تفسير الآية - القول في معنى قوله تعالى : إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينـزل عليكم ..

  1. تفسير السعدي
  2. تفسير البغوي
  3. التفسير الوسيط
  4. تفسير ابن كثير
  5. تفسير الطبري
الفسير الوسيط | التفسير الوسيط للقرآن الكريم للطنطاوي | تأليف شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي (المتوفى: 1431هـ) : ويعتبر هذا التفسير من التفاسير الحديثة و القيمة لطلاب العلم و الباحثين في تفسير القرآن العظيم بأسلوب منهجي سهل و عبارة مفهومة, تفسير الآية 11 من سورة الأنفال - التفسير الوسيط .
  
   

﴿ إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ﴾
[ سورة الأنفال: 11]

معنى و تفسير الآية 11 من سورة الأنفال : إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينـزل عليكم .


تفسير الجلالين التفسير الميسر تفسير السعدي
تفسير البغوي التفسير الوسيط تفسير ابن كثير
تفسير الطبري تفسير القرطبي إعراب الآية

تفسير السعدي : إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينـزل عليكم


ومن نصره واستجابته لدعائكم أن أنـزل عليكم نعاسا يُغَشِّيكُمُ [أي] فيذهب ما في قلوبكم من الخوف والوجل، ويكون أَمَنَةً لكم وعلامة على النصر والطمأنينة.
ومن ذلك: أنه أنـزل عليكم من السماء مطرا ليطهركم به من الحدث والخبث، وليطهركم به من وساوس الشيطان ورجزه.
وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ- أي: يثبتها فإن ثبات القلب، أصل ثبات البدن، وَيُثَبِّتَ بِهِ الأقْدَامَ فإن الأرض كانت سهلة دهسة فلما نـزل عليها المطر تلبدت، وثبتت به الأقدام.

تفسير البغوي : مضمون الآية 11 من سورة الأنفال


( إذ يغشيكم النعاس ) قرأ ابن كثير وأبو عمرو : " يغشاكم " بفتح الياء ، " النعاس " رفع على أن الفعل له ، كقوله تعالى في سورة آل عمران " أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم " ( آل عمران - 154 ) وقرأ أهل المدينة : " يغشيكم " بضم الياء وكسر الشين مخففا ، " النعاس " نصب ، كقوله تعالى : " كأنما أغشيت وجوههم " ، وقرأ الآخرون بضم الياء وكسر الشين مشددا ، " النعاس " نصب ، على أن الفعل لله - عز وجل - ، كقوله تعالى : " فغشاها ما غشى " ( النجم - 54 ) ، والنعاس : النوم الخفيف .
( أمنة ) أمنا ( منه ) مصدر أمنت أمنا وأمنة وأمانا .
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : النعاس في القتال أمنة من الله وفي الصلاة وسوسة من الشيطان .
( وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ) وذلك أن المسلمين نزلوا يوم بدر على كثيب أعفر ، تسوخ فيه الأقدام وحوافر الدواب ، وسبقهم المشركون إلى ماء بدر وأصبح المسلمون بعضهم محدثين وبعضهم مجنبين ، وأصابهم الظمأ ، ووسوس إليهم الشيطان ، وقال : تزعمون أنكم على الحق وفيكم نبي الله وأنكم أولياء الله وقد غلبكم المشركون على الماء وأنتم تصلون محدثين ومجنبين ، فكيف ترجون أن تظهروا عليهم؟ فأرسل الله - عز وجل - عليهم مطرا سال منه الوادي فشرب المؤمنون واغتسلوا ، وتوضأوا وسقوا الركاب ، وملئوا الأسقية ، وأطفأ الغبار ، ولبد الأرض حتى ثبتت عليها الأقدام ، وزالت عنهم وسوسة الشيطان ، وطابت أنفسهم ، فذلك قوله تعالى : " وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به " من الأحداث والجنابة .
( ويذهب عنكم رجز الشيطان ) وسوسته ، ( وليربط على قلوبكم ) باليقين والصبر ( ويثبت به الأقدام ) حتى لا تسوخ في الرمل بتلبيد الأرض .
وقيل: يثبت به الأقدام بالصبر وقوة القلب .

التفسير الوسيط : إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينـزل عليكم


