تفسير الآية - القول في معنى قوله تعالى : إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم ..

  1. تفسير السعدي
  2. تفسير البغوي
  3. التفسير الوسيط
  4. تفسير ابن كثير
  5. تفسير الطبري
الفسير الوسيط | التفسير الوسيط للقرآن الكريم للطنطاوي | تأليف شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي (المتوفى: 1431هـ) : ويعتبر هذا التفسير من التفاسير الحديثة و القيمة لطلاب العلم و الباحثين في تفسير القرآن العظيم بأسلوب منهجي سهل و عبارة مفهومة, تفسير الآية 12 من سورةالأنفال - التفسير الوسيط .
  
   

﴿ إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا ۚ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ﴾
[ سورة الأنفال: 12]

معنى و تفسير الآية 12 من سورة الأنفال : إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم .


تفسير الجلالين التفسير الميسر تفسير السعدي
تفسير البغوي التفسير الوسيط تفسير ابن كثير
تفسير الطبري تفسير القرطبي إعراب الآية

تفسير السعدي : إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم


ومن ذلك أن اللّه أوحى إلى الملائكة أَنِّي مَعَكُمْ بالعون والنصر والتأييد، فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا أي: ألقوا في قلوبهم، وألهموهم الجراءة على عدوهم، ورغبوهم في الجهاد وفضله.
سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ الذي هو أعظم جند لكم عليهم،فإن اللّه إذا ثبت المؤمنين وألقى الرعب في قلوب الكافرين، لم يقدر الكافرون على الثبات لهم ومنحهم اللّه أكتافهم.
فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأعْنَاقِ أي: على الرقاب وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ أي: مفصل.
وهذا خطاب، إما للملائكة الذين أوحى الله إليهم أن يثبتوا الذين آمنوا فيكون في ذلك دليل أنهم باشروا القتال يوم بدر،أو للمؤمنين يشجعهم اللّه، ويعلمهم كيف يقتلون المشركين، وأنهم لا يرحمونهم،وذلك لأنهم شاقوا الله ورسوله أي: حاربوهما وبارزوهما بالعداوة.

تفسير البغوي : مضمون الآية 12 من سورة الأنفال


إذ يوحي ربك إلى الملائكة ) الذين أمد بهم المؤمنين ، ( أني معكم ) بالعون والنصر ، ( فثبتوا الذين آمنوا ) أي : قووا قلوبهم .
قيل: ذلك التثبيت حضورهم معهم القتال ومعونتهم ، أي : ثبتوهم بقتالكم معهم المشركين .
وقال مقاتل : أي : بشروهم بالنصر ، وكان الملك يمشي أمام الصف في صورة الرجل ويقول : أبشروا فإن الله ناصركم .
( سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب ) قال عطاء : يريد الخوف من أوليائي ، ( فاضربوا فوق الأعناق ) قيل: هذا خطاب مع المؤمنين .
وقيل: هذا خطاب مع الملائكة ، وهو متصل بقوله " فثبتوا الذين آمنوا " ، وقوله : " فوق الأعناق " قال عكرمة : يعني الرءوس لأنها فوق الأعناق .
وقال الضحاك : معناه فاضربوا الأعناق ، وفوق صلة كما قال تعالى : " فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب " ، ( محمد - 4 ) ، وقيل: معناه فاضربوا على الأعناق .
فوق بمعنى : على .
( واضربوا منهم كل بنان ) قال عطية : يعني كل مفصل .
وقال ابن عباس وابن جريج والضحاك : يعني الأطراف .
والبنان جمع بنانة ، وهي أطراف أصابع اليدين والرجلين .
قال ابن الأنباري : ما كانت الملائكة تعلم كيف يقتل الآدميون ، فعلمهم الله - عز وجل - .
أخبرنا إسماعيل بن عبد القادر الجرجاني ، أنا عبد الغافر بن محمد الفارسي ، أنا محمد بن عيسى الجلودي ، ثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، ثنا مسلم بن الحجاج ، ثنا زهير بن حرب ، ثنا عمرو بن يونس الحنفي ، ثنا عكرمة بن عمار ، ثنا أبو زميل هو سماك الحنفي ثنا عبد الله بن عباس قال : بينما رجل من المسلمين يومئذ في أثر رجل من المشركين أمامه ، إذا سمع ضربة بالسوط فوقه ، وصوت الفارس يقول : أقدم حيزوم ، إذ نظر إلى المشرك أمامه فخر مستلقيا ، فنظر إليه فإذا هو قد حطم أنفه وشق وجهه كضربة السوط فاخضر ذلك أجمع ، فجاء الأنصاري فحدث ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : " صدقت ، ذلك من مدد السماء الثالثة " .
فقتلوا يومئذ سبعين وأسروا سبعين وروي عن أبي داود المازني وكان شهد بدرا قال : إني لأتبع رجلا من المشركين لأضربه إذ وقع رأسه قبل أن يصل إليه سيفي ، فعرفت أنه قد قتله غيري .
وروى أبو أمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه قال : والله ، لقد رأيتنا يوم بدر ، وإن أحدنا ليشير بسيفه إلى المشرك ، فيقع رأسه عن جسده قبل أن يصل إليه السيف .
وقال عكرمة ، قال أبو رافع مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " كنت غلاما للعباس بن عبد المطلب رضي الله عنه ، وكان الإسلام قد دخلنا أهل البيت ، وأسلمت أم الفضل وأسلمت ، وكان العباس يهاب قومه ويكره خلافهم ، وكان يكتم إسلامه ، وكان ذا مال كثير متفرق في قومه ، وكان أبو لهب عدو الله قد تخلف عن بدر وبعث مكانه العاص بن هشام بن المغيرة ، فلما جاءه الخبر عن مصاب أصحاب بدر كبته الله وأخزاه ، ووجدنا في أنفسنا قوة وعزا وكنت رجلا ضعيفا وكنت أعمل القداح وأنحتها في حجرة زمزم ، فوالله إني لجالس أنحت القداح ، وعندي أم الفضل جالسة ، إذ أقبل الفاسق أبو لهب يجر رجليه حتى جلس على طنب الحجرة ، فكان ظهره إلى ظهري ، فبينما هو جالس إذ قال الناس هذا أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب قد قدم ، فقال أبو لهب : إلي يا ابن أخي فعندك الخبر ، فجلس إليه والناس قيام عليه ، قال : يا ابن أخي أخبرني كيف كان أمر الناس؟ قال : لا شيء والله إن كان إلا أن لقيناهم فمنحناهم أكتافنا يقتلوننا ويأسروننا كيف شاءوا وأيم الله مع ذلك ما لمت الناس ، لقينا رجالا بيضا على خيل بلق بين السماء والأرض ، لا والله ما تليق شيئا ولا يقوم لها شيء ، قال أبو رافع فرفعت طنب الحجرة بيدي ، ثم قلت : تلك والله الملائكة ، قال فرفع أبو لهب يده فضرب وجهي ضربة شديدة ، فثاورته ، فاحتملني فضرب بي الأرض ، ثم برك علي يضربني ، وكنت رجلا ضعيفا فقامت أم الفضل إلى عمود من عمد الحجرة ، فأخذته فضربته به ضربة فلقت في رأسه شجة منكرة ، وقالت : تستضعفه أن غاب عنه سيده؟ فقام موليا ذليلا فوالله ما عاش إلا سبع ليال حتى رماه الله بالعدسة فقتلته " .
وروى مقسم عن ابن عباس قال : كان الذي أسر العباس أبو اليسر ، كعب بن عمرو أخو بني سلمة ، وكان أبو اليسر رجلا مجموعا ، وكان العباس رجلا جسيما ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي اليسر ، كيف أسرت العباس؟ قال : يا رسول الله لقد أعانني عليه رجل ما رأيته قبل ذلك ولا بعده ، هيئته كذا وكذا ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لقد أعانك عليه ملك كريم " .

التفسير الوسيط : إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم


ثم ذكرهم بنعمة أخرى كان لها أثرها العظيم في نصرهم على المشركين فقال- سبحانه -:إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ.
فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا، سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ، فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ.
والبنان: - كما يقول القرطبي- واحده بنانة.
وهي هنا الأصابع وغيرها من الأعضاء..وهو- أى البنان- مشتق من قولهم أبّن الرجل بالمكان إذا أقام به.
فالبنان يعتمل به ما يكون للإقامة والحياة.
وقيل: المراد بالبنان هنا أطراف الأصابع من اليدين والرجلين، وهو عبارة عن الثبات في الحرب وموضع الضرب، فإذا ضربت البنان تعطل من المضروب القتال بخلاف سائر الأعضاء......وذكر بعضهم: «أنها سميت بنانا لأن بها صلاح الأحوال التي بها يستقر الإنسان..» .
والمعنى: واذكر- أيها الرسول الكريم- وقت أن أوحى ربك إلى الملائكة الذين أمد بهم المسلمين في بدر أَنِّي مَعَكُمْ أى بعونى وتأييدى فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا أى فقووا قلوبهم، واملئوا نفوسهم ثقة بالنصر، وصححوا نياتهم في القتال حتى تكون غايتهم إعلاء كلمة الله.
قال الآلوسى: والمراد بالتثبيت: الحمل على الثبات في موطن الحرب والجد في مقاساة شدائد القتال.
وكان ذلك هنا- في قول- بظهورهم لهم في صورة بشرية يعرفونها، ووعدهمإياهم النصر على أعدائهم، فقد أخرج البيهقي في الدلائل أن الملك كان يأتى الرجل في صورة الرجل يعرفه فيقول له: أبشروا فإنهم ليسوا بشيء، والله معكم.
كروا عليهم.
وقال الزجاج: كان بأشياء يلقونها في قلوبهم تصح بها عزائمهم ويتأكد جدهم.
وللملك قوة إلقاء الخير في القلب ويقال له إلهام، كما أن للشيطان قوة إلقاء الشر ويقال له وسوسة، .
وقوله-تبارك وتعالى-: سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بشارة عظيمة للمؤمنين.
أى: سأملأ قلوب الكافرين بالخوف والفزع منكم- أيها المؤمنون-، وسأقذف فيها الهلع والجزع حتى تتمكنوا منهم.
والرعب: انزعاج النفس وخوفها من توقع مكروه، وأصله التقطيع من قولهم: رعبت السنام ترعيبا إذا قطعته مستطيلا، كأن الخوف يقطع الفؤاد.
وقوله: فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ الخطاب فيه للمؤمنين، وقيل، للملائكة.
والمراد بما فوق الأعناق الرءوس كما روى عن عطاء وعكرمة.
أو المراد بها الأعناق ذاتها فتكون فوق بمعنى: على وهو قول أبى عبيدة.
ويرى صاحب الكشاف أن المراد بما فوق الأعناق: أعالى الأعناق التي هي المذابح، لأنها مفاصل، فكان إيقاع الضرب فيها جزا وتطييرا للرءوس.
والمراد بالبنان- كما سبق أن بينا- الأصابع أو مطلق الأطراف.
والمعنى: لقد أعطيتكم- أيها المؤمنون- من وسائل النصر ما أعطيتكم، فهاجموا أعدائى وأعداءكم بقوة وغلظة، واضربوهم على أعناقهم ورءوسهم ومواضع الذبح فيهم.
واضربوهم على كل أطرافهم حتى تشلوا حركتهم، فيصبحوا عاجزين عن الدفاع عن أنفسهم.

تفسير ابن كثير : شرح الآية 12 من سورة الأنفال


وقوله : ( إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا ) وهذه نعمة خفية أظهرها الله تعالى لهم ، ليشكروه عليها ، وهو أنه - تعالى وتقدس وتبارك وتمجد - أوحى إلى الملائكة الذين أنزلهم لنصر نبيه ودينه وحزبه المؤمنين ، يوحي إليهم فيما بينه وبينهم أن يثبتوا الذين آمنوا .قال ابن إسحاق : وازروهم . وقال غيره : قاتلوا معهم . وقيل : كثروا سوادهم . وقيل : كان ذلك بأن الملك كان يأتي الرجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : سمعت هؤلاء القوم - يعني المشركين - يقولون : والله لئن حملوا علينا لننكشفن ، فيحدث المسلمون بعضهم بعضا بذلك ، فتقوى أنفسهم . حكاه ابن جرير ، وهذا لفظه بحروفه .وقوله : ( سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب ) أي : ثبتوا أنتم المسلمين وقووا أنفسهم على أعدائهم عن أمري لكم بذلك ، سألقي الرعب والمذلة والصغار على من خالف أمري ، وكذب رسولي ( فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان ) أي : اضربوا الهام ففلقوها ، واحتزوا الرقاب فقطعوها ، وقطعوا الأطراف منهم ، وهي أيديهم وأرجلهم .وقد اختلف المفسرون في معنى : ( فوق الأعناق ) فقيل : معناه اضربوا الرءوس . قاله عكرمة .وقيل : معناه : ( فوق الأعناق ) أي : على الأعناق ، وهي الرقاب . قاله الضحاك ، وعطية العوفي .ويشهد لهذا المعنى أن الله تعالى أرشد المؤمنين إلى هذا في قوله تعالى : ( فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق ) [ محمد : 4 ] .وقال وكيع ، عن المسعودي ، عن القاسم قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إني لم أبعث لأعذب بعذاب الله ، إنما بعثت بضرب الرقاب وشد الوثاق .واختار ابن جرير أنها قد تدل على ضرب الرقاب وفلق الهام .قلت : وفي مغازي " الأموي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جعل يمر بين القتلى يوم بدر فيقول :نفلق هاما . . . .فيقول أبو بكر :من رجال أعزة علينا وهم كانوا أعق وأظلمافيبتدئ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأول البيت ، ويستطعم أبا بكر - رضي الله عنه - إنشاد آخره ؛ لأنه كان لا يحسن إنشاد الشعر ، كما قال تعالى : ( وما علمناه الشعر وما ينبغي له ) [ يس : 69 ] .وقال الربيع بن أنس : كان الناس يوم بدر يعرفون قتلى الملائكة ممن قتلوا هم بضرب فوق الأعناق ، وعلى البنان مثل سمة النار قد أحرق به .وقوله : ( واضربوا منهم كل بنان ) قال ابن جرير : معناه : واضربوه أيها المؤمنون من عدوكم كل طرف ومفصل من أطراف أيديهم وأرجلهم . و " البنان " : جمع بنانة ، كما قال الشاعر :ألا ليتني قطعت منه بنانة ولاقيته في البيت يقظان حاذراوقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( واضربوا منهم كل بنان ) يعني بالبنان : الأطراف . وكذا قال الضحاك وابن جريج .وقال السدي : البنان : الأطراف ، ويقال : كل مفصل .وقال عكرمة ، وعطية العوفي والضحاك - في رواية أخرى - : كل مفصل .وقال الأوزاعي في قوله تعالى : ( واضربوا منهم كل بنان ) قال : اضرب منه الوجه والعين ، وارمه بشهاب من نار ، فإذا أخذته حرم ذلك كله عليك .وقال العوفي ، عن ابن عباس - فذكر قصة بدر إلى أن قال - : فقال أبو جهل : لا تقتلوهم قتلا ولكن خذوهم أخذا ، حتى تعرفوهم الذي صنعوا من طعنهم في دينكم ، ورغبتهم عن اللات والعزى . فأوحى الله إلى الملائكة : ( أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان ) فقتل أبو جهل لعنه الله ، في تسعة وستين رجلا وأسر عقبة بن أبي معيط فقتل صبرا ، فوفى ذلك سبعين - يعني قتيلا .

تفسير الطبري : معنى الآية 12 من سورة الأنفال


وأما قوله: (إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم)، أنصركم (48) =(فثبتوا الذين آمنوا)، يقول: قوُّوا عزمهم, وصححوا نياتهم في قتال عدوهم من المشركين.
(49)* * *وقد قيل: إن تثبيت الملائكة المؤمنين، كان حضورهم حربهم معهم.
* * *وقيل: كان ذلك معونتهم إياهم بقتال أعدائهم.
* * *وقيل: كان ذلك بأن الملك يأتي الرجلَ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقول: سمعت هؤلاء القوم= يعني المشركين= يقولون: والله لئن حملوا علينا لننكشفن! (50) فيحدِّث المسلمون بعضهم بعضًا بذلك, فتقوى أنفسهم.
قالوا: وذلك كان وحي الله إلى ملائكته.
* * *وأما ابن إسحاق, فإنه قال بما:-15783- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة, عن ابن إسحاق: (فثبتوا الذين آمنوا)، أي: فآزروا الذين آمنوا.
(51)* * *القول في تأويل قوله : سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (12)قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: سَأرْعِبُ قلوب الذين كفروا بي، أيها المؤمنون، منكم, وأملأها فرقًا حتى ينهزموا عنكم (52) = " فاضربوا فوق الأعناق ".
* * *واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: (فوق الأعناق).
فقال بعضهم: معناه: فاضربوا الأعناق.
* ذكر من قال ذلك:15784- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن إدريس, عن أبيه, عن عطية: (فاضربوا فوق الأعناق)، قال: اضربوا الأعناق.
15785- .
.
.
.
قال، حدثنا أبي, عن المسعودي, عن القاسم, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لم أبعث لأعذِّب بعذاب الله, إنما بعثت لضرب الأعناق وشدِّ الوَثَاق.
15786- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (فاضربوا فوق الأعناق)، يقول: اضربوا الرقاب.
* * *واحتج قائلو هذه المقالة بأن العرب تقول: " رأيت نفس فلان ", بمعنى: رأيته.
قالوا: فكذلك قوله: (فاضربوا فوق الأعناق)، إنما معناه: فاضربوا الأعناق.
* * *وقال آخرون: بل معنى ذلك، فاضربوا الرؤوس.
* ذكر من قال ذلك:15787- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا الحسين, عن يزيد, عن عكرمة: (فاضربوا فوق الأعناق)، قال: الرؤوس.
* * *واعتلّ قائلو هذه المقالة بأن الذي " فوق الأعناق "، الرؤوس.
قالوا: وغير جائز أن تقول: " فوق الأعناق ", فيكون معناه: " الأعناق ".
قالوا: ولو جاز ذلك، جاز أن يقال (53) " تحت الأعناق ", فيكون معناه: " الأعناق ".
قالوا: وذلك خلاف المعقول من الخطاب, وقلبٌ لمعاني الكلام.
(54)* * *وقال آخرون: معنى ذلك: فاضربوا على الأعناق، وقالوا: " على " و " فوق " معناهما متقاربان, فجاز أن يوضع أحدهما مكان الآخر.
(55)* * *قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن يقال: أن الله أمر المؤمنين، مُعَلِّمَهم كيفية قتل المشركين وضربهم بالسيف: أن يضربوا فوق الأعناق منهم والأيدي والأرجل.
وقوله: (فوق الأعناق)، محتمل أن يكون مرادًا به الرؤوس, ومحتمل أن يكون مرادًا له: من فوق جلدة الأعناق, (56) فيكون معناه: على الأعناق.
وإذا احتمل ذلك، صح قول من قال، معناه: الأعناق.
وإذا كان الأمر محتملا ما ذكرنا من التأويل, لم يكن لنا أن نوجِّهه إلى بعض معانيه دون بعض، إلا بحجة يجب التسليم لها, ولا حجة تدلّ على خصوصه, فالواجب أن يقال: إن الله أمر بضرب رؤوس المشركين وأعناقهم وأيديهم وأرجلهم، أصحابَ نبيه صلى الله عليه وسلم الذين شهدوا معه بدرًا.
* * *وأما قوله: (واضربوا منهم كل بنان)، فإن معناه: واضربوا، أيها المؤمنون، من عدوكم كل طَرَف ومَفْصِل من أطراف أيديهم وأرجلهم.
* * *و " البنان ": جمع " بنانة ", وهي أطراف أصابع اليدين والرجلين, ومن ذلك قول الشاعر: (57)أَلا لَيْتَنِي قَطَّعْتُ مِنِّي بَنَانَةًوَلاقَيْتُهُ فِي الْبَيْتِ يَقْظَانَ حاذِرَا (58)يعني ب " البنانة " واحدة " البنان ".
* * *وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:15788- حدثنا أبو السائب قال، حدثنا ابن إدريس, عن أبيه, عن عطية: (واضربوا منهم كل بنان)، قال: كل مفصِل.
15789 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن إدريس, عن أبيه, عن عطية: (واضربوا منهم كل بنان)، قال: المفاصل.
15790- .
.
.
.
قال: حدثنا المحاربي, عن جويبر, عن الضحاك: (واضربوا منهم كل بنان)، قال: كل مفصل.
15791- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا الحسين, عن يزيد, عن عكرمة: (واضربوا منهم كل بنان)، قال: الأطراف.
ويقال: كل مفصل.
15792- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس: (واضربوا منهم كل بنان)، يعني: بالبنان، الأطراف.
15793- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج قوله: (واضربوا منهم كل بنان)، قال: الأطراف.
15794- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (واضربوا منهم كل بنان)، يعني: الأطراف.
-------------------------الهوامش :(48) انظر تفسير " مع " فيما سلف 3 : 214 5 : 353 .
(49) انظر تفسير " التثبيت " فيما سلف 5 : 354 7 272 ، 273 ، ومادة ( ثبت ) في فهارس اللغة .
(50) " الانكشاف " ، الانهزام .
(51) الأثر : 15783 - سيرة ابن هشام 2 : 323 ، وهو تابع الأثر السالف رقم : 15780 .
(52) انظر تفسير " إلقاء الرعب " فيما سلف 7 : 279 .
(53) في المطبوعة والمخطوطة : " ولو جاز ذلك كان أن يقال " ، وهو فاسد ، صوابه ما أثبت .
(54) في المطبوعة والمخطوطة : " وقلب معاني الكلام " ، صواب السياق ما أثبت .
(55) انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة 1 : 242 .
(56) في المطبوعة حذف " من " ، وهي في المخطوطة سيئة الكتابة .
(57) هو العباس بن مرداس السلمي .
(58) مجاز القرآن لأبي عبيدة 1 : 242 ، اللسان ( بنن ) ، ولم أجده في مكان آخر .
وقال أبو عبيدة بعد البيت : " يعني أبا ضب ، رجلاً من هذيل ، قتل هريم بن مرداس وهو نائم ، وكان جاورهم بالربيع " .
وقد روى أبو الفرج الأصبهاني في الأغاني 13 : 66 ( ساسى ) ، عن أبي عبيدة أن هريم بن مرداس كان مجاورًا في خزاعة ، في جوار رجل منهم يقال له عامر ، فقتله رجل من خزاعة يقال له خويلد .
فالذي قاله أبو عبيدة هنا مضطرب ، وهو زيادة بين قوسين في النسخة المطبوعة ، فأخشى أن لا تكون من قول أبي عبيدة .
و أما " أبو ضب " الرجل من هذيل ، فهو شاعر معروف من بني لحيان ، من هذيل ، له شعر في بقية أشعار الهذليين وأخبار ، انظر رقم : 13 ، 14 من الشعر .
وجاء أيضًا في البقية من شعر هذيل 43 ، ما نصه : " وقال عباس بن مرداس ، وأخواله بنو لحيان " :لا تَأْمَنَنْ بالعَادِ والخِلْفِ بَعْدَهَاجِوَارَ أُناسٍ يَبِتَنُونَ الحَصَائِرَاِذكر " جوارًا " كان في بني لحيان ، فأجابه رجل من بني لحيان ، يذكر عقوقه أخواله ، ويتهدده بالقتل .
جَزَى الله عَبَّاسًا عَلَى نَأْي دَارِهِعُقُوقًا كَحَرِّ النَّارِ يأتِي المَعَاشِرَافَوَاللهِ لَوْلا أَنْ يُقال : ابْنُ أخْتِهِ !لَفَقَّرْتُهُ , إنِّي أُصِيبُ المَفاقِرَافِدًي لأَبِي ضَبٍّ تِلادِي , فإنَّنَاتَكَلْنَا عَلَيْهِ دَاخِلا ومُجَاهِرَاوَمَطْعَنَهُ بالسَّيْفِ أحْشَاءَ مالِكٍبِما كانَ مَنَّي أوْرَدُوهُ الجَرَائِرَافقد ذكر في هذا الشعر " أبا ضب " ، ومقتله " مالكا " .
لم أقف بعد على " مالك " هذا ، ولكني أظن أن شعر عباس هذا ، يدخل في خبر مقتل " مالك " الذي قتله " أبو ضب " ، لا في خبر مقتل أخيه " هريم بن مرداس " ، فذاك خبر معروف رجاله .
وقوله " حاذرا " ، أي : مستعدًا حذرًا متيقظًا .
وقال شمر : " الحاذر " ، المؤدي الشاك السلاح ، وفي شعر العباس بن مرداس ما يشعر بذلك :وَإنِّي حاذِرٌ أَنْمِى سِلاحِيإلى أَوْصالِ ذَيَّالٍ مَنِيعوكان في المطبوعة : " قطعت منه بنانة " ، فأفسد الشعر إفسادًا ، إذ غير الصواب المحض الذي في المخطوطة ، متابًعًا خطأ الرواية المحرفة في لسان العرب .

إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان

سورة : الأنفال - الأية : ( 12 )  - الجزء : ( 9 )  -  الصفحة: ( 178 ) - عدد الأيات : ( 75 )

تفسير آيات من القرآن الكريم

  1. تفسير: فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب
  2. تفسير: ياأيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم
  3. تفسير: اهدنا الصراط المستقيم
  4. تفسير: مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم
  5. تفسير: هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين
  6. تفسير: لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك جزاء المحسنين
  7. تفسير: فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال ياقوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا أفطال عليكم
  8. تفسير: إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم
  9. تفسير: إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون
  10. تفسير: كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وفرعون ذو الأوتاد

تحميل سورة الأنفال mp3 :

سورة الأنفال mp3 : قم باختيار القارئ للاستماع و تحميل سورة الأنفال

سورة الأنفال بصوت ماهر المعيقلي
ماهر المعيقلي
سورة الأنفال بصوت سعد الغامدي
سعد الغامدي
سورة الأنفال بصوت عبد  الباسط عبد الصمد
عبد الباسط
سورة الأنفال بصوت أحمد العجمي
أحمد العجمي
سورة الأنفال بصوت محمد صديق المنشاوي
المنشاوي
سورة الأنفال بصوت محمود خليل الحصري
الحصري
سورة الأنفال بصوت مشاري راشد العفاسي
مشاري العفاسي
سورة الأنفال بصوت ناصر القطامي
ناصر القطامي
سورة الأنفال بصوت فارس عباد
فارس عباد
سورة الأنفال بصوت ياسر لدوسري
ياسر الدوسري

,

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب