تفسير الطبري تفسير الصفحة 66 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 66
067
065
 الآية : 122
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِذْ هَمّتْ طّآئِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ وَاللّهُ وَلِيّهُمَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكّلِ الْمُؤْمِنُونَ }
يعنـي بذلك جلّ ثناؤه: والله سميع علـيـم حين همّت طائفتان منكم أن تفشلا. والطائفتان اللتان همتا بـالفشل ذكر لنا أنهم بنو سَلِـمة وبنو حارثة. ذكر من قال ذلك:
6240ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي قول الله: {إذْ هَمّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أنْ تَفْشَل} قال: بَنو حارثة كانوا نـحو أحد, وبنو سلـمة نـحو سلع, وذلك يوم الـخندق.
قال أبو جعفر: وقد دللنا علـى أن ذلك كان يوم أحد فـيـما مضى بـما فـيه الكفـاية عن إعادته.
6241ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: {إذْ هَمّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَل}... الاَية, وذلك يوم أحد, والطائفتان: بنو سلـمة, وبنو حارثة, حيان من الأنصار, همّوا بأمر, فعصمهم الله من ذلك. قال قتادة: وقد ذكر لنا أنه لـما أنزلت هذه الاَية قالوا: ما يسرّنا أنا لـم نهم بـالذي همـمنا به, وقد أخبرنا الله أنه ولـينا.
6242ـ حُدثت عن عمار, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع, قوله: {إذْ هَمّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ}... الاَية, وذلك يوم أحد, فـالطائفتان: بنو سلـمة, وبنو حارثة, حيان من الأنصار, فذكر مثل قول قتادة.
6243ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي, قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلـى أحد فـي ألف رجل, وقد وعدهم الفتـح إن صبروا¹ فلـما رجع عبد الله بن أبـيّ ابن سلول فـي ثلثمائة, فتبعهم أبو جابر السلـمي يدعوهم, فلـما غلبوه وقالوا له: ما نعمل قتالاً, ولئن أطعتنا لترجعنّ معنا, وقال: {إذْ هَمّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أنْ تَفْشَل} وهم بنو سلـمة, وبنو حارثة, هموا بـالرجوع حين رجع عبد الله بن أبـيّ, فعصمهم الله, وبقـي رسول الله صلى الله عليه وسلم فـي سبعمائة.
6244ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قال: قال عكرة: نزلت فـي بنـي سلـمة من الـخزرج, وبنى حارثة من الأوس, ورأسهم عبد الله بن أبـيّ ابن سلول.
6245ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس قوله: {إذْ هَمّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أنْ تَفْشَل} فهو بنو حارثة وبنو سلـمة.
6246ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق: {إذْ هَمّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أنْ تَفْشل} والطائفتان: بنو سلـمة من جشم بن الـخزرج, وبنو حارثة بن النبـيت من الأوس, وهما الـجناحان.
6247ـ حدثنـي مـحمد بن سنان, قال: حدثنا أبو بكر الـحنفـي, عن عبـاد, عن الـحسن فـي قوله: {إذْ هَمّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أنْ تَفْشَل}... الاَية, قال: هما طائفتان من الأنصار همّا أن يفشلا, فعصمهم الله, وهزم عدوّهم.
6248ـ حدثنا الـحسن بن يحيـى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا ابن عيـينة, عن عمرو بن دينار, قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: {إذْ هَمّتْ طائِفَتانِ منكم أنْ تَفْشل} قال: هم بنو سلـمة, وبنو حارثة وما نـحبّ أن لو لـم تكن همتا لقول الله عزّ وجلّ: {وَاللّهُ وَلِـيّهُم}.
حدثنـي أحمد بن حازم, قال: حدثنا أبو نعيـم, قال: حدثنا ابن عيـينة, عن عمرو, قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول, فذكر نـحوه.
6249ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد: {إذْ هَمّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أنْ تَفْشل} قال: هذا يوم أحد.
وأما قوله {أنْ تَفْشَل} فإنه يعنـي: همّا أن يضعفـا ويجبنا عن لقاء عدوّهما, يقال منه: فشل فلان عن لقاء عدوّه يفشل فشلاً. كما:
6250ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قال: قال ابن عبـاس: الفشل: الـجبن.
وكان همهما الذي همّا به من الفشل: الانصراف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والـمؤمنـين حين انصرف عنهم عبد الله بن أبـيّ بن سلول ابن معه, جبنا منهم, من غير شكّ منهم فـي الإسلام ولا نفـاق¹ فعصمهم الله مـما هموا به من ذلك, ومضوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لوجهه الذي مضى له, وتركوا عبد الله بن أبـيّ ابن سلول والـمنافقـين معه, فأثنى الله عزّ وجلّ علـيهما بثبوتهما علـى الـحقّ, وأخبر أنه ولـيهما وناصرهما علـى أعدائهما من الكفـار. كما:
6251ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق: {وَاللّهُ وَلِـيّهُم}: أي الدافع عنهما ما هما به من فشلهما, وذلك أنه إنـما كان ذلك منهما عن ضعف ووهن أصابهما من غير شكّ أصابهما فـي دينهما, فتولـى دفع ذلك عنهما برحمته وعائدته, حتـى سلـمتا من وهنهما وضعفهما, ولـحقتا بنبـيهما صلى الله عليه وسلم¹ يقول: {وَعَلـى اللّهِ فَلْـيَتَوَكّلِ الـمُؤْمِنُونَ} أي من كان به ضعف من الـمؤمنـين أو وهن فلـيتوكل علـيّ, ولـيستعن بـي, أعنه علـى أمره, وأدفع عنه, حتـى أبلغ به وأقوّيه علـى نـيته.
وذكر أن ابن مسعود رضي الله عنه كان يقرأ: «وَاللّهُ وَلِـيّهُمْ». وإنـما جاز أن يقرأ ذلك كذلك, لأن الطائفتـين وإن كانتا فـي لفظ اثنـين, فإنهما فـي معنى جماع بـمنزلة الـخصمين والـحزبـين.
الآية : 123
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلّةٌ فَاتّقُواْ اللّهَ لَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ }
يعنـي بذلك جلّ ثناؤه: وإن تصبروا وتتقوا, لا يضرّكم كيدهم شيئا, وينصركم ربكم, {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّه بَبدْرٍ} علـى أعدائكم {وأَنْتُـمْ} يومئذٍ {أذِلّةٌ} يعنـي قلـيـلون, فـي غير منعة من الناس, حتـى أظهركم الله علـى عدوّكم مع كثرة عددهم, وقلة عددكم, وأنتـم الـيوم أكثر عددا منكم حينئذٍ, فإن تصبروا لأمر الله ينصركم كما نصركم ذلك الـيوم {فـاتّقُوا الله} يقول تعالـى ذكره: فـاتقوا ربكم بطاعته واجتناب مـحارمه {لَعلّكُمْ تَشْكُرُونَ} يقول: لتشكروه علـى ما منّ به علـيكم من النصر علـى أعدائكم, وإظهار دينكم, ولـما هداكم له من الـحقّ الذي ضلّ عنه مخالفوكم. كما:
6252ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق: {ولَقَدْ نَصَركُمْ اللّهُ بِبَدْرٍ وأنْتُـمْ أذِلّةٌ} يقول: وأنتـم أقلّ عددا, وأضعف قوّة. {فـاتّقُوا اللّه لَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ} أي فـاتقون, فإنه شكر نعمتـي.
واختلف فـي الـمعنى الذي من أجله سمي بدر بدرا, فقال بعضهم: سمي بذلك لأنه كان ماء لرجل يسمى بدرا, فسمي بـاسم صاحبه. ذكر من قال ذلك:
6253ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن زكريا, عن الشعبـي, قال: كانت بدر لرجل يقال له بدر, فسميت به.
حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا زكريا, عن الشعبـي أنه قال: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ} قال: كانت بدر بئرا لرجل يقال له بدر, فسميت به.
وأنكر ذلك آخرون وقالوا: ذلك اسم سميت به البقعة كما سمي سائر البلدان بأسمائها ذكر من قال ذلك:
6254ـ حدثنا الـحرث بن مـحمد, قال: حدثنا ابن سعد, قال: حدثنا مـحمد بن عمر الواقدي, قال: حدثنا منصور, عن أبـي الأسود, عن زكريا, عن الشعبـي, قال: إنـما سمي بدرا لأنه كان ماء لرجل من جهينة يقال له بدر. وقال الـحرث: قال ابن سعد: قال الواقدي: فذكرت ذلك لعبد الله بن جعفر ومـحمد بن صالـح, فأنكراه, وقالا: فلأيّ شيء سميت الصفراء؟ ولأيّ شيء سميت الـحمراء؟ ولأيّ شيء سمي رابغ؟ هذا لـيس بشيء, إنـما هو اسم الـموضع. قال: وذكرت ذلك لـيحيـى بن النعمان الغفـاري, فقال: سمعت شيوخنا من بنـي غفـار يقولون: هو ماؤنا ومنزلنا, وما ملكه أحد قط يقال له بدر, وما هو من بلاد جهينة إنـما هي بلاد غفـار. قال الواقدي: فهذا الـمعروف عندنا.
6255ـ حُدثت عن الـحسن بن الفرج, قال: سمعت أبـا معاذ, قال: أخبرنا عبـيد بن سلـيـمان, قال: سمعت الضحاك يقول: بدر ماء عن يـمين طريق مكة بـين مكة والـمدينة.
وأما قوله: {أذِلّةٌ} فإنه جمع ذلـيـل, كما الأعزّة جمع عزيز, والألبّة جمع لبـيب. وإنـما سماهم الله عزّ وجلّ أذلة لقلة عددهم, لأنهم كانوا ثلثمائة نفس وبضعة عشر, وعدوّهم ما بـين التسعمائة إلـى الألف, علـى ما قد بـينا فـيـما مضى, فجعلهم لقلة عددهم أذلة.
وبنـحو ما قلنا فـي ذلك, قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
6256ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وأنْتُـمْ أذِلّةٌ فـاتّقُوا اللّهَ لَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ} وبدر: ماء بـين مكة والـمدينة, التقـى علـيه نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم والـمشركون, وكان أوّل قتال قاتله نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم. وذكر لنا أنه قال لأصحابه يومئذٍ: «أنْتُـمْ الـيَوْمَ بعدّةِ أصحَابِ طالُوتَ يَوْمَ لَقِـيَ جالُوتَ»: فكانُوا ثَلَثَمِائةٍ وَبِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلاً, وَالـمُشْرِكُونَ يَوْمَئِذٍ ألْفٌ أوْ رَاهَقُوا ذَلِكَ.
6257ـ حدثنـي مـحمد بن سنان, قال: حدثنا أبو بكر, عن عبـاد, عن الـحسن فـي قوله: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وأنْتُـمْ أذِلّةٌ فـاتّقُوا اللّهَ لَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ} قال: يقول: وأنتـم أذلة قلـيـل, وهم يومئذٍ بضعة عشر وثلثمائة.
6258ـ حُدثت عن عمار, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع, نـحو قول قتادة.
6259ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وأنْتُـمْ أذِلّةٌ} أقلّ عددا وأضعف قوّة.
وأما قوله: {فـاتّقُوا اللّهَ لَعَلّكُم تَشْكُرُونَ} فإن تأويـله كالذي قد بـينت كما:
6260ـ حدثنا ابن حميد, قال حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق: {فَـاتّقُوا اللّهَ لَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ}: أي فـاتقونـي, فإنه شكر نعمي.
الآية : 124-125
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدّكُمْ رَبّكُمْ بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مّنَ الْمَلآئِكَةِ مُنزَلِينَ * بَلَىَ إِن تَصْبِرُواْ وَتَتّقُواْ وَيَأْتُوكُمْ مّن فَوْرِهِمْ هَـَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبّكُمْ بِخَمْسَةِ آلآفٍ مّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوّمِينَ }
يعنـي تعالـى ذكره: {وَلَقَدْ نَصَركُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وأنْتُـمْ أذِلّةٌ} إذ تقول للـمؤمنـين بك من أصحابك: {ألَنْ يَكْفِـيكُمْ أنْ يُـمِدّكُمْ رَبّكُمْ بثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الـمَلائِكَةِ مُنْزلِـينَ}؟ وذلك يوم بدر.
ثم اختلف أهل التأويـل فـي حضور الـملائكة يوم بدر حربهم, فـي أيّ يوم وعدوا ذلك؟ فقال بعضهم: إن الله عزّ وجلّ كان وعد الـمؤمنـين يوم بدر أن يـمدّهم بـملائكته إن أتاهم العدوّ من فورهم, فلـم يأتوهم, ولـم يـمدّوا. ذكر من قال ذلك:
6261ـ حدثنـي حميد بن مسعدة, قال: حدثنا بشر بن الـمفضل, قال: حدثنا داود, عن عامر, قال: حدث الـمسلـمون أن كرز بن جابر الـمـحاربـي يـمدّ الـمشركين, قال: فشقّ ذلك علـى الـمسلـمين, فقـيـل لهم: {ألَنْ يَكْفِـيَكُمْ أنْ يُـمِدّكُمْ رَبّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الـمَلائِكَةِ مُنْزَلِـينَ بَلـى إنْ تَصْبِرُوا وَتَتّقُوا وَيأتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُـمْدِدْكُمْ رَبّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الـمَلائكَةِ مُسَوّمِينَ} قال: فبلغت كرزا الهزيـمة فرجع, ولـم يـمدّهم بـالـخمسة.
حدثنـي ابن الـمثنى, قال: حدثنا عبد الأعلـى, قال: حدثنا داود, عن عامر, قال: لـما كان يوم بدر, بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم, ثم ذكر نـحوه, إلا أنه قال: {وَيأتْوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَ}: يعنـي كرزا وأصحابه, {يُـمْدِدْكُمْ رَبّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الـمَلائِكَةِ مُسَوّمِينَ} قال: فبلغ كرزا وأصحابه الهزيـمة, فلـم يـمدّهم, ولـم تنزل الـخمسة, وأمدّوا بعد ذلك بألف, فهم أربعة آلاف من الـملائكة مع الـمسلـمين.
6262ـ حدثنـي مـحمد بن سنان, قال: حدثنا أبو بكر الـحنفـي, عن عبـاد, عن الـحسن فـي قوله: {إذْ تَقُولُ للْـمُؤْمِنِـينَ ألَنْ يَكْفِـيَكُمْ أنْ يُـمِدّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الـمَلائِكَةِ}... الاَية كلها, قال: هذا يوم بدر.
حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا ابن علـية, عن داود, عن الشعبـي, قال: حدث الـمسلـمون أن كرز بن جابر الـمـحاربـي يريد أن يـمدّ الـمشركين ببدر, قال: فشقّ ذلك علـى الـمسلـمين, فأنزل الله عزّ وجلّ: {ألَنْ يَكْفِـيَكُمْ أنْ يُـمدّكُمْ رَبّكُمْ}... إلـى قوله: {مِنَ الـمَلائِكَةِ مُسَوّمِينَ} قال: فبلغته هزيـمة الـمشركين فلـم يـمدّ أصحابه, ولـم يـمدّوا بـالـخمسة.
وقال آخرون: كان هذا الوعد من الله لهم يوم بدر, فصبر الـمؤمنون واتقوا الله, فأمدّهم بـملائكته علـى ما وعدهم. ذكر من قال ذلك:
6263ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا يونس بن بكير, عن مـحمد بن إسحاق, قال: ثنـي عبد الله بن أبـي بكر, عن بعض بنـي ساعدة, قال: سمعت أبـا أسيد مالك بن ربـيعة بعد ما أصيب بصره يقول: لو كنت معكم ببدر الاَن ومعي بصري لأخبرتكم بـالشّعْب الذي خرجت منه الـملائكة, لا أشك ولا أتـمارى.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, قال: قال ابن إسحاق, وثنى عبد الله بن أبـي بكر, عن بعض بنـي ساعدة, عن أبـي أسيد مالك بن ربـيعة, وكان شهد بدرا أنه قال بعد إذ ذهب بصره: لو كنت معكم الـيوم ببدر, ومعي بصري, لأريتكم الشّعْبَ الذي خرجت منه الـملائكة لا أشك ولا أتـمارى.
6264ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن مـحمد بن إسحاق, قال: ثنـي عبد الله بن أبـي بكر أنه حدث عن ابن عبـاس, أن ابن عبـاس, قال: ثنـي رجل من بنـي غفـار, قال: أقبلت أنا وابن عمّ لـي حتـى أصعدنا فـي جبل يشرف بنا علـى بدر, ونـحن مشركان ننتظر الوقعة علـى من تكون الدّبْرة, فنتهب مع من ينتهب. قال: فبـينا نـحن فـي الـجبل, إذ دنت منا سحابة, فسمعنا فـيها حمـحمة الـخيـل, فسمعت قائلاً يقول: أقْدِمْ حيزوم! قال: فأما ابن عمي فـانكشف قناع قلبه, فمات مكانه, وأما أنا فكدت أهلك, ثم تـماسكت.
6265ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن مـحمد بن إسحاق, قال: وثنى الـحسين بن عمارة, عن الـحكم بن عتـيبة, عن مقسم, مولـى عبد الله بن الـحرث, عن عبد الله بن عبـاس, قال: لـم تقاتل الـملائكة فـي يوم من الأيام سوى يوم بدر, وكانوا يكونون فـيـما سواه من الأيام عددا ومددا لا يضربون.
6266ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, قال: قال مـحمد بن إسحاق, حدثنـي أبـي إسحاق بن يسار, عن رجال من بنـي مازن بن النـجار, عن أبـي داود الـمازنـي, وكان شهد بدرا, قال: إنـي لأتبع رجلاً من الـمشركين يوم بدر لأضربه إذ وقع رأسه قبل أن يصل إلـيه سيفـي, فعرفت ن قد قتله غيري.
6267ـ حدثنـي ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, قال: قال مـحمد: ثنـي حسين بن عبد الله بن عبـيد الله بن عبـاس, عن عكرمة مولـى ابن عبـاس, قال: قال أبو رافع مولـى رسول الله صلى الله عليه وسلم: كنت غلاما للعبـاس بن عبد الـمطلب, وكان الإسلام قد دخـلنا أهل البـيت, فأسلـم العبـاس, وأسلـمت أمّ الفضل وأسلـمت, وكان العبـاس يهاب قومه, ويكره أن يخالفهم, وكان يكتـم إسلامه, وكان ذا مال كثـير متفرّق فـي قومه. وكان أبو لهب عدوّ الله قد تـخـلف عن بدر, وبعث مكانه العاصي بن هشام بن الـمغيرة, وكذلك صنعوا لـم يتـخـلف رجل إلا بعث مكانه رجلاً. فلـما جاء الـخبر عن مصاب أصحاب بدر من قريش, كبته الله وأخزاه, ووجدنا فـي أنفسنا قوّة وعونة, قال: وكنت رجلاً ضعيفـا, وكنت أعمل القداح أنـحتها فـي حجرة زمزم. فوالله إنـي لـجالس فـيها أنـحت القداح, وعندي أمّ الفضل جالسة وقد سرّنا ما جاءنا من الـخبر, إذ أقبل الفـاسق أبو لهب يجرّ رجلـيه بشرّ, حتـى جلس علـى طُنُب الـحجرة, فكان ظهره إلـى ظهري, فبـينا هو جالس إذ قال الناس: هذا أبو سفـيان بن الـحرث بن عبد الـمطلب, قد قدم. قال: قال أبو لهب: هلـم إلـيّ يا ابن أخي, فعندك الـخبر! قال: فجلس إلـيه, والناس قـيام علـيه, فقال: يا ابن أخي أخبرنـي كيف كان أمر الناس! قال لا شيء والله إن كان إلا أن لقـيناهم, فمنـحناهم أكتافنا يقتلوننا ويأسروننا كيف شاءوا وايـم الله مع ذلك ما لـمت الناس, لقـينا رجالاً بـيضا علـى خيـل بلق ما بـين السماء والأرض ما يـلـيق لها شيء, ولا يقوم لها شيء, قال أبو رافع: فرفعت طنب الـحجرة بـيدي ثم قلت: تلك الـملائكة.
6268ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن مـحمد, قال: ثنـي الـحسن بن عمارة, عن الـحكم بن عتـيبة, عن مقسم, عن ابن عبـاس, قال: كان الذي أسر العبـاس أبـا الـيسر كعب بن عمرو أخا بنـي سَلِـمة, وكان أبو الـيسر رجلاً مـجموعا, وكان العبـاس رجلاً جسيـما, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبـي الـيسر: «كَيْفَ أسَرْتَ العَبّـاسَ أبـا الـيُسْرِ؟» قال: يا رسول الله, لقد أعاننـي علـيه رجل ما رأيته قبل ذلك ولا بعده, هيئته كذا وكذا, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَقَدْ أعانَكَ عَلَـيْهِ مَلَكٌ كَرِيـمٌ».
6269ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: {ألَنْ يَكْفِـيَكُمْ أنْ يُـمِدّكُمْ رَبّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الـمَلائِكَةِ مُنْزَلِـينَ} أمدّوا بألف, ثم صاروا ثلاثة آلاف, ثم صاروا خمسة آلاف. {بَلـى إنْ تَصْبِرُوا وَتَتّقُوا ويَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُـمْدِدْكُمْ رَبّكُمْ بخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الـمَلائِكَةِ مُسَوّمِينَ} وذلك يوم بدر, أمدّهم الله بخمسة آلاف من الـملائكة.
6270ـ حُدثت عن عمار, عن ابن أبـي نـجيح, عن أبـيه, عن الربـيع, بنـحوه.
6271ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس فـي قوله: {يُـمْدِدْكُمْ ربّكُمْ بخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الـمَلائِكَةِ مُسَوّمِينَ} فإنهم أتوا مـحمدا صلى الله عليه وسلم مسوّمين.
6272ـ حدثنـي مـحمد بن بشار, قال: حدثنا سفـيان, عن ابن خثـيـم, عن مـجاهد, قال: لـم تقاتل الـملائكة إلا يوم بدر.
وقال آخرون: إن الله عزّ وجلّ إنـما وعدهم يوم بدر أن يـمدّهم إن صبروا عند طاعته, وجهاد أعدائه واتقوه بـاجتناب مـحارمه, أن يـمدْهم فـي حروبهم كلها, فلـم يصبروا ولـم يتقوا إلا فـي يوم الأحزاب, فأمدّهم حين حاصروا قريظة. ذكر من قال ذلك:
6273ـ حدثنـي مـحمد بن عمارة الأسدي, قال: حدثنا عبد الله بن موسى, قال: أخبرنا سلـيـمان بن زيد أبو آدم الـمـحاربـي, عن عبد الله بن أبـي أوفـى, قال: كنا مـحاصري قريظة والنضير ما شاء الله أن نـحاصرهم, فلـم يفتـح علـينا, فرجعنا. فبـينـما رسول الله صلى الله عليه وسلم فـي بـيته يغسل رأسه, إذ جاءه جبريـل صلى الله عليه وسلم, فقال: يا مـحمد وضعتـم أسلـحتكم, ولـم تضع الـملائكة أوزارها! فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخرقة, فلفّ بها رأسه ولـم يغسله, ثم نادى فـينا, فقمنا كالزمعين لا نعبأ بـالسير شيئا, حتـى أتـينا قريظة والنضير, فـيومئذٍ أمدّنا الله عزّ وجلّ بثلاثة آلاف من الـملائكة, وفتـح الله لنا فتـحا يسيرا, فـانقلبنا بنعمة من الله وفضل.
وقال آخرون بنـحو هذا الـمعنى, غير أنهم قالوا: لـم يصبر القوم, ولـم يتقوا, ولـم يـمدّوا بشيء فـي أُحُد. ذكر من قال ذلك:
6274ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قال: ثنـي عمرو بن دينار, عن عكرمة, سمعه يقول: {بَلـى إنْ تَصْبِرُوا وَتَتّقُوا ويَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَ} قال: يوم بدر قال: فلـم يصبروا ولـم يتقوا, فلـم يـمدّوا يوم أُحُد, ولو مدّوا لـم يهزموا يومئذٍ.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان بن عيـينة, عن عمرو بن دينار, قال: سمعت عكرمة يقول: لـم يـمدّوا يوم أحد ولا بـملك واحد ـ أو قال: إلا بـملك واحد, أبو جعفر يشكّ.
6275ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج, قال: سمعت أبـا معاذ, قال: سمعت عبـيد بن سلـيـمان, عن الضحاك, قوله: {ألَنْ يَكْفِـيَكُمْ أنْ يُـمِدّكُمْ رَبّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ} إلـى: {خَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الـمَلائِكَةِ مُسَوّمِينَ} كان هذا موعدا من الله يوم أحد, عرضه علـى نبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم أن الـمؤمنـين إن اتقوا وصبروا أمدّهم بخمسة آلاف من الـملائكة مسوّمين, ففرّ الـمسلـمون يوم أحد, وولوا مدبرين, فلـم يـمدّهم الله.
6276ـ حدثنا يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: {بَلـى إنْ تَصْبِرُوا وَتَتّقُوا ويَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَ}... الاَية كلها قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم, وهم ينظرون الـمشركين: يا رسول الله ألـيس يـمدّنا الله كما أمدّنا يوم بدر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألَنْ يَكْفِـيَكُمْ أنْ يُـمِدّكُمْ رَبّكُمْ بِثَلاثَةٍ آلافٍ مِنَ الـمَلائِكَةِ مُنْزَلِـينَ, وإنـما أمدّكم يوم بدر بألف؟» قال: فجاءت الزيادة من الله علـى أن يصبروا ويتقوا, قال: بشرط أن يأتوكم من فورهم هذا يـمددكم ربكم... الاَية كلها.
وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب أن يقال: إن الله أخبر عن نبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم أنه قال للـمؤمنـين: {ألَنْ يَكْفِـيَكُمْ أنْ يُـمِدّكُمْ رَبّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الـمَلائكَةِ}؟ فوعدهم الله بثلاثة آلاف من الـملائكة مددا لهم, ثم وعدهم بعد الثلاثة الاَلاف, خمسة آلاف إن صبروا لأعدائهم, واتقوا الله. ولا دلالة فـي الاَية علـى أنهم أمدّوا بـالثلاثة آلاف, ولا بـالـخمسة آلاف, ولا علـى أنهم لـم يـمدّوا بهم.
وقد يجوز أن يكون الله عزّ وجلّ أمدّهم علـى نـحو ما رواه الذين أثبتوا أنه أمدّهم. وقد يجوز أن يكون لـم يـمدّهم علـى نـحو الذي ذكره من أنكر ذلك, ولا خبر عندنا صحّ من الوجه الذي يثبت أنهم أمدّوا بـالثلاثة الاَلاف ولا بـالـخمسة الاَلاف. وغير جائز أن يقال فـي ذلك قول إلا بخبر تقوم الـحجة به, ولا خبر به كذلك فنسلـم لأحد الفريقـين قوله, غير أن فـي القرآن دلالة علـى أنهم قد أمدّوا يوم بدر بألف من الـملائكة وذلك قوله: {إذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبّكُمْ فـاسْتَـجابَ لَكُمْ أنّـي مُـمِدّكُمْ بألْفٍ مِنَ الـمَلائِكَةِ مُرْدِفِـينَ} فأما فـي يوم أُحد, فـالدلالة علـى أنهم لـم يـمدّوا أبـين منها فـي أنهم أمدّوا, وذلك أنهم لو أمدّوا لـم يهزموا وينال منهم ما نـيـل منهم.
فـالصواب فـيه من القول أن يقال كما قال تعالـى ذكره. وقد بـينا معنى الإمداد فـيـما مضى, والـمدد, ومعنى الصبر والتقوى.
وأما قوله: {ويَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَ} فإن أهل التأويـل اختلفوا فـيه, فقال بعضهم: معنى قوله: {مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَ}: من وجههم هذا. ذكر من قال ذلك:
6277ـ حدثنا حميد بن مسعدة, قال: حدثنا يزيد بن زريع, عن عثمان بن غياث, عن عكرمة, قال: {وَيأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَ} قال: من وجههم هذا.
6278ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: {مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَ} يقول: من وجههم هذا.
حدثنا الـحسن بن يحيـى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة, مثله.
6279ـ حدثنا مـحمد بن سنان, قال: حدثنا أبو بكر الـحنفـي, قال: حدثنا عبـاد, عن الـحسن فـي قوله: {ويَأْتُوكُمْ مِنَ فَوْرِهِمْ هَذَ}: من وجههم هذا.
6280ـ حُدثت عن عمار بن الـحسن, عن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع, قوله: {ويَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَ} يقول: من وجههم هذا.
6281ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, قوله: {ويَأتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَ} يقول: من وجههم هذا.
6282ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس قوله: {ويَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَ} يقول: من سفرهم هذا, ويقال: يعنـي عن غير ابن عبـاس, بل هو من غضبهم هذا.
6283ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد: {مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَ} من وجههم هذا وقال آخرون: معنى ذلك: من غضبهم هذا. ذكر من قال ذلك:
6284ـ حدثنـي مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا عبد الأعلـى, قال: حدثنا داود, عن عكرمة فـي قوله: {ويَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُـمْدِدْكُمْ رَبّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الـمَلائِكَةِ} قال: فورهم ذلك كان يوم أُحد, غضبوا لـيوم بدر مـما لقوا.
6285ـ حدثنـي مـحمد بن عمارة, قال: حدثنا سهل بن عامر, قال: حدثنا مالك بن مغول, قال: سمعت أبـا صالـح مولـى أمّ هانىء يقول: {مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَ} يقول: من غضبهم هذا.
6286ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي قوله: {ويَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَ} قال: غضب لهم, يعنـي الكفـار, فلـم يقاتلوهم عند تلك الساعة, وذلك يوم أُحد.
6287ـ حدثنـي القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا حجاج, قال: قال ابن جريج, قال مـجاهد: {مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَ} قال: من غضبهم هذا.
6288ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج, قال: سمعت أبـا معاذ, قال: أخبرنا عبـيد بن سلـيـمان, قال: سمعت الضحاك فـي قوله: {ويَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَ} يقول: من وجههم وغضبهم.
وأصل الفور: ابتداء الأمر يؤخذ فـيه, ثم يوصل بآخر, يقال منه: فـارت القدر فهي تفور فورا وفورانا: إذا ما ابتدأ ما فـيها بـالغلـيان ثم اتصل¹ ومضيت إلـى فلان من فوري ذلك, يراد به: من وجهي الذي ابتدأت فـيه.
فـالذي قال فـي هذه الاَية: معنى قوله: {مِنْ فَوْرِهِم هَذَ}: من وجههم هذا, قصد إلـى أن تأويـله: ويأتـيكم كرز بن جابر وأصحابه يوم بدر, من ابتداء مخرجهم الذي خرجوا منه لنصرة أصحابهم من الـمشركين.
وأما الذين قالوا: معنى ذلك: من غضبهم هذا, فإنـما عنوا أن تأويـل ذلك: ويأتـيكم كفـار قريش وتُبّـاعهم يوم أُحد من ابتداء غضبهم الذي غضبوه لقتلاهم الذين قتلوا يوم بدر بها {يُـمْدِدْكُمْ رَبّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ}. كذلك من اختلاف تأويـلهم فـي معنى قوله {ويَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَ} اختلف أهل التأويـل فـي إمداد الله الـمؤمنـين بأحد بـملائكته, فقال بعضهم: لـم يـمدّوا بهم, لأن الـمؤمنـين لـم يصبروا لأعدائهم, ولـم يتقوا الله عزّ وجلّ بترك من ترك من الرماة طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم فـي ثبوته فـي الـموضع الذي أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بـالثبوت فـيه, ولكنهم أخـلوا به طلبـا للغنائم, فقتل من الـمسلـمين, ونال الـمشركون منهم ما نالوا. وإنـما كان الله عزّ وجلّ وعد نبـيه صلى الله عليه وسلم إمدادهم بهم إن صبروا واتقوا الله.
وأما الذين قالوا: كان ذلك يوم بدر بسبب كرز بن جابر, فإن بعضهم قالوا: لـم يأت كرز وأصحابه إخوانهم من الـمشركين مددا لهم ببدر, ولـم يـمدّ الله الـمؤمنـين بـملائكته, لأن الله عزّ وجلّ إنـما وعدهم أن يـمدّهم بـملائكته إن أتاهم كرز ومدد الـمشركين من فورهم, ولـم يأتهم الـمدد.
وأما الذين قالوا: إن الله تعالـى ذكره أمدّ الـمسلـمين بـالـملائكة يوم بدر, فإنهم اعتلوا بقول الله عزّ وجلّ: {إذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبّكُمْ فـاسْتَـجابَ لَكُمْ أنّـي مُـمِدّكُمْ بألْفٍ مِنَ الـمَلائِكَةِ مُرْدِفِـينَ}, قال: فـالألف منهم قد أتاهم مددا, وإنـما الوعد الذي كانت فـيه الشروط فـيـما زاد علـى الألف, فأما الألف فقد كانوا أمدّوا به, لأن الله عزّ وجلّ كان قد وعدهم ذلك, ولن يخـلف الله وعده.
واختلف القراء فـي قراءة قوله: {مُسَوّمِينَ} فقرأ ذلك عامة قراء أهل الـمدينة والكوفة: «مُسَوّمِينَ» بفتـح الواو, بـمعنى أن الله سوّمها. وقرأ ذلك بعض قراء أهل الكوفة والبصرة: {مُسَوّمِينَ} بكسر الواو, بـمعنى أن الـملائكة سوّمت لنفسها.
وأولـى القراءتـين فـي ذلك بـالصواب قراءة من قرأ بكسر الواو, لتظاهر الأخبـار عن (أصحاب) رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهل التأويـل منهم ومن التابعين بعدهم, بأن الـملائكة هي التـي سوّمت أنفسها من غير إضافة تسويـمها إلـى الله عزّ وجلّ أو إلـى غيره من خـلقه.
ولا معنى لقول من قال: إنـما كان يختار الكسر فـي قوله: {مُسَوّمِينَ} لو كان فـي البشر, فأما الـملائكة فوصفهم غير ذلك ظنا منه بأن الـملائكة غير مـمكن فـيها تسويـم أنفسها إن كانوا ذلك فـي البشر وذلك أن غير مستـحيـل أن يكون الله عز وجل مكنها من تسويـم أنفسها بحقّ تـمكينه البشر من تسويـم أنفسهم, فسوموا أنفسهم بحقّ الذي سوّم البشر طلبـا منها بذلك طاعة ربها, عن فأضيف تسويـمها أنفسها إلـيها, وإن كان ذلك عن تسبـيب الله لهم أسبـابه, وهي إذا كانت موصوفة بتسويـمها أنفسها تقرّبـا منها إلـى ربها, كان أبلغ فـي مدحها لاختـيارها طاعة الله من أن تكون موصوفة بأن ذلك مفعول بها.
ذكر الأخبـار بـما ذكرنا من إضافة من أضاف التسويـم إلـى الـملائكة دون إضافة ذلك إلـى غيرهم, علـى نـحو ما قلنا فـيه:
6289ـ حدثنـي يعقوب, قال: أخبرنا ابن علـية, قال: أخبرنا ابن عون, عن عمير بن إسحاق, قال: إن أوّل ما كان الصوف لـيومئذٍ, يعنـي يوم بدر, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تَسَوّمُوا فإنّ الـمَلائِكَةَ قَدْ تَسَوّمَتْ».
6290ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا مختار بن غسان, قال: حدثنا عبد الرحمن بن الغسيـل, عن الزبـير بن الـمنذر, عن جده أبـي أسيد, وكان بدريا, فكان يقول: لو أن بصري معي ثم ذهبتـم معي إلـى أُحد, لأخبرتكم بـالشّعب الذي خرجت منه الـملائكة فـي عمائم صفر قد طرحوها بـين أكتافهم.
6291ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي قوله: {بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الـمَلائِكَةِ مُسَوّمِينَ} يقول: معلـمين, مـجزوزة أذناب خيـلهم ونواصيها, فـيها الصوف أو العهن, وذلك التسويـم.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, عن عنبسة, عن مـحمد بن عبد الرحمن, عن القاسم بن أبـي بزة, عن مـجاهد فـي قوله: {بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الـمَلائِكَةِ مُسَوّمِينَ} قال: مـجزوزة أذنابها وأعرافها, فـيها الصوف أو العهن, فذلك التسويـم.
6292ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: {مُسَوّمِينَ} ذكر لنا أن سيـماها يومئذٍ الصوف بنواصي خيـلهم وأذنابهم, وأنهم علـى خيـل بلق.
6293ـ حدثنا الـحسن بن يحيـى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة فـي قوله: {مُسَوّمِينَ} قال: كان سمياها صوفـا فـي نواصيها.
حدثت عن عمار, عن ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن لـيث, عن مـجاهد, أنه كان يقول: {مُسَوّمينَ} قال: كانت خيولهم مـجزوزة الأعراف, معلـمة نواصيها وأذنابها بـالصوف والعهن.
6294ـ حُدثت عن عمار, عن ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع: كانوا يومئذٍ علـى خيـل بلق.
6295ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا جويبر, عن الضحاك, وبعض أشياخنا, عن الـحسن, نـحو حديث معمر, عن قتادة.
6296ـ حدثنا مـحمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: {مُسَوّمِينَ}: معلـمين.
6297ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس قوله: {بِخَمْسَةِ آلافِ مِنَ الـمَلائِكَةِ مُسَوّمِينَ} فإنهم أتوا مـحمدا صلى الله عليه وسلم, مسوّمين بـالصوف, فسوّم مـحمد وأصحابه أنفسهم وخيـلهم علـى سيـماهم بـالصوف.
6298ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن يـمان, قال: حدثنا هشام بن عروة, عن عبـاد بن حمزة, قال: نزلت الـملائكة فـي سيـما الزبـير, علـيهم عمائم صفر, وكانت عمامة الزبـير صفراء.
6299ـ حدثنا يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا جويبر, عن الضحاك فـي قوله: {مُسَوّمِينَ} قال: بـالصوف فـي نواصيها وأذنابها.
6300ـ حدثنا الـحسن بن يحيـى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن هشام بن عروة, قال: نزلت الـملائكة يوم بدر علـى خيـل بلق, علـيهم عمائم صفر, وكان علـى الزبـير يومئذٍ عمامة صفراء.
6301ـ حدثنـي أحمد بن يحيـى الصوفـي, قال: حدثنا عبد الرحمن بن شريك, قال: حدثنا أبـي, قال: حدثنا هشام بن عروة, عن عروة, عن عبد الله بن الزبـير: أن الزبـير كانت علـيه ملاءة صفراء يوم بدر, فـاعتـمّ بها, فنزلت الـملائكة يوم بدر علـى نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم معمـمين بعمائم صفر.
فهذه الأخبـار التـي ذكرنا بعضها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لأصحابه: «تَسَوّمُوا فإنّ الـمَلائِكَةَ قَدْ تَسَوّمَتْ» وقول أبـي أسيد: خرجت الـملائكة فـي عمائم صفر قد طرحوها بـين أكتافهم, وقول من قال منهم: {مُسَوّمِينَ}: معلـمين, ينبىء جميع ذلك عن صحة ما اخترنا من القراءة فـي ذلك, وأن التسويـم كان من الـملائكة بأنفسها, علـى نـحو ما قلنا فـي ذلك فـيـما مضى. وأما الذين قرءوا ذلك «مسوّمين» بـالفتـح, فإنهم أراهم تأوّلوا فـي ذلك ما:
6302ـ حدثنا به حميد بن مسعدة, قال: حدثنا يزيد بن زريع, عن عثمان بن غياث, عن عكرمة: «بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الـمَلائِكَةِ مُسَوّمِينَ» يقول: علـيهم سيـما القتال.
6303ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: «بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الـمَلائِكَةِ مُسَوّمِينَ» يقول: علـيهم سيـما القتال, وذلك يوم بدر, أمدّهم الله بخمسة آلاف من الـملائكة مسوّمين, يقول: علـيهم سيـما القتال.
فقالوا: كان سيـما القتال علـيهم, لا أنهم كانوا تسوّموا بسيـما فـيضاف إلـيهم التسويـم, فمن أجل ذلك قرءوا: «مُسَوّمِينَ» بـمعنى أن الله تعالـى أضاف التسويـم إلـى من سوّمهم تلك السيـما. والسيـما: العلامة, يقال: هي سيـما حسنة, وسيـمياء حسنة, كما قال الشاعر:
غُلامٌ رَماهُ اللّهُ بـالـحُسْنِ يافِعالَهُ سِيـمياءُ لا تَشُقّ علـى البَصَرْ
يعنـي بذلك علامة من حسن. فإذا أعلـم الرجل بعلامة يعرف بها فـي حرب أو غيره, قـيـل: سوّم نفسه, فهو يسوّمها تسويـما.
الآية : 126
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاّ بُشْرَىَ لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النّصْرُ إِلاّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ }
يعنـي تعالـى ذكره: وما جعل الله وعده إياكم ما وعدكم من إمداده إياكم بـالـملائكة الذين ذكر عددهم إلا بشرى لكم, يعنـي بشرى يبشركم بها, {ولِتَطْمَئِنّ قُلُوبُكُمْ بِهِ} يقول: وكي تطمئنّ بوعده الذي وعدكم من ذلك قلوبُكم, فتسكن إلـيه, ولا تـجزع من كثرة عدد عدوّكم, وقلة عددكم. {وَما النّصْرُ إلاّ مِنْ عِنْدِ اللّهِ}: يعنـي وما ظفركم إن ظفرتـم بعدوّكم إلا بعون الله, لا من قبل الـمدد الذي يأتـيكم من الـملائكة, يقول: فعلـى الله فتوكلوا, وبه فـاستعينوا, لا بـالـجموع وكثرة العدد, فإن نصركم إن كان إنـما يكون بـالله وبعونه ومعكم من ملائكته خمسة آلاف, فإنه إلـى أن يكون ذلك بعون الله وبتقويته إياكم علـى عدوّكم, وإن كان معكم من البشر جموع كثـيرة أخرى, فـاتقوا الله واصبروا علـى جهاده عدوّكم, فإن الله ناصركم علـيهم. كما:
6304ـ حدثنا مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: {وما جَعَلَهُ اللّهُ إلاّ بُشْرَى لَكُمْ} يقول: إنـما جعلهم لـيستبشروا بهم, ولـيطمئنوا إلـيهم, ولـم يقاتلوا معهم يومئذٍ, يعنـي يوم أُحد. قال مـجاهد: ولـم يقاتلوا معهم يومئذٍ ولا قبله ولا بعده إلا يوم بدر.
6305ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق: {وَما جَعَلَهُ اللّهُ إلاّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنّ قُلُوبُكُمْ بِهِ} لـما أعرف من ضعفكم, وما النصر إلا من عندي بسلطانـي وقدرتـي, وذلك أنـي أعرف الـحكمة التـي لا إلـى أحد من خـلقـي.
6306ـ حدثنا يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد: {وَما النّصْرُ إلاّ مِنْ عِنْدِ اللّهِ} لو شاء أن ينصركم بغير الـملائكة فعل العزيز الـحكيـم.
وأما معنى قوله: {العَزِيزِ الـحَكِيـم} فإنه جلّ ثناؤه يعنـي: العزيز فـي انتقامه من أهل الكفر بأيدي أولـيائه من أهل طاعته, الـحكيـم فـي تدبـيره لكم أيها الـمؤمنون علـى أعدائكم من أهل الكفر, وغير ذلك من أموره. يقول: فأبشروا أيها الـمؤمنون بتدبـيري لكم علـى أعدائكم, ونصري إياكم علـيهم إن أنتـم أطعتـمونـي فـيـما أمرتكم به وصبرتـم لـجهاد عدوّي وعدوّكم.
الآية : 127
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {لِيَقْطَعَ طَرَفاً مّنَ الّذِينَ كَفَرُوَاْ أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنقَلِبُواْ خَآئِبِينَ }
يعنـي بذلك جلّ ثناؤه: ولقد نصركم الله ببدر {لَـيْقَطَع طَرَفـا مِنَ الّذِينَ كَفَرُو} ويعنـي بـالطرف: الطائفة والنفر. يقول تعالـى ذكره: ولقد نصركم الله ببدر كما يهلك طائفة من الذين كفروا بـالله ورسوله فجحدوا وحدانـية ربهم ونبوّة نبـيهم مـحمد صلى الله عليه وسلم. كما: 6307ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: {لِـيَقْطَعَ طَرَفـا مِنَ الّذِينَ كَفَرُو} فقطع الله يوم بدر طرفـا من الكفـار, وقتل صناديدهم ورؤساءهم, وقادتهم فـي الشرّ.
6308ـ حُدثت عن عمار, عن ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع, نـحوه.
6309ـ حدثنـي مـحمد بن سنان, قال: حدثنا أبو بكر الـحنفـي, عن عبـاد, عن الـحسن فـي قوله: {لِـيَقْطَعَ طَرَقا مِنَ الّذِينَ كَفَرُو}... الاَية كلها, قال: هذا يوم بدر, قطع الله طائفة منهم, وبقـيت طائفة.
6310ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق: {لـيَقْطَعَ طَرَفـا مِنَ الّذِينَ كَفَرُو} أي لـيقطع طرفـا من الـمشركين بقتل ينتقم به منهم.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: وما النصر إلا من عند الله لـيقطع طرفـا من الذين كفروا, وقال: إنـما عنى بذلك من قتل بـأُحد. ذكر من قال ذلك:
6311ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي, قال: ذكر الله قتلـى الـمشركين, يعنـي بـأُحد, وكانوا ثمانـية عشر رجلاً, فقال: {لِـيَقْطَعَ طَرَفـا مِنَ الّذِينَ كَفَرُو} ثم ذكر الشهداء فقال: {وَلا تَـحْسَبنّ الّذِينَ قُتِلُوا فِـي سَبِـيـلِ اللّهِ أمْوَات}... الاَية.
وأما قوله: {أوْ يَكْبِتَهُمْ} فإنه يعنـي بذلك أو يخزيهم بـالـخيبة بـما رجوا من الظفر بكم. وقد قـيـل: إن معنى قوله: {أوْ يَكْبِتَهُمْ}: أو يصرعهم لوجوههم, ذكر بعضهم أنه سمع العرب تقول: كَبَتَه الله لوجهه, بـمعنى صرعه الله.
فتأويـل الكلام: ولقد نصركم الله ببدر, لـيهلك فريقا من الكفـار بـالسيف, أو يخزيهم بخيبتهم مـما طمعوا فـيه من الظفر, {فَـيَنْقَلِبُوا خَائِبِـينَ} يقول: فـيرجعوا عنكم خائبـين لـم يصيبوا منكم شيئا ما رجوا أن ينالوه منكم. كما:
6312ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق: {أوْ يَكْبِتَهُمْ فَـيَنْقَلِبُوا خائِبِـينَ} أو يردّهم خائبـين, أو يرجع من بقـي منهم خائبـين, لـم ينالوا شيئا مـما كانوا يأملون.
6313ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: {أوْ يَكْبِتَهُمْ} يقول: يخزيهم فـينقلبوا خائبـين.
6314ـ حدثت عن عمار, عن ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع, مثله.
الآية : 128
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذّبَهُمْ فَإِنّهُمْ ظَالِمُونَ }
يعنـي بذلك تعالـى ذكره: لـيقطع طرفـا من الذين كفروا أو يكبتهم, أو يتوب علـيهم, أو يعذبهم, فإنهم ظالـمون, لـيس لك من الأمر شيء, فقوله: {أوْ يَتُوبَ عَلَـيْهِمْ} منصوب عطفـا علـى قوله: {أوْ يَكْبِتَهُمْ}. وقد يحتـمل أن يكون تأويـله: لـيس لك من الأمر شيء حتـى يتوب علـيهم, فـيكون نصب «يتوب» بـمعنى «أو» التـي هي فـي معنى «حتـى». والقول الأول أولـى بـالصواب, لأنه لا شيء من أمر الـخـلق إلـى أحد سوى خالقهم قبل توبة الكفـار وعقابهم وبعد ذلك. وتأويـل قوله: {لَـيْسَ لكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ}: لـيس إلـيك يا مـحمد من أمر خـلقـي إلا أن تنفذ فـيهم أمري, وتنتهي فـيهم إلـى طاعتـي, وإنـما أمرهم إلـيّ والقضاء فـيهم بـيدي دون غيري أقضي فـيهم, وأحكم بـالذي أشاء من التوبة علـى من كفر بـي وعصانـي, وخالف أمري, أو العذاب إما فـي عاجل الدنـيا بـالقتل والنقم الـمبـيرة, وإما فـي آجل الاَخرة بـما أعددت لأهل الكفر بـي. كما:
ـ حدثنـي ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, قال: ثم قال لـمـحمد صلى الله عليه وسلم: {لَـيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ أوْ يَتُوبَ عَلَـيْهِمْ أوْ يُعَذّبَهُمْ فإنّهُمْ ظالِـمُونَ}: أي لـيس لك من الـحكم فـي شيء فـي عبـادي إلا ما أمرتك به فـيهم, أو أتوب علـيهم برحمتـي, فإن شئت فعلت. أو أعذبهم بذنوبهم, {فإنّهُمْ ظَالِـمُونَ} أي قد استـحقوا ذلك بـمعصيتهم إياي.
وذكر أن الله عزّ وجلّ إنـما أنزل هذه الاَية علـى نبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم, لأنه لـما أصابه بأحد ما أصابه من الـمشركين, قال كالاَيس لهم من الهدى أو من الإنابة إلـى الـحقّ: «كَيْفَ يُفْلِـحُ قَوْمٌ فَعَلُوا هَذَا بنبّـيهم». ذكر الرواية بذلك.
6315ـ حدثنا حميد بن مسعدة, قال: حدثنا بشر بن الـمفضل, قال: حدثنا حميد, قال: قال أنس: قال النبـيّ صلى الله عليه وسلم يوم أحد, وكسرت ربـاعيته, وشجّ, فجعل يـمسح عن وجهه الدم ويقول: «كَيْفَ يُفْلِـحُ قَوْمٌ خَضّبُوا نَبِـيّهُمْ بـالدّمِ وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إلـى رَبّهِمْ؟» فأنزلت: {لَـيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ أوْ يَتُوبَ عَلَـيْهِمْ أوْ يُعَذّبَهُمْ فإنّهُمْ ظالِـمُونَ}.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا ابن أبـي عديّ, عن حميد, عن أنس, عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم بنـحوه.
حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا هشيـم, عن حميد الطويـل, عن أنس, عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم بنـحوه.
حدثنـي يحيـى بن طلـحة الـيربوعي, قال: حدثنا أبو بكر بن عياش, عن حميد الطويـل, عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين شجّ فـي جبهته, وكسرت ربـاعيته: «لا يُفْلِـحُ قَوْمٌ صَنَعُوا هَذَا بِنَبِـيّهِمْ» فأوحى الله إلـيه: {لَـيْس لَكَ مِنَ الأمْرِ شَيّءٌ أوْ يَتُوبَ عَلَـيْهِم أوْ يُعَذّبَهُمْ فإنّهُمْ ظالِـمُونَ}.
6316ـ حدثنـي يعقوب عن ابن علـية, قال: حدثنا ابن عون, عن الـحسن أن النبـيّ صلى الله عليه وسلم قال يوم أُحد: «كَيْفَ يُفْلِـحُ قَوْمٌ أدْمَوْا وَجْهَ نَبِـيّهِمْ وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إلـى اللّهِ عَزّ وَجَلّ» فنزلت: {لَـيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ أوْ يَتُوبَ عَلَـيْهِمْ أوْ يُعَذّبَهُمْ فإنّهُمْ ظالِـمُونَ}.
حدثنا يعقوب, قال: حدثنا ابن علـية, عن حميد, عن أنس, عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم, نـحو ذلك.
6317ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: {لَـيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ أوْ يَتُوبَ عَلَـيْهِمْ أوْ يُعَذّبَهُمْ فإنّهُمْ ظالِـمُونَ} ذكر لنا أن هذه الاَية أنزلت علـى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أُحد, وقد جرح نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم فـي وجهه, وأصيب بعض ربـاعيته, فقال وسالـم مولـى أبـي حذيفة يغسل عن وجهه الدم: «كَيْفَ يُفْلِـحُ قَوْمٌ خَضّبُوا وَجْهَ نَبِـيّهِمْ بـالدّمِ وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إلـى رَبّهِمْ» فأنزل الله عزّ وجلّ: {لَـيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ أوْ يَتُوبَ عَلَـيْهِمْ أوْ يُعَذّبَهُمْ فإنّهُمْ ظالِـمُونَ}.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يحيـى بن واضح,, قال: حدثنا الـحسين بن واقد, عن مطر, عن قتادة, قال: أصيب النبـيّ صلى الله عليه وسلم يوم أُحد وكسرت ربـاعيته, وفرق حاجبه, فوقع وعلـيه درعان والدم يسيـل, فمرّ به سالـم مولـى أبـي حذيفة, فأجلسه, ومسح عن وجهه, فأفـاق وهو يقول: «كَيْفَ بِقَوْمٍ فَعَلُوا هَذَا بِنَبِـيّهِمْ وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إلـى اللّهِ» فأنزل الله تبـارك وتعالـى: {لَـيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ أوْ يَتُوبَ عَلَـيْهِمْ أوْ يُعَذّبَهُمْ فإنّهُمْ ظالِـمُونَ}.
6318ـ حُدثت عن عمار, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, قوله: {لَـيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ}... الاَية, قال: قال الربـيع بن أنس, أنزلت هذه الاَية علـى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أُحد وقد شجّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فـي وجهه, وأصيبت ربـاعيته, فهمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعو علـيهم, فقال: «كَيْفَ يُفْلِـحُ قَوْمٌ أدْمَوا وَجْهَ نَبِـيّهِمْ وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إلـى اللّهِ وَهُمْ يَدْعُونَهُ إلـى الشّيْطانِ وَيَدْعُوهُمْ إلـى الهُدَى وَيَدْعُونَهُ إلـى الضّلالَةِ, ويَدْعُوهُمْ إلـى الـجَنّةِ وَيَدْعُونَهُ إلـى النّارِ» فهمّ أن يدعو علـيهم, فأنزل الله عزّ وجلّ: {لَـيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ أوْ يَتُوبَ عَلَـيْهِمْ أوْ يُعَذّبَهُمْ فإنّهُمْ ظالِـمُونَ} فكفّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدعاء علـيهم.
حدثنـي مـحمد بن سنان, قال: حدثنا أبو بكر الـحنفـي, قال: حدثنا عبـاد, عن الـحسن فـي قوله: {لَـيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ أوْ يَتُوبَ عَلَـيْهِمْ}... الاَية كلها, فقال: جاء أبو سفـيان من الـحول غضبـان لـما صنع بأصحابه يوم بدر, فقاتل أصحاب مـحمد صلى الله عليه وسلم يوم أُحد قتالاً شديدا, حتـى قتل منهم بعدد الأسارى يوم بدر, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كلـمة علـم الله أنها قد خالطت غضبـا: «كَيْفَ يُفْلِـحُ قَوْمٌ خَضّبُوا وَجْهَ نَبِـيّهِمْ بـالدّمِ وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إلـى الإسْلامِ» فقال الله عزّ وجلّ: {لَـيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ أوْ يَتُوبَ عَلَـيْهِمْ أوْ يُعَذّبَهُمْ فإنّهُمْ ظالِـمُونَ}.
حدثنا الـحسن بن يحيـى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة: أن ربـاعية النبـيّ صلى الله عليه وسلم أصيبت يوم أُحد, أصابها عتبة بن أبـي وقاص, وشجّه فـي وجهه, وكان سالـم مولـى أبـي حذيفة يغسل عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم الدم, والنبـيّ صلى الله عليه وسلم يقول: «كَيْفَ يُفْلِـحُ قَوْمٌ صَنَعُوا بِنَبِـيّهِمْ هَذَا» فأنزل الله عزّ وجلّ: {لَـيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ أوْ يَتُوبَ عَلَـيْهِمْ أوْ يُعَذّبَهُمْ فإنّهُمْ ظالِـمُونَ}.
6319ـ حدثنا الـحسن بن يحيـى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن الزهري, وعن عثمان الـجزري, عن مقسم: أن النبـيّ صلى الله عليه وسلم دعا علـى عتبة بن أبـي وقاص يوم أحد حين كسر بـاعيته, ووثأ وجهه, فقال: «اللّهُمّ لا تُـحِلْ عَلَـيْهِ الـحَوْلَ حتـى يَـمُوتَ كافِرا!» قال: فما حال علـيه الـحول حتـى مات كافرا.
6320ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قال: قال ابن عبـاس: شجّ النبـيّ صلى الله عليه وسلم فـي فرق حاجبه, وكسرت ربـاعيته. قال ابن جريج: ذكر لنا أنه لـما جرح, جعل سالـم مولـى أبـي حذيفة يغسل الدم عن وجهه, ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كَيْفَ يُفْلِـحُ قَوْمٌ خَضّبُوا وَجْهَ نَبِـيّهِمْ بـالدّمِ وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إلـى اللّهِ؟». فأنزل الله عزّ وجلّ: {لَـيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ}.
وقال آخرون: بل نزلت هذه الاَية علـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم, لأنه دعا علـى قوم, فأنزل الله عزّ وجل: لـيس الأمر إلـيك فـيهم. ذكر من الرواية بذلك:
6321ـ حدثنـي يحيـى بن حبـيب بن عربـي, قال: حدثنا خالد بن الـحرث, قال: حدثنا مـحمد بن عجلان, عن نافع, عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, كان يدعو علـى أربعة نفر, فأنزل الله عزّ وجلّ: {لَـيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ أوْ يَتُوبَ عَلَـيْهِمْ أوْ يُعَذّبَهُمْ فإنّهُمْ ظالِـمُونَ} قال: وهداهم الله للإسلام.
6322ـ حدثنـي أبو السائب سلـم بن جنادة, قال: حدثنا أحمد بن سفـيان, عن عمر بن حمزة, عن سالـم, عن ابن عمر, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللّهُمّ الْعَنْ أبـا سُفْـيانَ! اللّهُمّ الْعَنِ الـحَارِثَ ابْنَ هِشامٍ! اللّهُمّ الْعَنْ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيّةَ!» فنزلت: {لَـيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ أوْ يَتُوبَ عَلَـيْهِمْ أوْ يُعَذّبَهُمْ فإنّهُمْ ظالِـمُونَ}.
6323ـ حدثنا مـجاهد بن موسى, قال: حدثنا يزيد, قال: أخبرنا مـحمد بن إسحاق, عن عبد الرحمن بن الـحارث بن عبد الله بن عياش بن أبـي ربـيعة, عن عبد الله بن كعب, عن أبـي بكر بن عبد الرحمن بن الـحرث بن هشام, قال: صلـى رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر, فلـما رفع رأسه من الركعة الثانـية, قال: «اللّهُمّ أنْـجٍ عَيّاشَ بْنَ أبـي رَبِـيعَةَ وَسَلْـمَةَ بْنَ هِشامٍ وَالَولِـيدَ بْنَ الوَلِـيدِ, اللّهُمّ أنْـجِ الـمُسْتَضْعفـينَ مِنَ الـمُسْلِـمينَ, اللّهُمّ اشْدُدْ وَطأتَكَ علـى مُضَرَ, اللّهُمّ سِنِـينَ كَسِنِـينَ آلِ يُوسَف!» فأنزل الله: {لَـيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ أوْ يَتُوبَ عَلَـيْهِم}... الاَية.
6324ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرنـي يونس بن يزيد, عن ابن شهاب, أخبره عن سعيد بن الـمسيب وأبـي سلـمة بن عبد الرحمن أنهما سمعا أبـا هريرة يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين يفرغ فـي صلاة الفجر من القراءة, ويكبر ويرفع رأسه: «سَمِعَ الله لـمن حَمِدَهْ, رَبّنَا وَلَكَ الـحَمْدُ» ثم يقول وهو قائم: «الّلهُمّ أنْـجِ الولِـيدَ بْنَ الوَلِـيدِ وَسَلَـمَةَ بْنَ هِشامٍ وعَيّاشَ بْن أبـي رَبـيعَةَ والـمُسْتَضْعَفِـينَ مِنَ الـمُؤْمِنِـينَ, اللّهُمّ اشْدُدْ وَطأتَكَ علـى مُضرَ, وَاجْعَلْها عَلَـيْهِمْ كَسِنـي يُوسُفَ, اللّهُمّ الْعَنِ لْـحْيانَ وَرعلاً وَذَكْوَانَ وعُصَيّةُ عَصَتِ اللّهَ وَرَسُولَهُ». ثم بلغنا أنه ترك ذلك لـما نزل قوله: {لَـيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ أوْ يَتُوبَ عَلَـيْهِمْ أوْ يُعَذّبَهُمْ فإنّهُمْ ظالِـمُونَ}.
الآية : 129
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَللّهِ مَا فِي السّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذّبُ مَن يَشَآءُ وَاللّهُ غَفُورٌ رّحِيمٌ }
يعنـي بذلك تعالـى ذكره: لـيس لك يا مـحمد من الأمر شيء, ولله جميع ما بـين أقطار السموات والأرض من مشرق الشمس إلـى مغربها دونك ودونهم, يحكم فـيهم بـما شاء, ويقضي فـيهم ما أحبّ, فـيتوب علـى من أحبّ من خـلقه العاصين أمره ونهيه, ثم يغفر له ويعاقب من شاء منهم علـى جرمه, فـينتقم منه, وهو الغفور الذي يستر ذنوب من أحبّ أن يستر علـيه ذنوبه من خـلقه بفضله علـيهم بـالعفو والصفح, والرحيـم بهم فـي تركه عقوبتهم عاجلاً علـى عظيـم ما يأتون من الـمآثم. كما:
6325ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق: {وَاللّهُ غَفُورٌ رَحِيـمٌ}: أي يغفر الذنوب, ويرحم العبـاد علـى ما فـيهم.
الآية : 130
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَآ أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرّبَا أَضْعَافاً مّضَاعَفَةً وَاتّقُواْ اللّهَ لَعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ }
يعنـي بذلك جلّ ثناؤه: يا أيها الذين آمنوا بـالله ورسوله, لا تأكلوا الربـا فـي إسلامكم, بعد إذ هداكم له, كما كنتـم تأكلونه فـي جاهلـيتكم. وكان أكلهم ذلك فـي جاهلـيتهم أن الرجل منهم كان يكون له علـى الرجل مال إلـى أجل, فإذا حلّ الأجل طلبه من صاحبه, فـيقول له الذي علـيه الـمال: أخر عنـي دينك, وأزيدك علـى مالك! فـيفعلان ذلك, فذلك هو الربـا أضعافـا مضاعفة, فنهاهم الله عزّ وجلّ فـي إسلامهم عنه. كما:
6326ـ حدثنا مـحمد بن سنان, قال: حدثنا مؤمل, قال: حدثنا سفـيان, عن ابن جريج, عن عطاء, قال: كانت ثقـيف تَداين فـي بنـي الـمغيرة فـي الـجاهلـية, فإذا حلّ الأجل, قالوا: نزيدكم وتؤخرون! فنزلت: {لا تَأْكُلُوا الرّبـا أضْعافـا مُضَاعَفَةً}.
6327ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, قال: {يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تأْكُلُوا الرّبـا أضْعافـا مُضَاعَفَةً}: أي لا تأكلوا فـي الإسلام إذ هداكم له, ما كنتـم تأكلون إذ أنتـم علـى غيره مـما لا يحلّ لكم فـي دينكم.
6328ـ حدثنا مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي قول الله عزّ وجلّ: {يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرّبـا أضْعافا مُضَاعَفَةً} قال: ربـا الـجاهلـية.
6329ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال سمعت ابن زيد يقول فـي قوله: {لاَتَأْكُلُوا الرّبـا أضْعافا مُضَاعَفَةً} قال: كان أبـي يقول: إنـما كان الربـا فـي الـجاهلـية فـي التضعيف وفـي السنّ, يكون للرجل فضل دين, فـيأتـيه إذا حلّ الأجل, فـيقول له: تقضينـي أو تزيدنـي؟ فإن كان عنده شيء يقضيه قضى, وإلا حوّله إلـى السنّ التـي فوق ذلك, إن كانت ابنة مخاض يجعلها ابنة لبون فـي السنة الثانـية, ثم حقة, ثم جذعة ثم ربـاعيا, ثم هكذا إلـى فوق. وفـي العين يأتـيه, فإن لـم يكن عنده أضعفه فـي العام القابل, فإن لـم يكن عنده أضعفه أيضا, فتكون مائة فـيجعلها إلـى قابل مائتـين, فإن لـم يكن عنده جعلها أربعمائة, يضعفها له كل سنة, أو يقضيه. قال: فهذا قوله: {لا تأكُلُوا الرّبـا أضْعَافا مُضَاعَفَةً}.
وأما قوله: {واتّقُوا اللّهَ لَعَلّكُمْ تُفْلِـحُونَ} فإنه يعنـي: واتقوا الله أيها الـمؤمنون فـي أمر الربـا فلا تأكلوه, وفـي غيره مـما أمركم به, أو نهاكم عنه, وأطيعوه فـيه لعلكم تفلـحون, يقول: لتنـجحوا فتنـجوا من عقابه, وتدركوا ما رغبكم فـيه من ثوابه, والـخـلود فـي جنانه. كما:
6330ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق: {وَاتّقُوا اللّهَ لَعَلّكُمْ تُفْلِـحُونَ}: أي فأطيعوا الله لعلكم أن تنـجوا مـما حذّركم من عذابه, وتدركوا ما رغبكم فـيه من ثوابه.
الآية : 131
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
{وَاتّقُواْ النّارَ الّتِيَ أُعِدّتْ لِلْكَافِرِينَ }
يقول تعالـى ذكره للـمؤمنـين: واتقوا أيها الـمؤمنون النار أن تصلوها بأكلكم الربـا بعد نهيـي إياكم عنه التـي أعددتها لـمن كفر بـي, فتدخـلوا مداخـلهم بعد إيـمانكم بـي بخلافكم أمري, وترككم طاعتـي. كما:
6331ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق: {واتّقُوا النّارَ التـي أُعدّتْ للكافرِينَ} التـي جعلت دارا لـمن كفر بـي.
الآية : 132
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
{وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَالرّسُولَ لَعَلّكُمْ تُرْحَمُونَ }
يعنـي بذلك جلّ ثناؤه: وأطيعوا الله أيها الـمؤمنون فـيـما نهاكم عنه من أكل الربـا وغيره من الأشياء, وفـيـما أمركم به الرسول. يقول: أوطيعوا الرسول أيضا كذلك لعلكم ترحمون, يقول: لترحموا فلا تعذّبوا.
وقد قـيـل: إن ذلك معاتبة من الله عزّ وجلّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين خالفوا أمره يوم أُحد, فأخـلوا بـمراكزهم التـي أمروا بـالثبـات علـيها. ذكر من قال ذلك:
6332ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة عن ابن إسحاق: {وأطِيعُوا اللّهَ وَالرّسُولَ لَعَلّكُمْ تُرْحَمُونَ} معاتبة للذين عصوا رسوله حين أمرهم بـالذي أمرهم به فـي ذلك الـيوم وفـي غيره, يعنـي فـي يوم أُحد