ثم حكى- سبحانه - بعد ذلك بعض المنن الأخرى التي منحها للمؤمنين قبل أن يلتحموا مع أعدائهم في بدر فقال: إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ، وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ، وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ، وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ، وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ.
وقوله: يُغَشِّيكُمُ بتشديد الشين من التغشية بمعنى التغطية من غشاه تغشية أى:غطاه.
والنعاس: أول النوم قبل أن يثقل، وفعله- على الراجح - على وزن منع.
والأمنة: مصدر بمعنى الأمن.
وهو طمأنينة القلب وزوال الخوف، يقال: أمنت من كذا أمنة وأمنا وأمانا بمعنى.
قال الجمل: في قوله: إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ ثلاث قراءات سبعية.
الأولى: يغشاكم كيلقاكم، من غشيه إذا أتاه وأصابه وفي المصباح: غشيته أغشاه من باب تعب بمعنى أتيته- وهي قراءة أبى عمرو وابن كثير.
الثانية: يغشيكم- بإسكان الغين وكسر الشين- من أغشاه.
أى أنزله بكم وأوقعه عليكم- وهو قراءة نافع- الثالثة: يغشيكم- بتشديد الشين وفتح الغين وهي قراءة الباقين- من غشاه تغشية بمعنى غطاه.
أى: يغشيكم الله النعاس أى يجعله عليكم كالغطاء من حيث اشتماله عليكم.
والنعاس على القراءة الأولى مرفوع على الفاعلية، وعلى الأخيرتين منصوب على المفعولية.
وقوله: «أمنة» حال أو مفعول لأجله .
وقال القرطبي: وكان هذا النعاس في الليلة التي كان القتال من غدها، فكان النوم عجيبا مع ما كان بين أيديهم من الأمر المهم، ولكن الله ربط جأشهم.
وقال القرطبي: وكان هذا النعاس في الليلة التي كان القتال من غدها، فكان النوم عجيبا مع ما كان بين أيديهم من الأمر المهم، ولكن الله ربط جأشهم.
وعن على- رضى الله عنه- قال: ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد على فرس أبلق، ولقد رأيتنا وما فينا إلا نائم سوى رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرة يصلى حتى أصبح.
وفي امتنان الله عليهم بالنوم في هذه الليلة وجهان: - أحدهما: أن قواهم بالاستراحة على القتال من الغد.
الثاني: أن أمنهم بزوال الرعب من قلوبهم: كما يقال: الأمن منيم، والخوف مسهر» «2» .
وقال ابن كثير: وجاء في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان يوم بدر في العريش مع الصديق، وهما يدعوان، أخذت رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة من النوم.
ثم استيقظ متبسما، فقال: «أبشر يا أبا بكر، هذا جبريل على ثناياه النقع» .
ثم خرج من باب العريش وهو يتلو قول الله-تبارك وتعالى- سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ .
والمعنى: واذكروا- أيها المؤمنون- أيضا، وقت أن كنتم متعبين وقلقين على مصيركم في هذه المعركة، فألقى الله عليكم النعاس، وغشاكم به قبل التحامكم بأعدائكم، ليكون أمانا لقلوبكم، وراحة لأبدانكم، وبشارة خير لكم.
هذا، ومن العلماء الذين تكلموا عن نعمة النعاس التي ساقها الله للمؤمنين قبل المعركة، الإمامان الرازي ومحمد عبده.
أما الامام الرازي فقد قال ما ملخصه: واعلم أن كل نوم ونعاس لا يحصل إلا من قبل الله-تبارك وتعالى- فتخصيص هذا النعاس بأنه من الله لا بد فيه من مزيد فائدة، وذكروا في ذلك وجوها: منها: أن الخانف إذا خاف من عدوه فإنه لا يأخذه النوم، وإذا نام الخائفون أمنوا.
فصار حصول النوم لهم في وقت الخوف الشديد، يدل على إزالة الخوف وحصول الأمن.
ومنها: أنهم ما ناموا نوما غرقا يتمكن معه العدو من معافصتهم، بل كان ذلك نعاسا يزول معه الإعياء والكلال، ولو قصدهم العدو في هذه الحالة لعرفوا وصوله، ولقدروا على دفعه.
ومنها: أنه غشيهم هذا النعاس دفعة واحدة مع كثرتهم، وحصول النعاس للجمع العظيم في الخوف الشديد أمر خارق للعادة.
فلهذا السبب قيل: إن ذلك النعاس كان في حكم المعجز .
وقال الإمام محمد عبده: لقد مضت سنة الله في الخلق، بأن من يتوقع في صبيحة ليلته هولا كبيرا، ومصابا عظيما، فإنه يتجافى جنبه عن مضجعه فيصبح خاملا ضعيفا.
