تفسير الطبري تفسير الصفحة 568 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 568
569
567
 الآية : 34-37
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَلاَ يَحُضّ عَلَىَ طَعَامِ الْمِسْكِينِ * فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَا هُنَا حَمِيمٌ * وَلاَ طَعَامٌ إِلاّ مِنْ غِسْلِينٍ * لاّ يَأْكُلُهُ إِلاّ الْخَاطِئُونَ }.
يقول تعالى ذكره مخبرا عن هذا الشقيّ الذي أوتي كتابه بشماله: إنه كان في الدنيا لا يحضّ الناس على إطعام أهل المسكنة والحاجة.
وقوله: فَلَيْسَ لَهُ اليَوْمَ هَا هُنا حَمِيمٌ يقول جلّ ثناؤه: فليس له اليوم وذلك يوم القيامة ها هنا, يعني في الدار الاَخرة حميم, يعني قريب يدفع عنه, ويغيثه مما هو فيه من البلاء, كما:
26952ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: فَلَيْسَ لَهُ اليَوْمَ ها هُنا حَمِيمٌ القريب في كلام العرب ولا طَعامٌ إلا مَنْ غِسْلِينٍ يقول جلّ ثناؤه: ولا له طعام كما كان لا يحضّ في الدنيا على طعام المسكين, إلا طعام من غسلين, وذلك ما يسيل من صديد أهل النار.
وكان بعض أهل العربية من أهل البصرة يقول: كلّ جرح غسلته فخرج منه شيء فهو غسلين, فعلين من الغسل من الجراح والدّبر, وزيد فيه الياء والنون بمنزلة عفرين. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
26953ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: وَلا طَعامٌ إلاّ مِنْ غِسْلِينٍ صديد أهل النار.
26954ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله وَلا طَعامٌ إلاّ مِنْ غِسْلِينٍ قال: ما يخرج من لحومهم.
26955ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَلا طَعامٌ إلاّ مِنْ غِسْلِينٍ شرّ الطعام وأخبثه وأبشعه.
وكان ابن زيد يقول في ذلك ما:
26956ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: وَلا طَعامٌ إلاّ مِنْ غِسلِينٍ قال: الغسلين والزقوم لا يعلم أحد ما هو.
وقوله: لا يأْكُلُهُ إلاّ الخاطِئُونَ يقول: لا يأكل الطعام الذي من غسلين إلا الخاطئون, وهم المذنبون الذين ذنوبهم كفر بالله.
الآية : 38-42
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {فَلاَ أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ * وَمَا لاَ تُبْصِرُونَ * إِنّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مّا تُؤْمِنُونَ * وَلاَ بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مّا تَذَكّرُونَ }.
يقول تعالى ذكره: فلا, ما الأمر كما تقولون معشر أهل التكذيب بكتاب الله ورسله, أقسم بالأشياء كلها التي تبصرون منها, والتي لا تبصرون. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
26957ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد في قوله: فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ ومَا لا تُبْصِرُونَ قال: أقسم بالأشياء, حتى أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون.
26958ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, في قوله: فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ وَما لا تُبْصِرُونَ يقول: بما ترون وبما لا ترون.
وقوله: إنّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَريمٍ يقول تعالى ذكره: إن هذا القرآن رسول كريم, وهو محمد صلى الله عليه وسلم يتلوه عليهم.
وقوله: وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلاً ماتُؤْمِنُونَ يقول جلّ ثناؤه: ما هذا القرآن بقول شاعر لأن محمدا لا يُحسن قول الشعر, فتقولوا هو شعر قَلِيلاً ما تُؤْمِنُونَ يقول: تصدّقُون قليلاً به أنتم, وذلك خطاب من الله لمشركي قريش وَلا بِقَوْلِ كاهِن قَلِيلاً ما تَذَكّرُونَ يقول: ولا هو بقول كاهن, لأن محمدا ليس بكاهن, فتقولوا: هو من سجع الكهان قلِيلاً ما تَذَكّرُونَ يقول: ولا هو بقول كاهن, لأن محمدا ليس بكاهن, فتقولوا: هو من سجع الكهان قَلِيلاً ما تَذَكّرُونَ يقول: تتعظون به أنتم, قليلاً ما تعتبرون به. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
26959ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَما هُوَ بقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلاً ما تُؤْمِنونَ طهّره الله من ذلك وعصمه وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلاً ما تَذَكّرُونَ طهّره الله من الكهانة, وعصمه منها.
