان تجري فيهما الشمس ستون وثلاث مئة في ستين وثلاث مئة بُرْج, لكلّ برج مطلع, لا تطلع يومين من مكان واحد. وفي المغرب ستون وثلاث مئة برج, لكل برج مغيب, لا تغيب يومين في برج.
25505ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: رَبّ المَشْرِقَينِ وَرَبّ المَغْرِبَينِ قال: مشرق الشتاء ومغربه, ومشرق الصيف ومغربه.
25506ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: رَبّ المَشْرِقَينِ وَرَبّ المَغْرِبَينِ فمشرقها في الشتاء, ومشرقها في الصيف.
25507ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا محمد بن مروان, قال: حدثنا أبو العوّام, عن قتادة قوله: رَبّ المَشْرِقَينِ وَرَبّ المَغْرِبَينِ قال: مشرق الشتاء ومغربه, ومشرق الصيف ومغربه.
25508ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: رَبّ المَشْرِقَينِ وَرَبّ المَغْرِبَينِ قال: أقصر مشرق في السنة, وأطول مشرق في السنة وأقصر مغرب في السنة, وأطول مغرب في السنة.
وقوله: فَبِأيّ آلاءِ رَبّكُما تُكَذّبانِ يقول: فبأيّ نعم ربكما معشر الجنّ والإنس من هذه النعم التي أنعم بها عليكم من تسخيره الشمس لكم في هذين المشرقين والمغربين تجري لكما دائبة بمرافقكما, ومصالح دنياكما ومعايشكما تكذبان.
وقوله: مَرَجَ البَحْرَيْن يَلْتَقِيانِ يقول تعالى ذكره: مرج ربّ المشرقين وربّ المغربين البحرين يلتقيان, يعني بقوله: مَرَجَ: أرسل وخلى, من قولهم: مرج فلان دابته: إذا خلاها وتركها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
25509ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: مَرَجَ البَحْرَين يقول: أرسل.
واختلف أهل العلم في البحرين اللذين ذكرهما الله جلّ ثناؤه في هذه الاَية, أيّ البحرين هما؟ فقال بعضهم: هما بحران: أحدهما في السماء, والاَخر في الأرض. ذكر من قال ذلك:
25510ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا يعقوب, عن جعفر, عن ابن أبزى مَرَجَ البَحْرَيْن يَلْتَقِيانِ بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ قال: بحر في السماء, وبحر في الأرض.
25511ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا ابن يمان, عن أشعث, عن جعفر عن سعيد, في قوله: مَرَجَ البَحْرَيْن يَلْتَقِيانِ قال: بحر في السماء, وبحر في الأرض.
25512ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, في قوله: مَرَجَ البَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ قال: بحر في السماء والأرض يلتقيان كلّ عام.
وقال آخرون: عنى بذلك بحر فارس وبحر الروم. ذكر من قال ذلك:
25513ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن زياد مولى مصعب, عن الحسن مَرَجَ البَحْرَيْن يَلْتَقِيانِ قال: بحر الروم, وبحر فارس واليمن.
25514ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: مَرَجَ البَحْرَيْن يَلْتَقِيانِ فالبحران: بحر فارس, وبحر الروم.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة مَرَجَ البَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ قال: بحر فارس وبحر الروم.
وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال: عُنِيَ به بحر السماء, وبحر الأرض, وذلك أن الله قال يَخْرُجُ منْهُما اللّؤْلُؤُ وَالمَرْجانُ واللؤلؤ والمرجان إنما يخرج من أصداف بحر الأرض عن قَطْر ماء السماء, فمعلوم أن ذلك بحر الأرض وبحر السماء.
وقوله: بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ يقول تعالى ذكره: بينهما حاجز وبعدٌ, لا يُفسد أحدهما صاحبه فيبغي بذلك عليه, وكل شيء كان بين شيئين فهو برزخ عند العرب, وما بين الدنيا والاَخرة برزخ. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
25515ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا يعقوب, عن جعفر, عن ابن أبزى بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ لا يبغي أحدهما على صاحبه.
25516ـ قال: ثنا يحيى بن واضح, قال: حدثنا فطر, عن مجاهد, قوله: بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغيانِ قال: بينهما حاجز من الله, لا يبغي أحدهما على الاَخر.
25517ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغيانِ يقول: حاجز.
25518ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغيانِ والبرزخ: هذه الجزيرة, هذا اليبَس.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, قال: البرزخ الذي بينهما: الأرض التي بينهما.
25519ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا محمد بن مروان, قال: حدثنا أبو العوّام, عن قتادة بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ قال: حُجِز المالح عن العذب, والعذب عن المالح, والماء عن اليبس, واليبس عن الماء, فلا يبغي بعضه على بعض بقوّته ولطفه وقُدرته.