وقد كان المسلمون يوم بدر يتوقعون مثل ذلك، إذ بلغهم أن جيشا يزيد على عددهم ثلاثة أضعاف سيحاربهم غدا فكان من مقتضى العادة أن يناموا على بساط الأرق والسهاد.. ولكن الله رحمهم بما أنزل عليهم من النعاس: غشيهم فناموا، واثقين بالله، مطمئنين لوعده، وأصبحوا على همة ونشاط في لقاء عدوهم وعدوه.. فالنعاس لم يكن يوم بدر في وقت الحرب بل قبلها» .
وبذلك نرى أن النعاس الذي أنزله الله تعالى- على المؤمنين قبل لقائهم بأعدائهم في بدر كان نعمة عظيمة ومنة جليلة.
وقوله-تبارك وتعالى-: وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ معطوف على قوله يُغَشِّيكُمُ وهو- أى: إنزال الماء من السماء نعمة عظمى تحمل في طياتها نعما وسننا.
أولها: يتجلى في هذه الجملة الكريمة، أنه- سبحانه - أنزل على المؤمنين المطر من السماء ليطهرهم به من الحدثين: الأصغر والأكبر، فإن المؤمن- كما يقول الإمام الرازي- «يكاد يستقذر نفسه إذا كان جنبا، ويغتم إذا لم يتمكن من الاغتسال، ويضطرب قلبه لأجل هذا السبب .
وثانيها: قوله-تبارك وتعالى-: ويذهب عنكم رجز الشيطان
» .
وأصل الرجز: الاضطراب ويطلق على كل ما تشتد مشقته على النفوس.
قال الراغب: أصل الرجز الاضطراب، ومنه قيل رجز البعير رجزا فهو أرجز، وناقة رجزاء إذا تقارب خطوها واضطرب لضعفها..» .
والمراد برجز الشيطان: وسوسته للمؤمنين، وتخويفه إياهم من العطش وغيره عند فقدهم الماء وإلقاؤه الظنون السيئة في قلوبهم.
أى: أنه- سبحانه - أنزل عليكم الماء- أيها المؤمنون- ليطهركم به تطهيرا حسيا وليزيل عنكم وسوسة الشيطان، بتخويفه إياكم من العطش وبإلقائه في نفوسكم الظنون والأوهام.. وهذا هو التطهير الباطني.
وثالثها قوله-تبارك وتعالى-: وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ أى: وليقويها بالثقة في نصر الله، وليوطنها على الصبر والطمأنينة.. ولا شك أن وجود الماء في حوزة المحاربين يزيدهم قوة على قوتهم، وثباتا على ثباتهم، أما فقده فإنه يؤدى إلى فقد الثقة والاطمئنان، بل وإلى الهزيمة المحققة.
وأصل الربط: الشد.
ويقال لكل من صبر على أمر: ربط قلبه عليه، أى: حبس قلبه عن أن يضطرب أو يتزعزع، ومنه قولهم: رجل رابط الجأش.
أى: ثابت متمكن.
ورابع هذه النعم التي تولدت عن نزول الماء من السماء على المؤمنين، قبل خوضهم معركة بدر، يتجلى في قوله-تبارك وتعالى- وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ.
أى: أنه- سبحانه - أنزل عليهم المطر قبل المعركة لتطهيرهم حسيا ومعنويا، ولتقويتهم وطمأنينتهم، وليثبت أقدامهم به حتى لا تسوخ في الرمال، وحتى يسهل المشي عليها، إذ من المعروف أنه من العسير المشي على الرمال، فإذا ما نزلت عليها الأمطار جمدت وسهل السير فوقها، وانطفأ غبارها.. فالضمير في قوله بِهِ يعود على الماء المنزل من السماء.
قال الزمخشري: ويجوز أن يعود للربط- في قوله وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ، لأن القلب إذا تمكن فيه الصبر والجراءة ثبتت القدم في مواطن القتال.
هذا، وقد وردت آثار متعددة توضح ما اشتملت عليه هذه الآية الكريمة من نعم جليلة،ومن ذلك ما جاء عن ابن عباس أنه قال: نزل النبي صلى الله عليه وسلم يعنى حين سار إلى بدر- والمسلمون بينهم وبين الماء رملة دعصة- أى كثيرة مجتمعة- فأصاب المسلمين ضعف شديد، وألقى الشيطان في قلوبهم الغيظ، فوسوس بينهم، تزعمون أنكم أولياء الله وفيكم رسوله، وقد غلبكم المشركون على الماء، وأنتم تصلون مجنبين؟ فأمطر الله عليهم مطرا شديدا، فشرب المسلمون وتطهروا، وأذهب الله عنهم رجز الشيطان، وثبت الرمل حين أصابه المطر، ومشى الناس عليه والدواب، فساروا إلى القوم..» .
وعن عروة بن الزبير قال: بعث الله السماء وكان الوادي دهسا فأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ما لبد لهم الأرض ولم يمنعهم من المسير، وأصاب قريشا ما لم يقدروا على أن يرحلوا معه» .
ومن هذا القول المنقول عن عروة- رضى الله عنه- نرى أن المطر كان خيرا للمسلمين، وكان شرا على الكافرين، لأن المسلمين كانوا في مكان يصلحه المطر، بينما كان المشركون في مكان يؤذيهم فيه المطر.

تفسير ابن كثير : شرح الآية 11 من سورة الأنفال


يذكرهم الله بما أنعم به عليهم من إلقائه النعاس عليهم ، أمانا من خوفهم الذي حصل لهم من كثرة عدوهم وقلة عددهم ، وكذلك فعل تعالى بهم يوم أحد ، كما قال تعالى : { ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم } [ آل عمران : 154 ] .
قال أبو طلحة كنت ممن أصابه النعاس يوم أحد ، ولقد سقط السيف من يدي مرارا ، يسقط وآخذه ، ويسقط وآخذه ، ولقد نظرت إليهم يميدون وهم تحت الحجف .
وقال الحافظ أبو يعلى : حدثنا زهير ، حدثنا ابن مهدي ، عن شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن حارثة بن مضرب ، عن علي - رضي الله عنه - قال : ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد ، ولقد رأيتنا وما فينا إلا نائم إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي تحت شجرة ويبكي حتى أصبح .
وقال سفيان الثوري ، عن عاصم عن أبي رزين ، عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال : النعاس في القتال أمنة من الله ، وفي الصلاة من الشيطان .
وقال قتادة : النعاس في الرأس ، والنوم في القلب . .
قلت : أما النعاس فقد أصابهم يوم أحد ، وأمر ذلك مشهور جدا ، وأما يوم بدر في هذه الآية الشريفة إنما هي في سياق قصة بدر ، وهي دالة على وقوع ذلك أيضا وكأن ذلك كان سجية للمؤمنين عند شدة البأس لتكون قلوبهم آمنة مطمئنة بنصر الله . وهذا من فضل الله ورحمته بهم ونعمه عليهم ، وكما قال تعالى : { فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا } [ الشرح : 5 ، 6 ] ؛ ولهذا [ جاء ] في الصحيح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما كان يوم بدر في العريش مع الصديق - رضي الله عنه - وهما يدعوان ، أخذت رسول الله سنة من النوم ، ثم استيقظ متبسما فقال : أبشر يا أبا بكر ، هذا جبريل على ثناياه النقع ، ثم خرج من باب العريش ، وهو يتلو قوله تعالى : { سيهزم الجمع ويولون الدبر } [ القمر : 45 ] .
وقوله : { وينزل عليكم من السماء ماء } قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قال : نزل النبي - صلى الله عليه وسلم - يعني : حين سار إلى بدر - والمسلمون بينهم وبين الماء رملة دعصة وأصاب المسلمين ضعف شديد ، وألقى الشيطان في قلوبهم الغيظ ، يوسوس بينهم : تزعمون أنكم أولياء الله تعالى وفيكم رسوله ، وقد غلبكم المشركون على الماء ، وأنتم تصلون مجنبين ! فأمطر الله عليهم مطرا شديدا ، فشرب المسلمون وتطهروا ، وأذهب الله عنهم رجز الشيطان ، وانشف الرمل حين أصابه المطر ومشى الناس عليه والدواب ، فساروا إلى القوم وأمد الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين بألف من الملائكة ، فكان جبريل في خمسمائة مجنبة ، وميكائيل في خمسمائة مجنبة .
وكذا قال العوفي عن ابن عباس : إن المشركين من قريش لما خرجوا لينصروا العير وليقاتلوا عنها ، نزلوا على الماء يوم بدر ، فغلبوا المؤمنين عليه . فأصاب المؤمنين الظمأ ، فجعلوا يصلون مجنبين محدثين ، حتى تعاظموا ذلك في صدورهم ، فأنزل الله من السماء ماء حتى سال الوادي ، فشرب المؤمنون ، وملئوا الأسقية ، وسقوا الركاب واغتسلوا من الجنابة ، فجعل الله في ذلك طهورا ، وثبت الأقدام . وذلك أنه كانت بينهم وبين القوم رملة ، فبعث الله المطر عليها ، فضربها حتى اشتدت ، وثبتت عليها الأقدام .
ونحو ذلك روي عن قتادة ، والضحاك ، والسدي .
وقد روي عن سعيد بن المسيب ، والشعبي ، والزهري ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم : أنه طش أصابهم يوم بدر .
والمعروف أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما سار إلى بدر ، نزل على أدنى ماء هناك أي: أول ماء وجده ، فتقدم إليه الحباب بن المنذر فقال : يا رسول الله ، هذا المنزل الذي نزلته منزل أنزلكه الله فليس لنا أن نجاوزه ، أو منزل نزلته للحرب والمكيدة ؟ فقال : بل منزل نزلته للحرب والمكيدة . فقال : يا رسول الله إن هذا ليس بمنزل ، ولكن سر بنا حتى ننزل على أدنى ماء يلي القوم ونغور ما وراءه من القلب ، ونستقي الحياض فيكون لنا ماء وليس لهم ماء . فسار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ففعل كذلك .
وفي مغازي الأموي أن الحباب لما قال ذلك نزل ملك من السماء وجبريل جالس عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال ذلك الملك : يا محمد ، إن ربك يقرأ عليك السلام ويقول لك : إن الرأي ما أشار به الحباب بن المنذر فالتفت رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] إلى جبريل ، عليه السلام ، فقال : هل تعرف هذا ؟ فنظر إليه فقال : ما كل الملائكة أعرفهم ، وإنه ملك وليس بشيطان .
وأحسن ما في هذا ما رواه الإمام محمد بن إسحاق بن يسار صاحب " المغازي " - رحمه الله - : حدثني يزيد بن رومان ، عن عروة بن الزبير قال : بعث الله السماء - وكان الوادي دهسا - فأصاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ما لبد لهم الأرض ولم يمنعهم من المسير ، وأصاب قريشا ما لم يقدروا على أن يرتحلوا معه .
وقال مجاهد : أنزل الله عليهم المطر قبل النعاس ، فأطفأ بالمطر الغبار ، وتلبدت به الأرض ، وطابت نفوسهم وثبتت به أقدامهم .
وقال ابن جرير : حدثنا هارون بن إسحاق ، حدثنا مصعب بن المقدام ، حدثنا إسرائيل ، حدثنا أبو إسحاق ، عن حارثة ، عن علي - رضي الله عنه - قال : أصابنا من الليل طش من المطر - يعني الليلة التي كانت في صبيحتها وقعة بدر - فانطلقنا تحت الشجر والحجف نستظل تحتها من المطر . وبات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعو ربه : اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض ، فلما أن طلع الفجر ، نادى : الصلاة عباد الله ، فجاء الناس من تحت الشجر والحجف ، فصلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحرض على القتال .
وقوله : { ليطهركم به } أي: من حدث أصغر أو أكبر ، وهو تطهير الظاهر { ويذهب عنكم رجز الشيطان } أي: من وسوسة أو خاطر سيئ ، وهو تطهير الباطن ، كما قال تعالى في حق أهل الجنة : { عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق وحلوا أساور من فضة } فهذا زينة الظاهر { وسقاهم ربهم شرابا طهورا } [ الإنسان : 21 ] أي: مطهرا لما كان من غل أو حسد أو تباغض ، وهو زينة الباطن وطهارته .
{ وليربط على قلوبكم } أي: بالصبر والإقدام على مجالدة الأعداء ، وهو شجاعة الباطن ، { ويثبت به الأقدام } وهو شجاعة الظاهر ، والله أعلم .

تفسير الطبري : معنى الآية 11 من سورة الأنفال


القول في تأويل قوله : إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ ( 11 )قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ ، " إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ "، ويعني بقوله: ( يغشيكم النعاس )، يلقي عليكم النعاس ( 25 ) =( أمنة ) يقول: أمانًا من الله لكم من عدوكم أن يغلبكم, وكذلك النعاس في الحرب أمنة من الله عز وجل.
* * *15758- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا سفيان, عن عاصم, عن أبي رزين, عن عبد الله قال: النعاس في القتال، أمنةٌ من الله عز وجل, وفي الصلاة من الشيطان.
( 26 )15759 - حدثني الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري في قوله: " يغشاكم النعاس أمنة منه ", ( 27 ) عن عاصم, عن أبي رزين, عن عبد الله, بنحوه, قال: قال عبد الله، فذكر مثله.
15760 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي, عن سفيان, عن عاصم, عن أبي رزين, عن عبد الله بنحوه.
* * *و " الأمنة " مصدر من قول القائل: " أمنت من كذا أمَنَة، وأمانًا، وأمْنًا " وكل ذلك بمعنى واحد.
( 28 )* * *وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:15761- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: ( أمنة منه )، أمانًا من الله عز وجل.
15762 - . . . . قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: ( أمنة )، قال: أمنًا من الله.
15763- حدثني يونس قال، حدثنا ابن وهب قال، قال ابن زيد قوله: ( إذ يغشيكم النعاس أمنة منه )، قال: أنزل الله عز وجل النعاس أمنة من الخوف الذي أصابهم يوم أحد.
فقرأ: ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا [ سورة آل عمران: 154 ] .
* * *واختلفت القرأة في قراءة قوله: " إذ يغشيكم النعاس أمنة منه "،فقرأ ذلك عامة قرأة أهل المدينة: " يُغْشِيكُمُ النُّعَاسَ " بضم الياء وتخفيف الشين، ونصب " النعاس ", من: " أغشاهم الله النعاس فهو يغشيهم ".
* * *وقرأته عامة قرأة الكوفيين: ( يُغَشِّيكُمُ )، بضم الياء وتشديد الشين، من: " غشّاهم الله النعاس فهو يغشِّيهم ".
* * *وقرأ ذلك بعض المكيين والبصريين: " يَغْشَاكُمُ النُّعَاسُ "، بفتح الياء ورفع " النعاس ", بمعنى: " غشيهم النعاس فهو يغشاهم ".
واستشهد هؤلاء لصحة قراءتهم كذلك بقوله في " آل عمران ": يَغْشَى طَائِفَةً [ سورة آل عمران: 154 ] .
* * *قال أبو جعفر: وأولى ذلك بالصواب: ( إِذْ يُغَشِّيكُمْ )، على ما ذكرت من قراءة الكوفيين, لإجماع جميع القراء على قراءة قوله: ( وينزل عليكم من السماء ماء )، بتوجيه ذلك إلى أنه من فعل الله عز وجل, فكذلك الواجب أن يكون كذلك ( يغشيكم )، إذ كان قوله: ( وينزل )، عطفًا على " يغشي ", ليكون الكلام متسقًا على نحو واحد.
* * *وأما قوله عز وجل: ( وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به )، فإن ذلك مطرٌ أنزله الله من السماء يوم بدر ليطهر به المؤمنين لصلاتهم، لأنهم كانوا أصبحوا يومئذ مُجْنبِين على غير ماء.
فلما أنزل الله عليهم الماء اغتسلوا وتطهروا، وكان الشيطان قد وسوس إليهم بما حزنهم به من إصباحهم مجنبين على غير ماء, فأذهب الله ذلك من قلوبهم بالمطر.
فذلك ربطه على قلوبهم، وتقويته أسبابهم، وتثبيته بذلك المطر أقدامهم, لأنهم كانوا التقوا مع عدوهم على رملة ميثثاء، ( 29 ) فلبَّدها المطر، حتى صارت الأقدام عليها ثابتة لا تسوخ فيها, توطئةً من الله عز وجل لنبيه عليه السلام وأوليائه، أسبابَ التمكن من عدوهم والظفر بهم.
* * *وبمثل الذي قلنا تتابعت الأخبار عن [ أصحاب ] رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيره من أهل العلم.
( 30 )* ذكر الأخبار الواردة بذلك:15764- حدثنا هارون بن إسحاق قال، حدثنا مصعب بن المقدام قال، حدثنا إسرائيل قال، حدثنا أبو إسحاق, عن حارثة, عن علي رضي الله عنه قال: أصابنا من الليل طَشّ من المطر ( 31 ) = يعني الليلة التي كانت في صبيحتها وقعة بدر = فانطلقنا تحت الشجر والحَجَف نستظل تحتها من المطر, ( 32 ) وبات رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو ربه: " اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض! " فلما أن طلع الفجر، نادى: " الصلاة عبادَ الله! "، فجاء الناس من تحت الشجر والحجف, فصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم , وحرض على القتال.
( 33 )15765- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حفص بن غياث وأبو خالد, عن داود, عن سعيد بن المسيب: ( ماء ليطهركم به )، قال: طش يوم بدر.
15766 - حدثني الحسن بن يزيد قال، حدثنا حفص, عن داود, عن سعيد, بنحوه.
( 34 )15767- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا محمد بن أبي عدي وعبد الأعلى, عن داود, عن الشعبي وسعيد بن المسيب, قالا طش يوم بدر.
15768- حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا ابن أبي عدي, عن داود, عن الشعبي وسعيد بن المسيب في هذه الآية: ( ينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان )، قالا طشٌّ كان يوم بدر, فثبَّت الله به الأقدام.
15769- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: " إذ يغشاكم النعاس أمنة منه " الآية, ذكر لنا أنهم مُطِروا يومئذ حتى سال الوادي ماءً, واقتتلوا على كثيب أعفر, ( 35 ) فلبَّده الله بالماء, وشرب المسلمون وتوضأوا وسقوْا, وأذهب الله عنهم وسواس الشيطان.
15770- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله قال، حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس قال، نزل النبي صلى الله عليه وسلم = يعني: حين سار إلى بدر= والمسلمون بينهم وبين الماء رملة دَعْصَة ، ( 36 ) فأصاب المسلمين ضعف شديد, وألقى الشيطان في قلوبهم الغيظ, فوسوس بينهم: تزعمون أنكم أولياء الله وفيكم رسوله, وقد غلبكم المشركون على الماء، وأنتم تصلُّون مُجْنِبين! فأمطر الله عليهم مطرًا شديدًا, فشرب المسلمون وتطهروا, وأذهب الله عنهم رجز الشيطان، وثبت الرمل حين أصابه المطر, ومشى الناس عليه والدوابّ، فساروا إلى القوم, وأمدّ الله نبيه بألف من الملائكة, فكان جبريل عليه السلام في خمسمائة من الملائكة مجنِّبةً, وميكائيل في خمسمائة مجنبةً.
( 37 )15771 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: " إذ يغشاكم النعاس أمنة منه " إلى قوله: ( ويثبت به الأقدام )، وذلك أن المشركين من قريش لما خرجوا لينصروا العير ويقاتلوا عنها, نزلوا على الماء يوم بدر, فغلبوا المؤمنين عليه, فأصاب المؤمنين الظمأ, فجعلوا يصلون مجنبين مُحْدِثين, حتى تعاظم ذلك في صدور أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله من السماء ماء حتى سال الوادي, فشرب المسلمون، وملئوا الأسقية, وسقوا الرِّكاب، واغتسلوا من الجنابة, فجعل الله في ذلك طهورًا, وثبت الأقدام.
وذلك أنه كانت بينهم وبين القوم رَملة، فبعث الله عليها المطر، فضربها حتى اشتدَّت, وثبتت عليها الأقدام.
15772 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون, فسبقهم المشركون إلى ماء بدر فنزلوا عليه, وانصرف أبو سفيان وأصحابه تِلْقاء البحر, فانطلقوا.
قال: فنزلوا على أعلى الوادي, ونزل محمد صلى الله عليه وسلم في أسفله.
فكان الرجل من أصحاب محمد عليه السلام يُجْنِب فلا يقدر على الماء, فصلي جُنُبًا, فألقى الشيطان في قلوبهم فقال: كيف ترجون أن تظهروا عليهم، وأحدكم يقوم إلى الصلاة جنبًا على غير وضوء!، قال: فأرسل الله عليهم المطر, فاغتسلوا وتوضأوا وشربوا, واشتدّت لهم الأرض, وكانت بطحاء تدخل فيها أرجلهم, ( 38 ) فاشتدت لهم من المطر، واشتدُّوا عليها.
15773- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج قال، قال ابن عباس: غلب المشركون المسلمين في أول أمرهم على الماء، فظمئ المسلمون وصلوا مجنبين محدثين, وكانت بينهم رمال, فألقى الشيطان في قلوب المؤمنين الحَزَن, فقال: تزعمون أن فيكم نبيًّا، وأنكم أولياء الله, وقد غلبتم على الماء، وتصلون مُجْنبين محدثين! قال: فأنزل الله عز وجل ماء من السماء, فسال كل وادٍ, فشرب المسلمون وتطهروا, وثبتت أقدامهم, وذهبت وسوسة الشيطان.
15774- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قوله: ( ماء ليطهركم به )، قال: المطر، أنزله عليهم قبل النعاس=( رجز الشيطان )، قال: وسوسته.
قال: فأطفأ بالمطر الغبار, والتبدت به الأرض, ( 39 ) وطابت به أنفسهم, وثبتت به أقدامهم.
15775 - حدثنا المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: ( ماء ليطهركم به )، أنزله عليهم قبل النعاس, طبَّق بالمطر الغبار, ولبّد به الأرض, وطابت به أنفسهم, وثبتت به الأقدام.
15776 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: ( ماء ليطهركم به )، قال: القطر=( ويذهب عنكم رجز الشيطان )، وساوسه.
أطفأ بالمطر الغبار, ولبد به الأرض, ( 40 ) وطابت به أنفسهم, وثبتت به أقدامهم.
15777- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: " رجز الشيطان "، وسوسته.
15778- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: ( وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به )، قال: هذا يوم بدر أنزل عليهم القطر=( وليذهب عنكم رجز الشيطان )، الذي ألقى في قلوبكم: ليس لكم بهؤلاء طاقة!=( وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام ) .
15779- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: ( إذ يغشاكم النعاس أمنة منه )، إلى قوله: ( ويثبت به الأقدام )، إن المشركين نزلوا بالماء يوم بدر, وغلبوا المسلمين عليه, فأصاب المسلمين الظمأ, وصلوا محدثين مجنبين, فألقى الشيطان في قلوب المؤمنين الحزَن, ووسوس فيها: إنكم تزعمون أنكم أولياء الله، وأن محمدًا نبي الله, وقد غلبتم على الماء، وأنتم تصلون محدثين مجنبين! فأمطر الله السماء حتى سال كل واد, فشرب المسلمون وملأوا أسقيتهم، ( 41 ) وسقوا دوابهم، واغتسلوا من الجنابة, وثبت الله به الأقدام.
وذلك أنهم كان بينهم وبين عدوهم رملة لا تجوزها الدواب, ولا يمشي فيها الماشي إلا بجَهد, فضربها الله بالمطر حتى اشتدت، وثبتت فيها الأقدام.
15780- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة, عن ابن إسحاق: " إذ يغشاكم النعاس أمنة منه "، أي: أنزلت عليكم الأمنة حتى نمتم لا تخافون,= " وينزل عليكم من السماء ماء "، للمطر الذي أصابهم تلك الليلة, ( 42 ) فحبس المشركون أن يسبقوا إلى الماء, وخلَّي سبيل المؤمنين إليه=( ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام )، ليذهب عنهم شك الشيطان، بتخويفه إياهم عدوهم, واستجلاد الأرض لهم, ( 43 ) حتى انتهوا إلى منزلهم الذي سبق إليه عدوهم.
( 44 )15781- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي قال: ثم ذكر ما ألقى الشيطان في قلوبهم من شأن الجنابة، وقيامهم يصلون بغير وضوء, فقال: " إذ يغشيكم النعاسَ أمنة منه وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام "، حتى تشتدون على الرمل, وهو كهيئة الأرض.
