تفسير الآية - القول في معنى قوله تعالى : وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر ..
﴿ وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾
[ سورة التوبة: 102]
معنى و تفسير الآية 102 من سورة التوبة : وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر .
تفسير الجلالين | التفسير الميسر | تفسير السعدي |
تفسير البغوي | التفسير الوسيط | تفسير ابن كثير |
تفسير الطبري | تفسير القرطبي | إعراب الآية |
تفسير السعدي : وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر
يقول تعالى: وَآخَرُونَ ممن بالمدينة ومن حولها، بل ومن سائر البلاد الإسلامية، اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ أي: أقروا بها، وندموا عليها، وسعوا في التوبة منها، والتطهر من أدرانها.خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا ولا يكون العمل صالحا إلا إذا كان مع العبد أصل التوحيد والإيمان، المخرج عن الكفر والشرك، الذي هو شرط لكل عمل صالح، فهؤلاء خلطوا الأعمال الصالحة، بالأعمال السيئة، من التجرؤ على بعض المحرمات، والتقصير في بعض الواجبات، مع الاعتراف بذلك والرجاء، بأن يغفر اللّه لهم، فهؤلاء عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ وتوبته على عبده نوعان:الأول: التوفيق للتوبة. والثاني: قبولها بعد وقوعها منهم.إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ أي: وصفه المغفرة والرحمة اللتان لا يخلو مخلوق منهما، بل لا بقاء للعالم العلوي والسفلي إلا بهما، فلو يؤاخذ اللّه الناس بظلمهم ما ترك على ظهرها من دابة.إن اللّه يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليما غفورا .ومن مغفرته أن المسرفين على أنفسهم الذين قطعوا أعمارهم بالأعمال السيئة، إذا تابوا إليه وأنابوا ولو قبيل موتهم بأقل القليل، فإنه يعفو عنهم، ويتجاوز عن سيئاتهم، فهذه الآية، دلت على أن المخلط المعترف النادم، الذي لم يتب توبة نصوحا، أنه تحت الخوف والرجاء، وهو إلى السلامة أقرب.وأما المخلط الذي لم يعترف ويندم على ما مضى منه، بل لا يزال مصرًا على الذنوب، فإنه يخاف عليه أشد الخوف.
تفسير البغوي : مضمون الآية 102 من سورة التوبة
قوله تعالى : ( وآخرون ) أي : ومن أهل المدينة ، أو : من الأعراب آخرون ، ولا يرجع هذا إلى المنافقين ، ( اعترفوا ) أقروا ، ( بذنوبهم خلطوا عملا صالحا ) وهو إقرارهم بذنوبهم وتوبتهم ( وآخر سيئا ) أي : بعمل آخر سيئ ، وضع الواو موضع الباء ، كما يقال : خلطت الماء واللبن ، أي : باللبن .والعمل السيئ : هو تخلفهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .والعمل الصالح : هو ندامتهم وربطهم أنفسهم بالسواري وقيل: غزواتهم مع النبي صلى الله عليه وسلم .( عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم ) نزلت هذه الآية في قوم تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ، ثم ندموا على ذلك ، وقالوا : نكون في الظلال مع النساء ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه في الجهاد واللأواء! فلما قرب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة قالوا والله لنوثقن أنفسنا بالسواري فلا نطلقها حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يطلقها ، ويعذرنا ، فأوثقوا أنفسهم بسواري المسجد فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بهم فرآهم فقال : من هؤلاء؟ فقالوا : هؤلاء الذين تخلفوا عنك فعاهدوا الله عز وجل أن لا يطلقوا أنفسهم حتى تكون أنت تطلقهم وترضى عنهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وأنا أقسم بالله لا أطلقهم ولا أعذرهم حتى أومر بإطلاقهم ، رغبوا عني وتخلفوا عن الغزو مع المسلمين! فأنزل الله هذه الآية فأرسل إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأطلقهم وعذرهم ، فلما أطلقوا قالوا : يا رسول الله هذه أموالنا التي خلفتنا عنك فتصدق بها وطهرنا واستغفر لنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما أمرت أن آخذ من أموالكم شيئا " ، فأنزل الله تعالى : ( خذ من أموالهم صدقة ) الآية .واختلفوا في أعداد هؤلاء التائبين ، فروي عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : كانوا عشرة منهم أبو لبابة . وروى عطية عنه : أنهم كانوا خمسة أحدهم أبو لبابة . وقال سعيد بن جبير وزيد بن أسلم : كانوا ثمانية . وقال الضحاك وقتادة : كانوا سبعة . وقالوا جميعا : أحدهم أبو لبابة .وقال قوم : نزلت في أبي لبابة خاصة . واختلفوا في ذنبه ، قال مجاهد : نزلت في أبي لبابة حين قال لقريظة : إن نزلتم على حكمه فهو الذبح وأشار إلى حلقه . وقال الزهري : نزلت في تخلفه عن غزوة تبوك فربط نفسه بسارية ، وقال : والله لا أحل نفسي ولا أذوق طعاما ولا شرابا ، حتى أموت أو يتوب الله علي! فمكث سبعة أيام لا يذوق طعاما ولا شرابا حتى خر مغشيا عليه ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، فقيل له : قد تيب عليك! ، فقال : والله لا أحل نفسي حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يحلني ، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فحله بيده ، ثم قال أبو لبابة : يا رسول الله إن من توبتي أن أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب ، وأن أنخلع من مالي كله صدقة إلى الله وإلى رسوله ، قال : يجزيك يا أبا لبابة الثلث .قالوا جميعا : فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلث أموالهم ، وترك الثلثين ، لأن الله تعالى قال : ( خذ من أموالهم ) ولم يقل : خذ أموالهم . قال الحسن وقتادة : هؤلاء سوى الثلاثة الذين خلفوا .
التفسير الوسيط : وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر
ثم بين- سبحانه - حال طائفة أخرى من المسلمين فقال: وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً..قال الآلوسى: قوله: وآخرون اعترفوا بذنوبهم ... بيان لحال طائفة من المسلمين ضعيفة الهمم في أمر الدين، ولم يكونوا منافقين على الصحيح. وقيل هم طائفة من المنافقين إلا أنهم وفقوا للتوبة فتاب الله عليهم .والمعنى: ويوجد معكم أيها المؤمنون قوم آخرون من صفاتهم أنهم اعترفوا بذنوبهم أى أقروا بها ولم ينكروها.وقوله: خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً أى خلطوا عملهم الصالح وهو جهادهم في سبيل الله قبل غزوة تبوك، بعمل سيئ وهو تخلفهم عن الخروج إلى هذه الغزوة.وقوله: عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أى عسى الله تعالى: أن يقبل توبتهم، ويغسل، حوبتهم، ويتجاوز عن خطاياهم.وعبر- سبحانه - بعسى للإشعار بأن ما يفعله تعالى ليس إلا على سبيل التفضل منه، حتى لا يتكل الشخص، بل يكون على خوف وحذر.وقد قالوا إن كلمة عسى متى صدرت عن الله تعالى- فهي متحققة الوقوع، لأنها صادرة من كريم، والله تعالى أكرم من أن يطمع أحدا في شيء لا يعطيه إياه.وقوله: إن الله غفور رحيم، تعليل لرجاء قبول توبتهم، إذ معناه، إن الله تعالى كثير المغفرة للتائبين، واسع الرحمة للمحسنين.هذا، وقد ذكر المفسرون هنا روايات متعددة في سبب نزول هذه الآية ولعل أرجح هذه الروايات ما رواه ابن جرير من أن هذه الآية نزلت في أبى لبابة وأصحابه، وكانوا تخلفوا عن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، فلما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوته، وكان قريبا من المدينة ندموا على تخلفهم عن رسول الله وقالوا: نكون في الظلال والأطعمة والنساء ونبي الله في الجهاد واللأواء. والله لنوثقن أنفسنا بالسوارى، ثم لا نطلقها حتى يكون نبي الله هو الذي يطلقنا.وأوثقوا أنفسهم. وبقي ثلاثة لم يوثقوا أنفسهم بالسوارى فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوته فمر بالمسجد فأبصرهم فسأل عنهم، فقيل له: إنه أبو لبابة وأصحابه تخلفوا عنك يا نبي الله، فصنعوا بأنفسهم ما ترى، وعاهدوا الله ألا يطلقوا أنفسهم حتى تكون أنت الذي تطلقهم.فقال صلى الله عليه وسلم: «لا أطلقهم حتى أؤمر بإطلاقهم، ولا أعذرهم حتى يعذرهم الله، قد رغبوا بأنفسهم عن غزوة المسلمين» ، فأنزل الله تعالى: وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً ... الآية، فأطلقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وعذرهم .
تفسير ابن كثير : شرح الآية 102 من سورة التوبة
لما بين تعالى حال المنافقين المتخلفين عن الغزاة رغبة عنها وتكذيبا وشكا ، شرع في بيان حال المذنبين الذين تأخروا عن الجهاد كسلا وميلا إلى الراحة ، مع إيمانهم وتصديقهم بالحق ، فقال : ( وآخرون اعترفوا بذنوبهم ) أي : أقروا بها واعترفوا فيما بينهم وبين ربهم ، ولهم أعمال أخر صالحة ، خلطوا هذه بتلك ، فهؤلاء تحت عفو الله وغفرانه .وهذه الآية - وإن كانت نزلت في أناس معينين - إلا أنها عامة في كل المذنبين الخاطئين المخلطين المتلوثين .وقد قال مجاهد : إنها نزلت في أبي لبابة لما قال لبني قريظة : إنه الذبح ، وأشار بيده إلى حلقه .وقال ابن عباس : ( وآخرون ) نزلت في أبي لبابة وجماعة من أصحابه ، تخلفوا عن غزوة تبوك ، فقال بعضهم : أبو لبابة وخمسة معه ، وقيل : وسبعة معه ، وقيل : وتسعة معه ، فلما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من غزوته ربطوا أنفسهم بسواري المسجد ، وحلفوا لا يحلهم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما أنزل الله هذه الآية : ( وآخرون اعترفوا بذنوبهم ) أطلقهم النبي صلى الله عليه وسلم ، وعفا عنهم .وقال البخاري : حدثنا مؤمل بن هشام ، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ، حدثنا عوف ، حدثنا أبو رجاء ، حدثنا سمرة بن جندب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا : " أتاني الليلة آتيان فابتعثاني فانتهينا إلى مدينة مبنية بلبن ذهب ولبن فضة ، فتلقانا رجال شطر من خلقهم كأحسن ما أنت راء ، وشطر كأقبح ما أنت راء ، قالا لهم : اذهبوا فقعوا في ذلك النهر . فوقعوا فيه ، ثم رجعوا إلينا قد ذهب ذلك السوء عنهم ، فصاروا في أحسن صورة ، قالا لي : هذه جنة عدن ، وهذا منزلك . قالا أما القوم الذين كانوا شطر منهم حسن وشطر منهم قبيح ، فإنهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا ، فتجاوز الله عنهم " .هكذا رواه مختصرا ، في تفسير هذه الآية .
تفسير الطبري : معنى الآية 102 من سورة التوبة
القول في تأويل قوله : وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (102)قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ومن أهل المدينة منافقون مردوا على النفاق, ومنهم "آخرون اعترفوا بذنوبهم ", يقول: أقرُّوا بذنوبهم =(خلطوا عملا صالحًا)، يعني جل ثناؤه بالعمل الصالح الذي خلطوه بالعمل السيئ: اعترافهم بذنوبهم، وتوبتهم منها, والآخر السيئ: هو تخلفهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين خرج غازيًا, وتركهم الجهادَ مع المسلمين.* * *فإن قال قائل: وكيف قيل: (خلطوا عملا صالحًا وآخر سيئًا), وإنما الكلام: خلطوا عملا صالحًا بآخر سيئ؟قيل: قد اختلف أهل العربية في ذلك.فكان بعض نحويي البصرة يقول: قيل ذلك كذلك, وجائز في العربية أن يكون " بآخر "، (25) كما تقول " استوى الماء والخشبة "، أي: بالخشبة, " وخلطت الماء واللبن ".وأنكر [آخر] أن يكون نظير قولهم (26) " استوى الماء والخشبة ". واعتلَّ في ذلك بأن الفعل في " الخلط" عامل في الأول والثاني, وجائز تقديم كل واحد منهما على صاحبه, وأن تقديم " الخشبة " على " الماء " غير جائز في قولهم: " استوى الماء والخشبة ", وكان ذلك عندهم دليلا على مخالفة ذلك " الخلطَ". (27)قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي: أنه بمعنى قولهم: " خلطت الماء واللبن ", بمعنى: خلطته باللبن.* * *=" عسى الله أن يتوب عليهم "، يقول:لعل الله أن يتوب عليهم= " وعسى " من الله واجب، (28) وإنما معناه:سيتوب الله عليهم، ولكنه في كلام العرب على ما وصفت= " إن الله غفور رحيم "، يقول: إن الله ذو صفح وعفو لمن تاب عن ذنوبه، وساترٌ له عليها = " رحيم "، به أن يعذبه بها. (29)* * *وقد اختلف أهل التأويل في المعنيّ بهذه الآية، والسبب الذي من أجله أنزلت فيه.فقال بعضهم: نزلت في عشرة أنفس كانوا تخلَّفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك, منهم أبو لبابة, فربط سبعةٌ منهم أنفسهم إلى السّواري عند مَقْدم النبي صلى الله عليه وسلم، توبةً منهم من ذنبهم.* ذكر من قال ذلك:17136- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس قوله: (وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحًا وآخر سيئًا)، قال: كانوا عشرة رَهْطٍ تخلّفوا عن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك, فلما حضرَ رُجوع النبي صلى الله عليه وسلم، أوثق سبعةٌ منهم أنفسهم بسواري المسجد, فكان ممرّ النبي صلى الله عليه وسلم إذا رجع في المسجد عليهم. (30)فلما رآهم قال: من هؤلاء الموثِقُون أنفسهم بالسواري؟ قالوا: هذا أبو لبابة وأصحابٌ له تخلفوا عنك، يا رسول الله، [وحلفوا لا يطلقهم أحد]، حتى تطلقهم، وتعذرهم. (31) فقال النبي عليه السلام: وأنا أقسم بالله لا أطلقهم ولا أعذرهم، حتى يكون الله هو الذي يطلقهم، رغبوا عني وتخلفوا عن الغزو مع المسلمين! فلما بلغهم ذلك قالوا: ونحن لا نطلق أنفسنا حتى يكون الله الذي يطلقنا ! (32) فأنزل الله تبارك وتعالى: (وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحًا وآخر سيئًا عسى الله أن يتوب عليهم) = و " عسى " من الله واجب. فلما نزلت أرسل إليهم النبي صلى الله عليه وسلم فأطلقهم وعَذَرَهُم .* * *وقال آخرون: بل كانوا ستة, أحدهم أبو لبابة.* ذكر من قال ذلك:17137- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: (وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحًا وآخر سيئًا عسى الله)، إلى قوله: (إن الله غفور رحيم)، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا غزوة تبوك, فتخلف أبو لبابة وخمسة معه عن النبي صلى الله عليه وسلم. ثم إن أبا لبابة ورجلين معه تفكّروا وندموا، وأيقنوا بالهلكة, وقالوا: " نكون في الكِنِّ والطمأنينة مع النساء, ورسول الله والمؤمنون معه في الجهاد! والله لنوثقنّ أنفسنا بالسّواري، فلا نطلقها حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو يطلقنا ويعذرُنا "، فانطلق أبو لبابة وأوثق نفسه ورجلان معه بسواري المسجد, وبقي ثلاثةُ نفرٍ لم يوثقوا أنفسهم. فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوته, وكان طريقه في المسجد, فمرَّ عليهم فقال: من هؤلاء الموثقو أنفسهِم بالسواري؟ فقالوا: هذا أبو لبابة وأصحاب له، تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, فعاهدوا الله أن لا يطلقوا أنفسهم حتى تكون أنت الذي تطلقهم وترضى عنهم, وقد اعترفوا بذنوبهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والله لا أطلقهم حتى أومر بإطلاقهم, ولا أعذرهم حتى يكون الله هو يعذرهم, وقد تخلفوا عني ورغبوا بأنفسهم عن غزو المسلمين وجهادهم ! فأنزل الله برحمته: (وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحًا وآخر سيئًا عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم) = و " عسى " من الله واجب = فلما نزلت الآية أطلقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعذرَهم, وتجاوز عنهم.* * *وقال آخرون: الذين ربطوا أنفسهم بالسواري كانوا ثمانية.* ذكر من قال ذلك:17138- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يعقوب, عن زيد بن أسلم: (وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحًا وآخر سيئًا عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم)، قال: هم الثمانية الذين ربطوا أنفسهم بالسواري, منهم كرْدَم، ومرداس، وأبو لبابة.17139- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير, عن يعقوب, عن جعفر, عن سعيد قال: الذين ربطوا أنفسهم بالسواري: هلال, وأبو لبابة, وكردم, ومرداس, وأبو قيس. (33)* * *وقال آخرون: كانوا سبعة.* ذكر من قال ذلك:17140- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: (وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحًا وآخر سيئًا عسى الله أن يتوب عليهم)، ذكر لنا أنهم كانوا سبعة رَهْطٍ تخلفوا عن غزوة تبوك, فأما أربعة فخلطوا عملا صالحًا وآخر سيئًا: جدُّ بن قيس, وأبو لبابة, وحرام, وأوس, وكلهم من الأنصار, وهم الذين قيل فيهم: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ ، الآية.17141- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: (خلطوا عملا صالحًا وآخر سيئًا)، قال: هم نفر ممن تخلف عن تبوك، منهم أبو لبابة, ومنهم جد بن قيس، تِيبَ عليهم = قال قتادة: وليسوا بثلاثة.17142- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا أبو سفيان, عن معمر, عن قتادة: (وآخرون اعترفوا بذنوبهم)، قال: هم سبعة, منهم أبو لبابة، كانوا تخلفوا عن غزوة تبوك, وليسوا بالثلاثة.17143- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، أخبرنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحًا وآخر سيئًا)، نزلت في أبي لبابة وأصحابه، تخلفوا عن نبي الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، فلما قَفَل رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوته, وكان قريبًا من المدينة, ندموا على تخلفهم عن رسول الله وقالوا: " نكون في الظلال والأطعمة والنساء, ونبي الله في الجهاد واللأواء! والله لنوثقن أنفسنا بالسواري، ثم لا نطلقها حتى يكون نبي الله صلى الله عليه وسلم يطلقنا ويعذرنا !" وأوثقوا أنفسهم, وبقي ثلاثة، لم يوثقوا أنفسهم بالسواري. (34) فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوته, فمرّ في المسجد، وكان طريقه, فأبصرهم, فسأل عنهم, فقيل له: أبو لبابة وأصحابه، تخلفوا عنك، يا نبي الله, فصنعوا بأنفسهم ما ترى, وعاهدوا الله أن لا يطلقوا أنفسهم حتى تكون أنت الذي تطلقهم! فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: لا أطلقهم حتى أومر بإطلاقهم, ولا أعذرهم حتى يعذرهم الله, قد رغبوا بأنفسهم عن غزوة المسلمين ! فأنزل الله: (وآخرون اعترفوا بذنوبهم)، إلى: (عسى الله أن يتوب عليهم) = و " عسى " من الله واجب = فأطلقهم نبيُّ الله وعذرهم.* * *وقال آخرون: بل عني بهذه الآية أبو لبابة خاصة، وذنبه الذي اعترف به فتيب عليه فيه، (35) ما كان من أمره في بني قريظة.* ذكر من قال ذلك:17144- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن نمير, عن ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: (وآخرون اعترفوا بذنوبهم)، قال: نزلت في أبي لبابة، قال لبني قريظة ما قال.17145- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: (وآخرون اعترفوا بذنوبهم)، قال: أبو لبابة، إذ قال لقريظة ما قال, أشار إلى حلقه: إن محمدًا ذابحكم إن نزلتم على حُكْم الله.17146- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: (وآخرون اعترفوا بذنوبهم)، فذكر نحوه = إلا أنه قال: إن نزلتم على حكمه.17147- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير, عن ليث, عن مجاهد: ربط أبو لبابة نفسه إلى سارية, فقال: لا أحلُّ نفسي حتى يحلني الله ورسوله ! قال: فحلَّه النبي صلى الله عليه وسلم: وفيه أنزلت هذه الآية: (وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحًا)، الآية.17148- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا المحاربي, عن ليث, عن مجاهد: (وآخرون اعترفوا بذنوبهم)، قال: نزلت في أبي لبابة.* * *وقال آخرون: بل نزلت في أبي لبابة، بسبب تخلفه عن تبوك.* ذكر من قال ذلك:17149- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, قال: قال الزهري: كان أبو لبابة ممن تخلف عن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك, فربط نفسه بسارية, فقال: والله لا أحلّ نفسي منها، ولا أذوق طعامًا ولا شرابًا، حتى أموت أو يتوب الله عليّ ! فمكث سبعة أيام لا يذوق طعامًا ولا شرابًا، حتى خرّ مغشيا عليه، قال: ثم تاب الله عليه, ثم قيل له: قد تيب عليك يا أبا لبابة! فقال: والله لا أحلّ نفسي حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو يحلني ! قال: فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فحله بيده. ثم قال أبو لبابة: يا رسول الله، إنّ من توبتي أن أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب, وأن أنخلع من مالي كله صدقة إلى الله وإلى رسوله! قال: يجزيك يا أبا لبابة الثلث.* * *وقال بعضهم: عني بهذه الآية الأعراب.* ذكر من قال ذلك:17150- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس: (وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحًا وآخر سيئًا)، قال: فقال إنهم من الأعراب.17151- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يزيد بن هارون, عن حجاج بن أبي زينب قال: سمعت أبا عثمان يقول: ما في القرآن آية أرجى عندي لهذه الأمة من قوله: (وآخرون اعترفوا بذنوبهم)، إلى: (إن الله غفور رحيم). (36)* * *قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال بالصواب في ذلك، قولُ من قال: نزلت هذه الآية في المعترفين بخطأ فعلهم في تخلفهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتركهم الجهادَ معه، والخروجَ لغزو الروم، حين شخص إلى تبوك = وأن الذين نزل ذلك فيهم جماعة، أحدهم أبو لبابة.وإنما قلنا: ذلك أولى بالصواب في ذلك, لأن الله جل ثناؤه قال: (وآخرون اعترفوا بذنوبهم)، فأخبر عن اعتراف جماعة بذنوبهم, ولم يكن المعترفُ بذنبه، الموثقُ نفسه بالسارية في حصار قريظة، غير أبي لبابة وحده. فإذ كان ذلك [كذلك], (37) وكان الله تبارك وتعالى قد وصف في قوله: (وآخرون اعترفوا بذنوبهم)، بالاعتراف بذنوبهم جماعةً, عُلِم أن الجماعة الذين وصفهم بذلك ليست الواحد، (38) فقد تبين بذلك أن هذه الصفة إذا لم تكن إلا لجماعة, وكان لا جماعةَ فعلت ذلك، فيما نقله أهل السير والأخبار وأجمع عليه أهل التأويل، إلا جماعة من المتخلفين عن غزوة تبوك، صحَّ ما قلنا في ذلك. وقلنا: " كان منهم أبو لبابة "، لإجماع الحجة من أهل التأويل على ذلك.---------------------الهوامش :(25) لا شك أن الناسخ أسقط شيئًا من كلام أبي جعفر ، وهو ظاهر لمن تأمل . وانظر التعليق التالي .(26) الذي بين القوسين في المطبوعة وحدها ، ولكنه كان فيها " آخرون " . أما المخطوطة ففيها : " وأنكر أن يكون نظير قولهم . . . " ، وهذا أيضا دال على إسقاط الناسخ بعض الكلام . وانظر التعليق التالي .(27) في المطبوعة : " دليلا عندهم " ، وأثبت ما في المخطوطة ، ولكن الناشر الأول غيره ، لما وضع " آخرون " من عند نفسه . انظر التعليق السالف .هذا ، وقد تركت الكلام على حاله ، لأني لا شك أن الناسخ تخطأ بعض كلام أبي جعفر .(28) انظر تفسير "عسى" فيما سلف: ص 167 تعليق 5، والمراجع هناك.(29) انظر تفسير "غفور" و "رحيم" فيما سلف من فهارس اللغة (غفر) ، (رحم) .(30) في المطبوعة : "وكان" وأثبت ما في المخطوطة بالفاء .(31) في المخطوطة والمطبوعة : " تخلفوا عنك يا رسول الله حتى تطلقهم وتعذرهم " ، سقط بعض الكلام وتمامه في الدر المنثور : " وحلفوا أنهم لا يطلقهم أحد حتى تطلقهم وتعذرهم " ، وآثرت ما وضعته بين القوسين .(32) في المطبوعة والمخطوطة : " ونحن بالله " ، وآثرت ما كتبت .(33) هؤلاء خمسة، لم يذكر تمام الثمانية، كما تدل عليه ترجمة الكلام.(34) " بالسواري " زيادة من المخطوطة ، ليست في المطبوعة .(35) في المطبوعة : " فتيب عليه منه " ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهي صواب محض .(36) الأثر : 17151 - " حجاج بن أبي زينب السلمي " ، " أبو يوسف الواسطي " ، " الصيقل " ، ضعيف ، ليس بقوي ولا حافظ . مترجم في التهذيب ، والكبير 1 2 373 ، وابن أبي حاتم 1 2 161 ، وميزان الاعتدال 1 : 215 . وكان في المطبوعة : " بن أبي ذئب " ، وهو خطأ ، والمخطوطة برسم المطبوعة غير منقوطة .و " أبو عثمان " ، هو النهدي ، " عبد الرحمن بن مل " ، ثقة ، أسلم على عهد رسول الله ولم يلقه . مضى مرارًا ، منها رقم : 13097 - 13100 .وهذا الخبر خرجه السيوطي في الدر المنثور 3 : 273 ، وزاد نسبته إلى ابن أبي شيبة ، وابن أبي الدنيا في التوبة ، وابن المنذر ، وأبي الشيخ ، والبيهقي في شعب الإيمان .(37) ما بين القوسين زيادة يقتضيها السياق .(38) في المطبوعة : " أن الجماعة الذين وصفهم بذلك السبب غير الواحد " ، أساء قراءة المخطوطة ، فحرف وزاد من عنده ، ما أفسد الكلام وأهلكه .
تفسير آيات من القرآن الكريم
- تفسير: وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا
- تفسير: ويوم يحشرهم جميعا يامعشر الجن قد استكثرتم من الإنس وقال أولياؤهم من الإنس ربنا استمتع
- تفسير: إنه يعلم الجهر من القول ويعلم ما تكتمون
- تفسير: ذلك بأنهم كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فكفروا فأخذهم الله إنه قوي شديد العقاب
- تفسير: قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين
- تفسير: ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات
- تفسير: ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا
- تفسير: إلا من ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء فإني غفور رحيم
- تفسير: أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر
- تفسير: يقلب الله الليل والنهار إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار
تحميل سورة التوبة mp3 :
سورة التوبة mp3 : قم باختيار القارئ للاستماع و تحميل سورة التوبة
ماهر المعيقلي
سعد الغامدي
عبد الباسط
أحمد العجمي
المنشاوي
الحصري
مشاري العفاسي
ناصر القطامي
فارس عباد
ياسر الدوسري
لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب