سورة الحاقة | للقراءة من المصحف بخط كبير واضح
استماع mp3 | الجلالين&الميسر | تفسير الشوكاني |
إعراب الصفحة | تفسير ابن كثير | تفسير القرطبي |
التفسير المختصر | تفسير الطبري | تفسير السعدي |
تفسير الطبري تفسير الصفحة 567 من المصحف
تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 567
568
566
الآية : 9-12
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{وَجَآءَ فِرْعَوْنُ وَمَن قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ * فَعَصَوْاْ رَسُولَ رَبّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رّابِيَةً * إِنّا لَمّا طَغَا الْمَآءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ * لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَآ أُذُنٌ وَاعِيَةٌ }.
يقول تعالى ذكره: وَجاءَ فِرْعَوْنُ مصر. واختلفت القرّاء في قراءة قوله: وَمَنْ قَبْلَهُ فقرأته عامة قرّاء المدينة والكوفة ومكة خلا الكسائيّ: وَمَنْ قَبْلَهُ بفتح القاف وسكون الباء, بمعنى: وجاء من قبل فرعون من الأمم المكذبة بآيات الله كقوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط بالخطيئة. وقرأ ذلك عامة قرّاء البصرة والكسائي: «وَمَنْ قِبَلِهِ» بكسر القاف وفتح الباء, بمعنى: وجاء مع فرعون من أهل بلده مصر من القبط.
والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى, فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب. وقوله وَالمُؤْتَفِكاتُ بالخاطِئَةِ يقول: والقرى التي ائتفكت بأهلها فصار عاليها سافلها بالخاطِئةِ يعني بالخطيئة. وكانت خطيئتها: إتيانها الذكران في أدبارهم. وبنحو الذي قلنا في معنى قوله وَالمُؤْتَفِكاتُ قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
26887ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالمُؤْتَفِكاتُ قرية لوط. وفي بعض القراءة: «وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ مَعَهُ».
26888ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالمُؤْتَفِكاتُ بالخاطِئَةِ قال: المؤتفكات: قوم لوط, ومدينتهم وزرعهم, وفي قوله: وَالمُؤْتَفِكَةَ أهْوَى قال: أهواها من السماء: رمى بها من السماء أوحى الله إلى جبريل عليه السلام, فاقتلعها من الأرض, ربضها ومدينتها, ثم هوى بها إلى السماء ثم قلبهم إلى الأرض, ثم أتبعهم الصخر حجارة, وقرأ قول الله: حِجارَةً مِنْ سِجّيل مَنْضُودٍ مُسَوّمَةً قال: المسوّمة: المُعَدّة للعذاب.
26889ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالمُؤْتَفِكاتُ بالخاطِئَةَ يعني المكذّبين.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة وَالمُؤْتَفِكاتُ هم قوم لوط, ائتفكت بهم أرضُهم.
وبما قلنا في قوله: بالخاطِئَةِ قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
26890ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد بالخاطِئَةِ قال: الخطايا.
وقوله: فَعَصَوْا رَسُولَ رَبّهِمْ يقول جلّ ثناؤه: فعصى هؤلاء الذين ذكرهم الله, وهم فرعون ومن قبله والمؤتفكات رسول ربهم.
وقوله: فأخَذَهُمْ أخْذَةً رَابِيَةً يقول: فأخذهم ربهم بتكذيبهم رسله أخذة, يعني أخذة زائدة شديدة نامية, من قولهم: أربيت: إذا أخذ أكثر مما أعطى من الربا يقال: أربيتَ فرَبا رِباك, والفضة والذهب قد رَبَوا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
26891ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: ينا عيسى, وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد أخْذَةً رَابِيَةً قال: شديدة.
26892ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: فأخَذَهُمْ أخْذَةً رَابِيَةً يعني أخذة شديدة.
26893ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد في قوله الله: فأخَذَهُمْ أخْذَةً رَابِيَةً قال: كما يكون في الخير رابية كذلك يكون في الشرّ رابية, قال: ربا عليهم: زاد عليهم, وقرأ قول الله عزّ وجلّ: إنّ الّذِينَ كَفَرُوا وَصَدّوا عَنْ سَبِيلِ اللّهِ زِدْناهُمْ عَذَابا فَوْقَ العَذَابِ, وقرأ قول الله عزّ وجلّ: وَالّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وآتاهُمْ تَقْوَاهُمْ يقول: ربا لهؤلاء الخير ولهؤلاء الشرّ.
وقوله: إنّا لَمّا طَغَى المَاءُ حَمَلْناكُمْ فِي الجارِيَةِ يقول تعالى ذكره: إنا لما كثر الماء فتجاوز حدّه المعروف, كان له, وذلك زمن الطوفان.
وقيل: إنه زاد فعلاً فوق كلّ شيء بقدر خمس عشرة ذراعا. ذكر من قال ذلك, ومن قال في قوله: طَغَى مثل قولنا:
26894ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة إنّا لَمّا طَغَى المَاءُ قال: بلغنا أنه طغى فوق كلّ شيء خمس عشرة ذراعا.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: إنّا لَمّا طَغَى المَاءُ حَمَلْناكُمْ في الجارِيَةِ ذاكم زمن نوح طغى الماء على كلّ خمس عشرة ذراعا بقدر كل شيء.
26895ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يعقوب القُميّ, عن جعفر بن أبي المغيرة, عن سعيد بن جُبير, في قوله: إنّا لَمّا طَغَى المَاءُ حَمَلْناكُمْ في الجارِيَةِ قال: لم تنزل من السماء قطرة إلا بعلم الخزّان, إلا حيث طغى الماء, فإنه قد غضب لغضب الله, فطغى على الخزان, فخرج ما لا يعلمون ما هو.
26896ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: إنّا لَمّا طَغَى المَاءُ حَمَلْناكُمْ فِي الجارِيَةِ إنما يقول: لما كثر.
حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله إنّا لَمّا طَغَى المَاءُ يعني كثر الماء ليالي غرّق الله قوم نوح.
26897ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: إنّا لمّا طَغَى المَاءُ حَمَلْناكُم قال محمد ابن عمرو في حديثه: طما وقال الحارث: ظهر.
26898ـ حُدثت عن الحسين بن الفرج, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد, عن الضحاك, في قوله: لَمّا طَغَى المَاءُ: كثر وارتفع.
وقوله: حَمَلْناكُمْ فِي الجارِيَةِ يقول: حملناكم في السفينة التي تجري في الماء. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
26899ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: حَمَلْناكُمْ فِي الجارِيَةِ الجارية: السفينة.
26900ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: حَمَلْناكُمْ فِي الجارِيَةِ والجارية: سفينة نوح التي حملتم فيها.
وقيل: حملناكم, فخاطب الذين نزل فيهم القرآن, وإنما حمل أجدادهم نوحا وولده, لأن الذين خوطبوا بذلك ولد الذين حملوا في الجارية, فكان حمل الذين حملوا فيها من الأجداد حملاً لذرّيتهم على ما قد بيّنا من نظائر ذلك في أماكن كثيرة من كتابنا هذا.
وقوله: لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً يقول: لنجعل السفينة الجارية التي حملناكم فيها لكم تذكرة, يعني عبرة وموعظة تتعظون بها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
26901ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً فأبقاها الله تذكرة وعبرة وآية حتى نظر إليها أوائل هذه الأمة, وكم من سفينة قد كانت بعد سفينة نوح قد صارت رمادا.
وقوله: وَتَعِيها أُذُنٌ وَاعِيَةٌ يعني حافظة عقلت عن الله ما سمعت. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
26902ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس وَتَعِيَها أُذُنٌ وَاعِيَةٌ يقول: حافظة.
26903ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس وَتَعِيها أُذُنٌ وَاعِيَة يقول: سامعة, وذلك الإعلان. ذكر من قال ذلك:
26904ـ حدثنا نصر بن عليّ, قال: حدثنا أبي, قال: حدثنا خالد بن قيس, عن قتادة وَتَعِيها أُذُنٌ وَاعِيَةٌ قال: أذن عقلت عن الله.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَتَعِيها أُذُنٌ وَاعِيَةٌ أذن عقلت عن الله, فانتفعت بما سمعت من كتاب الله.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة أُذُنٌ وَاعِيَةٌ قال: أذن سمعت, وعقلت ما سمعت.
26905ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد, قال: الضحاك يقول في قوله: وَتَعِيَها أُذُنٌ وَاعِيَةٌ سمعتها أذن ووعت.
26906ـ حدثنا عليّ بن سهل, قال: حدثنا الوليد بن مسلم, عن عليّ بن حوشب, قال: سمعت مكحولاً يقول: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: وَتَعِيها أُذُنٌ وَاعِيَةٌ ثم التفت إلى عليّ, فقال: «سأَلْتُ اللّهَ أنْ يَجْعَلَها أُذُنَكَ», قال عليّ رضي الله عنه: فما سمعت شيئا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فنسيته.
26907ـ حدثني محمد بن خلف, قال: ثني بشر بن آدم, قال: حدثنا عبد الله بن الزبير, قال: ثني عبد الله بن رستم, قال: سمعت بُرَيدة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعليّ: «يا عَليّ إنّ اللّهَ أمَرَنِي أنْ أُدْنِيَكَ وَلا أُقْصِيَكَ, وأنْ أُعَلّمَكَ, وأنْ تَعيَ, وحَقّ على اللّهِ أنْ تَعِيَ», قال: فنزلت وَتَعِيها أُذُنٌ وَاعِيَةٌ.
حدثني محمد بن خلف, قال: حدثنا الحسن بن حماد, قال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم أبو يحيى التيميّ عن فضيل بن عبد الله, عن أبي داود, عن بُرَيدة الأسلميّ, قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعليّ: «إنّ اللّهَ أمَرَني أنْ أُعَلّمَكَ وأنْ أُدْنِيَكَ وَلا أجْفُوَكَ وَلا أُقْصِيَكَ», ثم ذكر مثله.
26908ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: وَتَعِيها أُذُنٌ وَاعِيَةٌ قال: واعية يحذرون معاصي الله أن يعذّبهم الله عليها, كما عذّب من كان قبلهم تسمعها فتعيها, إنما تعي القلوب ما تسمع الاَذان من الخير والشرّ من باب الوعي.
الآية : 13-15
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{فَإِذَا نُفِخَ فِي الصّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ * وَحُمِلَتِ الأرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكّتَا دَكّةً وَاحِدَةً * فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ }.
يقول تعالى ذكره: فإذَا نُفِخَ فِي الصّورِ إسرافيل نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ وهي النفخة الأولى, وحُمِلَتِ الأرْضُ والجِبالُ فَدُكّتا دَكّةً وَاحِدَةً يقول: فزلزلتا زلزلة واحدة.
وكان ابن زيد يقول في ذلك ما:
26909ـ حدثني به يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: وحُمِلَتِ الأرْضُ والجِبالُ فَدُكّتا دَكّةً وَاحِدَةً قال: صارت غبارا.
وقيل: فَدُكّتا وقد ذكر قبل الجبال والأرض, وهي جماع, ولم يقل: فدككن, لأنه جعل الجبال كالشيء الواحد, كما قال الشاعر:
هُمَا سَيّدَانِ يَزْعُمانِ وإنّمايَسُودانِنا إنْ يَسّرَتْ غَنَماهُمَا
وكما قيل: أنّ السّمَوَاتِ والأرْضَ كانَتا رَتْقا. فيومئذٍ وقعت الواقعة يقول جلّ ثناؤه: فيومئذٍ وقعت الصيحة الساعة, وقامت القيامة.
الآية : 16-18
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{وَانشَقّتِ السّمَآءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ * وَالْمَلَكُ عَلَىَ أَرْجَآئِهَآ وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ * يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لاَ تَخْفَىَ مِنكُمْ خَافِيَةٌ }.
يقول تعالى ذكره: وانصدعت السماء فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ يقول: منشقة متصدّعة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
26910ـ حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقيّ, قال: حدثنا أبو أسامة, عن الأجلح, قال: سمعت الضحاك بن مزاحم, قال: «إذا كان يوم القيامة أمر الله السماء الدنيا بأهلها, ونزل من فيها من الملائكة, فأحاطوا بالأرض ومن عليها, ثم الثانية, ثم الثالثة, ثم الرابعة, ثم الخامسة, ثم السادسة, ثم السابعة, فصفوا صفا دون صفّ ثم نزل الملك الأعلى على مجنّبته اليسرى جهنم, فإذا رآها أهل الأرض ندّوا, فلا يأتون قطرا من أقطار الأرض إلا وجدوا سبعة صفوف من الملائكة, فيرجعون إلى المكان الذي كانوا فيه, فذلك قوله الله: إنّي أخافُ عَلَيْكُمْ يَوْم التّنادِ يَوْمَ تُوَلّونَ مُدْبِرِينَ ما لَكُمْ مِنَ اللّهِ مِنْ عاصِمٍ وذلك قوله: وَجاءَ رَبّكَ وَالمَلَكُ صَفّا صَفّا وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنّمَ, وقوله: يا مَعْشَرَ الجِنّ والإنْسِ إنِ اسْتَطَعْتُمْ أنْ تَنْفُذُوا مِنْ أقْطارِ السّمَواتِ والأرْضِ فانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إلاّ بِسُلْطانٍ وذلك قوله: وَانْشَقّتِ السّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ وَالمَلَك على أرْجائها».
26911ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: وَانْشَقّتِ السّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ يعني: متمزّقة ضعيفة.
والملكُ على أرجائها يقول تعالى ذكره: والملك على أطراف السماء حين تشقق وحافاتها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
26912ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: والمَلَكُ على أرْجائها يقول: والملك على حافات السماء حين تشقّق ويقال: على شقة, كلّ شيء تشقّق عنه.
26913ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: وَالمَلَكُ على أرْجائها قال: أطرافها.
26914ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يعقوب, عن جعفر, عن سعيد, في قوله: وَالمَلَكُ على أرْجائها قال: على حافات السماء.
26915ـ حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي, قال: حدثنا أبو أُسامة, عن الأجلح, قال: قلت للضحاك: ما أرجاؤها, قال: حافاتها.
26916ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال ثني سعيد: عن قتادة والملكُ على أرجائها على حافاتها.
26917ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر وَالمَلَكُ على أرْجائها قال: بلغني أنها أقطارها, قال قتادة: على نواحيها.
26918ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان وَالمَلَكُ على أرْجائها قال: نواحيها.
26919ـ حدثني الحارث, قال: حدثنا الأشيب, قال: حدثنا ورقاء, عن عطاء بن السائب, عن سعيد بن المسيب: الأرجاء حافات السماء.
26920ـ قال: ثنا الأشيب, قال: حدثنا أبو عوانة, عن عطاء بن السائب, عن سعيد بن جُبير وَالمَلَكُ على أرْجائها قال: على ما لم يَهِ منها.
حدثنا محمد بن سنان القزاز, قال: حدثنا حسين الأشقر, قال: حدثنا أبو كدينة, عن عطاء, عن سعيد بن جُبير, عن ابن عباس, في قوله والمَلَكُ على أرْجائها قال: على ما لم يَهِ منها.
وقوله: وَيحْمِلُ عَرْشَ رَبّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ اختلف أهل التأويل في الذي عنى بقوله ثَمانِيَةٌ فقال بعضهم: عنى به ثمانية صفوف من الملائكة, لا يعلم عدّتهنّ إلا الله. ذكر من قال ذلك:
26921ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا طلق عن ظهير, عن السديّ, عن أبي مالك عن ابن عباس: وَيحْمِلُ عَرْشَ رَبّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ قال: ثمانية صفوف من الملائكة لا يعلم عدتهم إلا الله.
حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ين عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, في قوله وَيحْمِلُ عَرْشَ رَبّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ قال: هي الصفوف من وراء الصفوف.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يحيى بن واضح, قال: حدثنا الحسين, عن يزيد, عن عكرِمة, عن ابن عباس, في قوله وَيحْمِلُ عَرْشَ رَبّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ قال: ثمانية صفوف من الملائكة.
26922ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وَيحْمِلُ عَرْشَ رَبّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ قال بعضهم: ثمانية صفوف لا يعلم عدتهنّ إلا الله. وقال بعضهم: ثمانية أملاك على خلق الوعلة.
وقال آخرون: بل عنى به ثمانية أملاك. ذكر من قال ذلك:
26923ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد في قوله: وَيحْمِلُ عَرْشَ رَبّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةً قال: ثمانية أملاك, وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يَحْمِلُهُ اليَوْمَ أرْبَعَةٌ, وَيَوْم القِيامَةِ ثَمَانِيَةٌ», وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ أقْدامَهُمْ لَفِي الأرْضِ السّابِعَةِ, وَإنّ مَناكِبَهُمْ لخَارِجَةٌ مِنَ السّمَوَاتِ عَلَيْها العَرْشُ» قال ابن زيد: الأربعة, قال: بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لَمّا خَلَقَهُمُ اللّهُ قالَ: تَدْرُونَ لِمَ خَلَقْتُكُمْ؟ قالُوا: خَلَقْتَنا رَبّنا لِمَا تَشاءُ, قالَ لَهُمْ: تَحْمِلُونَ عَرْشِي, ثُمّ قالَ: سَلُوني مِنَ القُوّةِ ما شِئْتُمْ أجْعَلْها فِيكُمْ, فَقالَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ: قَدْ كانَ عَرْشُ رَبّنا على المَاءِ, فاجَعْلْ فِيّ قُوّةَ المَاءِ, قالَ: قَدْ جَعَلْتُ فيكَ قُوّةَ المَاءِ وقال آخَرُ: اجَعَلْ فِيّ قُوّة السّمَوَات, قالَ: قَدْ جَعَلْتُ فِيكَ قُوّةَ السّمَوَاتِ وقالَ آخَرُ: اجْعَلْ فيّ قُوّةَ الأرْضِ, قالَ: قَدْ جَعَلْتُ فِيكَ قُوّةَ الأرْضِ والجِبالِ وقالَ آخَرُ: اجْعَلْ فِيّ قُوّةَ الرّياح, قالَ: قَدْ جَعَلْتُ فِيكَ قُوّةَ الرّياحِ ثُمّ قال: احْمِلُوا, فَوَضَعُوا العَرْش على كَوَاهِلِهِمْ, فَلَمْ يَزُولُوا قالَ: فَجاءَ عِلْمٌ آخَرُ, وإنّمَا كانَ عِلْمُهُمُ الّذِي سأَلُوهُ القُوّةَ, فَقالَ لَهُمْ: قُولُوا: لا حَوْلَ وَلا قُوّةَ إلاّ باللّهِ, فَقالُوا: لا حَوْلَ وَلا قُوّةَ إلاّ باللّهِ, فَجَعَلَ اللّهُ فِهِمْ مِنَ الْحَوْلِ والقُوّةِ ما لمْ يَبْلُغْهُ عِلْمُهُمْ, فَحَمَلُوا».
26924ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلمة, عن ابن إسحاق, قال: بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «هُمُ اليَوْمَ أرْبَعَةٌ», يعني حملة العرش «وَإذَا كانَ يَوْمُ القِيامَةِ أيّدَهُمُ اللّهُ بأرْبَعَةٍ آخَرِينَ فَكانُوا ثَمانِيَةً وَقَدْ قالَ اللّهُ: وَيحْمِلُ عَرْشَ رَبّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ».
26925ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن عطاء, عن ميسرة, قوله: وَيحْمِلُ عَرْشَ رَبّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ قال: أرجلهم في التخوم لا يستطيعون أن يرفعوا أبصارهم من شعاع النور:
وقوله: يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُم خافِيَةُ يقول تعالى ذكره: يومئذٍ أيها الناس تعرضون على ربكم, وقيل: تعرضون ثلاث عرضات. ذكر من قال ذلك:
26926ـ حدثنا الحسن بن قزعة الباهليّ, قال: حدثنا وكيع بن الجراح, قال: حدثنا عليّ بن عليّ الرفاعيّ, عن الحسن, عن أبي موسى الأشعري, قال: «تُعرض الناس ثلاث عرضات, فأما عرضتان فجدال ومعاذير. وأما الثالثة, فعند ذلك تطير الصحف في الأيدي, فآخذٌ بيمينه, وآخذٌ بشماله».
26927ـ حدثنا مجاهد بن موسى, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سليمان بن حيان, عن مروان الأصغر, عن أبي وائل عن عبد الله, قال: «يعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات: عرضتان معاذير وخصومات, والعرضة الثالثة تطيّر الصحف في الأيدي».
26928ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خافِيَةٌ ذُكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «يُعرضُ الناس ثلاث عرضات يوم القيامة, فأما عرضتان ففيهما خصومات ومعاذير وجدال. وأما العرضة الثالثة فتطيّر الصحف في الأيدي».
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, بنحوه.
وقوله: لا تَخْفَى مِنْكُمْ خافِيَةٌ يقول جلّ ثناؤه: لا تخفى على الله منكم خافية, لأنه عالم بجميعكم, محيط بكلكم.
الآية : 19-20
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{فَأَمّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَآؤُمُ اقْرَؤُاْ كِتَابيَهْ * إِنّي ظَنَنتُ أَنّي مُلاَقٍ حِسَابِيَهْ }.
يقول تعالى ذكره: فأما من أعطي كتاب أعماله بيمينه, فيقول تعالى اقْرءَوُا كِتَابِيَهْ, كما:
26929ـ حدثني يونس بن عبد الأعلى, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قول الله: هاؤُمُ اقْرَءُوا كِتابِيَهْ قال: تعالوا.
26930ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قال: كان بعض أهل العلم يقول: وجدت أكيس الناس من قال: هاؤُمُ اقْرَءُوا كِتابِيَهْ.
وقوله: إنّي ظَنَنْتُ أنّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ يقول: أني علمت أني ملاق حسابيه إذا وردت يوم القيامة على ربي. وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله: إنّي ظَنَنْتُ قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
26931ـ حدثني عليّ, حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله إنّي ظَنَنْت أنّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ يقول: أيقنت.
26932ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة إنّي ظَنَنْتُ إنّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ: ظنّ ظنا يقينا, فنفعه الله بظنه.
26933ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: إنّي ظَنَنْتُ أنّي مُلاقٍ حسابِيَهْ قال: إن الظنّ من المؤمن يقين, وإن «عسى» من الله واجب فَعَسَى أولئِكَ أنْ يَكُونُوا مِنَ المُهتدينَ فَعَسَى أنْ يكُونُوا مِنَ المُفْلِحِينَ.
26934ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة إنّي ظَنَنْتُ أنّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ قال: ما كان من ظنّ الاَخرة فهو علم.
26935ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن جابر, عن مجاهد, قال: كلّ ظنّ في القرآن إنّي ظَنَنْتُ يقول: أي علمت.
الآية : 21-24
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رّاضِيَةٍ * فِي جَنّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُواْ وَاشْرَبُواْ هَنِيئَاً بِمَآ أَسْلَفْتُمْ فِي الأيّامِ الْخَالِيَةِ }. يقول تعالى ذكره: فالذي وصفت أمره, وهو الذي أوتي كتابه بيمينه, في عيشة مرضية, أو عيشة فيها الرضا, فوصفت العيشة بالرضا وهي مرضية, لأن ذلك مدح للعيشة, والعرب تفعل ذلك في المدح والذمّ فتقول: هذا ليل نائم, وسرّ كاتم, وماء دافق, فيوجهون الفعل إليه, وهو في الأصل مفعول لما يراد من المدح أو الذمّ, ومن قال ذلك لم يجز له أن يقول للضارب مضروب, ولا للمضروب ضارب, لأنه لا مدح فيه ولا ذمّ.
وقوله: فِي جَنّةٍ عالِيَةٍ يقول: في بستان عال رفيع, و «في» من قوله في جَنّةٍ من صلة عيشة. وقوله: قُطُوفُها دَانِيَةٌ يقول: ما يقطف من الجنة من ثمارها دانٍ قريب من قاطفه.
وذُكر أن الذي يريد ثمرها يتناوله كيف شاء قائما وقاعدا, لا يمنعه منه بُعد, ولا يحول بينه وبينه شوك. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
26936ـ حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا محمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن أبي إسحاق, قال: سمعت البراء يقول في هذه الاَية قُطُوفُها دَانِيَةٌ قال: يتناول الرجل من فواكهها وهو نائم.
26937ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: قُطُوفُها دَانِيَةٌ: دنت فلا يردّ أيديهم عنها بعد ولا شوك.
وقوله: وكُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئا بِمَا أسْلَفْتُمْ فِي الأيّام الخالِيَةِ يقول لهم ربهم جل ثناؤه: كلوا معشر من رضيت عنه, فأدخلته جنتى من ثمارها, وطيب ما فيها من الأطعمة, واشربوا من أشْرِبتها, هَنِيئا لَكُمْ لا تتأذون بما تأكلون, ولا بما تشربون, ولا تحتاجون من أكل ذلك إلى غائط ولا بول بِمَا أسْلَفْتُمْ فِي الأيّامِ الخالِيَةِ يقول: كلوا واشربوا هنيئا: جزاء من الله لكم, وثوابا بما أسلفتم, أو على ما أسلفتم: أي على ما قدّ متم في دنياكم لاَخرتكم من العمل بطاعة الله في الأيام الخالية, يقول: في أيام الدنيا التي خلت فمضت. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
26938ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قال الله كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنيئا بِمَا أسْلَفْتُمْ فِي الأيام الخالِيَة إن أيامكم هذه أيام خالية: هي أيام فانية, تؤدي إلى أيام باقية, فاعملوا في هذه الأيام, وقدّموا فيها خيرا إن استطعتم, ولا قوّة إلا بالله.
26939ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: بِمَا أسلْفَتُمْ فِي الأيّام الخالِيَةِ قال: أيام الدنيا بما عملوا فيها.
الآية : 25-27
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{وَأَمّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَلَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَلَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ }.
يقول تعالى ذكره: وأما من أعطى يومئذٍ كتاب أعماله بشماله, فيقول: يا ليتني لم أعط كتابيه, وَلَمْ أدْرِ ما حِسابِيَهْ يقول: ولم أدر أيّ شيء حسابيه.
وقوله: يا لَيْتَها كانَتِ القاضِيَةَ يقول: يا ليت الموتة التي منها في الدنيا كانت هي الفراغ من كلّ ما بعدها, ولم يكن بعدها حياة ولا بعث والقضاء: هو الفراغ. وقيل: إنه تمنّى الموت الذي يقضى عليه, فتخرج منه نفسه وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
26940ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: يا لَيْتَها كانَتِ القاضِيَةَ تمنى الموت, ولم يكن في الدنيا شيء أكره عنده من الموت.
26941ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: يا لَيْتَها كانَتِ القاضِيَةَ الموت.
الآية : 28-33
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {مَآ أَغْنَىَ عَنّي مَالِيَهْ * هّلَكَ عَنّي سُلْطَانِيَهْ * خُذُوهُ فَغُلّوهُ * ثُمّ الْجَحِيمَ صَلّوهُ * ثُمّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ * إِنّهُ كَانَ لاَ يُؤْمِنُ بِاللّهِ الْعَظِيمِ }.
يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل الذي أوتي كتابه بشماله: ما أغْنَى عَنّى ماليَهْ يعني أنه لم يدفع عنه ماله الذي كان يملكه في الدنيا من عذاب الله شيئا هَلَكَ عَنّى سُلْطانِيَهْ يقول: ذهبت عنى حججى, وضلت, فلا حجة لي أحتجّ بها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
26942ـ حدثني محمد بن سعد, مقال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس هَلَكَ عَنّى سُلْطانِيَهْ يقول: ضلت عنى كلّ بينة فلم تغن عنى شيئا.
26943ـ حدثني عبد الرحمن بن الأسود الطّفاويّ, قال: حدثنا محمد بن ربيعة, عن النضر بن عربي, قال: سمعت عكرِمة يقول: هَلَكَ عَنّى سُلْطانِيَهْ قال: حُجتي.
26944ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله هَلَكَ عَنّى سُلْطَانِيَهْ قال: حُجتي.
26945ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله هَلَكَ عَنّى سُلْطانِيَهْ أما والله ما كلّ من دخل النار كان أمير قرية يجبيها, ولكن الله خلقهم, وسلطهم على أقرانهم, وأمرهم بطاعة الله, ونهاهم عن معصية الله.
26946ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: هَلَكَ عَنّى سُلْطَانِيَهْ يقول: بينتي ضلّت عني.
وقال آخرون: عنى بالسلطان في هذا الموضع: الملك. ذكر من قال ذلك:
26947ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: هَلَكَ عَنّى سُلْطانِيَهْ قال: سلطان الدنيا.
وقوله: خُذُوهُ فَغُلّوهُ يقول تعالى ذكره لملائكته من خزّان جهنم: خُذُوهُ فَغُلّوهُ ثُمّ الجَحِيمَ صَلّوهُ يقول: ثم في جهنم أوردوه ليصلى فيها ثُمّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِرَاعا فاسْلُكُوهُ يقول: ثم اسكلوه في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا بذراعٍ اللّهٌ أعلم بقدر طولها. وقيل: إنها تدخل في دُبُره, ثم تخرج من منخريه. وقال بعضهم: تدخل في فيه, وتخرج من دبره. ذكر من قال ذلك:
26948ـ حدثنا محمد بن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن نسير بن دعلوق, قال: سمعت نَوْفا يقول: فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِرَاعا قال: كلّ ذراع سبعون باعا, الباع: أبعد ما بينك وبين مكة.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا يحيى, قال: حدثنا سفيان, قال: ثني نسير, قال: سمعت نوفا يقول في رحبة الكوفة في إمارة مصعب بن الزبير في قوله فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِرَاعا قال: الذراع: سبعون باعا, الباع: أبعد ما بينك وبين مكة.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن نسير بن ذعلوق أبي طعمة, عن نوف البكالي فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعا قال: كلّ ذراع سبعون باعا, كلّ باع أبعد مما بينك وبين مكة وهو يومئذٍ في مسجد الكوفة.
26949ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس.
قوله: فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِرَاعا فاسْلُكُوهُ قال: بذراع الملك فاسلكوه, قال: تسلك في دُبره حتى تخرج من منخريه, حتى لا يقوم على رجليه.
26950ـ حدثنا بن المثنى, قال: حدثنا يعمر بن بشير المنقري, قال: حدثنا ابن المبارك, قال: أخبرنا سعيد بن يزيد, عن أبي السمح, عن عيسى بن هلال الصدفي, عن عبد الله بن عمرو بن العاص, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَوْ أنّ رَصَاصَةً مِثْلَ هَذِهِ, وأشار إلى جمجمة, أُرْسلَتْ مِنَ السّماءِ إلى الأرْضِ, وَهيَ مَسِيرَةُ خَمْسِ مِئَةِ سَنَةٍ, لَبَلَغَتِ الأرْضَ قَبْل اللّيْل, وَلَوْ أنّها أُرْسِلَتْ مِنْ رأسِ السّلْسِلَةِ لَسارَتْ أرْبَعِينَ خَرِيفا اللّيْلَ والنّهارَ قَبْلَ أّ تَبْلُغَ قَعْرَها أوْ أصْلَها».
26951ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن ابن المبارك, عن مجاهد, عن جُويبر, عن الضحاك, فاسْلُكُوهُ قال: السلك: أن تدخل السلسلة في فيه, وتخرج من دبره.
وقيل: ثُمّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِرَاعا فاسْلُكُوهُ وإنما تسلك السلسلة في فيه, كما قالت العرب: أدخلت رأسي في القلنسوة, وإنما تدخل القلنسوة في الرأس, وكما قال الأعشي:
إذَا ما السّرَابُ ارْتَدَى بالأَكَمْ
وإنما يرتدي الأكم بالسراب وما أشبه ذلك, وإنما قيل ذلك كذلك لمعرفة السامعين معناه, وإنه لا يشكل على سامعه ما أراد قائله.
وقوله: إنّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ باللّهِ العَظِيمِ يقول: افعلوا ذلك به جزاء له على كفره بالله في الدنيا, إنه كان لا يصدّق بوحدانية الله العظيم
568
566
الآية : 9-12
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{وَجَآءَ فِرْعَوْنُ وَمَن قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ * فَعَصَوْاْ رَسُولَ رَبّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رّابِيَةً * إِنّا لَمّا طَغَا الْمَآءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ * لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَآ أُذُنٌ وَاعِيَةٌ }.
يقول تعالى ذكره: وَجاءَ فِرْعَوْنُ مصر. واختلفت القرّاء في قراءة قوله: وَمَنْ قَبْلَهُ فقرأته عامة قرّاء المدينة والكوفة ومكة خلا الكسائيّ: وَمَنْ قَبْلَهُ بفتح القاف وسكون الباء, بمعنى: وجاء من قبل فرعون من الأمم المكذبة بآيات الله كقوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط بالخطيئة. وقرأ ذلك عامة قرّاء البصرة والكسائي: «وَمَنْ قِبَلِهِ» بكسر القاف وفتح الباء, بمعنى: وجاء مع فرعون من أهل بلده مصر من القبط.
والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى, فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب. وقوله وَالمُؤْتَفِكاتُ بالخاطِئَةِ يقول: والقرى التي ائتفكت بأهلها فصار عاليها سافلها بالخاطِئةِ يعني بالخطيئة. وكانت خطيئتها: إتيانها الذكران في أدبارهم. وبنحو الذي قلنا في معنى قوله وَالمُؤْتَفِكاتُ قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
26887ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالمُؤْتَفِكاتُ قرية لوط. وفي بعض القراءة: «وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ مَعَهُ».
26888ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالمُؤْتَفِكاتُ بالخاطِئَةِ قال: المؤتفكات: قوم لوط, ومدينتهم وزرعهم, وفي قوله: وَالمُؤْتَفِكَةَ أهْوَى قال: أهواها من السماء: رمى بها من السماء أوحى الله إلى جبريل عليه السلام, فاقتلعها من الأرض, ربضها ومدينتها, ثم هوى بها إلى السماء ثم قلبهم إلى الأرض, ثم أتبعهم الصخر حجارة, وقرأ قول الله: حِجارَةً مِنْ سِجّيل مَنْضُودٍ مُسَوّمَةً قال: المسوّمة: المُعَدّة للعذاب.
26889ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالمُؤْتَفِكاتُ بالخاطِئَةَ يعني المكذّبين.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة وَالمُؤْتَفِكاتُ هم قوم لوط, ائتفكت بهم أرضُهم.
وبما قلنا في قوله: بالخاطِئَةِ قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
26890ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد بالخاطِئَةِ قال: الخطايا.
وقوله: فَعَصَوْا رَسُولَ رَبّهِمْ يقول جلّ ثناؤه: فعصى هؤلاء الذين ذكرهم الله, وهم فرعون ومن قبله والمؤتفكات رسول ربهم.
وقوله: فأخَذَهُمْ أخْذَةً رَابِيَةً يقول: فأخذهم ربهم بتكذيبهم رسله أخذة, يعني أخذة زائدة شديدة نامية, من قولهم: أربيت: إذا أخذ أكثر مما أعطى من الربا يقال: أربيتَ فرَبا رِباك, والفضة والذهب قد رَبَوا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
26891ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: ينا عيسى, وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد أخْذَةً رَابِيَةً قال: شديدة.
26892ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: فأخَذَهُمْ أخْذَةً رَابِيَةً يعني أخذة شديدة.
26893ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد في قوله الله: فأخَذَهُمْ أخْذَةً رَابِيَةً قال: كما يكون في الخير رابية كذلك يكون في الشرّ رابية, قال: ربا عليهم: زاد عليهم, وقرأ قول الله عزّ وجلّ: إنّ الّذِينَ كَفَرُوا وَصَدّوا عَنْ سَبِيلِ اللّهِ زِدْناهُمْ عَذَابا فَوْقَ العَذَابِ, وقرأ قول الله عزّ وجلّ: وَالّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وآتاهُمْ تَقْوَاهُمْ يقول: ربا لهؤلاء الخير ولهؤلاء الشرّ.
وقوله: إنّا لَمّا طَغَى المَاءُ حَمَلْناكُمْ فِي الجارِيَةِ يقول تعالى ذكره: إنا لما كثر الماء فتجاوز حدّه المعروف, كان له, وذلك زمن الطوفان.
وقيل: إنه زاد فعلاً فوق كلّ شيء بقدر خمس عشرة ذراعا. ذكر من قال ذلك, ومن قال في قوله: طَغَى مثل قولنا:
26894ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة إنّا لَمّا طَغَى المَاءُ قال: بلغنا أنه طغى فوق كلّ شيء خمس عشرة ذراعا.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: إنّا لَمّا طَغَى المَاءُ حَمَلْناكُمْ في الجارِيَةِ ذاكم زمن نوح طغى الماء على كلّ خمس عشرة ذراعا بقدر كل شيء.
26895ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يعقوب القُميّ, عن جعفر بن أبي المغيرة, عن سعيد بن جُبير, في قوله: إنّا لَمّا طَغَى المَاءُ حَمَلْناكُمْ في الجارِيَةِ قال: لم تنزل من السماء قطرة إلا بعلم الخزّان, إلا حيث طغى الماء, فإنه قد غضب لغضب الله, فطغى على الخزان, فخرج ما لا يعلمون ما هو.
26896ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: إنّا لَمّا طَغَى المَاءُ حَمَلْناكُمْ فِي الجارِيَةِ إنما يقول: لما كثر.
حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله إنّا لَمّا طَغَى المَاءُ يعني كثر الماء ليالي غرّق الله قوم نوح.
26897ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: إنّا لمّا طَغَى المَاءُ حَمَلْناكُم قال محمد ابن عمرو في حديثه: طما وقال الحارث: ظهر.
26898ـ حُدثت عن الحسين بن الفرج, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد, عن الضحاك, في قوله: لَمّا طَغَى المَاءُ: كثر وارتفع.
وقوله: حَمَلْناكُمْ فِي الجارِيَةِ يقول: حملناكم في السفينة التي تجري في الماء. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
26899ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: حَمَلْناكُمْ فِي الجارِيَةِ الجارية: السفينة.
26900ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: حَمَلْناكُمْ فِي الجارِيَةِ والجارية: سفينة نوح التي حملتم فيها.
وقيل: حملناكم, فخاطب الذين نزل فيهم القرآن, وإنما حمل أجدادهم نوحا وولده, لأن الذين خوطبوا بذلك ولد الذين حملوا في الجارية, فكان حمل الذين حملوا فيها من الأجداد حملاً لذرّيتهم على ما قد بيّنا من نظائر ذلك في أماكن كثيرة من كتابنا هذا.
وقوله: لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً يقول: لنجعل السفينة الجارية التي حملناكم فيها لكم تذكرة, يعني عبرة وموعظة تتعظون بها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
26901ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً فأبقاها الله تذكرة وعبرة وآية حتى نظر إليها أوائل هذه الأمة, وكم من سفينة قد كانت بعد سفينة نوح قد صارت رمادا.
وقوله: وَتَعِيها أُذُنٌ وَاعِيَةٌ يعني حافظة عقلت عن الله ما سمعت. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
26902ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس وَتَعِيَها أُذُنٌ وَاعِيَةٌ يقول: حافظة.
26903ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس وَتَعِيها أُذُنٌ وَاعِيَة يقول: سامعة, وذلك الإعلان. ذكر من قال ذلك:
26904ـ حدثنا نصر بن عليّ, قال: حدثنا أبي, قال: حدثنا خالد بن قيس, عن قتادة وَتَعِيها أُذُنٌ وَاعِيَةٌ قال: أذن عقلت عن الله.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَتَعِيها أُذُنٌ وَاعِيَةٌ أذن عقلت عن الله, فانتفعت بما سمعت من كتاب الله.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة أُذُنٌ وَاعِيَةٌ قال: أذن سمعت, وعقلت ما سمعت.
26905ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد, قال: الضحاك يقول في قوله: وَتَعِيَها أُذُنٌ وَاعِيَةٌ سمعتها أذن ووعت.
26906ـ حدثنا عليّ بن سهل, قال: حدثنا الوليد بن مسلم, عن عليّ بن حوشب, قال: سمعت مكحولاً يقول: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: وَتَعِيها أُذُنٌ وَاعِيَةٌ ثم التفت إلى عليّ, فقال: «سأَلْتُ اللّهَ أنْ يَجْعَلَها أُذُنَكَ», قال عليّ رضي الله عنه: فما سمعت شيئا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فنسيته.
26907ـ حدثني محمد بن خلف, قال: ثني بشر بن آدم, قال: حدثنا عبد الله بن الزبير, قال: ثني عبد الله بن رستم, قال: سمعت بُرَيدة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعليّ: «يا عَليّ إنّ اللّهَ أمَرَنِي أنْ أُدْنِيَكَ وَلا أُقْصِيَكَ, وأنْ أُعَلّمَكَ, وأنْ تَعيَ, وحَقّ على اللّهِ أنْ تَعِيَ», قال: فنزلت وَتَعِيها أُذُنٌ وَاعِيَةٌ.
حدثني محمد بن خلف, قال: حدثنا الحسن بن حماد, قال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم أبو يحيى التيميّ عن فضيل بن عبد الله, عن أبي داود, عن بُرَيدة الأسلميّ, قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعليّ: «إنّ اللّهَ أمَرَني أنْ أُعَلّمَكَ وأنْ أُدْنِيَكَ وَلا أجْفُوَكَ وَلا أُقْصِيَكَ», ثم ذكر مثله.
26908ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: وَتَعِيها أُذُنٌ وَاعِيَةٌ قال: واعية يحذرون معاصي الله أن يعذّبهم الله عليها, كما عذّب من كان قبلهم تسمعها فتعيها, إنما تعي القلوب ما تسمع الاَذان من الخير والشرّ من باب الوعي.
الآية : 13-15
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{فَإِذَا نُفِخَ فِي الصّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ * وَحُمِلَتِ الأرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكّتَا دَكّةً وَاحِدَةً * فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ }.
يقول تعالى ذكره: فإذَا نُفِخَ فِي الصّورِ إسرافيل نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ وهي النفخة الأولى, وحُمِلَتِ الأرْضُ والجِبالُ فَدُكّتا دَكّةً وَاحِدَةً يقول: فزلزلتا زلزلة واحدة.
وكان ابن زيد يقول في ذلك ما:
26909ـ حدثني به يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: وحُمِلَتِ الأرْضُ والجِبالُ فَدُكّتا دَكّةً وَاحِدَةً قال: صارت غبارا.
وقيل: فَدُكّتا وقد ذكر قبل الجبال والأرض, وهي جماع, ولم يقل: فدككن, لأنه جعل الجبال كالشيء الواحد, كما قال الشاعر:
هُمَا سَيّدَانِ يَزْعُمانِ وإنّمايَسُودانِنا إنْ يَسّرَتْ غَنَماهُمَا
وكما قيل: أنّ السّمَوَاتِ والأرْضَ كانَتا رَتْقا. فيومئذٍ وقعت الواقعة يقول جلّ ثناؤه: فيومئذٍ وقعت الصيحة الساعة, وقامت القيامة.
الآية : 16-18
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{وَانشَقّتِ السّمَآءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ * وَالْمَلَكُ عَلَىَ أَرْجَآئِهَآ وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ * يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لاَ تَخْفَىَ مِنكُمْ خَافِيَةٌ }.
يقول تعالى ذكره: وانصدعت السماء فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ يقول: منشقة متصدّعة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
26910ـ حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقيّ, قال: حدثنا أبو أسامة, عن الأجلح, قال: سمعت الضحاك بن مزاحم, قال: «إذا كان يوم القيامة أمر الله السماء الدنيا بأهلها, ونزل من فيها من الملائكة, فأحاطوا بالأرض ومن عليها, ثم الثانية, ثم الثالثة, ثم الرابعة, ثم الخامسة, ثم السادسة, ثم السابعة, فصفوا صفا دون صفّ ثم نزل الملك الأعلى على مجنّبته اليسرى جهنم, فإذا رآها أهل الأرض ندّوا, فلا يأتون قطرا من أقطار الأرض إلا وجدوا سبعة صفوف من الملائكة, فيرجعون إلى المكان الذي كانوا فيه, فذلك قوله الله: إنّي أخافُ عَلَيْكُمْ يَوْم التّنادِ يَوْمَ تُوَلّونَ مُدْبِرِينَ ما لَكُمْ مِنَ اللّهِ مِنْ عاصِمٍ وذلك قوله: وَجاءَ رَبّكَ وَالمَلَكُ صَفّا صَفّا وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنّمَ, وقوله: يا مَعْشَرَ الجِنّ والإنْسِ إنِ اسْتَطَعْتُمْ أنْ تَنْفُذُوا مِنْ أقْطارِ السّمَواتِ والأرْضِ فانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إلاّ بِسُلْطانٍ وذلك قوله: وَانْشَقّتِ السّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ وَالمَلَك على أرْجائها».
26911ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: وَانْشَقّتِ السّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ يعني: متمزّقة ضعيفة.
والملكُ على أرجائها يقول تعالى ذكره: والملك على أطراف السماء حين تشقق وحافاتها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
26912ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: والمَلَكُ على أرْجائها يقول: والملك على حافات السماء حين تشقّق ويقال: على شقة, كلّ شيء تشقّق عنه.
26913ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: وَالمَلَكُ على أرْجائها قال: أطرافها.
26914ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يعقوب, عن جعفر, عن سعيد, في قوله: وَالمَلَكُ على أرْجائها قال: على حافات السماء.
26915ـ حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي, قال: حدثنا أبو أُسامة, عن الأجلح, قال: قلت للضحاك: ما أرجاؤها, قال: حافاتها.
26916ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال ثني سعيد: عن قتادة والملكُ على أرجائها على حافاتها.
26917ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر وَالمَلَكُ على أرْجائها قال: بلغني أنها أقطارها, قال قتادة: على نواحيها.
26918ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان وَالمَلَكُ على أرْجائها قال: نواحيها.
26919ـ حدثني الحارث, قال: حدثنا الأشيب, قال: حدثنا ورقاء, عن عطاء بن السائب, عن سعيد بن المسيب: الأرجاء حافات السماء.
26920ـ قال: ثنا الأشيب, قال: حدثنا أبو عوانة, عن عطاء بن السائب, عن سعيد بن جُبير وَالمَلَكُ على أرْجائها قال: على ما لم يَهِ منها.
حدثنا محمد بن سنان القزاز, قال: حدثنا حسين الأشقر, قال: حدثنا أبو كدينة, عن عطاء, عن سعيد بن جُبير, عن ابن عباس, في قوله والمَلَكُ على أرْجائها قال: على ما لم يَهِ منها.
وقوله: وَيحْمِلُ عَرْشَ رَبّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ اختلف أهل التأويل في الذي عنى بقوله ثَمانِيَةٌ فقال بعضهم: عنى به ثمانية صفوف من الملائكة, لا يعلم عدّتهنّ إلا الله. ذكر من قال ذلك:
26921ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا طلق عن ظهير, عن السديّ, عن أبي مالك عن ابن عباس: وَيحْمِلُ عَرْشَ رَبّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ قال: ثمانية صفوف من الملائكة لا يعلم عدتهم إلا الله.
حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ين عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, في قوله وَيحْمِلُ عَرْشَ رَبّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ قال: هي الصفوف من وراء الصفوف.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يحيى بن واضح, قال: حدثنا الحسين, عن يزيد, عن عكرِمة, عن ابن عباس, في قوله وَيحْمِلُ عَرْشَ رَبّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ قال: ثمانية صفوف من الملائكة.
26922ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وَيحْمِلُ عَرْشَ رَبّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ قال بعضهم: ثمانية صفوف لا يعلم عدتهنّ إلا الله. وقال بعضهم: ثمانية أملاك على خلق الوعلة.
وقال آخرون: بل عنى به ثمانية أملاك. ذكر من قال ذلك:
26923ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد في قوله: وَيحْمِلُ عَرْشَ رَبّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةً قال: ثمانية أملاك, وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يَحْمِلُهُ اليَوْمَ أرْبَعَةٌ, وَيَوْم القِيامَةِ ثَمَانِيَةٌ», وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ أقْدامَهُمْ لَفِي الأرْضِ السّابِعَةِ, وَإنّ مَناكِبَهُمْ لخَارِجَةٌ مِنَ السّمَوَاتِ عَلَيْها العَرْشُ» قال ابن زيد: الأربعة, قال: بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لَمّا خَلَقَهُمُ اللّهُ قالَ: تَدْرُونَ لِمَ خَلَقْتُكُمْ؟ قالُوا: خَلَقْتَنا رَبّنا لِمَا تَشاءُ, قالَ لَهُمْ: تَحْمِلُونَ عَرْشِي, ثُمّ قالَ: سَلُوني مِنَ القُوّةِ ما شِئْتُمْ أجْعَلْها فِيكُمْ, فَقالَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ: قَدْ كانَ عَرْشُ رَبّنا على المَاءِ, فاجَعْلْ فِيّ قُوّةَ المَاءِ, قالَ: قَدْ جَعَلْتُ فيكَ قُوّةَ المَاءِ وقال آخَرُ: اجَعَلْ فِيّ قُوّة السّمَوَات, قالَ: قَدْ جَعَلْتُ فِيكَ قُوّةَ السّمَوَاتِ وقالَ آخَرُ: اجْعَلْ فيّ قُوّةَ الأرْضِ, قالَ: قَدْ جَعَلْتُ فِيكَ قُوّةَ الأرْضِ والجِبالِ وقالَ آخَرُ: اجْعَلْ فِيّ قُوّةَ الرّياح, قالَ: قَدْ جَعَلْتُ فِيكَ قُوّةَ الرّياحِ ثُمّ قال: احْمِلُوا, فَوَضَعُوا العَرْش على كَوَاهِلِهِمْ, فَلَمْ يَزُولُوا قالَ: فَجاءَ عِلْمٌ آخَرُ, وإنّمَا كانَ عِلْمُهُمُ الّذِي سأَلُوهُ القُوّةَ, فَقالَ لَهُمْ: قُولُوا: لا حَوْلَ وَلا قُوّةَ إلاّ باللّهِ, فَقالُوا: لا حَوْلَ وَلا قُوّةَ إلاّ باللّهِ, فَجَعَلَ اللّهُ فِهِمْ مِنَ الْحَوْلِ والقُوّةِ ما لمْ يَبْلُغْهُ عِلْمُهُمْ, فَحَمَلُوا».
26924ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلمة, عن ابن إسحاق, قال: بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «هُمُ اليَوْمَ أرْبَعَةٌ», يعني حملة العرش «وَإذَا كانَ يَوْمُ القِيامَةِ أيّدَهُمُ اللّهُ بأرْبَعَةٍ آخَرِينَ فَكانُوا ثَمانِيَةً وَقَدْ قالَ اللّهُ: وَيحْمِلُ عَرْشَ رَبّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ».
26925ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن عطاء, عن ميسرة, قوله: وَيحْمِلُ عَرْشَ رَبّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ قال: أرجلهم في التخوم لا يستطيعون أن يرفعوا أبصارهم من شعاع النور:
وقوله: يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُم خافِيَةُ يقول تعالى ذكره: يومئذٍ أيها الناس تعرضون على ربكم, وقيل: تعرضون ثلاث عرضات. ذكر من قال ذلك:
26926ـ حدثنا الحسن بن قزعة الباهليّ, قال: حدثنا وكيع بن الجراح, قال: حدثنا عليّ بن عليّ الرفاعيّ, عن الحسن, عن أبي موسى الأشعري, قال: «تُعرض الناس ثلاث عرضات, فأما عرضتان فجدال ومعاذير. وأما الثالثة, فعند ذلك تطير الصحف في الأيدي, فآخذٌ بيمينه, وآخذٌ بشماله».
26927ـ حدثنا مجاهد بن موسى, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سليمان بن حيان, عن مروان الأصغر, عن أبي وائل عن عبد الله, قال: «يعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات: عرضتان معاذير وخصومات, والعرضة الثالثة تطيّر الصحف في الأيدي».
26928ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خافِيَةٌ ذُكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «يُعرضُ الناس ثلاث عرضات يوم القيامة, فأما عرضتان ففيهما خصومات ومعاذير وجدال. وأما العرضة الثالثة فتطيّر الصحف في الأيدي».
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, بنحوه.
وقوله: لا تَخْفَى مِنْكُمْ خافِيَةٌ يقول جلّ ثناؤه: لا تخفى على الله منكم خافية, لأنه عالم بجميعكم, محيط بكلكم.
الآية : 19-20
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{فَأَمّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَآؤُمُ اقْرَؤُاْ كِتَابيَهْ * إِنّي ظَنَنتُ أَنّي مُلاَقٍ حِسَابِيَهْ }.
يقول تعالى ذكره: فأما من أعطي كتاب أعماله بيمينه, فيقول تعالى اقْرءَوُا كِتَابِيَهْ, كما:
26929ـ حدثني يونس بن عبد الأعلى, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قول الله: هاؤُمُ اقْرَءُوا كِتابِيَهْ قال: تعالوا.
26930ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قال: كان بعض أهل العلم يقول: وجدت أكيس الناس من قال: هاؤُمُ اقْرَءُوا كِتابِيَهْ.
وقوله: إنّي ظَنَنْتُ أنّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ يقول: أني علمت أني ملاق حسابيه إذا وردت يوم القيامة على ربي. وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله: إنّي ظَنَنْتُ قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
26931ـ حدثني عليّ, حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله إنّي ظَنَنْت أنّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ يقول: أيقنت.
26932ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة إنّي ظَنَنْتُ إنّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ: ظنّ ظنا يقينا, فنفعه الله بظنه.
26933ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: إنّي ظَنَنْتُ أنّي مُلاقٍ حسابِيَهْ قال: إن الظنّ من المؤمن يقين, وإن «عسى» من الله واجب فَعَسَى أولئِكَ أنْ يَكُونُوا مِنَ المُهتدينَ فَعَسَى أنْ يكُونُوا مِنَ المُفْلِحِينَ.
26934ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة إنّي ظَنَنْتُ أنّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ قال: ما كان من ظنّ الاَخرة فهو علم.
26935ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن جابر, عن مجاهد, قال: كلّ ظنّ في القرآن إنّي ظَنَنْتُ يقول: أي علمت.
الآية : 21-24
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رّاضِيَةٍ * فِي جَنّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُواْ وَاشْرَبُواْ هَنِيئَاً بِمَآ أَسْلَفْتُمْ فِي الأيّامِ الْخَالِيَةِ }. يقول تعالى ذكره: فالذي وصفت أمره, وهو الذي أوتي كتابه بيمينه, في عيشة مرضية, أو عيشة فيها الرضا, فوصفت العيشة بالرضا وهي مرضية, لأن ذلك مدح للعيشة, والعرب تفعل ذلك في المدح والذمّ فتقول: هذا ليل نائم, وسرّ كاتم, وماء دافق, فيوجهون الفعل إليه, وهو في الأصل مفعول لما يراد من المدح أو الذمّ, ومن قال ذلك لم يجز له أن يقول للضارب مضروب, ولا للمضروب ضارب, لأنه لا مدح فيه ولا ذمّ.
وقوله: فِي جَنّةٍ عالِيَةٍ يقول: في بستان عال رفيع, و «في» من قوله في جَنّةٍ من صلة عيشة. وقوله: قُطُوفُها دَانِيَةٌ يقول: ما يقطف من الجنة من ثمارها دانٍ قريب من قاطفه.
وذُكر أن الذي يريد ثمرها يتناوله كيف شاء قائما وقاعدا, لا يمنعه منه بُعد, ولا يحول بينه وبينه شوك. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
26936ـ حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا محمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن أبي إسحاق, قال: سمعت البراء يقول في هذه الاَية قُطُوفُها دَانِيَةٌ قال: يتناول الرجل من فواكهها وهو نائم.
26937ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: قُطُوفُها دَانِيَةٌ: دنت فلا يردّ أيديهم عنها بعد ولا شوك.
وقوله: وكُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئا بِمَا أسْلَفْتُمْ فِي الأيّام الخالِيَةِ يقول لهم ربهم جل ثناؤه: كلوا معشر من رضيت عنه, فأدخلته جنتى من ثمارها, وطيب ما فيها من الأطعمة, واشربوا من أشْرِبتها, هَنِيئا لَكُمْ لا تتأذون بما تأكلون, ولا بما تشربون, ولا تحتاجون من أكل ذلك إلى غائط ولا بول بِمَا أسْلَفْتُمْ فِي الأيّامِ الخالِيَةِ يقول: كلوا واشربوا هنيئا: جزاء من الله لكم, وثوابا بما أسلفتم, أو على ما أسلفتم: أي على ما قدّ متم في دنياكم لاَخرتكم من العمل بطاعة الله في الأيام الخالية, يقول: في أيام الدنيا التي خلت فمضت. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
26938ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قال الله كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنيئا بِمَا أسْلَفْتُمْ فِي الأيام الخالِيَة إن أيامكم هذه أيام خالية: هي أيام فانية, تؤدي إلى أيام باقية, فاعملوا في هذه الأيام, وقدّموا فيها خيرا إن استطعتم, ولا قوّة إلا بالله.
26939ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: بِمَا أسلْفَتُمْ فِي الأيّام الخالِيَةِ قال: أيام الدنيا بما عملوا فيها.
الآية : 25-27
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{وَأَمّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَلَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَلَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ }.
يقول تعالى ذكره: وأما من أعطى يومئذٍ كتاب أعماله بشماله, فيقول: يا ليتني لم أعط كتابيه, وَلَمْ أدْرِ ما حِسابِيَهْ يقول: ولم أدر أيّ شيء حسابيه.
وقوله: يا لَيْتَها كانَتِ القاضِيَةَ يقول: يا ليت الموتة التي منها في الدنيا كانت هي الفراغ من كلّ ما بعدها, ولم يكن بعدها حياة ولا بعث والقضاء: هو الفراغ. وقيل: إنه تمنّى الموت الذي يقضى عليه, فتخرج منه نفسه وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
26940ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: يا لَيْتَها كانَتِ القاضِيَةَ تمنى الموت, ولم يكن في الدنيا شيء أكره عنده من الموت.
26941ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: يا لَيْتَها كانَتِ القاضِيَةَ الموت.
الآية : 28-33
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {مَآ أَغْنَىَ عَنّي مَالِيَهْ * هّلَكَ عَنّي سُلْطَانِيَهْ * خُذُوهُ فَغُلّوهُ * ثُمّ الْجَحِيمَ صَلّوهُ * ثُمّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ * إِنّهُ كَانَ لاَ يُؤْمِنُ بِاللّهِ الْعَظِيمِ }.
يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل الذي أوتي كتابه بشماله: ما أغْنَى عَنّى ماليَهْ يعني أنه لم يدفع عنه ماله الذي كان يملكه في الدنيا من عذاب الله شيئا هَلَكَ عَنّى سُلْطانِيَهْ يقول: ذهبت عنى حججى, وضلت, فلا حجة لي أحتجّ بها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
26942ـ حدثني محمد بن سعد, مقال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس هَلَكَ عَنّى سُلْطانِيَهْ يقول: ضلت عنى كلّ بينة فلم تغن عنى شيئا.
26943ـ حدثني عبد الرحمن بن الأسود الطّفاويّ, قال: حدثنا محمد بن ربيعة, عن النضر بن عربي, قال: سمعت عكرِمة يقول: هَلَكَ عَنّى سُلْطانِيَهْ قال: حُجتي.
26944ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله هَلَكَ عَنّى سُلْطَانِيَهْ قال: حُجتي.
26945ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله هَلَكَ عَنّى سُلْطانِيَهْ أما والله ما كلّ من دخل النار كان أمير قرية يجبيها, ولكن الله خلقهم, وسلطهم على أقرانهم, وأمرهم بطاعة الله, ونهاهم عن معصية الله.
26946ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: هَلَكَ عَنّى سُلْطَانِيَهْ يقول: بينتي ضلّت عني.
وقال آخرون: عنى بالسلطان في هذا الموضع: الملك. ذكر من قال ذلك:
26947ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: هَلَكَ عَنّى سُلْطانِيَهْ قال: سلطان الدنيا.
وقوله: خُذُوهُ فَغُلّوهُ يقول تعالى ذكره لملائكته من خزّان جهنم: خُذُوهُ فَغُلّوهُ ثُمّ الجَحِيمَ صَلّوهُ يقول: ثم في جهنم أوردوه ليصلى فيها ثُمّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِرَاعا فاسْلُكُوهُ يقول: ثم اسكلوه في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا بذراعٍ اللّهٌ أعلم بقدر طولها. وقيل: إنها تدخل في دُبُره, ثم تخرج من منخريه. وقال بعضهم: تدخل في فيه, وتخرج من دبره. ذكر من قال ذلك:
26948ـ حدثنا محمد بن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن نسير بن دعلوق, قال: سمعت نَوْفا يقول: فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِرَاعا قال: كلّ ذراع سبعون باعا, الباع: أبعد ما بينك وبين مكة.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا يحيى, قال: حدثنا سفيان, قال: ثني نسير, قال: سمعت نوفا يقول في رحبة الكوفة في إمارة مصعب بن الزبير في قوله فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِرَاعا قال: الذراع: سبعون باعا, الباع: أبعد ما بينك وبين مكة.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن نسير بن ذعلوق أبي طعمة, عن نوف البكالي فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعا قال: كلّ ذراع سبعون باعا, كلّ باع أبعد مما بينك وبين مكة وهو يومئذٍ في مسجد الكوفة.
26949ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس.
قوله: فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِرَاعا فاسْلُكُوهُ قال: بذراع الملك فاسلكوه, قال: تسلك في دُبره حتى تخرج من منخريه, حتى لا يقوم على رجليه.
26950ـ حدثنا بن المثنى, قال: حدثنا يعمر بن بشير المنقري, قال: حدثنا ابن المبارك, قال: أخبرنا سعيد بن يزيد, عن أبي السمح, عن عيسى بن هلال الصدفي, عن عبد الله بن عمرو بن العاص, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَوْ أنّ رَصَاصَةً مِثْلَ هَذِهِ, وأشار إلى جمجمة, أُرْسلَتْ مِنَ السّماءِ إلى الأرْضِ, وَهيَ مَسِيرَةُ خَمْسِ مِئَةِ سَنَةٍ, لَبَلَغَتِ الأرْضَ قَبْل اللّيْل, وَلَوْ أنّها أُرْسِلَتْ مِنْ رأسِ السّلْسِلَةِ لَسارَتْ أرْبَعِينَ خَرِيفا اللّيْلَ والنّهارَ قَبْلَ أّ تَبْلُغَ قَعْرَها أوْ أصْلَها».
26951ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن ابن المبارك, عن مجاهد, عن جُويبر, عن الضحاك, فاسْلُكُوهُ قال: السلك: أن تدخل السلسلة في فيه, وتخرج من دبره.
وقيل: ثُمّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِرَاعا فاسْلُكُوهُ وإنما تسلك السلسلة في فيه, كما قالت العرب: أدخلت رأسي في القلنسوة, وإنما تدخل القلنسوة في الرأس, وكما قال الأعشي:
إذَا ما السّرَابُ ارْتَدَى بالأَكَمْ
وإنما يرتدي الأكم بالسراب وما أشبه ذلك, وإنما قيل ذلك كذلك لمعرفة السامعين معناه, وإنه لا يشكل على سامعه ما أراد قائله.
وقوله: إنّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ باللّهِ العَظِيمِ يقول: افعلوا ذلك به جزاء له على كفره بالله في الدنيا, إنه كان لا يصدّق بوحدانية الله العظيم
الصفحة رقم 567 من المصحف تحميل و استماع mp3