تفسير الطبري تفسير الصفحة 602 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 602
603
601
 سورة قريش مكيّة
وآياتها أربع
بسم الله الرحمن الرحيم
الآية : 1-4
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ * إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ الشّتَآءِ وَالصّيْفِ * فَلْيَعْبُدُواْ رَبّ هَـَذَا الْبَيْتِ * الّذِيَ أَطْعَمَهُم مّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مّنْ خَوْفٍ }.
اختلفت القراء في قراءة: لإيلافِ قُرَيْشٍ إيلافِهِمْ, فقرأ ذلك عامة قرّاء الأمصار بياء بعد همز لإيلاف وإيلافهم, سوى أبي جعفر, فإنه وافق غيره في قوله لإيلافِ فقرأه بياء بعد همزة, واختلف عنه في قوله إيلافِهِمْ فروي عنه أنه كان يقرؤه: «إلْفِهِمْ» على أنه مصدر من ألف يألف إلفا, بغير ياء. وحَكى بعضهم عنه أنه كان يقرؤه: «إلافِهِمْ» بغير ياء مقصورة الألف.
والصواب من القراءة في ذلك عندي: من قرأه: لإيلافِ قُرَيْشٍ إيلافِهِمْ بإثبات الياء فيهما بعد الهمزة, من آلفت الشيء أُولفه إيلافا, لإجماع الحجة من القرّاء عليه. وللعرب في ذلك لغتان: آلفت, وألفت فمن قال: آلفت بمد الألف قال: فأنا أؤالف إيلافا ومن قال: ألفت بقصر الألف قال: فأنا آلَفُ إلْفا, وهو رجل آلِفّ إلْفا. وحُكي عن عكرِمة أنه كان يقرأ ذلك: «لتألّفِ قُرَيْشٍ إلْفَهُمْ رِحْلَةَ الشّتاءِ والصّيْفِ».
29354ـ حدثني بذلك أبو كُرَيب, قال: حدثنا وكيع, عن أبي مكين, عن عكرِمة.
وقد رُوي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في ذلك, ما:
29355ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مِهْران, عن سفيان, عن ليث, عن شهر بن حوشب, عن أسماء بنت يزيد, قالت: سمعت النبيّ صلى الله عليه وسلم يقرأ: «إلْفَهُمْ رِحْلَةَ الشّتاءِ وَالصّيْفِ».
واختلف أهل العربية في المعنى الجالب هذه اللام في قوله: لإيلافِ قُرَيْشٍ, فكان بعض نحويي البصرة يقول: الجالب لها قوله: فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مأْكُولٍ فهي في قول هذا القائل صلة لقوله جعلهم, فالواجب على هذا القول, أن يكون معنى الكلام: ففعلنا بأصحاب الفيل هذا الفعل, نعمة منا على أهل هذا البيت, وإحسانا منا إليهم, إلى نعمتنا عليهم في رحلة الشتاء والصيف, فتكون اللام في قوله لإِيلافِ بمعنى إلى, كأنه قيل: نعمة لنعمة وإلى نعمة, لأن إلى موضع اللام, واللام موضع إلى. وقد قال معنى هذا القول بعض أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
29356ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله: إيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشّتاءِ وَالصّيْفِ قال: إيلافهم ذلك فلا يشقّ عليهم رحلة شتاء ولا صيف.
29357ـ حدثني إسماعيل بن موسى السديّ, قال: أخبرنا شريك, عن إبراهيم بن المهاجر, عن مجاهد لإيلافِ قُرَيْشٍ قال: نعمتي على قريش.
حدثني محمد بن عبد الله الهلاليّ, قال: حدثنا فَرْوة بن أبي المَغْراء الكِندّي, قال: حدثنا شريك, عن إبراهيم بن المهاجر, عن مجاهد, مثله.
29358ـ حدثنا عمرو بن عليّ, قال: حدثنا عامر بن إبراهيم الأصبهانيّ, قال: حدثنا خطاب بن جعفر بن أبي المغيرة, قال: ثني أبي, عن سعيد بن جُبير, عن ابن عباس, في قوله: لإيلافِ قُرَيْشٍ قال: نعمتي على قريش.
وكان بعض نحويي الكوفة يقول: قد قيل هذا القول, ويقال: إنه تبارك وتعالى عجّب نبيه صلى الله عليه وسلم فقال: اعجب يا محمد لنِعَم الله على قريش, في إيلافهم رحلة الشتاء والصيف. ثم قال: فلا يتشاغلوا بذلك عن الإيمان واتباعك يستدل بقوله: فَلْيَعْبُدُوا رَبّ هَذَا الْبَيْتِ.
وكان بعض أهل التأويل يوجّه تأويل قوله: لإيلافِ قُرَيْشٍ إلى أُلفة بعضهم بعضا. ذكر من قال ذلك:
29359ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قول الله: لإيلافِ قُرَيْشٍ فقرأ: ألَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبّكَ بِأصحَابِ الْفِيلِ إلى آخر السورة, قال: هذا لإيلاف قريش, صنعت هذا بهم لألفة قريش, لئلا أفرّق أُلفتهم وجماعتهم, إنما جاء صاحب الفيل ليستبيد حريمهم, فصنع الله ذلك.
والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إن هذه اللام بمعنى التعجب. وأن معنى الكلام: اعجبوا لإيلاف قريش رحلة الشتاء والصيف, وتركهم عبادة ربّ هذا البيت, الذي أطعمهم من جوع, وآمنهم من خوف, فليعبدوا ربّ هذا البيت, الذي أطعمهم من جوع, وآمنهم من خوف. والعرب إذا جاءت بهذه اللام, فأدخلوها في الكلام للتعجب اكتفوا بها دليلاً على التعجب من إظهار الفعل الذي يجلبها, كما قال الشاعر:
أغَرّكَ أنْ قالُوا لِقُرّةَ شاعِرافيالأَباهُ مِنْ عَرِيفٍ وَشاعِرِ
فاكتفى باللام دليلاً على التعجب من إظهار الفعل وإنما الكلام: أغرّك أن قالوا: اعجبوا لقرّة شاعرا فكذلك قوله: لإيلافِ.
وأما القول الذي قاله من حَكينا قوله, أنه من صلة قوله: فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مأْكُولٍ فإن ذلك لو كان كذلك, لوجب أن يكون «لإيلاف» بعض «ألم تر», وأن لا تكون سورة منفصلة من «ألم تر» وفي إجماع جميع المسلمين على أنهما سورتان تامّتان كلّ واحدة منهما منفصلة عن الأخرى, ما يبين عن فساد القول الذي قاله من قال ذلك. ولو كان قوله: لإيلافِ قُرَيْشٍ من صلة قوله: فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مأكُولٍ لم تكن «ألم تر» تامّة حتى توصلَ بقوله: لإيلافِ قُرَيْشٍ لأن الكلام لا يتمّ إلاّ بانقضاء الخبر الذي ذُكر. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
29360ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, في قوله: «إلْفَهُمْ رِحْلَةَ الشّتاءِ وَالصّيْفِ» يقول: لزومهم.
29361ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, في قوله: لإيلافِ قُرَيْشٍ قال: نهاهم عن الرحلة, وأمرهم أن يعبدوا ربّ هذا البيت, وكفاهم المؤنة وكانت رحلتهم في الشتاء والصيف, فلم يكن لهم راحة في شتاء ولا صيف, فأطعمهم بعد ذلك من جوع, وآمنهم من خوف, وألفوا الرحلة, فكانوا إذا شاءوا ارتحلوا, وإذا شاءوا أقاموا, فكان ذلك من نعمة الله عليهم.
29362ـ حدثني محمد بن المثنى, قال: ثني ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا داود, عن عكرِمة قال: كانت قريش قد ألفوا بُصْرَى واليمن, يختلفون إلى هذه في الشتاء, وإلى هذه في الصيف فَلْيَعْبُدُوا رَبّ هَذا الْبَيْتِ فأمرهم أن يقيموا بمكة.
29363ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن إسماعيل, عن أبي صالح لإيلافِ قُرَيْشٍ إيلافِهِمْ قال: كانوا تجارا, فعلم الله حبهم للشام.
29364ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة لإيلافِ قُرَيْشٍ قال: عادة قريش عادتهم رحلة الشتاء والصيف.
29365ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: لإيلافِ قُرَيْشٍ كانوا ألفوا الارتحال في القيظ والشتاء.
وقوله: إيلافِهِمْ مخفوضة على الإبدال, كأنه قال: لإيلاف قريش لإيلافهم, رحلة الشتاء والصيف. وأما الرحلة فنُصبت بقوله: إيلافِهِمْ, ووقوعه عليها.
وقوله: رِحْلَةَ الشّتاءِ وَالصّيْفِ يقول: رحلة قريش الرحلتين, إحداهما إلى الشام في الصيف, والأخرى إلى اليمن في الشتاء.
