سورة الإنشقاق | للقراءة من المصحف بخط كبير واضح
استماع mp3 | الجلالين&الميسر | تفسير الشوكاني |
إعراب الصفحة | تفسير ابن كثير | تفسير القرطبي |
التفسير المختصر | تفسير الطبري | تفسير السعدي |
تفسير الطبري تفسير الصفحة 589 من المصحف
تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 589
590
588
الآية : 34-36
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{فَالْيَوْمَ الّذِينَ آمَنُواْ مِنَ الْكُفّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى الأرَآئِكِ يَنظُرُونَ * هَلْ ثُوّبَ الْكُفّارُ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ }.
يقول تعالى ذكره: فالْيَوْمَ وذلك يوم القيامة الّذِينَ آمَنُوا بالله في الدنيا مِنَ الكُفّارِ فيها يَضْحَكُونَ على الأرَائِكِ يَنْظُرُونَ يقول: على سررهم التي في الحِجال ينظرون إليهم, وهم في الجنة, والكفار في النار يُعَذّبون. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
28378ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: فالْيَوْمَ الّذِينَ آمَنُوا مِنَ الكُفّارِ يَضْحَكُونَ عَلى الأرَائِكِ يَنْظُرُونَ قال: يعني السّرر المرفوعة عليها الحِجال. وكان ابن عباس يقول: إن السور الذي بين الجنة والنار يُفتح لهم فيه أبواب, فينظر المؤمنون إلى أهل النار, والمؤمنون على السرر ينظرون كيف يعذّبون, فيضحكون منهم, فيكون ذلك مما أقرّ الله به أعينهم, كيف ينتقم الله منهم.
28379ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة فالْيَوْمَ الّذِينَ آمَنُوا مِنَ الكُفّارِ يَضْحَكُونَ ذُكر لنا أن كعبا كان يقول: إن بين الجنة والنار كُوًى, فإذا أراد المؤمن أن ينظر إلى عدوّ كان له في الدنيا, اطلع من بعض الكُوى, قال الله جلّ ثناؤه: فاطّلَعَ فَرآهُ فِي سَوَاءِ الجَحِيمِ: أي في وسط النار. وذُكر لنا أنه رأى جماجم القوم تغلي.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, قال كعب: إن بين أهل الجنة وبين أهل النار كُوًى, لا يشاء رجل من أهل الجنة أن ينظر إلى غيره من أهل النار إلاّ فعل.
حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: فالْيَوْمَ الّذِينَ آمَنُوا مِنَ الكُفّارِ يَضْحَكُونَ عَلى الأرَائِكِ يَنْظُرُونَ كان ابن عباس يقول: السّور بين أهل الجنة والنار, فيفتح لأهل الجنة أبواب, فينظرون وهم على السّرر إلى أهل النار كيف يعذّبون, فيضحكون منهم, ويكون ذلك مما يقرّ الله به أعينهم أن ينظروا إلى عدوّهم كيف ينتقم الله منهم.
28380ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان فالْيَوْمَ الّذِينَ آمَنُوا مِنَ الكُفّارِ يَضْحَكُونَ قال: يُجاء بالكفار, حتى ينظروا إلى أهل الجنة في الجنة, على سُرر, فحين ينظرون إليهم تغلق دونهم الأبواب, ويضحك أهل الجنة منهم, فهو قوله: فالْيَوْمَ الّذِينَ آمَنُوا مِنَ الكُفّارِ يَضْحَكُونَ عَلى الأرَائِكِ يَنْظُرُونَ.
وقوله: هَلْ ثُوّبَ الكُفّارُ ما كانُوا يَفْعَلُونَ يقول تعالى ذكره: هل أثيب الكفار وجُزُوا ثواب ما كانوا في الدنيا يفعلون بالمؤمنين من سخريتهم منهم, وضحكهم بهم, بضحك المؤمنين منهم في الاَخرة, والمؤمنون على الأرائك ينظرون, وهم في النار يعذّبون.
و ثُوّب فعل من الثواب والجزاء, يقال منه: ثوّب فلان فلانا على صنيعه, وأثابه منه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
28381ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد هَلْ ثُوّبَ الكُفّارُ ما كانُوا يَفْعَلُونَ قال: جُزي.
28382ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان: هَلْ ثُوّبَ الكُفّارُ ما كانُوا يَفْعَلُونَ حين كانوا يسخرون.
نهاية تفسير الإمام الطبري لسورة المطففين
سورة الانشقاق مكيّة
وآياتها خمس وعشرون
بسم الله الرحمَن الرحيـم
الآية : 1-5
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{إِذَا السّمَآءُ انشَقّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبّهَا وَحُقّتْ * وَإِذَا الأرْضُ مُدّتْ * وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبّهَا وَحُقّتْ }.
يقول تعالى ذكره: إذا السماء تصدّعت وتقطّعت فكانت أبوابا.
وقوله: وأَذِنَتْ لِرَبّها وَحُقّتْ يقول: وسمعت السموات في تصدّعها وتشققها لربها, وأطاعت له في أمره إياها. والعرب تقول: أذِنَ لك في هذا الأمر أذَنا بمعنى: استمع لك, ومنه الخبر الذي رُوي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: «ما أذِنَ اللّهُ لِشَيْءٍ كأذَنِهِ لِنَبِيّ يَتَغَنّى بالقُرآنِ» يعني بذلك: ما استمع الله لشيء كاستماعه لنبيّ يتغنى بالقرآن ومنه قول الشاعر:
صُمّ إذَا سَمِعُوا خَيْرا ذُكِرْتُ بِهِوإنْ ذُكِرْتُ بسُوءٍ عنْدَهُمْ أَذِنوا
وأصل قولهم في الطاعة: سمع له من الاستماع, يقال منه: سمعت لك, بمعنى سمعت قولك وأطعت, فيما قلتَ وأمرت. وبنحو الذي قلنا في معنى قوله: وَأذِنَتْ لِرَبّها قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
28383ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: وَأذِنَتْ لِرَبّها وَحُقّتْ قال: سمعت لربها.
28384ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن يمان, عن أشعث, عن جعفر, عن سعيد, في قوله: وَأذِنَتْ لِرَبّها وَحُقّتْ قال: سمعت أوطاعت.
28385ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله: وأَذِنَتْ لِرَبّها وَحُقّتْ قال: سمعت.
حدثني الحرث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله.
28386ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله وَأذِنَتْ لِرَبّها وَحُقّتْ قال: سمعت وأطاعت.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله وَأذِنَتْ لِرَبّها وحُقّتْ: أي سمعت وأطاعت.
28387ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وَأذِنَتْ لِرَبّها وَحُقّتْ قال: سمعت وأطاعت.
وقوله: وحُقّتْ يقول: وحَقّق الله عليها الاستماع بالانشقاق, والانتهاء إلى طاعته في ذلك. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
28388ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, في قوله وَحُقّتْ قال: حُقّقَت لطاعة ربها.
28389ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن أشعث بن إسحاق, عن جعفر, عن سعيد بن جُبير وَحُقّتْ وحُقّ لها.
وقوله: وَإذَا الأرْضُ مُدّتْ يقول تعالى ذكره: وإذا الأرض بُسِطت, فزيد في سعتها كالذي:
28390ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن الزهريّ, عن عليّ بن حسين, أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «إذَا كانَ يَوْم الْقِيامَةِ مَدّ اللّهُ الأرْضَ حتى لا يَكُونَ لِبَشَرٍ مِنَ النّاسِ إلاّ مَوْضِعُ قَدَمَيْهِ, فأكُونَ أوّلَ مَنْ يُدْعَى, وَجِبْرِيلُ عَنْ يمِينِ الرّحْمَنِ, وَاللّهِ ما رآهُ قَبْلَها, فأقُولُ: يا رَبّ إنّ هَذَا أخْبَرَنِي أنّكَ أرْسَلْتَهُ إليّ, فَيَقُولُ: صَدَقَ, ثُمّ أشْفَعُ فأقولُ: يا رَبّ عِبادُكَ عَبَدُوكَ فِي أطْرَافِ الأرْضِ, قال: وهُوَ المَقامُ المَحْمُودِ».
28391ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: مُدّتْ قال: يوم القيامة.
وقوله: وَألْقَتْ ما فِيها وتَخَلّتْ يقول جلّ ثناؤه: وألقت الأرض ما في بطنها من الموتى إلى ظهرها وتخلّت منهم إلى الله. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
28392ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: وَألْقَتْ ما فِيها وتَخَلّتْ قال: أخرجت ما فيها من الموتى.
28393ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَألْقَتْ ما فِيها وتَخَلّتْ قال: أخرجت أثقالها وما فيها.
وقوله: وَأذِنَتْ لِرَبّها وَحُقّتْ يقول: وسمعت الأرضُ في لقائها ما في بطنها من الموتى إلى ظهرها أحياء, أمرَ ربها وأطاعت وحُقّتْ يقول: وحقّقها الله للاستماع لأمره في ذلك, والانتهاء إلى طاعته.
واختلف أهل العربية في موقع جواب قوله: إذَا السّماءُ انْشَقّتْ, وقوله: وَإذَا الأرْضُ مُدّتْ, فقال بعض نحويّي البصرة: إذَا السّماءُ انْشَقّتْ على معنى قوله: يا أيّها الإنْسانُ إنّكَ كادِحٌ إلى رَبّكَ كَدْحا فَمُلاقِيهِ إذا السماء انشقت, على التقديم والتأخير.
وقال بعض نَحويّي الكوفة: قال بعض المفسرين: جواب إذَا السّماءُ انْشّقّتْ قوله: وَأذِنَتْ قال: ونرى أنه رأي ارتآه المفسر, وشبّهه بقول الله تعالى: حتى إذَا جاءُوها وَفُتِحَتْ أبْوَابُها لأنا لم نسمع جوابا بالواو في إذا مبتدأة, ولا كلام قبلها, ولا في إذا, إذا ابتدئت قال: وإنما تجيب العرب بالواو في قوله: حتى إذا كان, وفلما أن كان, لم يجاوزوا ذلك قال: والجواب في إذَا السّماءُ انْشَقّتْ وفي إذَا الأرْضُ مُدّتْ كالمتروك, لأن المعنى معروف قد تردّد في القرآن معناه, فعُرِف, وإن شئت كان جوابه: يا أيها الإنسان, كقول القائل: إذا كان كذا وكذا, فيا أيها الناس تَرَون ما عملتم من خير أو شرّ, تجعل يا أيها الإنسان هو الجواب, وتضمر فيه الفاء, وقد فسّر جواب إذَا السّماءُ انْشَقّتْ فيما يلقَى الإنسان من ثواب وعقاب, فكأن المعنى: ترى الثواب والعقاب إذا السماء انشقّت.