15782- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية قال، حدثنا داود بن أبي هند قال: قال رجل عند سعيد بن المسيب= وقال مرة: قرأ=( وينزل عليكم من السماء ماء ليطهِّركم به )، ( 45 ) فقال سعيد: إنما هي: " وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ ".
قال: وقال الشعبي: كان ذلك طشًا يوم بدر.
* * *وقد زعم بعض أهل العلم بالغريب من أهل البصرة, أن مجاز قوله: ( ويثبت به الأقدام )، ويفرغ عليهم الصبر وينزله عليهم, فيثبتون لعدوهم.
( 46 )وذلك قولٌ خِلافٌ لقول جميع أهل التأويل من الصحابة والتابعين, وحَسْبُ قولٍ خطًأ أن يكون خلافًا لقول من ذكرنا، وقد بينا أقوالهم فيه, وأن معناه: ويثبت أقدام المؤمنين بتلبيد المطر الرمل حتى لا تسوخ فيه أقدامهم وحوافر دوابِّهم.
( 47 )
الهوامش :( 25 ) انظر تفسير " يغشى " فيما سلف 1 : 265 ، 266 12 : 436 : 483 .
= وتفسير " النعاس " فيما سلف 7 : 316 .
( 26 ) الأثر : 15758 - انظر هذا الخبر بإسناد آخر فيما سلف رقم : 8083 .
( 27 ) قوله : " يغشاكم النعاس " قراءة أخرى في الآية ، و سأثبتها كما جاءت في المخطوطة بعد.
( 28 ) انظر تفسير " أمنة " فيما سلف 7 : 315 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .
( 29 ) في المطبوعة : " على رملة هشاء " ، ولا أصل لذلك في اللغة ، كلام لا يقال .
وهو في المخطوطة سيء الكتابة قليلا ، صواب قراءته ما أثبت .
و " الرملة الميثاء " ، اللينة السهلة .
قد تسوخ فيها الرجل قليلاً .
( 30 ) هذه الزيادة بين القوسين لا بد منها ، والأخبار الآتية تدل عل صحة ذلك .
وكان في المخطوطة أمام هذا السطر حرف ( ط ) دلالة على الخطأ والشك .
( 31 ) " الطش " ، المطر القليل ، وهو فوق " الرذاذ " .
( 32 ) في المطبوعة : " تحت الشجر " ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو صواب جيد .
= و " الحجف " ( بفتحتين ) جمع " جحفة " .
وهي الترس ، يكون من الجلود ليس فيه خشب ولا عقب ، وهو مثل " الدرقة " .
( 33 ) الأثر : 15764 - " هارون بن إسحاق الهمداني " ، شيخ الطبري ، مضى برقم : 3001 ، 10873 .
و " مصعب بن المقدام الخثمي " ، ثقة مضى برقم : 1291 ، 3001 ، 10873 ، وغيرها .
و " إسرائيل " هو " إسرائيل بن يونس بن إسحاق السبيعي " ثقة حافظ ، مضى مرارًا كثيرة .
و " حارثة " هو " حارثة بن مضرب العبدي " ، من ثقات التابعين ، مضى برقم : 2057 ، 8597 .
وهو خبر صحيح الإسناد ، خرجه السيوطي مختصرًا بغير هذا اللفظ ، ونسبة إلى ابن جرير ، وأبي الشيخ ، وابن مردويه .
الدر المنثور 3 : 171 .
( 34 ) الأثر : 15766 - " الحسن بن يزيد " ، لم أجد في شيوخ أبي جعفر ، وفيمن روى عن حفص بن غياث ، من يقال له " الحسن بن يزيد " ، وأرجح أنه :" الحسن بن عرفة بن يزيد العبدي " ، شيخ أبي جعفر ، نسبه إلى جده ، وقد مضى برقم : 9373 ، 12581 .
( 35 ) " الأعفر " ، الرمل الأحمر .
( 36 ) " رملة دعصة " ، هكذا جاء في التفسير ، في المخطوطة والمطبوعة ، وفي ابن كثير ، وضبطته بفتح الدال ، لأني رجوت أن يكون صفة ، كقولهم : " الدعصاء " ، وهي أرض سهلة فيها رملة تحمي عليها الشمس ، فتكون رمضاؤها أشد من غيرها ، قال :وَالمُسْتَجِيرُ بِعَمْرٍو عِنْدَ كُرْبَتِهِكَالمُسْتَجِيرِ مِنَ الدَّعْصَاءِ بِالنَّارِولكن كتب اللغة لم تذكر " دعصة " ، هذه .
وفي بعض الأخبار الأخرى " رملة دهسة " .
و " الدهس " ، و " الدهاس " ، أرض سهلة لينة يثقل فيها المشي .
( 37 ) " المجنبة " ( بتشديد النون مكسورة ) ، هي الكتيبة التي تأخذ إحدى ناحيتي الجيش ، " المجنبة اليمنى " ، و " المجنبة اليسرى " و هي : " الميمنة " و " الميسرة " .
( 38 ) " البطحاء " ، تراب لين جرته السيول ، وهو " الأبطح " ، يكون في مسيل الوادي .
( 39 ) في المخطوطة : " واص به " غير منقوطة ، كأنها " وأثبتت به " ، بالبناء للمجهول ، والذي في المطبوعة جيد ، وقريب أن يكون قد حرفه الناسخ .
( 40 ) في المخطوطة : " تطفي بالمطر الغبار ، وبدت به الأرض " ، وهو محرف ، والذي في المطبوعة أشبه بالصواب .
( 41 ) في المخطوطة : " وبلوا أسقيتهم " .
كأنها تقرأ " وبلوا " ، والذي في المطبوعة جيد ، قد مضى مثله في الأخبار .
( 42 ) في المطبوعة : " ونزل عليكم من السماء المطر الذي أصابهم . ..
"
، وفي المخطوطة : ونزلت عليكم من السماء المطر الذي أصابهم . ..
" ، وأثبت ما في سيرة ابن هشام وهو الجيد .
( 43 ) "
استجلاد الأرض " : من " الجلد " ( بفتحتين ) ، وهي الأرض الصلبة ، يعني أنها صارت أرضًا صلبة غليظة ، بعد أن كانت رملة ميثاء لينة .
و "
استجلدت الأرض " ، مما لم تذكره معاجم اللغة ، وهو عريق فصيح .
( 44 ) الأثر : 15780 - سيرة ابن هشام 2 : 323 ، وهو تابع الأثر السالف رقم : 15740 .
وكان في المطبوعة : "
الذي سبق " ، غير ما كان في المخطوطة ، وهو المطابق لما في سيرة ابن هشام ، وهو الصواب .
( 45 ) في المطبوعة كتب "
ليطهركم بها " ، غير ما في المخطوطة ، ولا أدري من أين جاء بها ، ولم أجد قراءة كهذه القراءة ، بل المعروف أن قراءة عامة القرأة " ليطهركم به " بتشديد الهاء مكسورة ، من " طهر " مضعفًا ، وأن سعيد بن المسيب ، قد انفرد بقراءة " ليطهركم " ، كما ضبطتها ، بضم الياء ، وسكون الطاء وكسر الهاء .
من "
أطهر " ، وهي قراءة شاذة .
انظر شواذ القراءات لابن خالويه : 49 ، وتفسير أبي حيان 4 : 468( 46 ) هو أبو عبيدة في مجاز القرآن 1 : 242 .
( 47 ) انظر تفسير "
تثبيت الأقدام " فيما سلف 5 : 354 7 : 272 ، 273 .
* * *هذا ، وقد أغفل أبو جعفر هنا إفراد تفسير "
يذهب عنكم رجز الشيطان " و " وليربط على قلوبكم " وانظر تفسير " الرجز " فيما سلف : ص : 179 ، تعليق : 3 ، والمراجع هناك .

إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينـزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام

سورة : الأنفال - الأية : ( 11 )  - الجزء : ( 9 )  -  الصفحة: ( 178 ) - عدد الأيات : ( 75 )

تفسير آيات من القرآن الكريم

  1. تفسير: وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا
  2. تفسير: واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب
  3. تفسير: فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون
  4. تفسير: ودخل معه السجن فتيان قال أحدهما إني أراني أعصر خمرا وقال الآخر إني أراني أحمل
  5. تفسير: ولقد جاءهم رسول منهم فكذبوه فأخذهم العذاب وهم ظالمون
  6. تفسير: وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من
  7. تفسير: ياأيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا
  8. تفسير: يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون
  9. تفسير: ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكرا
  10. تفسير: وهي تجري بهم في موج كالجبال ونادى نوح ابنه وكان في معزل يابني اركب معنا

تحميل سورة الأنفال mp3 :

سورة الأنفال mp3 : قم باختيار القارئ للاستماع و تحميل سورة الأنفال

سورة الأنفال بصوت ماهر المعيقلي
ماهر المعيقلي
سورة الأنفال بصوت سعد الغامدي
سعد الغامدي
سورة الأنفال بصوت عبد  الباسط عبد الصمد
عبد الباسط
سورة الأنفال بصوت أحمد العجمي
أحمد العجمي
سورة الأنفال بصوت محمد صديق المنشاوي
المنشاوي
سورة الأنفال بصوت محمود خليل الحصري
الحصري
سورة الأنفال بصوت مشاري راشد العفاسي
مشاري العفاسي
سورة الأنفال بصوت ناصر القطامي
ناصر القطامي
سورة الأنفال بصوت فارس عباد
فارس عباد
سورة الأنفال بصوت ياسر لدوسري
ياسر الدوسري

,

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب