تفسير الطبري تفسير الصفحة 581 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 581
582
580
 الآية : 20-24
القول في تأويل قوله تعالى:{أَلَمْ نَخْلُقكّم مّن مّآءٍ مّهِينٍ * فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مّكِينٍ * إِلَىَ قَدَرٍ مّعْلُومٍ * فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ }.
يقول تعالى ذكره: أَلمْ نَخْلُقْكُمْ أيها الناس مِنْ ماءٍ مّهِينٍ يعني من نطفة ضعيفة, كما:
27786ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: أَلمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ يعني بالمهين: الضعيف.
وقوله: فَجَعَلْناهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ يقول: فجعلنا الماء المَهِين في رحمٍ استقرّ فيها فتمكن. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
27787ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: فِي قَرَارٍ مَكِينٍ قال: الرحم.
وقوله: إلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ يقول: إلى وقت معلوم لخروجه من الرحم عند الله, فَقَدَرْنا فَنِعْمَ الْقادِرُونَ اختلفت القرّاء في قراءة ذلك, فقرأته عامة قرّاء المدينة: «فَقَدّرْنا» بالتشديد. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة والبصرة بالتخفيف.
والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان, فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب, وإن كنت أوثر التخفيف لقوله: فَنِعْمَ القادِرُونَ, إذ كانت العرب قد تجمع بين اللغتين, كما قال: فَمَهّلِ الْكافِرِينَ أمْهِلْهُمْ رُوَيْدا فجمع بين التشديد والتخفيف, كما قال الأعشى:
وأنْكَرَتْنِي وَما كانَ الّذِي نَكِرَتْمِنَ الْحَوَادِثِ إلاّ الشّيْبَ والصّلَعا
وقد يجوز أن يكون المعنى في التشديد والتخفيف واحدا. فإنه محكيّ عن العرب, قُدِر عليه الموت, وقُدّر بالتخفيف والتشديد. وعنى بقوله: فَقَدَرْنا فَنِعْمَ الْقادِرُونَ ما:
27788ـ حدثنا به ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن ابن المبارك عن جويبر, عن الضحاك فَقَدَرْنا فَنِعْمَ الْقادِرُونَ قال: فملكنا فنعم المالكون.
وقوله: وَيْلٌ يَوْمَئٍذٍ للْمُكَذّبِينَ يقول جلّ ثناؤه: ويل يومئذ للمكذّبين بأن الله خلقهم من ماء مهين.

الآية : 25-28
القول في تأويل قوله تعالى:{أَلَمْ نَجْعَلِ الأرْضَ كِفَاتاً * أَحْيَآءً وَأَمْواتاً * وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُم مّآءً فُرَاتاً * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ }.
يقول تعالى ذكره منبها عباده على نعمه عليهم: أَلمْ نَجْعَلِ أيها الناس الأرْضَ لكم كِفاتا يقول: وعاء تقول: هذا كفت هذا وكفيته, إذا كان وعاءه. وإنما معنى الكلام: ألم نجعل الأرض كِفاتَ أحيائكم وأمواتكم, تَكْفِت أحياءكم في المساكن والمنازل, فتضمهم فيها وتجمعهم, وأمواتَكم في بطونها في القبور, فيُدفَنون فيها.
وجائز أن يكون عُني بقوله: كِفاتا أحْياءا وأمْوَاتا تكفت أذاهم في حال حياتهم, وجيفهم بعد مماتهم.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
27789ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, في قوله: أَلمْ نَجْعَلِ الأرْضَ كِفاتا يقول: كِنّا.
27790ـ حدثنا عبد الحميد بن بيان, قال: أخبرنا خالد, عن مسلم, عن زاذان أبي عمر, عن الربيع بن خيثم, عن عبد الله بن مسعود, أنه وجد قملة في ثوبه, فدفنها في المسجد ثم قال: أَلمْ نَجْعَلِ الأرْضَ كِفاتا أحْياءً وأمْوَاتا.
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا أبو معاوية, قال: حدثنا مسلم الأعور, عن زاذان, عن ربيع بن خيثم, عن عبد الله, مثله.
27791ـ حدثني يعقوب, قال: حدثنا ابن علية, عن ليث, قال: قال مجاهد في الذي يرى القملة في ثوبه وهو في المسجد, ولا أدري قال في صلاة أم لا, إن شئت فألقها, وإن شئت فوارها أَلمْ نَجْعَلِ الأرْضَ كِفاتا أحْياءً وأمْوَاتا.
27792ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, عن شريك, عن بيان, عن الشعبيّ أَلمْ نَجْعَلِ الأرْضَ كِفاتا أحْياءً وأمْوَاتا قال: بطنها لأمواتكم, وظهرها لأحيائكم.
27793ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن عثمان بن الأسود, عن مجاهد أَلمْ نَجْعَلِ الأرْضَ كِفاتا قال: تكفت أذاهم أحْياءً تواريه وأمْوَاتا يدفنون: تكفتهم. وقد:
حدثني به ابن حميد مرّة أخرى, فقال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن عثمان بن الأسود, عن مجاهد أَلمْ نَجْعَلِ الأرْضَ كِفاتا قال: تكفت أذاهم وما يخرج منهم أحْياءً وأمْوَاتا قال: تكفتهم في الأحياء والأموات.
27794ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد أَلمْ نَجْعَلِ الأرْضَ كِفاتا أحْياءً وأمْوَاتا قال: أحياء يكونون فيها. قال محمد بن عمرو: يغيبون فيها ما أرادوا وقال الحارث: ويغيبون فيها ما أرادوا. وقوله: أحْياءً وأمْوَاتا قال: يدفنون فيها.
27795ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: أَلمْ نَجْعَلِ الأرْضَ كِفاتا أحْياءً وأمْوَاتا يسكن فيها حيهم, ويدفن فيها ميتهم.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة أحْياءً وأمْوَاتا قال: أحياء فوقها على ظهرها, وأمواتا يُقبرون فيها.
واختلف أهل العربية في الذي نصب أحْياءً وأمْوَاتا فقال بعض نحويي البصرة: نصب على الحال. وقال بعض نحويي الكوفة: بل نصب ذلك بوقوع الكفات عليه, كأنك قلت: ألم نجعل الأرض كفات أحياء وأموات, فإذا نوّنت نصبت كما يقرأ من يقرأ: أوْ إطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيما ذَا مَقْرَبَةٍ وهذا القول أشبه عندي بالصواب.
وقوله: وَجَعَلْنا فِيها رَوَاسِيَ شامِخاتٍ يقول تعالى ذكره: وجعلنا في الأرض جبالاً ثابتات فيها, باذخات شاهقات, كما:
27796ـ حدثني بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَجَعَلْنا فِيها رَوَاسِيَ شامِخاتٍ يعني الجبال.
27797ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: رَوَاسِيَ شامِخاتٍ يقول: جبالاً مشرفات.
وقوله: وأسْقَيْناكُمْ ماءً فُرَاتا يقول: وأسقيناكم ماء عذبا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
27798ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس وأسْقَيْناكُمْ ماءً فُرَاتا يقول: عذبا.
27799ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: ثني أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: ماءً فُرَاتا قال: عذبا.
27800ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وأسْقَيْناكُمْ ماءً فُرَاتا: أي ماء عذبا.
27801ـ حدثنا محمد بن سنان القزّاز, قال: حدثنا أبو عاصم, عن شبيب, عن عكرِمة, عن ابن عباس: وأسْقَيْناكُمْ ماءً فُرَاتا قال: من أربعة أنهار: سيحانَ, وجيحان, والنيل, والفراتِ, وكل ماء يشربه ابن آدم, فهو من هذه الأنهار, وهي تخرج من تحت صخرة من عند بيت المقدس. وأما سيحان فهو بِبَلْخ, وأما جيحان فدجلة, وأما الفرات ففرات الكوفة, وأما النيل فهو بمصر.
وقوله: وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ للْمُكَذّبِينَ يقول: ويل يومئذ للمكذّبين بهذه النعم التي أنعمتها عليكم من خلقي الكافرين بها.
الآية : 29-34
القول في تأويل قوله تعالى:{انطَلِقُوَاْ إِلَىَ مَا كُنتُمْ بِهِ تُكَذّبُونَ * انطَلِقُوَاْ إِلَىَ ظِلّ ذِي ثَلاَثِ شُعَبٍ * لاّ ظَلِيلٍ وَلاَ يُغْنِي مِنَ اللّهَبِ * إِنّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ * كَأَنّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ }.