الآية : 43-46
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {تَنزِيلٌ مّن رّبّ الْعَالَمِينَ * وَلَوْ تَقَوّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأقَاوِيلِ * لأخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ }.
يقول تعالى ذكره: ولكنه تَنْزِيلٌ من ربّ العالَمِينَ نزل عليه وَلَوْ تَقَوّلَ عَلَيْنا محمد بَعْضَ الأقاوِيلِ الباطلة, وتكذب علينا لأَخَذْنا مِنْهُ باليَمِين يقول: لأخذنا منه بالقوّة منا والقدرة, ثم لقطعنا منه نياط القلب. وإنما يعني بذلك أنه كان يعاجله بالعقوبة, ولا يؤخره بها.
وقد قيل: إن معنى قوله لاَءَخَذْنَا مِنْهُ باليَمِينِ: لأخذنا منه باليد اليمنى من يديه قالوا: وإنما ذلك مثل, ومعناه: إنا كنا نذله ونهينه, ثم نقطع منه بعد ذلك الوتين قالوا: وإنما ذلك كقول ذي السلطان إذا أراد الاستخفاف ببعض من بين يديه لبعض أعوانه, خذ بيده فأقمه, وافعل به كذا وكذا قالوا: وكذلك معنى قوله: لأَخَذْنا مِنْهُ باليَمِين: أي لأهناه كالذي يفعل بالذي وصفنا حاله. وبنحو الذي قلنا في معني قوله الوَتِينَ قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
26960ـ حدثني سليمان بن عبد الجبار, قال: حدثنا محمد بن الصلت, قال: حدثنا أبو كدينة, عن عطاء, عن سعيد بن جُبير, عن ابن عباس: لَقَطَعْنا مِنْهُ الوَتِينَ قال: نياط القلب.
حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا محمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن عطاء, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس بمثله.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, عن عمرو, عن عطاء, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس بمثله.
حدثني يعقوب, قال: حدثنا هشيم, عن عطاء بن السائب, عن سعيد بن جبير, قال: قال ابن عباس الوَتِينَ: نِياط القلب.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن عطاء بن السائب, عن سعيد بن جبير بنحوه.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, قال: حدثنا سفيان, عن سعيد بن جبير بمثله.
حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله ثُمّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الوَتِينَ يقول: عرق القلب.
26961ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله ثُمّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الوَتِينَ يعني: عرقا في القلب, ويقال: هو حبل في القلب.
26962ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: الوَتِينَ قال: حبل القلب الذي في الظهر.
26963ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ثُمّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الوَتِينَ قال: حبل القلب.
26964ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: لَقَطَعْنا مِنْهُ الوَتِينَ وتين القلب: وهو عرق يكون في القلب, فإذا قطع مات الإنسان.
26965ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله ثُمّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الوَتِينَ قال: الوتين: نياط القلب الذي القلب متعلق به, وإياه عنى الشماخ بن ضرار التغلبي بقوله:
إذَا بَلّغْتِني وحَمَلْتِ رَحْلِىعَرَابَةَ فاشْرَقي بدَمِ الوَتِينِ
الآية : 47-52
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{فَمَا مِنكُمْ مّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ * وَإِنّهُ لَتَذْكِرَةٌ لّلْمُتّقِينَ * وَإِنّا لَنَعْلَمُ أَنّ مِنكُمْ مّكَذّبِينَ * وَإِنّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ * وَإِنّهُ لَحَقّ الْيَقِينِ * فَسَبّحْ بِاسْمِ رَبّكَ الْعَظِيمِ }.
يقول تعالى ذكره: فما منكم أيها الناس من أحد عن محمد لو تقوّل علينا بعض الأقاويل, فأخذنا منه باليمين, ثم لقطعنا منه الوتين, حاجزين يحجزوننا عن عقوبته, وما نفعله به. وقيل: حاجزين, فجمع, وهو فعل لأحد, وأحد في لفظ واحد ردّا على معناه, لأن معناه الجمع, والعرب تجعل أحدا للواحد والاثنين والجمع, كما قيل لا نُفَرّقُ بَينَ أحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وبين: لا تقع إلا على اثنين فصاعدا.
وقوله: وَإنّهُ لَتَذْكِرَةٌ للْمُتّقِينَ يقول تعالى ذكره: وإن هذا القرآن لتذكرة, يعني عظة يتذكر به, ويتعظ به للمتقين, وهم الذين يتقون عقاب الله بأداء فرائضه, واجتناب معاصيه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
26966ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَإنّهُ لَتَذْكِرَةٌ للْمُتّقِينَ قال: القرآن.
وقوله: وَإنّا لَنَعْلَمُ أنّ مِنْكُمْ مُكَذّبِينَ يقول تعالى ذكره: وإنا لنعلم أن منكم مكذّبين أيها الناس بهذا القرآن وَإنّهُ لَحَسْرَةٌ على الكافِرِينَ يقول جلّ ثناؤه: وإن التكذيب به لحسرة وندامة على الكافرين بالقرآن يوم القيامة وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
26967ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَإنّهُ لَحَسْرَةٌ على الكافِرِينَ ذاكم يوم القيامة.
وَإنّهُ لَحَقّ اليّقِينِ يقول: وإنه للحقّ اليقين الذين لا شكّ فيه أنه من عند الله, لم يتقوّله محمد صلى الله عليه وسلم فَسَبّحْ باسْمِ رَبّكَ العَظِيمِ بذكر ربك وتسميته العظيم, الذي كلّ شيء في عظمته صغير.

نهاية تفسير الإمام الطبري لسورة الحاقة

سورة المعارج مكية
وآياتها أربع وأربعون
بسم الله الرحمَن الرحيـم

الآية : 1-5
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {سَأَلَ سَآئِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لّلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ * مّنَ اللّهِ ذِي الْمَعَارِجِ * تَعْرُجُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ * فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً .
قال أبو جعفر: اختلفت القرّاء في قراءة قوله: سأَلَ سائِلٌ فقرأته عامة قرّاء الكوفة والبصرة: سأَلَ سائِلٌ بهمز سأل سائل, بمعنى سأل سائل من الكفار عن عذاب الله, بمن هو واقع وقرأ ذلك بعض قرّاء المدينة: «سال سائِلٌ» فلم يهمز سأل, ووجهه إلى أنه فعل من السيل.
والذي هو أولى القراءتين بالصواب قراءة من قرأه بالهمز لإجماع الحجة من القرّاء على ذلك, وأن عامة أهل التأويل من السلف بمعنى الهمز تأوّلوه. ذكر من تأوّل ذلك كذلك, وقال تأويله نحو قولنا فيه:
26968ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: سألَ سائِلٌ بعَذَابٍ وَاقِعٍ قال: ذاك سؤال الكفار عن عذاب الله وهو واقع.
26969ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, عن عنبسة, عن ليث, عن مجاهد إنْ كانَ هَذَا هُوَ الْحَقّ مِنْ عِنْدِكَ... الاَية, قال سأَلَ سائِلٌ بعَذَابِ وَاقِعٍ.
26970ـ حدثنا محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جمعا عن ابن أبي نجيح عن مجاهد, في قول الله: سأَلَ سائِلٌ قال: دعا داع بعذاب وَاقِعٍ: يقع في الاَخرة, قال: وهو قولهم: اللّهُمّ إنْ كانَ هَذَا هُوَ الْحَقّ مِنْ عِنْدِكَ فَأمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السّماءِ.
26971ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: سأَلَ سائِلٌ بعَذَابٍ وَاقِعٍ قال: سأل عذاب الله أقوام, فبين الله على من يقع على الكافرين.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, قوله: سأَلَ سائِلٌ قال: سأل عن عذاب واقع, فقال الله: للْكافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ.
وأما الذين قرأوا ذلك بغير همز, فإنهم قالوا: السائل واد من أودية جهنم. ذكر من قال ذلك:
26972ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله الله: «سأل سائِلٌ بعَذَابٍ وَاقِعٍ» قال: قال بعض أهل العلم: هو واد في جهنم يقال له سائل.
