تفسير الطبري تفسير الصفحة 580 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 580
581
579
 الآية : 25-27
القول في تأويل قوله تعالى:{وَاذْكُرِ اسْمَ رَبّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً * وَمِنَ اللّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً * إِنّ هَـَؤُلاَءِ يُحِبّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَآءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً }.
يقول تعالى ذكره: وَاذْكُرْ يا محمد اسْمَ رَبّكَ فادعه به بكرة في صلاة الصبح, وعشيا في صلاة الظهر والعصر وَمِنَ اللّيْلِ فاسْجُدْ لَهُ يقول: ومن الليل فاسجد له في صلاتك, فسبحه ليلاً طويلاً, يعني: أكثر الليل, كما قال جلّ ثناؤه: قُمِ اللّيْلَ إلاّ قَلِيلاً نِصْفَهُ أوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً أو زِدْ عَلَيْهِ. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
27738ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: وَمِنَ اللّيْلِ فاسْجُدْ لَهُ وَسَبّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً يعني: الصلاة والتسبيح.
27739ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: وَاذْكُرْ اسْمَ رَبّكَ بُكْرَةً وَأصِيلاً قال: بكرة: صلاة الصبح وأصيلاً صلاة الظهر الأصيل.
وقوله: ومِنَ اللّيْلِ فاسْجُدْ لَهُ وَسَبّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً قال: كان هذا أوّل شيء فريضة. وقرأ: يا أيّها المُزّمّلُ قُمِ اللّيْلَ إلاّ قَلِيلاً نِصْفَهُ, ثم قال: إنّ رَبّكَ يَعْلَمُ أنّكَ تَقُومُ أدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ... إلى قوله فاقْرَءُوا ما تَيَسّرَ مِنَ القُرآنِ... إلى آخر الاَية, ثم قال: مُحِيي هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن الناس, وجعله نافلة فقال: وَمِنَ اللّيْلِ فَتَهَجّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ قال: فجعلها نافلة.
وقوله: إنّ هَؤُلاءِ يُحِبّونَ العاجِلَةَ يقول تعالى ذكره: إن هؤلاء المشركين بالله يحبون العاجلة, يعني الدنيا, يقول: يحبون البقاء فيها وتعجبهم زينتها ويذرونَ وراءهُمْ يوما ثَقِيلاً يقول: ويدعون خلف ظهورهم العمل للاَخرة, وما لهم فيه النجاة من عذاب الله يومئذ وقد تأوّله بعضهم بمعنى: ويذرون أمامهم يوما ثقيلاً وليس ذلك قولاً مدفوعا, غير أن الذي قلناه أشبه بمعنى الكلمة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
27740ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْما ثَقِيلاً قال: الاَخرة.
الآية : 28-29
القول في تأويل قوله تعالى:{نّحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَآ أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدّلْنَآ أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلاً * إِنّ هَـَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَآءَ اتّخَذَ إِلَىَ رَبّهِ سَبِيلاً }.
يقول تعالى ذكره: نحن خلقنا هؤلاء المشركين بالله المخالفين أمره ونهيه وَشَدَدْنا أسْرَهُمْ: وشددنا خلقهم, من قولهم: قد أُسِر هذا الرجل فأُحسِن أسره, بمعنى: قد خُلِقَ فأُحسِن خَلْقه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
27741ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: نَحْنُ خَلَقْناهُمْ وَشَدَدْنا أسْرَهُمْ يقول: شددنا خلقهم.
27742ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد قوله: وَشَدَدْنا أسْرَهُمْ قال: خَلْقهم.
27743ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَشَدَدْنا أسْرَهُمْ: خَلْقهم.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, مثله.
وقال آخرون: الأَسْر: المفاصل. ذكر من قال ذلك:
27744ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, سمعته, يعني خلادا يقول: سمعت أبا سعيد, وكان قرأ القرآن على أبي هريرة قال: ما قرأت القرآن إلا على أبي هريرة, هو أقرأني, وقال في هذه الاَية وَشَدَدْنا أسْرَهُمْ قال: هي المفاصل.
وقال آخرون: بل هو القوّة. ذكر من قال ذلك:
27745ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: وَشَدَدْنا أسْرَهُمْ قال: الأسر: القوّة.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب القول الذي اخترناه, وذلك أن الأسر, هو ما ذكرت عند العرب ومنه قول الأخطل:
مِنْ كلّ مُجْتَنَبٍ شَدِيدٍ أسْرُهسَلِسِ الْقِيادِ تَخالُهُ مُخْتالاَ
ومنه قول العامة: خذه بأسره: أي هو لك كله.
وقوله: وَإذَا شِئْنا بَدّلْنا أمْثالَهُمْ تَبْدِيلاً يقول: وإذا نحن شئنا أهلكنا هؤلاء وجئنا بآخرين سواهم من جنسهم أمثالهم من الخلق, مخالفين لهم في العمل. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
27746ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: بَدّلْنا أمْثالَهُمْ تَبْدِيلاً قال: بني آدم الذين خالفوا طاعة الله, قال: وأمثالهم من بني آدم.
وقوله: إنّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ يقول: إن هذه السورة تذكرة لمن تذكر واتعظ واعتبر. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
27747ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة في قوله: إنّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ قال: إن هذه السورة تذكرة.
وقوله: فَمَنْ شاءَ اتّخَذَ إلى رَبّهِ سَبِيلاً يقول: فمن شاء أيها الناس اتخذ إلى رضا ربه بالعمل بطاعته, والانتهاء إلى أمره ونهيه, سبيلاً.
الآية : 30-31
القول في تأويل قوله تعالى:{وَمَا تَشَآءُونَ إِلاّ أَن يَشَآءَ اللّهُ إِنّ اللّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً * يُدْخِلُ مَن يَشَآءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظّالِمِينَ أَعَدّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً }.
يقول تعالى ذكره: وَما تَشاءُونَ اتخاذ السبيل إلى ربكم أيها الناس إلاّ أنْ يَشاءَ اللّهُ ذلك لكم لأن الأمر إليه لا إليكم وهو في قراءة عبد الله فيما ذُكر: «وَما تَشاءُونَ إلاّ ما شاءَ اللّهُ».
وقوله إنّ اللّهَ كانَ عَلِيما حَكِيما فلن يعدو منكم أحد ما سبق له في علمه بتدبيركم.
وقوله: يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ يقول: يدخل ربكم من يشاء منكم في رحمته, فيتوب عليه حتى يموت تائبا من ضلالته, فيغفر له ذنوبه, ويُدخله جنته والظّالَمِيِنَ أعَدّ لَهُمْ عَذَابا ألِيما يقول: الذين ظلموا أنفسهم, فماتوا على شركهم, أعدّ لهم في الاَخرة عذابا مؤلما موجعا, وهو عذاب جهنم. ونصب قوله: والظّالمِينَ لأن الواو ظرف لأعدّ, والمعنى: وأعدّ للظالمين عذابا أليما. وذُكر أن ذلك في قراءة عبد الله: «ولِلظّالِمِينَ أعَدّ لَهُمْ» بتكرير اللام, وقد تفعل العرب ذلك, وينشد لبعضهم:
أقولُ لهَا إذا سألَتْ طَلاقا إلامَ تُسارِعِينَ إلى فِرَاقي؟
ولاَخر:
فأصْبَحْنَ لا يسأَلَنْهُ عَنْ بِمَا بِهِ أصَعّد فِي غاوِي الهَوَى أمْ تَصَوّبا؟
بتكرير الباء, وإنما الكلام لا يسألنه عما به.

نهاية تفسير الإمام الطبري لسورة الإنسان

سورة المرسلات

بسم الله الرحمَن الرحيـم

الآية : 1-6
القول في تأويل قوله تعالى:{وَالْمُرْسَلاَتِ عُرْفاً * فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفاً * والنّاشِرَاتِ نَشْراً * فَالْفَارِقَاتِ فَرْقاً * فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْراً * عُذْراً أَوْ نُذْراً }.
اختلف أهل التأويل في معنى قول الله: وَالمُرْسَلاتِ عُرْفا فقال بعضهم: معنى ذلك: والرياح المرسلات يتبع بعضها بعضا, قالوا: والمرسَلات: هي الرياح. ذكر من قال ذلك:
27748ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا المحاربي, عن المسعودي, عن سَلَمة بن كَهيَل, عن أبي العُبيدين أنه سأل ابن مسعود فقال: والمُرْسَلاتِ عُرْفا قال: الريح.
حدثنا خلاد بن أسلم, قال: حدثنا النضر بن شميل, قال: أخبرنا المسعودي, عن سَلَمة بن كهيل, عن أبي العُبيدين أنه سأل عبد الله بن مسعود, فذكر نحوه.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن سلمة بن كهيل, عن مسلم, عن أبي العُبيدين, قال: سألت عبد الله بن مسعود, فذكر نحوه.
27749ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله والمُرْسَلاتِ عُرْفا يعني الريح.
27750ـ حدثنا محمد بن المثنى, قال: حدثنا عبيد الله بن معاذ, قال: ثني أبي, عن شعبة, عن إسماعيل السديّ, عن أبي صالح صاحب الكلبي في قوله وَالمُرْسَلاتِ عُرْفا قال: هي الرياح.
27751ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد وَالمُرْسَلاتِ عُرْفا قال: الريح.
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, عن سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله.
قال: ثنا وكيع, عن سفيان, عن سَلَمَة بن كهيل, عن مسلم البطين, عن أبي العُبيدين, قال: سألت عبد الله عن المُرْسَلاتِ عُرْفا قال: الريح.
27752ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَالمُرْسَلاتِ عُرْفا قال: هي الريح.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, مثله.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: والملائكة التي تُرسَل بالعرف. ذكر من قال ذلك:
27753ـ حدثني أبو السائب, قال: حدثنا أبو معاوية, عن الأعمش, عن مسلم, قال: كان مسروق يقول في المرسلات: هي الملائكة.
27754ـ حدثنا إسرائيل بن أبي إسرائيل, قال: أخبرنا النضر بن شميل, قال: حدثنا شعبة, عن سليمان, قال: سمعت أبا الضحى, عن مسروق, عن عبد الله في قوله: وَالمُرْسَلاتِ عُرْفا قال: الملائكة.
27755ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا جابر بن نوح ووكيع عن إسماعيل, عن أبي صالح في قوله: وَالمُرْسَلاتِ عُرْفا قال: هي الرسل ترسل بالعُرف.
حدثنا عبد الحميد بن بيان السكري, قال: حدثنا محمد بن يزيد, عن إسماعيل, قال: سألت أبا صالح عن قوله وَالمُرْسَلاتِ عُرْفا قال: هي الرسل ترسل بالمعروف.
قالوا: فتأويل الكلام والملائكة التي أرسلت بأمر الله ونهيه, وذلك هو العرف. وقال بعضهم: عُني بقوله عُرْفا: متتابعا كعرف الفرس, كما قالت العرب: الناس إلى فلان عرف واحد, إذا توجهوا إليه فأكثروا. ذكر من قال ذلك:
27756ـ حُدثت عن داود بن الزبرقان, عن صالح بن بريدة, في قوله: عُرْفا قال: يتبع بعضها بعضا.
والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إن الله تعالى ذكره أقسم بالمرسلات عرفا, وقد ترسل عُرْفا الملائكة, وترسل كذلك الرياح, ولا دلالة تدلّ على أن المعنيّ بذلك أحد الحِزْبين دون الاَخر وقد عمّ جلّ ثناؤه بإقسامه بكل ما كانت صفته ما وصف, فكلّ من كان صفته كذلك, فداخل في قسمه ذلك مَلَكا أو ريحا أو رسولاً من بني آدم مرسلاً.
وقوله: فالْعاصِفاتِ عَصْفا يقول جلّ ذكره: فالرياح العاصفات عصفا, يعني الشديدات الهبوب السريعات الممرّ. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
27757ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا أبو الأحوص, عن سماك, عن خالد, عن عُرْعرة أن رجلاً قام إلى عليّ رضي الله عنه, فقال: ما العاصفات عصفا؟ قال: الريح.
27758ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا المحاربي, عن المسعودي, عن سَلَمَة بن كهيل, عن أبي العُبيدين أنه سأل عبد الله بن مسعود, فقال: ما العاصفات عصفا؟ قال: الريح.
حدثنا خلاد بن أسلم, قال: أخبرنا النضر بن شميل, قال: أخبرنا المسعودي, عن سلمة بن كهيل, عن أبي العُبيدين, عن عبد الله, مثله.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن سلمة بن كهيل, عن مسلم البطين, عن أبي العُبيدين قال: سألت عبد الله بن مسعود, فذكر مثله.
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, عن سفيان, عن سلمة بن كهيل, عن مسلم البطين, عن أبي العُبيدين, قال: سألت عبد الله, فذكر مثله.
27759ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قال: فالْعاصِفاتِ عَصْفا قال: الريح.
27760ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, عن سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله.
27761ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا جابر بن نوح, عن إسماعيل, عن أبي صالح فالْعاصِفاتِ عَصْفا قال: هي الرياح.
حدثنا عبد الحميد بن بَيَان, قال: أخبرنا محمد بن يزيد, عن إسماعيل قال: سألت أبا صالح عن قوله: فالْعاصِفاتِ عَصْفا قال: هي الرياح.
حدثنا محمد بن المثنى, قال: حدثنا عبيد الله بن معاذ, قال: ثني أبي, عن شعبة, عن إسماعيل السديّ عن أبي صالح صاحب الكلبي, في قوله فالْعاصِفاتِ عَصْفا قال: هي الرياح.
حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري, قال: حدثنا أبو معاوية الضرير وسعيد بن محمد, عن إسماعيل بن أبي خالد, عن أبي صالح, في قوله فالْعاصِفاتِ عَصْفا قال: هي الريح.
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, عن إسماعيل, عن أبي صالح, مثله.
قال: ثنا وكيع, عن إسرائيل, عن سماك, عن خالد بن عُرْعرة, عن عليّ رضي الله عنه فالْعاصِفاتِ عَصْفا قال: الريح.
27762ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: فالْعاصِفاتِ عَصْفا قال: الرياح.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, مثله.
وقوله: والنّاشِرَاتِ نَشْرا اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك, فقال بعضهم: عُني بالناشرات نَشْرا: الريح. ذكر من قال ذلك:
27763ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا المحاربي, عن المسعودي, عن سَلَمَة بن كهيل, عن أبي العُبيدين أنه سأل ابن مسعود عن النّاشِرَاتِ نَشْرا قال: الريح.
حدثنا خلاد بن أسلم, قال: أخبرنا النضر بن شميل, قال: أخبرنا المسعودي, عن سَلَمة بن كهيل, عن أبي العُبيدين, عن ابن مسعود, مثله.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن سلمة بن كهيل, عن مسلم, عن أبي العُبيدين, قال: سألت عبد الله بن مسعود, فذكر مثله.
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, عن سفيان, عن سَلَمة بن كهيل, عن مسلم البطين, عن أبي العُبيدين, قال: سألت عبد الله, فذكر مثله.
27764ـ قال: ثنا وكيع, عن سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد والنّاشِرَاتِ نَشْرا قال: الريح.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله.
27765ـ حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا عبيد الله بن معاذ, قال: حدثنا أبي, عن شعبة, عن إسماعيل السديّ, عن أبي صالح صاحب الكلبي, في قوله: والنّاشِرَاتِ نَشْرا قال: هي الرياح.
27766ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة والنّاشِرَاتِ نَشْرا قال: الرياح.
وقال آخرون: هي المطر. ذكر من قال ذلك:
27767ـ حدثنا عبد الحميد بن بيان, قال: حدثنا محمد بن يزيد, عن إسماعيل, قال: سألت أبا صالح, عن قوله والنّاشِرَاتِ نَشْرا: قال المطر.
حدثنا أبو كريبٍ, قال: حدثنا جابر بن نوح, عن إسماعيل, عن أبي صالح والنّاشِرَاتِ نَشْرا قال: هي المطر.
قال: ثنا وكيع, عن إسماعيل, عن أبي صالح, مثله.
وقال آخرون: بل هي الملائكة التي تنشُر الكتب. ذكر من قال ذلك:
27768ـ حدثنا أحمد بن هشام, قال: حدثنا عبيد الله بن موسى, عن إسرائيل, عن السديّ, عن أبي صالح والنّاشِرَاتِ نَشْرا قال: الملائكة تنشُر الكتب.
وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذكره أقسم بالناشرات نشرا, ولم يَخْصُص شيئا من ذلك دون شيء, فالريح تنشر السحاب, والمطر ينشر الأرض, والملائكة تنشر الكتب, ولا دلالة من وجه يجب التسليم له على أن المراد من ذلك بعض دون بعض, فذلك على كل ما كان ناشرا.