25520ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: مَرَجَ البَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ قال: منعهما أن يلتقيا بالبرزخ الذي جعل بينهما من الأرض. قال: والبرزخ بعد الأرض الذي جعل بينهما.
واختلف أهل التأويل في معنى قوله: لا يَبْغِيانِ فقال بعضهم: معنى ذلك: لا يبغي أحدهما على صاحبه. ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا يعقوب, عن جعفر, عن ابن أبزى لا يَبْغِيانِ: لا يبغي أحدهما على صاحبه.
قال: ثنا يحيى بن واضح, قال: حدثنا فطر, عن مجاهد, مثله.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا محمد بن مروان, قال: حدثنا أبو العوّام, عن قتادة مثله.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: أنهما لا يختلطان. ذكر من قال ذلك:
25521ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: لا يَبْغِيانِ قال: لا يختلطان.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: لا يبغيان على اليَبَس. ذكر من قال ذلك:
25522ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: لا يَبْغِيانِ على اليبس, وما أخذ أحدهما من صاحبه فهو بغي, فحجز أحدهما عن صاحبه بقدرته ولطفه وجلاله تبارك وتعالى.
وقال آخرون: بل معناه: لا يبغيان أن يلتقيا. ذكر من قال ذلك:
25523ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: لا يَبْغِيانِ قال: لا يبغي أحدهما أن يلتقي مع صاحبه.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله وصف البحرين اللذين ذكرهما في هذه الاَية أنهما لا يبغيان, ولم يخصص وصفهما في شيء دون شيء, بل عمّ الخبر عنهما بذلك, فالصواب أن يُعَمّ كما عمّ جلّ ثناؤه, فيقال: إنهما لا يبغيان على شيء, ولا يبغي أحدهما على صاحبه, ولا يتجاوزان حدّ الله الذي حدّه لهما.
وقوله: فَبِأيّ آلاءِ رَبّكُما تُكَذّبانِ يقول تعالى ذكره: فبأيّ نعم الله ربكما معشر الجنّ والإنس تكذّبان من هذه النعم التي أنعم عليكم من مَرْجه البحرين, حتى جعل لكم بذلك حلية تلبسونها كذلك.

الآية : 22-25
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا الّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ * فَبِأَيّ آلاَءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ * وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنشَئَاتُ فِي الْبَحْرِ كَالأعْلاَمِ * فَبِأَيّ آلآءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ }.
يقول تعالى ذكره: يخرج من هذين البحرين اللذين مرجهما الله, وجعل بينهما برزخا اللؤلؤ والمرجان.
واختلف أهل التأويل في صفة اللؤلؤ والمرجان, فقال بعضهم: اللؤلؤ: ما عظم من الدر, والمرجان: ما صغُر منه. ذكر من قال ذلك:
25524ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن جابر, عن مجاهد, عن ابن عباس اللّؤلُؤُ وَالمَرْجانُ قال: اللؤلؤ: العظام.
25525ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: يخْرُجُ مِنْهُما اللّؤْلُؤُ وَالمَرْجانُ أما اللؤلؤ فعظامه, وأما المرجان فصغاره, وإن لله فيهما خزانة دلّ عليها عامة بني آدم, فأخرجوا متاعا ومنفعة وزينة, وبُلغة إلى أجل.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله: يَخْرُجُ مِنْهُما اللّؤْلُؤُ وَالمَرْجانُ قال: اللؤلؤ الكبار من اللؤلؤ, والمرجان: الصغار منه.
25526ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: اللّؤْلُؤُ وَالمَرْجانُ أما المرجان: فاللؤلؤ الصغار, وأما اللؤلؤ: فما عظُم منه.
25527ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, يَخْرُجُ مِنْهُما اللّؤلُؤُ وَالمَرْجانُ قال: اللؤلؤ: ما عظُم منه, والمرجان: اللؤلؤ الصغار.
25528ـ وحدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد: المرجان: هو اللؤلؤ الصغار.
25529ـ وحدثنا عمرو بن سعيد بن بشار القرشي, قال: حدثنا أبو قتيبة, قال: حدثنا عبد الله بن ميسرة الحراني, قال: ثني شيخ بمكة من أهل الشأم, أنه سمع كعب الأحبار يُسأل عن المرجان, فقال: هو البسذ.
قال أبو جعفر: البسذ له شُعَب, وهو أحسن من اللؤلؤ.
وقال آخرون: المرجان من اللؤلؤ: الكبار, واللؤلؤ منها: الصغار. ذكر من قال ذلك:
25530ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن موسى بن أبي عائشة, أو قيس بن وهب, عن مرّة, قالَ: المرجان: اللؤلؤ العظام.