وقوله: بِعَذَابٍ وَاقِعٍ للْكافِرِينَ يقول: سأل بعذاب للكافرين واجب لهم يوم القيامة واقع بهم.
ومعنى للْكافِرِينَ على الكافرين, كالذي:
26973ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: بِعَذَابٍ وَاقِعٍ للْكافِرِينَ يقول: واقع على الكافرينواللام في قوله للْكافِرِينَ من صلة الواقع.
وقوله: لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ مِنَ اللّهِ ذِي المَعَارِجٍ يقول تعالى ذكره: ليس للعذاب الواقع على الكافرين من الله دافع يدفعه عنهم.
وقوله: ذِي المَعارِجِ يعني: ذا العلوّ والدرجات والفواضل والنعم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
26974ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, في قوله: ذِي المَعارِج يقول: العلوّ والفواضل.
26975ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة مِنَ اللّهِ ذِي المَعارِجِ: ذي الفواضل والنّعم.
26976ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قول الله: مِنَ اللّهِ ذِي المَعارِجِ قال معارج السماء.
26977ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ذِي المَعارِجِ قال: الله ذو المعارج.
26978ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن الأعمش, عن رجل, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس ذِي المَعارِجِ قال: ذي الدرجات.
وقوله: تَعْرُجُ المَلائِكَةُ وَالرّوحُ إلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ ألْفَ سَنَةٍ يقول تعالى ذكره: تصعد الملائكة والروح, وهو جبريل عليه السلام إليه, يعني إلى الله جلّ وعزّ والهاء في قوله: إلَيْهِ عائدة على اسم الله في يَوْمٍ كانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ ألْفَ سَنَةٍ يقول: كان مقدار صعودهم ذلك في يوم لغيرهم من الخلق خمسين ألف سنة, وذلك أنها تصعد من منتهى أمره من أسفل الأرض السابعة إلى منتهى أمره من فوق السموات السبع. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
26979ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام بن سلم, عن عمرو بن معروف, عن ليث, عن مجاهد في يَوْمٍ كانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ ألْفَ سَنَةٍ قال: منتهى أمره من أسفل الأرضين إلى منتهى أمره من فوق السموات مقدار خمسين ألف سنة ويوم كان مقداره ألف سنة, يعني بذلك نزل الأمر من السماء إلى الأرض, ومن الأرض إلى السماء في يوم واحد, فذلك مقداره ألف سنة, لأن ما بين السماء إلى الأرض, مسيرة خمس مئة عام.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: تعرج الملائكة والروح إليه في يوم يفرغ فيه من القضاء بين خلقه, كان قدر ذلك اليوم الذي فرغ فيه من القضاء بينهم قدر خمسين ألف سنة. ذكر من قال ذلك:
26980ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن سماك بن حرب, عن عكرِمة فِي يَوْم كانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ ألْفَ سَنَةٍ قال: في يوم واحد يفرغ في ذلك اليوم من القضاء كقدر خمسين ألف سنة.
26981ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن سماك, عن عكرِمة فِي يَوْم كانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ ألْفَ سَنَةٍ قال: يوم القيامة.
حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا محمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن سماك, عن عكرِمة في هذه الاَية خَمْسينَ ألْفَ سَنَةٍ قال: يوم القيامة.
26982ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة تَعْرُجُ المَلائِكَةُ وَالرّوحُ إلَيْه فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ ألْفَ سَنَةٍ: ذاكم يوم القيامة.
26983ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قال معمر: وبلغني أيضا, عن عكرِمة, في قوله: مقدَارُهُ خَمْسِينَ ألْفَ سَنَةٍ لا يدري أحدٌ كم مضى, ولا كم بقي إلا الله.
26984ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, في قوله: تَعْرُجُ المَلائِكَةُ وَالرّوحُ إلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ ألْفَ سَنَةٍ فهذا يوم القيامة, جعله الله على الكافرين مقدار خمسين ألف سنة.
26985ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ ألْفَ سَنَةٍ يعني يوم القيامة.
26986ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: فِي يَوْمٍ كانَ مقْدَارُهُ خَمْسِينَ ألْفَ سَنَةٍ قال: هذا يوم القيامة.
26987ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرني عمرو بن الحارث أن درّاجا حدّثه عن أبي الهيثم عن سعيد, أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ ألْفَ سَنَةٍ ما أطول هذا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «وَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ, إنّهُ لَيُخَفّفُ عَلى المُؤْمِنِ حتى يَكُونَ أخَفّ عَلَيْهِ مِنَ الصّلاةِ المَكْتُوبَةِ يُصَلّيها فِي الدّنْيا».
وقد رُوي عن ابن عباس في ذلك غير القول الذي ذكرنا عنه, وذلك ما:
26988ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: حدثنا ابن علية, عن أيوب, عن ابن أبي مليكة, أن رجلاً سأل ابن عباس عن يوم كان مقداره ألف سنة, فقال: ما يوم كان مقداره خمسين ألف سنة؟ قال: إنما سألتك لتخبرني, قال: هما يومان ذكرهما الله في القرآن, الله أعلم بهما, فكره أن يقول في كتاب الله ما لا يعلم.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الوهاب, قال: حدثنا أيوب, عن ابن أبي مليكة, قال: سأل رجل ابن عباس عن يوم مقداره ألف سنة, قال: فاتهمه, فقيل له فيه, فقال: ما يوم كان مقداره خمسين ألف سنة؟ فقال: إنما سألتك لتخبرني, فقال: هما يومان ذكرهما الله جلّ وعزّ, الله أعلم بهما, وأكره أن أقول في كتاب الله بما لا أعلم.
وقرأت عامة قرّاء الأمصار قوله: تَعْرُجُ المَلائِكَةُ والرّوحُ بالتاء خلا الكسائي, فإنه كان يقرأ ذلك بالياء بخبر كان يرويه عن ابن مسعود أنه قرأ ذلك كذلك.
والصواب من قراءة ذلك عندنا ما عليه قرّاء الأمصار, وهو بالتاء لإجماع الحجة من القرّاء عليه.
وقوله فاصْبِرْ صَبْرا جمِيلاً يقول تعالى ذكره: فاصبر صبرا جميلاً, يعني: صبرا لا جزع فيه. يقول له: اصبر على أذى هؤلاء المشركين لك, ولا يثنيك ما تلقى منهم من المكروه عن تبليغ ما أمرك ربك أن تبلغهم من الرسالة. وكان ابن زيد يقول في ذلك ما:
26989ـ حدثني به يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: فاصْبِرْ صَبْرا جَمِيلاً قال: هذا حين كان يأمره بالعفو عنهم لا يكافئهم, فلما أمر بالجهاد والغلظة عليهم أمر بالشدّة والقتل حتى يتركوا, ونسخ هذا.
وهذا الذي قاله ابن زيد أنه كان أمر بالعفو بهذه الاَية, ثم نسخ ذلك قول لا وجه له, لأنه لا دلالة على صحة ما قال من بعض الأوجه التي تصحّ منها الدعاوي, وليس في أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم في الصبر الجميل على أذى المشركين ما يوجب أن يكون ذلك أمرا منه له به في بعض الأحوال, بل كان ذلك أمرا من الله له به في كلّ الأحوال, لأنه لم يزل صلى الله عليه وسلم من لدن بعثه الله إلى أن اخترمه في أذى منهم, وهو في كلّ ذلك صابر على ما يلقى منهم من أذًى قبل أن يأذن الله له بحربهم, وبعد إذنه له بذلك.

الآية : 6-10
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{إِنّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً * وَنَرَاهُ قَرِيباً * يَوْمَ تَكُونُ السّمَآءُ كَالْمُهْلِ * وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ * وَلاَ يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً }.
يقول تعالى ذكره: إن هؤلاء المشركين يرون العذاب الذي سألوا عنه, الواقع عليهم بعيدا وقوعه, وإنما أخبر جلّ ثناؤه أنهم يرون ذلك بعيدا, لأنهم كانوا لا يصدّقون به, وينكرون البعث بعد الممات, والثواب والعقاب, فقال: إنهم يرونه غير واقع, ونحن نراه قريبا, لأنه كائن, وكلّ ما هو آت قريب.
والهاء والميم من قوله: إنّهُمْ من ذكر الكافرين, والهاء من قوله: يَرَوْنَهُ من ذكر العذاب.
وقوله: يَوْمَ تَكُونُ السّماءُ كالمُهْلِ يقول تعالى ذكره: يوم تكون السماء كالشيء المذاب, وقد بينت معنى المهل فيما مضى بشواهده, واختلاف المختلفين فيه, وذكرنا ما قال فيه السلف, فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع.
26990ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: يَوْمَ تَكُونُ السّماءُ كالمُهْلِ قال: كَعَكَرِ الزيت.
26991ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: يَوْمَ تَكُونُ السّماءُ كالمُهْلِ تتحوّل يومئذٍ لونا آخر إلى الحمرة.
وقوله: وَتَكُونُ الجِبالُ كالْعِهنِ يقول: وتكون الجبال كالصوف. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
26992ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد كالْعِهْنِ قال: كالصوف.
26993ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله: كالْعِهْنِ قال: كالصوف.
وقوله: وَلا يَسألُ حَمِيمٌ حَمِيما يُبَصّرُونَهُمْ يقول تعالى ذكره: ولا يسأل قريب قريبه عن شأنه لشغله بشأن نفسه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
26994ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: وَلا يَسأَلُ حَمِيمٌ حَمِيما يشغل كلّ إنسان بنفسه عن الناس.
وقوله: يُبَصّرُونَهُمْ اختلف أهل التأويل في الذين عنوا بالهاء والميم في قوله يُبَصّرُونَهُمْ فقال بعضهم: عُنى بذلك الأقرباء أنهم يعرّفون أقربائهم, ويعرّف كلّ إنسان قريبه, فذلك تبصير الله إياهم. ذكر من قال ذلك:
26995ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: يُبَصّرُونَهُمْ قال: يعرَف بعضهم بعضا, ويتعارفون بينهم, ثم يفرّ بعضهم من بعض, يقول: لكُلّ امْرِىْ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شأْنٌ يُغْنِيِهِ.
26996ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة يُبَصّرُونَهُمْ يعرّفونهم يعلمون, والله ليعرّفنّ قوم قوما, وأناس أناسا.
وقال آخرون: بل عُنِي بذلك المؤمنون أنهم يبصرون الكفار. ذكر من قال ذلك:
26997ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: يُبَصّرُونَهُمْ المؤمنون يبصرون الكافرين.
وقال آخرون: بل عُنِي بذلك الكفار الذين كانوا أتباعا لاَخرين في الدنيا على الكفر, أنهم يعرفون المتبوعين في النار. ذكر من قال ذلك:
26998ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: يُبَصّرونَهُمْ قال: يبصرون الذين أضلوهم في الدنيا في النار.
وأولى الأقوال في ذلك بالصحة, قول من قال: معنى ذلك: ولا يسأل حميم حميما عن شأنه, ولكنهم يبصرونهم فيعرفونهم, ثم يفرّ بعضهم من بعض, كما قال جلّ ثناؤه: يَوْمَ يَفِرّ المَرْءُ مِنْ أخِيهِ وأُمّهِ وأبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلّ امْرْىءٍ منهم يَوْمَئِذٍ شأْنٌ يُغْنِيهِ.
وإنما قلنا ذلك أولى التأويلات بالصواب, لأن ذلك أشبهها بما دل عليه ظاهر التنزيل, وذلك أن قوله: يُبَصّرُونَهُمْ تلا قوله: وَلا يَسألُ حَميمٌ حَميما فلأن تكون الهاء والميم من ذكرهم أشبه منها بأن تكون من ذكر غيرهم.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: وَلا يَسألُ فقرأ ذلك عامة قرّاء الأمصار سوى أبي جعفر القارىء وشَيبة بفتح الياء وقرأه أبو جعفر وشيبة: «وَلا يُسْئَلُ» بضم الياء, يعني: لا يقال لحميم أين حميمك؟ ولا يطلب بعضهم من بعض.
والصواب من القراءة عندنا فتح الياء, بمعنى: لا يسأل الناس بعضهم بعضا عن شأنه, لصحة معنى ذلك, ولإجماع الحجة من القرّاء عليه