29366ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: رِحْلَةَ الشّتاءِ والصّيْفِ قال: كانت لهم رحلتان: الصيف إلى الشام, والشتاء إلى اليمن في التجارة, إذا كان الشتاء امتنع الشأم منهم لمكان البرد, وكانت رحلتهم في الشتاء إلى اليمن.
29367ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان رِحْلَةَ الشّتاءِ وَالصّيْفِ قال: كانوا تُجّارا.
29368ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن الكلبيّ رِحْلَةَ الشّتاء وَالصّيْفِ قال: كانت لهم رحلتان: رحلة في الشتاء إلى اليمن, ورحلة في الصيف إلى الشأم.
29369ـ حدثنا عمرو بن عليّ, قال: حدثنا عامر بن إبراهيم الأصبهاني, قال: حدثنا خطاب بن جعفر بن أبي المغيرة قال: ثني أبي, عن سعيد بن جُبير, عن ابن عباس إيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشّتاءِ وَالصّيْفِ قال: كانوا يَشْتُون بمكة, ويَصِيفون بالطائف.
وقوله: فَلْيَعْبُدُوا رَبّ هَذَا الْبَيْتِ يقول: فليقيموا بموضعهم ووطنهم من مكة, وليعبدوا ربّ هذا البيت, يعني بالبيت: الكعبة, كما:
29370ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: حدثنا هشيم, قال: أخبرنا مُغيرة, عن إبراهيم, أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه, صلى المغرب بمكة, فقرأ: لإيلافِ قُرَيْشٍ فلما انتهى إلى قوله: فَلْيَعْبُدُوا رَبّ هَذَا الْبَيْتِ أشار بيده إلى البيت.
29371ـ حدثنا عمرو بن عليّ, قال: حدثنا عامر بن إبراهيم الأصبهانيّ, قال: حدثنا خطاب بن جعفر بن أبي المغيرة, قال: ثني أبي, عن سعيد بن جُبير, عن ابن عباس, في قوله فَلْيَعْبُدُوا رَبّ هَذَا الْبَيْتِ قال الكعبة.
وقال بعضهم: أُمِروا أن يألفوا عبادة ربّ مكة كإلفهم الرحلتين. ذكر من قال ذلك:
29372ـ حدثنا عمرو بن عبد الحميد الاَمُلِيّ, قال: حدثنا مروان, عن عاصم الأحول, عن عكرِمة, عن ابن عباس, في قول الله: لإيلافِ قُرَيْشٍ قال: أُمروا أن يألفوا عبادة ربّ هذا البيت, كإلفهم رحلة الشتاء والصيف.
وقوله: الّذِي أطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ يقول: الذي أطعم قريشا من جوع, كما:
29373ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: الّذِي أطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ يعني: قريشا أهل مكة, بدعوة إبراهيم صلى الله عليه وسلم حيث قال: وَارْزُقهُمْ مِنَ الثّمَرَاتِ.
وآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ اختلف أهل التأويل في معنى قوله: وآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ فقال بعضهم: معنى ذلك: أنه آمنهم مما يَخاف منه مَنْ لم يكن من أهل الحرم, من الغارات والحروب والقتال, والأمور التي كانت العرب يخاف بعضها من بعض. ذكر من قال ذلك:
29374ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس وآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ حيث قال إبراهيم عليه السلام: رَبّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنا.
29375ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: وآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ قال: آمنهم من كلّ عدوّ في حرمهم.
29376ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: لإيلافِ قُرَيْشٍ إيلافِهِم قال: كان أهل مكة تجارا, يتعاورون ذلك شتاء وصيفا, آمنين في العرب, وكانت العرب يغير بعضها على بعض, لا يقدرون على ذلك, ولا يستطيعونه من الخوف, حتى إن كان الرجل منهم ليُصاب في حيّ من أحياء العرب, وإذا قيل حِرْمِيّ خُلّي عنه وعن ماله, تعظيما لذلك فيما أعطاهم الله من الأمن.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة وآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ قال: كانوا يقولون: نحن من حرم الله, فلا يعرض لهم أحد في الجاهلية, يأمنون بذلك, وكان غيرهم من قبائل العرب إذا خرج أُغير عليه.
29377ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: وآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ قال: كانت العرب يغير بعضها على بعض, ويَسْبِي بعضها بعضا, فأمنوا من ذلك لمكان الحرم, وقرأ: أوَ لَمْ نُمَكّنْ لَهُمْ حَرَما آمِنا يُجْبَى إلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلّ شَيْءٍ.
وقال آخرون: عُنِي بذلك: وآمنهم من الجُذَام. ذكر من قال ذلك:
29378ـ حدثنا الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, قال: قال الضحاك: وآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ قال: من خوفهم من الجُذام.
29379ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان وآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ قال: من الجذام وغيره.
29380ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: قال وكيع: سمعت أطعمهم من جوع, قال: الجوع وآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ الخوف: الجذام.
29381ـ حدثنا عمرو بن عليّ, قال: حدثنا عامر بن إبراهيم الأَصبهانيّ, قال: حدثنا خطاب بن جعفر بن أبي المُغيرة, قال: ثني أبي, عن سعيد بن جُبير, عن ابن عباس وآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ قال: الخوف: الجذام.
والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبر أنه آمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ والعدوّ مخوف منه, والجذام مخوف منه, ولم يخصُصِ الله الخبر عن أنه آمنهم من العدوّ دون الجذام, ولا من الجذام دون العدوّ, بل عمّ الخبر بذلك فالصواب أن يُعَمّ كما عمّ جلّ ثناؤه, فيقال: آمنهم من المعنيين كليهما.

نهاية تفسير الإمام الطبرى لسورة قريش

سورة الماعون مكية
وآياتها سبع
بسم الله الرحمَن الرحيم

الآية : 1-7
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{أَرَأَيْتَ الّذِي يُكَذّبُ بِالدّينِ * فَذَلِكَ الّذِي يَدُعّ الْيَتِيمَ * وَلاَ يَحُضّ عَلَىَ طَعَامِ الْمِسْكِينِ * فَوَيْلٌ لّلْمُصَلّينَ * الّذِينَ هُمْ عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ * الّذِينَ هُمْ يُرَآءُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ }.
يعني تعالى ذكره بقوله: أرأَيْتَ الّذِي يُكَذّبُ بِالدّينِ أرأيت يا محمد الذي يكذّب بثواب الله وعقابه, فلا يطيعه في أمره ونهيه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
29382ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, في قوله: أرأَيْتَ الّذِي يُكَذّبُ بِالدّينِ قال: الذي يكذّب بحكم الله عزّ وجلّ.
29383ـ حدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, عن ابن جُرَيج يُكَذّبُ بِالدّينِ قال: بالحساب.
وذُكر أن ذلك في قراءة عبد الله: «أرأَيْتَ الّذِي يُكَذّبُ الدّينَ» فالباء في قراءته صلة, دخولها في الكلام وخروجها واحد.
وقوله: فَذِلَكَ الّذِي يَدُعّ الْيَتِيمَ يقول: فهذا الذي يكذّب بالدين, هو الذي يدفع اليتيم عن حقه, ويظلمه. يقال منه: دَعَعْت فلانا عن حقه, فأنا أدعّه دعّا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
29384ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, فَذِلكَ الّذِي يَدُعّ الْيَتِيمَ قال: يدفع حق اليتيم.
29385ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قول الله: يَدُعّ الْيَتِيمَ قال: يدفع اليتيم فلا يُطعمه.
29386ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة فَذَلِكَ الّذِي يَدُعّ الْيَتِيمَ: أي يَقْهَره ويظلمه.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة يَدُعّ الْيَتِيمَ قال: يقهره ويظلمه.
29387ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: يَدُعّ الْيَتِيمَ قال: يقهره.
29388ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان في قوله: يَدُعّ الْيَتِيمَ قال: يدفعه.
وقوله: وَلا يَحُضّ على طَعامِ المِسْكِينِ يقول تعالى ذكره: ولا يحثّ غيره على إطعام المحتاج من الطعام.
وقوله: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلّينَ الّذِين هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ يقول تعالى ذكره: فالوادي الذي يسيل من صديد أهل جهنم للمنافقين الذين يصلون, لا يريدون الله عزّ وجلّ بصلاتهم, وهم في صلاتهم ساهون إذا صلوها.
واختلف أهل التأويل في معنى قوله: عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ فقال بعضهم: عُنِي بذلك أنهم يؤخّرونها عن وقتها, فلا يصلونها إلا بعد خروج وقتها. ذكر من قال ذلك:
29389ـ حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا سكن بن نافع الباهلي, قال: حدثنا شعبة, عن خلف بن حَوْشَبِ, عن طلحة بن مُصَرّف, عن مصعب بن سعد, قال: قلت لأبي, أرأيت قول الله عزّ وجلّ: الّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ: أيه تركها؟ قال: لا, ولكن تأخيرها عن وقتها.
حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: حدثنا ابن عُلَية, عن هشام الدّسْتَوائي, قال: حدثنا عاصم بن بهدلة. عن مصعب بن سعد, قال: قلت لسعد: الّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ: أهو ما يحدّث به أحدنا نفسه في صلاته؟ قال: لا, ولكن السهو أن يؤخّرها عن وقتها.
حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا وكيع, عن سفيان, عن عاصم, عن مصعب بن سعد الّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ قال: السهو: الترك عن الوقت.
29390ـ حدثنا عمرو بن عليّ, قال: حدثنا عمران بن تمام البُنَانيّ, قال: حدثنا أبو جمرة الضّبَعِيّ نصر بن عمران, عن ابن عباس, في قوله: الّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ قال: الذين يؤخّرونها عن وقتها.
29391ـ وحدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يعقوب, عن جعفر, عن ابن أبزى: فويل للمصلين الّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ قال: الذين يُؤّخرون الصلاة المكتوبة, حتى تخرج من الوقت أو عن وقتها.
29392ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن الأعمش, عن أبي الضحى, عن مسروق الّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ قال: الترك لوقتها.
حدثني أبو السائب, قال: ثني أبو معاوية, عن الأَعمش, عن مسلم, عن مسروق, في قوله: الّذِينَ هُم عَنْ صْلاتِهِمْ ساهُونَ قال: تضييع مِيقاتها.
29393ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن الأعمش, عن أبي الضحى عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ قال: ترك المكتوبة لوقتها.
29394ـ حدثنا ابن البرقي, قال: حدثنا ابن أبي مريم, قال: حدثنا يحيى بن أيوب, قال: أخبرني ابن زَحْر, عن الأعمش, عن مسلم بن صبيح عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ الذين يضيعونها عن وقتها.
وقال آخرون: بل عُني بذلك أنهم يتركونها فلا يصلونها. ذكر من قال ذلك:
29395ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, في قوله: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلّينَ الّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ فهم المنافقون كانوا يراؤون الناس بصلاتهم إذا حضروا, ويتركونها إذا غابوا, ويمنعونهم العارية بغضا لهم, وهو الماعون.
حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس: الّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ قال: هم المنافقون يتركون الصلاة في السرّ, ويصلون في العلانية.
29396ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ قال: الترك لها.
وقال آخرون: بل عُني بذلك أنهم يتهاونون بها, ويتغافلون عنها ويَلْهُونَ. ذكر من قال ذلك:
29397ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ قال: لاهون.
29398ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة الّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ: غافلون.
29399ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ قال: ساهٍ عنها, لا يبالي صلّى أم لم يصلّ.
29400ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: الّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ يصلون, وليست الصلاة من شأنهم.
29401ـ حدثني أبو السائب, قال: حدثنا ابن فضيل, عن ليث, عن مجاهد, في قوله: الّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ قال: يتهاونون.
وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب بقوله: ساهُونَ: لاهون يتغافلون عنها وفي اللهو عنها والتشاغل بغيرها, تضييعها أحيانا, وتضييع وقتها أخرى. وإذا كان ذلك كذلك صحّ بذلك قول من قال: عُنِي بذلك ترك وقتها, وقول من قال: عُنِي به تركها, لما ذكرت من أن في السهو عنها المعاني التي ذكرت.
وقد رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك خبران يؤيدان صحة ما قلنا في ذلك: أحدهما ما:
29402ـ حدثني به زكريا بن أبان المصريّ, قال: حدثنا عمرو بن طارق, قال: حدثنا عكرِمة بن إبراهيم, قال: حدثنا عبد الملك بن عُمَير, عن مصعب بن سعد, عن سعد بن أبي وقاص, قال: سألت النبيّ صلى الله عليه وسلم, عن الّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ قال: «هم الذين يؤخّرون الصلاة عن وقتها». والاَخر منهما ما:
29403ـ حدثني به أبو كُرَيب, قال: حدثنا معاوية بن هشام, عن شبيان النحويّ, عن جابر الجُعْفِيّ, قال: ثني رجل, عن أبي بَرْزة الأسلميّ, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم, لما نزلت هذه الاَية: الّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ: «الله أكبرُ هذه خيرٌ لكم من أن لو أُعطيَ كلّ رجل منكم مثلَ جميع الدنيا هو الذي إن صلى لم يرجُ خير صلاته, وإن تركها لم يخف ربه».
29404ـ حدثني أبو عبد الرحيم البرقي, قال: حدثنا عمرو بن أبي سلمة, قال: سمعت عمر بن سليمان يحدّث عن عطاء بن دينار أنه قال: الحمد لله الذي قال: الّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ.
وكلا المعنيين اللذين ذكرت في الخبرين اللذين روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم محتمل عن معنى السهو عن الصلاة.
وقوله: الّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ يقول: الذين هم يراؤون الناس بصلاتهم إذا صَلّوْا, لأنهم لا يصلّون رغبةً في ثواب, ولا رهبةً من عقاب, وإنما يصلونها ليراهم المؤمنون فيظنونهم منهم, فيكفون عن سفك دمائهم, وَسبْي ذراريهم, وهم المنافقون الذين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم, يستبطنون الكفر, ويُظهرون الإسلامَ, كذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
29405ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا أبو عامر ومؤمل, قالا: حدثنا سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: الّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ قال: هم المنافقون.
حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا وكيع, عن سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مِهْران, عن سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله.
29406ـ حدثني يونس, قال: حدثنا سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, عن عليّ بن أبي طالب عليه السلام في قوله: يُرَاءُونَ وَيمْنَعُونَ المَاعُونَ قال: يراؤون بصلاتهم.
29407ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: الّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ الّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ يعني المنافقين.
29408ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قال: هم المنافقون كانوا يراؤون الناس بصلاتهم إذا حضروا, ويتركونها إذا غابوا.
29409ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: ثني ابن زيد: ويصلون, وليس الصلاة من شأنهم رياء.
وقوله: وَيَمْنَعُونَ المَاعُونَ يقول: ويمنعون الناس منافع ما عندهم وأصل الماعون من كلّ شيء منفعته يقال للماء الذي ينزل من السحاب: ماعون ومنه قول أعشى بني ثعلبة.
بأَجْوَدَ مِنْهُ بِمَاعُونِهِإذَا ما سَماؤُهُمُ لَمْ تَغِمْ
وقال آخر يصف سحابا:
يَمُجّ صَبِيرُهُ المَاعُونَ صَبّا
وقال عَبيد الراعي:
قَوْمٌ على الإسْلامِ لَمّا يَمْنَعواما عُونَهُمْ وَيُضَيّعوا التّهْليلا
يعني بالماعون: الطاعة والزكاة.
واختلف أهل التأويل في الذي عُنِي به من معاني الماعون في هذا الموضع, فقال بعضهم: عُنِيَ به الزكاة المفروضة. ذكر من قال ذلك:
29410ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: حدثنا ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قال: قال عليّ رضي الله عنه, في قوله: وَيَمْنَعُونَ المَاعُونَ قال: الزكاة.
حدثني ابن المثنى, قال: حدثنا محمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن عبد الله بن أبي نجيح, عن مجاهد, قال: قال عليّ رضي الله عنه: المَاعُونَ: الزكاة.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا سفيان وحدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن السديّ, عن أبي صالح, عن عليّ رضي الله عنه قال: المَاعُونَ: الزكاة.
حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرنا سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, عن عليّ رضي الله عنه وَيَمْنَعُونَ المَاعُونَ قال: يمنعون زكاة أموالهم.
حدثني محمد بن عمارة وأحمد بن هشام قالا: حدثنا عبيد الله بن موسى, قال: أخبرنا إسرائيل, عن السديّ عن أبي صالح, عن عليّ رضي الله عنه وَيَمْنَعُونَ المَاعُونَ قال: الزكاة.
29411ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله: المَاعُونَ قال: الزكاة.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, عن عليّ, مثله.
حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, أن عليا رضي الله عنه كان يقول المَاعُونَ: الصدقة المفروضة.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد وَيَمنَعُونَ المَاعُونَ أن عليا رضي الله عنه قال: هي الزكاة.
29412ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن رجل, عن مجاهد, عن ابن عمر, قال: المَاعُونَ: الزكاة.
29413ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن سلمة بن كهيل, عن أبي المُغيرة, قال: سأل رجل ابن عمر عن الماعون, قال: هو المال الذي لا يؤدّى حقه قال: قلت: إن ابن أمّ عبد يقول: هو المتاع الذي يتعاطاه الناس بينهم, قال: هو ما أقول لك.
حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا وهب بن جرير, قال: حدثنا شعبة, عن سلمة, قال: سمعت أبا المُغيرة قال: سألت ابن عمر, عن الماعون, فقال: هو منع الحقّ.
29414ـ حدثنا عبد الحميد بن بيان, قال: أخبرنا محمد بن يزيد, عن إسماعيل, عن سلمة بن كهيل, قال: سُئل ابن عمر عن الماعون, فقال: هو الذي يُسأل حقّ ماله ويمنعه, فقال: إن ابن مسعود يقول: هو القدر والدلو والفأس, قال: هو ما أقول لكم.
حدثني هارون بن إدريس الأصمّ, قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي, عن إسماعيل بن خالد, عن سلمة بن كهيل, أن ابن عمر سُئل عن قول الله: وَيمْنَعُونَ المَاعُونَ قال: الذي يُسأل مال الله فيمنعه, فقال الذي سأله, فإن ابن مسعود يقول: هو الفأس والقدر, قال ابن عمر: هو ما أقول لك.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن إسماعيل بن خالد, عن سلمة بن كهيل, قال: سأل رجل ابن عمر عن الماعون, فذكر مثله.
حدثني سليمان بن محمد بن معدي كرب الرّعَيني, قال: حدثنا بقية بن الوليد, قال: حدثنا شعبة, قال: ثني سلمة بن كهيل, قال: سمعت أبا المغيرة: رجلاً من بني أسد, قال: سألت عبد الله بن عمر عن الماعون, قال: هو منع الحقّ, قلت: إن ابن مسعودٍ قال: هو منع الفأس والدلو قال: هو منع الحقّ.
حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا وكيع, عن سفيان, عن سلمة بن كهيل, عن أبي المغيرة, عن ابن عمر قال: هي الزكاة.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن السّديّ, عن أبي صالح, عن عليّ, مثله.
29415ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا جابر بن زيد بن رفاعة, عن حسان بن مخارق, عن سعيد بن جُبير, قال: المَاعُونَ: الزكاة.
29416ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة والحسن: الماعون: الزكاة المفروضة.
29417ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا وكيع, عن إسماعيل, عن أبي عمر, عن ابن الحنفية رضي الله عنه قال: هي الزكاة.
29418ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وَيَمْنَعُونَ المَاعُونَ قال: الزكاة.
29419ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: وَيَمْنَعُونَ المَاعُونَ قال: هم المنافقون يمنعون زكاة أموالهم.
29420ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الأعلى, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قال: المَاعُونَ: الزكاة المفروضة.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن سعيد, عن قتادة, مثله.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا محمد بن عقبة, قال: سمعت الحسن يقول: وَيَمْنَعُونَ المَاعُونَ قال: منعوا صدقات أموالهم, فعاب الله عليهم.
29421ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا وكيع, عن مبارك, عن الحسن الّذِينَ هُمْ يُراءُونَ وَيَمْنَعُونَ المَاعُونَ قال: هو المنافق الذي يمنع زكاة ماله, فإن صلى رأى, وإن فاتته لم يَأس عليها.
29422ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا وكيع, عن سلمة, عن الضحاك, قال: هي الزكاة.
وقال آخرون: هو ما يتعاوَرُهُ النّاس بينهم من مثل الدّلو والقِدر ونحو ذلك. ذكر من قال ذلك:
29423ـ حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة, قال: حدثنا ابن أبي إدريس, عن الأعمش, عن الحكم بن يحيى بن الجزار, عن أبي العبيدين, أنه قال لعبد الله: أخبرني عن الماعون؟ قال: هو ما يتعاوره الناس بينهم.
29424ـ حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا محمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن الحكم, قال: سمعت يحيى بن الجزار يحدّث عن أبي العبيدين: رجل من بني تميم ضرير البصر, وكان يسأل عبد الله بن مسعود, وكان ابن مسعود يعرف له, فسأل عبد الله عن الماعون, فقال عبد الله: إن من الماعون منع الفأس والقدر والدلو, خصلتان من هؤلاء الثلاث قال شعبة: الفأس ليس فيه شكّ.
حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا الوليد, قال: حدثنا شعبة, عن الحكم بن عتيبة, عن يحيى بن الجزار, عن أبي العبيدين, عن عبد الله, مثله.
حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: حدثنا ابن عليَة, قال: حدثنا شعبة, عن الحكم بن عتيبة, عن يحيى بن الجزار, أن أبا العبيدين: رجلا من بني تميم, كان ضرير البصر, سأل ابن مسعود عن الماعون, فقال: هو منع الفأس والدلو, أو قال: منع الفأس والقدر.
حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا وكيع, عن الأعمش, عن الحكم, عن يحيى بن الجزار, أن أبا العبيدين سأل ابن مسعود, عن الماعون, قال: هو ما يتعاوره الناس بينهم, الفأس والقدر والدلو.
حدثنا أحمد بن منصور الرمادي, قال: حدثنا أبو الجوّاب, عن عمار بن رزيق, عن أبي إسحاق, عن حارثة بن مضرب, عن أبي العبيدين, عن عبد الله, كنا أصحاب محمد نحدّث أن الماعون: القدر والفأس والدلو. قال أبو بكر: قال أبو الجوّاب, وخالفه زهير بن معاوية فيما:
حدثنا به الحسن الأشيب, قال: حدثنا زُهَير, قال: حدثنا أبو إسحاق, عن حارثة, عن أبي العبيدين, حدثني محمد بن عبيد, قال: حدثنا أبو الأحوص, عن أبي إسحاق, عن حارثة, عن أبي العبيدين وسعيد بن عياض, عن عبد الله, قال: كنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم نتحدّث أن الماعون: الدلو والفأس والقدر, لا يستغنى عنهنّ.
حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا محمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن ابن أبي إسحاق, عن سعد بن عياض قال أبو موسى: هكذا قال غُنْدَر عن أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم, قالوا: إن من الماعون: الفأس والدلو والقدر.
29425ـ حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان وحدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن أبي إسحاق, عن سعيد بن عياض, يحدّث عن أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم بمثله.
قال: ثنا أبو داود, قال: حدثنا شعبة, عن أبي إسحاق, قال: سمعت سعد بن عياض, يحدّث عن أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم, مثله.
حدثنا خلاد, قال: أخبرنا النضر, قال: أخبرنا إسرائيل, قال: أخبرنا أبو إسحاق, عن حارثة بن مضرب, عن أبي العبيدين, قال: قال عبد الله: الماعون: القدر والفأس والدلو.
حدثنا خلاد, قال: أخبرنا النضر, قال: أخبرنا المسعوديّ, قال: أخبرنا سلمة بن كهيل, عن أبي العبيدين, وكانت به زمانة, وكان عبد الله يعرف له ذلك, فقال: يا أبا عبد الرحمن ما الماعون؟ قال: ما يتعاطى الناس بينهم من الفأس والقدر والدلو وأشباه ذلك.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن سلمة بن كهيل, عن مسلم, عن أبي العبيدين, أنه سأل ابن مسعود, عن الماعون, فقال: ما يتعاطاه الناس بينهم.
قال: ثنا مهران, عن الحسن وسلمة بن كهيل, عن أبي العبيدين, عن ابن مسعود, قال: الفأس والدلو والقدر وأشباهه.
حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربيّ, عن المسعوديّ, عن سلمة بن كهيل, عن أبي العبيدين, أنه سأل ابن مسعود, عن قوله: وَيَمْنَعُونَ المَاعُونَ فذكر نحوه.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن الأعمش, عن إبراهيم التيمي, عن الحارث بن سويد, عن ابن مسعود, قال: الفأس والقدر والدلو.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن الأعمش, عن إبراهيم التيميّ, عن الحارث بن سويد, عن عبد الله قال: المَاعُونَ منع الفأس والقدر والدلو.
حدثنا أبو السائب, قال: حدثنا أبو معاوية, عن الأعمش, عن إبراهيم, عن الحرث بن سويد, عن عبد الله, أنه سُئل عن الماعون, قال: ما يتعاوره الناس بينهم: الفأس والدلو وشبهه.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن الأعمش, عن مالك بن الحرث, عن ابن مسعود, قال: الدلو والفأس والقدر.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن أبي إسحاق, عن سعيد بن عياض, عن أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: الماعون: الفأس والقدر والدلو.
حدثني أبو السائب, قال: حدثنا أبو معاوية, عن الأعمش, عن إبراهيم, قال: سُئل عبد الله عن الماعون, قال: ما يتعاوره الناس بينهم, الفأس والقدر والدلو وشبهه.
29426ـ حدثني يعقوب, قال: حدثنا هشيم, قال: أخبرنا مغيرة, عن إبراهيم أنه قال: هو عارية الناس: الفأس والقدر والدلو ونحو ذلك, يعني الماعون.
حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا وكيع, عن الأعمش, عن إبراهيم, عن عبد الله, بمثله.
29427ـ قال: ثنا وكيع, عن الأعمش, عن سعيد بن جُبير, عن ابن عباس مثله, قال: الفأس والدلو.
29428ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن حبيب بن أبي ثابت الأسديّ, عن سعيد بن جُبير, عن ابن عباس قال: المَاعُونَ: العارية.
حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا وكيع وحدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, عن ابن عباس, قال: هو العارية.
29429ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا وكيع, عن سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, نحوه.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, عن ابن عباس, مثله.
29430ـ حدثنا محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, عن ابن عباس, في قوله: الماعُونَ قال: متاع البيت.
حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا إسماعيل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, أراه عن ابن عباس «شكّ أبو كُرَيب» وَيَمْنَعُونَ المَاعُونَ قال: المتاع.
حدثني يعقوب, قال: حدثنا ابن عُلَية, قال: أخبرنا ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قال: قال ابن عباس هو متاع البيت.
حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قال: يمنعونهم العارية, وهو الماعون.
29431ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس وَيَمْنَعُونَ المَاعُونَ قال: اختلف الناس في ذلك, فمنهم من قال: يمنعون الزكاة, ومنهم من قال: يمنعون الطاعة, ومنهم من قال: يمنعون العارية.
29432ـ حدثني يعقوب, قال: حدثنا ابن عُلَية, عن ليث, عن مجاهد, عن ابن عباس, في قوله: وَيَمْنَعُونَ المَاعُونَ قال: لم يجىء أهلها بعد.
29433ـ حدثني ابن المثنى, قال: حدثنا محمد, قال: حدثنا شعبة, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قال: قال ابن عباس: المَاعُونَ ما يتعاطى الناس بينهم.
29434ـ حدثنا يعقوب بن إبراهيم, قال: أخبرنا ابن عُلَية, قال: حدثنا ليث, عن أبي إسحاق, عن الحرث, قال: قال عليّ رضي الله عنه: الماعون: منع الزكاة والفأس والدلو والقدر.
29435ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا أبو عاصم النبيل, قال: حدثنا سفيان, عن حبيب بن أبي ثابت, عن سعيد بن جُبير قال: الماعون: العارية.
29436ـ حدثني أبو حصين عبد الله بن أحمد بن يونس, قال: حدثنا عبثر, قال: حدثنا حصين, عن أبي مالك, في قول الله: وَيَمْنَعُونَ المَاعُونَ قال: الدلو والقدر والفأس.
29437ـ حدثنا عمرو بن عليّ, قال: حدثنا أبو داود, قال: حدثنا أبو عوانة, عن عاصم بن بهدلة, عن أبي وائل, عن عبد الله, قال: كنا مع نبينا صلى الله عليه وسلم ونحن نقول: الماعون: منع الدلو وأشباه ذلك.
وقال آخرون: الماعون: المعروف. ذكر من قال ذلك:
29438ـ حدثنا محمد بن إبراهيم السلمي, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا محمد بن رفاعة, قال: سمعت محمد بن كعب يقول: الماعون: المعروف.
وقال آخرون: الماعون: هو المال. ذكر من قال ذلك:
29439ـ حدثني أحمد بن حرب, قال: حدثنا موسى بن إسماعيل, قال: حدثنا إبراهيم بن سعد, عن ابن شهاب, عن سعيد بن المسيب, قال: الماعون, بلسان قريش: المال.
29440ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا وكيع, عن ابن أبي ذئب, عن الزهريّ, قال: الماعون: بلسان قريش: المال.
وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب, إذ كان الماعون هو ما وصفنا قبل, وكان الله قد أخبر عن هؤلاء القوم, وأنهم يمنعونه الناس, خبرا عاما, من غير أن يخصّ من ذلك شيئا, أن يقال: إن الله وصفهم بأنهم يمنعون الناس ما يتعاورونه بينهم, ويمنعون أهل الحاجة والمسكنة ما أوجب الله لهم في أموالهم من الحقوق, لأن كلّ ذلك من المنافع التي ينتفع بها الناس بعضهم من بعض.

نهاية تفسير الإمام الطبرى لسورة الماعون

سورة الكوثر مكية
وآياتها ثلاث
بسم الله الرحمَن الرحيم

الآية : 1-3
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {إِنّآ أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلّ لِرَبّكَ وَانْحَرْ * إِنّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ }.
يقول تعالى ذكره: إنّا أعْطَيْناكَ يا محمد الْكَوْثَرَ.
واختلف أهل التأويل في معنى الكوثر, فقال بعضهم: هو نهر في الجنة أعطاه الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم.
29441ـ حدثني يعقوب, قال: حدثنا هشيم, قال: أخبرنا عطاء بن السائب, عن محارب بن دثار, عن ابن عمر: أنه قال: الكوثر: نهر في الجنة, حافتاه من ذهب وفضة, يجري على الدرّ والياقوت, ماؤه أشدّ بياضا من اللبن, وأحلى من العسل.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن عطاء, عن محارب بن دثار الباهليّ, عن ابن عمر, في قوله: إنّا أعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ قال: نهر في الجنة حافتاه الذهب, ومجراه على الدرّ والياقوت, وماؤه أشدّ بياضا من الثلج, وأشدّ حلاوة من العسل, وتربته أطيب من ريح المسك.
29442ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا عمر بن عبيد, عن عطاء, عن سعيد بن جُبير, عن ابن عباس, قال: الكوثر: نهر في الجنة حافتاه من ذهب وفضة يجري على الياقوت والدرّ, ماؤه أبيض من الثلج, وأحلى من العسل.
29443ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يعقوب القمي, عن حفص بن حميد, عن شمر بن عطية, عن شقيق أو مسروق, قال: قلت لعائشة: يا أمّ المؤمنين, وما بُطْنان الجنة؟ قالت: وسط الجنة: حافتاه قصور اللؤلؤ والياقوت, ترابه المسك, وحصباؤه اللؤلؤ والياقوت.
29444ـ حدثنا أحمد بن أبي سَريج الرازيّ, قال: حدثنا أبو النضر وشبابة, قالا: حدثنا أبو جعفر الرازيّ, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, عن رجل, عن عائشة قالت: الكوثر: نهر في الجنة ليس أحد يدخل أصبعيه في أذنيه إلا سمع خرير ذلك النهر.
29445ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا وكيع, عن أبي جعفر وحدثنا ابن أبي سُرَيج, قال: حدثنا أبو نَعِيم, قال: أخبرنا أبو جعفر الرازيّ, عن ابن أبي نجيح, عن أنس, قال: الكوثر: نهر في الجنة.
29446ـ قال: ثنا وكيع, عن سفيان, عن أبي إسحاق, عن أبي عبيدة, عن عائشة قالت: الكوثر نهر في الجنة, درّ مجوّف.
29447ـ حدثنا وكيع, عن إسرائيل, عن أبي إسحاق, عن أبي عبيدة, عن عائشة: الكوثر: نهر في الجنة, عليه من الاَنية عدد نجوم السماء.
29448ـ قال: ثنا وكيع, عن أبي جعفر الرازيّ, عن ابن أبي نجيح, عن عائشة قالت: من أحبّ أن يسمع خرير الكوثر, فليجعل أصبعيه في أُذنيه.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مِهْران, عن سفيان, عن أبي إسحاق, عن أبي عبيدة, عن عائشة, قالت: نهر في الجنة, شاطئاه الدرّ المجوّف.
29449ـ قال: ثنا مهران, عن أبي معاذ عيسى بن يزيد, عن أبي إسحاق, عن أبي عبيدة, عن عائشة قالت: الكوثر: نهر في بُطْنان الجنة: وسط الجنة, فيه نهر شاطئاه درّ مجوّف, فيه من الاَنية لأهل الجنة, مثلُ عدد نجوم السماء.
29450ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس: إنّا أعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ قال: نهر أعطاه الله محمدا صلى الله عليه وسلم في الجنة.
29451ـ حدثنا أحمد بن أبي سريج, قال: حدثنا مسعدة, عن عبد الوهاب, عن مجاهد, قال: الكَوْثَر: نهر في الجنة, ترابه مسك أذفر, وماؤه الخمر.
29452ـ حدثنا ابن أبي سريج, قال: حدثنا عبيد الله, قال: أخبرنا أبو جعفر, عن الربيع, عن أبي العالية, في قوله: إنّا أعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ قال: نهر في الجنة.
29453ـ حدثنا الربيع, قال: أخبرنا ابن وهب, عن سليمان بن بلال, عن شريك بن أبي نمر, قال: سمعت أنس بن مالك يحدّثنا, قال: لما أُسري برسول الله صلى الله عليه وسلم, مضى به جبريل في السماء الدنيا, فإذا هو بنهر, عليه قصر من لؤلؤ وزبرجد, فذهب يشُمّ ترابه, فإذا هو مسك, فقال: «يا جبريل, ما هذا النهر؟» قال: هو الكوثر الذي خبأ لك ربّك.
وقال آخرون: عُنِي بالكوثر: الخير الكثير. ذكر من قال ذلك:
29454ـ حدثني يعقوب, قال: ثني هُشَيم, قال: أخبرنا أبو بشر وعطاء بن السائب, عن سعيد بن جُبير, عن ابن عباس أنه قال في الكوثر: هو الخير الكثير الذي أعطاه الله إياه. قال أبو بشر: فقلت لسعيد بن جُبير: فإن ناسا يزعمون أنه نهر في الجنة, قال: فقال سعيد: النهر الذي في الجنة, من الخير الذي أعطاه الله إياه.
حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم, عن عطاء بن السائب, قال: قال محارب بن دثار: ما قال سعيد بن جُبير في الكوثر؟ قال: قلت: قال: قال ابن عباس: هو الخير الكثير, فقال: صدق والله.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن عطاء بن السائب, عن سعيد بن جُبير, عن ابن عباس, قال: الكوثر: الخير الكثير.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا محمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن أبي بشر, قال: سألت سعيد بن جُبير, عن الكوثر, فقال: هو الخير الكثير الذي آتاه الله, فقلت لسعيد: إنا كنا نسمع أنه نهر في الجنة, فقال: هو الخير الذي أعطاه الله إياه.
حدثنا ابن المثنى, قال: ثني عبد الصمد, قال: حدثنا شعبة, عن أبي بشر, عن سعيد بن جُبير: إنّا أعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ قال: الخير الكثير.
29455ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا محمد, قال: حدثنا شعبة, عن عُمارة بن أبي حفصة, عن عكرِمة, قال: هو النبوّة, والخير الذي أعطاه الله إياه.
29456ـ حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا حرمي بن عمارة, قال: حدثنا شعبة, قال: أخبرني عمارة, عن عكرِمة في قول الله: إنّا أعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ قال: الخير الكثير, والقرآن والحكمة.
حدثني يعقوب, قال: حدثنا ابن عُلَية, قال: حدثنا عُمارة بن أبي حفصة, عن عكرِمة أنه قال: الكوثر: الخير الكثير.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن عطاء بن السائب, عن سعيد بن جُبير, عن ابن عباس: إنّا أعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ قال: الخير الكثير.
29457ـ قال: ثنا مِهْران, عن سفيان, عن هلال, قال: سألت سعيد بن جُبير إنّا أعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ قال: أكثر الله له من الخير, قلت: نهر في الجنة؟ قال: نهر وغيره.
29458ـ حدثنا زكريا بن يحيى بن أبي زائدة, قال: حدثنا أبو عاصم, عن عيسى بن ميمون, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قال: الكوثر: الخير الكثير.
حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قال: الكوثر: الخير الكثير.
حدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, عن مجاهد: الكوثر: قال: الخير كله.
29459ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قال: خير الدنيا والاَخرة.
29460ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة في الكوثر, قال: هو الخير الكثير.
حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا وكيع, عن سفيان, عن عطاء بن السائب, عن سعيد بن جُبير, قال: الكوثر: الخير الكثير.
29461ـ قال: ثنا وكيع, عن بدر بن عثمان, سمع عكرِمة يقول في الكوثر: قال: ما أُعطي النبيّ صلى الله عليه وسلم من الخير والنبوّة والقرآن.
حدثنا أحمد بن أبي سريج الرازيّ, قال: حدثنا أبو داود, عن بدر, عن عكرِمة, قوله: إنّا أعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ قال: الخير الذي أعطاه الله: النبوّة والإسلام.
وقال آخرون: هو حوض أُعطيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنة. ذكر من قال ذلك:
29462ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا وكيع, عن مطر, عن عطاء إنّا أعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ قال: حوض في الجنة أُعطيه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
حدثنا أحمد بن أبي سريج, قال: حدثنا أبو نعيم, قال: حدثنا مطر, قال: سألت عطاء ونحن نطوف بالبيت عن قوله: إنّا أعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ قال: حوض أعطيه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأولى هذه الأقوال بالصواب عندي, قول من قال: هو اسم النهر الذي أُعطيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنة, وصفه الله بالكثرة, لعظَم قدره.
وإنما قلنا ذلك أولى الأقوال في ذلك, لتتابع الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن ذلك كذلك. ذكر الأخبار الواردة بذلك:
29463ـ حدثنا أحمد بن المِقدام العجليّ, قال: حدثنا المعتمر, قال: سمعت أبي يحدّث عن قتادة, عن أنس قال: لما عُرج بنبيّ الله صلى الله عليه وسلم في الجنة, أو كما قال, عَرَض له نهر حافَتاه الياقوت المجوّف, أو قال: المجوّب, فضرب المَلك الذي معه بيده فيه, فاستخرج مسكا, فقال محمد للملك الذي معه: «ما هَذَا؟» قال: هذا الكوثر الذي أعطاك الله قال: ورُفِعت له سِدْرة المنتَهَى, فأبصر عندها أثرا عظيما, أو كما قال.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, عن أنس, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال: «بَيْنَما أنا أسِيرُ فِي الجَنّةِ, إذْ عَرَضَ لي نَهْرٌ, حافَتاهُ قِبابُ اللّؤْلُؤِ المُجَوّفِ, فقالَ المَلكُ الّذِي مَعَهُ: أتَدْرِي ما هَذَا؟ هَذَا الْكَوْثَرُ الّذِي أعْطاكَ اللّهُ إيّاهُ, وَضَرَبَ بِيَدِهِ إلى أرْضِهِ, فأخْرَجَ مِنْ طِينِهِ المِسْكَ».
حدثني ابن عوف, قال: حدثنا آدم, قال: حدثنا شيبان, عن قتادة, عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَمّا عُرِجَ بِي إلى السّماءِ, أتَيْتُ عَلى نَهْرٍ حافَتاهُ قِبابُ اللّؤْلُؤِ المُجَوّفِ, قُلت: ما هَذَا يا جِبْرِيلُ؟ قال: هَذَا الْكَوْثَرُ الّذِي أعْطاكَ رَبّكَ, فأَهْوَى المَلَكُ بيَدِهِ, فاسْتَخْرَجَ طِينَهُ مِسْكا أذْفَرَ».
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا ابن أبي عديّ, عن حميد, عن أنس بن مالك, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دَخَلْتُ الجَنّة, فَإذَا أنا بِنَهْرٍ حافَتاهُ خِيامُ اللّؤْلُؤِ, فَضَرَبْتُ بِيَدِي إلى ما يَجْرِي فِيهِ, فإذَا مِسْكٌ أذْفَرُ قال: قُلْتُ: ما هَذَا يا جِبْرِيلُ؟ قال: هَذَا الْكَوْثَرُ الّذِي أعْطاكَهُ اللّهُ».
حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا عبد الصمد, قال: حدثنا همام, قال: حدثنا قتادة, عن أنس, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم, فذكر نحو حديث يزيد, عن سعيد.
29464ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا أحمد بن أبي سريج, قال: حدثنا أبو أيوب العباس, قال: حدثنا إبراهيم بن سعد, قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن مسلم ابن أخي ابن شهاب, عن أبيه, عن أنس, قال: سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكوثر, فقال: «هُوَ نَهْرٌ أعْطانِيهِ اللّهُ فِي الجَنّةِ, تُرَابُهُ مِسْكٌ أبْيَضُ مِنَ اللّبَنِ, وأحْلَى مِنَ العَسَلِ, تَرِدُهُ طَيرٌ أعْناقُها مِثْلُ أعْناقِ الجُزُرِ», قال أبو بكر: يا رسولَ الله, إنها لناعمة؟ قال: «آكِلُها أنْعَمُ مِنْها».
29465ـ حدثنا خلاد بن أسلم, قال: أخبرنا محمد بن عمرو بن علقمة بن أبي وقاص الليثي, عن كثير, عن أنس بن مالك, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دَخَلْتُ الجَنّةَ حِينَ عُرِجَ بي, فأُعْطِيتُ الْكَوْثَرَ, فإذَا هُوَ نَهْرٌ فِي الجَنّةِ, عُضَادَتاهُ بُيُوتٌ مُجَوّفَةٌ مِنْ لُؤْلَؤٍ».
29466ـ حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم, قال: حدثنا أبي وشعيب بن الليث, عن الليث, عن يزيد بن الهاد, عن عبد الله بن مسلم بن شهاب, عن أنس: أن رجلاً جاء إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم, فقال: يا رسول الله, ما الكوثر؟ قال: «نَهْرٌ أعْطانِيهِ اللّهُ فِي الجَنّةِ, لَهُوَ أشَدّ بَياضا مِنَ اللّبنِ, وأحْلَى مِنَ العَسَلِ, فِيهِ طُيُورٌ أعْناقُها كأعْناقِ الجُزُرِ». قال عمر: يا رسول الله إنها لناعمة, قال: «آكِلُها أنْعَمُ مِنْها».
حدثنا يونس, قال: حدثنا يحيى بن عبد الله, قال: ثني الليث, عن ابن الهاد, عن عبد الوهاب عن عبد الله بن مسلم بن شهاب, عن أنس, أن رجلاً جاء إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم, فذكر مثله.
حدثنا عمر بن عثمان بن عبد الرحمن الزهري أن أخاه عبد الله, أخبره أن أنس بن مالك صاحب النبيّ صلى الله عليه وسلم أخبره: أن رجلاً سأل النبيّ صلى الله عليه وسلم, فقال: ما الكوثر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هُوَ نَهْرٌ أعْطانِيْهِ اللّهُ فِي الجَنّةِ, ماؤُهُ أبْيَضُ مِنَ اللّبنِ, وأحْلَى مِنَ العَسَلِ, فِيهِ طُيُورٌ أعْناقُها كأعْناقِ الجُزُرِ», فقال عمر: إنها لناعمة يا رسول الله, فقال: «آكِلُها أنْعَمُ مِنْها».
فقال: عمر بن عثمان: قال ابن أبي أُوَيس وحدثني أبي, عن ابن أخي الزهريّ, عن أبيه, عن أنس, عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في الكوثر, مثله.
29467ـ حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا ابن فضيل, قال: حدثنا عطاء, عن محارب بن دثار, عن ابن عمر, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الْكَوْثَرُ نَهْرٌ فِي الجَنّةِ, حافَتاهُ مِنْ ذَهَبٍ, ومَجْرَاهُ عَلى الْياقُوتِ والدّرّ, تُرْبَتُهُ أطْيَبُ مِنَ المِسْكِ, ماؤُهُ أحْلَى مِنَ العَسَلِ, وأشَدّ بَياضا مِنَ الثّلْجِ».
حدثنا يعقوب, قال: حدثنا ابن عُلَية, قال: أخبرنا عطاء بن السائب, قال: قال لي محارب بن دِثار: ما قال سعيد بن جُبير في الكوثر؟ قلت: حَدّثنا عن ابن عباس, أنه قال: هو الخير الكثير, فقال: صدق والله, إنه للْخير الكثير, ولكن حَدّثنا ابن عمر, قال: لما نزلت: إنّا أعْطَيْناكَ الكَوْثَرَ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الْكَوْثَرُ نَهْرٌ فِي الجَنّةِ, حافَتاهُ منْ ذَهَبٍ, يَجْرِي عَلى الدّرّ والْياقُوت».
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, عن أنس بن مالك, أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «الكَوْثَرُ نَهْرٌ فِي الجَنّة», قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «رأيْتُ نَهْرا حَافتاهُ اللّؤْلُؤُ, فَقُلْتُ: يا جِبْرِيلُ ما هَذَا؟ قال: هَذا الْكَوْثَرُ الّذِي أعْطاكَهُ اللّهُ».
29468ـ حدثنا ابن البرقي, قال: حدثنا ابن أبي مَريم, قال: حدثنا محمد بن جعفر بن أبي كثير, قال: أخبرنا حزام بن عثمان, عن عبد الرحمن الأعرج, عن أُسامة بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى حمزة بن عبد المطلب يوما, فلم يجده, فسأل امرأته عنه, وكانت من بني النجّار, فقالت: خرج, بأبي أنت آنفا عامدا نحوك, فأظنه أخطأك في بعض أزقة بني النجّار, أوَلاَ تدخل يا رسول الله؟ فدخل, فقدّمت إليه حَيْسا, فأكل منه, فقالت: يا رسول الله, هنيئا لك ومريئا, لقد جئت وإني لأريد أن آتيَك فأهنيَك وأَمْرِيَك أخبرني أبو عمارة أنك أُعطيت نهرا في الجنة يُدعى الكوثر, فقال: «أجَلْ, وَعَرْضُهُ يعني أرضه ياقُوتٌ وَمَرْجانٌ وَزَبَرْجَدٌ وَلُؤْلُؤٌ».
وقوله: فَصَلّ لِرَبّكَ وانْحَرْ اختلف أهل التأويل في الصلاة التي أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يصليها بهذا الخطاب, ومعنى قوله: وانْحَرْ فقال بعضهم: حضّه على المواظبة على الصلاة المكتوبة, وعلى الحفظ عليها في أوقاتها بقوله: فَصَلّ لِرَبّكَ وانْحَرْ. ذكر من قال ذلك:
29469ـ حدثني عبد الرحمن بن الأسود الطّفاويّ, قال: حدثنا محمد بن ربيعة, قال: ثني يزيد بن أبي زياد بن أبي الجعد, عن عاصم الجحدريّ, عن عقبة بن ظهير, عن عليّ رضي الله عنه, في قوله: فَصَلّ لِرَبّكَ وَانْحَرْ قال: وضع اليمين على الشمال في الصلاة.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا حماد بن سَلَمة, عن عاصم الجَحْدَريّ, عن عقبة بن ظبيان, عن أبيه, عن عليّ رضي الله عنه فَصَلّ لِرَبّكَ وَانْحَرْ قال: وضع اليد على اليد في الصلاة.
29470ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن حماد بن سلمة, عن عاصم الجَحْدَريّ, عن عُقْبة بن ظَهِير, عن أبيه, عن عليّ رضي الله عنه فَصَلّ لِرَبّكَ وَانْحَرْ قال: وضع يده اليمنى على وسط ساعده اليسرى, ثم وضعهما على صدره.
29471ـ قال: ثنا مهران, عن حماد بن سلمة, عن عاصم الأحول, عن الشعبيّ, مثله.
حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا وكيع, عن يزيد بن أبي زياد, عن عاصم الجَحْدريّ, عن عقبة بن ظهير, عن عليّ رضي الله عنه: فَصَلّ لِرَبّكَ وَانْحَرْ قال: وضع اليمين على الشمال في الصلاة.
29472ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا أبو عاصم, يقال: حدثنا عوف, عن أبي القَمُوص, في قوله: فَصَلّ لِرَبّكَ وَانْحَرْ قال: وضع اليد على اليد في الصلاة.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا أبو صالح الخُراسانيّ, قال: حدثنا حماد, عن عاصم الجَحْدريّ, عن أبيه, عن عقبة بن ظبيان, أن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه قال في قول الله: فَصَلّ لِرَبّكَ وَانْحَرْ قال: وضع يده اليمنى على وسط ساعده الأيسر, ثم وضعهما على صدره.
وقال آخرون: بل عُنِي بقوله: فَصَلّ لِرَبّكَ: الصلاة المكتوبة, وبقوله وَانْحَرْ أن يرفع يديه إلى النحر, عند افتتاح الصلاة والدخول فيها. ذكر من قال ذلك:
29473ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا وكيع, عن إسرائيل, عن جابر, عن أبي جعفر فَصَلّ لِرَبّكَ وَانْحَرْ الصلاة, وانحر: يرفع يديه أوّل ما يُكبَر في الافتتاح.
وقال آخرون: عُنِي بقوله: فَصَلّ لِرَبّكَ المكتوبة, وبقوله وَانْحَرْ: نحر البُدْن. ذكر من قال ذلك:
29474ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام بن سلم وهارون بن المُغيرة, عن عنبسة, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد فَصَلّ لِرَبّكَ وَانْحَرْ قال: الصلاة المكتوبة, ونحر البُدْن.
29475ـ حدثني يعقوب, قال: حدثنا هشيم, عن عطاء بن السائب, عن سعيد بن جُبير وحجّاج, أنهما قالا في قوله: فَصَلّ لِرَبّكَ وَانْحَرْ قال: صلاة الغداة بجَمْع, ونحر البُدن بمِنَى.
29476ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا وكيع, عن قطر, عن عطاء: فَصَلّ لِرَبّكَ وَانْحَرْ قال: صلاة الفجر, وانحر البُدْن.
29477ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس فَصَلّ لِرَبّكَ وَانْحَرْ قال: الصلاة المكتوبة, والنحر: النّسُك والذبح يوم الأضحى.
29478ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن منصور, عن الحكم, في قوله: فَصَلّ لِرَبّكَ وَانْحَرْ قال: صلاة الفجر.
وقال آخرون: بل عُنِي بذلك: صلّ يوم النحر صلاة العيد, وانحر نُسُكَك. ذكر من قال ذلك:
29479ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا هارون بن المُغيرة, عن عنبسة, عن جابر, عن أنس بن مالك, قال: كان النبيّ صلى الله عليه وسلم ينحَر قبل أن يصلي, فأُمر أن يصليَ ثم ينحر.
29480ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا وكيع, عن سفيان, عن جابر, عن عكرِمة: فصلّ الصلاة, وانحر النّسُك.
29481ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا وكيع, عن ثابت بن أبي صفية, عن أبي جعفر فَصَلّ لِرَبّكَ قال: الصلاة وقال عكرِمة: الصلاة ونحر النّسك.
29482ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, عن أبي جعفر, عن الربيع فَصَلّ لِرَبّكَ وَانْحَرْ قال: إذا صليت يوم الأضحى فانحر.
29483ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يحيى بن واضح, قال: حدثنا قطر, قال: سألت عطاء, عن قوله: فَصَلّ لِرَبّكَ وَانْحَرْ قال: تصلي وتنحر.
29484ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عوف, عن الحسن فَصَلّ لِرَبّكَ وَانْحَرْ قال: اذبح.
قال: ثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا أبان بن خالد, قال: سمعت الحسن يقول فَصَلّ لِرَبّكَ وَانْحَرْ قال: الذبح.
29485ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة فَصَلّ لِرَبّكَ وَانْحَرْ قال: نحر البُدن, والصلاة يوم النحر.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة فَصَلّ لِرَبّكَ وَانْحَرْ قال: صلاة الأضحى, والنحر: نحر البُدن.
29486ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا وكيع, عن سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد فَصَلّ لِرَبّكَ وَانْحَرْ قال: مناحر البُدن بِمِنَى.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن جابر, عن عكرِمة فَصَلّ لِرَبّكَ وَانْحَرْ قال: نحر النسك.
29487ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, في قوله: فَصَلّ لِرَبّكَ وَانْحَرْ يقول: اذبح يوم النحر.
29488ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: فَصَلّ لِرَبّكَ وَانْحَرْ قال: نحر البُدْن.
وقال آخرون: قيل ذلك للنبيّ صلى الله عليه وسلم, لأن قوما كانوا يصلون لغير الله, وينحرون لغيره فقيل له: اجعل صلاتَك ونحرَك لله, إذ كان من يكفر بالله يجعله لغيره. ذكر من قال ذلك:
29489ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: ثني أبو صخر, عن محمد بن كعب القرظي, أنه كان يقول في هذه الاَية: إنّا أعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ فَصَلّ لِرَبّكَ وَانْحَرْ يقول: إن ناسا كانوا يصلون لغير الله, وينحرون لغير الله, فإذا أعطيناك الكوثر يا محمد, فلا تكن صلاتك ونحرك إلاّ لي.
وقال آخرون: بل أنزلت هذه الاَية يوم الحُدَيْبية, حين حُصِرَ النبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه, وصُدّوا عن البيت, فأمره الله أن يصلي, وينحر البُدْن, وينصرف, ففعل. ذكر من قال ذلك:
29490ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرني أبو صخر, قال: ثني أبو معاوية البَجَلِيّ, عن سعيد بن جُبير أنه قال: كانت هذه الاَية, يعني قوله: فَصَلّ لِرَبّكَ وَانْحَرْ يوم الحديبية, أتاه جبريل عليه السلام, فقال: انحر وارجع, فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم, فخطب خطبة الفطر والنحر, ثم ركع ركعتين, ثم انصرف إلى البُدن فنحرها, فذلك حين يقول: فَصَلّ لِرَبّكَ وَانْحَرْ.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: فصلّ وادع ربّك وَسَلْه. ذكر من قال ذلك:
29491ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن أبي سنان, عن ثابت, عن الضحاك فَصَلّ لِرَبّكَ وَانْحَرْ قال: صلّ لربك وسَلْ.
وكان بعض أهل العربية يتأوّل قوله: وَانْحَرْ واستقبل القبلة بنحرك. وذُكر أنه سمع بعض العرب يقول: منازلهم تتناحَر: أي هذا بنحر هذا: أي قبالته. وذُكر أن بعض بني أسد أنشده:
أبا حَكَمٍ هَلْ أنْتَ عَمّ مُجَالِدٍوَسَيّدُ أهْلِ الأَبْطَحِ المُتَناحِرِ؟
أي ينحر بعضه بعضا.
وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب: قول من قال: معنى ذلك: فاجعل صلاتَك كلّها لربك خالصا دون ما سواه من الأنداد والاَلهة, وكذلك نحرك اجعله له دون الأوثان, شكرا له على ما أعطاك من الكرامة والخير الذي لا كُفْء له, وخصك به, من إعطائه إياك الكوثر.
وإنما قلت: ذلك أولى الأقوال بالصواب في ذلك, لأن الله جلّ ثناؤه أخبر نبيه صلى الله عليه وسلم بما أكرمه به من عطيته وكرامته, وإنعامه عليه بالكوثر, ثم أتبع ذلك قوله: فَصَلّ لِرَبّكَ وَانْحَرْ, فكان معلوما بذلك أنه خصه بالصلاة له, والنحر على الشكر له, على ما أعلمه من النعمة التي أنعمها عليه, بإعطائه إياه الكوثَر, فلم يكن لخصوص بعض الصلاة بذلك دون بعض, وبعض النحر دون بعض, وجه, إذ كان حثا على الشكر على النّعم.
فتأويل الكلام إذن: إنا أعطيناك يا محمد الكوثر, إنعاما منا عليك به, وتكرمة منا لك, فأخلص لربك العبادة, وأفرد له صلاتك ونُسُكَك, خلافا لما يفعله من كفر به, وعبد غيره, ونحر للأوثان.
وقوله: إنّ شانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ يعني بقوله جلّ ثناؤه: إنّ شانِئَكَ إن مُبغضَك يا محمد وعدوّك هُوَ الأبْتَرُ يعني بالأبتر: الأقلّ والأذلّ المنقطع دابره, الذي لا عَقِبَ له.
واختلف أهل التأويل في المعنيّ بذلك, فقال بعضهم: عُنِي به العاص بن وائل السهميّ. ذكر من قال ذلك:
29492ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: إنّ شانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ يقول: عدوّك.
29493ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: إنّ شانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ قال: هو العاص بن وائل.
29494ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن هلال بن خباب, قال: سمعت سعيد بن جُبير يقول: إنّ شانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ قال: هو العاص بن وائل.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مِهْران, عن سفيان, عن هلال, قال: سألت سعيد بن جُبَير, عن قوله: إنّ شانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ قال: عدوّك العاص بن وائل انبتر من قومه.
29495ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله: إنّ شانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ قال: العاص بن وائل, قال: أنا شانىء محمد, ومن شنأه الناس فهو الأبتر.
29496ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة إنّ شانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ قال: هو العاص بن وائل, قال: أنا شانىءٌ محمدا, وهو أبتر, ليس له عَقِبٌ, قال الله: إنّ شانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ قال قتادة: الأبتر: الحقير الدقيق الذليل.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة إنّ شانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ هذا العاص بن وائل, بلغنا أنه قال: أنا شانىء محمد.
29497ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: إنّ شانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ قال: الرجل يقول: إنما محمد أبتر, ليس له كما ترون عَقِبٌ, قال الله: إنّ شانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ.
وقال آخرون: بل عُنِي بذلك: عُقْبة بن أبي مُعَيط. ذكر من قال ذلك:
29498ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يعقوب القُميّ, عن حفص بن حميد, عن شمر بن عطية, قال: كان عقبة بن أبي معيط يقول: إنه لا يبقى للنبيّ صلى الله عليه وسلم ولد, وهو أبتر, فأنزل الله فيه هؤلاء الاَيات: إنّ شانِئَكَ عُقبة بن أبي مُعَيط هُوَ الأبْتَرُ.
وقال آخرون: بل عُنِي بذلك جماعة من قريش. ذكر من قال ذلك:
29499ـ حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا عبد الوهاب, قال: حدثنا داود, عن عكرِمة, في هذه الاَية: أَلَمْ تَرَ إلى الّذِينَ أُوتُوا نَصِيبا مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بالجِبْتِ وَالطّاغُوتِ ويَقُولُونَ لِلّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أهْدَى مِنَ الّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً قال: نزلت في كعب بن الأشرف, أتى مكة فقال لها أهلُها: نحن خير أم هذا الصّنبور المنبتر من قومه, ونحن أهل الحجيج, وعندنا مَنْحَر البُدْنِ, قال: أنتم خير. فأنزل الله فيه هذه الاَية, وأنزل في الذين قالوا للنبيّ صلى الله عليه وسلم ما قالوا: إنّ شانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ.
29500ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا وكيع, عن بدر بن عثمان, عن عكرِمة إنّ شانِئِكَ هُوَ الأبْتَرُ. قال: لمّا أُوحي إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم قالت قريش: بَتِرَ محمد منا, فنزلت: إنّ شانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ قال: الذي رماك بالبَتَرِ هو الأبتر.
29501ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا ابن أبي عديّ, قال: أنبأنا داود بن أبي هند, عن عكرِمة, عن ابن عباس قال: لما قَدِم كعب بن الأشرف مكة أتوْه, فقالوا له: نحن أهل السّقاية والسّدانة, وأنت سيد أهل المدينة, فنحن خير أم هذا الصّنْبور المنبتر من قومه, يزعم أنه خير منا؟ قال: بل أنتم خير منه, فنزلت عليه: إنّ شانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ قال: وأُنزلت عليه: ألَمْ تَرَ إلى الّذِينَ أُوتُوا نَصِيبا مِنَ الْكِتابِ... إلى قوله: نَصِيرا.
وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبر أن مُبغض رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الأقلّ الأذلّ, المنقطع عقبه, فذلك صفة كلّ من أبغضه من الناس, وإن كانت الاَية نزلت في شخص بعينه.

نهاية تفسير الإمام الطبرى لسورة الكوثر