والصواب من القول في ذلك عندنا: أن جوابه محذوف, ترك استغناء بمعرفة المخاطبين به بمعناه. ومعنى الكلام: إذا السماء انشقت رأى الإنسان ما قدّم من خير أو شرّ, وقد بين ذلك قوله: يا أيّها الإنْسانُ إنّكَ كادِحٌ إلى رَبّكَ كَدْحا فَمُلاقِيهِ والاَياتُ بعدها.
الآية : 6-9
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{يَأَيّهَا الإِنسَانُ إِنّكَ كَادِحٌ إِلَىَ رَبّكَ كَدْحاً فَمُلاَقِيهِ * فَأَمّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً * وَيَنقَلِبُ إِلَىَ أَهْلِهِ مَسْرُوراً }.
يقول تعالى ذكره: يا أيها الإنسان إنك عامل إلى ربك عملاً فملاقيه به: خيرا كان عملُك ذلك أو شرّا يقول: فليكن عملُك مما يُنجيك من سُخْطه, ويوجب لك رضاه, ولا يكن مما يُسخطه عليك فتهلك. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
28394ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس يا أيّها الإنْسانُ إنّكَ كادحٌ إلى رَبّك كَدْحا فَمُلاقِيهِ يقول: تعمل عملاً تلقى الله به خيرا كان أو شرّا.
28395ـ حدثنا بشر , قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: يا أيّها الإنْسانُ إنّكَ كادحٌ إلى رَبّكَ كَدْحا فَمُلاقِيهِ إن كدحك يا ابن آدم لضعيف, فمن استطاع أن يكون كدحه في طاعة الله فليفعل, ولا قوّة إلا بالله.
28396ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله: إنّكَ كادحٌ إلى رَبّكَ كَدْحا قال: عامل له عملاً.
28397ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد: وسمعته يقول في ذلك إنّكَ كادحُ إلى رَبّكَ كَدْحا قال: عامل إلى ربك عملاً, قال: كدحا: العمل.
وقوله: فَأمّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ يقول تعالى ذكره: فأما من أُعطي كتاب أعماله بيمينه, فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِسابا يَسِيرا بأن ينظر في أعماله, فيغفر له سيئها, وَيجازَى على حَسنها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل, وجاء الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ذكر من قال ذلك:
28398ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا جرير, عن محمد بن إسحاق, عن عبد الواحد بن حمزة, عن عباد بن عبد الله بن الزّبير, عن عائشة, قالت: سمعت النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: «اللّهُمّ حاسِبْني حِسابا يَسِيرا» قلت: يا رسول الله ما الحساب اليسير؟ قال: «أنْ يَنْظُرَ فِي سَيّئاتِهِ فَيَتجاوَزُ عَنْهُ, إنّهُ مَنْ نُوقِشَ الْحِسابَ يَوْمَئِذٍ هَلَكَ».
حدثني يعقوب, قال: حدثنا ابن عُلَية, عن محمد بن إسحاق, قال: ثني عبد الواحد بن حمزة بن عبد الله بن الزبير, عن عباد بن عبد الله بن الزّبير, عن عائشة, قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في بعض صلاته: «اللّهُمّ حاسِبْنِي حِسابا يَسِيرا», فلما انصرف قلت: يا رسول الله, ما الحساب اليسير؟ قال: «يَنْظُرُ فِي كِتابِهِ, وَيَتَجاوَزُ لَهُ عَنْهُ, إنّهُ مَنْ نُوقِشَ الْحِسابَ يَوْمَئِذٍ يا عائِشَةُ هَلَكَ».
حدثنا نصر بن عليّ الجَهْضَميّ, قال: حدثنا مسلم, عن الحريش بن الخرّيت أخي الزبير, عن ابن أبي مليكة, عن عائشة, قالت: من نُوقش الحساب, أو من حوسب عذّب, قال: ثم قالت: إنما الحساب اليسير: عَرْض على الله وهو يراهم.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الوهاب, قال: حدثنا أيوب, وحدثني يعقوب, قال: حدثنا ابن عُلَية, قال: أخبرنا أيوب, عن ابن أبي مليكة, عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال: «مَنْ حُوسِبَ يَوْمَ الْقِيامَةِ عُذّبَ», فقلت: أليس الله يقول: فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِسابا يَسِيرا قال: «لَيْسَ ذلكِ الْحِسابُ, إنّمَا ذلكِ العَرْضُ, وَلَكِنْ مَنْ نُوقِشَ الْحِسابَ يَوْمَ الْقِيامَةُ عُذّبَ».
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا روح بن عبادة, قال: حدثنا أبو عامر الخزاز, عن ابن أبي مليكة, عن عائشة, قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّهُ لَيْسَ أحَدٌ يُحاسَبُ يَوْمَ الْقِيامَةِ إلاّ مُعَذّبا», فقلت: أليس يقول الله: فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِسابا يَسِيرا قال: «ذَلِكَ الْعَرْضُ, إنّهُ مَنْ نُوقِشَ الْحِسابَ عُذّبَ», وقال بيده على أصبعه كأنه ينكته.
28399ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد في قوله: فَسَوْفَ يُحاسَبُ حسابا يَسيرا قال: الحساب اليسير: الذي يغفر ذنوبه, ويتقبّل حسناته, ويسيرُ الحسابِ: الذي يعفى عنه, وقرأ: وَيخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ, وقرأ: أُولَئِكَ الّذِينَ نَتَقَبّلُ عَنْهُمْ أحْسَنَ ما عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيّئاتِهِمْ فِي أصحَابِ الجَنّةِ.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن عثمان بن الأسود, قال: ثني ابن أبي مليكة, عن عائشة, قالت: يا رسول الله فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِسابا يَسِيرا قال: «ذَلِكَ الْعَرْضُ يا عائِشَةُ, مَنْ نُوقِشَ الْحِسابَ هَلَكَ».
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عثمان بن عمرو وأبو داود, قالا: حدثنا أبو عامر الخزاز, عن ابن أبي مليكة, عن عائشة, قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ حُوسِبَ عُذّبَ», قالت: فقلت: أليس الله يقول: فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِسابا يَسِيرا قال: «ذَلِكَ الْعَرْضُ يا عاِئشَةُ, وَمَنْ نُوقِشَ الْحِسابَ عُذّبَ».
إن قال قائل: وكيف قيل: فَسَوْفَ يُحاسَبُ والمحاسبة لا تكون لا من اثنين, والله القائم بأعمالهم, ولا أحد له قِبَل ربه طَلِبة فيحاسبه؟ قيل: إن ذلك تقرير من الله للعبد بذنوبه, وإقرار من العبد بها, وبما أحصاه كتاب عمله, فذلك المحاسبة على ما وصفنا, ولذلك قيل: يحاسَب.
حدثنا عمرو بن عليّ, قال: حدثنا ابن أبي عديّ, عن أبي يونس القشيري, عن ابن أبي مليكة, عن القاسم بن محمد, عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ أحَدٌ يُحاسَبُ يَوْمَ الْقِيامَةِ إلاّ هَلَكَ» قالت: فقلت: يا رسول الله فأمّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِسابا يَسِيرا فقال: «ذَلِكَ الْعَرْضُ, لَيْسَ أحَدٌ يُحاسَبُ يَوْمَ الْقِيامَةِ إلاّ هَلَكَ».
وقوله: وَيَنْقَلِبُ إلى أهْلِهِ مَسْرُورا يقول: وينصرف هذا المحاسَبُ حسابا يسيرا إلى أهله في الجنة مسرورا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
28400ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَيَنْقَلِبُ إلى أهْلِهِ مَسْرُورا قال: إلى أهل أعدّ الله لهم الجنة.
الآية : 10-15
القول فـي تأويـل قوله تعالى:
{وَأَمّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَآءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً * وَيَصْلَىَ سَعِيراً * إِنّهُ كَانَ فِيَ أَهْلِهِ مَسْرُوراً * إِنّهُ ظَنّ أَن لّن يَحُورَ * بَلَىَ إِنّ رَبّهُ كَانَ بِهِ بَصِيراً }.
يقول تعالى ذكره: وأما من أعطي كتابه منكم أيها الناس يومئذٍ وراء ظهره, وذلك أن جعل يده اليمنى إلى عنقه, وجعل الشمال من يديه وراء ظهره, فيتناول كتابه بشماله من وراء ظهره, ولذلك وصفهم جلّ ثناؤه أحيانا, أنهم يُؤْتَوْن كتُبَهُم بشمائلهم, وأحيانا أنهم يُؤتَوْنَها من وراء ظهورهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
28401ـ حدثني محمد بن عمر, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: وَأَمّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ قال: يجعل يده من وراء ظهره.
وقوله: فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورا يقول: فسوف ينادي بالهلاك, وهو أن يقول: واثبوراه, واويلاه, وهو من قولهم: دعا فلان لهفه: إذا قال: والهفاه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. وقد ذكرنا معنى الثبور فيما مضى بشواهده, وما فيه من الرواية.
28402ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: يَدْعُو ثُبُورا قال: يدعو بالهلاك.
وقوله: وَيَصْلَى سَعِيرا اختلفت القرّاء في قراءة ذلك, فقرأته عامة قرّاء مكة والمدينة والشام: «وَيُصَلّى» بضم الياء وتشديد اللام, بمعنى: أن الله يصليهم تصلية بعد تصلية, وإنضاجة بعد إنضاجة, كما قال تعالى: كُلّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدّلْناهُمْ جُلُودا غَيرَها, واستشهدوا لتصحيح قراءتهم ذلك كذلك, بقوله: ثُمّ الجَحِيمَ صَلّوهُ وقرأ ذلك بعض المدنيين وعامة قرّاء الكوفة والبصرة: وَيَصْلَى بفتح الياء وتخفيف اللام, بمعنى: أنهم يَصْلونها ويَرِدونها, فيحترقون فيها, واستشهدوا لتصحيح قراءتهم ذلك كذلك, بقول الله: يَصْلَوْنها وإلاّ مَنْ هُوَ صِالِ الجَحِيمِ.
والصواب من القول في ذلك عندي: أنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى, فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب.
وقوله: إنّهُ كانَ فِي أهْلِهِ مَسْرُورايقول تعالى ذكره: إنه كان في أهله في الدنيا مسرورا, لما فيه من خلافه أمرَ الله, وركوبه معاصيَه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
28403ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: إنّهُ كانَ فِي أهْلِهِ مَسْرُورا: أي في الدنيا.