وقوله: فالْفارِقاتِ فَرْقا اختلف أهل التأويل في معناه, فقال بعضهم: عُنِي بذلك: الملائكة التي تفرق بين الحقّ والباطل. ذكر من قال ذلك:
27769ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا جابر بن نوح, عن إسماعيل, عن أبي صالح فالْفارِقاتِ فَرْقا قال: الملائكة.
قال: ثنا وكيع, عن إسماعيل, عن أبي صالح فالْفارِقاتِ فَرْقا قال: الملائكة.
27770ـ قال: ثنا وكيع, عن إسماعيل, مثله.
27771ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس فالْفارِقاتِ فَرْقا قال: الملائكة.
وقال آخرون: بل عُنِي بذلك القرآن. ذكر من قال ذلك:
27772ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة فالْفارِقاتِ فَرْقا يعني القرآن ما فرق الله فيه بين الحقّ والباطل.
والصواب من القول في ذلك أن يقال: أقسم ربنا جلّ ثناؤه بالفارقات, وهي الفاصلات بين الحقّ والباطل, ولم يخصص بذلك منهنّ بعضا دون بعض, فذلك قَسَم بكلّ فارقة بين الحقّ والباطل, مَلَكا كان أو قرآنا, أو غير ذلك.
وقوله: فالمُلْقِياتِ ذِكْرا يقول: فالمبلّغات وحي الله رسله, وهي الملائكة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
27773ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس فالمُلْقِياتِ ذِكْرا يعني: الملائكة.
27774ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة فالمُلْقِياتِ ذِكْرا قال: هي الملائكة, تلقي الذكر على الرسل وتبلغه.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة فالمُلْقِياتِ ذِكْرا قال: الملائكة تلقي القرآن.
27775ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان فالمُلْقِياتِ ذِكْرا قال: الملائكة.
وقوله: عُذْرا أوْ نُذْرا يقول تعالى ذكره: فالملقيات ذكرا إلى الرسل إعذارا من الله إلى خلقه, وإنذارا منه لهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
27776ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة عُذْرا أوْ نُذْرا قال: عذرا من الله, ونُذْرا منه إلى خلقه.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله عُذْرا أوْ نُذْرا: عذرا لله على خلقه, ونذرا للمؤمنين ينتفعون به, ويأخذون به.
27777ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس عُذْرا أوْ نُذْرا يعني: الملائكة.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك, فقرأته عامة قرّاء المدينة والشام وبعض المكيين وبعض الكوفيين: عُذْرا بالتخفيف, أو نُذْرا بالتثقيل. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة وبعض البصريين بتخفيفهما, وقرأه آخرون من أهل البصرة بتثقيلهما والتخفيف فيهما أعجب إليّ وإن لم أدفع صحة التثقيل لأنهما مصدران بمعنى الإعذار والإنذار.

الآية : 7-15
القول في تأويل قوله تعالى:{إِنّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ * فَإِذَا النّجُومُ طُمِسَتْ * وَإِذَا السّمَآءُ فُرِجَتْ * وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ * وَإِذَا الرّسُلُ أُقّتَتْ * لأيّ يَوْمٍ أُجّلَتْ * لِيَوْمِ الْفَصْلِ * وَمَآ أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ }.
يقول تعالى ذكره: والمرسلات عرفا, إن الذي توعدون أيها الناس من الأمور لواقع, وهو كائن لا محالة, يعني بذلك يوم القيامة, وما ذكر الله أنه أعدّ لخلقه يومئذ من الثواب والعذاب.
وقوله: فإذَا النّجُومُ طُمِسَتْ يقول: فإذا النجوم ذهب ضياؤها, فلم يكن لها نور ولا ضوء وَإذَا السّماءُ فُرِجَتْ يقول: وإذا السماء شقّقت وصدّعت وَإذَا الجِبالُ نُسِفَتْ يقول: وإذا الجبال نسفت من أصلها, فكانت هباء منبثا وَإذَا الرّسُلُ أُقّتَتْ يقول تعالى ذكره: وإذا الرسل أجلت للاجتماع لوقتها يوم القيامة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
27778ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: وَإذَا الرّسُلُ أُقّتَتْ يقول: جمعت.
27779ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قول الله: أُقّتَتْ قال: أُجّلَتْ.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, قال: قال مجاهد وَإذَا الرّسُلِ أُقّتَتْ قال: أجلت.
27780ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع وحدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, جميعا عن سفيان, عن منصور عن إبراهيم وَإذَا الرّسُلُ أُقّتَتْ قال: أُوعِدَت.
27781ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: وَإذَا الرّسُلُ أُقّتَتْ قال: أقتت ليوم القيامة, وقرأ: يَوْمَ يَجْمَعُ اللّهُ الرّسُلَ قال: والأجل: الميقات, وقرأ: يسْئَلونَك عَنِ الأهِلّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ للنّاسِ وَالحَجّ, وقرأ: إلى مِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ قال: إلى يوم القيامة, قال: لهم أجل إلى ذلك اليوم حتى يبلغوه.
27782ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن منصور, عن إبراهيم, في قوله: وَإذَا الرّسُلُ أُقّتَتْ قال: وعدت.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك, فقرأته عامة قرّاء المدينة غير أبي جعفر, وعامة قرّاء الكوفة: أُقّتَتْ بالألف وتشديد القاف, وقرأه بعض قرّاء البصرة بالواو وتشديد القاف: «وُقّتَتْ» وقرأه أبو جعفر: «وُقِتَتْ» بالواو وتخفيف القاف.
والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن كل ذلك قراءات معروفات ولغات مشهورات بمعنى واحد, فبأيتها قرأ القارىء فمصيب, وإنما هو فُعّلَتْ من الوقت, غير أن من العرب من يستثقل ضمة الواو, كما يستثقل كسرة الياء في أوّل الحرف فيهمزها, فيقول: هذه أجوه حسان بالهمزة, وينشد بعضهم:
يَحُل أحِيدَهُ ويُقالُ بَعْلٌومِثْلُ تَمَوّلٍ مِنْهُ افْتِقارُ
وقوله: لأِيّ يَوْمٍ أُجّلَتْ يقول تعالى ذكره مُعَجّبا عباده من هول ذلك اليوم وشدّته: لأيّ يوم أجّلت الرسل ووقّتت, ما أعظمه وأهوله ثم بين ذلك: وأيّ يوم هو؟ فقال: أجلت لِيَوْمِ الفَصْلِ يقول: ليوم يفصل الله فيه بين خلقه القضاء, فيأخذ للمظلوم من الظالم, ويجزي المحسن بإحسانه, والمسيء بإساءته. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
27783ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة لأَيّ يَوْمٍ أُجّلَتْ لِيَوْمِ الْفَصْلِ يوم يفصل فيه بين الناس بأعمالهم إلى الجنة وإلى النار.
وقوله: وَما أدْرَاكَ ما يَوْمُ الفَصْلِ يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وأيّ شيء أدراك يا محمد ما يوم الفصل, معظما بذلك أمره, وشدّة هوله, كما:
27784ـ حدثني بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَما أدْرَاكَ ما يَوْمُ الْفَصْلِ تعظيما لذلك اليوم.
وقوله: وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ للْمُكَذّبِينَ يقول تعالى ذكره: الوادي الذي يسيل في جهنم من صديد أهلها للمكذّبين بيوم الفصل.
27785ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ للْمُكَذّبِينَ ويل والله طويل.
الآية : 16-19
القول في تأويل قوله تعالى:{أَلَمْ نُهْلِكِ الأوّلِينَ * ثُمّ نُتْبِعُهُمُ الاَخِرِينَ * كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ }.
يقول تعالى ذكره: ألم نهلك الأمم الماضين الذين كذّبوا رسلي, وجحدوا آياتي من قوم نوح وعاد وثمود, ثم نتبعهم الاَخرين بعدهم, ممن سلك سبيلهم في الكفر بي وبرسولي, كقوم إبراهيم وقوم لوط, وأصحاب مدين, فنهلكهم كما أهلكنا الأوّلين قبلهم, كَذَلك نَفْعَلُ بالمُجْرِمِينَ يقول: كما أهلكنا هؤلاء بكفرهم بي, وتكذيبهم برسلي, كذلك سُنّتي في أمثالهم من الأمم الكافرة, فنهلك المجرمين بإجرامهم إذا طغوا وبغوا وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ للْمُكَذّبِينَ بأخبار الله التي ذكرناها في هذه الاَية, الجاحدين قُدرته على ما يشاء