يقول تعالى ذكره لهؤلاء المكذّبين بهذه النّعم والحجج التي احتجّ بها عليهم يوم القيامة: انْطَلِقُوا إلى ما كُنْتُمْ بِهِ في الدنيا تُكَذّبُونَ من عذاب الله لأهل الكفر به انْطَلِقُوا إلى ظِلّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ يعني تعالى ذكره: إلى ظلّ دخان ذي ثلاث شعب لا ظَلِيلٍ, وذلك أنه يرتفع من وقودها الدخان فيما ذُكر, فإذا تصاعد تفرّق شعبا ثلاثا, فذلك قوله: ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ.
27802ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: إلى ظِلّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ قال: دخان جهنم.
27803ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة ظِلّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ قال: هو كقوله: نارا أحاطَ بِهِمْ سُرَادِقُها قال: والسرادق: دخان النار, فأحاط بهم سرادقها, ثم تفرّق, فكان ثلاث شعب, فقال: انطلقوا إلى ظلّ ذي ثلاث شعب: شعبة ههنا, وشعبة ههنا, وشعبة ههنا لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللّهَبِ.
وقوله: لا ظَلِيلٍ يقول: لا هو يظلهم من حرّها وَلا يُغْنِي مِنَ اللّهَبِ ولا يُكِنّهم من لهبها.
وقوله: إنّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كالقَصْرِ يقول تعالى ذكره: إن جهنم ترمي بشرر كالقصر, فقرأ ذلك قرّاء الأمصار: كالْقَصْرِ بجزم الصاد.
واختلف الذين قرأوا ذلك كذلك في معناه, فقال بعضهم: هو واحد القصور. ذكر من قال ذلك:
27804ـ حدثني عليّ, قال حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: إنّها تَرْمي بِشَرَرٍ كالْقَصْرِ يقول: كالقصر العظيم.
27805ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن خصيف, عن مجاهد إنّها تَرْمي بِشَرَرٍ كالْقَصْرِ قال: ذكر القصر.
27806ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرني يزيد بن يونس, عن أبي صخر في قول الله: إنّها تَرْمي بِشَرَرٍ كالْقَصْرِ قال: كان القرظي يقول: إن على جهنم سورا, فما خرج من وراء السور مما يرجع فيها في عظم القصر, ولون القار.
وقال آخرون: بل هو الغليظ من الخشب, كأصول النخل وما أشبه ذلك. ذكر من قال ذلك:
27807ـ حدثنا وكيع, عن سفيان, عن عبد الرحمن بن عابس, قال: سألت ابن عباس عن قوله: إنّها تَرْمي بِشَرَرٍ كالْقَصْرِ قال: القصر: خشب كنا ندّخره للشتاء ثلاث أذرع, وفوق ذلك, ودون ذلك كنا نسميه القصر.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا مؤمل, قال: حدثنا سفيان, قال: سمعت عبد الرحمن بن عابس, قال: سمعت ابن عباس يقول في قوله: إنّها تَرْمي بِشَرَرٍ كالْقَصْرِ قال: القصر: خشب كان يُقْطع في الجاهلية ذراعا وأقلّ أو أكثر, يُعْمَد به.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن عبد الرحمن بن عابس, قال: سمعت ابن عباس يقول في قوله: إنّها تَرْمي بِشَرَرٍ كالْقَصْرِ قال: كنا في الجاهلية نقصر ذراعين أو ثلاث أذرع, وفوق ذلك ودون ذلك نسميه القصر.
حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله إنّها تَرْمي بشَرَرٍ كالْقَصْرِ فالقصر: الشجر المقطع, ويقال: القصر: النخل المقطوع.
27808ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى: وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: كالْقَصْرِ قال: حزم الشجر, يعني الحزمة.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا محمد بن جعفر, قال: حدثنا ابن أبي عديّ, عن شعبة, عن أبي بشر, عن سعيد بن جُبير, عن ابن عباس في هذه الاَية إنّها تَرْمي بِشَرَرٍ كالْقَصْرِ قال: مثل قَصْر النخلة.
27809ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: إنّها تَرْمي بِشَرَرٍ كالْقَصْرِ أصول الشجر, وأصول النخل.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة بِشَرَرٍ كالْقَصْرِ قال: كأصل الشجر.
27810ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: بِشَرَرٍ كالْقَصْرِ القصر: أصول الشجر العظام, كأنها أجواز الإبل الصفر وسط كل شيء جوزُه, وهي الأجواز.
27811ـ حدثنا أحمد بن يوسف, قال: حدثنا القاسم, قال: حدثنا حجاج, عن هارون, قال: قرأها الحسن: كالْقَصْرِ وقال: هو الجزل من الخشب قال: واحدته: قصرة وقصر, مثله: جمرة وجمر, وتمرة وتمر.
وذُكر عن ابن عباس أنه قرأ ذلك: «كالْقَصَرِ» بتحريك الصاد.
27812ـ حدثني أحمد بن يوسف, قال: حدثنا القاسم, قال: حدثنا حجاج, عن هارون, قال: أخبرني حسين المعلم, عن أبي بشر, عن سعيد بن جُبير, عن ابن عباس أنه قرأها: «كالقَصَرِ» بفتح القاف والصاد.
27813ـ قال: وقال هارون: أخبرني أبو عمرو أن ابن عباس قرأها: «كالْقَصَرِ» وقال: قصر النخل, يعني الأعناق.
وأولى القراءتين بالصواب في ذلك عندنا ما عليه قرّاء الأمصار, وهو سكون الصاد, وأولى التأويلات به أنه القصر من القصور, وذلك لدلالة قوله: كأنهُ جِمالاتٌ صُفْرٌ على صحته, والعرب تشبه الإبل بالقصور المبنية, كما قال الأخطل في صفة ناقة:
كأنها بُرْجُ رُوميَ يُشَيّدُهلُزّ بِجصّ وآجُرَ وأحْجارِ
وقيل: بِشَرَرٍ كالقَصْرِ ولم يقل كالقصور, والشررِ: جماع, كما قيل: سَيُهْزَمُ الجَمْعُ وَيُوَلّونَ الدّبُرَ ولم يقل الأدبار, لأن الدبر بمعنى الأدبار, وفعل ذلك توفيقا بين رؤوس الاَيات ومقاطع الكلام, لأن العرب تفعل ذلك كذلك, وبلسانها نزل القرآن. وقيل: كالقصر, ومعنى الكلام: كعظم القصر, كما قيل: تَدوُر أعُيُنهم كالذي يُغْشَى عليه مِنَ الموتِ ولم يقل: كعيون الذي يغشى عليه, لأن المراد في التشبيه الفعل لا العين.
27814ـ حدثنا محمد بن المثنى, قال: حدثنا محمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن عطاء بن السائب, أنه سأل الأسود عن هذه الاَية: تَرْمي بِشَرَرٍ كالْقَصْرِ فقال: مثل القصر.
وقوله: جِمالاتٌ صُفْرٌ اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك, فقال بعضهم: معنى ذلك: كأن الشرر الذي ترمي به جهنم كالقصر جِمالات سود: أي أينق سود وقالوا: الصفر في هذا الموضع, بمعنى السود. قالوا: وإنما قيل لها صفر وهِي سود, لأن ألوان الإبل سود تضرب إلى الصفرة, ولذلك قيل لها صُفْر, كما سميت الظباء أدما, لما يعلوها في بياضها من الظلمة. ذكر من قال ذلك:
27815ـ حدثني أحمد بن عمرو البصري, قال: حدثنا بدل بن المحبّر, قال: حدثنا عباد بن راشد, عن داود بن أبي هند, عن الحسن كأنّهُ جِمالَةٌ صُفْرٌ قال: الأينق السود.
27816ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة كأنّهُ جِمالاتٌ صُفْرٌ كالنّوق السود الذي رأيتم.
27817ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله: جِمالاتٌ صُفْرٌ قال: نوق سود.
27818ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران وحدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, جميعا عن سفيان, عن خصيف, عن مجاهد كأنّهُ جِمالاتٌ صُفْرٌ قال: هي الإبل.
قال: ثنا مهران, عن سعيد, عن قتادة كأنّهُ جِمالاتٌ صُفْرٌ قال: كالنوق السود الذي رأيتم.
وقال آخرون: بل عُني بذلك: قُلُوس السفن, شبّه بها الشرر. ذكر من قال ذلك:
27819ـ حدثني محمد بن سعيد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس كأنّهُ جِمالات صُفْرٌ فالجِمالات الصفر: قلوس السفن التي تجمع فتوثق بها السفن.
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, عن سعيد, عن عبد الرحمن بن عابس, قال: سألت ابن عباس عن قوله: كأنّهُ جِمالاتٌ صُفْرٌ قال: قُلُوس سفن البحر يجمل بعضها على بعض, حتى تكون كأوساط الرجال.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن عبد الرحمن بن عابس, قال: سمعت ابن عباس سُئل عن جِمالاتٌ صُفْرٌ فقال: حبال السفن يجمع بعضها إلى بعض حتى تكون كأوساط الرجال.
27820ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا مؤمل, قال: حدثنا سفيان, قال: سمعت عبد الرحمن بن عابس, قال: حدثنا عبد الملك بن عبد الله, قال: حدثنا هلال بن خباب, عن سعيد بن جُبير, في قوله: جِمالاتٌ صَفْرٌ قال: قُلوس الجِسر.
حدثني محمد بن حويرة بن محمد المنقري, قال: حدثنا عبد الملك بن عبد الله القطان, قال: حدثنا هلال بن خَبّاب, عن سعيد بن جُبير, مثله.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا محمد بن جعفر وابن أبي عديّ, عن شعبة, عن أبي بشر, عن سعيد بن جُبير كأنّهُ جِمالات صُفْرٌ قال: الحبال.
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, عن سفيان, عن أبي إسحاق, عن سليمان بن عبد الله, عن ابن عباس كأنّهُ جِمالاتٌ صُفْرٌ قال: قلوس سفن البحر.
27821ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: كأنّهُ جِمالاتٌ صُفْرٌ قال: حبال الجسور.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: كأنه قطع النّحاس. ذكر من قال ذلك:
27822ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: كأنّهُ جِمالاتٌ صُفْرٌ يقول: قطع النحاس.
وأولى الأقوال عندي بالصواب قول من قال: عُنِي بالجمالات الصفر: الإبل السود, لأن ذلك هو المعروف من كلام العرب, وأن الجِمالات جمع جِمال, نظير رِجال ورِجالات, وبُيوت وبُيوتات.
وقد اختلف القرّاء في قراءة ذلك, فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة وبعض الكوفيين: «جِمالاتٍ» بكسر الجيم والتاء على أنها جمع جِمال وقد يجوز أن يكون أريد بها جمع جِمالة, والجمالة جمع جَمَل كما الحجارة جمع حَجَر, والذّكارة جمع ذَكَر. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفيين: كأنه جِمالَةٌ بكسر الجيم على أنها جمع جمل جُمع على جمالة, كما ذكرت مِن جمع حجَر حِجارة. ورُوي عن ابن عباس أنه كان يقرأ: «جُمالاتٌ» بالتاء وضمّ الجيم كأنه جمع جُمالة من الشيء المجمل.
27823ـ حدثنا أحمد بن يوسف, قال: حدثنا القاسم, قال: حدثنا حجاج, عن هارون, عن الحسين المعلم, عن أبي بشر, عن سعيد بن جُبير, عن ابن عباس.
والصواب من القول في ذلك, أن لقارىء ذلك اختيارَ أيّ القراءتين شاء من كسر الجيم وقراءتها بالتاء وكسر الجيم, وقراءتها بالهاء التي تصير في الوصل تاء, لأنهما القراءتان المعروفتان في قرّاء الأمصار فأما ضم الجيم فلا أستجيزه لإجماع الحجة من القرّاء على خلافه.
وقوله: وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذّبِينَ يقول تعالى ذكره: ويل يوم القيامة للمكذّبين هذا الوعيد الذي توعد الله به المكذّبين من عباده.


الآية : 35-40
القول في تأويل قوله تعالى: {هَـَذَا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ * وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ * هَـَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالأوّلِينَ * فَإِن كَانَ لَكمُ كَيْدٌ فَكِيدُونِ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ }.
يقول تعالى ذكره لهؤلاء المكذّبين بثواب الله وعقابه: هَذَا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ أهل التكذيب بثواب الله وعقابه وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيْعْتَذِرُونَ مما اجترموا في الدنيا من الذنوب.
فإن قال قائل: وكيف قيل: هَذَا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ وقد علمت بخبر الله عنهم أنهم يقولون: رَبّنا أخْرِجْنا مِنْها وأنهم يقولون: رَبّنا أَمَتّنا اثْنَتَينِ وأحْيَيْتَنا اثْنَتَين في نظائر ذلك مما أخبر الله ورسوله عنهم أنهم يقولونه؟ قيل: إن ذلك في بعض الأحوال دون بعض.
وقوله: هَذَا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ يخبر عنهم أنهم لا ينطقون في بعض أحوال ذلك اليوم, لا أنهم لا ينطقون ذلك اليوم كله.
فإن قال: فهل من بُرهان يعلم به حقيقة ذلك؟ قيل: نعم, وذلك إضافة يوم إلى قوله: لا يَنْطِقُونَ والعرب لا تُضيف اليوم إلى فعل يفعل, إلا إذا أرادت الساعة من اليوم والوقت منه, وذلك كقولهم: آتيك يومَ يقدمُ فلان, وأتيتك يوم زارك أخوك, فمعلوم أن معنى ذلك: أتيتك ساعة زارك, أو آتيك ساعة يقدُم, وأنه لم يكن إتيانه إياه اليوم كله, لأن ذلك لو كان أخذ اليوم كله لم يضف اليوم إلى فعل ويفعل, ولكن فعل ذلك إذ كان اليوم بمعنى إذ وإذا اللتين يطلبان الأفعال دون الأسماء.
وقوله: فَيَعْتَذِرُونَ رفعا عطفا على قوله: وَلا يُؤْذَنَ لَهُمْ وإنما اختير ذلك على النصب وقبله جحد, لأنه رأس آية قرن بينه وبين سائر رؤوس الاَيات التي قبلها, ولو كان جاء نصبا كان جائزا, كما قال: لا يقضى عليهم فيموتوا, وكلّ ذلك جائز فيه, أعني الرفع والنصب, كما قيل: مَنْ ذَا الّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضا حَسَنا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ رفعا ونصبا.
وقوله: وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكُذّبِينَ يقول تعالى ذكره: ويل يومئذ للمكذّبين بخبر الله عن هؤلاء القوم, وما هو فاعل بهم يوم القيامة.
وقوله: هَذَا يَوْمُ الفَصْلِ جَمَعْناكُمْ والأوّلِينَ يقول تعالى ذكره لهؤلاء المكذّبين بالبعث يوم يبعثون: هذا يوم الفصل الذي يَفْصل الله فيه بالحقّ بين عباده جَمَعْناكُمْ والأوّلِينَ يقول: جمعناكم فيه لموعدكم الذي كنا نعدكم في الدنيا الجمع فيه بينكم وبين سائر من كان قبلكم من الأمم الهالكة, فقد وفّينا لكم بذلك فإنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ يقول: والله منجز لكم ما وعدكم في الدنيا من العقاب على تكذيبكم إياه بأنكم مبعوثون لهذا اليوم إن كانت لكم حيلة تحتالونها في التخلص من عقابه اليوم فاحتالوا.
وقوله: وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ للْمُكَذّبِينَ يقول: ويل يومئذ للمكذّبين بهذا الخبر.
الآية : 41-45
القول في تأويل قوله تعالى: {إِنّ الْمُتّقِينَ فِي ظِلاَلٍ وَعُيُونٍ * وَفَوَاكِهَ مِمّا يَشْتَهُونَ * كُلُواْ وَاشْرَبُواْ هَنِيـَئاً بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * إِنّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ }.
يقول تعالى ذكره: إن الذين اتقوا عقاب الله بأداء فرائضه في الدنيا, واجتناب معاصيه فِي ظِلالٍ ظليلة, وكِنّ كَنِين, لا يصيبهم أذى حرّ ولا قرّ, إذ كان الكافرون بالله في ظلّ ذي ثلاث شعب, لا ظليل ولا يغني من اللهب وعُيُونٍ أنهار تجري خلال أشجار جناتهم وَفَوَاكِهَ مِمّا يَشْتَهُونَ يأكلون منها كلما اشتهوا لا يخافون ضرّها, ولا عاقبة مكروهها.
وقوله: كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئا بما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ يقول تعالى ذكره: يقال لهم: كلوا أيها القوم من هذه الفواكه, واشربوا من هذه العيون كلما اشتهيتم هنيئا يقول: لا تكدير عليكم, ولا تنغيص فيما تأكلونه وتشربون منه, ولكنه لكم دائم لا يزول, ومريء لا يورثكم أذى في أبدانكم.
وقوله: بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ يقول جلّ ثناؤه يقال لهم: هذا جزاء بما كنتم في الدنيا تعملون من طاعة الله, وتجتهدون فيما يقرّبكم منه.
وقوله: إنّا كَذَلكَ نَجْزِي المُحْسِنِينَ يقول: إنا كما جزينا هؤلاء المتقين بما وصفنا من الجزاء على طاعتهم إيانا في الدنيا, كذلك نجزي ونثيب أهل الإحسان في طاعتهم إيانا, وعبادتهم لنا في الدنيا على إحسانهم لا نضيع في الاَخرة أجرهم.
وقوله: وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذّبِينَ يقول: ويل للذين يكذّبون خبر الله عما أخبرهم به من تكريمه هؤلاء المتقين بما أكرمهم به يوم القيامة.

الآية : 46-49
القول في تأويل قوله تعالى: {كُلُواْ وَتَمَتّعُواْ قَلِيلاً إِنّكُمْ مّجْرِمُونَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ * وَإذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُواْ لاَ يَرْكَعُونَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ }.
يقول تعالى ذكره تهدّدا ووعيدا منه للمكذّبين بالبعث: كلوا في بقية آجالكم, وتمتعوا ببقية أعماركم إنّكُمْ مُجْرِمُونَ مَسْنُونٌ بكم سنة من قبلكم من مجرمي الأمم الخالية التي متعت بأعمارها إلى بلوغ كتبها آجالها, ثم انتقم الله منها بكفرها, وتكذيبها رسلها.
2حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: كُلُوا وتَمَتّعُوا قَلِيلاً إنّكُم مُجْرِمُونَ قال: عُني به أهل الكفر.
وقوله: وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذّبِينَ يقول تعالى ذكره: ويل يومئذ للمكذبين الذين كذّبوا خبر الله الذي أخبرهم به عما هو فاعل بهم في هذه الاَية.
وقوله: وَإذَا قِيلَ لهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ يقول تعالى ذكره: وإذا قيل لهؤلاء المجرمين المكذّبين بوعيد الله أهل التكذيب به: اركعوا, لا يركعون.
واختلف أهل التأويل في الحين الذي يقال لهم فيه, فقال بعضهم: يقال ذلك في الاَخرة حين يُدْعون إلى السجود فلا يستطيعون. ذكر من قال ذلك:
27824ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: وَإذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ يقول: يُدْعون يوم القيامة إلى السجود فلا يستطيعون السجود من أجل أنهم لم يكونوا يسجدون لله في الدنيا.
وقال آخرون: بل قيل ذلك لهم في الدنيا. ذكر من قال ذلك:
27825ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَإذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ عليكم بحسن الركوع, فإن الصلاة من الله بمكان. وقال قتادة عن ابن مسعود, أنه رأى رجلاً يصلي ولا يركع, وآخر يجرّ إزاره, فضحك, قالوا: ما يُضحكك؟ قال: أضحكني رجلان, أما أحدهما فلا يقبل الله صلاته, وأما الاَخر فلا ينظر الله إليه.
وقيل: عُنِي بالركوع في هذا الموضع الصلاة. ذكر من قال ذلك:
27826ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: وَإذَا قِيلَ لَهُمْ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ قال: صَلّوا.
وأولى الأقوال في ذلك أن يقال: إن ذلك خبر من الله تعالى ذكره عن هؤلاء القوم المجرمين أنهم كانوا له مخالفين في أمره ونهيه, لا يأتمرون بأمره, ولا ينتهون عما نهاهم عنه.
وقوله: وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ للْمُكَذّبِينَ يقول: ويل للذين كذّبوا رسل الله, فردّوا عليهم ما بلغوا من أمر الله إياهم, ونهيه لهم.
الآية : 50
القول في تأويل قوله تعالى: {فَبِأَيّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ }.
يقول تعالى ذكره: فبأيّ حديث بعد هذا القرآن, أي أنتم أيها القوم كذّبتم به مع وضوح برهانه, وصحة دلائله, أنه حقّ من عند الله تؤمنون, يقول: تصدّقون.
وإنما أعلمهم تعالى ذكره أنهم إن لم يصدّقوا بهذه الأخبار التي أخبرهم بها في هذا القرآن مع صحة حججه على حقيقته لم يمكنهم الإقرار بحقيقة شيء من الأخبار التي لم يشاهدوا المخبرَ عنه, ولم يعاينوه, وأنهم إن صدّقوا بشيء مما غاب عنهم لدليل قام عليه لزمهم مثل ذلك في أخبار هذا القرآن, والله أعلم.

نهاية تفسير الإمام الطبري لسورة المرسلات