25531ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, حدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد قوله: المرجان, قال: ما عظم من اللؤلؤ.
حدثني محمد بن سنان القزاز, قال: حدثنا الحسين بن الحسن الأشقر, قال: حدثنا زُهير, عن جابر, عن عبد الله بن يحيى, عن عليّ, عن عكرمة, عن ابن عباس, قال: المرجان: عظيم اللؤلؤ.
وقال آخرون: المرجان: جيد اللؤلؤ. ذكر من قال ذلك:
25532ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا شريك, عن موسى بن أبي عائشة, قال: سألت مرّة عن اللؤلؤ والمرجان قال: المرجان: جيد اللؤلؤ.
وقال آخرون: المرجان: حجر. ذكر من قال ذلك:
25533ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن عطاء بن السائب, عن عمرو بن ميمون الأودي عن ابن مسعود اللّؤْلُؤُ وَالمَرْجانُ قال: المرجان حجر.
والصواب من القول في اللؤلؤ, أنه هو الذي عرفه الناس مما يخرج من أصداف البحر من الحبّ وأما المرجان, فإني رأيت أهل المعرفة بكلام العرب لا يتدافعون أنه جمع مرجانة, وأنه الصغار من اللؤلؤ, قد ذكرنا ما فيه من الاختلاف بين متقدمي أهل العلم, والله أعلم بصواب ذلك.
وقد زعم بعض أهل العربية أن اللؤلؤ والمرجان يخرج من أحد البحرين, ولكن قيل: يخرج منهما, كما يقال أكلت: خبزا ولبنا, وكما قيل:
وَرأيْتُ زَوْجَكِ فِي الوَغَىمُتَقَلّدا سَيْفا وَرُمْحا
وليس ذلك كما ذهب إليه, بل ذلك كما وصفت من قبل من أن ذلك يخرج من أصداف البحر, عن قطر السماء, فلذلك قيل: يَخْرُجُ مِنْهُما اللّؤلُؤُ يعني بهما: البحران. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
25534ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن الأعمش, عن عبد الله بن عبد الله الرازي, عن سعيد بن جُبَير, عن ابن عباس, قال: إن السماء إذا أمطرت, فتحت الأصداف أفواهها, فمنها اللؤلؤ.
حدثني محمد بن إسماعيل الأحمسي, قال: حدثنا أبو يحيى الحماني, قال: حدثنا الأعمش, عن عبد الله بن عبد الله, عن سعيد بن جُبير, عن ابن عباس, قال: إذا نزل القطر من السماء تفتّحت الأصداف فكان لؤلؤا.
حدثني عبد الله بن محمد بن عمرو الغزي, قال: حدثنا الفريابي, قال: ذكر سفيان, عن الأعمش, عن عبد الله بن عبد الله, عن سعيد بن جُبير, عن ابن عباس, قال: إن السماء إذا أمطرت تفتحت لها الأصداف, فما وقع فيها من مطر فهو لؤلؤ.
25535ـ حدثنا محمد بن إسماعيل الفزاري, قال: أخبرنا محمد بن سوار, قال: حدثنا محمد بن سليمان الكوخي بن أخي عبد الرحمن بن الأصبهاني, عن عبد الرحمن الأصبهاني, عن عكرِمة, قال: ما نزلت قطرة من السماء في البحر إلاّ كانت بها لؤلؤة أو نبتت بها عنبرة, فيما يحسب الطبري.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: يَخْرُجُ مِنْهُما اللّؤْلُؤُ والمَرْجانُ فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة: «يُخْرَجُ» على وجه ما لم يسمّ فاعله. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة وبعض المكيين بفتح الياء.
والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان, فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب, لتقارب معنييهما.
وقوله: فَبِأَيّ آلاءِ رَبّكُما تُكَذّبانِ يقول تعالى ذكره: فبأيّ نِعم ربكما معشر الثقلين التي أنعم بها عليكم فيما أخرج لكم من نافع هذين البحرين تكذّبان.
وقوله: وَلَهُ الجَوَارِ المُنْشَئاتُ فِي البَحْرِ كالأعْلام يقول تعالى ذكره: ولربّ المشرقين والمغربين الجواري, وهي السفن الجارية في البحار.
وقوله: المُنْشَئاتُ فِي البَحْرِ اختلفت القرّاء في قراءة ذلك, فقرأته عامة قرّاء الكوفة «المُنْشِئاتُ» بكسر الشين, بمعنى: الظاهرات السير اللاتي يقبلن ويدبرن. وقرأ ذلك عامة قرّاء البصرة والمدينة وبعض الكوفيين المُنْشَئاتُ بفتح الشين, بمعن المرفوعات القلاع اللاتي تقبل بهنّ وتدبر.
والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى متقاربتاه, فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب. ذكر من قال في تأويل ذلك ما ذكرناه فيه:
25536ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: المُنْشَئاتُ فِي البَحْرِ قال: ما رفع قلعه من السفن فهي منشئات, وإذا لم يرفع قلعها فليست بمنشأة.
25537ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَلَهُ الجَوَارِ المُنْشَئاتُ فِي البَحْرِ كالأعْلام يعني: السفن.
25538ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: وَلَهُ الجوَارِ المُنْشَئاتُ فِي البَحْرِ كالأعْلامِ يعني السفن.
حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: وَلَهُ الجَوَارِ المُنْشَئاتُ فِي البَحْرِ كالأعْلامِ قال السفن.
وقوله: كالأعْلام يقول: كالجبال, شبّه السفن بالجبال, والعرب تسمي كل جبل طويل علما ومنه قوله جرير:
(إذا قَطَعْنا عَلَما بَدَا عَلَمُ )
وقوله: فَبِأيّ آلاءِ رَبّكُما تُكَذّبان يقول تعالى ذكره: فبأيّ نعم ربكما معشر الجنّ والإنس التي أنعمها عليكم بإجرائه الجواري المنشئات في البحر جارية بمنافعكم تكذّبان.

الآية : 27-30
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَيَبْقَىَ وَجْهُ رَبّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ * فَبِأَيّ آلآءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ * يَسْأَلُهُ مَن فِي السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ كُلّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ * فَبِأَيّ آلآءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ }.
يقول تعالى ذكره: كلّ من على ظهر الأرض من جنّ وإنس فإنه هالك, ويبقى وجه ربك يا محمد ذو الجلال والإكرام وذو الجلال والإكرام من نعت الوجه فلذلك رفع ذو. وقد ذُكر أنها في قراءة عبد الله بالياء «ذي الجَلال والإكْرَام» على أنه من نعت الربّ وصفته.
وقوله: فَبِأيّ آلاءِ رَبّكُما تُكَذّبانِ يقول تعالى ذكره: فبأيّ نِعَم ربكما معشر الثقلين من هذه النعم تكذّبان.
وقوله: يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السّمَواتِ والأرْضِ يقول تعالى ذكره: إليه يَفْزع بمسألة الحاجات كلّ من في السموات والأرض, من مَلَك وإنس وجنّ وغيرهم, لا غنى بأحد منهم عنه. كما:
25539ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السّمَوَاتِ والأرْضِ, كُلّ يَوْم هُوَ فِي شأْنٍ لا يستغني عنه أهل السماء ولا أهل الأرض, يُحْيى حَيا, ويُمِيت ميتا ويربي صغيرا, ويذلّ كبيرا, وهو مَسْأَل حاجات الصالحين, ومنتهى شكواهم, وصريخ الأخيار.
25540ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: يَسْئَلُهُ مَن فِي السّمَوَاتِ والأرضِ, كُلّ يَوْمٍ هُوَ فِي شأنٍ قال: يعني مسألة عباده إياه الرزق والموت والحياة, كلّ يوم هو في ذلك.
وقوله: كُلّ يَومٍ هُوَ فِي شأنِيقول تعالى ذكره من كلّ يوم في شأن خلقه, فيفرج كرب ذي كرب ويرفع قوما ويخفض آخرين, وغير ذلك من شئون خلقه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
25541ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن يونس بن خباب, والأعمش عن مجاهد, عن عبيد بن عمير كُلّ يَومٍ هُوَ فِي شأنٍ قال: يجيب داعيا, ويعطي سائلاً, أو يفكّ عانيا, أو يشفي سقيما.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا سفيان, عن منصور, عن مجاهد, عن عبيد بن عمير في قوله: كُلّ يَومٍ هُوَ فِي شأنٍ قال: يفكّ عانيا, ويشفي سقيما, ويجيب داعيا.
25542ـ وحدثني إسماعيل بن إسرائيل اللاَل, قال: حدثنا أيوب بن سويد, عن سفيان, عن الأعمش, عن مجاهد, في قوله: كُلّ يَومٍ هُوَ فِي شأنٍ قال: من شأنه أن يطعي سائلاً, ويفكّ عانيا, ويجيب داعيا, ويشفي سقيما.
25543ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله: كُلّ يَومٍ هُوَ فِي شأنٍ قال: كلّ يوم هو يجيب داعيا, ويكشف كربا, ويجيب مضطرّا, ويغفر ذنبا.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن الأعمش, عن مجاهد, عن عبيد بن عمير كُلّ يَوْمٍ هُوَ فِي شأْنٍ يجيب داعيا, ويعطى سائلاً, ويفكّ عانيا, ويتوب على قوم ويغفر.
25544ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا مروان, قال: حدثنا أبو العوّام, عن قتادة يَسْئَلَهُ مَنْ فِي السّمَواتِ والأرْضِ كُلّ يَوْمٍ هُوَ فِي شأْنٍ قال: يخلق مخلقا, ويميت ميتا, ويحدث أمرا.
25545ـ حدثني عبد الله بن محمد بن عمرو الغزي, قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن يوسف الفريابي, قال: حدثنا عمرو بن بكر السكسكي, قال: حدثنا الحارث بن عبدة بن رباح الغساني, عن أبيه عبدة بن رباح, عن منيب بن عبد الله الأزدي, عن أبيه قال: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الاَية: كُلّ يَوْمٍ هُوَ فِي شأْنٍ فقلنا: يا رسول الله, وماذلك الشأن؟ قال: «يَغْفِرُ ذَنْبا, ويُفَرّجُ كَرْبا, ويَرْفَعُ أقْوَاما, وَيَضَعُ آخَرِينَ».
25546ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا عبيد الله بن موسى, عن أبي حمزة الثمالي, عن سعيد بن جُبير, عن ابن عباس: إن الله خلق لوحا محفوظا من درّة بيضاء, دفناه ياقوتة حمراء, قلمه نور, وكتابه نور, عرضه ما بين السماء والأرض, ينظر فيه كلّ يوم ثلاث مئة وستين نظرة, يخلق بكل نظرة, ويُحيي ويميت, ويُعزّ ويُذلّ, ويفعل ما يشاء.
وقوله: فَبِأيّ آلاءِ رَبّكُما تُكَذّبانِ يقول تعالى ذكره: فبأيّ نِعَم ربكما معشر الجنّ والإنس التي أنعم عليكم من صرفه إياكم في مصالحكم, وما هو أعلم به منكم من تقليبه إياكم فيما هو أنفع لكم تكذبان.

الآية : 31-34
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيّهَا الثّقَلاَنِ * فَبِأَيّ آلآءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ * يَمَعْشَرَ الْجِنّ وَالإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُواْ مِنْ أَقْطَارِ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ فَانفُذُواْ لاَ تَنفُذُونَ إِلاّ بِسُلْطَانٍ * فَبِأَيّ آلآءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ }.
اختلفت القرّاء في قراءة قوله: سَنَفْرُغُ لَكُم أيّها الثّقَلانِ فقرأته قرّاء المدينة والبصرة وبعض المكيين سَنَفْرُغُ لَكُمْ بالنون. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة «سَيَفْرُغُ لَكُمْ» بالياء وفتحها ردّا على قوله: يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السّمَوَاتِ والأرْضِ ولم يقل: يسألنا من في السموات, فأتبعوا الخبر الخبر.
والصواب من القول في ذلك عندنا أنهما قراءتان معروفتان متقاربتا المعنى, فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب.
وأما تأويله: فإنه وعيد من الله لعباده وتهدّد, كقول القائل الذي يتهدّد غيره ويتوعده, ولا شغل له يشغله عن عقابه, لأتفرغنّ لك, وسأتفرّغ لك, بمعنى: سأجدّ في أمرك وأعاقبك, وقد يقول القائل للذي لا شغل له, قد فرغت لي, وقد فرغت لشتمي: أي أخذت فيه وأقبلت عليه, وكذلك قوله جلّ ثناؤه: سَنَفْرُغُ لَكُمْ سنحاسبكم, ونأخذ في أمركم أيها الإنس والجنّ, فنعاقب أهل المعاصي, ونثيب أهل الطاعة. وبنحو الذي قلنا في ذلك, قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
25547ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: سَنَفْرُغُ لَكُمْ أيّها الثّقَلانِ قال: وَعيد من الله للعباد, وليس بالله شغل, وهو فارغ.
25548ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة أنه تلا سَنَفْرُغُ لَكُمْ أيّها الثّقَلانِ قال: دنا من الله فراغ لخلقه.
25549ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن جُويبر, عن الضحاك سَنَفْرُغُ لَكُمْ أيّها الثّقَلانِ قال: وعيد, وقد يُحتمل أن يوجه معنى ذلك إلى: سنفرُغ لكم من وعدناكم ما وعدناكم من الثواب والعقاب.
وقوله: فَبِأيّ آلاءِ رَبّكُما تُكَذّبانِ: فبأيّ نعم ربكما معشر الثقلين التي أنعمها عليكم, من ثوابه أهل طاعته, وعقابه أهل معصيته تكذّبان؟.
وقوله: يا مَعْشَرَ الجِنّ والإنْسِ إنِ اسْتَطَعْتُمْ أنْ تَنْفُذُوا مِنْ أقْطارِ السّمَوَاتِ والأرْضِ فانْفُذُوا اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: إنِ اسْتَطَعْتُمْ أنْ تَنْفُذُوا فقال بعضهم: معنى ذلك: إن استطعتم أن تجوزوا أطراف السموات والأرض, فتعجزوا ربكم حتى لا يقدر عليكم, فجوزوا ذلك, فإنكم لا تجوزونه إلا بسلطان من ربكم, قالوا: وإنما هذا قول يقال لهم يوم القيامة. قالوا: ومعنى الكلام: سنفرغ لكم أيها الثقلان, فيقال لهم: يَا مَعْشَرَ الجِنّ وَالإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أنْ تَنْفُذُوا مِنْ أقْطَار السّمَواتِ وَالأَرْضِ فَانْفُذُوا. ذكر من قال ذلك:
25550ـ حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقيّ, قال: حدثنا أبو أسامة, عن الأجلح, قال: سمعت الضحاك بن مزاحم, قال: «إذا كان يوم القيامة أمر الله السماء الدنيا فتشقّقت بأهلها, ونزل من فيها من الملائكة, فأحاطوا بالأرض ومن عليها بالثانية, ثم بالثالثة, ثم بالرابعة, ثم بالخامسة, ثم بالسادسة, ثم بالسابعة, فصفوا صفا دون صف, ثم ينزل الملك الأعلى على مجنّبته اليسرى جهنم, فإذا رآها أهل الأرض ندّوا, فلا يأتون قطرا من أقطار الأرض إلا وجدوا سبعة صفوف من الملائكة, فيرجعون إلى المكان الذي كانوا فيه فذلك قول الله: إنّي أخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التّنادِ, يَوْمَ تُوَلّونَ مُدْبِرِينَ, وذلك قوله: وَجاءَ رَبّكَ وَالمَلَكُ صَفّا صَفّا, وجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنّمَ, وقوله: يا مَعْشَرَ الجِنّ والإنْسِ إنِ اسْتَطَعْتُمْ أنْ تَنْفُذُوا مِنْ أقْطارِ السّمَوَاتِ والأرْضِ فانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إلاّ بسُلْطانٍ, وذلك قوله: وَانْشَقّتِ السّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ والمَلَكُ على أرْجائها.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض, فانفدوا هاربين من الموت, فإن الموت مُدرككم, ولا ينفعكم هربكم منه. ذكر من قال ذلك:
25551ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول: يا مَعْشَرَ الجِنّ والإنْسِ... الاَية, يعني بذلك أنه لا يجيرهم أحد من الموت, وأنهم ميتون لا يستطيعون فرارا منه, ولا محيصا, لو نفذوا أقطار السموات والأرض كانوا في سُلطان الله, ولأخذهم الله بالموت.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: إن استطعتم أن تعلموا ما في السموات والأرض فاعلموا. ذكر من قال ذلك:
25552ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني أبي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, في قوله: يا مَعَشَرَ الجِنّ والإنْسِ إنِ اسْتَطَعْتُم أن تَنْفُذُوا مِن أقْطارِ السّمَوَاتِ والأرْضِ فانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إلاّ بسُلْطانٍ يقول: إن استطعتم أن تعلموا ما في السموات والأرض فاعلموه, لن تعلموه إلا بسلطان, يعني البينة من الله جلّ ثناؤه.
وقال آخرون: معنى قوله: لا تَنْفُذُونَ لا تخرجون من سلطاني. ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: لا تَنْفُذُونَ إلاّ بسُلْطانٍ يقول: لا تخرجون من سلطاني.
وأما الأقطار فهي جمع قُطْر, وهي الأطراف. كما:
25553ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان إنِ اسْتَطَعْتُمْ أنْ تَنْفُذُوا مِنْ أقْطارِ السّمَوَاتِ والأرْضِ قال: من أطرافها.
وقوله جلّ ثناؤه: وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أقْطارِها يقول: من أطرافها.
وأما قوله: إلاّ بسُلْطانٍ فإن أهل التأويل اختلفوا في معناه, فقال بعضهم: معناه: إلا بينة وقد ذكرنا ذلك قبل.
وقال آخرون: معناه: إلا بحجة. ذكر من قال ذلك:
25554ـ حدثنا ابن حُميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن رجل, عن عِكرمة لا تَنْفُذُونَ إلاّ بسُلْطانٍ قال: كلّ شيء في القرآن سلطان فهو حجة.
25555ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله: بسُلْطانٍ قال: بحجة.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: إلا بملك وليس لكم ملك. ذكر من قال ذلك:
25556ـ حدثنا محمد بن بشار, قال: حدثنا محمد بن مروان, قال: حدثنا أبو العوّام, عن قتادة فانْفُذُوا لا تَنْفُذُون إلاّ بسُلْطانٍ قال: لا تنفذون إلا بملك وليس لكم ملك.
25557ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة لا تَنْفُذُونَ إلاّ بِسُلْطانٍ قال: إلا بسلطان من الله, إلا بملكة منه.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة لا تَنْفُذُونَ إلاّ بسُلْطانٍ يقول إلا بملكة من الله.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: معنى ذلك: إلا بحجة وبينة, لأن ذلك هو معنى السلطان في كلام العرب, وقد يدخل الملك في ذلك, لأن الملك حجة.
وقوله: فَبِأيّ آلاءِ رَبّكُما تُكَذّبانِ يقول تعالى ذكره: فبأيّ نعم ربكما تكذّبنان معشر الثقلين التي أنعمت عليكم, من التسوية بين جميعكم, لا يقدرون على خلاف أمر أراده بكم تكذّبان.
الآية : 35-38
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مّن نّارٍ وَنُحَاسٌ فَلاَ تَنتَصِرَانِ * فَبِأَيّ آلآءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ * فَإِذَا انشَقّتِ السّمَآءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدّهَانِ * فَبِأَيّ آلآءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ }. يقول تعالى ذكره: يُرْسَلُ عَليكُمَا أيها الثقلان يوم القيامة شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وهو لهبها من حيث تشتعل وتؤجّج بغير دخان كان فيه ومنه قول رُؤْبة بن العجّاج:
إنّ لَهُمْ مِنْ وَقْعِنا أقْياظاونارُ حَرْب تُسْعِرُ الشّوَاظا
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
25558ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: شُوَاظٌ مِنْ نارٍ يقول: لَهَب النار.
حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُوَاظٌ مِنْ نارٍ يقول: لهب النار.
25559ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: شُوَاظٌ مِنْ نارٍ قال: لهب النار.
25560ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا أبو أحمد الزّبيري, قال: حدثنا سفيان, عن منصور, عن مجاهد يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُوَاظٌ مِنْ نارٍ قال: اللهب المتقطع.
25561ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا حكام, قال: حدثنا عمرو, عن منصور, عن مجاهد يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُوَاظٌ مِنْ نارٍ قال: الشّواظ: الأخضر المتقطع من النار.
قال: ثنا جرير, عن منصور, عن مجاهد في قوله يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُوَاظٌ مِنْ نارٍ قال الشّواظ: هذا اللهب الأخضر المتقطع من النار.
25562ـ قال: ثنا مهران, عن سفيان, في قوله: يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُوَاظٌ مِنْ نارٍ قال: الشواظ: اللهب الأخضر المتقطع من النار.
25563ـ قال: ثنا مهران, عن سفيان, عن الضحاك: الشّوَاظُ: اللهب.
25564ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُوَاظٌ مِنْ نارٍ: أي لهب من نار.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة شُوَاظٌ مِنْ نارٍ قال: لهب من نار.
25565ـ وحدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُوَاظٌ مِنْ نارٍ قال: الشواظ: اللهب, وأما النحاس فالله أعلم بما أراد به.
وقال آخرون: الشّواظ: هو الدخان الذي يخرج من اللهب.
25566ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله شُوَاظٌ مِنْ نارٍ الدخان الذي يخرج من اللهب ليس بدخان الحطب.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: شُوَاظٌ, فقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة والكوفة والبصرة, غير ابن أبي إسحاق شُوَاظٌ بضم الشين, وقرأ ذلك ابن أبي إسحاق, وعبد الله بن كثير «شِوَاظٌ مِنْ نارٍ» بكسر الشين, وهما لغتان, مثل الصِوار من البقر, والصّوار بكسر الصاد وضمها. وأعجب القراءتين إليّ ضمّ الشين, لأنها اللغة المعروفة, وهي مع ذلك قراءة القرّاء من أهل الأمصار.
وأما قوله: ونُحاسٌ فإن أهل التأويل اختلفوا في المعنيّ به, فقال بعضهم: عُنِي به الدخان. ذكر من قال ذلك:
25567ـ حدثني محمد بن عبيد المحاربي, قال: حدثنا موسى بن عمير, عن أبي صالح, عن ابن عباس, في قوله: ونُحاسٌ فَلا تَنْتَصِرَانِ قال: النحاس: الدخان.
حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس, قوله: ونُحاسٌ دخان النار.
25568ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا ابن يمان, عن أشعث, عن جعفر, عن سعيد, قوله: ونُحاسٌ قال: دخان.
وقال آخرون: عني بالنحاس في هذا الموضع: الصّفر. ذكر من قال ذلك:
25569ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, ونُحاسٌ قال: النحاس: الصفر يعذّبون به.
25570ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن منصور, عن مجاهد ونُحاسٌ قال: يذاب الصفر من فوق رؤوسهم.
قال: ثنا حكام, عن عمرو, عن منصور, عن مجاهد ونُحاسٌ قال: يذاب الصفر فيصبّ على رأسه.
25571ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان ونُحاسٌ يذاب الصفر فيصبّ على رؤوسهم.
25572ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة ونُحاسٌ قال: توعدهما بالصّفر كما تسمعون أن يعذّبهما به.
25573ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا محمد بن مروان, قال: حدثنا أبو العوّام, عن قتادة يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُوَاظٌ مِنْ نارٍ ونُحاسٌ قال: يخوّفهم بالنار وبالنحاس.
وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب قول من قال: عُنِي بالنحاس: الدخان, وذلك أنه جلّ ثناؤه ذكر أنه يرسل على هذين الحيّين شواظ من نار, وهو النار المحضة التي لا يخلطها دخان. والذي هو أولى بالكلام أنه توعدهم بنار هذه صفتها أن يُتبع ذلك الوعد بما هو خلافها من نوعها من العذاب دون ما هو من غير جنسها, وذلك هو الدخان, والعرب تسمي الدخان نُحاسا بضم النون, ونِحاسا بكسرها, والقرّاء مجمعة على ضمها, ومن النّحاس بمعنى الدخان, قول نابغة بني ذُبيان:
يَضُوءُ كَضَوْء سِرَاج السّليطِ لمْ يجْعَل اللّهُ فيهِ نُحاسا
يعني: دخانا.
وقوله: فَلا تَنْتَصِرَانِ يقول تعالى ذكره: فلاتنتصران أيها الجن والإنس منه إذا هو عاقبكما هذه العقوبة, ولا تُستنقذان منه. كما:
25574ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة فَلا تَنْتَصِرَانِ قال: يعني الجنّ والإنس.
قال: وقوله: فإذَا انْشَقّتِ السّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً كالدّهانِ يقول تعالى ذكره: فإذا انشقّت السماء وتفطّرت, وذلك يوم القيامة, فكان لونها لون البرذون الورد الأحمر. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
25575ـ حدثني سليمان بن عبد الجبار, قال: حدثنا محمد بن الصلت, قال: حدثنا أبو كدينة, عن قابوس, عن أبيه, عن ابن عباس فَكانَتْ وَرْدَةً كالدّهانِ قال: كالفرس الورد.
25576ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: فإذَا انْشَقّتِ السّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً كالدّهانِ يقول: تغير لونها.
25577ـ حدثنا عبد الله بن أحمد بن حبويه, قال: حدثنا شهاب بن عباد, قال: حدثنا إبراهيم بن حميد, عن إسماعيل ابن أبي خالد عن أبي صالح في قوله: وَرْدَةً كالدّهانِ قال كلون البرذون الورد, ثم كانت بعد كالدهان.
25578ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: فَكانَتْ وَرْدَةً كالدّهانِ يقول: تتغير السماء فيصير لونها كلون الدابة الوردة.
25579ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَرْدَةً كالدّهان هي اليوم خضراء كما ترون, ولونها يوم القيامة لون آخر.
25580ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا محمد بن مروان, قال: حدثنا ابن العوّام, عن قتادة, في قوله: فإذَا انْشَقّتِ السّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً كالدّهانِ قال: هي اليوم خضراء, ولونها يومئذٍ الحمرة.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة وَرْدَةً كالدّهانِ قال: إنها اليوم خضراء, وسيكون لها يومئذٍ لون آخر.
25581ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: فَكانَتْ وَرْدَةً كالدّهان قال: مشرقة كالدهان.
واختلف أهل التأويل في معنى قوله: كالدّهانِ فقال بعضهم: معناه كالدهن صافية الحمرة مشرقة. ذكر من قال ذلك:
25582ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: وَرْدَةً كالدّهانِ قال: كالدهن.
25583ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: كالدّهانِ يعني: خالصة.
وقال آخرون: عني بذلك: فكانت وردة كالأديم, وقالوا: الدهان: جماع, واحدها دهن.
وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: عني به الدهن في إشراق لونه, لأن ذلك هو المعروف في كلام العرب.
وقوله: فَبِأيّ آلاءِ رَبّكُما تُكَذّبانِ يقول تعالى ذكره: فبأيّ قدرة ربكما معشر الجنّ والإنس على ما أخبركم بأنه فاعل بكم تكذّبان