وقوله: إنّهُ ظَنّ أنْ لَنْ يَحُورَ بَلى يقول تعالى ذكره: إن هذا الذي أُوتي كتابه وراء ظهره يوم القيامة, ظنّ في الدنيا أن لن يرجع إلينا, ولن يُبعث بعد مماته, فلم يكن يبالي ما ركب من المآثم, لأنه لم يكن يرجو ثوابا, ولم يكن يخشى عقابا يقال منه: حار فلان عن هذا الأمر: إذا رجع عنه, ومنه الخبر الذي رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في دعائه: «اللّهُمّ إنّي أعُوذُ بِكَ مِنَ الْحَوَرِ بَعْدَ الكَورِ» يعني بذلك: من الرجوع إلى الكفر, بعد الإيمان. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
28404ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: إنّهُ ظَنّ أنْ لَنْ يَحُورَ يقول: يُبعث.
28405ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: إنّهُ ظَنّ أنْ لَنْ يَحُورَ بَلى قال: أن لا يرجع إلينا.
28406ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: إنّهُ ظَنّ أنْ لَنْ يَحُورَ: أن لا مَعادَ له ولا رجعة.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة أنْ لَنْ يَحُورَ قال: أن لن ينقلب: يقول: أن لن يبعث.
28407ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, ظَنّ أنْ لَنْ يَحُورَ قال: يرجع.
28408ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: أنْ لَنْ يَحُورَ قال: أن لن ينقلب.
وقوله: بَلى يقول تعالى ذكره: بلى لَيَحُورَنّ ولَيَرْجِعَنّ إلى ربه حيا, كما كان قبل مماته.
وقوله: إنّ رَبّهُ كانَ بِهِ بَصِيرا يقول جلّ ثناؤه: إن ربّ هذا الذي ظنّ أن لن يحور, كان به بصيرا, إذ هو في الدنيا, بما كان يعمل فيها من المعاصي, وما إليه يصير أمره في الاَخرة, عالم بذلك كلّه.
الآية : 16-21
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{فَلاَ أُقْسِمُ بِالشّفَقِ * وَاللّيْلِ وَمَا وَسَقَ * وَالْقَمَرِ إِذَا اتّسَقَ * لَتَرْكَبُنّ طَبَقاً عَن طَبقٍ * فَمَا لَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا قُرِىءَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لاَ يَسْجُدُونَ }.
وهذا قَسَم أقسم ربنا بالشفق, والشفق: الحمرة في الأفق من ناحية المغرب من الشمس في قول بعضهم.
واختلف أهل التأويل في ذلك, فقال بعضهم: هو الحمرة كما قلنا, وممن قال ذلك جماعة من أهل العراق. وقال آخرون: هو النهار. ذكر من قال ذلك:
28409ـ حدثني محمد بن إسماعيل الأحمسيّ, قال: حدثنا محمد بن عبيد, قال: حدثنا العوّام بن حَوْشَب, قال: قلت لمجاهد: الشفق, قال: لا تقل الشفق, إنّ الشفق من الشمس, ولكن قل: حمرة الأفق.
28410ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد قوله: الشّفق, قال: النهار كله.
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, قال: حدثنا سفيان, عن منصور, عن مجاهد فَلا أُقْسِمُ بالشّفَقِ قال: النهار.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن منصور, عن مجاهد, مثله.
وقال آخرون: الشفَق: هو اسم للحمرة والبياض, وقالوا: هو من الأضداد.
والصواب من القول في ذلك عندي: أن يقال: إن الله أقسم بالنهار مدبرا, والليل مقبلاً. وأما الشفَق الذي تحُلّ به صلاة العشاء, فإنه للحمرة عندنا, للعلة التي قد بيّنّاها في كتابنا كتاب الصلاة.
وقوله: وَاللّيْلِ وَما وَسَقَ يقول: والليل وما جمع, مما سكن وهدأ فيه من ذي روح كان يطير, أو يَدِب نهارا, يقال منه: وسَقْتُه أسِقُه وَسْقا, ومنه: طعام موسُوق, وهو المجموع في غرائر أو وعاء, ومنه الوَسْق, وهو الطعام المجتع الكثير, مما يُكال أو يُوزن, يقال: هو ستون صاعا, وبه جاء الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
28411ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: وَما وَسَقَ يقول: وما جَمَعَ.
28412ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا محمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن أبي بشر, عن مجاهد, عن ابن عباس في هذه الاَية وَاللّيْلِ وَما وَسَقَ قال: وما جَمَع. وقال ابن عباس:
مُسْتَوْسِقاتٍ لَوْ يَجِدْنَ سائِقَا
28413ـ حدثني يعقوب, قال: حدثنا ابن علية, عن أبي رجاء, قال: سأل حفص الحسن عن قوله: وَاللّيْلِ وَما وَسَقَ قال: وما جمع.
28414ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد وَاللّيْلِ وَما وَسَقَ قال: وما جمع, يقول: ما آوى فيه من دابّة.
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, عن سفيان, عن منصور, عن مجاهد وَاللّيْلِ وَما وَسَقَ: وما لفّ.
28415ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن منصور, عن مجاهد وَاللّيْلِ وَما وَسَقَ قال: وما أظلم عليه, وما أدخل فيه. وقال ابن عباس:
مُسْتَوْسِقاتٍ لَوْ يَجِدْنَ حادِيا
28416ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَاللّيْلِ وَما وَسَقَ يقول: وما جمع من نجم أو دابة.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة وَما وَسق قال: وما جمع.
28417ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: وَاللّيْلِ وَما وَسَقَ قال: وما جمع, مجتمع فيه الأشياء التي يجمعها الله, التي تأوي إليه, وأشياء تكون في الليل لا تكون في النهار, ما جمع مما فيه ما يأوي إليه, فهو مما جمع.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, قال: حدثنا عمرو, عن منصور, عن مجاهد وَاللّيْلِ وَما وَسَقَ يقول: ما لُفّ عليه.
قال: ثنا جرير, عن منصور, عن مجاهد, مثله.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن منصور, عن مجاهد وَاللّيْلِ وَما وَسَقَ قال: وما دخل فيه.
28418ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, عن إسرائيل, عن أبي الهيثم, عن سعيد بن جبير وَاللّيْلِ وَما وَسَقَ: وما جمع.
قال: ثنا وكيع, عن نافع بن عمر, عن ابن أبي مليكة, عن ابن عباس وَما وَسَقَ: وما جمع, ألم تسمع قول الشاعر:
مُسْتَوْسِقاتِ لَمْ يَجِدْنَ سائِقا
28419ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا أبو الأحوص, عن سماك, عن عكرِمة, في قوله: وَاللّيْلِ وَما وَسَقَ قال: ما حاز إذا جاء الليل.
وقال آخرون: معنى ذلك: وما ساق. ذكر من قال ذلك:
28420ـ حدثنا عبد الله بن أحمد المَرْوَزيّ, قال: حدثنا عليّ بن الحسن, قال: حدثنا حسين, قال: سمعت عكرمة وسئل وَاللّيْلِ وَما وَسَقَ قال: ما ساق من ظلمة, فإذَا كان الليل, ذهب كلّ شيء إلى مأواه.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يحيى بن واضح, قال: حدثنا الحسن, عن عكرِمة وَاللّيْلِ وَما وَسَقَ يقول: ما ساق من ظلمة, إذا جاء الليل ساق كلّ شيء إلى مأواه.
28421ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول, في قوله: وَاللّيْلِ وَما وَسَقَ قال: ما ساق معه من ظلمة إذا أقبل.
28422ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله وَاللّيْلِ وَما وَسَقَ يعني: وما ساق الليل من شيء جمعه النجوم, ويقال: والليل وما جمع.
وقوله: والقَمَرِ إذَا اتّسَقَ يقول: وبالقمر إذا تمّ واستوى. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
28423ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله وَالْقَمَرِ إذَا اتّسَقَ يقول: إذا استوى.
حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس وَالْقَمَرِ إذَا اتّسَقَ قال: إذا اجتمع واستوى.
28424ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا أبو الأحوص, عن سماك, عن عكرِمة والْقَمَرِ إذَا اتّسَقَ قال: إذا استوى.
28425ـ حدثني يعقوب, قال: حدثنا ابن عُلَية, عن أبي رجاء, قال: سأل حفص الحسن, عن قوله: والقَمَرِ إذَا اتّسَقَ قال: إذا اجتمع, إذا امتلاُ.
28426ـ حدثني أبو كدينة, قال: حدثنا ابن يمان, عن أشعث, عن جعفر بن أبي المغيرة, عن سعيد, في قوله: والقَمَرِ إذَا اتّسَقَ قال: لثلاث عَشْرة.
28427ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن منصور, عن مجاهد, مثله.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن منصور, عن مجاهد, مثله.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, قال: حدثنا عمرو, عن منصور, عن مجاهد, مثله.
قال: ثنا جرير, عن منصور, عن مجاهد, مثله.
28428ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله إذَا اتّسَقَ قال: إذا استوى.
28429ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, عن إسرائيل, عن أبي الهيثم, عن سعيد بن جبير والْقَمَرِ إذَا اتّسَقَ: إذا استوى.
28430ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة إذَا اتّسَقَ: إذا استدار.
28431ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة والْقَمَرِ إذَا اتّسَقَ: إذا استوى.
28432ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: والْقَمَرِ إذَا اتّسَقَ قال: إذا اجتمع فاستوى.
28433ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: والْقَمَرِ إذَا اتّسَقَ قال: إذا استوى.
وقوله: لَترْكَبُنّ طَبَقا عَنْ طَبَقٍ اختلفت القرّاء في قراءته, فقرأه عمر بن الخطاب وابن مسعود وأصحابه, وابن عباس وعامة قرّاء مكة والكوفة: «لَترْكَبَنّ» بفتح التاء والباء. واختلف قارئو ذلك كذلك في معناه, فقال بعضهم: لتركَبنّ يا محمد أنت حالاً بعد حال, وأمرا بعد أمر من الشدائد. ذكر من قال ذلك:
28434ـ حدثني يعقوب, قال: حدثنا هشيم, قال: أخبرنا أبو بشر, عن مجاهد, أن ابن عباس كان يقرأ: «لَترْكَبَنّ طَبَقا عَنْ طَبَقٍ» يعني نبيكم صلى الله عليه وسلم حالاً بعد حال.
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن عُلَية, قال: حدثنا إسرائيل, عن أبي إسحاق, عن رجل حدّثه, عن ابن عباس في «لَترْكَبَنّ طَبَقا عَنْ طَبَقٍ» قال: منزلاً بعد منزل.
حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, في قوله: «لَترْكَبَنّ طَبَقا عَنْ طَبَقٍ» يقول: حالاً بعد حال.
حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس: «لَترْكَبَنّ طَبَقا عَنْ طَبَقٍ» يعني: منزلاً بعد منزل, ويقال: أمرا بعد أمر, وحالاً بعد حال.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا محمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن أبي بشر, قال: سمعت مجاهدا, عن ابن عباس «لَترْكَبَنّ طَبَقا عَنْ طَبَقٍ» قال: محمد صلى الله عليه وسلم.
28435ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا أبو الأحوص, عن سماك, عن عكرِمة في قوله «لَترْكَبَنّ طَبَقا عَنْ طَبَقٍ» قال: حالاً بعد حال.
28436ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا هَوْذة, قال: حدثنا عوف, عن الحسن, في قوله «لَترْكَبَنّ طَبَقا عَنْ طَبَقٍ» قال: حالاً بعد حال.
حدثني يعقوب, قال: حدثنا ابن علية, عن أبي رجاء, قال: سأل حفص الحسن عن قوله: «لَترْكَبَنّ طَبَقا عَنْ طَبَقٍ» قال: منزلاً عن منزل, وحالاً عن حال.
28437ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا شريك, عن موسى بن أبي عائشة, قال: سألت مرّة عن قوله: «لَترْكَبَنّ طَبَقا عَنْ طَبَقٍ» قال: حالاً بعد حال.
28438ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يعقوب, عن جعفر, عن سعيد «لَترْكَبُنّ طَبَقا عَنْ طَبَقٍ» قال: حالاً بعد حال.
28439ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, عن سفيان, عن منصور, عن مجاهد «لَترْكَبَنّ طَبَقا عَنْ طَبَقٍ» قال: حالاً عن حال.
قال: ثنا وكيع, عن نصر, عن عكرِمة, قال: حالاً بعد حال.
حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: «لَترْكَبَنّ طَبَقا عَنْ طَبَقٍ» قال: لتركبَنّ الأمور حالاً بعد حال.
28440ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: «لَترْكَبَنّ طَبَقا عَنْ طَبَقٍ» يقول: حالاً بعد حال, ومنزلاً عن منزل.
28441ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: «لتَرْكَبَنّ طَبَقا عَنْ طَبَقٍ» منزلاً بعد منزل, وحالاً بعد حال.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, قال: حدثنا عمرو, عن منصور, عن مجاهد «لَترْكَبَنّ طَبَقا عَنْ طَبَقٍ» قال: أمرا بعد أمر.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن منصور, عن مجاهد, في قوله: «لَترْكَبَنّ طَبَقا عَنْ طَبَقٍ» قال: أمرا بعد أمر.
وقال آخرون ممن قرأ هذه المقالة, وقرأ هذه القراءة عُنِي بذلك: لتركبنّ أنت يا محمد سماء بعد سماء. ذكر من قال ذلك:
28442ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قال: قال الحسن وأبو العالية «لَترْكَبَنّ» يعني محمدا صلى الله عليه وسلم طَبَقا عنْ طَبَقٍ السموات.
28443ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن جابر, عن أبي الضحى, عن مسروق «لَترْكَبَنّ طَبَقا عَنْ طَبَقٍ» قال: أنت يا محمد سماء عن سماء.
28444ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, عن إسماعيل, عن الشعبيّ, قال: سماء بعد سماء.
28445ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, عن إسرائيل, عن جابر, عن عامر, عن علقمة, عن عبد الله, قال: سماء فوق سماء.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: لتركَبُنّ الاَخرة بعد الأولى. ذكر من قال ذلك:
28446ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: «لَترْكَبَنّ طَبَقا عَنْ طَبَقٍ» قال: الاَخرة بعد الأولى.
وقال آخرون ممن قرأ هذه القراءة: إنما عُنِي بذلك أنها تتغير ضروبا من التغيير, وتُشَقّقُ بالغمام مرّة, وتحمرّ أخرى, فتصير وَرْدة كالدهان, وتكون أخرى كالمهل. ذكر من قال ذلك:
28447ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن قيس بن وهب, عن مرّة, عن ابن مسعود «لَترْكَبَنّ طَبَقا عَنْ طَبَقٍ» قال: السماء مرّة كالدّهان, ومرّة تَشَقّق.
حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا محمد بن جعفر, قال: سمعت أبا الزرقاء الهَمْداني, وليس بأبي الزرقاء الذي يحدّث في المسح على الجوربين, قال: سمعت مُرّة الهمداني, قال: سمعت عبد الله يقول في هذه الاَية: «لَترْكَبَنّ طَبَقا عَنْ طَبَقٍ» قال: السماء.
حدثني عليّ بن سعيد الكندىّ, قال: حدثنا عليّ بن غراب, عن الأعمش, عن إبراهيم, عن عبد الله في قوله: «لَترْكَبَنّ طَبَقا عَنْ طَبَقٍ» قال: هي السماء تغبرّ وتحمرّ وتَشَقّق.
حدثنا أبو السائب, قال: ثني أبو معاوية, عن الأعمش, عن إبراهيم, عن عبد الله, في قوله: «لَترْكَبُنّ طَبَقا عَنْ طَبَقٍ» قال: هي السماء تَشَقّق, ثم تحمرّ, ثم تنفطر قال: وقال ابن عباس: حالاً بعد حال.
حدثني يحيى بن إبراهيم المسعوديّ, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن جدّه, عن الأعمش, عن إبراهيم قال: قرأ عبد الله هذا الحرف: «لَترْكَبَنّ طَبَقا عَنْ طَبَقٍ» قال: السماء حالاً بعد حال, ومنزلة بعد منزلة.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن الأعمش, عن إبراهيم, عن عبد الله «لَترْكَبَنّ طَبَقا عَنْ طَبَقٍ» قال: هي السماء.
حدثنا مهران, عن سفيان, عن أبي فروة, عن مرّة, عن ابن مسعود أنه قرأها نصبا, قال: هي السماء.
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, عن الأعمش, عن إبراهيم, عن عبد الله, قال: هي السماء تغير لونا بعد لون.
وقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة وبعض الكوفيين: لَترْكَبُنّ بالتاء, وبضمّ الياء, على وجه الخطاب للناس كافة, أنهم يركبون أحوال الشدة حالاً بعد حال. وقد ذكر بعضهم أنه قرأ ذلك بالياء, وبضم الباء, على وجه الخبر عن الناس كافة, أنهم يفعلون ذلك.
وأولى القراءات في ذلك عندي بالصواب: قراءة من قرأ بالتاء وبفتح الباء, لأن تأويل أهل التأويل من جميعهم بذلك ورد وإن كان للقراءات الأُخَر وجوه مفهومة. وإذا كان الصواب من القراءة في ذلك ما ذكرنا, فالصواب من التأويل قول من قال: «لَترْكَبَنّ» أنت يا محمد حالاً بعد حال, وأمرا بعد أمر من الشدائد. والمراد بذلك, وإن كان الخطاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم موجها, جميع الناس, أنهم يلقون من شدائد يوم القيامة وأهواله أحوالاً.
وإنما قلنا: عُنِي بذلك ما ذكرنا, أن الكلام قبل قوله: لَترْكَبُنّ طَبَقا عَنْ طَبَقٍ جرى بخطاب الجميع, وكذلك بعده, فكان أشبه أن يكون ذلك نظير ما قبله وما بعده.
وقوله: طَبَقا عَنْ طَبَقٍ من قول العرب: وقع فُلان في بنات طَبَق: إذا وقع في أمر شديد.
وقوله: فَمَالَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ يقول تعالى ذكره: فما لهؤلاء المشركين لا يصدّقون بتوحيد الله, ولا يقرّون بالبعث بعد الموت, وقد أقسم لهم ربهم بأنهم راكبون طبقا عن طبق, مع ما قد عاينوا من حججه بحقيقة توحيده. وقد:
28448ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله فَمَالَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ: قال: وبهذا الحديث, وبهذا الأمر.
وقوله: وَإذَا قُرِىءَ عَلَيْهمُ القُرآنُ لا يَسْجُدُونَ يقول تعالى ذكره: وإذا قُرىء عليهم كتاب ربهم لا يخضعون ولا يستكينون وقد بيّنا معنى السجود قبلُ بشواهده, فأغنى ذلك عن إعادته.
الآية : 22-25
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{بَلِ الّذِينَ كَفَرُواْ يُكَذّبُونَ * وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ * فَبَشّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * إِلاّ الّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ }.
قوله: بَلِ الّذِينَ كَفَرُوا يُكَذّبُونَ يقول تعالى ذكره: بل الذين كفروا يكذّبون بآيات الله وتنزيله.
وقوله: وَاللّهُ أعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ يقول تعالى ذكره: والله أعلم بما تُوعيه صدور هؤلاء المشركين, من التكذيب بكتاب الله ورسوله. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
28449ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: يُوعُون قال: يكتمون.
28450ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: وَاللّهُ أعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ قال: المرء يُوعِي متاعه وماله هذا في هذا, وهذا في هذا, هكذا يعرف الله ما يوعون من الأعمال, والأعمال السيئة مما تُوعيه قلوبهم, ويجتمع فيها من هذه الأعمال الخير والشرّ, فالقلوب وِعاء هذه الأعمال كلها, الخير والشرّ, يعلم ما يسرّون وما يعلنون, ولقد وَعَى لكم ما لا يدري أحد ما هو من القرآن وغير ذلك, قاتقوا الله وإياكم أن تدخلوا على مكارم هذه الأعمال, بعضَ هذه الخبث ما يفسدها.
28451ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله: يُوعُونَ قال في صدورهم.
وقوله: فَبَشّرْهُمْ بِعَذَابٍ ألِيمٍ: يقول جلّ ثناؤه: فبشر يا محمد هؤلاء المكذّبين بآيات الله, بعذاب أليم لهم عند الله موجع إلاّ الّذِينَ آمَنُوا وَعمِلُوا الصّالِحاتِ يقول: إلاّ الذين تابوا منهم وصدّقوا, وأقرّوا بتوحيده, ونبوّة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم, وبالبعث بعد الممات. وعملوا الصالحات يقول: وأدّوا فرائض الله, واجتنبوا ركوب ما حرّم الله عليهم ركوبه.
وقوله: لَهُمْ أجْرٌ غَيرُ مَمْنُونٍ يقول تعالى ذكره: لهؤلاء الذين آمنوا وعملوا الصالحات, ثواب غير محسوب ولا منقوص. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
28452ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس قوله: لَهُمْ أجْرٌ غَيرُ مَمْنُونٌ يقول: غير منقوص.
28453ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن ابن جريج, عن مجاهد, قوله: أجْرٌ غَيرُ مَمْنُونِ يعني: غير محسوب.
نهاية تفسير الإمام الطبري لسورة الانشقاق
590
588
الآية : 34-36
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{فَالْيَوْمَ الّذِينَ آمَنُواْ مِنَ الْكُفّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى الأرَآئِكِ يَنظُرُونَ * هَلْ ثُوّبَ الْكُفّارُ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ }.
يقول تعالى ذكره: فالْيَوْمَ وذلك يوم القيامة الّذِينَ آمَنُوا بالله في الدنيا مِنَ الكُفّارِ فيها يَضْحَكُونَ على الأرَائِكِ يَنْظُرُونَ يقول: على سررهم التي في الحِجال ينظرون إليهم, وهم في الجنة, والكفار في النار يُعَذّبون. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
28378ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: فالْيَوْمَ الّذِينَ آمَنُوا مِنَ الكُفّارِ يَضْحَكُونَ عَلى الأرَائِكِ يَنْظُرُونَ قال: يعني السّرر المرفوعة عليها الحِجال. وكان ابن عباس يقول: إن السور الذي بين الجنة والنار يُفتح لهم فيه أبواب, فينظر المؤمنون إلى أهل النار, والمؤمنون على السرر ينظرون كيف يعذّبون, فيضحكون منهم, فيكون ذلك مما أقرّ الله به أعينهم, كيف ينتقم الله منهم.
28379ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة فالْيَوْمَ الّذِينَ آمَنُوا مِنَ الكُفّارِ يَضْحَكُونَ ذُكر لنا أن كعبا كان يقول: إن بين الجنة والنار كُوًى, فإذا أراد المؤمن أن ينظر إلى عدوّ كان له في الدنيا, اطلع من بعض الكُوى, قال الله جلّ ثناؤه: فاطّلَعَ فَرآهُ فِي سَوَاءِ الجَحِيمِ: أي في وسط النار. وذُكر لنا أنه رأى جماجم القوم تغلي.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, قال كعب: إن بين أهل الجنة وبين أهل النار كُوًى, لا يشاء رجل من أهل الجنة أن ينظر إلى غيره من أهل النار إلاّ فعل.
حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: فالْيَوْمَ الّذِينَ آمَنُوا مِنَ الكُفّارِ يَضْحَكُونَ عَلى الأرَائِكِ يَنْظُرُونَ كان ابن عباس يقول: السّور بين أهل الجنة والنار, فيفتح لأهل الجنة أبواب, فينظرون وهم على السّرر إلى أهل النار كيف يعذّبون, فيضحكون منهم, ويكون ذلك مما يقرّ الله به أعينهم أن ينظروا إلى عدوّهم كيف ينتقم الله منهم.
28380ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان فالْيَوْمَ الّذِينَ آمَنُوا مِنَ الكُفّارِ يَضْحَكُونَ قال: يُجاء بالكفار, حتى ينظروا إلى أهل الجنة في الجنة, على سُرر, فحين ينظرون إليهم تغلق دونهم الأبواب, ويضحك أهل الجنة منهم, فهو قوله: فالْيَوْمَ الّذِينَ آمَنُوا مِنَ الكُفّارِ يَضْحَكُونَ عَلى الأرَائِكِ يَنْظُرُونَ.
وقوله: هَلْ ثُوّبَ الكُفّارُ ما كانُوا يَفْعَلُونَ يقول تعالى ذكره: هل أثيب الكفار وجُزُوا ثواب ما كانوا في الدنيا يفعلون بالمؤمنين من سخريتهم منهم, وضحكهم بهم, بضحك المؤمنين منهم في الاَخرة, والمؤمنون على الأرائك ينظرون, وهم في النار يعذّبون.
و ثُوّب فعل من الثواب والجزاء, يقال منه: ثوّب فلان فلانا على صنيعه, وأثابه منه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
28381ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد هَلْ ثُوّبَ الكُفّارُ ما كانُوا يَفْعَلُونَ قال: جُزي.
28382ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان: هَلْ ثُوّبَ الكُفّارُ ما كانُوا يَفْعَلُونَ حين كانوا يسخرون.
نهاية تفسير الإمام الطبري لسورة المطففين
سورة الانشقاق مكيّة
وآياتها خمس وعشرون
بسم الله الرحمَن الرحيـم
الآية : 1-5
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{إِذَا السّمَآءُ انشَقّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبّهَا وَحُقّتْ * وَإِذَا الأرْضُ مُدّتْ * وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبّهَا وَحُقّتْ }.
يقول تعالى ذكره: إذا السماء تصدّعت وتقطّعت فكانت أبوابا.
وقوله: وأَذِنَتْ لِرَبّها وَحُقّتْ يقول: وسمعت السموات في تصدّعها وتشققها لربها, وأطاعت له في أمره إياها. والعرب تقول: أذِنَ لك في هذا الأمر أذَنا بمعنى: استمع لك, ومنه الخبر الذي رُوي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: «ما أذِنَ اللّهُ لِشَيْءٍ كأذَنِهِ لِنَبِيّ يَتَغَنّى بالقُرآنِ» يعني بذلك: ما استمع الله لشيء كاستماعه لنبيّ يتغنى بالقرآن ومنه قول الشاعر:
صُمّ إذَا سَمِعُوا خَيْرا ذُكِرْتُ بِهِوإنْ ذُكِرْتُ بسُوءٍ عنْدَهُمْ أَذِنوا
وأصل قولهم في الطاعة: سمع له من الاستماع, يقال منه: سمعت لك, بمعنى سمعت قولك وأطعت, فيما قلتَ وأمرت. وبنحو الذي قلنا في معنى قوله: وَأذِنَتْ لِرَبّها قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
28383ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: وَأذِنَتْ لِرَبّها وَحُقّتْ قال: سمعت لربها.
28384ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن يمان, عن أشعث, عن جعفر, عن سعيد, في قوله: وَأذِنَتْ لِرَبّها وَحُقّتْ قال: سمعت أوطاعت.
28385ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله: وأَذِنَتْ لِرَبّها وَحُقّتْ قال: سمعت.
حدثني الحرث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله.
28386ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله وَأذِنَتْ لِرَبّها وَحُقّتْ قال: سمعت وأطاعت.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله وَأذِنَتْ لِرَبّها وحُقّتْ: أي سمعت وأطاعت.
28387ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وَأذِنَتْ لِرَبّها وَحُقّتْ قال: سمعت وأطاعت.
وقوله: وحُقّتْ يقول: وحَقّق الله عليها الاستماع بالانشقاق, والانتهاء إلى طاعته في ذلك. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
28388ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, في قوله وَحُقّتْ قال: حُقّقَت لطاعة ربها.
28389ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن أشعث بن إسحاق, عن جعفر, عن سعيد بن جُبير وَحُقّتْ وحُقّ لها.
وقوله: وَإذَا الأرْضُ مُدّتْ يقول تعالى ذكره: وإذا الأرض بُسِطت, فزيد في سعتها كالذي:
28390ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن الزهريّ, عن عليّ بن حسين, أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «إذَا كانَ يَوْم الْقِيامَةِ مَدّ اللّهُ الأرْضَ حتى لا يَكُونَ لِبَشَرٍ مِنَ النّاسِ إلاّ مَوْضِعُ قَدَمَيْهِ, فأكُونَ أوّلَ مَنْ يُدْعَى, وَجِبْرِيلُ عَنْ يمِينِ الرّحْمَنِ, وَاللّهِ ما رآهُ قَبْلَها, فأقُولُ: يا رَبّ إنّ هَذَا أخْبَرَنِي أنّكَ أرْسَلْتَهُ إليّ, فَيَقُولُ: صَدَقَ, ثُمّ أشْفَعُ فأقولُ: يا رَبّ عِبادُكَ عَبَدُوكَ فِي أطْرَافِ الأرْضِ, قال: وهُوَ المَقامُ المَحْمُودِ».
28391ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: مُدّتْ قال: يوم القيامة.
وقوله: وَألْقَتْ ما فِيها وتَخَلّتْ يقول جلّ ثناؤه: وألقت الأرض ما في بطنها من الموتى إلى ظهرها وتخلّت منهم إلى الله. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
28392ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: وَألْقَتْ ما فِيها وتَخَلّتْ قال: أخرجت ما فيها من الموتى.
28393ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَألْقَتْ ما فِيها وتَخَلّتْ قال: أخرجت أثقالها وما فيها.
وقوله: وَأذِنَتْ لِرَبّها وَحُقّتْ يقول: وسمعت الأرضُ في لقائها ما في بطنها من الموتى إلى ظهرها أحياء, أمرَ ربها وأطاعت وحُقّتْ يقول: وحقّقها الله للاستماع لأمره في ذلك, والانتهاء إلى طاعته.
واختلف أهل العربية في موقع جواب قوله: إذَا السّماءُ انْشَقّتْ, وقوله: وَإذَا الأرْضُ مُدّتْ, فقال بعض نحويّي البصرة: إذَا السّماءُ انْشَقّتْ على معنى قوله: يا أيّها الإنْسانُ إنّكَ كادِحٌ إلى رَبّكَ كَدْحا فَمُلاقِيهِ إذا السماء انشقت, على التقديم والتأخير.
وقال بعض نَحويّي الكوفة: قال بعض المفسرين: جواب إذَا السّماءُ انْشّقّتْ قوله: وَأذِنَتْ قال: ونرى أنه رأي ارتآه المفسر, وشبّهه بقول الله تعالى: حتى إذَا جاءُوها وَفُتِحَتْ أبْوَابُها لأنا لم نسمع جوابا بالواو في إذا مبتدأة, ولا كلام قبلها, ولا في إذا, إذا ابتدئت قال: وإنما تجيب العرب بالواو في قوله: حتى إذا كان, وفلما أن كان, لم يجاوزوا ذلك قال: والجواب في إذَا السّماءُ انْشَقّتْ وفي إذَا الأرْضُ مُدّتْ كالمتروك, لأن المعنى معروف قد تردّد في القرآن معناه, فعُرِف, وإن شئت كان جوابه: يا أيها الإنسان, كقول القائل: إذا كان كذا وكذا, فيا أيها الناس تَرَون ما عملتم من خير أو شرّ, تجعل يا أيها الإنسان هو الجواب, وتضمر فيه الفاء, وقد فسّر جواب إذَا السّماءُ انْشَقّتْ فيما يلقَى الإنسان من ثواب وعقاب, فكأن المعنى: ترى الثواب والعقاب إذا السماء انشقّت.
والصواب من القول في ذلك عندنا: أن جوابه محذوف, ترك استغناء بمعرفة المخاطبين به بمعناه. ومعنى الكلام: إذا السماء انشقت رأى الإنسان ما قدّم من خير أو شرّ, وقد بين ذلك قوله: يا أيّها الإنْسانُ إنّكَ كادِحٌ إلى رَبّكَ كَدْحا فَمُلاقِيهِ والاَياتُ بعدها.
الآية : 6-9
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{يَأَيّهَا الإِنسَانُ إِنّكَ كَادِحٌ إِلَىَ رَبّكَ كَدْحاً فَمُلاَقِيهِ * فَأَمّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً * وَيَنقَلِبُ إِلَىَ أَهْلِهِ مَسْرُوراً }.
يقول تعالى ذكره: يا أيها الإنسان إنك عامل إلى ربك عملاً فملاقيه به: خيرا كان عملُك ذلك أو شرّا يقول: فليكن عملُك مما يُنجيك من سُخْطه, ويوجب لك رضاه, ولا يكن مما يُسخطه عليك فتهلك. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
28394ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس يا أيّها الإنْسانُ إنّكَ كادحٌ إلى رَبّك كَدْحا فَمُلاقِيهِ يقول: تعمل عملاً تلقى الله به خيرا كان أو شرّا.
28395ـ حدثنا بشر , قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: يا أيّها الإنْسانُ إنّكَ كادحٌ إلى رَبّكَ كَدْحا فَمُلاقِيهِ إن كدحك يا ابن آدم لضعيف, فمن استطاع أن يكون كدحه في طاعة الله فليفعل, ولا قوّة إلا بالله.
28396ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله: إنّكَ كادحٌ إلى رَبّكَ كَدْحا قال: عامل له عملاً.
28397ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد: وسمعته يقول في ذلك إنّكَ كادحُ إلى رَبّكَ كَدْحا قال: عامل إلى ربك عملاً, قال: كدحا: العمل.
وقوله: فَأمّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ يقول تعالى ذكره: فأما من أُعطي كتاب أعماله بيمينه, فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِسابا يَسِيرا بأن ينظر في أعماله, فيغفر له سيئها, وَيجازَى على حَسنها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل, وجاء الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ذكر من قال ذلك:
28398ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا جرير, عن محمد بن إسحاق, عن عبد الواحد بن حمزة, عن عباد بن عبد الله بن الزّبير, عن عائشة, قالت: سمعت النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: «اللّهُمّ حاسِبْني حِسابا يَسِيرا» قلت: يا رسول الله ما الحساب اليسير؟ قال: «أنْ يَنْظُرَ فِي سَيّئاتِهِ فَيَتجاوَزُ عَنْهُ, إنّهُ مَنْ نُوقِشَ الْحِسابَ يَوْمَئِذٍ هَلَكَ».
حدثني يعقوب, قال: حدثنا ابن عُلَية, عن محمد بن إسحاق, قال: ثني عبد الواحد بن حمزة بن عبد الله بن الزبير, عن عباد بن عبد الله بن الزّبير, عن عائشة, قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في بعض صلاته: «اللّهُمّ حاسِبْنِي حِسابا يَسِيرا», فلما انصرف قلت: يا رسول الله, ما الحساب اليسير؟ قال: «يَنْظُرُ فِي كِتابِهِ, وَيَتَجاوَزُ لَهُ عَنْهُ, إنّهُ مَنْ نُوقِشَ الْحِسابَ يَوْمَئِذٍ يا عائِشَةُ هَلَكَ».
حدثنا نصر بن عليّ الجَهْضَميّ, قال: حدثنا مسلم, عن الحريش بن الخرّيت أخي الزبير, عن ابن أبي مليكة, عن عائشة, قالت: من نُوقش الحساب, أو من حوسب عذّب, قال: ثم قالت: إنما الحساب اليسير: عَرْض على الله وهو يراهم.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الوهاب, قال: حدثنا أيوب, وحدثني يعقوب, قال: حدثنا ابن عُلَية, قال: أخبرنا أيوب, عن ابن أبي مليكة, عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال: «مَنْ حُوسِبَ يَوْمَ الْقِيامَةِ عُذّبَ», فقلت: أليس الله يقول: فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِسابا يَسِيرا قال: «لَيْسَ ذلكِ الْحِسابُ, إنّمَا ذلكِ العَرْضُ, وَلَكِنْ مَنْ نُوقِشَ الْحِسابَ يَوْمَ الْقِيامَةُ عُذّبَ».
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا روح بن عبادة, قال: حدثنا أبو عامر الخزاز, عن ابن أبي مليكة, عن عائشة, قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّهُ لَيْسَ أحَدٌ يُحاسَبُ يَوْمَ الْقِيامَةِ إلاّ مُعَذّبا», فقلت: أليس يقول الله: فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِسابا يَسِيرا قال: «ذَلِكَ الْعَرْضُ, إنّهُ مَنْ نُوقِشَ الْحِسابَ عُذّبَ», وقال بيده على أصبعه كأنه ينكته.
28399ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد في قوله: فَسَوْفَ يُحاسَبُ حسابا يَسيرا قال: الحساب اليسير: الذي يغفر ذنوبه, ويتقبّل حسناته, ويسيرُ الحسابِ: الذي يعفى عنه, وقرأ: وَيخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ, وقرأ: أُولَئِكَ الّذِينَ نَتَقَبّلُ عَنْهُمْ أحْسَنَ ما عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيّئاتِهِمْ فِي أصحَابِ الجَنّةِ.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن عثمان بن الأسود, قال: ثني ابن أبي مليكة, عن عائشة, قالت: يا رسول الله فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِسابا يَسِيرا قال: «ذَلِكَ الْعَرْضُ يا عائِشَةُ, مَنْ نُوقِشَ الْحِسابَ هَلَكَ».
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عثمان بن عمرو وأبو داود, قالا: حدثنا أبو عامر الخزاز, عن ابن أبي مليكة, عن عائشة, قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ حُوسِبَ عُذّبَ», قالت: فقلت: أليس الله يقول: فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِسابا يَسِيرا قال: «ذَلِكَ الْعَرْضُ يا عاِئشَةُ, وَمَنْ نُوقِشَ الْحِسابَ عُذّبَ».
إن قال قائل: وكيف قيل: فَسَوْفَ يُحاسَبُ والمحاسبة لا تكون لا من اثنين, والله القائم بأعمالهم, ولا أحد له قِبَل ربه طَلِبة فيحاسبه؟ قيل: إن ذلك تقرير من الله للعبد بذنوبه, وإقرار من العبد بها, وبما أحصاه كتاب عمله, فذلك المحاسبة على ما وصفنا, ولذلك قيل: يحاسَب.
حدثنا عمرو بن عليّ, قال: حدثنا ابن أبي عديّ, عن أبي يونس القشيري, عن ابن أبي مليكة, عن القاسم بن محمد, عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ أحَدٌ يُحاسَبُ يَوْمَ الْقِيامَةِ إلاّ هَلَكَ» قالت: فقلت: يا رسول الله فأمّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِسابا يَسِيرا فقال: «ذَلِكَ الْعَرْضُ, لَيْسَ أحَدٌ يُحاسَبُ يَوْمَ الْقِيامَةِ إلاّ هَلَكَ».
وقوله: وَيَنْقَلِبُ إلى أهْلِهِ مَسْرُورا يقول: وينصرف هذا المحاسَبُ حسابا يسيرا إلى أهله في الجنة مسرورا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
28400ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَيَنْقَلِبُ إلى أهْلِهِ مَسْرُورا قال: إلى أهل أعدّ الله لهم الجنة.
الآية : 10-15
القول فـي تأويـل قوله تعالى:
{وَأَمّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَآءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً * وَيَصْلَىَ سَعِيراً * إِنّهُ كَانَ فِيَ أَهْلِهِ مَسْرُوراً * إِنّهُ ظَنّ أَن لّن يَحُورَ * بَلَىَ إِنّ رَبّهُ كَانَ بِهِ بَصِيراً }.
يقول تعالى ذكره: وأما من أعطي كتابه منكم أيها الناس يومئذٍ وراء ظهره, وذلك أن جعل يده اليمنى إلى عنقه, وجعل الشمال من يديه وراء ظهره, فيتناول كتابه بشماله من وراء ظهره, ولذلك وصفهم جلّ ثناؤه أحيانا, أنهم يُؤْتَوْن كتُبَهُم بشمائلهم, وأحيانا أنهم يُؤتَوْنَها من وراء ظهورهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
28401ـ حدثني محمد بن عمر, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: وَأَمّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ قال: يجعل يده من وراء ظهره.
وقوله: فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورا يقول: فسوف ينادي بالهلاك, وهو أن يقول: واثبوراه, واويلاه, وهو من قولهم: دعا فلان لهفه: إذا قال: والهفاه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. وقد ذكرنا معنى الثبور فيما مضى بشواهده, وما فيه من الرواية.
28402ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: يَدْعُو ثُبُورا قال: يدعو بالهلاك.
وقوله: وَيَصْلَى سَعِيرا اختلفت القرّاء في قراءة ذلك, فقرأته عامة قرّاء مكة والمدينة والشام: «وَيُصَلّى» بضم الياء وتشديد اللام, بمعنى: أن الله يصليهم تصلية بعد تصلية, وإنضاجة بعد إنضاجة, كما قال تعالى: كُلّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدّلْناهُمْ جُلُودا غَيرَها, واستشهدوا لتصحيح قراءتهم ذلك كذلك, بقوله: ثُمّ الجَحِيمَ صَلّوهُ وقرأ ذلك بعض المدنيين وعامة قرّاء الكوفة والبصرة: وَيَصْلَى بفتح الياء وتخفيف اللام, بمعنى: أنهم يَصْلونها ويَرِدونها, فيحترقون فيها, واستشهدوا لتصحيح قراءتهم ذلك كذلك, بقول الله: يَصْلَوْنها وإلاّ مَنْ هُوَ صِالِ الجَحِيمِ.
والصواب من القول في ذلك عندي: أنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى, فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب.
وقوله: إنّهُ كانَ فِي أهْلِهِ مَسْرُورايقول تعالى ذكره: إنه كان في أهله في الدنيا مسرورا, لما فيه من خلافه أمرَ الله, وركوبه معاصيَه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
28403ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: إنّهُ كانَ فِي أهْلِهِ مَسْرُورا: أي في الدنيا.
وقوله: إنّهُ ظَنّ أنْ لَنْ يَحُورَ بَلى يقول تعالى ذكره: إن هذا الذي أُوتي كتابه وراء ظهره يوم القيامة, ظنّ في الدنيا أن لن يرجع إلينا, ولن يُبعث بعد مماته, فلم يكن يبالي ما ركب من المآثم, لأنه لم يكن يرجو ثوابا, ولم يكن يخشى عقابا يقال منه: حار فلان عن هذا الأمر: إذا رجع عنه, ومنه الخبر الذي رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في دعائه: «اللّهُمّ إنّي أعُوذُ بِكَ مِنَ الْحَوَرِ بَعْدَ الكَورِ» يعني بذلك: من الرجوع إلى الكفر, بعد الإيمان. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
28404ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: إنّهُ ظَنّ أنْ لَنْ يَحُورَ يقول: يُبعث.
28405ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: إنّهُ ظَنّ أنْ لَنْ يَحُورَ بَلى قال: أن لا يرجع إلينا.
28406ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: إنّهُ ظَنّ أنْ لَنْ يَحُورَ: أن لا مَعادَ له ولا رجعة.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة أنْ لَنْ يَحُورَ قال: أن لن ينقلب: يقول: أن لن يبعث.
28407ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, ظَنّ أنْ لَنْ يَحُورَ قال: يرجع.
28408ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: أنْ لَنْ يَحُورَ قال: أن لن ينقلب.
وقوله: بَلى يقول تعالى ذكره: بلى لَيَحُورَنّ ولَيَرْجِعَنّ إلى ربه حيا, كما كان قبل مماته.
وقوله: إنّ رَبّهُ كانَ بِهِ بَصِيرا يقول جلّ ثناؤه: إن ربّ هذا الذي ظنّ أن لن يحور, كان به بصيرا, إذ هو في الدنيا, بما كان يعمل فيها من المعاصي, وما إليه يصير أمره في الاَخرة, عالم بذلك كلّه.
الآية : 16-21
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{فَلاَ أُقْسِمُ بِالشّفَقِ * وَاللّيْلِ وَمَا وَسَقَ * وَالْقَمَرِ إِذَا اتّسَقَ * لَتَرْكَبُنّ طَبَقاً عَن طَبقٍ * فَمَا لَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا قُرِىءَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لاَ يَسْجُدُونَ }.
وهذا قَسَم أقسم ربنا بالشفق, والشفق: الحمرة في الأفق من ناحية المغرب من الشمس في قول بعضهم.
واختلف أهل التأويل في ذلك, فقال بعضهم: هو الحمرة كما قلنا, وممن قال ذلك جماعة من أهل العراق. وقال آخرون: هو النهار. ذكر من قال ذلك:
28409ـ حدثني محمد بن إسماعيل الأحمسيّ, قال: حدثنا محمد بن عبيد, قال: حدثنا العوّام بن حَوْشَب, قال: قلت لمجاهد: الشفق, قال: لا تقل الشفق, إنّ الشفق من الشمس, ولكن قل: حمرة الأفق.
28410ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد قوله: الشّفق, قال: النهار كله.
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, قال: حدثنا سفيان, عن منصور, عن مجاهد فَلا أُقْسِمُ بالشّفَقِ قال: النهار.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن منصور, عن مجاهد, مثله.
وقال آخرون: الشفَق: هو اسم للحمرة والبياض, وقالوا: هو من الأضداد.
والصواب من القول في ذلك عندي: أن يقال: إن الله أقسم بالنهار مدبرا, والليل مقبلاً. وأما الشفَق الذي تحُلّ به صلاة العشاء, فإنه للحمرة عندنا, للعلة التي قد بيّنّاها في كتابنا كتاب الصلاة.
وقوله: وَاللّيْلِ وَما وَسَقَ يقول: والليل وما جمع, مما سكن وهدأ فيه من ذي روح كان يطير, أو يَدِب نهارا, يقال منه: وسَقْتُه أسِقُه وَسْقا, ومنه: طعام موسُوق, وهو المجموع في غرائر أو وعاء, ومنه الوَسْق, وهو الطعام المجتع الكثير, مما يُكال أو يُوزن, يقال: هو ستون صاعا, وبه جاء الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
28411ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: وَما وَسَقَ يقول: وما جَمَعَ.
28412ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا محمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن أبي بشر, عن مجاهد, عن ابن عباس في هذه الاَية وَاللّيْلِ وَما وَسَقَ قال: وما جَمَع. وقال ابن عباس:
مُسْتَوْسِقاتٍ لَوْ يَجِدْنَ سائِقَا
28413ـ حدثني يعقوب, قال: حدثنا ابن علية, عن أبي رجاء, قال: سأل حفص الحسن عن قوله: وَاللّيْلِ وَما وَسَقَ قال: وما جمع.
28414ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد وَاللّيْلِ وَما وَسَقَ قال: وما جمع, يقول: ما آوى فيه من دابّة.
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, عن سفيان, عن منصور, عن مجاهد وَاللّيْلِ وَما وَسَقَ: وما لفّ.
28415ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن منصور, عن مجاهد وَاللّيْلِ وَما وَسَقَ قال: وما أظلم عليه, وما أدخل فيه. وقال ابن عباس:
مُسْتَوْسِقاتٍ لَوْ يَجِدْنَ حادِيا
28416ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَاللّيْلِ وَما وَسَقَ يقول: وما جمع من نجم أو دابة.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة وَما وَسق قال: وما جمع.
28417ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: وَاللّيْلِ وَما وَسَقَ قال: وما جمع, مجتمع فيه الأشياء التي يجمعها الله, التي تأوي إليه, وأشياء تكون في الليل لا تكون في النهار, ما جمع مما فيه ما يأوي إليه, فهو مما جمع.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, قال: حدثنا عمرو, عن منصور, عن مجاهد وَاللّيْلِ وَما وَسَقَ يقول: ما لُفّ عليه.
قال: ثنا جرير, عن منصور, عن مجاهد, مثله.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن منصور, عن مجاهد وَاللّيْلِ وَما وَسَقَ قال: وما دخل فيه.
28418ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, عن إسرائيل, عن أبي الهيثم, عن سعيد بن جبير وَاللّيْلِ وَما وَسَقَ: وما جمع.
قال: ثنا وكيع, عن نافع بن عمر, عن ابن أبي مليكة, عن ابن عباس وَما وَسَقَ: وما جمع, ألم تسمع قول الشاعر:
مُسْتَوْسِقاتِ لَمْ يَجِدْنَ سائِقا
28419ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا أبو الأحوص, عن سماك, عن عكرِمة, في قوله: وَاللّيْلِ وَما وَسَقَ قال: ما حاز إذا جاء الليل.
وقال آخرون: معنى ذلك: وما ساق. ذكر من قال ذلك:
28420ـ حدثنا عبد الله بن أحمد المَرْوَزيّ, قال: حدثنا عليّ بن الحسن, قال: حدثنا حسين, قال: سمعت عكرمة وسئل وَاللّيْلِ وَما وَسَقَ قال: ما ساق من ظلمة, فإذَا كان الليل, ذهب كلّ شيء إلى مأواه.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يحيى بن واضح, قال: حدثنا الحسن, عن عكرِمة وَاللّيْلِ وَما وَسَقَ يقول: ما ساق من ظلمة, إذا جاء الليل ساق كلّ شيء إلى مأواه.
28421ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول, في قوله: وَاللّيْلِ وَما وَسَقَ قال: ما ساق معه من ظلمة إذا أقبل.
28422ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله وَاللّيْلِ وَما وَسَقَ يعني: وما ساق الليل من شيء جمعه النجوم, ويقال: والليل وما جمع.
وقوله: والقَمَرِ إذَا اتّسَقَ يقول: وبالقمر إذا تمّ واستوى. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
28423ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله وَالْقَمَرِ إذَا اتّسَقَ يقول: إذا استوى.
حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس وَالْقَمَرِ إذَا اتّسَقَ قال: إذا اجتمع واستوى.
28424ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا أبو الأحوص, عن سماك, عن عكرِمة والْقَمَرِ إذَا اتّسَقَ قال: إذا استوى.
28425ـ حدثني يعقوب, قال: حدثنا ابن عُلَية, عن أبي رجاء, قال: سأل حفص الحسن, عن قوله: والقَمَرِ إذَا اتّسَقَ قال: إذا اجتمع, إذا امتلاُ.
28426ـ حدثني أبو كدينة, قال: حدثنا ابن يمان, عن أشعث, عن جعفر بن أبي المغيرة, عن سعيد, في قوله: والقَمَرِ إذَا اتّسَقَ قال: لثلاث عَشْرة.
28427ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن منصور, عن مجاهد, مثله.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن منصور, عن مجاهد, مثله.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, قال: حدثنا عمرو, عن منصور, عن مجاهد, مثله.
قال: ثنا جرير, عن منصور, عن مجاهد, مثله.
28428ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله إذَا اتّسَقَ قال: إذا استوى.
28429ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, عن إسرائيل, عن أبي الهيثم, عن سعيد بن جبير والْقَمَرِ إذَا اتّسَقَ: إذا استوى.
28430ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة إذَا اتّسَقَ: إذا استدار.
28431ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة والْقَمَرِ إذَا اتّسَقَ: إذا استوى.
28432ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: والْقَمَرِ إذَا اتّسَقَ قال: إذا اجتمع فاستوى.
28433ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: والْقَمَرِ إذَا اتّسَقَ قال: إذا استوى.
وقوله: لَترْكَبُنّ طَبَقا عَنْ طَبَقٍ اختلفت القرّاء في قراءته, فقرأه عمر بن الخطاب وابن مسعود وأصحابه, وابن عباس وعامة قرّاء مكة والكوفة: «لَترْكَبَنّ» بفتح التاء والباء. واختلف قارئو ذلك كذلك في معناه, فقال بعضهم: لتركَبنّ يا محمد أنت حالاً بعد حال, وأمرا بعد أمر من الشدائد. ذكر من قال ذلك:
28434ـ حدثني يعقوب, قال: حدثنا هشيم, قال: أخبرنا أبو بشر, عن مجاهد, أن ابن عباس كان يقرأ: «لَترْكَبَنّ طَبَقا عَنْ طَبَقٍ» يعني نبيكم صلى الله عليه وسلم حالاً بعد حال.
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن عُلَية, قال: حدثنا إسرائيل, عن أبي إسحاق, عن رجل حدّثه, عن ابن عباس في «لَترْكَبَنّ طَبَقا عَنْ طَبَقٍ» قال: منزلاً بعد منزل.
حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, في قوله: «لَترْكَبَنّ طَبَقا عَنْ طَبَقٍ» يقول: حالاً بعد حال.
حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس: «لَترْكَبَنّ طَبَقا عَنْ طَبَقٍ» يعني: منزلاً بعد منزل, ويقال: أمرا بعد أمر, وحالاً بعد حال.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا محمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن أبي بشر, قال: سمعت مجاهدا, عن ابن عباس «لَترْكَبَنّ طَبَقا عَنْ طَبَقٍ» قال: محمد صلى الله عليه وسلم.
28435ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا أبو الأحوص, عن سماك, عن عكرِمة في قوله «لَترْكَبَنّ طَبَقا عَنْ طَبَقٍ» قال: حالاً بعد حال.
28436ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا هَوْذة, قال: حدثنا عوف, عن الحسن, في قوله «لَترْكَبَنّ طَبَقا عَنْ طَبَقٍ» قال: حالاً بعد حال.
حدثني يعقوب, قال: حدثنا ابن علية, عن أبي رجاء, قال: سأل حفص الحسن عن قوله: «لَترْكَبَنّ طَبَقا عَنْ طَبَقٍ» قال: منزلاً عن منزل, وحالاً عن حال.
28437ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا شريك, عن موسى بن أبي عائشة, قال: سألت مرّة عن قوله: «لَترْكَبَنّ طَبَقا عَنْ طَبَقٍ» قال: حالاً بعد حال.
28438ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يعقوب, عن جعفر, عن سعيد «لَترْكَبُنّ طَبَقا عَنْ طَبَقٍ» قال: حالاً بعد حال.
28439ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, عن سفيان, عن منصور, عن مجاهد «لَترْكَبَنّ طَبَقا عَنْ طَبَقٍ» قال: حالاً عن حال.
قال: ثنا وكيع, عن نصر, عن عكرِمة, قال: حالاً بعد حال.
حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: «لَترْكَبَنّ طَبَقا عَنْ طَبَقٍ» قال: لتركبَنّ الأمور حالاً بعد حال.
28440ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: «لَترْكَبَنّ طَبَقا عَنْ طَبَقٍ» يقول: حالاً بعد حال, ومنزلاً عن منزل.
28441ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: «لتَرْكَبَنّ طَبَقا عَنْ طَبَقٍ» منزلاً بعد منزل, وحالاً بعد حال.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, قال: حدثنا عمرو, عن منصور, عن مجاهد «لَترْكَبَنّ طَبَقا عَنْ طَبَقٍ» قال: أمرا بعد أمر.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن منصور, عن مجاهد, في قوله: «لَترْكَبَنّ طَبَقا عَنْ طَبَقٍ» قال: أمرا بعد أمر.
وقال آخرون ممن قرأ هذه المقالة, وقرأ هذه القراءة عُنِي بذلك: لتركبنّ أنت يا محمد سماء بعد سماء. ذكر من قال ذلك:
28442ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قال: قال الحسن وأبو العالية «لَترْكَبَنّ» يعني محمدا صلى الله عليه وسلم طَبَقا عنْ طَبَقٍ السموات.
28443ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن جابر, عن أبي الضحى, عن مسروق «لَترْكَبَنّ طَبَقا عَنْ طَبَقٍ» قال: أنت يا محمد سماء عن سماء.
28444ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, عن إسماعيل, عن الشعبيّ, قال: سماء بعد سماء.
28445ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, عن إسرائيل, عن جابر, عن عامر, عن علقمة, عن عبد الله, قال: سماء فوق سماء.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: لتركَبُنّ الاَخرة بعد الأولى. ذكر من قال ذلك:
28446ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: «لَترْكَبَنّ طَبَقا عَنْ طَبَقٍ» قال: الاَخرة بعد الأولى.
وقال آخرون ممن قرأ هذه القراءة: إنما عُنِي بذلك أنها تتغير ضروبا من التغيير, وتُشَقّقُ بالغمام مرّة, وتحمرّ أخرى, فتصير وَرْدة كالدهان, وتكون أخرى كالمهل. ذكر من قال ذلك:
28447ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن قيس بن وهب, عن مرّة, عن ابن مسعود «لَترْكَبَنّ طَبَقا عَنْ طَبَقٍ» قال: السماء مرّة كالدّهان, ومرّة تَشَقّق.
حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا محمد بن جعفر, قال: سمعت أبا الزرقاء الهَمْداني, وليس بأبي الزرقاء الذي يحدّث في المسح على الجوربين, قال: سمعت مُرّة الهمداني, قال: سمعت عبد الله يقول في هذه الاَية: «لَترْكَبَنّ طَبَقا عَنْ طَبَقٍ» قال: السماء.
حدثني عليّ بن سعيد الكندىّ, قال: حدثنا عليّ بن غراب, عن الأعمش, عن إبراهيم, عن عبد الله في قوله: «لَترْكَبَنّ طَبَقا عَنْ طَبَقٍ» قال: هي السماء تغبرّ وتحمرّ وتَشَقّق.
حدثنا أبو السائب, قال: ثني أبو معاوية, عن الأعمش, عن إبراهيم, عن عبد الله, في قوله: «لَترْكَبُنّ طَبَقا عَنْ طَبَقٍ» قال: هي السماء تَشَقّق, ثم تحمرّ, ثم تنفطر قال: وقال ابن عباس: حالاً بعد حال.
حدثني يحيى بن إبراهيم المسعوديّ, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن جدّه, عن الأعمش, عن إبراهيم قال: قرأ عبد الله هذا الحرف: «لَترْكَبَنّ طَبَقا عَنْ طَبَقٍ» قال: السماء حالاً بعد حال, ومنزلة بعد منزلة.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن الأعمش, عن إبراهيم, عن عبد الله «لَترْكَبَنّ طَبَقا عَنْ طَبَقٍ» قال: هي السماء.
حدثنا مهران, عن سفيان, عن أبي فروة, عن مرّة, عن ابن مسعود أنه قرأها نصبا, قال: هي السماء.
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, عن الأعمش, عن إبراهيم, عن عبد الله, قال: هي السماء تغير لونا بعد لون.
وقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة وبعض الكوفيين: لَترْكَبُنّ بالتاء, وبضمّ الياء, على وجه الخطاب للناس كافة, أنهم يركبون أحوال الشدة حالاً بعد حال. وقد ذكر بعضهم أنه قرأ ذلك بالياء, وبضم الباء, على وجه الخبر عن الناس كافة, أنهم يفعلون ذلك.
وأولى القراءات في ذلك عندي بالصواب: قراءة من قرأ بالتاء وبفتح الباء, لأن تأويل أهل التأويل من جميعهم بذلك ورد وإن كان للقراءات الأُخَر وجوه مفهومة. وإذا كان الصواب من القراءة في ذلك ما ذكرنا, فالصواب من التأويل قول من قال: «لَترْكَبَنّ» أنت يا محمد حالاً بعد حال, وأمرا بعد أمر من الشدائد. والمراد بذلك, وإن كان الخطاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم موجها, جميع الناس, أنهم يلقون من شدائد يوم القيامة وأهواله أحوالاً.
وإنما قلنا: عُنِي بذلك ما ذكرنا, أن الكلام قبل قوله: لَترْكَبُنّ طَبَقا عَنْ طَبَقٍ جرى بخطاب الجميع, وكذلك بعده, فكان أشبه أن يكون ذلك نظير ما قبله وما بعده.
وقوله: طَبَقا عَنْ طَبَقٍ من قول العرب: وقع فُلان في بنات طَبَق: إذا وقع في أمر شديد.
وقوله: فَمَالَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ يقول تعالى ذكره: فما لهؤلاء المشركين لا يصدّقون بتوحيد الله, ولا يقرّون بالبعث بعد الموت, وقد أقسم لهم ربهم بأنهم راكبون طبقا عن طبق, مع ما قد عاينوا من حججه بحقيقة توحيده. وقد:
28448ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله فَمَالَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ: قال: وبهذا الحديث, وبهذا الأمر.
وقوله: وَإذَا قُرِىءَ عَلَيْهمُ القُرآنُ لا يَسْجُدُونَ يقول تعالى ذكره: وإذا قُرىء عليهم كتاب ربهم لا يخضعون ولا يستكينون وقد بيّنا معنى السجود قبلُ بشواهده, فأغنى ذلك عن إعادته.
الآية : 22-25
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{بَلِ الّذِينَ كَفَرُواْ يُكَذّبُونَ * وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ * فَبَشّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * إِلاّ الّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ }.
قوله: بَلِ الّذِينَ كَفَرُوا يُكَذّبُونَ يقول تعالى ذكره: بل الذين كفروا يكذّبون بآيات الله وتنزيله.
وقوله: وَاللّهُ أعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ يقول تعالى ذكره: والله أعلم بما تُوعيه صدور هؤلاء المشركين, من التكذيب بكتاب الله ورسوله. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
28449ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: يُوعُون قال: يكتمون.
28450ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: وَاللّهُ أعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ قال: المرء يُوعِي متاعه وماله هذا في هذا, وهذا في هذا, هكذا يعرف الله ما يوعون من الأعمال, والأعمال السيئة مما تُوعيه قلوبهم, ويجتمع فيها من هذه الأعمال الخير والشرّ, فالقلوب وِعاء هذه الأعمال كلها, الخير والشرّ, يعلم ما يسرّون وما يعلنون, ولقد وَعَى لكم ما لا يدري أحد ما هو من القرآن وغير ذلك, قاتقوا الله وإياكم أن تدخلوا على مكارم هذه الأعمال, بعضَ هذه الخبث ما يفسدها.
28451ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله: يُوعُونَ قال في صدورهم.
وقوله: فَبَشّرْهُمْ بِعَذَابٍ ألِيمٍ: يقول جلّ ثناؤه: فبشر يا محمد هؤلاء المكذّبين بآيات الله, بعذاب أليم لهم عند الله موجع إلاّ الّذِينَ آمَنُوا وَعمِلُوا الصّالِحاتِ يقول: إلاّ الذين تابوا منهم وصدّقوا, وأقرّوا بتوحيده, ونبوّة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم, وبالبعث بعد الممات. وعملوا الصالحات يقول: وأدّوا فرائض الله, واجتنبوا ركوب ما حرّم الله عليهم ركوبه.
وقوله: لَهُمْ أجْرٌ غَيرُ مَمْنُونٍ يقول تعالى ذكره: لهؤلاء الذين آمنوا وعملوا الصالحات, ثواب غير محسوب ولا منقوص. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
28452ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس قوله: لَهُمْ أجْرٌ غَيرُ مَمْنُونٌ يقول: غير منقوص.
28453ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن ابن جريج, عن مجاهد, قوله: أجْرٌ غَيرُ مَمْنُونِ يعني: غير محسوب.
نهاية تفسير الإمام الطبري لسورة الانشقاق